فائدة عن عبارة منقولة عن الإمام أحمد فهم منها بعض الناس التبرك بالقبر النبوي

فائدة عن عبارة منقولة عن الإمام أحمد فهم منها بعض الناس التبرك بالقبر النبوي

قال أحد الإخوة:

وها هو الإمام أحمد رحمه الله يجيز التبرك بمنبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل بقبر صلى الله عليه وسلم،

كما في العلل ومعرفة الرجال(2/492/3243): قال عبد الله رحمة الله عليه وعلى أبيه:
"سألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه و سلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو

نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله جل وعز فقال: لا بأس بذلك" !!

فكتبت هذه الإجابة:

أما التمسح بالمنبر والرمانة فهذا صحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسها وجلس على المنبر ، ولكن

المنبر قد احترق من قديم .

أما النص المذكور في العلل لعبدالله بن أحمد فهو ثابت وصحيح، وإن كان بعض المعاصرين قد شكك في

ثبوتها ، ولكن الأقرب ثبوتها .
ولكن النص على المنبر واضح وصريح ، أما القبر فإن صيغة السؤال عن القبر تختلف عن المنبر ، ففي

لفظ السؤال (سألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه و سلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر

مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله جل وعز فقال: لا بأس بذلك)

فقوله مثل أو نحو يدل على أن الأمر في القبر ليس مثل المنبر تماما، خاصة أن حال القبر يختلف عن

حال المنبر ، وقد ورد عنه في سؤال آخر ما يوضح ذلك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 244)
قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل -: قبر النبي صلى الله عليه وسلم يمس

ويتمسح به؟ فقال: ما أعرف هذا.
قلت له: فالمنبر؟ فقال: أما المنبر فنعم قد جاء فيه. قال أبو عبد الله: شيء يروونه عن ابن أبي

فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن عمر: أنه مسح على المنبر. قال: ويروونه عن سعيد بن المسيب في

الرمانة .
قلت: ويروون عن يحيى بن سعيد، أنه حين أراد الخروج إلى العراق، جاء إلى المنبر فمسحه ودعا،

فرأيته استحسنه ثم قال: لعله عند الضرورة والشيء.
قيل لأبي عبد الله: إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر. وقلت له: رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا

يمسونه ويقومون ناحية فيسلمون. فقال أبو عبد الله: نعم، وهكذا كان ابن عمر يفعل. ثم قال أبو عبد

الله: بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم.
فقد رخص أحمد وغيره في التمسح بالمنبر والرمانة، التي هي موضع مقعد النبي صلى الله عليه وسلم

ويده، ولم يرخصوا في التمسح بقبره. وقد حكى بعض أصحابنا رواية في مسح قبره، لأن أحمد شيع بعض

الموتى، فوضع يده على قبره يدعو له. والفرق بين الموضعين ظاهر.

وكره مالك التمسح بالمنبر. كما كرهوا التمسح بالقبر. فأما اليوم فقد احترق المنبر، وما بقيت

الرمانة، وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة، فقد زال ما رخص فيه، لأن الأثر المنقول عن ابن عمر

وغيره، إنما هو التمسح بمقعده.
وروى الأثرم بإسناده، عن القعنبي عن مالك، عن عبد الله بن دينار قال: رأيت ابن عمر يقف على قبر

النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر.
انتهى.

فالإمام أحمد رحمه الله يرى فيما نقله عنه الأثرم عدم مسح القبر ولا لصق البطن بجداره ، وهذا الذي

اختاره الإمام أحمد صراحة واحتج لذلك بفعل ابن عمر ، ووافق عمل أهل العلم من أهل المدينة .

فالرواية المذكورة في العلل تحمل على الوقوف عند القبر للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن

إمكانية مسح القبر غير ممكنة فهو داخل الحجرة النبوية صلى الله عليه وسلم ، ولايمكن لكل أحد أن

يدخل داخل الحجرة النبوية الشريفة ويمسح القبر أو يقبله .
فالمحمل الصحيح للمنقول في العلل لعبدالله أن السائل ذكر التبرك بالمنبر صراحة ، أما القبر فلم

يذكر ذلك صراحة ، بل ذكر (مثل ذلك أو نحو هذا)، فتقبيل القبر ومسحه غير ممكن أصلا للزائر ،

فكيف يحمل على ما قيل في المنبر، خاصة مع ورود رواية أخرى صريحة في هذا الأمر عن الإمام أحمد

رحمه الله .

فالقصد أن الروايات المشتبهة ترد إلى الروايات المحكمة ، وهي أن الإمام أحمد يرى أن زيارة قبر

النبي صلى الله عليه وسلم على ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنه ، أما ما ورد في العلل لعبدالله فهي

محتملة وغير صريحة لوجود التردد في ذكر (مثل ذلك أو نحو هذا) ولعدم إمكانية حصول ذلك عن قبر

النبي صلى الله عليه وسلم ، فحتى لو قيل مثل ذلك أو نحو هذا لأمران مختلفان ، فيحمل على ما يمكن

فعله ، وما يمكن فعله هو الوقوف عند القبر والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر

وعمر ، والله تعالى أعلم .
__________________
وكتب: عبدالرحمن بن عمر الفقيه الغامدي
مكة بلد الله الحرام