شبهة شهادة الإمام الأوزاعي على علي رضي الله عنه بالنفاق
هذا مثال جديد على الاستدلالات المسيئة للإسلام ولأئمته ، تحت شعار طائفي .
فظلم عامة حكام بني أمية لا شك فيه ، وتخصيصهم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالظلم أيضا لا شك فيه ، ولا ينكره إلا متطرفو أهل السنة !
لكن أن يلجأ أحد للاستدلال على ذلك بما يقدح في دين وأمانة أئمة الدين ، فهذا ما لا يلجأ إليه إلا جاهل أو متعصب أعماه الهوى !
ومن ذلك ما أثاره بعض المراهقين فكريا ، متلقفا له من غيره ، من أن الإمام الأوزاعي قال : ((مَا أخذنا العطاء حَتَّى شهدنا عَلَى عليّ بالنفاق وتبّرأنا مِنْهُ )) !!
فمثل هذا الاستشهاد لا داعي له للاستدلال به على ظلم بني أمية لآل البيت ، ولسنهم سنة لعنهم وشتمهم = فهذا ثابت ، لا شك في ثبوته ، فقد صح من وجوه كثيرة ، بعضها صحيح الإسناد ، لا يحتاج إلى تعضيد .
لكن الاستشهاد بهذا النقل لا يجوز بهذا الإطلاق لأنه لا يصح سنده أولا ؛ ولأنه يشكك في ديانة أئمة الإسلام ! كما راسلني أحد الفضلاء ، يقول : إنه متوقف في عدالة الإمام الأوزاعي بسبب هذا الخبر !!
وللكلام عن هذا الخبر أقول :
أولا : في إسنادها ضعف عن الأوزاعي .
فهو من رواية أبي فروة يزيد بْن محمد الرهاوي: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: قلت لعيسى بْن يونس: أيمّا أفضل الأوزاعي أو الثوري؟ فَقَالَ لِي: وأين أنت من سفيان، قُلْتُ: ذهبت بِهِ العراقية، الأوزاعي وفقهه وفضله وعلمه، فغضب وقال: أتراني أؤثر عَلَى الحق شيئًا! سَمِعْت الأوزاعي يَقُولُ: مَا أخذنا العطاء حَتَّى شهدنا عَلَى عليّ بالنفاق وتبّرأنا مِنْهُ، وأخذ علينا بذاك العتاق والطلاق وأَيْمان البيعة، قَالَ: فلما عقلت أمري سَأَلْتُ مكحولا ويحيى بْن أَبِي كثير وعطاء ابن أَبِي رباح وعبد الله بْن عُبَيْد بْن عمير، فقالوا: ليس عليك شيء إنما أنت مُكْرَه، قَالَ: فلم تطب نفسي حَتَّى فارقت نسائي وأعتقت رقيقي وخرجت من مالي وكفرت أَيْماني، فأَخْبِرْني: أَسُفْيان كَانَ يفعل ذَلِكَ؟
قال الذهبي : (( سمعها الحاكم من أَبِي علي الحافظ : أخبرنا مكحول ببيروت : حدثنا أَبُو فروة)) .
ومحمد بن يزيد الرهاوي والد يزيد راو مضعّف ، كما تجدونه في تهذيب التهذيب وأصوله وتوابعها ، وإن وثقه بعض أهل العلم ، لكن المضعفين أكثر عددا وأجل قدرا ، وأبرزوا دليل التضعيف من روايته ما يُستنكر من الحديث . وأقل ما يفيده هذا الضعف (ولو كان يسيرا) أن هذا الخبر لا يصمد أمام يقينية إمامة الإمام الأوزاعي واستفاضة علو مكانته في الدين وشهرتها شهرة تثبتها ثبوتا لا يقبل التشكيك . فالظني إذا عارض اليقيني كان كذبا ، فكيف إذا كان المعارض لا يفيد حتى غلبة الظن لضعفه .
ثانيا : الخبر يدل على أن الإمام الأوزاعي فعل ذلك في مقتبل عمره ، فهو يقول : ((فلما عقلت أمري ، سَأَلْتُ مكحولا ويحيى بْن أَبِي كثير وعطاء ابن أَبِي رباح وعبد الله بْن عُبَيْد بْن عمير )) ، مما يدل على أن هذا وقع منه ، قبل علمه وإمامته ، وأنه لما علم أنه لا يجوز تاب وأناب ، حتى إنه ألزم نفسه بأشد أمر ، مما لا يلزمه من طلاق وعتاق ، لكي يخرج من إثم تلك الأيمان الباطلة ويتبرأ منها .
فهذا الخبر يدل على عظيم ديانته ، لا على ضد ذلك .
ثالثا : الخبر نفسه يدل على الإكراه ، وليس على المكره مؤاخذة .
رابعا : لللإمام الأوزاعي العديد من القصص التي تدل على جهاده وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أمام الحكام وغيرهم ، فلا يصح أن تختزل سيرته العطرة كلها في هذا الخبر الواحد .