الحمد لله القوي المتين، الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وعبده المجتبى؛ محمد وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، أما بعد،،
فهذا عمل متواضع قصدت به تقريب "جزء عم" وفق المنهج السلفي، وذلك من خلال الخطوات التالية:
1- استفدت معاني الكلمات من [تفسير غريب القرآن ] لـ د. كاملة الكواري.
2- جردت المعنى العام من خلال تفسير ابن كثير.
3- استكملت نقص الكتاب الأول، وصوبت بعض ما فيه من خلال غيره من كتب التفسير.
4- رجحت - عند الاختلاف بين المفسرين - رأيًا واحدًا سواء في معاني المفردات أو في المعنى العام اعتمادًا على [الصحيح المسبور].
5- حاولت قدر استطاعتي عدم التصرف في النص المنقول إلا ما لابد منه.
وبذا يكون هذا الكتاب صورة عصرية للمادة التفسيرية السلفية المستفادة من المراجع التراثية.
فأن وفقت فمن الله، وإن تكن الأخرى، فأسأل الله ألا يحرمني أجر من اجتهد فأخطأ، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.
__________
يَا مَنْ غَدَا نَاظِرًا فِيمَا كَتَبْتُ وَمَنْ ... أَضْحَى يُرَدِّدُ فِيمَا قُلْتُه النَّظَرَا
سَأَلْتُكَ اللهَ إِنْ عَايَنْتَ لِي خَطًا ... فَاسْتُرْ عَلَيَّ فَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ سَتَرَا
__________
تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّبَأِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
قوله تعالى: [عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7 ) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) ].
شرح المفردات:
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1): {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ} عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَسَاءَلُ هؤلاء المُشْرِكُونَ من قريشٍ يَا مُحَمَّدُ.
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2): {النَّبَإِ الْعَظِيمِ} الخبرُ العظيمُ الشأنِ.
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6): {مِهَادًا} فِرَاشًا فَهُمْ يَمْتَهِدُونَهَ ا وَيَفْتَرِشُونَ هَا.
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7): {أَوْتَادًا} أَيْ: تُثَبَّتُ بها الأرضُ كما تُثَبَّتُ الخيمةُ بالأَوْتَادِ.
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8): {أَزْوَاجًا} أَصْنَافًا في النَّوْعِ والشَّكْلِ.
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9): {سُبَاتًا} رَاحَةً لِأَبْدَانِكُمْ ، وَقَطْعًا لأَشْغَالِكُمْ.
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10): {اللَّيْلَ لِبَاسًا} تُغَطِّيكُمْ ظُلْمَتُهُ كما يُغَطِّي الثوبُ لَابِسَهُ.
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11): {النَّهَارَ مَعَاشًا} ضِيَاءً لِتَنْتَشِرُوا فيه لِمَعَاشِكُمْ.
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12): {سَبْعًا شِدَادًا} قَوِيَّةً مُحْكَمَةً، الوَاحِدَةُ شَدِيدَةٌ وَالجَمْعُ شِدَادٌ، والمقصودُ بها السماواتُ السَّبْعُ، في غايةِ القوةِ والصلابةِ والشِّدَّةِ.
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13): {سِرَاجًا وَهَّاجًا} أي: ضوءَ الشمسِ وَهَّاجًا وَقَّادًا.
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14): {مِنَ المُعْصِرَاتِ} مِنَ السَّحَابِ الَّذِي يَتَحَلَّبُ بالمَطَرِ. {مَاءً ثَجَّاجًا} مَاءً كَثِيرًا جِدًّا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15): {حَبًّا وَنَبَاتًا} الحَبُّ: مَا يَأْكُلُهُ الناسُ من بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَأُرْزٍ، وغيرِ ذلك مما يَأْكُلُهُ الآدَمِيُّونَ، والنباتُ ما تُنْبِتُهُ الأرضُ، وقيل: سَائِرُ النباتِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ قُوتًا لِمَوَاشِيهِمْ.
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16): {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} بَسَاتِينَ مُلْتَفَّةً مُجْتَمِعَةً.
المعنى الإجمالي:
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي تَسَاؤُلِهِمْ عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنْكَارًا لِوُقُوعِهَا: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَسَاءَلُونَ؟ مِنْ أَمْرِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الْخَبَرَ الْهَائِلَ الْمُفْظِعَ الْبَاهِرَ: الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالنَّاسُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: مُؤْمِنٌ بِهِ وَكَافِرٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لِمُنْكِرِي الْقِيَامَةِ: {كَلا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ} وَهَذَا تهديدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ.
ثُمَّ شَرَعَ يُبَيّن قُدْرَتَهُ الْعَظِيمَةَ عَلَى خَلْقِ الْأَشْيَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ وَغَيْرِهِ، فَالأرْضَ مَهَّدَهَا لِلْخَلَائِقِ ذَلُولًا لَهُمْ، فَكَانَتْ قَارَّةً سَاكِنَةً ثَابِتَةً، وَالْجِبَالَ جَعَلَهَا لَهَا أَوْتَادًا أَرْسَاهَا بِهَا وَقَرَّرَهَا حَتَّى سَكَنَتْ بِمَنْ عَلَيْهَا.
ثُمَّ يُبَيّن أَيْضًا خَلَقَ الْذَكَرًا وَالْأُنْثَى، يَسْتَمْتِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَيَحْصُلُ التَّنَاسُلُ بِذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّومِ: 21].
ثُمَّ بَيّن أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ نَوْمَكُمْ قَطْعًا لِلْحَرَكَةِ لِتَحْصُلَ الراحة من كثرة السعي فِي الْمَعَايِشِ فِي النَّهَارِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ يَغْشَى النَّاسَ ظَلَامُهُ وَسَوَادُهُ، سَكَنًا لهم. وَجَعَلَ النَّهَارَ مُشْرِقًا مُنيرًا مُضِيئًا، لِيَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالذِّهَابِ وَالْمَجِيءِ لِلْمَعَاشِ وَالتَّكَسُّبِ وَالتِّجَارَاتِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ثُمَّ بَيّن أَيْضًا أَنَّهُ َبَنَى السمواتِ السَّبْعَ، فِي اتِّسَاعِهَا وَارْتِفَاعِهَا وَإِحْكَامِهَا وَإِتْقَانِهَا، وَتَزْيِينِهَا بِالْكَوَاكِبِ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَات ِ؛ وَجَعَلَ الشَّمْسَ الْمُنِيرَةَ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِ الَّتِي يَتَوَهَّجُ ضَوْؤُهَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ.
وأَنَّهُ أَنزلَ الْمَطَرَ مِنَ السَّحَابِ وَجَعَلَهُ مُنْصَبًّا مُتَتَابِعًا كثيرا.
وَليخرجَ بِهَذَا الْمَاءِ الْكَثِيرِ الطَّيِّبِ النَّافِعِ المُبَارَك حَبًّا يُدَّخَرُ لِلْأَنَاسِيِّ وَالْأَنْعَامِ، وَنَبَاتًا يُؤْكَلُ رَطْبًا، وَيخرجَ بِه بَسَاتِينَ وحدائقَ مِنْ ثَمَرَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَطَعُومٍ وَرَوَائِحَ مُتَفَاوِتَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَرْضِ مُجْتَمِعَةً. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ} الْآيَةَ [الرَّعْدِ:4].
***
يتبع بإذن الله،،