مع الشيعة الإماميةِ في الأُصول [الإمامة_العصمة_ا لصحابة] بدر باقر.

"غزو الشيعة"، كلمة كثيرًا ما تطرق مسامعنا هذه الأيام، فوجب بيان ما المقصود بالشيعة، والخطر الذي جعل دخول التشيع إلى أرض بمثابة الغزو لها!
قال ابن فارس رحمه الله: (الشين والياء والعين) أصلان يدل أحدهما على معاضدة ومساعفة، والآخر على بث وإشادة. [مقاييس اللغة لابن فارس (3/235)]

وبتأمل المعنى اللغوي يمكننا استيعاب لفظة (شيعي) بجميع إطلاقاتها عند السلف والتي أُطلقت بإرادة التصنيف والتمييز.
فهي تارة دالة باعتبار الأصل اللغوي الأول فيقصد بها بيان النصرة كما في قولهم: "شيعة علي وشيعة معاوية"، والغرض من استعمال اللفظة هنا = التمييز بين أنصار علي وأنصار معاوية في تلكم الحرب مع قطع النظر عن أي اعتبارات أخرى.
وتارة تُستعمل باعتبار الأصل اللغوي الثاني فيقصد بها الإشادة والتفضيل = فيوصف بها كل من فضَّل عليًّا على أحد الثلاثة الذين سبقوه بالخلافة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
وصدق الوصف باعتباره اللغوي على فرد أو جماعة لا يستلزم صدقه باعتباره الاصطلاحي، والذي يقصد به تمييز كل من خرج من دائرة أهل السنة بمعناها الأعم.
والخروج من دائرة أهل السنة -بأوسع نطاقاتها- إلى دائرة التشيع يكون بتفضيل علي رضي الله تعالى عنه على الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر حصرًا، أما تفضيله على عثمان أو من سواه من صحابة النبي صلى الله عليه وسلـم =يبقي صاحبه في دائرة أهل السنة على الصحيح.

وعليه نخلص بأن التشيع -بمعناه الذي اصطلحت عليه كتب الفرق- يشترك أهله في تفضيل علي رضي الله تعالى على الشيخين رضي الله تعالى عنهما، وبضميمة عقائدهم الأخرى يكون امتيازهم فيما بينهم؛ فمنهم من غلا في التشيع بأن بلغ بعلي رضي الله تعالى عنه رتبة الألوهية كالسبئية -وهؤلاء خرجوا من دائرة الإسلام لا من دائرة السنة فحسب-، وأقلهم شططًا وأدناهم إلى أهل السنة من فضَّل عليًّا رضي الله تعالى عنه وضم إليه توقير الصحابة جملة كمعظم الزيدية.

ومن يهمنا اليوم من طوائف الشيعة هي الطائفة المسماة بالاثني عشرية؛ وقد لقبوا بذلك لاعتقادهم بإمامة اثني عشر إمامًا [هم علي والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، ومحمد بن الحسن وهو المهدي المنتظر في الاعتقاد الإمامي]، والاثنا عشرية -من حيث الجملة- يقبعون في الوسط على مقياس الغلو في التشيع، ويدور حديثنا حول أهم الأصول التي خالف بها الاثنا عشرية أهلَ السنة، وما سنذكره يصلح كتوصيف للشيعي كما ينبغي أن يكون بحسب ما يقرره أساطين المذهب، وفي أفرادهم تفاوت في التزام ذلك إفراطًا وتفريطًا.

وسنقتصر على ثلاثة أصول رئيسة امتازت بها الاثنا عشرية عن غيرها:
1- الإمامة:
تتفق الفرق الإسلامية على ضرورة إرسال الأنبياء فتقام بهم الحجة وتستقيم ببعثتهم أمور الدين والدنيا، وليست الإمامية في ذلك بدعًا، إلا أنهم أوجبوا على الله -من باب اللطف- تعيين إمام مخول بإتمام ما بلَّغت به الأنبياء وتكون إليه رياسة الدين والدنيا بعدهم، ولا تستقيم الدنيا ولا تستكمل الأديان إلا بالإمامة إلهية المصدر؛ فالإمامة عندهم "منصب إلهي مقدس لا يتحقق لأحد إلا بنص من الله تعالى، أو من نبيه المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى". [دلائل الامامة، ص18]

ومقتضى المصدرية الإلهية للإمامة ألا يكون للبشر أدنى حرية في اختيار إمامهم؛ فكما أن الله تعالى يصطفي الأنبياء فكذلك الأئمة، وقد نص علماؤهم على ذلك صراحة فيقول الشيخ محمد رضا المظفر: "نعتقد أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده، وحكمها في ذلك حكم النبوة بلا فرق؛ فليس للناس أن يتحكموا فيمن يعينه الله هاديًا ومرشدًا لعامة البشر؛ كما ليس لهم حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه؛ لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمل أعباء الإمامة العامة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يعرف إلا بتعريف الله ولا يعين إلا بتعيينه". [عقائد الإمامية، ص74].

وينسب علي الميلاني -أحد علماء الإمامية المعاصرين- ذلك المعتقد للإمامية عمومًا فيقول: "إن مذهب أصحابنا أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، وطريق تعيين الإمام هو النص أو ما يقوم مقامه لا غير؛ فكل ما يعتبر في النبوة معتبر في الإمامة، وكل ما ليس بمعتبر في النبوة فليس معتبرًا في الإمامة، وكما أن النبي ليس بمجتهد بل هو مبلغ لما أمره الله تعالى بإبلاغه بالوحي كذلك الإمام فهو مبلغ لما أخذه وتعلمه من النبي". [الإمامة في أهم الكتب الكلامية، ص49]
وبما أن المعتبر في الإمامة معتبر في النبوة = فينبغي عقلًا أن تشغل ذات الحيز التي تشغله النبوة كأصل من أصول الإيمان، ولم يخيب علماء الشيعة التوقعات، فها هو محمد حسين آل كاشف الغطاء وبعد سرده الأصول الأربعة التي ينبغي اعتقادها يتبع ذلك بقوله: "لكن الشيعة الإمامية زادوا (ركنًا خامسًا) وهو: الاعتقاد بالإمامة. يعني أن يعتقد: أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة...". [أصل الشيعة وأصولها، ص211]
ولأن الغلو لا ينتهي إلى غاية، لم يكتف الإمامية بأن جعلوا الإمامة قرينة للنبوة بلا دليل شرعي ناهض، بل قالوا بتفضيلها على النبوة، فيقول المجلسي: "انعقاد الإجماع على كون النبي أفضل ممن ليس بنبي مطلقًا ممنوع، كيف وأكثر علماء الإمامية بل كلهم قائلون بأن أئمتنا عليهم السلام أفضل من سائر الأنبياء سوى نبينا صلى الله عليه وآله". [بحار الأنوار (21/284)]
وفي ذات السياق يقول آية الله السيد كاظم الحائري: "إن الذي يبدو من الروايات أن مقام الإمامة فوق المقامات الأخرى -ما عدا مقام الربوبية قطعًا- التي يمكن أن يصل إليها الإنسان". [الإمامة وقيادة المجتمع، ص26]، كما يقول آية الله الشيخ محمد المحمدي الريشهري: "إن أعلى درجات الولاية هي أعلى درجات الإمامة والقيادة في الإنسان الكامل، وقد عدها الكلام الإلهي أعلى من النبوة أيضًا". [القيادة في الإسلام، ص78]، ومن النصوص المأثورة عن الخميني قوله: "وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل". [الحكومة الإسلامية ص52]
ولم يكتف علماؤهم بتفضيل الإمامة على النبوة؛ بل عدُّوا الإمامة "أهم المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين".[منهاج الكرامة ص29] كما صرح به علامتهم ابن المطهر الحلي.

ورغم تقريرهم للتباين بين الإمامة والنبوة وتفوق الأولى على الأخيرة في الرتبة والمنزلة؛ فقد حار علماؤهم واضطرب مفكروهم في استنباط ضابط يصلح للتفريق بينهما، فتقرأ الصفحات الطويلة والتي يقصد كتَّابها تحرير الفرق بين الرتبتين، ثم لا تخرج منها بفرق يذكر، فكل ما يذكر للتفريق (كالوحي، والتشريع، والقيادة إلخ) = تبطله النصوص المنقولة عن الأئمة، وهو ما صرح به علامتهم محمد باقر المجلسي فقال: "استنباط الفرق بين النبي والإمام من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال وكذا الجمع بينها مشكل جدًّا .. وبالجملة لا بد لنا من الإذعان بعدم كونهم عليهم السلام أنبياء وبأنهم أشرف وأفضل من غير نبينا صلى الله عليه وسـلم من الأنبياء والأوصياء، ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء، ولا يصل عقولنا إلى فرق بيِّن بين النبوة والإمامة، وما دلت عليه الأخبار فقد عرفته، والله تعالى يعلم حقائق أحوالهم صلوات الله عليهم أجمعين". [بحار الأنوار (26/82)]
فغاية ما حصله المجلسي عبر النظر في الأخبار أن تجريدهم من وصف النبوة هو لرعاية جلالة خاتم الأنبياء لا أكثر!

2- العصمة:
غلو الإمامية في التفضيل هو ما بدأ به انفصالهم عن أهل السنة، ومنه تفرعت سائر عقائدهم، وينبغي أن يفهم القارئ في التراث الإمامي أن الطبيعة الإمامية لا تقبل إلا بالتفضيل المطلق من كل وجه، فلا تقبل بمجرد التفضيل الذي يمكن معه مشاركة المفضول للفاضل، بل ينبغي أن يكون الاشتراك ممتنعًا من كل وجه، وعليه كان استحقاق الإمامة بالنص الإلهي، ومنه تفرع القول بالعصمة المطلقة للأئمة.
فيقول محمد رضا المظفر: "ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصومًا من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمدًا وسهوًا، كما يجب أن يكون معصومًا من السهو والخطأ والنسيان". [عقائد الإمامية للمظفر ص67]
لاحظ قوله: "من سن الطفولة إلى الموت"، فالنفسية الشيعية تصر على تفرد الإمام من كل وجه، فحتى طفولتهم ليست كطفولة غيرهم!
ويقول المجلسي: "اعلم بأن الإمامية رضي الله عنهم اتفقوا على عصمة الأئمة عليهم السلام من الذنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلًا لا عمدًا ولا نسيانًا ولا لخطأ في التأويل ولا للإسهاء من الله سبحانه..".
ويجعل الإمامية العصمة لازمة للإمامة؛ فكل إمام معصوم "لأنه لو ثبت إمام وهو غير معصوم لنال عهد الله تعالى ظالمًا". [كتاب الألفين للعلامة الحلي ص403] ويقبل الشيعة القول بعصمة من ليس بنبي ولا إمام، كما قالوا بعصمة فاطمة رضي الله تعالى عنها.

3- الموقف من الصحابة:
عصمة، ومنصب إلهي، وأفضلية مطلقة لعلي رضي الله تعالى عنه، عقائد لا تجد لها أثرًا على فعل صحابة نبينا صلى الله عليه وآله وسلـم، فهم استقروا على أبي بكر الصديق خليفةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلـم، فقلدوه أمرهم وأذعنوا له بالطاعة، وبعده عمر، وبعد عمر عثمان؛ فكان فعل الصحابة إشكالًا يعصف بعقيدة الشيعة، فإما -والحال كذلك- أن يتخلى الشيعة عن معتقدهم أو عن الصحابة، فاختار الشيعة الإبقاء على معتقدهم، وأوجبوا استحقاق الصحابة للذم واللعن لغصبهم حق الإمام الشرعي، ولم ينج من لعنات الشيعة سوى:
أ*- _ قلة قليلة من المهاجرين والأنصار، لا يتجاوزون -بأحسن الأحوال- أصابع الكفين، والمشهور أنهم أربعة، وهم: سلمان الفارسي، المقداد بن الأسود، أبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحتى هؤلاء الأربعة لم يسلموا من الغمز فبحسب ما يقرره الشيعة لم يكن التسليم المطلق إلا من المقداد، أما الثلاثة فقد ظهرت منهم مخالفات تقدح فيهم، أشدها تلكؤ عمار وتردده في قبول أمر الله في الإمامة ثم رجوعه إلى الإقرار بها بعد ذلك! [بحار الأنوار (22/440)]

ب*- _ مانعو الزكاة: وكان ذلك مخرجًا أوجدوه لعدم قبول العقل تخلي جميع الصحابة عن الإمام المنصَّب من الله، وجنوحهم إلى إمامة رجل لا مصلحة لهم في إمامته ولا سلطان له عليهم، فلجئوا إلى أسطورة خلاصتها أن منع الزكاة لم يكن إلا رفضًا لإمامة الصديق رضي الله عنه، ورغبة لتسليم الأموال للوصي الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وسـلم.

ولذلك تجد من الشيعة من يعترض على مصطلح: "حروب الردة"، فيقول السيد المرعشي: " ما ذكره في الوجه الثاني من المقام الثاني من أن أبا بكر هو الذي تولى محاربة المرتدين غير مُسلَّم، وما شرحه سابقًا مما لا ينشرح به صدر من له قلب، وذلك لأنا لا نسلم أن الذين ارتكب أبو بكر قتالهم كانوا من أهل الردة لما سبق من أن من عدهم أبو بكر وأصحابه من أهل الردة كانوا قسمين، قسم لم يؤمن قط كأصحاب مسيلمة وسجاح فهؤلاء كانوا كفارًا حربيين لم يسلموا قط؛ فإطلاق الارتداد عليهم مخالف للعرف واللغة، والثاني قوم منعوا الزكاة من أن يدفعوها إلي أبي بكر وفرقوها على فقراء قومهم لاعتقادهم عدم استحقاق أبي بكر للخلافة وأن المنصوص عليه هو علي (ع)". [شرح إحقاق الحق (3/212)] وبنفي حروب الردة يتخلص الشيعة من فضيلة للصديق ويوجدون لمعتقدهم موطئ قدم بين سلف الأمة!

وكما أن التفضيل عند الشيعة مطلق من كل وجه، فكذلك الذم والانتقاص لخصوم الأئمة -بزعمهم- ؛ فنسبوا للصحابة كل نقيصة، فمجرد الطعن في الدين لا يروي ظمأ الشيعي ولا يشفي غليله، فبعد الحكم بردة الصحابة "كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة". [الكافي (8/246)] وكفر من أحبهم، كقولهم عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "كافران كافر من أحبهما". [بحار الأنوار (69/137)] تجاوزوا ذلك إلى القدح في أعراضهم وثلبها بما لا يصدر من إنسان سوي فضلًا عن مؤمن، فضلًا عن عالم دين!
ومثال ذلك ما ذكره الخواجوئي في نسب عمر رضي الله تعالى عنه؛ إذ جعله نتاج فاحشة مركبة فقال: "نسب عمر: عمر بن خطاب بن نفيل بن صهاك. من قِبل الأب، ومن جانب الأم: ابن خيثمة بنت خطاب بن نفيل بن صهاك هكذا :
من جده خاله ووالده * وأمه أخته وعمته
أجدر أن يبغض الوصي وأن * ينقض يوم الغدير بيعته
بيانه : أن الخطاب هذا أبو عمر وهو ظاهر، وجده لأنه أبو أمه خيثمة، وخاله لأنه أخو أمه خيثمة لأمها، وخيثمة هذه أم عمر لأنه ولدها، وأخته لأبيه لأنها بنت الخطاب، وعمته لأنها أخت أبيه الخطاب". [جامع الشتات ص193].
ولم ينج عرض نبينا صلى الله عليه وسـلم فجعلوه غرضًا لسهامهم = فاتفقت الإمامية على ذم بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلـم ولعنهم، ومنهم من جاوز ذلك إلى نسبة الفاحشة إليهن؛ كقول محمد جميل حمود العاملي: "إطباق الأخبار على صدور الفاحشة من بعضهن"! [خيانة عائشة بين الاستحالة والواقع ص 63]

وبعد كل ما سبق أوجب الشيعة لعن الصحابة رضوان الله تعالى عليه، ونسبوا لأئمتهم ترغيب "الشيعة في لعن أعداء أهل البيت بأسمائهم، وذكروا للعنهم ثوابًا عظيما". [الأربعين لمحمد طاهر القمي الشيرازي ص 633] وحضًّا على اللعن فضلوه على الصلاة على النبي وآله! [مجمع النورين لأبي الحسين المرندي ص208] وعلل الشيخ علي الكوراني ذلك قائلًا: "فإن لعن أعداء محمد وآله أفضل من الصلاة عليهم صلى الله عليه وآله؛ لأنه مقدمة لولايتهم ومودتهم، والدعاء لهم والصلاة عليهم". [جواهر التاريخ لعلي الكوراني العاملي ( 2/484)]

فيظهر مما سبق خطر التشيع الاثني عشري على دين المرء وأخلاقه وفكره.
اللهم من كان من هذه الأمة على غير الحق وهو يظن أنه عليه، اللهم فرده إلى الحق ردًّا جميلًا حتى يكون من أهله.

المصدر: "مجلة الشريعة"(ص:48).