الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
أما بعد فقد وردت كلمة التابوت في القرأن الكريم وتكلم في تفسيرها العلماء قديما و حديثا و أنا أذكر كلمات وجيزة ألخص فيها مجمل ما قالوا و بالله التوفيق
ذكر الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره العظيم صفة التابوت جامعا في ذلك ما وقف عليه من كلام المفسيرين فذكر عن بكار بن عبد الله أنه قال: سألنا وهب بن منبه عن تابوت موسى: ما كان؟ قال: كان نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين. ج5 ص 325 ط دار الرسالة
و ذكر الإمام بن الجوزي في تفسيره زاد المسير عن بن عباس قال : كان التابوت من عود الشمشار عليه صفائح الذهب ، وكان يكون مع الأنبياء إذا حضروا قتالاً قدموه بين أيديهم يستنصرون به ، وفيه السكينة . وقال وهب بن منبه : كان نحواً من ثلاث أذرع في ذراعين .ج1ص252
قال الشيخ بن عثيمين في تفسيره : و{ التابوت } شيء من الخشب، أو من العاج يشبه الصندوق؛ ينزل، ويصطحبونه معهم، وفيه السكينة - يعني أنه كالشيء الذي يسكنهم، ويطمئنون إليه -؛ وهذا من آيات الله.
أما عن سبب مجيء التابوت الذي جعل الله الإتيان به إلى بني إسرائيل آية لصدق نبيهم فقد قال الإمام الطبري في تفسيره بعد أن ساق أقوال العلماءفي ذلك ط مؤسسة الرسالة ج 5 ص324،325: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن عباس ووهب بن منبه: من أن التابوت كان عند عدو لبني إسرائيل كان سلبهموه. وذلك أن الله تعالى ذكره قال مخبرا عن نبيه في ذلك الزمان قوله لقومه من بني إسرائيل :"إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت"، و"الألف واللام" لا تدخلان في مثل هذا من الأسماء إلا في معروف عند المتخاطبين به. وقد عرفه المخبر والمخبر. فقد علم بذلك أن معنى الكلام : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه، الذي كنتم تستنصرون به، فيه سكينة من ربكم. ولو كان ذلك تابوتا من التوابيت غير معلوم عندهم قدره ومبلغ نفعه قبل ذلك، لقيل: إن آية ملكه أن يأتيكم تابوت فيه سكينة من ربكم. انتهى
و قال بن كثير رحمه الله ج1ص667 ط طيبة النشر :قال ابن جريج: قال ابن عباس: جاءت الملائكة تحمل التابوت (3) بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت، والناس ينظرون.وقال السدي: أصبح التابوت في دار طالوت فآمنوا بنبوة شمعون وأطاعوا طالوت.وقال عبد الرزاق عن الثوري عن بعض أشياخه: جاءت به الملائكة تسوقه على عجلة على بقرة وقيل: على بقرتين.وذكر غيره أن التابوت كان بأريحا وكان المشركون لما أخذوه وضعوه في بيت آلهتهم تحت صنمهم الكبير، فأصبح التابوت على رأس الصنم فأنزلوه فوضعوه تحته فأصبح كذلك فسمروه تحته فأصبح الصنم مكسور القوائم ملقى بعيدا، فعلموا أن هذا أمر من الله لا قبل لهم به فأخرجوا التابوت من بلدهم، فوضعوه في بعض القرى فأصاب أهلها داء في رقابهم فأمرتهم جارية من سبي بني إسرائيل أن يردوه إلى بني إسرائيل حتى يخلصوا من هذا الداء، فحملوه على بقرتين فسارتا به لا يقربه أحد إلا مات، حتى اقتربتا من بلد بني إسرائيل فكسرتا النيرينورجعتا وجاء بنو إسرائيل فأخذوه فقيل: إنه تسلمه داود عليه السلام وأنه لما قام إليهما حجل من فرحه بذلك. وقيل: شابان منهم فالله أعلم. وقيل: كان التابوت بقرية من قرى فلسطين يقال لها: أزدرد. انتهى كلامه
و الحق الذي يجب أن يقال بأن كل هذا الكلام عن التابوت وهيئته وتوارثه ... إلخ ليس فيه شيء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت ما جاء في التفسير له عن بعض الصحابة أو التابعين، فإنه يبقى محتملا للصدق والكذب كما أخبرنا سيدنا محمد صلى الله عليه و سلام عن الإسرائيليات، كما أن ثبوت القول ونسبته للصحابي في هذه الأمور لا يعني صحته في واقع الأمر لأن كثيرا منهم يتلقى ذلك عن علماء أهل الكتاب مثل ابن عباس ..، وعلى كل حال لا يتوقف فهم الآيات الكريمة على شيء مما ذكر، والله أعلم.
و قد صحح بن عطية رحمه الله و رجح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك، وتأنس به وتقوى، فالمعهود أن الله ينصر الحق والأمور الفاضلة عنده،


والله أعلم
ناقله العبد الفقير إلى ربه الجليل بحليل محمد أبو إسحاق البوكانوني