مدخل إلى مقدمة ابن تيمية في التفسير ([1])

· مؤلفها :
شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني الدمشقي الحنبلي المشهور بابن تيمية، (ت 728 هـ) .
· أسماؤها :
لم يضع شيخ الإسلام –رحمه الله- لهذا المصنَّف اسماً معيناً، وإنما اجتهد بعض أهل العلم في وضع اسم له، والذي وقفت عليه من ذلك :
1- مقدمة التفسير أو مقدمة في أصول التفسير : وهو ما اشتهر به هذا المصنَّف، ومن سماه بهذا الاسم أخذه من قوله في بدايتها :" فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة تتضمن قواعد كلية ، تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه ... " إلى أن قال: "وقد كتبت هذه المقدمة مختصرة بحسب تيسير الله تعالى من إملاء الفؤاد " .
ولعل أول من سمّها بذلك الشيخ القاضي محمد جميل الشطي الحنبلي الدمشقي، كما ذكر ذلك الدكتور عدنان زرزور ([2]) .
2- قاعدة عظيمة القدر شريفة في تبيين ما يعين على فهم القرآن وتفسيره ومعرفة معانيه : وهذا الاسم وُجد على أول ورقة في إحدى النسخ الخطية للمتن بالمكتبة الظاهرية، وهذا الاسم كما هو ظاهر مقتبس من عبارة شيخ الإسلام في مقدمة الكتاب .
- سبب تأليفها :
يمكن تقسيم مؤلفات أهل العلم إلى قسمين :
الأول: ما صنفوه على وجه الابتداء، وغالباً ما يعلّلونه بوجود الحاجة الماسة للكتابة في الموضوع، ورغبتهم في نفع الناس وإفادتهم، أو أن يكتبوا لأنفسهم إما تلخيصاً لمسائل العلم أو توضيحاً لها ونحو ذلك، ثم يرون الفائدة في إخراجه .
الثاني : ما صنفوه لسببٍ حاملٍ على التصنيف، ومن تلك الأسباب ورود شبهة على المصنِّف، أو وجود كتابٍ مخالف يرى المصنِّف ضرورة الرد عليه، أو سؤال يرد على العالم فيكتب جوابه، أو أن يُطلب منه التصنيف في موضوع ما، وغير ذلك من الأسباب، وغالب مؤلفات شيخ الإسلام هي من ذوات الأسباب ، إما جواباً لسؤال ورد عليه، أو أن يُطلب منه التصنيف في موضوع ما، وهذا الأخير هو سبب تأليف هذا المتن النافع، قال -رحمه الله- :" فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة تتضمن قواعد كلية ..." .
- منهجه في تأليفها :
من قرأ كلام الشيخ – رحمه الله - في أول مقدمة الكتاب يجد منهجه فيها واضحاً جلياً، ويمكن تلخيصه على النحو التالي :
1- أن الشيخ – رحمه الله- ذكر أنها مقدمة، ومقدمات العلوم هي مداخله التي يتوصل إليه منها، وهي في الغالب تكون مختصرة تدل على المقصود إجمالاً .
2- أن الشيخ – رحمه الله – ذكر أنها مقدمة كلية، والمراد بالكليات ما يتضمن جزئيات عديدة، فهذه المقدمة بمثابة قواعد عامة في الفن، ومن المعلوم أن المنهج في كتابة الكليات والقواعد هو الاختصار في اللفظ، ووضح العبارة، وذكر العمومات دون الاستطراد في التفاصيل .
3- أنه ذكر المراد منها وهو أمران :
أ*- الإعانة على فهم القرآن ومعرفة تفسير معانيه .
ب*- التمييز بين ما حوته كتب التفسير من غثٍّ وسمين .
فثمة أمران هما المقصد من تأليف هذه المقدمة :
الأمر الأول : ( تأصيلي ) فلذلك ذكر الشيخ القواعد والأمثلة .
والأمر الثاني : ( نقدي ) فلذلك نقد الشيخ بعض المفسرين وبعض كتب التفسير .
- كيفية تأليفها :
هذه المقدمة كتبها الشيخ –رحمه الله- من مخزونه العلمي الضخم، دون الرجوع إلى المصادر والمراجع، ويدل على ذلك أمران :
1- تصريحه بذلك في قوله: "وقد كتبت هذه المقدمة مختصرة بحسب تيسير الله تعالى من إملاء الفؤاد " .
2- بعض الأخطاء الواقعة في هذه المقدمة، والتي هي من قبيل الأوهام، أو سبق القلم - فيما يظهر- .
- مميزاتها :
تميزت هذه المقدمة بأمور منها :
1- السبق فهي أول مصنف في أصول التفسير .
2- الاختصار فهي مقدمة مختصرة لطيفة ملمة بأهم مباحث الفن .
3- الوضوح فعباراتها واضحة لا لبس فيها ولا إشكال من حيث الجملة .
4- ذكر الأمثلة في تقرير المسائل .
5- النقد العلمي المؤصل لبعض المفسرين وكتبهم .
6- ذكر القواعد الجامعة والكليات النافعة .
7- التطرق لبعض العلوم والفنون الأخرى، وذكر فوائد جليلة، ونكات علمية، ومباحث مهمة .
8- ذكر الأنواع والتقاسيم العلمية المفيدة .
9- تلخيص الفكرة والمقصود، فبعد أن يسهب في تقرير المراد يذكر في آخر المبحث ملخصاً لما أراد تقريره .
- المآخذ عليها :
كما هو معلوم أن أي عمل بشري لا ينفك عن الخطأ ولا يخلو من السهو، لانتفاء العصمة، وما الحال إلا كما قال الأول :
كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه
ويُعتذر للشيخ -رحمه الله- أنه كتبها إملاءً وما كُتب إملاءً ليس كما كُتبَ ورُجع فيه إلى المصنفات، ومن تلك المآخذ:
1- الاستطراد والخروج عن الموضوع في بعض المواضع، ولعل سبب ذلك سعة علمه وغزارة فهمه وتنوع معارفه، فيسترسل مع الفكرة حتى يشبعها بحثاً، ومثال ذلك :
أ- في كلامه عن النوع الأول من أنواع اختلاف التنوع، وهو أن يعبر كل واحد عن الشيء بعبارة تدل على شيء فيه، ثم استطرد في مسألة أسماء الله الحسنى وكونها أعلاماً وأوصافاً وذكر من أخطأ في هذا .
ب- في كلامه عن الخلاف الواقع في التفسير من جهة النقل مما يمكن تمييز صحيحه وسقيمه، استطرد في ذكر المراسيل، وقبول خبر الواحد، ومسألة احتفاء القرائن، وأقسام الناس في ذلك .
ج- في كلامه عن الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال، استطرد في ذكر أصول المعتزلة .
2- بعض الأخطاء والتي هي من باب الوهم أو سبق اللسان، ومن ذلك :
- قوله:"ونحن نعلم أن غالب ما يضطر إليه عموم الناس من الاختلاف معلوم بل متواتر عند العامة أو الخاصة"، ولعل الصواب: ما يضطر إليه من الأحكام .
- قوله:"كقولهم إن آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن قيس بن شماس"، والصواب كما هو معروف: أنها نزلت في خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت .
- قوله:" وأما النوع الثاني من سببي الاختلاف، وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل، فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان فإن التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفاً لا يوجد فيها شيء من هاتين الجهتين، مثل تفسير عبد الرزاق، ووكيع، وعبد بن حميد، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، ومثل تفسير الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وبقي بن مخلد، وأبي بكر بن المنذر، وسفيان بن عيينة، وسنيد، وابن جرير، و ابن أبي حاتم، وأبي سعيد الأشج، وأبي عبد الله بن ماجة، وابن مردويه"، ويُلاحظ أن كل من ذكر تفاسيرهم هي نقل محض، كما قال:" التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفاً"، لكن ابن جرير ليس تفسيره نقلاً محضاً، ففيه النقل والاستدلال، ولعلنا نعتذر له بأنه من باب التغليب، فتفسير ابن جرير فيه كثيرٌ من المرويات، وهي بالمقارنة مع آراءه أكثر منها.
ومن المآخذ التي ذكرها البعض عدم استيعابه لمباحث الفن، وعدم الترتيب لموضوعاتها، ويجاب عليه: أن الشيخ -رحمه الله- لم يلتزم استيعاب لمباحث الفن حتى يكون ذلك مأخذاً عليه، بل أنه ذكر في أول الكتاب أنها مقدمة مختصرة، ثم إن المتون المصنفة في أوائل التدوين في العلوم لا تكون مستوعبة في الغالب ولا مرتبة، وذلك لعدم استقرار مباحث العلم على ما استقرت عليه في آخره، كما هو معلوم في كتب الأصول والمصطلح والنحو ونحوها، ثم أن الشيخ – رحمه الله- كتبها من إملاء الفؤاد .
- مضمونها :
تضمنت هذه المقدمة، مقدمةً وخمسةَ فصول :
- أما المقدمة فافتتح فيها بخطبة الحاجة، وسبب التأليف، ثم ذكر أنواع كتب التفسير، وقاعدة عامة في أقسام العلم، ثم بين الحاجة إلى تفسير القرآن، وذكر شيء من أوصاف القرآن وآيات في فضل القرآن وأوصافه، ثم ذكر منهجه فيها وطريقته في كتابتها .
- أما الفصول خمسة فهي كالتالي :
* الفصل الأول : قرر فيه أن النبي e بين لأصحابه جميع القرآن بمعانيه وألفاظه ، واستدل على ذلك بأدلة من النقل والعقل والحس، ثم أشار إلى تفسير الصحابة والتابعين والخلاف بينهم .
* الفصل الثاني : تحدث فيه عن تفسير الصحابة والتابعين، ونوع الاختلاف الحاصل بينهم في التفسير ، وأن الاختلاف بينهم في التفسير قليل ، أقل منه في الأحكام ، وغالبه من قبيل اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد. ثم ذكر أربعة أنواع لاختلاف التنوع، واستطرد في هذا الفصل في ذكر أهمية معرفة سبب النزول وأنواعه، وذكر أسباب الخلاف ، وبعض المباحث المتعلقة كالتضمين والترادف ونحوه .
* الفصل الثالث: تطرق فيه للاختلاف في التفسير وأنه على نوعين، ما مستنده النقل ، وما يعلم بغير ذلك، ثم ذكر النوع الأول وهو ما مستنده النقل، وهذا على ضربين، ما يُعلم منه الصحيح والسقيم، وما لا يُعلم منه ذلك، وذكر أنواع هذا الأخير كالإسرائيليات ومن ذلك أسانيد التفسير والمغازي، ثم فصل الكلام في الأول فعرض لبعض مسائل مصطلح الحديث كالمراسيل ونحوها وأثر ذلك في اختلاف المفسرين، ثم ذكر مدارس المفسرين وأعلامها ، وتحدث عن أدلة كذب الحديث وذكر طرفاً من الموضوعات في التفسير .
* الفصل الرابع: تحدث فيه عن النوع الثاني من أنواع الاختلاف في التفسير الذي مستنده الاستدلال، وذكر أن هذا النوع لا يوجد في تفاسير السلف، وأنه يوجد في تفاسير المتأخرين، وذكر نوعين من أسبابه، حمل القرآن على معتقداتهم، وهذا صنيع كثير من المبتدعة، والثاني تفسير القرآن بمجرد اللغة، ثم ذكر رأيه في بعض تفاسيرهم مثل الكشاف للزمخشري ، ثم عرض لبعض ضلالات الرافضة والفلاسفة والقرامطة في تأويل القرآن .
* الفصل الخامس: ذكر فيه أصح طرق التفسير مرتبة، أعلاها تفسير القرآن بالقرآن، ثم يليها تفسير القرآن بالسنة النبوية، ثم بعد ذلك تفسير القرآن بأقوال الصحابة، وقد أطال في ذلك وذكر منزلة تفسير الصحابة، ولا سيما ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وقد فصل الرأي في حكم الإسرائليات في كتب التفسير تفصيلاً جيداً ، ثم تعرض لتفسير التابعين، ثم تكلم عن التفسير بالرأي المجرد وقد ذهب إلى تحريمه ، ونقل في ذلك نقولاً كثيرة تغلظ القول بالرأي في القرآن .
- أهميتها :
تظهر أهمية هذه المقدمة من جهتين :
1- من جهة مصنفها : فإن شيخ الإسلام -رحمه الله- له في التفسير المنزل الرفيع والقدر المنيف، ومن قرأ في كتبه فيما يتعلق بهذا الجانب، وكذلك ثناء العلم عليه في هذا الباب، يعلم مكانته في التفسير .
2- من جهة تأثر أهل العلم بهذه المقدمة وعنايتهم بها : فقد تأثر بها جمع من أهل العلم :
أ- الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أورد جملة كبيرة منها في أول تفسيره .
ب- نقل منها السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن) .
ج- جمال الدين القاسمي في تفسيره (محاسن التأويل) في المقدمة أشار إلى مقدمة شيخ الإسلام عدة مرات ونقل منها نقولاً مطولة .
- من شروحها :
لقد أولى العلماء رحمهم الله هذا المقدمة عناية كبيرة كما أسلفنا، إلا أنه لم ينبري أحدٌ لشرحها - فيما نعلم – إلا في عصرنا هذا، ومن تلك الشروح :
- شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين . وأصله دروس مفرغة .
- شرح الشيخ مساعد الطيار وهو من أنفس الشروح وأوسعها .
- شرح الشيخ عبد المنعم إبراهيم في كتاب سماه " النكت المتممة لمقدمة ابن تيمية " .
- شرح الشيخ محمد عمر بازمول . وأصله دروس مفرغة .
- شرح الشيخ صالح آل الشيخ ، وأصله دروس مفرغة.
- تلخيص للشيخ إحسان بن محمد بن عايش العتيبي وهو عبارة تعليقات لطيفة سماها: (خمسون فائدة وقاعدة من مقدمة أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية) .
- شرح الشيخ عبد الله الأمين الشنقيطي، شرح مسموع .
- شرح الشيخ محمد المديفر، شرح مسموع ستة أشرطة .
- شرح الشيخ عبد الرحمن الدهش، شرح مسموع في ستة أشرطة .
- من نظمها :
نظمها جمع من أهل العلم والذي وقفت عليه من ذلك :
1- نظم للشيخ زايد الآذان بن طالب الشنقيطي .
2- نظم للشيخ محمد حماد الشنقيطي وسماها ( تحفة النحرير ) .
- كيفية الاستفاد منها :
قال الشيخ عبد الرحمن بن معاضة الشهري -وفقه الله- :" هذه المقدمة ليست متناً بالمعنى العلمي المعروف للمتون، فهي غير مستوعبة لأصول التفسير ، ولم تكتب بلغة المتون العلمية الدقيقة ، لأنه لم يقصد بها ذلك، وإنما كتبها إجابة لسؤال أحد الطلاب على عجل. ولذلك فإن الذين يقومون بالتوقف عند كل لفظة في شرح هذه المقدمة يضيعون كثيراً من الوقت في توضيح الواضحات ، والأفضل أخذ هذه المقدمة كمقاطع تشرح على وجه العموم، لا بفك العبارات كما يفعل مع زاد المستقنع في الفقه الحنبلي مثلاً ونحوه" ([3]) .
وأضيف أيضاً بأنه ينبغي لمن تصدى لشرحها أن يضيف مسائل أصول التفسير التي لم يشر إليها المصنف، وأن يعتني بذكر الأمثلة والتطبيقات، وتحريرات المفسرين واستداركاتهم، وكذلك القواعد والضوابط التفسيرية المبثوثة في الكتب المحررة في هذا الفن .


[1] . وضعها الفقير إلى عفو ربه / أبو عبد الله الإسحاقي .

[2] . انظر : مقدمة في أصول التفسير، تحقيق د. عدنان زرزور، ط/ دار الرسالة 1415هـ، ص: 20 .

[3] . مقتبس من نبذة تعريفية له على مقدمة التفسير في الشبكة العنكبوتية – موقع: ملتقى أهل الحديث - .