هذا الجزء 2 و 3 من الفوائد التي أفادنيها شيخنا الفاضل المربي / عبدالرحمن بن مرزوق العوفي - حفظه الله - :

: وسائل الهداية :-
أيها الإخوة المباركون : لقد سبق معنا بأن الله تكفل ببيان الحق من الباطل ابتداءاً، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة ، فلا داعي للحيرة والقلق الذي يزعمه بعض الناس في جانب ظهور الحق وعدمه لاسيما في أصول الدين ، وتتمة للفائدة في هذا الباب العظيم اخترت لك - أخي- وسائل مهمة تساعد على معرفة الهداية والعمل بمقتضاهامنها ما يلي
1- الصدق مع الله تعالى في طلب هذه الهداية ، وهذا الصدق مما
لا يعلمه إلا الله ثم أنت ، أقرب الناس إليك لا يستطيع أن يجزم بأنك صادق في طلبك لهذه الهداية بل لا يجوز له ذلك ، ومما يدل على أن الصدق سبب للهداية قول الله تعالى : { قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } أي صدقهم في الدنيا ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ 000 ) وقوله عليه الصلاة والسلام :( إن تصدق الله يصدقك )
- فمن كذب في طلب هذه الهداية قد لا يوفق عقوبة له قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)
2- الاجتهاد في البحث عن هذه الهداية قدر الاستطاعة والحرص على الوصول إليها والاستعانة بالله تعالى عليها لقول الله تعالى { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا} وقوله صلى الله عليه وسلم : ( 000احرص على ماينفعك واستعن بالله ولا تعجز 000 )
وهذاالاجتهاد والحرص من علامة صدق العبد ومحبته للهداية ، لأن كل من أحب شيئاً بادر إليه واجتهد في الحصول عليه غالبا ، والعكس بالعكس أي من تكاسل عن طلب ذلك فقد لا يوفق .
3- العمل بما ظهر له من الهداية : أي يعمل بمقتضى ذلك فإن كان حقاً بادر إليه وإن كان باطلاً هرب منه ، لقول الله تعالى : { يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، والعكس بالعكس أي من تمرد وانحرف بعد وضوح الهداية له فقدلا يوفق عقوبة له لقول الله تعالى : {000 فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
4- كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بطلب هذه الهداية بشكل عام وخاصة الدعاء المأثور ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) .
5- الاستخارة : ودعاؤها معلوم
6- الاستشارة : وذلك بأن يستشير من هو أهل للمشورة
7- ملازمة الجليس الصالح والبعد عن جليس السوء : فالرجل على دين خليله وكما قيل : الصاحب ساحب أي لما عنده من خير أو غير
8- شكر الله تعالى على نعمةالهداية لقوله تعالى { لئن شكرتم لأزيدنكم }
9- تعلم العلم الشرعي والتزود منه لحديث : (000 ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة )
10- الإخلاص في ذلك كله لله تعالى : قال الله تعالى : { كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } وقوله تعالى : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }
وللحديث بقية بإذن الله تعالى 0
أخوكم في الله / أبو طارق :
عبد الرحمن بن مرزوق العوفي .



: من أحكام الدعوة إلى الله :
- من المناسب جداً بعد طرحنا لحقيقة الهداية والوسائل الموصلة إليها أن نطرح ما يتعلق بفضل ومكانة الحرص على هداية الناس وإرشادهم للخير وتحذيرهم من الشر وحكم ذلك في حق المكلفين والحكمة من ذلك ومسائل مهمة متنوعة في هذا الباب أي باب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :-
- الدعوة إلى الله طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام فهي وظيفة شريفة مباركة 0
- للهداية والدعوة إلى الله تعالى فضائل متعددة تبرز فيما يلي :-
1- قول الله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي لا أحد أحسن من هذا الصنف الذي يدعو إلى دين الله على المنهج الصحيح ويعمل بما يدعو إليه ويخلص في ذلك لله تعالى 0
2- قوله سبحانه : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } أي ينال العبد من هذه الخيرية بقدر إيمانه بالله ودعوته لذلك 0
3- قوله تعالى :{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وجادلهم بالتي هي أحسن } يأمر الله في هذه الآية كل مكلف بالدعوة إلى الله بالعلم الشرعي ، وقد يكتفى به في حق من يجهل الحكم الشرعي فقط ، وبعض المدعوين يحتاج إلى الموعظة الحسنة أي الترغيب والترهيب إضافة للعلم لما لديه من غفلة ، وهناك من المدعوين من بحتاج مع العلم والموعظة الجدال بالحسنى وهو ذلك المعاند المتصدي للحق وأهله زعماً منه أنه على الحق
4- قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }أي ألزمواأنفسكم الهداية أولاً ثم ادعوا غيركم إلى هذه الهداية وهذا هو الاهتداء فإن فعلتم ذلك فلا يضركم من انحرف بعد ذلك لأنكم عملتم مايجب عليكم شرعاً فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها ، هذا هو المعنى الصحيح للآية باختصار ، بخلاف من يفهم منها ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولذا قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطيباً يوماً فقال: (يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ.. الخ } وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب )
5- قول النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا 0
6- قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) تغيير اليد يكون في حق الوالي ورب الأسرة أو من ينوب عنهما فقط وليس لأي أحد 0
7- قوله عليه الصلاة والسلام :
( مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا )
8- قوله عليه الصلاة والسلام :
( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )
- حكم الدعوة إلى الله : واجبة على كل مكلف بحسب علمه الشرعي ، فلا يشترط حفظ الدليل على هذا المأمور به أو المنهي عنه وإن كان مما ينبغي التحلي به في حق الداعية إلى الله تعالى لأنه أدعى لقبول دعوته وإقناع المدعو وإقامة الحجة وكشف الشبهة المهم أن يكون الداعية متيقن من صحة المعلومة عن طريق أهل العلم الثقات ، فكم من واجبات ومحرمات مجمع عليها لا يعرف الأدلة عليها إلا القليل .
- أخوكم في الله / أبو طارق :
عبد الرحمن بن مرزوق العوفي 00