تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

  1. Post تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،


    الحمد لله القوي المتين، الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وعبده المجتبى؛ محمد وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، أما بعد،،
    فهذا عمل متواضع قصدت به تقريب "جزء عم" وفق المنهج السلفي، وذلك من خلال الخطوات التالية:
    1- استفدت معاني الكلمات من [تفسير غريب القرآن ] لـ د. كاملة الكواري.
    2- جردت المعنى العام من خلال تفسير ابن كثير.
    3- استكملت نقص الكتاب الأول، وصوبت بعض ما فيه من خلال غيره من كتب التفسير.
    4- رجحت - عند الاختلاف بين المفسرين - رأيًا واحدًا سواء في معاني المفردات أو في المعنى العام اعتمادًا على [الصحيح المسبور].
    5- حاولت قدر استطاعتي عدم التصرف في النص المنقول إلا ما لابد منه.
    وبذا يكون هذا الكتاب صورة عصرية للمادة التفسيرية السلفية المستفادة من المراجع التراثية.
    فأن وفقت فمن الله، وإن تكن الأخرى، فأسأل الله ألا يحرمني أجر من اجتهد فأخطأ، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.

    __________
    يَا مَنْ غَدَا نَاظِرًا فِيمَا كَتَبْتُ وَمَنْ ... أَضْحَى يُرَدِّدُ فِيمَا قُلْتُه النَّظَرَا
    سَأَلْتُكَ اللهَ إِنْ عَايَنْتَ لِي خَطًا ... فَاسْتُرْ عَلَيَّ فَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ سَتَرَا
    __________

    تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّبَأِ
    وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
    قوله تعالى: [عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7 ) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) ].
    شرح المفردات:
    عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1): {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ} عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَسَاءَلُ هؤلاء المُشْرِكُونَ من قريشٍ يَا مُحَمَّدُ.
    عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2): {النَّبَإِ الْعَظِيمِ} الخبرُ العظيمُ الشأنِ.
    أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6): {مِهَادًا} فِرَاشًا فَهُمْ يَمْتَهِدُونَهَ ا وَيَفْتَرِشُونَ هَا.
    وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7): {أَوْتَادًا} أَيْ: تُثَبَّتُ بها الأرضُ كما تُثَبَّتُ الخيمةُ بالأَوْتَادِ.
    وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8): {أَزْوَاجًا} أَصْنَافًا في النَّوْعِ والشَّكْلِ.
    وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9): {سُبَاتًا} رَاحَةً لِأَبْدَانِكُمْ ، وَقَطْعًا لأَشْغَالِكُمْ.
    وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10): {اللَّيْلَ لِبَاسًا} تُغَطِّيكُمْ ظُلْمَتُهُ كما يُغَطِّي الثوبُ لَابِسَهُ.
    وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11): {النَّهَارَ مَعَاشًا} ضِيَاءً لِتَنْتَشِرُوا فيه لِمَعَاشِكُمْ.
    وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12): {سَبْعًا شِدَادًا} قَوِيَّةً مُحْكَمَةً، الوَاحِدَةُ شَدِيدَةٌ وَالجَمْعُ شِدَادٌ، والمقصودُ بها السماواتُ السَّبْعُ، في غايةِ القوةِ والصلابةِ والشِّدَّةِ.
    وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13): {سِرَاجًا وَهَّاجًا} أي: ضوءَ الشمسِ وَهَّاجًا وَقَّادًا.
    وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14): {مِنَ المُعْصِرَاتِ} مِنَ السَّحَابِ الَّذِي يَتَحَلَّبُ بالمَطَرِ. {مَاءً ثَجَّاجًا} مَاءً كَثِيرًا جِدًّا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
    لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15): {حَبًّا وَنَبَاتًا} الحَبُّ: مَا يَأْكُلُهُ الناسُ من بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَأُرْزٍ، وغيرِ ذلك مما يَأْكُلُهُ الآدَمِيُّونَ، والنباتُ ما تُنْبِتُهُ الأرضُ، وقيل: سَائِرُ النباتِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ قُوتًا لِمَوَاشِيهِمْ.
    وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16): {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} بَسَاتِينَ مُلْتَفَّةً مُجْتَمِعَةً.
    المعنى الإجمالي:
    يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي تَسَاؤُلِهِمْ عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنْكَارًا لِوُقُوعِهَا: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَسَاءَلُونَ؟ مِنْ أَمْرِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الْخَبَرَ الْهَائِلَ الْمُفْظِعَ الْبَاهِرَ: الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالنَّاسُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: مُؤْمِنٌ بِهِ وَكَافِرٌ.
    ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لِمُنْكِرِي الْقِيَامَةِ: {كَلا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ} وَهَذَا تهديدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ.
    ثُمَّ شَرَعَ يُبَيّن قُدْرَتَهُ الْعَظِيمَةَ عَلَى خَلْقِ الْأَشْيَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ وَغَيْرِهِ، فَالأرْضَ مَهَّدَهَا لِلْخَلَائِقِ ذَلُولًا لَهُمْ، فَكَانَتْ قَارَّةً سَاكِنَةً ثَابِتَةً، وَالْجِبَالَ جَعَلَهَا لَهَا أَوْتَادًا أَرْسَاهَا بِهَا وَقَرَّرَهَا حَتَّى سَكَنَتْ بِمَنْ عَلَيْهَا.
    ثُمَّ يُبَيّن أَيْضًا خَلَقَ الْذَكَرًا وَالْأُنْثَى، يَسْتَمْتِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَيَحْصُلُ التَّنَاسُلُ بِذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّومِ: 21].
    ثُمَّ بَيّن أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ نَوْمَكُمْ قَطْعًا لِلْحَرَكَةِ لِتَحْصُلَ الراحة من كثرة السعي فِي الْمَعَايِشِ فِي النَّهَارِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ يَغْشَى النَّاسَ ظَلَامُهُ وَسَوَادُهُ، سَكَنًا لهم. وَجَعَلَ النَّهَارَ مُشْرِقًا مُنيرًا مُضِيئًا، لِيَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالذِّهَابِ وَالْمَجِيءِ لِلْمَعَاشِ وَالتَّكَسُّبِ وَالتِّجَارَاتِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
    ثُمَّ بَيّن أَيْضًا أَنَّهُ َبَنَى السمواتِ السَّبْعَ، فِي اتِّسَاعِهَا وَارْتِفَاعِهَا وَإِحْكَامِهَا وَإِتْقَانِهَا، وَتَزْيِينِهَا بِالْكَوَاكِبِ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَات ِ؛ وَجَعَلَ الشَّمْسَ الْمُنِيرَةَ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِ الَّتِي يَتَوَهَّجُ ضَوْؤُهَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ.
    وأَنَّهُ أَنزلَ الْمَطَرَ مِنَ السَّحَابِ وَجَعَلَهُ مُنْصَبًّا مُتَتَابِعًا كثيرا.
    وَليخرجَ بِهَذَا الْمَاءِ الْكَثِيرِ الطَّيِّبِ النَّافِعِ المُبَارَك حَبًّا يُدَّخَرُ لِلْأَنَاسِيِّ وَالْأَنْعَامِ، وَنَبَاتًا يُؤْكَلُ رَطْبًا، وَيخرجَ بِه بَسَاتِينَ وحدائقَ مِنْ ثَمَرَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَطَعُومٍ وَرَوَائِحَ مُتَفَاوِتَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَرْضِ مُجْتَمِعَةً. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ} الْآيَةَ [الرَّعْدِ:4].
    ***
    يتبع بإذن الله،،

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

  2. افتراضي تابع: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

    قوله تعالى: [إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)].
    شرح المفردات:
    إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17): {يَوْمَ الْفَصْلِ} يَوْمَ القَضَاءِ بَيْنَ الْخَلَائِقِ.
    {مِيقَاتًا} ذَا وَقْتٍ مُحَدَّدٍ مُعَيَّنٍ لَدَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فلا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ.

    يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18): {يُنفَخُ فِي الصُّورِ} يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ في الصُّورِ؛ وهو عِبَارَةٌ عَنْ قَرْنٍ يُنْفَخُ فِيهِ.
    {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} تَأْتُونَ جَمَاعَاتٍ جَمَاعَاتٍ إلى ساحةِ فَصْلِ القَضَاءِ.

    وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19): {وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا} شُقِّقَتْ وَصُدِّعَتْ فَكَانَتْ طُرُقًا.
    وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20): {سُيِّرَتِ الْجِبَالُ} أي: ذُهِبَ بِهَا مِنْ أَمَاكِنِهَا.
    {فَكَانَتْ سَرَابًا} كالسَّرَابِ الَّذِي يَظُنُّهُ مَنْ رَآهُ عَلَى بُعْدٍ مَاءً وهو في الحقيقةِ هَبَاءٌ.

    إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21): {مِرْصَادًا} مَكَانًا لِرَصْدِ الكَافِرِينَ.
    لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22): {لِلطَّاغِينَ} المُتَكَبِّرِين َ عَلَى اللهِ المُتَجَاوِزِين َ حُدُودَهُ. {مَآبًا} مَرْجِعًا يَرْجِعُونَ إِليْهَا.
    لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23): {لَابِثِينَ} اللُبْثُ: الاسْتِقْرَارُ فيْ الْمَكَانِ؛ يُقَالُ: لَبِثَ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِِِِِِِِِهِ مُلازمًا لَهُ. {أَحْقَابًا} دُهُورًا لا نِهَايَةَ لها.
    لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24): {بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} ليس فيها ما يُبَرِّدُ الجُلُودَ، ولا يَدْفَعُ عن أهلها الظمأَ.
    إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25): {حَمِيمًا} الحميمُ: هُوَ الماءُ الحارُّ الَّذِي يَشْوِي وُجُوهَهُمْ وَيُقَطِّعُ أَمْعَاءَهُمْ.
    {وَغَسَّاقًا} وهُوَ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ.

    جَزَاءً وِفَاقًا (26): {جَزَاءً وِفَاقًا} ثَوَابًا وَافَقَ أَعْمَالَهُمْ.
    وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29): {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} كُلّ شَيْءٍ مِنْ قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ، وَخَيْرٍ أو شَرٍّ، أَثْبَتْنَاهُ وَكَتَبْنَاهُ وَعَرَفْنَا مَبْلَغَهُ وَعَدَدَهُ.
    المعنى الإجمالي:
    يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ يَوْمِ الْفَصْلِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِأَجَلٍ مَعْدُودٍ، لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، وَلَا يَعْلَمُ وَقْتَهُ عَلَى التَّعْيِينِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ} [هُودِ:104].
    يَوْمَ يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ في الصُّورِ [والصُّورُ: قرنٌ ينفخ فيه] فَتَأْتُونَ زُمَرًا [جَمَاعَاتٍ]؛ تَأْتِي كُلُّ أُمَّةٍ مَعَ رَسُولِهَا، كَمَا في قَوْلِهِ: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الْإِسْرَاءِ:31].
    وَتُفَتَّحُ السَّمَاءُ فَتَكُونُ طُرُقًا وَمَسَالِكَ لِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، وَتَذهب الْجِبَالُ بِالْكُلِّيَّةِ حتى يُخَيَّلَ إِلَى النَّاظِرِ [إِلَيْهَا] أَنَّهَا شَيْءٌ، وَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ، كَقَوْلِهِ: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [الْقَارِعَةِ:5].
    وَتعَدُ جَهَنَّمُ للمَرَدةِ الْعُصَاةِ الْمُخَالِفُينَ لِلرُّسُلِ مَآبًا وَنُزُلًا، فهم مَاكِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا، وَهِيَ جَمْعُ "حقُب"، وَهُوَ: الْمُدَّةُ مِنَ الزَّمَانِ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ، والجمهور على أنه ثَمَانِينَ سَنَةً، وهذه الْأَحْقَابُ لَا انْقِضَاءَ لَهَا، وَلَا انْقِطَاعَ لَهُا، كُلَّمَا مَضَى حُقب جَاءَ حُقْبٌ بَعْدَهُ.
    وَهؤلاء الطغاة العصاة لَا يَجِدُونَ فِي جَهنَّم بَرْدًا لِقُلُوبِهِمْ، وَلَا شَرَابًا طَيِّبًا يَتَغَذَّوْنَ بِهِ إِلا حَمِيمًا؛ وَالْحَمِيمُ: هُوَ الْحَارُّ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ وحُموه. وَ لَا يَجِدُونَ فِي جَهنَّم إِلا غَسَّاقًا؛ والغَسَّاق: هُوَ مَا اجْتَمَعَ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ وَعَرَقِهِمْ وَدُمُوعِهِمْ وَجُرُوحِهِمْ، فَهُوَ بَارِدٌ لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ بَرْدِهِ، وَلَا يُوَاجَهُ مَنْ نَتَنِهِ. أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
    قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا} يَعْنِي: النَّوْمَ.
    وَهَذَا الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ وَفق أَعْمَالِهِمُ الْفَاسِدَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا.
    إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ثَمَّ دَارًا يُجَازَوْنَ فِيهَا وَيُحَاسَبُونَ، وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ بِحُجَجِ اللَّهِ وَدَلَائِلِهِ عَلَى خَلْقِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ، فَيُقَابِلُونَه َا بِالتَّكْذِيبِ وَالْمُعَانَدَة ِ.
    وََقَدْ عَلِمنا أعمالَ العباد كلهم، وكتبناهم عَلَيْهِمْ، وَسَنَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
    وَسيُقَالُ لِأَهْلِ النَّارِ: ذُوقُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ، فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا مِنْ جنسهِ، {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58].
    وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمْ يَنْزِلْ عَلَى أَهْلِ النَّارِ آيَةٌ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} قَالَ: فَهُمْ فِي مَزِيدٍ مِنَ الْعَذَابِ أَبَدًا.
    ***
    يتبع بإذن الله،،

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

  3. افتراضي رد: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

    واصل أخي محمود ، وصلك الله بعطائه.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  4. افتراضي رد: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

    ممتن لمتابعتك الكريمة..
    جزاك الله خيرًا وبارك فيك،،

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

  5. افتراضي تابع: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

    قوله تعالى: [إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36 ].
    شرح المفردات:
    إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31): {مَفَازًا} مَنْجًى مِنَ النَّارِ إلى الجنةِ ظَفَرًا.
    وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33): {كَوَاعِبَ} جَمْعُ كَاعِبٍ، وَهُنَّ النِّسَاءُ النَّوَاهِدُ اللاتي قد تَكَعَّبَ ثَدْيُهُنَّ.
    {أَتْرَابًا} جَمْعُ تِرْبٍ، مُسْتَوِياتٍ عَلَى سِنٍّ وَاحِدَةٍ.

    وَكَأْسًا دِهَاقًا (34): {كَأْسًا دِهَاقًا} أَيْ: مَمْلُوءَةً من الرَّحِيقِ لَذَّةً لِلشَّارِبِينَ.
    لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35): {لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا} بَاطِلًا ولا مَكْرُوهًا مِنَ القَوْلِ، وقيل: لا يَكْذِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مثلما يكونُ في الدنيا من مُنَغِّصَاتِ التَّكْذِيبِ بَيْنَ الجُلَسَاءِ.
    جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36): {عَطَاءً حِسَابًا} أَيْ: عَطَاءً كَثِيرًا كَافِيًا.
    المعنى الإجمالي:
    يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ السُّعَدَاءِ وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ تَعَالَى مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مُتَنَزَّهًا وَبَسَاتِينَ مِنَ النَّخِيلِ وَالأعناب، ولهم مع ذلك من متعة النساء حُورًا نَوَاهِدَ الثدي، لِأَنَّهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا [وَ (الْعَرُوبُ) مِنَ النِّسَاءِ بِوَزْنِ الْعَرُوسِ: الضَّحَّاكَةُ الطَّيِّبَةُ النَّفْسِ الْمُتَحَبِّبَة ُ إِلَى زَوْجِهَا وَالْجَمْعُ (عُرُبٌ) بِضَمَّتَيْنِ] فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ.
    وَأما شرابهم فمن كؤوس مَمْلُوءَةٍ مُتَتَابِعَةٍ صَافِيَةٌ.
    وَ{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا} أَيْ: لَيْسَ فِيهَا كَلَامٌ لاغٍ عَارٍ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَلَا إِثْمٌ كَذِبٌ، بَلْ هِيَ دَارُ السَّلَامِ، وَكُلُّ ما فيها سالم من النقص، فهو كَقَوْلِهِ: {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [الطَّوْرِ: 23]
    وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ جَازَاهُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَعْطَاهُمُوه ُ، بِفَضْلِهِ ومَنِّه وَإِحْسَانِهِ وَرَحْمَتِهِ؛ عَطَاءً كَافِيًا وَافِرًا شَامِلًا كَثِيرًا.
    ***
    قوله تعالى: [رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَة ُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)].
    شرح المفردات:
    ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39): {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} أي: سَبِيلًا يُرْجَعُ إليه وهو طاعةُ اللهِ تعالى، والعملُ الصالحُ الَّذِي يُدْنِي الإنسانَ مِنْ كَرَمِ اللهِ وَثَوَابِهِ، وَيُبَاعِدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِقَابِهِ.
    المعنى الإجمالي:
    يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ، وَأَنَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ الرَّحْمَنُ الَّذِي شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ.
    فَمِن جَلَالِهِ أنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ابْتِدَاءِ مُخَاطَبَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وهو كَقَوْلِهِ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [الْبَقَرَةِ: 255]، وَكَقَوْلِهِ: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ} [هُودٍ: 105]
    وسيَتَجَلى ذَلِك لخَلقهِ كُلِهِم يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ؛ وَهُوَ [على أصح الأقوال] مَلَكٌ عَظِيمٌ مِنْ أَعْظَمِ الْمَلَائِكَةِ خَلْقًا، وقيل: هُوَ جِبْرِيلُ، فيَقُومُ وَتَقُومُ مَعْهُ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ فهو كَقَوْلِهِ: {لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ} [هُودٍ: 105]. وَكَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ".
    فمن أُذِنَ له لمْ يَقُلْ إلا حَقًّا وَصَوَابًا ، وَمُنْتهى الصَّوابِ شهادة: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".
    وَذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ الْكَائِنُ لَا مَحَالَةَ، فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ طَرِيقًا يَهْتَدِي إِلَيْهِ وَمَنْهَجًا يَمُرُّ بِهِ عَلَيْهِ.
    ثم ختم السورة بقَوْلُهِ: {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِتَأَكُّدِ وُقُوعِهِ صَارَ قَرِيبًا، لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ.
    يَوْمَ يَعْرِضُ على الْمَرْءِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ، خَيْرُهَا وَشَرُّهَا، قَدِيمُهَا وَحَدِيثُهَا، فهو كَقَوْلِهِ: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الْكَهْفِ: 49]، وَكَقَوْلِهِ: {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [الْقِيَامَةِ: 13].
    ويومها يَوَدُّ الْكَافِرُ حِينَ يَحْكُمُ الله بين الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، فَيَفْصِلُ بَيْنَهَا بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ الَّذِي لَا يَجُورُ، حَتَّى إِنَّهُ لِيَقْتَصَّ لِلشَّاةِ الجمَّاء مِنَ الْقَرْنَاءِ. فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَهَا قَالَ لَهَا: كُونِي تُرَابًا، فتصير تُرَابًا. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} أَيْ: كُنْتُ حَيَوَانًا فَأَرْجِعُ إِلَى التُّرَابِ.
    ****
    ***
    تمت
    سُورَة النَّبَأِ
    والحمد لله
    يتبع بإذن الله،،

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

  6. افتراضي تابع: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

    تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّازِعَاتِ
    وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
    قوله تعالى: [وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَا تِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) ].
    شرح المفردات:
    وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1): {وَالنَّازِعَات غَرْقًا} قال جمهورُ المُفَسِّرِينَ: هي الملائكةُ تَنْزِعُ أرواحَ الكُفَّارِ في أقاصِي أَجْسَامِهِمْ نَزْعًا مُغْرِقًا في الشدةِ كما يَنْزِعُ النازعُ في القوسِ فَيَبْلُغُ بها غايةَ المَدِّ، والإغراقُ في الشيءِ: بلوغُ نِهَايَتِهِ.
    وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2): {وَالنَّاشِطَات نَشْطًا} الملائكةُ تُنْشِطُ نَفْسَ المؤمنِ فَتَقْبِضُهَا، كما يَنْشَطُ العِقَالُ مِنْ يَدِ البَعِيرِ إذا حُلَّ عنه.
    وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3): {وَالسَّابِحَات سَبْحًا} المتردِّدَاتُ في الهواءِ صُعُودًا وَنُزُولًا، وَقِيلَ: الملائكةُ تَسْبَحُ في السماءِ بأمرِ اللهِ، أَيْ: تَنْزِلُ إلى الأرضِ.
    فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4): {فَالسَّابِقَات سَبْقًا} أي: الملائكةُ تَسْبِقُ بأرواحِ المؤمنين إلى الجنةِ، وقيل: الملائكةُ تُبَادِرُ لأَمْرِ اللهِ، وتسبقُ الشياطينَ في إيصالِ الوحيِ إلى رُسُلِ اللهِ لئلا تَسْتَرِقَهُ.
    فَالْمُدَبِّرَا تِ أَمْرًا (5): {فَالمُدَبِّرَا ِ أَمْرًا} الملائكةُ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ يُدَبِّرُونَ كَثِيرًا مِنْ أُمُورِ العالَم العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ؛ من الأمطارِ والنباتِ والرياحِ والبحارِ والأجنةِ والحيواناتِ والجنةِ والنارِ وغيرِ ذلك.
    يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6): {تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} النَّفْخَةُ الأُولَى تَرْجُفُ فيها الأَرْضُ وَالْجِبَالُ.
    تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7): {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} النفخةُ الثانيةُ التي رَدِفَتْهَا وَتَلَتْهَا.
    قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8): {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} خَائِفَةٌ مِنْ عِظَمِ الهولِ، وَمُنْزَعِجَةٌ مِنْ شِدَّةِ ما تَرَى وَتَسْمَعُ.
    يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10): {أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحَافِرَةِ} أي: رَاجِعُونَ أَحْيَاءً كما كُنَّا قَبْلَ هَلَاكِنَا، وهذا استفهامٌ إنكاريٌّ مُشْتَمِلٌ عَلَى غايةِ التعجبِ ونهايةِ الاستغرابِ.
    أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11): {عِظَامًا نَّخِرَةً} لَيِّنَةً فُتَاتًا بَالِيَةً.
    قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12): {كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} أي: رَجْعَةٌ إلى الحياةِ خَاسِرَةٌ.
    فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13): {زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ.
    فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14): {فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} أي: الخلائقُ كُلُّهُمْ عَلَى ظَهْرِ الأرضِ، والعَرَبُ تُسَمِّي الفلاةَ وَظَهْرَ الأَرْضِ: «سَاهِرَةً».
    المعنى الإجمالي:
    يقسم تعالى بأجناس الْمَلَائِكَةِ المكلفات بالأعمال فمَلَائِكَةٌ تُنْزَعُ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ رُوحَهُ بعُنف فَتُغرق فِي نَزْعِهَا، وَ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ رُوحَهُ بِسُهُولَةٍ وَكَأَنَّمَا حَلَّته مِنْ نَشَاطٍ. ومَلَائِكَةٌ تَسْبَحُ في السماءِ لتَنْزِلَ إلى الأرضِ بأمرِ اللهِ. ومَلَائِكَةٌ تسبقُ وتسارعُ إلى تنفيذِ أمرِ اللهِ. ومَلَائِكَةٌ تُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ بِأَمْرِ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ.
    لتُبعثَنَّ الخلائق وتُحَاسَب يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ وهَمًّا النَّفْخَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ.
    وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلْثُ اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ".
    قلوبُ العبادِ يَوْمَئِذٍ خَائِفَةٌ، أَبْصَارُ أَصْحَابِهَا ذَلِيلَةٌ حَقِيرَةٌ؛ مِمَّا عَايَنَتْ مِنَ الْأَهْوَالِ.
    وَيُقالُ لمَنْ كانوا يَسْتَبْعِدُونَ وقوعَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَصِيرِ إِلَى الْحَافِرَةِ، وَهِيَ الْقُبُورُ، وَبَعْدَ تَمَزُّقِ أَجْسَادِهِمْ وَتَفَتُّتِ عِظَامِهِمْ وَنَخُورِهَا؛ فكانوا يقولون: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا بالية سنبعث، فلَئِنْ أَحْيَانَا اللَّهُ بعد أن نموت لنخسرن.
    فأجابهم تَعَالَى: فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيهِ وَلَا تَأْكِيدَ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ تَعَالَى إسرافيلَ فَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ نفخَة الْبَعْثِ، فَإِذَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ قيامٌ بَيْنَ يَدَي الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ يَنْظُرُونَ، كَمَا قَالَ: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُون َ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 52] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [الْقَمَرِ: 50] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النَّحْلِ: 77].
    فَإِذَا هُمْ يخرجون إلى وَجْهِ الْأَرْضِ الْأَعْلَى بعد أن كانوا أجسادًا بالية في باطنها.
    ***
    يتبع بإذن الله،،

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

  7. افتراضي تابع: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

    قوله تعالى: [هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) .]
    شرح المفردات:
    هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15): {حَدِيثُ مُوسَى} أي: مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
    إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16): {بِالْوَادِ المُقَدَّسِ} بالوادِي الطَّاهِرِ المُبَارَكِ
    {طُوًى} اسم الوادي الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى فيه.
    اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17): {طَغَى} عَتَا وَتَجَاوَزَ حَدَّهُ في العُدْوَانِ.
    فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18): {تَزَكَّى} تُسْلِمُ وَتَتَطَهَّرُ مِنْ دَنَسِ الكُفْرِ.
    وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19): {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ} أُرْشِدُكَ إلى معرفةِ ربكَ الحقّ.
    {فَتَخْشَى} فتخشاهُ وتطيعُه فتنجو من عذابه.

    فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20): {الْآيَةَ الْكُبْرَى} أي العَصَا واليَدَ؛ إِذْ هِيَ مِنْ أكبرِ الآياتِ الدالةِ عَلَى صِدْقِ مُوسَى.
    فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25): {نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} أي: عَذَّبَهُ اللهُ تعالى عذابَ الآخرةِ وهو قَوْلُهُ: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى):وَعَ ذَابُ الْأُولَى وهي قولُه:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}.
    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26): {لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى} مَوْعِظَةً عَظِيمَةً لمن شَاءَ أَنْ يَخْشَى اللهَ وَيَتَّقِيَهُ.
    المعنى الإجمالي:
    يُخْبِرُ تَعَالَى رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ ابْتَعَثَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَأَيَّدَهُ بِالْمُعْجِزَات ِ، وَمَعَ هَذَا اسْتَمَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ، حَتَّى أَخَذَهُ اللَّهُ أَخَذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ. وَكَذَلِكَ عَاقِبَةُ مَنْ خَالَفَكَ وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتَ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}
    فَهَلْ سَمِعْتَ بِخَبَرِهِ؟ إِذْ كَلَّمَهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُطَهَّرِ المسمى طُوى، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ تَجَبَّرَ وَتَمَرَّدَ وَعَتَا، فَقُلْ لَهُ هَلْ لَكَ أَنْ تُجِيبَ إِلَى طَرِيقَةٍ وَمَسْلَكٍ تَزكَّى بِهِ، أَيْ: تُسَلِّمُ وَتُطِيعُ. وَأَدُلُّكَ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ، فَيَصِيرُ قَلْبُكَ خَاضِعًا لَهُ مُطِيعًا خَاشِيًا بَعْدَمَا كَانَ قَاسِيًا خَبِيثًا بَعِيدًا مِنَ الْخَيْرِ.
    وقد أَظْهَرَ لَهُ مُوسَى مَعَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْحَقِّ حُجَّةً قَوِيَّةً، وَدَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَهُ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
    فَما كان من فرعون إلا أن كَذَّبَ بِالْحَقِّ وَخَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ، وكَفَر قلبُه فَلَمْ يَنْفَعِلْ لِمُوسَى بِبَاطِنِهِ وَلَا بِظَاهِرِهِ، وعلمُهُ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يُلْزِمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ علمُ الْقَلْبِ، وَالْإِيمَانُ عَمَلُهُ، وَهُوَ الِانْقِيَادُ لِلْحَقِّ وَالْخُضُوعِ لَهُ.
    ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فِي مُقَابَلَةِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ جَمعُهُ السَّحَرَةَ لِيُقَابِلُوا مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ الْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَةِ، فَحَشَرَهم، وَنَادَى فِي قَوْمِهِ َقَائلاً أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ قَالَهَا فِرْعَوْنٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [الْقَصَصِ: 38] بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَه ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ.
    فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُ انْتِقَامًا جَعَلَهُ بِهِ عِبْرَةً وَنَكَالًا لِأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُتَمَرِّدِي نَ فِي الدُّنْيَا، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هُودٍ: 99]. وإِنَّ فِي خبره لَعِبْرَةً لِمَنْ يَتَّعِظُ وَيَنْزَجِرُ.
    ***
    يتبع بإذن الله،،

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

  8. افتراضي تابع: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

    قوله تعالى: [أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُ مْ (33) ].
    شرح المفردات:
    رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28): {رَفَعَ سَمْكَهَا} أَيْ غِلَظَهَا وَارْتِفَاعَهَا .
    {فَسَوَّاهَا} بِإِحْكَامٍ وَإِتْقَانٍ يُحَيِّرُ العقولَ وَيُذْهِلُ الألبابَ.

    وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29): {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أَظْلَمَ لَيْلَهَا، وَأَضَافَ الليلَ إلى السماءِ؛ لأنَّ الليلَ غروبُ الشمسِ، وَغُرُوبُهَا وَطُلُوعُهَا في السماءِ.
    {أَخْرَجَ ضُحَاهَا} أَبْرَزَ وَأَظْهَرَ ضياءَ الشمسِ فَانْتَشَرَ الناسُ في مصالحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.

    وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30): {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} أي: بَعْدَ خَلْقِ السماءِ «دَحَاهَا» بَسَطَهَا بعد خَلْقِ السماءِ، وَأَوْدَعَ فيها مَنَافِعَهَا.
    وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32): {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} أي: ثَبَّتَهَا فيها لئلا تَمِيدَ بأهلها.
    المعنى الإجمالي:
    يَقُولُ تَعَالَى مُحْتَجًّا عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ فِي إِعَادَةِ الْخَلْقِ بَعْدَ بَدْئِهِ: أَأَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ؟ والجواب بلا شك: بَلِ السماءُ أَشَدُّ خَلْقًا مِنْكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غَافِرٍ: 57] ، فَقَد جَعَلَهَا عَالِيَةَ الْبِنَاءِ، بَعِيدَةَ الْفَنَاءِ، مُسْتَوِيَةَ الْأَرْجَاءِ، مُكَلَّلَةً بِالْكَوَاكِبِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ.
    وَجَعَلَ لَيْلَهَا مُظْلِمًا أَسْوَدَ حَالِكًا، وَنَهَارَهَا مُضِيئًا مُشْرِقًا نَيِّرًا وَاضِحًا.
    أَأَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ الْأَرْضُ التي خُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا دُحيت بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَخْرَجَ مَا كَانَ فِيهَا بِالْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ. وَدَحْيها أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَشَقَّقَ فِيهَا الْأَنْهَارَ، وَجَعَلَ فِيهَا الْجِبَالَ وَالرِّمَالَ وَالسُّبُلَ وَالْآكَامَ.
    وفي َالأرْضِ بَعْدَ ذَلِكَ الْجِبَال التي قَرَّرَهَا وَأَثْبَتَهَا وأكَّدها فِي أَمَاكِنِهَا، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، الرَّءُوفُ بِخَلْقِهِ الرَّحِيمُ.
    وَمن ثم قَالَ لعباده إن ربكم دَحَا الْأَرْضَ فَأَنْبَعَ عُيُونَهَا، وَأَظْهَرَ مَكْنُونَهَا، وَأَجْرَى أَنْهَارَهَا، وَأَنْبَتَ زُرُوعَهَا وَأَشْجَارَهَا وَثِمَارَهَا، وَثَبَّتَ جِبَالَهَا، لِتَسْتَقِرَّ بِأَهْلِهَا وَيَقَرُّ قَرَارُهَا، كُلُّ ذَلِكَ مَتَاعًا لِخَلْقِهِ وَلِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَنْعَامِ الَّتِي يَأْكُلُونَهَا وَيَرْكَبُونَهَ ا مُدَّةَ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ الْأَمَدُ، وَيَنْقَضِيَ الْأَجَلُ.
    ***
    يتبع بإذن الله،،

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

  9. افتراضي تابع: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

    قوله تعالى: [فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) ].
    شرح المفردات:
    فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34): {الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} الطَّامَّةُ: اسمٌ من أسماءِ يومِ القيامةِ، وأَصْلُ الطامةِ الداهيةُ التي تَعْلُو عَلَى كُلِّ دَاهِيَةٍ، والمقصودُ القيامةُ الكبرى والشدةُ العُظْمَى التي تهونُ عندها كلّ شِدَّةٍ.
    وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36): {بُرِّزَتِ الجَحِيمُ} أُظْهِرَتْ لأبصارِ النَّاظِرِينَ.
    فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37): {فَأَمَّا مَن طَغَى} عَتَا وَتَجَبَّرَ وَكَفَرَ باللهِ تعالى، وقيل أيضًا: مَنْ تَجَاوَزَ الحدَّ وَتَجَرَّأَ عَلَى المَعَاصِي الكِبَارِ.
    فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39): {المَأْوَى} المكانُ الَّذِي سَيَأْوِي إِلَيْهِ.
    وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40): {مَقَامَ رَبِّهِ} أي: قِيَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ليسأله عَمَّا قَدَّمَ وَأَخَّرَ.
    {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى} زَجَرَهَا عن المَيْلِ إلى المعاصي والمحارمِ التي تَشْتَهِيهَا.

    يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42): {السَّاعَةِ} أي: القيامةِ للحسابِ والجزاءِ.
    {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتَى وُقُوعُهَا وَقِيَامُهَا.

    فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43): {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} أي: لَسْتَ أنتَ في شيءٍ مِنْ عِلْمِهَا ومعرفةِ وَقْتِهَا حتى تَذْكُرَهَا لَهُمْ.
    إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44): {إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا} أي: مُنْتَهَى عِلْمِهَا إلى اللهِ وَحْدَهُ فلا يَعْلَمُهَا سِوَاهُ.
    كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46): {إِلّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أي: عَشِيَّةَ يَوْمٍ أَوْ ضُحَى تلك العَشِيَّةِ. والعشية ما بَيْنَ الظَّهْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، والضحى مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ.
    المعنى الإجمالي:
    يَقُولُ تَعَالَى: فَإِذَا جَاءَتِ الْقِيَامَةُ - سُمِّيَتْ الطامة لِأَنَّهَا تَطُم عَلَى كُلِّ أَمْرٍ هَائِلٍ مُفْظِعٍ، حِينَئِذٍ يتذكرُ ابنُ آدَمَ جَمِيعَ عَمَلِهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحينها أَظْهَرَتْ الْجَحِيمُ لِلنَّاظِرِينَ فَرَآهَا النَّاسُ عِيَانًا، فَأَمَّا مَنْ تَمَرّد وَعَتَا، وَقَدَّمَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى أَمْرِ دِينِهِ وَأُخْرَاهُ، فَإِنَّ مصيرَه إِلَى الْجَحِيمِ وَإِنَّ مَطْعَمَهُ مِنَ الزَّقُّومِ، وَمَشْرَبَهُ مِنَ الْحَمِيمِ.
    وَأَمَّا مَنْ خَافَ الْقِيَامَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَافَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَنَهَى نَفْسَهُ عَنْ هَوَاهَا، ورَدها إِلَى طَاعَةِ مَوْلَاهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ الْفَيْحَاء هِيَ مُنْقَلَبُهُ وَمَصِيرُهُ وَمَرْجِعُهُ.
    ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} فلَيْسَ عِلْمُهَا إِلَيْكَ وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، بَلْ مَردها ومَرجعها إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ وَقْتَهَا عَلَى التَّعْيِينِ، {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الْأَعْرَافِ: 187] ، وَقَالَ هَاهُنَا: {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} وَلِهَذَا (1) لَمَّا سَأَلَ جبريلُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ".
    وَإِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِتُنْذِرَ النَّاسَ وَتُحَذِّرَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ، فَمَنْ خَشِيَ اللَّهَ وَخَافَ مَقَامَهُ وَوَعِيدَهُ، اتَّبَعَكَ فَأَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَالْخَيْبَةُ وَالْخَسَارُ عَلَى مَنْ كَذَّبَكَ وَخَالَفَكَ.
    وَهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا إِذَا قَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ يَسْتَقْصِرُونَ مُدّة الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، حَتَّى كَأَنَّهَا عِنْدَهُمْ كَانَتْ عَشِيَّةً مِنْ يَوْمٍ أَوْ ضُحى مِنْ يَوْمٍ.
    *****
    تمت سورة النازعات
    والحمد لله

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

  10. افتراضي تابع: تقريب جزء "عم"، دراسة معاصرة بمنهج سلفي،،

    تَفْسِيرُ سُورَةِ عَبَسَ
    وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
    قوله تعالى: [عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) ].
    شرح المفردات:
    عَبَسَ وَتَوَلَّى (1): {عَبَسَ} قَطَّبَ وَجْهَهُ
    {وَتَوَلَّى} أَعْرَضَ.
    أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2): {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} أي: لأَجِلِ أَنْ جَاءَ «ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» فَقَطَعَهُ عَمَّا هُوَ مشغولٌ به مِنْ دعوةِ بعضِ أشرافِ قُرَيْشٍ.
    وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3): {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} يَتَطَهَّرُ من ذنوبه، ومن دَنَسِ الجهلِ.
    أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4): {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} أي: يَتَّعِظُ وَيَتَذَكَّرُ ما يَنْفَعُهُ فينتفعُ بتلك الذِّكْرَى.
    أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5): {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} عَنِ الإيمانِ والعلمِ والدينِ بالمالِ والجاهِ.
    فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6): {فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى} أي: تُقْبِلُ عَلَيْهِ وَتَتَصَدَّى له.
    وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7): {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} أي: ليس عليكَ بَأْسٌ مِنْ عَدَمِ تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ بالإسلامِ.
    وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8): {يَسْعَى} يُسْرِعُ في طَلَبِ الخيرِ من العِلْمِ والهُدَى.
    وَهُوَ يَخْشَى (9): {يَخْشَى} يخاف الله ويتقيه.
    فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10): {فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} تَتَشَاغَلُ وَتُعْرِضُ، وَأَصْلُ تَلَهَّى تَتَلَهَّى.
    كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11): {تَذْكِرَةٌ} أي الآياتُ عِظَةٌ لِلْخَلْقِ.
    فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13): {صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ} أي عِنْدَ اللهِ؛ لما فيها من العلمِ والحكمةِ أو لأنها نازلةٌ من اللوحِ المحفوظِ.
    مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14): {مَرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ} رَفِيعَةُ القَدْرِ عِنْدَ اللهِ وَمُنَزَّهَةٌ لَا يَمَسُّهَا إلا المُطَهَّرُونَ، ومصونةٌ مِنَ الشياطينِ وَالكُفَّارِ.
    بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15): {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} هُمُ الملائكةُ الَّذِينَ يسْفِرُونَ بَيْنَ اللهِ وبينَ رُسُلِهِ بالوحيِ.
    كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16): {كِرَامٍ} عَلَى اللهِ لِاسْتِغْرَاقِه ِمْ في عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ.
    {بَرَرَةٍ} مُطِيعِينَ صَادِقِينَ، وَالْبَرَرَةُ: جَمْعُ بَارٍّ.

    سبب النزول:
    أخرج الترمذي وغيره عن عائشة قالت أُنْزِلَ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ المُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنْهُ، وَيُقْبِلُ عَلَى الآخَرِ، وَيَقُولُ: «أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟» فَيَقُولُ: لَا، فَفِي هَذَا أُنْزِلَ. (السنن 5/432- ك التفسير) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي .
    المعنى الإجمالي:
    ذَكَرَ غيرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يخاطبُ بَعْضَ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ، وَقَدْ طَمع فِي إِسْلَامِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُخَاطِبُهُ وَيُنَاجِيهُ إِذْ أَقْبَلَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ - وَكَانَ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَدِيمًا - فَجَعَلَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ وَيُلِحُّ عَلَيْهِ، وودَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَوْ كَفَّ سَاعَتَهُ تِلْكَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُخَاطَبَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ؛ طَمَعًا وَرَغْبَةً فِي هِدَايَتِهِ. وعَبَس فِي وَجْهِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى) وعاتب الله نبيه فقال له: وما يعلمك من يَحْصُلُ لَهُ زَكَاةٌ وَطَهَارَةٌ فِي نَفْسِهِ، أَوْ يَحْصُلُ لَهُ اتِّعَاظٌ وَانْزِجَارٌ عَنِ الْمَحَارِمِ؟ لكن مَنِ اسْتَغْنَى عن دعوتك فَأَنْتَ تَتَعَرَّضُ لَهُ لَعَلَّهُ يَهْتَدِي، وَ مَا أَنْتَ بِمُطَالَبٍ بِهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ زَكَاةٌ. لكنك مطالب بمَنْ جَاءَكَ يَقْصِدُكَ وَيَؤُمُّكَ لِيَهْتَدِيَ بِمَا تَقُولُ لَهُ، وَهُوَ يخاف الله ويتقيه، وَأَنْتَ عَنْهُ تَتَشَاغَلُ، وَمِنْ هَاهُنَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَخُصَّ بِالْإِنْذَارِ أَحَدًا، بَلْ يُسَاوِي فِيهِ بَيْنَ الشَّرِيفِ وَالضَّعِيفِ، وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، وَالسَّادَةِ وَالْعَبِيدِ، وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالصِّغَارِ وَالْكِبَارِ. ثُمَّ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ.
    وَهَذِهِ السُّورَةُ، أَوِ الْوَصِيَّةُ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي إِبْلَاغِ الْعِلْمِ مِنْ شَرِيفِهِمْ وَوَضِيعِهِمْ، أو القرآن بجملته تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ امتثل الوحي جَمِيعِ أُمُورِهِ. وَاعلموا أن جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي صُحُفٍ مُعَظَّمَةٍ مُوَقَّرَةٍ عَالِيَةِ الْقَدْرِ، مُطَهَّرَةٍ مِنَ الدَّنَسِ وَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ. تنزل بها الْمَلَائِكَةُ، كالسفراء بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وهم خُلقٌ كَرِيمٌ حَسَنٌ شَرِيفٌ، وَأَخْلَاقُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ بَارَّةٌ طَاهِرَةٌ كَامِلَةٌ. وَمِنْ هَاهُنَا يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ عَلَى السَّدَادِ وَالرَّشَادِ.
    ***
    يتبع بإذن الله،،

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •