تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ( تحقيق المناط ) وأثره الكبير في تكوين ( الرباني ، فقيه النفس )

  1. #1

    افتراضي ( تحقيق المناط ) وأثره الكبير في تكوين ( الرباني ، فقيه النفس )

    تحقيق المناط وأثره في تكوين ( الداعية ، والمفتي ، والمصلح ..) ( فقيه نفس ، ربانياً ) !!

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه :- أما بعد :-
    المقصود من هذا المبحث بيان أن كثيراً من المفتين والدعاة كالطبيب الذي عنده دواء واحد يستعمله لكل مريض بلا مراعاة لسن أو جنس أو بيئة أو حال أو موانع ، فأردت بيان من هو (فقيه النفس والرباني في تعامله مع الخلق ) لكي يحقق وراثة الرسل من خلال ربط ذلك بتحقيق المناط وأثره في تحقيق هذه الغاية العظيمة التي ينتج عنها الاصلاح للأمة والرقي بها الى مدارج العبودية الكاملة لله تعالى ، وإن الإخلال بهذا الأصل الكبير أوقع الدعوة والعلم والفتيا في مآزق ومفاسدة كثيرة خسرنا فيها كثيراً من مواقع نشر الخير ودرء الشر ،
    وأعلم أخي المبارك أن هذا الأصل يتأسس وينبني على ركنين عظيمين هما :-
    1- تقوى الله في السر والعلن
    ث2- الحكمة في القول والعمل
    قال الامام الشاطبي ( أما الثاني ( ويريد تحقيق المناط الخاص من ذلك العام الذي تكلمت عنه في مقال سابق ) وهو النظر الخاص فأعلى من هذا وأدق ، وهو في الحقيقة ناشئ عن نتيجة التقوى المذكورة في قوله تعالى ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً)
    وقد يعبر عنه بالحكمة ويشير إليها قوله تعالى ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً ) ...) { الموافقات 70/4}
    إذن قاعدة النظرالعلمي المنتجة للرباني في اصلاح المستفتي والمدعو قائم على اتصاف المفتي والداعية بهاتين الصفتين العظيمتين اللتين لهما أثركبير على أيجاد المطابقة بين الحكم الشرعي و تحقيق المناط على تكوين اهل الفتوى والعلم رشاداً وارشاداً ...
    1- ( مفهومه وبيانه ):-
    قال الشاطبي ( فتحقيق المناط الخاص نظرٌ في كل مكلف بالنسبة إلى ما وقع عليه من الدلائل التكليفية ، بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان ومداخل الهوى والحظوظ العاجلة ، حتى يلقيها هذا المجتهد على ذلك المكلف مقيدة بقيود التحرز من تلك المداخل ، بالنسبة إلى التكليف المنحتم وغيره ، ويختص غير المنحتم بوجه آخر : وهو النظر فيما يصلح بكل مكلف بكل مكلف في نفسه ، بحسب وقت دون وقت ، وحال دون حال ، وشخص دون شخص ، إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزان واحد ، كما أنها في العلوم والصنائع كذلك فرب عمل صالح يدخل بسببه على رجل ضرر أو فترة ولا يكون كذلك بالنسبة إلى آخر ، ورب عمل يكون حظ النفس والشيطان فيه بالنسبة إلى العامل أقوى منه في عمل آخر ويكون بريئاً من ذلك في بعض الأعمال دون بعض ، فصاحب هذا التحقيق الخاص هو الذي رزق نوراً يعرف به النفوس ومراميها ! وتفاوت إدراكها ! وقوة تحملها للتكاليف ، وصبرها على حمل أعبائها أو ضعفها ، ويعرف التفاتها إلى الحظوظ العاجلة أو عدم التفاتها ، فهو يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها ، بناء على أن ذلك هو المقصود الشرعي في تلقي التكاليف ، فكأنه يخص عموم المكلفين والتكاليف بهذا التحقيق ..) ( الموافقات -71-4)
    نقلت كلامه على طوله لنفاسته وأهميته ، وخلاصته :-
    أ- النفوس البشرية ليست على وزان وقانون واحد في قبول الأعمال الشرعية كما نجدها في الأعمال الدنيوية !
    ب- إن كان المفتي أو الداعية يريد الأمر بالمأمور اللازم الحتم فلينظر في حالِ المستفتي والمدعو في دخول الشيطان وحظوظ العاجل على عمله فيفسده فيصيغ الفتوى والدعوة ويبلغها بأسلوب مناسب !
    أو كان من المأمور غير الحتم واللازم فلينظر إلى الحال والوقت والشخص ومايصلح وما لا يصلح !
    ج- وهذا كله يتأتى بنورٍ يقذفه الله تعالى في قلب المفتي والداعي متأسسٌ ومبني على تقوى الله والحكمة كما أسلفنا ... فينتج عن ذلك المطلوب ( فهو يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها) والله هذا الكلام يساوى رحلة من نفاسته وقوته !!
    قال شيخ الاسلام ابن تيمية ( فإذا كان العلم بهذه المسائل قد يكون نافعاً وقد يكون ضاراً لبعض الناس تبين لك أن القول قد ينكر في حال دون حال ومع شخص دون شخص ، وان العالم قد يقول القولين الصوابين كل قول مع قوم لأن هو الذي ينفعهم ، مع أن القولين صحيحان لا منافاة بينهما ، لكن قد يكون قولهما جميعاً فيه ضرر على الطائفتين فلا يجمعهما الا لمن لا يضره الجمع ) ( مجموع الفتاوى 60-6) وقال ابن تيمية رحمه الله(...فهذه الأمور وإن كان أحدها أرجح من الآخر، فمن فعل المرجوح فقد فعل جائزا‏.‏ وقد يكون فعل المرجوح أرجح للمصلحة الراجحة، كما يكون ترك الراجح أرجح أحيانا لمصلحة راجحة‏.‏ وهذا واقع في عامة الأعمال، فإن العمل الذي هو في جنسه أفضل، قد يكون في مواطن غيره أفضل منه،... وقد يكون العمل المفضول أفضل بحسب حال الشخص المعين؛ لكونه عاجزا عن الأفضل، أو لكون محبته ورغبته واهتمامه وانتفاعه بالمفضول أكثر، فيكون أفضل في حقه لما يقترن به من مزيد عمله وحبه وإرادته وانتفاعه، كما أن المريض ينتفع بالدواء الذي يشتهيه ما لا ينتفع بما لا يشتهيه، وإن كان جنس ذلك أفضل‏.‏
    ومن هذا الباب، صار الذكر لبعض الناس في بعض الأوقات خيرا من القراءة، والقراءة لبعضهم في بعض الأوقات خيرًا من الصلاة وأمثال ذلك، لكمال انتفاعه به، لا لأنه في جنسه أفضل‏.) ( 19-194)
    2-( الأدلة من السنة المطهرة والآثار ):-
    قال الامام الشاطبي
    (وبقي الدليل على صحة هذا الاجتهاد فإن ما سواه قد تكفل الأصوليون ببيان الدلالة عليه وهو داخل تحت عموم تحقيق المناط فيكون مندرجا تحت مطلق الدلالة عليه ولكن إن تشوف أحد إلى خصوص الدلالة عليه فالأدلة عليه كثيرة نذكر منها ما تيسر بحول الله
    فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل في أوقات مختلفة عن أفضل الأعمال وخير الأعمال وعرف بذلك في بعض الأوقات من غير سؤال فأجاب بأجوبة مختلفة كل واحد منها لو حمل على إطلاقه أو عمومه لاقتضى مع غيره التضاد في التفصيل ففي الصحيح أنه عليه الصلاة و السلام
    سئل أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله قال ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قال ثم ماذا قال حج مبرور وسئل عليه الصلاة و السلام
    أي الأعمال أفضل قال الصلاة لوقتها قال ثم أي قال بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله وفي النسائي عن أبي إمامة قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم
    فقلت مرني بأمر آخذه عنك قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له وفي الترمذي
    أي الأعمال أفضل درجة عند الله يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات وفي الصحيح في قول
    لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ
    قال ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به الحديث وفي النسائي ليس شيء أكرم على الله من الدعاء وفي البزار أي العبادة أفضل قال دعاء المرء لنفسه وفي الترمذي ما من شيء أفضل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وفي البزار يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما وفي مسلم
    (أي المسلمين خير قال من سلم المسلمون من لسانه ويده) وفيه
    سئل أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وفي الصحيح
    (وما أعطى أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر) وفي الترمذي
    (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وفيه
    (أفضل العبادة انتظار الفرج ).
    إلى أشياء من هذا النمط جميعها يدل على أن التفضيل ليس بمطلق ويشعر إشعارا ظاهرا بأن القصد إنما هو بالنسبة إلى الوقت أو إلى حال السائل ......
    وقال لأبي ذر( يا
    أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك
    ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم )ومعلوم أن كلا العملين من أفضل الأعمال لمن قام فيه بحق الله ، وقد قال في الإمارة والحكم
    (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن )الحديث وقال
    (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ) ثم نهاه عنهما لما علم له خصوصا في ذلك من الصلاح
    وفي أحكام اسماعيل بن اسحاق عن ابن سيرين قال
    كان أبو بكر يخافت وكان عمر يجهر يعني في الصلاة فقيل لأبي بكر كيف تفعل قال أناجي ربي وأتضرع إليه وقيل لعمر كيف تفعل قال أوقظ الوسنان وأخسأ الشيطان وأرضي الرحمن فقيل لأبي بكر ارفع شيئا وقيل لعمر اخفض شيئا وفسر بأنه عليه الصلاة و السلام قصد إخراج كل واحد منهما عن اختياره وإن كان قصده صحيحا
    وفي الصحيح
    أن ناسا جاؤا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذلك صريح الإيمان وفي حديث آخر
    من وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله وعن ابن عباس في مثله قال
    إذا وجدت شيئا من ذلك
    فقل هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم فأجاب النبي عليه الصلاة و السلام بأجوبة مختلفة وأجاب ابن عباس بأمر آخر والعارض من نوع واحد
    وفي الصحيح
    (إني أعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار) وآثر عليه الصلاة و السلام في بعض الغنائم قوما ووكل قوما إلى إيمانهم لعلمه بالفريقين ، وقبل عليه الصلاة و السلام من أبي بكر ماله كله وندب غيره إلى استبقاء بعضه وقال
    (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك )وجاء آخر
    بمثل البيضة من الذهب فردها في وجهه
    وقال علي( حدثوا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله) فجعل إلقاء العلم مقيدا فرب مسألة تصلح لقوم دون لقوم وقد قالوا في الرباني إنه الذي يعلم بصغار العلم قبل كباره فهذا الترتيب من ذلك وروى عن الحرث ابن يعقوب قال الفقيه كل الفقيه من فقه في القرآن وعرف مكيدة الشيطان
    فقوله وعرف مكيدة الشيطان هو النكتة في المسألة! وعن أبي رجاء العطاردي قال قلت لزبير بن العوام مالي أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة قال نبادر الوسواس.
    هذا مع أن التطويل مستحب ولكن جاء ما يعارضه ومثله حديث
    أفتان أنت يا معاذ
    ولو تتبع هذا النوع لكثر جدا ومنه ما جاء عن الصحابة والتابعين وعن الأئمة المتقدمين وهو كثير ) ( الموافقات 4/73-74)
    3- ( بعض التطبيقات ):-
    غهروى ابن ابي شيبة في مصنفه (6/ 401) { جاء رجل إلى ابن عباس - رضي الله عنه - فقال :- ألمن قتل مؤمناً متعمداً توبة ؟ قال : لا ، الا النار . فلما ذهب ، قال له جلساءه : ما هكذا كنت تفتينا ، كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمناً توبة مقبولة ، فما بال اليوم ؟ قال :- إني لأحسبه رجلاً مغضباً يريد أن يقتل مؤمناً ، قال :- فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك } فنجد هنا أن ابن عباس راعى حال السائل في الجواب وهذا هو استعمال لتحقيق المناط في حاله ومكانه المناسب .
    ومن ذلك إنكار الحسن على أنس تحديثه بحديث العرنيين عند الحجاج وذلك لان حال الحجاج لا يناسب ذلك لجرأته على الدماء !
    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى(:"فصل في تغير الفتوى واختلافها يحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد:
    هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به..." إلى أن قال:"فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك، وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك، وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها، وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فدعه وكتبه الأُولى، وهذا باب واسع، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم ) (4/437)
    قال الشاطبي ( وكذلك جاء في الشريعة الأمر بالنكاح وعدوه من السنن ، ولكن قسموه إلى الأحكام الخمسة ، ونظروا في ذلك في حق كل مكلف وان كان نظراً نوعياً فانه لا يتم الا بالنظر الشخصي ) ( 4/74) أي أحكام الزواج تتنزل بحسب الحال والشخص ، ووالله أن أغلب الأحكام اذا نيطت بالأشخاص والأحوال لنتزل في حقها الأحكام الخمسة أو تنوع الأفضلية والارجحية بحسب ذلك أيضاً ..
    4-( تنبيهات مهمات ):-
    أ- ( وسائل تحقيق المناط )معرفة أسباب وشروط صحة تحقيق المناط مهمة جداً، قال ابن القيم ( الحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ودلائل الحال كفقهه في كليات الأحكام ضيع الحقوق ، فهاههنا فقهان لا بد للحاكم منهما :-
    فقه أحكام الحوادث الكلية ، وفقه في الوقائع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل ، ثم يطبق بين هذا وهذا بين الواقع والواجب ، فيعطي الواقع حكمه من الواجب ) ( بدائع الفوائد 3-104)
    إذن لأمكانية انطباق المناط الصحيح فعلينا بأدبين :-
    الأول :- معرفة الشرع
    الثاني :- معرفة الواقعة بحسب مجالها إن كانت ( اقتصادية فلنرجع إلى الاقتصاديين ، أو طبية فإلى الأطباء ، أو عرفية فترجع إلى العرف ، أو عقلية فلنرجع إلى العقل ، أو حسية فنرجع إلى الحس ) وهكذا دواليك لأن هذه هي الأمارات ودلائل الحال التي تستفاد بتجوال النظر والرأي الصحيح والقياس على النظير ، قال ابن تيمية (( فالرأي كثيراً ما يكون في تحقيق المناط الذي لا خلاف بين الناس في استعمال الرأي والقياس فيه ، فان الله أمر بالعدل في الحكم والعدل قد يعرف بالرأي وقد يعرف بالنص ..) (الاستقامة (1/8)
    ( وتارة بتحقيق المناط وهذا يعود إلى عود فهم معنى النص وغيره يشك في ذلك كما يقطع الرجل في القصاص وإبدال المتلفات بان هذا اقرب إلى المثل والعدل من كذا وغيره فيه أو يعتقد خلافه وأمثال ذلك) ( الاستقامة 1-70)
    ب- لا يشترط في معرفة تحقيق المناط إلى الاجتهاد العلمي ، قال الشاطبي ( قد يتعلق الاجتهاد بتحقيق المناط فلا يفتقر في ذلك إلى العلم بمقاصد الشرع كما أنه لا يفتقر إلى معرفة علم العربية ، لأن المقصود من هذا الاجتهاد إنما هو العلم بالموضوع على ما هو عليه ، وإنما يفتقر فيه إلى العلم بما لا يعرف ذلك الموضوع الا به من حيث قصدت المعرفة به فلا بد أن يكون المجتهد عارفاً ومجتهداً من تلك الجهة التي ينظر فيها لينزل الحكم الشرعي على وفق ذلك المقتضي ، كالمحدث العارف بأحوال الأسانيد وطرقها وصحيحها من سقيمها ،وما يحتج به من متونها مما لا يحتج به ،فهذا يعتبر اجتهاده فيماهو عارف به ،كان عالماً بالعربية أم لا ،وعارفاً بمقاصد الشرع أم لا ، وكذلك القارئ في تأدية وجوه القراءات ، والصانع في معرفة عيوب الصناعات ، والطبيب في العلم بالأدواء والعيوب ، وعرفاء الأسواق في معرفة قيم السلع ومداخل العيوب فيها ، وألعاد في صحة القسم ، والماسح في تقدير الأرضين ، ونحوها كل هذا وما أشبهه مما يعرف به مناط الحكم الشرعي غير مضطر إلى العلم بالعربية ، ولا العلم بمقاصد الشريعة ، وان كان اجتماع ذلك كمالاً في المجتهد ..) (4/124)ويضرب الشيخ عبد الله دراز مثالا لذلك في تعليقه على هذا الموضع من (الموافقات) فيقول:


    ”خذ هذا المثال لزيادة الإيضاح: الحكم الشرعي أن من يعتريه المرض، أو يتأخر برؤه بسبب استعمال الماء، يرخص له في التيمم، فإذا أردنا معرفة الحكم الشرعي بالنسبة لمريض ليرخص له أو لا يرخص، فإننا لا نحتاج إلى اللغة العربية، ولا إلى معرفة مقاصد الشرع في باب التيمم فضلا عن سائر الأبواب، إنما يلزم أن نعرف بالطريق الموصل: هل يحصل ضرر، فيتحقق المناط ؟ أم لا، فلا يتحقق ؟ ولا شأن لهذا بواحد من الأمرين، إنما يعرف بالتجارب في الشخص نفسه، أو في أمثاله، أو بتقرير طبيب عارف“.
    وقال الشاطبي ( وأما النظر فى مناط الحكم، فإن المناط لا يلزم منه أن يكون ثابتاً بدليل شرعى فقط، بل يثبت بدليل غير شرعى أو بغير دليل، فلا يشترط (فيه) بلوغ درجة الاجتهاد، بل لا يشترط فيه العلم، فضلاً عن درجة الاجتهاد، ألا ترى أن العامى إذا سأل عن الفعل الذى ليس من جنس الصلاة إذا فعله المصلى: هل تبطل به الصلاة أم لا؟ فقال العالم: إن كان يسيراً، فمغتفر، وإن كان كثيراً، فمبطل، لم يعتقد فى اليسير إلى أن يحققه له العالم، بل العاقل يفرق بين الفعل اليسير والكثير، فقد انبنى ها هنا الحكم -وهو البطلان أو عدمه- على ما يقع بنفس العامى، وليس واحداً من الكتاب أو السنة، لنه ليس ما وقع بقلبه دليلاً على حكم، وإنما هو تحقيق مناط الحكم، فإذا تحقق له المناط بأى وجه تحقق، فهو المطلوب، فيقع عليه الحكم بدليله الشرعى.
    وكذلك إذا قلنا بوجوب الفور فى الطهارة، وفرقنا بين اليسير والكثير فى التفريق الحاصل أثناء الطهارة، فقد يكتفى العامى بذلك حسبما يشهد قلبه فى اليسير أو الكثير، فتبطل طهارته أو تصح بناء على ذلك الواقع فى القلب، لأنه نظر فى مناط الحكم.) (الاعتصام - 2-112)
    يتبين لنا من هذا أن أهل الاختصاص في بابهم هم أدرى بمعرفة المناط وهذا يجعل اهل العلم والفتوى يتطلبون منهم ما يفيدهم في تصور المناط حتى ينزلوا عليه الحكم الشرعي
    وهذا يعطي بعداً تجديدياً في الفتوى والدعوة والعلم وذلك بحسب تغير المناط الذي علق عليه الحكم الشرعي وعدم مراعاة التغير في المناط مما يضر في الفتوى والدعوة كما هو حاصل في كثير من الأحوال التي نجد الداعية أو المفتي يجمد ذهنه على استحضار الدليل فقط دون النظر إلى المناط ووجوده في الأعيان أو الحال أو الوقت أو المكان المتكلم فيه وهذا حال كثير ممن تصدى ( للأفتاء ، الدعوة ، حمل لواء الجرح ، إصدار التكفير والتبديع ) ...
    والله الموفق لا رب سواه ...

  2. #2

    افتراضي رد: ( تحقيق المناط ) وأثره الكبير في تكوين ( الرباني ، فقيه النفس )

    موضوع جميل، شكر الله لك
    العـلم نكتة يسيرة كثّرها أهل الجهل
    أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •