صوت خافت يقول: ( انتظرني ....سأنجح بإذن الله يا أستاذ ).

ـ حينما يجد المرء أنه على علم وخبرة ، ولا يجد من يسمع له أو يجلس بين يديه ، ولا يهتم أحد أن يظهره للناس كما كان العهد في الزمن الأولين الصالحين ، فيقول العالم للناس : اذهبوا إلى فلان ـ تلميذه ـ تعلموا منه العلم... ( ياله من إخلاص كامل).
ـ أما وقد تغير الحال وصرنا في زمن غربة وفتنة وتصدر الأصاغر ودرس الأكابر ...
ـ فكم من دروس ومحاضرات ولقاءات واجتهادات يلقيها المبتديء على الناس تأخذ منه دهرا طويلا لو كان صدر لها الكبير والشيخ صاحب الخبرة لوفر على الناس وعلى نفسه الوقت الطويل ، ولجاءت كلمات الكبير والإمام قليلة مفهمة للناس... ولكن وجود منهج تصدر الأصاغر ، والتغطية على الأكابر ، والنظرية المستخدمة في الدعوة (اللي تكسب به العب به) ... وعدم وزن أهل العلم بعلمهم ولكن بتدخل الأصاغر المديرين للدعوة بقلة خبرتهم وفهمهم ، فيصدروا الأصاغر للدعوة والتدريس والخطابة والندوات حتى انعزل الأكابر عن حياة الدعوة لما رأوا أنه ليس لهم في حياة الدعوة مجالا....
ـ فأصبح مستغربا أن يخطب الشيخ كل أسبوع ، ويلقي درسا أسبوعيا ...
ـ وأصبح الصواب ـ للأسف ـ أن يأتي الشيخ في المناسبات والندوات العامة وفقط ... وما هكذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم... فينشأ الجيل ويخرج من بين حظيرة الدعوة يحتاج إلى من يربيه ويعلمه بدلا من أن يشرع هذا الجيل في تربية الآخرين ... ويحتاج إلى التوجيه والتعليم بدلا من أن يوجه هو ويعلم هو...
ـ وأنتجت الدعوة جيلا مفرغا من كل شيء إلا أن الظاهر أنه جيل يعتمد عليه في كل شيء ، فإذا به جيل التعالم والتكبر والتناطح مع الكبار والتأفف من سماع أو حضور الندوات والدروس العلمية والدعوية والمواعظ والرقائق من الكبار...
ـ فهو يحسب أنه بلغ منزلة لا تليق به أن يراه الناس جالسا في حلقة شيخ أو مربٍّ.. أو يستمع إلى موعظة أو تذكرة ... وإنما أصبحت وظيفته التدريس والتأليف والتوجيه والنصح والإرشاد ... وهو يجهل أن الذي يربيهم هو أو يعلمهم سيقتدون به تماما في تصرفاته وسلوكه ... فيصبحون أسوأ منه في المستقبل عندما يتقلد المناصب الدعوية والعلمية...

ـ والمتاح لنا أمران لعلاج هذة الظاهرة :
الأول: التناصح والمشورة مع هذه الإجيال بضرورة تصحيح المسار والعودة إلى العلم والموعظة والتأدب بأدب السلف...
الثاني: بناء جيل جديد على أيدينا ، نأتي به من النوادي والمقاهي والطرقات والمساجد نطلب منه أن يستمع لنا ويقبل علينا ... فنسلمه إلى الكبار فيكبروه ، وإلى الأدباء فيؤدبوه ، وإلى أهل العلم فيعلموه .. فتكون بذرة حقيقية في النهوض بالدعوة وتصحيح مسارها الذي أوشك على الانهيار ...
فالكل إلا من رحم الله أصبح من حقه الفتوى ، والكل إلا من رحم الله أصبح من حقه أن يضغط على زر الحاسب الآلي ليخرج كتاب الفقه ويقرأ بين السطور ويفتي ، والكل إلا من رحم الله تجرأ على القول على الله بغير علم...

فيا أيها الأستاذ الذي لم تجد من يقبل عليك ... صوت خافت من بعيد يقول لك: انتظرني ، ومن معي ...فبعودة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول والموعظة الحسنة بين أصحاب النوادي والشباب في الطرقات والمقاهي والجامعات ...سنأتي إليك بالشباب الذي يتعطش للجلوس معك بين يديك ، فيستفيد من علمك ويقدرك ويحترمك وينتظر خروجك إليه بفارغ الصبر..

إني أراه قريبا إن شاء الله تعالى

__________________