تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين ، أما بعد :
    قمت بتدريس إخواني الكرام بعد صلاة الفجر في مكتبة مسجدي الذي أؤم فيه : " القول المفيد على كتاب التوحيد " ، للشيخ العلامة ابن عثيمين – قدس الله روحه ، وأسكنه الله تعالى الفردوس الأعلى – فكنت إذا مرت بنا الفائدة دونتها على غلاف الكتاب ، حتى تجمعت عندي عشرات الفوائد ، فقيدتها لإخواني ، لعل الله تبارك وتعالى يتقبلها مني ، وليستفيد إخواني طلبة العلم من علم هذا العلم ، والبحر الخضم ، فأسأل الله تعالى أن يدخرها لي في {يوم لا ينفع فيه مال وبنون إلا من أتى الله بقلب سليم} .
    وكنت قد رقمت منها مجموعة ، سأعجل بها من باب المبادرة إلى الخير ، وما بقي أسطره تباعا ، وقد سميت هذه الفوائد :
    [ خلاصة المستفيد من القول المفيد شرح كتاب التوحيد ].
    وإلى المقصود :
    الفائدة الأولى:
    في باب : من الشرك الاستعاذة بغير الله :
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ قوله: { برجال من الجن } ، يستفاد منه أن للجن رجالاً، ولهم إناث، وربما يجامع الرجل من الجن الأنثى من بني آدم، وكذلك العكس الرجل من بني آدم قد يجامع الأنثى من الجن، وقد ذكر الفقهاء الخلاف في وجوب الغسل بهذا الإجماع.
    والفقهاء يقولون في باب الغسل، لو قالت : إن بها جنياً يجامعها كالرجل، وجب عليها الغسل، وأما أن الرجل يجامع الأنثى من الجن، فقد قيل ذلك، لكن لم أره في كلام أهل العلم، وإنما أساطير تقال، والله أعلم.
    لكن علينا أن نصدق بوجودهم، وأنهم مكلفون، وبأن منهم الصالحين ومنهم دون ذلك، وبأن منهم المسلمين والقاسطين، وبأن منهم رجالاً ونساء].
    الفائدة الثانية :
    في باب : من الشرك الاستعاذة بغير الله. في حديث " خولة بنت حكيم " [ من نزل منزلا ..]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    قوله: "لم يضره شيء"، نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم من شر كل ذي شر من الجن والإنس وغيرهم والظاهر الخفي حتى يرتحل من منزله، لأن هذا خبر لا يمكن أن يتخلف مُخْبَرُه، لأنه كلام الصادق المصدوق، لكن إن تخلف، فهو لوجود مانع لا لقصور السبب أو تخلف الخبر.
    ونظير ذلك كل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأسباب الشرعية إذا فعلت ولم يحصل المسبب، فليس ذلك لخلل في السبب، ولكن لوجود مانع، مثل: قراءة الفاتحة على المرضى شفاء، ويقرأها بعض الناس ولا يشفى المريض، وليس ذلك قصوراً في السبب، بل لوجود مانع بين السبب وأثره.
    ومنه: التسمية عند الجماع، فإنها تمنع ضرر الشيطان للولد، وقد توجد التسمية ويضر الشيطان الولد لوجود مانع يمنع من حصول أثر هذا السبب، فعليك أن تفتش ما هو المانع حتى تزيله فيحصل لك أثر السبب.
    قال القرطبي: وقد جربت ذلك، حتى إني نسيت ذات يوم، فدخلت منزلي ولم أقل ذلك، فلدغتني عقرب].
    الفائدة الثالثة : هل الاستعاذة بغير الله شرك على الإطلاق؟
    في باب : من الشرك الاستعاذة بغير الله .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ أما الاستعاذة بالمخلوق، ففيها تفصيل، فإن كان المخلوق لا يقدر عليه، فهي من الشرك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا يجوز الاستعاذة بالمخلوق عند أحد من الأئمة"، وهذا ليس على إطلاقه، بل مرادهم مما لا يقدر عليه إلا الله، لأنه لا يعصمك من الشر الذي لا يقدر عليه إلا الله، سوى الله.
    ومن ذلك أيضاً الاستعاذة بأصحاب القبور، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون، فالاستعاذة بهم شرك أكبر، سواء كان عند قبورهم أم بعيداً عنهم.
    أما الاستعاذة بمخلوق فيما يقدر عليه، فهي جائزة، وقد أشار إلى ذلك الشارح الشيخ سليمان في "تيسير العزيز الحميد"، وهو مقتضى الأحاديث الواردة في "صحيح مسلم" لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الفتن، قال: "فمن وجد من ذلك ملجأ، فليعذ به".
    وكذلك قصة المرأة التي عاذت بأم سلمة، والغلام الذي عاذ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك في قصة الذين يستعيذون بالحرم والكعبة ، وما أشبه ذلك.
    وهذا هو مقتضى النظر، فإذا اعترضني قطاع طريق، فعذت بإنسان يستطيع أن يخلصني منهم، فلا شيء فيه.
    لكن تعليق القلب بالمخلوق لا شك أنه من الشرك، فإذا علقت قلبك ورجاءك وخوفك وجميع أمورك بشخص معين، وجعلته ملجأ، فهذا شرك، لأن هذا لا يكون إلا لله.
    وعلى هذا، فكلام الشيخ رحمه الله في قوله: "إن الأئمة لا يجوزون الاستعاذة بمخلوق" مقيد بما لا يقدر عليه إلا الله، ولولا أن النصوص وردت بالتفصيل لأخذنا الكلام على إطلاقه، وقلنا: لا يجوز الاستعاذة بغير الله مطلقا].
    الفائدة الرابعة : كل قيد يراد به بيان الواقع، فإنه كالتعليل للحكم؛(الصفة الكاشفة).
    وفي باب : من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره،
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ وقوله: { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك } ، أي: لأنه لا ينفعك ولا يضرك، وهذا القيد ليس شرطاً بحيث يكون له مفهوم، فيكون لك أن تدعو من ينفعك ويضرك، بل هو لبيان الواقع، لأن المدعو من دون الله لا يحصل منه نفع ولا ضرر، قال الله تعالى: { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } [الأحقاف: 5 ، 6].
    ومن القيد الذي ليس بشرط، بل هو لبيان الواقع قوله تعالى: { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم } [البقرة: 21].
    فإن قوله: { الذي خلقكم والذين من قبلكم } لبيان الواقع، إذ ليس هناك رب ثان لم يخلقنا والذين من قبلنا.
    ومنه قوله تعالى: { وربائبكم اللاتي في حجوركم } [النساء: 23]، فهذا بيان للواقع الأغلب.
    ومنه قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } [الأنفال: 24]، فهذا بيان للواقع، إذ دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إيانا كله لما يحيينا.
    وكل قيد يراد به بيان الواقع، فإنه كالتعليل للحكم، فمثلاً قوله تعالى: { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم } [البقرة: 21]، أي اعبدوه لأنه خلقكم.
    وقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } ، أي: لأنه لا يدعوكم إلا لما يحييكم.
    وكذلك قوله تعالى: { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك } ، أي: لأنه لا ينفعك ولا يضرك، فعلى هذا لا يكون هذا القيد شرطاً، وهذه يسميها بعض الناس صفة كاشفة].
    الفائدة الخامسة : الشكر يكون في ثلاثة مواضع.
    في باب : من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره.
    في قوله تعالى [ فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له ] العنكبوت (17).
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ والشكر فسروه بأنه: القيام بطاعة المنعم، وقالوا: إنه يكون في ثلاثة مواضع:
    1- في القلب، وهو أن يعترف بقلبه أن هذه النعمة من الله، فيرى لله فضلاً عليه بها، قال تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله } [النحل: 53]، وأعظم نعمة هي نعمة الإسلام، قال تعالى: { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } [الحجرات: 17]، وقال تعالى: { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته..... } الآية [آل عمران: 164].
    2- اللسان، وهو أن يتحدث بها على وجه الثناء على الله والاعتراف وعدم الجحود، لا على سبيل الفخر والخيلاء والترفع على عباد الله، فيتحدث بالغنى لا ليكسر خاطر الفقير، بل لأجل الثناء على الله ، وهذا جائز كما في قصة الأعمى من بني إسرائيل لما ذكرهم المَلَك بنعمة الله، قال "نعم، كنت أعمى فرد الله علي بصري، وكنت فقيراً فأعطاني الله المال"، فهذا من باب التحدث بنعمة الله.
    والنبي - صلى الله عليه وسلم - تحدث بنعمة الله عليه بالسيادة المطلقة، فقال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة".
    3- الجوارح، وهو أن يستعملها بطاعة المنعم، وعلى حسب ما يختص بهذه النعمة،
    فمثلاً: شكر الله على نعمة العلم: أن تعمل به، وتعلمه الناس.
    وشكر الله على نعمة المال: أن تصرفه بطاعة الله، وتنفع الناس به.
    وشكر الله على نعمة الطعام: أن تستعمله فيما خلق له، وهو تغذية البدن، فلا تبني من العجين قصراً مثلاً، فهو لم يخلق لهذا الشيء].
    قلت : (علي) قول الشيخ أخيرا : " فلا تبني من العجين قصرا ..." فيه خطأ ما يُفعل في أعياد الميلاد المبتدعة من صنع الفطائر على هيأة منزل أو سفينة أو قصر ، وخطأ ما يفعله أصحاب محلات الكعك والفطائر والحلويات بمثل هذه النعم مما سبق ذكره،وأنه من كفران النعم.
    الفائدة السادسة : الاستفهام المراد به النفي أبلغ من النفي المجرد .
    في باب : من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره.
    في قوله تعالى [ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ والاستفهام يراد به هنا النفي، أي لا أحد أضل.
    و { أضل } : اسم تفضيل، أي: لا أحد أضل من هذا.
    والضلال: أن يتيه الإنسان عن الطريق الصحيح.
    وإذا كان الاستفهام مرادا به النفي كان أبلغ من النفي المجرد، لأنه يحوله من نفي إلى تحد، أي: بين لي عن أحد أضل ممن يدعو من دون الله؟ فهو متضمن للتحدي، وهو أبلغ من قوله: لا أضل ممن يدعو، لأن هذا نفي مجرد، وذاك نفي مشرب معنى التحدي].
    الفائدة السابعة : فرق بين ما يأتي بالشيء ، وما يأتي عند الشيء.
    في باب : من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: { من لا يستجيب له إلى يوم القيامة } ، فإذا كان من سوى الله لا يستجيب إلى يوم القيامة، فكيف يليق بك أن تستغيث به دون الله؟! فبطل تعلق هؤلاء العابدين بمعبوداتهم.
    فالذي يأتي للبدوي أو للدسوقي في مصر، فيقول: المدد! المدد! أو: أغثني، لا يغني عنه شيئاً، ولكن قد يبتلي فيأتيه المدد عند حصول هذا الشيء لا بهذا الشيء، وفرق بين ما يأتي بالشيء وما يأتي عند الشيء.
    مثال ذلك: امرأة دعت البدوي أن تحمل، فلما جامعها زوجها حملت، وكانت سابقاً لا تحمل، فنقول هنا: إن الحمل لم يحصل بدعاء البدوي، وإنما حصل عنده لقوله تعالى: { من لا يستجيب له إلى يوم القيامة } .
    أو يأتي للجيلاني في العراق، أو ابن عربي في سوريا، فيستغيث به، فإنه لا ينتفع، ولو بقي الواحد منهم إلى يوم القيامة يدعو ما أجابه أحد.
    والعجب أنهم في العراق يقولون: عندنا الحسين، فيطوفون قبره ويسألونه، وفي مصر كذلك، وفي سوريا كذلك، وهذا سفه في العقول، وضلال في الدين، والعامة لا يلامون في الواقع، لكن الذي يلام من عنده علم من العلماء ومن غير العلماء].
    قلت (علي ) : وقول الشيخ : " لكن الذي يلام من عنده علم من العلماء ومن غير العلماء " فيه تنبيه لأؤلائكم النفر الذين باعوا الآخرة بالدنيا ، واشتروا به ثمنا قليلا ، فويل لهم مما كتبت أيديهم ، وويل لهم مما يكسبون.
    الفائدة الثامنة : مشركو هذا الزمان أشد من المشركين الأوائل!
    في باب : من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [السابعة عشرة: الأمر العجيب، وهو إقرار عبدة الأوثان أنه لا يجيب المضطر إلا الله... إلخ، وهو كما قال رحمه الله: وهذا موجود الآن، فمن الناس من يسجد للأصنام التي صنعوها بأنفسهم تعظيماً، فإذا وقعوا في الشدة دعوا الله مخلصين له الدين، وكان عليهم أن يلجؤوا للأصنام لو كانت عبادتها حقاً، إلا أن من المشركين اليوم من هو أشد شركاً من المشركين السابقين، فإذا وقعوا في الشدة دعوا أولياءهم، كعلي والحسين، وإذا كان الأمر سهلاً دعوا الله!!، وإذا حلفوا حلفاً هم فيه صادقون حلفوا بعلي أو غيره من أوليائهم، وإذا حلفوا حلفاً هم فيه كاذبون حلفوا بالله ولم يبالوا!!!].
    الفائدة التاسعة : الفرق بين القطمير ، والنقير ، والفتيل .
    في باب : قول الله تعالى: { أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً } الآية [الأعراف: 191،192]
    في قوله تعالى [ والذين من دونه ما يملكون من قطمير]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ وقوله: { من قطمير } ، القطمير: سلب نواة التمرة.
    وفي النواة ثلاثة أشياء ذكرها الله في القرآن لبيان حقارة الشيء:
    القطمير: وهو اللفافة الرقيقة التي على النواة.
    الفتيل: وهو سلك يكون في الشق الذي في النواة.
    النقير: وهي النقرة التي تكون على ظهر النواة].
    الفائدة العاشرة : مسألة سماع الأموات .
    في باب : قول الله تعالى: { أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً } الآية [الأعراف: 191،192]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ * مسألة:
    هل يسمع الأموات السلام ويردونه على من سلم عليهم؟
    اختلف في ذلك على قولين:
    القول الأول: أن الأموات لا يسمعون السلام، وأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين زيارة القبور: "السلام عليكم" دعاء لا يقصد به المخاطبة، ثم على فرض أنهم يسمعون كما جاء الحديث الذي صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم: "بأن الإنسان إذا سلم على شخص يعرفه في الدنيا رد الله عليه روحه فرد السلام"، وعلى تقدير صحة هذا الحديث إذا كانوا يسمعون السلام ويردونه، فلا يلزم أن يسمعوا كل شيء، ثم لو فرض أنهم يسمعون غير السلام، فإن الله صرح بأن المدعوين من دون الله لا يسمعون دعاء من يدعونهم، فلا يمكن أن نقول: إنهم يسمعون دعاء من يدعون، لأن هذا كفر بالقرآن، فتبين هذا أنه لا تعارض بين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين"، وبين هذه الآية.
    وأما قوله: { ولو سمعوا } ، فمعناه، لو سمعوا فرضاً ما استجابوا لكم، لأنهم لا يستطيعون.. القول الثاني: أن الأموات يسمعون.
    واستدلوا على ذلك بالخطاب الواقع في سلام الزائر لهم بالمقبرة.
    وبما ثبت في "الصحيح" من أن المشيعين إذا انصرفوا سمع المشيع قرع نعالهم.
    والجواب عن هذين الدليلين: أما الأول، فإنه لا يلزم من السلام عليهم أن يسمعوا، ولهذا كان المسلمون يسلمون على النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته في التشهد ، وهو لا يسمعهم قطعاً.
    أما الثاني، فهو وارد في وقت خاص، وهو انصراف المشيعين بعد الدفن، وعلى كل، فالقولان متكافئان، والله أعلم بالحال].
    الفائدة الحادية عشرة : لا يُقال : المدينة المنورة .
    في باب : قول الله تعالى: { أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً } الآية [الأعراف: 191،192]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ قوله: "أحد"، جبل معروف شمالي المدينة، ولا يقال: المنورة، لأن كل بلد دخله الإسلام فهو منور بالإسلام، ولأن ذلك لم يكن معروفاً عند السلف، وكذلك جاء اسمها في القرآن بالمدينة فقط، لكن لو قيل: المدنية النبوية لحاجة تمييزها، فلا بأس].
    الفائدة الثانية عشرة : قول : " هُزم المسلمون " .
    في باب : قول الله تعالى: { أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً } الآية [الأعراف: 191،192]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ وهذا الجبل – أي أحد - حصلت فيه وقعة في السنة الثالثة من الهجرة في شوال هزم فيها المسلمون بسبب ما حصل منهم من مخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أشار الله إلى ذلك بقوله: { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون } [آل عمران: 152]، وجواب الشرط محذوف تقديره: حصل لكم ما تكرهون.
    وقد حصلت هزيمة المسلمين لمعصية واحدة، ونحن الآن نريد الانتصار والمعاصي كثيرة عندنا، ولهذا لا يمكن أن نفرح بنصرٍ ما دمنا على هذه الحال، إلا أن يرفق الله بنا ويصلحنا جميعاً].
    الفائدة الثالثة عشرة : تحريم التوسل بجاه النبي.
    في باب : قول الله تعالى: { أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً } الآية [الأعراف: 191،192]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ قوله: "يا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئت"، أي: اطلبي من مالي ما شئت، فلن أمنعك لأنه - صلى الله عليه وسلم - مالك لماله، ولكن بالنسبة لحق الله قال: "لا أغني عنك من الله شيئاً".
    فهذا كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لأقاربه الأقربين: عمه، وعمته، وابنته، فما بالك بمن هم أبعد؟! فعدم إغنائه عنهم شيئاً من باب أولى، فهؤلاء الذين يتعلقون بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ويلوذون به ويستجيرون به الموجودون في هذا الزمن وقبله قد غرهم الشيطان واجتالهم عن طريق الحق، لأنهم تعلقوا بما ليس بمتعلق، إذ الذي ينفع بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الإيمان به واتباعه.
    أما دعاؤه والتعلق به ورجاؤه فيما يؤمل، وخشيته فيما يخاف منه، فهذا شرك بالله، وهو مما يبعد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعن النجاة من عذاب الله.
    ففي الحديث امتثال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمر ربه في قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214]، فإنه قام بهذا الأمر أتم القيام، فدعا وعم وخصص، وبيَّن أنه لا ينجي أحداً من عذاب الله بأي وسيلة، بل الذي ينجي هو الإيمان به واتباع ما جاء به.
    وإذا كان القرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغني عن القريب شيئاً، دل ذلك على منع التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن جاه النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينتفع به إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا كان أصح قولي أهل العلم تحريم التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -].
    الفائدة الرابعة عشرة والخامسة عشر والسادسة عشر :1- يستثنى من قنوت النوازل الطاعون لأنه شهادة.
    2- القنوت في النوازل إنما في النوازل التي تكون من غير الله.
    3- القنوت لكل مصل ، وقيل الإمام الأعظم ، وقيل إمام كل مسجد.
    في باب : قول الله تعالى:{ أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً }
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ الثامنة: القنوت في النوازل، وهذه هي المسألة الفقهية، فإذا نزل بالمسلمين نازلة، فإنه ينبغي أن يدعى لهم حتى تنكشف.
    وهذا القنوت مشروع في كل الصلوات، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه أحمد وغيره، إلا أن الفقهاء رحمهم الله استثنوا الطاعون، وقالوا: لا يقنت له لعدم ورود ذلك، وقد وقع في عهد عمر رضي الله عنه ولم يقنت ، ولأنه شهادة، فلا ينبغي الدعاء برفع سبب الشهادة.
    وظاهر السنة أن القنوت إنما يشرع في النوازل التي تكون من غير الله، مثل: إيذاء المسلمين والتضييق عليهم، أما ما كان من فعل الله، فإنه يشرع له ما جاءت به السنة، مثل الكسوف، فيشرع له صلاة الكسوف، والزلازل شرع لها صلاة الكسوف كما فعل ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: هذه صلاة الآيات، والجدب يشرع له الاستسقاء، وهكذا.
    وما علمت لساعتي هذه أن القنوت شرع لأمر نزل من الله، بل يدعى له بالأدعية الواردة الخاصة، لكن إذا ضيق على المسلمين وأوذوا وما أشبه ذلك، فإنه يقنت اتباعاً للسنة في هذا الأمر.
    ثم من الذي يقنت، الإمام الأعظم، أو إمام كل مسجد، أو كل مصل؟
    المذهب: أن الذي يقنت هو الإمام الأعظم فقط الذي هو الرئيس الأعلى للدولة.
    وقيل: يقنت كل إمام مسجد.
    وقيل: يقنت كل مصل، وهو الصحيح، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وهذا يتناول قنوته - صلى الله عليه وسلم - عند النوازل].
    الفائدة السابعة عشرة : مسألة الدعاء على جميع الكفار بالهلاك.
    في باب : قول الله تعالى:{ أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً }
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [أما الدعاء بالهلاك لعموم الكفار، فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - على قريش بالهلاك، بل قال: "اللهم! عليك بهم، اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" ، وهذا دعاء عليهم بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع إلى الله عن ظلمه.
    فالمهم أن الدعاء بالهلاك لجميع الكفار عندي تردد فيه.
    وقد يستدل بدعاء خبيب حيث قال: "اللهم أحصهم عدداً، ولا تبق منهم أحداً" على جواز ذلك، لأنه وقع في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
    ولأن الأمر وقع كما دعا، فإنه ما بقي منهم أحد على رأس الحول، ولم ينكر الله تعالى ذلك، ولا أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل إن إجابة الله دعاءه يدل على رضاه به وإقراره عليه.
    فهذا قد يستدل به على جواز الدعاء على الكفار بالهلاك، لكن يحتاج أن ينظر في القصة، فقد يكون لها أسباب خاصة لا تتأتى في كل شيء.
    ثم إن خبيباً دعا بالهلاك لفئة محصورة من الكفار لا لجميع الكفار.
    وفيه أيضاً إن صح الحديث: دعاؤه على عتبة بن أبي لهب: "اللهم! سلط عليه كلباً من كلابك"، فيه دليل على الدعاء بالهلاك، لكن هذا على شخص معين لا على جميع الكفار].
    الفائدة الثامنة عشرة : الفزع هو الخوف المفاجئ.
    في باب قول الله تعالى:
    { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير } [سبأ: 23]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والفزع: الخوف المفاجئ، لأن الخوف المستمر لا يسمى فزعاً.
    وأصله: النهوض من الخوف].
    الفائدة التاسعة عشرة : معنى قوله في الحديث " كأنه سلسلة على صفوان " .
    في باب قول الله تعالى:
    { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير } [سبأ: 23]
    في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، ينفذهم ذلك، { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير } [سبأ: 23].
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وليس المراد تشبيه صوت الله تعالى بهذا، لأن الله { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [الشورى: 11]، بل المراد تشبيه ما يحصل لهم من الفزع عندما يسمعون كلامه بفزع من يسمع سلسلة على صفوان].
    قلت (علي) : وذكر بعض شراح كتاب " التوحيد " أن الضمير في قوله " كأنه .... " يحتمل أن يعود على :
    1- صوت الرب ، فتكون الكاف للتشبيه.
    2- ضرب الملائكة ، فيكون صوت ضرب الملائكة أجنحتها مثل صوت السلسلة .
    3- الفزع الذي يحصل في قلوب الملائكة ، مثل الفزع الذي يحصل حين جر السلسلة على حصاة ملساء.
    4- السماع ، أي كأن السماع ، فيكون تشبيها للسماع بالسماع.
    أما المعنى الأول فهو مشكل ، لأن الله تعالى {{ ليس كمثله شيء..} فصوت الله تعالى لا يشبه صوت المخلوقين.
    وأما المعنى الثاني والثالث فمحتمل ، لأن الضمير – عادة – يعود إلى أقرب مذكور .
    وهذا الثالث اختاره الشيخ ابن عثيمين هنا.
    وممن اختار المعنى الرابع العلامة حافظ الحكمي :
    قال العلامة الشيخ حافظ الحكمي – رحمه الله تعالى - : [ ....وهذا تشبيه للسماع بالسماع ، لا للمسموع بالمسموع ، تعالى الله أن يشبهه في ذاته أو صفاته شيء من خلقه ، وتنزه النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحمل شيء من كلامه على التشبيه وهو أعلم الخلق بالله عز وجل]." أعلام السنة المنشورة ".
    وهذا القول يعضده ما جاء في سنن أبي داود:
    [ إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم قال فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك فيقول الحق فيقولون الحق الحق].
    يتبع.....

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    85

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    أحسنتم بارك الله فيكم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبيل مشاهدة المشاركة
    أحسنتم بارك الله فيكم
    وبكم بارك .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    117

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    واصل و أمتعنا بارك الله فيك

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    واصل

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    أخوي الكريمين : ابن هاشم ، وابن رشد ، جزاكما الله خيرا .
    الفائدة العشرون : من هو الكاهن ؟ التفصيل فيه ، وبيان غلط بعض الطلبة في حدّه.
    في باب قول الله تعالى:
    { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير } [سبأ: 23]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.
    وقد التبس على بعض طلبة العلم، فظنوا أنه كل من يخبر عن الغيب ولو فيما مضى، فهو كاهن، لكن ما مضى مما يقع في الأرض ليس غيباً مطلقاً، بل هو غيب نسبي، مثل ما يقع في المسجد يعد غيباً بالنسبة لمن في الشارع، وليس غيباً بالنسبة لمن في المسجد.
    وقد يتصل الإنسان بجني، فيخبره عما حدث في الأرض ولو كان بعيداً، فيستخدم الجن، لكن ليس على وجه محرم، فلا يسمى كاهناً، لأن الكاهن من خيبر عن المغيبات في المستقبل.
    وقيل: الذي يخبر عما في الضمير، وهو نوع من الكهانة في الواقع، إذا لم يستند إلى فراسة ثاقبة، أما إذا كان يخبر عما في الضمير استناداً إلى فراسة، فإنه ليس من الكهانة في شيء، لأن بعض الناس قد يفهم ما في الإنسان اعتماداً على أسارير وجهه ولمحاته، وإن كان لا يعلمه على وجه التفصيل، لكن يعلمه على سبيل الإجمال.
    فمن يخبر عما وقع في الأرض ليس من الكهان، ولكن ينظر في حاله، فإذا كان غير موثوق في دينه، فإننا لا نصدقه، لأن الله تعالى يقول: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } [الحجرات: 6].
    وإن كان موثوقاً في دينه، ونعلم أنه لا يتوصل إلى ذلك بمحرم من شرك أو غيره، فإننا لا ندخله في الكهان الذين يحرم الرجوع إلى قولهم، ومن يخبر بأشياء وقعت في مكان ولم يطلع عليها أحد دون أن يكون موجوداً فيه، فلا يسمى كاهناً، لأنه لم يخبر عن مغيب مستقبل يمكن أن يكون عنده جني يخبره، والجني قد يخدم بني آدم بغير المحرم، إما محبة لله - عز وجل ـ، أو لعلم يحصله منه، أو لغير ذلك من الأغراض المباحة.].
    الفائدة الحادية والعشرون : استخدام السحرة للمكانس! ومرورهم بالميقات جوا دون إحرام!!
    في باب قول الله تعالى:
    { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير } [سبأ: 23]
    في فوائد حديث : الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، ينفذهم ذلك، { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير } [سبأ: 23]. فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان بكفه، فحرفها وبدد بين أصابعه، فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مئة كَذْبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء"
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [كثرة الجن، لأنه يترادفون إلى السماء، ومعنى ذلك أنهم كثيرون جداً، وأجسامهم خفيفة يطيرون طيراناً.
    وذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في السحرة الذين يستخدمون الجن وتطير بهم: أنهم يصبحون يوم عرفة في بلادهم ويقفون مع الناس في عرفة، وهذا ممكن الآن في الطائرات، لكن في ذلك الوقت ليس هناك طائرات، فتحملهم الشياطين، ويجعلون للناس المكانس التي تكنس بها البيوت، ويقول: أن أركب المكنسة وأطير بها إلى مكة !!، فيفعلون هذا، وشيخ الإسلام يقول: إن هؤلاء كذبة ومستخدمون للشياطين، ويسيئون حتى من الناحية العملية، لأنهم يمرون الميقات ولا يحرمون منه ].
    الفائدة الثانية والعشرون : الرافضة الكفرة الذين يقولون : خان الأمين !
    في باب قول الله تعالى:
    { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير } [سبأ: 23]
    قال – رحمه الله تعالى - :
    في فوائد حديث النواس بن سمعان مرفوعا : [ إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر......."إلى قوله " فينتهى جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل ] :
    [أمانة جبريل عليه السلام، حيث ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله - عز وجل ـ، فيكون فيه رد على الرافضة الكفرة الذين يقولون: بأن جبريل أمُر أن يوحي إلى علي فأوحى إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويقولون: خان الأمين فصدها عن حيدرة، وحيدرة لقب لعلي بن أبي طالب، لأنه كان يقول في غزوة خيبر، أنا الذي سمتني أمي حيدرة.
    وفي هذا تناقض منهم، لأن وصفه بالأمانة يقتضي عدم الخيانة ].
    الفائدة الثالثة والعشرون : تعريف الشفاعة .
    في باب : الشفاعة.
    قال - رحمه الله تعالى - :
    [والشفاعة لغة: اسم من شفع يشفع، إذا جعل الشيء اثنين، والشفع ضد الوتر، قال تعالى: { والشفع والوتر } [الفجر: 3].
    واصطلاحاً: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.
    مثال جلب المنفعة: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الجنة بدخولها.
    مثال دفعة المضرة: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن استحق النار أن لا يدخلها ].
    الفائدة الرابعة والعشرون : أقسام الشفاعة وأنواعها .
    في باب : الشفاعة .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وقد قسم أهل العلم رحمه الله الشفاعة إلى قسمين رئيسيين، هما:
    القسم الأول: الشفاعة الخاصة بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهي أنواع:
    النوع الأول: الشفاعة العظمى، وهي من المقام المحمود الذي وعده الله، فإن الناس يلحقهم يوم القيامة في ذلك الموقف العظيم من الغم والكرب ما لا يطيقونه، فيقول بعضهم لبعض: اطلبوا من يشفع لنا عند الله، فيذهبون إلى آدم أبي البشر، فيذكرون من أوصافه التي ميزه الله بها: أن الله خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، فيقولون: اشفع لنا عند ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟! فيعتذر لأنه عصى الله بأكله من الشجرة، ومعلوم أن الشافع إذا كان عنده شيء يخدش كرامته عند المشفوع إليه، فإنه لا يشفع لخجله من ذلك، مع أن آدم عليه السلام قد تاب الله عليه واجتباه وهداه، قال تعالى: { وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } [طه: 121،122]، لكن لقوة حيائه من الله اعتذر.
    ثم يذهبون إلى نوح، ويذكرون من أوصافه التي امتاز بها بأنه أول رسول أرسله الله إلى الأرض، فيعتذر بأنه سأل الله ما ليس له به علم حين قال: { رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين } [هود: 45].
    ثم يذهبون إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، فيذكرون من أوصافه ما يقتضي أن يشفع، فلا يعتذر بشيء، لكن يحيل إلى من هو أعلى مقاماً، فيقول: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيحيلهم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - دون أن يذكر عذراً يحول بينه وبين الشفاعة، فيأتون محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فيشفع إلى الله ليريح أهل الموقف.
    الثاني: شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها، لأنهم إذا عبروا الصراط ووصلوا إليها وجدوها مغلقة، فيطلبون من يشفع له، فيشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الله في فتح أبواب الجنة لأهلها، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: { حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها } [الزمر: 73]، فقال: { وفتحت } ، فهناك شيء محذوف، أي: وحصل ما حصل من الشفاعة، وفتحت الأبواب، أما النار، فقال فيها: { حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها... } الآية.
    الثالث: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب ، وهذه مستثناة من قوله تعالى: { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } [المدثر: 48]، وقوله تعالى: { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً } [طه: 109]، وذلك لما كان لأبي طالب من نصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ودفاع عنه، وهو لم يخرج من النار، لكن خفف عنه حتى صار - والعياذ بالله - في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وهذه الشفاعة خاصة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا أحد يشفع في كافر أبداً إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك لم تقبل الشفاعة كاملة، وإنما هي تخفيف فقط.
    القسم الثاني: الشفاعة العامة له - صلى الله عليه وسلم - ولجميع المؤمنين.
    وهي أنواع:
    النوع الأول: الشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وهذه قد يستدل لها بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه" ، فإن هذه شفاعة قبل أن يدخل النار، فيشفعهم الله في ذلك.
    النوع الثاني: الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها، وقد تواترت بها الأحاديث وأجمع عليها الصحابة، واتفق عليها أهل الملة ما عدا طائفتين، وهما: المعتزلة والخوارج، فإنهم ينكرون الشفاعة في أهل المعاصي مطلقاً لأنهم يرون أن فاعل الكبيرة مخلد في النار، ومن استحق الخلود، فلا تنفع فيه الشفاعة، فهم ينكرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره يشفع في أهل الكبائر أن لا يدخلوا النار، أو إذا دخولها أن يخرجوا منها، لكن قولهم هذا باطل بالنص والإجماع.
    النوع الثالث: الشفاعة في رفع درجات المؤمنين، وهذه تؤخذ من دعاء المؤمنين بعضهم لبعض كما قال - صلى الله عليه وسلم - في أبي سلمة: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأفسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه" ، والدعاء شفاعة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه"].
    * إشكال في الشفاعة وجوابه :
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [فإن قيل: إن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه سبحانه، فكيف يسمى دعاء الإنسان لأخيه شفاعة وهو لم يستأذن من ربه؟
    والجواب: إن الله أمر بأن يدعو الإنسان لأخيه الميت، وأمره بالدعاء إذن وزيادة.
    وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عباد الأصنام من معبوديهم ، فهي شفاعة باطلة لأن الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم ].
    الفائدة الخامسة والعشرون : النفي إذا جاء في سياق الاستفهام فإنه يتضمن معنى التحدي.
    في باب : الشفاعة . في قوله تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } :
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ فالمعنى: إنه لا أحد يشفع عند الله إلا بإذن الله.
    وسبق أن النفي إذا جاء في سياق الاستفهام، فإنه يكون مضمناً معنى التحدي، أي إذا كان أحد يشفع بغير إذن الله فأت به ].
    الفائدة السادسة والعشرون : إذا قصد المبالغة بالشيء قلة أو كثرة ، فلا مفهوم له ، وإنما المراد الحكم العام .
    في باب : الشفاعة . في قوله تعالى : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ } سبأ(22) :
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ قوله: { مثقال ذرة } ، وكذلك ما دون الذرة لا يملكونه، والمقصود بذكر الذرة المبالغة، وإذا قصد المبالغة بالشيء قله أو كثرة، فلا مفهوم له، فالمراد الحكم العام، فمثلاً قوله تعالى: { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } [التوبة: 80]، أي: مهما بالغت في الاستغفار ].
    الفائدة السابعة والعشرون : ...هؤلاء يقدسون زعماءهم أكثر من تقديس الله إن أقروا به!!
    في باب : الشفاعة .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [واعلم أن شرك المشركين في السابق كان في عبادة الأصنام، أما الآن، فهو في طاعة المخلوق في المعصية، فإن هؤلاء يقدسون زعماءهم أكثر من تقديس الله إن أقروا به، فيقال لهم: إنهم بشر مثلكم، خرجوا من مخرج البول والحيض، وليس لهم شرك في السماوات ولا في الأرض، ولا يملكون الشفاعة لكم عند الله، إذاً، فكيف تتعلقون بهم؟! حتى إن الواحد منهم يركع لرئيسه أو يسجد له كما يسجد لرب العالمين!!.
    والواجب علينا نحو ولاة الأمور طاعتهم، وطاعتهم من طاعة الله، وليس استقلالاً، أما عبادتهم كعبادة الله ، فهذه جاهلية وكفر ].
    الفائدة الثامنة والعشرون : السؤال من وسائل تحصيل العلم .
    في باب : الشفاعة . في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في الصحيح.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "وقال أبو هريرة له - صلى الله عليه وسلم -: من أسعد الناس بشفاعتك؟" هذا السؤال من أبي هريرة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لقد كنت أظن أن لا يسألني أحد غيرك عنه ، لما أرى من حرصك على العلم "، وفي هذا دليل على أن من وسائل تحصيل العلم السؤال ] .
    يتبع ......

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    الفائدة التاسعة والعشرون : قول : وقال الله تعالى حكاية عن كذا ...
    في باب : الشفاعة:
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وقال تعالى حكاية عنهم: { أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب } [ص: 5]....]
    الفائدة الثلاثون : العقل في القلب ، وله اتصال في الدماغ.
    في باب : الشفاعة . في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في الصحيح : [.... أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه .....] :
    قال – رحمه الله تعالى – :
    [ قوله: "من قلبه"، لأن المدار على القلب، وهو ليس معنى من المعاني، بل هو مضغة في صدور الناس، قال الله تعالى: { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } [الحج: 46]، وقال تعالى: { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها } ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله".
    وبهذا يبطل قول من قال: إن العقل في الدماغ، ولا ينكر أن للدماغ تأثيراً في الفهم والعقل، لكن العقل في القلب، ولهذا قال الإمام أحمد: "العقل في القلب، وله اتصال في الدماغ"] .
    الفائدة الحادية والثلاثون : إشكال في قوله تعالى { إنك لا تهدي من أحببت }. كيف يحب مشركا؟!!
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وقوله: { إنك لا تهدي من أحببت } ظاهره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب أبا طالب، فكيف يؤول ذلك؟
    والجواب: إما أن يقال: إنه على تقدير أن المفعول محذوف، والتقدير: من أحببت هدايته لا من أحببته هو.
    أو يقال: إنه أحب عمه محبة طبيعية كمحبة الابن أباه ولو كان كافراً.
    أو يقال: إن ذلك قبل النهي عن محبة المشركين.
    والأول أقرب، أي: من أحببت هدايته لا عينه، وهذا عام لأبي طالب وغيره.
    ويجوز أن يحبه محبة قرابة، لا ينافي هذه المحبة الشرعية، وقد أحب أن يهتدي هذا الإنسان، وإن كنت أبغضه شخصياً لكفره، ولكن لأني أحب أن الناس يسلكون دين الله ].
    الفائدة الثانية والثلاثون : معنى ما ينبغي ، وما كان في الكتاب والسنة .
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ واعلم أن ما كان أو ما ينبغي أو لا ينبغي ونحوها إذا جاءت في القرآن والحديث، فالمراد أن ذلك ممتنع غاية الامتناع، كقوله تعالى: { ما كان لله أن يتخذ من ولد } [مريم: 35]، وقوله: { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً } [مريم: 92]، وقوله: { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر } [يس: 40]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام"].
    الفائدة الثالثة والثلاثون : كل فعل يضاف إلى مشيئة الله فهو مقرون بالحكمة .
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت. في حديث الصحيح : " يا عم ، قل : لا إله إلا الله ...." ... وأنزل الله في أبي طالب : { إنك لا تهدي من أحببت ، ولكن الله يهدي من يشاء } .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: { ولكن الله يهدي من يشاء } ، أي يهدي هداية التوفيق من يشاء. واعلم أن كل فعل يضاف إلى مشيئة الله تعالى، فهو مقرون بالحكمة، أي: من اقتضت حكمته أن يهديه فإنه يهتدي، ومن اقتضت حكمته أن يضله أضله ].
    الفائدة الرابعة والثلاثون : هذا الحديث يقطع وسائل الشرك بالرسول وغيره.
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت. في حديث الصحيح عن ابن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهلٍ، فقال له: "يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله".
    فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعادا ! .
    فكان آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله !!
    فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ".
    فأنزل الله عز وجل: { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } [التوبة: 113]. وأنزل الله في أبي طالب : { إنك لا تهدي من أحببت ، ولكن الله يهدي من يشاء }
    .
    قال - رحمه الله تعالى –
    [ وهذا الحديث يقطع وسائل الشرك بالرسول وغيره، فالذين يلجئون إليه - صلى الله عليه وسلم - ويستنجدون به مشركون، فلا ينفعهم ذلك لأنه لم يؤذن له أن يستغفر لعمه، مع أنه قد قام معه قياماً عظيماً، ناصره وآزره في دعوته، فكيف بغيره ممن يشركون بالله؟! ] .
    له صلة ....

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    الفائدة الخامسة والثلاثون : الإشكالات الواردة على حديث : [ يا عم قل : لا إله إلا الله ...]
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [الإشكالات الواردة في الحديث:
    الإشكال الأول: الإثبات والنفي في الهداية، وقد سبق بيان ذلك.
    الإشكال الثاني: قوله لما حضرت أبا طالب الوفاة يشكل مع قوله تعالى: { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } [النساء: 18]، وظاهر الحديث قبول توبته.
    والجواب عن ذلك من أحد وجهين:
    الأول: أن يقال لما حضرت أبا طالب الوفاة، أي ظهر عليه علامات الموت ولم ينزل به، ولكن عرف موته لا محالة، وعلى هذا، فالوصف لا ينافي الآية.
    الثاني: أن هذا خاص بأبي طالب مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويستدل لذلك بوجهين:
    أنه قال: "كلمة أحاج لك بها عند الله"، ولم يجزم بنفعها له، ولم يقل: كلمة تخرجك من النار.
    أنه سبحانه أذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالشفاعة لعمه مع كفره، وهذا لا يستقيم إلا له، والشفاعة له ليخفف عنه العذاب.
    ويضعف الوجه الأول أن المعنى ظهرت عليه علامات الموت: بأن قوله: "لما حضرت أبا طالب الوفاة" مطابقٌ تماماً لقوله تعالى: { حتى إذا حضر أحدهم الموت } ، وعلى هذا يكون الأوضح في الجواب أن هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبي طالب نفسه.
    الإشكال الثالث: أن قوله تعالى: { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } [التوبة: 113] في سورة التوبة، وهي متأخرة مدنية، وقصة أبي طالب مكية، وهذا يدل على تأخر النهي عن الاستغفار للمشركين، ولهذا استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للاستغفار لأمه وهو ذاهب للعمرة.
    ولا يمكن أن يستأذن بعد نزول النهي، فدل على تأخر الآية، وأن المراد بيان دخولها في قوله تعالى: { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } ، وليس المعنى أنها نزلت في ذلك الوقت.
    وقيل: إن سبب نزول الآية هو استئذانه ربه في الاستغفار لأمه، ولا مانع من أن يكون للآية سببان.
    الإشكال الرابع: أن أهل العلم قالوا: يسن تلقين المحتضر لا إله إلا الله، لكن بدون قول :" قل "، لأنه ربما مع الضجر يقول: لا، لضيق صدره مع نزول الموت، أو يكره هذه الكلمة أو معناها، وفي هذا الحديث قال: "قل".
    والجواب: إن أبا طالب كان كافراً، فإذا قيل له: قل وأبَى، فهو باق على كفره، لم يضره التلقين بهذا، فإما أن يبقى على كفره ولا ضرر عليه بهذا التلقين، وإما أن يهديه الله، بخلاف المسلم، فهو على خطر لأنه ربما يضره التلقين على هذا الوجه].
    قلت (علي) : وهنا تعليقان على الإشكال الرابع :
    الأول : أن المقصود بتلقين الميت إنما هو قول : " لا إله إلا الله " لا قول " محمد رسول الله " كما دلت عليها الأحاديث النبوية ، ومنها حديث أبي طالب آنف الذكر ، قال العلامة الألباني – رحمه الله تعالى – في الشريط (361) من سلسلة الهدى والنور :
    [ والمقصود فقط قول : " لا إله إلا الله " ، دون قول " محمد رسول الله " فهي التي جاء بها النص ، وإن كانت هي تمام الشهادة ، لكن لا تقال في حال الاحتضار ، لأنها أولا : مخالفة للسنة ،؛ وثانيا : لكي يكون الميت متوجها بقلبه كله إلى عبادة الله وحده لا شريك له .
    فعند حضور الموت لا يلقن إلا شهادة التوحيد فقط ] اهـ.
    الثاني : أن ما ذكره العلامة ابن عثيمين عن بعض أهل العلم هنا مِن أنّ المُلقِّن لا يقول للميت : " قل " خلاف الثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال العلامة الألباني في " أحكام الجنائز " :
    [- وليس التلقين ذكر الشهادة بحضرة الميت وتسميعها إياه، بل هو أمره بأن يقولها خلافا لما يظن البعض، والدليل حديث أنس رضي الله عنه:
    " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من الانصار، فقال: يا خال! قل: لا إله إلا الله، فقال: أخال أم عم؟ فقال: بل خال، فقال: فخير لي أن أقول: لا إله إلا الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم ".
    أخرجه الامام أحمد (3 / 152، 154، 268) بإسناد صحيح على شرط مسلم.
    وقال الحسين الجعفي : دخلت على الأعمش أنا وزائدة في اليوم الذي مات فيه ، والبيت ممتلئ من الرجال ، إذ دخل عليه شيخ ، فقال : سبحان الله ! تَرَون الرجل وما هو فيه وليس أحد منكم يلقِّنُه ؟! فقال الأعمش هكذا ! ، فأشار بالسبابة وحرك شفتيه .
    رواه عبد الله بن أحمد في كتاب أبيه " العلل ومعرفة الرجال " (2/76/462) بسند صحيح]اهـ .
    الفائدة السادسة والثلاثون : خطأ وخطر من يترحم على زعماء الكفار ، ويعمل لهم الحداد .
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت.
    قال – رحمه الله تعالى – في المسألة الثانية : تفسير قوله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) الآية ، قال :
    [وقد سبق تفسيرها وبيان تحريم استغفار المسلمين للمشركين ولو كانوا أولي قربى.
    والخطر من قول بعض الناس لبعض زعماء الكفر إذا مات: المرحوم، فإنه حرام لأن هذا مضادة لله - سبحانه وتعالى ـ، وكذلك يحرم إظهار الجزع والحزن على موتهم بالإحداد أو غيره، لأن المؤمنين يفرحون بموتهم، بل لو كان عندهم القدرة والقوة لقاتلوهم حتى يكون الدين كله لله ]اهـ.
    الفائدة السابعة والثلاثون : من يقول: إن معنى كلمة التوحيد لا قادر على الاختراع إلا هو ، ومن يعبد الأولياء ، ويقول " لا إله إلا الله " أجهل من أبي جهل !
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت.
    قال – رحمه الله تعالى – في المسألة الرابعة أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي - صلى الله عليه وسلم ... -. قال :
    [ أبو جهل ومن معه يعرفون مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقول: لا إله إلا الله، ولذا ثاروا وقالوا له: "أترغب عن ملة عبد المطلب؟"، وهو أيضاً أبى أن يقولها لأنه يعرف مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة، قال تعالى: { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون } [الصافات: 36].
    فالحاصل أن الذين يدعون أن معنى لا إله إلا الله، أي: لا قادر على الاختراع إلا هو، أو يقولونها وهم يعبدون غيره كالأولياء هم أجهل من أبي جهل ]اهـ.
    الفائدة الثامنة والثلاثون : أصحاب السوء أشد عداء من الجرب !
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت.
    قال رحمه الله تعالى في المسألة الثامنة "مضرة أصحاب السوء على الإنسان " قال :
    [المعنى أنه لولا هذان الرجلان، لربما وفق أبو طالب إلى قبول ما عرضه النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن هؤلاء - والعياذ بالله - ذكراه نعرة الجاهلية.
    ومضرة رفقاء السوء ليس خاصاً بالشرك، ولكن في جميع سلوك الإنسان، وقد شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - جليس السوء بنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه رائحة كريهة، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "فأبواه يهوادنه أو ينصرانه أو يمجسانه"، وذلك لما بينهما من الصحبة والاختلاط، وكذلك روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بسند لا بأس به: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، فالمهم أنه يجب على الإنسان أن يفكر في أصحابه: هل هم أصحاب سوء؟ فليبعد عنهم لأنهم أشد عداء من الجرب، أو هم أصحاب خير: يأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر، ويفتحون له أبواب الخير ، فعليه بهم]اهـ.
    الفائدة التاسعة والثلاثون والفائدة الأربعون : تعظيم الأسلاف يجب أن يكون على حسب ما تقتضيه الأدلة من الكتاب والسنة ؛ ولا يجوز للإنسان أن يرى لمعظمي الكفار أيَّ قدر .
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت.
    قال – رحمه الله تعالى – في المسألة التاسعة: "مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر" قال :
    [ لأن أبا طالب اختار أن يكون على ملة عبد المطلب حين ذكروه بأسلافه مع مخالفته لشريعة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
    وهذا ليس على إطلاقه، فتعظيمهم إن كانوا أهلاً لذلك فلا يضر، بل هو خير، فأسلافنا من صدر هذه الأمة لا شك أن تعظيمهم وإنزالهم منازلهم خير لا ضرر فيه.
    وإن كان تعظيم الأكابر لما هم عليه من العلم والسن، فليس فيه مضرة، وإن كان تعظيمهم لما هم عليه من الباطل، فهو ضرر عظيم على دين المرء، فمثلاً: من يعظم أبا جهل لأنه سيد أهل الوادي، وكذلك عبد المطلب وغيره فهو ضرر عليه، ولا يجوز أن يرى الإنسان في نفسه لهؤلاء أي قدر، لأنهم أعداء الله - عز وجل ـ، وكذلك لا يعظم الرؤساء من الكفار في زمانه، فإن فيه مضرة لأنه قد يورث ما يضاد الإسلام، فيجب أن يكون التعظيم حسب ما تقتضيه الأدلة من الكتاب والسنة]اهـ.
    الفائدة الحادية والأربعون : ذكرُ الشيخ لمتعصبة المذاهب والفرق ، وثناؤه على كتاب " رفع الملام ".
    في باب : إنك لا تهدي من أحببت.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [فالمبطلون يقولون في شبهتهم: إن أسلافهم على الحق وسيقتدون بهم، ويقولون: كيف نسفه أحلامهم، ونضلل ما هم عليه؟
    وهذا يوجد في المتعصبين لمشايخهم وكبرائهم ومذاهبهم، حيث لا يقبلون قرآناً ولا سنة في معارضة الشيخ أو الإمام، حتى إن بعضهم يجعلهم معصومين، كالرافضة، والتيجانية، والقاديانية ، وغيرهم، فهم يرون أن إمامهم لا يخطئ، والكتاب والسنة يمكن أن يخطئا!!.
    فالواجب على المرء أن يكون تابعاً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأما من خالفه من الكبراء والأئمة، فإنهم لا يحتج بهم على الكتاب والسنة، لكن يعتذر لهم عن مخالفة الكتاب والسنة إن كانوا أهلاً للاعتذار، بحيث لم يعرف عنهم معارضة للنصوص، فيعتذر لهم بما ذكره أهل العلم، ومن أحسن ما ألف كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"، أما من يعرف بمعارضة الكتاب والسنة، فلا يعتذر له]اهـ.
    الفائدة الثانية والأربعون : إشكال والجواب عليه في قول ابن عباس في قوله تعالى : (( وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ....)).
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ قوله تعالى: { ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً } ، هذه الخمسة كأن لها مزية على غيرها، لأن قوله: { آلهتكم } عام يشمل كل ما يعبدون، وكأنها كبار آلهتهم، فخصوها بالذكر.
    والآلهة: جمع إله، وهو كل ما عبد، سواء بحق أو بباطل، لكن إذا كان المعبود هو الله، فهو حق، وإن كان غير الله، فهو باطل.
    قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح".
    قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا، أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسي العلم، عبدت".
    وفي هذا التفسير إشكال، حيث قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح"، وظاهر القرآن أنها قبل نوح، قال تعالى: { قال نوح رب إنهم عصوني } [نوح: 21-23]، ظاهر الآية الكريمة: أن قوم نوح كانوا يعبدونها ثم نهاهم نوح عن عبادتها، وأمرهم بعبادة الله وحده، ولكنهم أبوا وقالوا: { لا تذرن آلهتكم } ، وهذا (أعني: القول بأنهم قبل نوح) قول محمد بن كعب ومحمد بن قيس، وهو الراجح لموافقته ظاهر القرآن.
    ويحتمل - وهو بعيد - أن هذا في أول رسالة نوح، وأنه استجاب له هؤلاء الرجال وآمنوا به، ثم بعد ذلك ماتوا قبل نوح ثم عبدوهم، لكن هذا بعيد حتى من سياق الأثر عن ابن عباس.
    فالمهم أن تفسير الآية أن يقال: هذه أصنام في قوم نوح كانوا رجالاً صالحين، فطال على قومهم الأمد، فعبدوهم.]اهـ.
    الفائدة الثالثة والأربعون : قوله – عليه الصلاة والسلام – : (لا تطروني) معنى النهي هنا فيه احتمالان .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "لا تطروني"، الإطراء: المبالغة في المدح.
    وهذا النهي يحتمل أنه منصب على هذا التشبيه، وهو قوله: "كما أطرت النصارى ابن مريم"، حيث جعلوه إلهاً أو ابناً لله، وبهذا يوحي قول البوصيري:
    دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... ... . واحكم ما شئت مدحاً فيه واحتكم
    أي: دع ما قاله النصارى أن عيسى عليه الصلاة والسلام ابن الله أو ثالث ثلاثة، والباقي املأ فمك في مدحه ولو بما لا يرضيه.
    ويحتمل أن النهي عام ، فيشمل ما يشابه غلو النصارى في عيسى بن مريم وما دونه، ويكون قوله: "كما أطرت" لمطلق التشبيه لا للتشبيه المطلق، لأن إطراء النصارى عيسى بن مريم سببه الغلو في هذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، حيث جعلوه ابناً لله وثالث ثلاثة!!، والدليل على أن المراد هذا قوله: "إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله"]اهـ.
    الفائدة الرابعة والأربعون والخامسة والأربعون والسادسة والأربعون : الحقوق ثلاثة أقسام ؛ التسبيح من حقوق الله الخاصة ؛ القول بأن الحجرة التي دُفن فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – أفضل من الكعبة والعرش والجنة خطأ عظيم .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [واعلم أن الحقوق ثلاثة أقسام، وهي:
    الأول: حق لله لا يُشْرك فيه غيره: لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وهو ما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
    الثاني: حق خاص للرسل، وهو إعانتهم وتوقيرهم وتبجيلهم بما يستحقون.
    الثالث: حق مشترك، وهو الإيمان بالله ورسله، وهذه الحقوق موجودة في الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: { لتؤمنوا بالله ورسوله } ، فهذا حق مشترك، { وتعزروه وتوقروه } هذا خاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، { وتسبحوه بكرة وأصيلاً } [الفتح: 9] هذا خاص بالله - سبحانه وتعالى -.
    والذين يغلون في الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجعلون حق الله له، فيقولون: { وتسبحوه } ، أي: الرسول، فيسبحون الرسول كما يسبحون الله، ولا شك أنه شرك، لأن التسبيح من حقوق الله الخاصة به، بخلاف الإيمان، فهو من الحقوق المشتركة بين الله ورسوله.
    ونهى عن الإطراء في قوله عليه الصلاة والسلام: "كما أطرت النصارى عيسى بن مريم"، لأن الإطراء والغلو يؤدي إلى عبادته كما هو الواقع الآن ، فيوجد عند قبره في المدينة من يسأله، فيقول: يا رسول الله! المدد، المدد ، يا رسول الله! أغثنا، يا رسول الله! بلادنا يابسة، وهكذا، ورأيت بعيني رجلاً يدعو الله تحت ميزاب الكعبة مولياً ظهره البيت مستقبلاً المدينة، لأن استقبال القبر عنده أشرف من استقبال الكعبة والعياذ بالله.
    ويقول بعض المغالين: الكعبة أفضل من الحجرة، فأما والنبي - صلى الله عليه وسلم - فيها، فلا والله، ولا الكعبة، ولا العرش وحملته، ولا الجنة.
    فهو يريد أن يفضل الحجرة على الكعبة وعلى العرش وحملته وعلى الجنة، وهذه مبالغة لا يرضاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا ولا لنفسه.
    وصحيح أن جسده - صلى الله عليه وسلم - أفضل، ولكن كونه يقول: إن الحجرة أفضل من الكعبة والعرش والجنة، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم – فيها ، هذا خطأ عظيم، نسأل الله السلامة من ذلك ]اهـ.
    الفائدة السابعة والأربعون : تعريف الغلو .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال –رحمه الله تعالى - :
    [والغلو كما سبق: هو مجاوزة الحد مدحاً أو ذماً، وقد يشمل ما هو أكثر من ذلك أيضاً، فيقال: مجاوزة الحد في الثناء وفي التعبد وفي العمل، لأن هذا الحديث ورد في رمي الجمرات، حيث روى ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة العقبة وهو على ناقته: "القط لي حصى. فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف ، فجعل ينفضهن في كفه، ويقول: أمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين". هذا لفظ ابن ماجه]اهـ.
    الفائدة الثامنة والأربعون : الحصر في قوله صلى الله عليه وسلم ((إنما أهلك من كان قبلكم)) حصر إضافي لا حقيقي .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وهل الحصر في قوله: "فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو" حقيقي أو إضافي؟
    الجواب:
    إن قيل: إنه حقيقي، حصل إشكال، وهو أن هناك أحاديث أضاف النبي - صلى الله عليه وسلم - الهلاك فيها إلى أعمال غير الغلو، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" ، فهنا حصران متقابلان، فإذا قلنا: إنه حقيقي بمعنى أنه لا هلاك إلا بهذا حقيقة، صار بين الحديثين تناقض.
    وإن قيل: إن الحصر إضافي، أي: باعتبار عمل معين، فإنه لا يحصل تناقض بحيث يحمل كل منهما على جهة لا تعارض الحديث الآخر لئلا يكون في حديثه - صلى الله عليه وسلم - تناقض، وحينئذ يكون الحصر إضافياً، فيقال: "أهلك من كان قبلكم الغلو" هذا الحصر باعتبار الغلو في التعبد في الحديث الأول، وفي الآخر يقال : "أهلك من كان قبلكم" باعتبار الحكم، فيهلك الناس إذا أقاموا الحد على الضعيف دون الشريف]اهـ.
    الفائدة التاسعة والأربعون والفائدة الخمسون : أقسام الناس في العبادة ؛ أقسام الغلو وأمثلته .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [أقسام الناس في العبادة:
    والناس في العبادة طرفان ووسط، فمنهم المُفْرط، ومنهم المُفَرِّط، ومنهم المتوسط.
    فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وكون الإنسان معتدلاً لا يميل إلى هذا ولا إلى هذا هذا هو الواجب، فلا يجوز التشدد في الدين والمبالغة، ولا التهاون وعدم المبالاة، بل كن وسطاً بين هذا وهذا.
    والغلو له أقسام كثيرة، منها: الغلو في العقيدة، ومنها: الغلو في العبادة، ومنها: الغلو في المعاملة، ومنها: الغلو في العادات.
    والأمثلة عليها كما يلي:
    أما الغلو في العقيدة، فمثل ما تشدق فيه أهل الكلام بالنسبة لإثبات الصفات، فإن أهل الكلام تشدقوا وتعمقوا حتى وصلوا إلى الهلاك قطعاً، حتى أدى بهم هذا التعمق إلى واحد من أمرين:
    إما التمثيل، أو التعطيل.
    إما أنهم مثلوا الله بخلقه، فقالوا: هذا معنى إثبات الصفات، فغلوا في الإثبات حتى أثبتوا ما نفى الله عن نفسه، أو عطلوه وقالوا: هذا معنى تنزيهه عن مشابهة المخلوقات، وزعموا أن إثبات الصفات تشبيه، فنفوا ما أثبته الله لنفسه.
    لكن الأمة الوسط اقتصدت في ذلك، فلم تتعمق في الإثبات ولا في النفي والتنزيه، فأخذوا بظواهر اللفظ، وقالوا: ليس لنا أن نزيد على ذلك، فلم يهلكوا، بل كانوا على الصراط المستقيم، ولما دخل هؤلاء الفرس والروم وغيرهم في الدين، صاروا يتعمقون في هذه الأمور ويجادلون مجادلات ومناظرات لا تنتهي أبداً، حتى ضاعوا، نسأل الله السلامة.
    وكل الإيرادات التي أوردها المتأخرون من هذه الأمة على النصوص، لم يوردها الصحابة الذين هم الأمة الوسط.
    أما الغلو في العبادات، فهو التشدد فيها، بحيث يرى أن الإخلال بشيء منها كفر وخروج عن الإسلام، كغلو الخوارج والمعتزلة، حيث قالوا: إن من فعل كبيرة من الكبائر، فهو خارج عن الإسلام وحل دمه وماله، وأباحوا الخروج على الأئمة وسفك الدماء، وكذا المعتزلة، حيث قالوا: من فعل كبيرة، فهو بمنزلة بين المنزلتين: الإيمان والكفر، فهذا تشدد أدى إلى الهلاك، وهذا التشدد قابله تساهل المرجئة، فقالوا: إن القتل والزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها من الكبائر، لا تخرج من الإيمان، ولا تنقص من الإيمان شيئاً، وإنه يكفي في الإيمان الإقرار، وإن إيمان فاعل الكبيرة كإيمان جبريل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يختلف الناس في الإيمان حتى إنهم ليقولون: إن إبليس مؤمن لأنه مقر، وإذا قيل: إن الله كفره، قالوا: إذن إقراره ليس بصادق، بل هو كاذب.
    وهؤلاء في الحقيقة يصلحون لكثير من الناس في هذا الزمان، ولا شك أن هذا تطرف بالتساهل، والأول تطرف بالتشدد، ومذهب أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص، وفاعل المعصية ناقص الإيمان بقدر معصيته، ولا يخرج من الإيمان إلا بما برهنت النصوص على أنه كفر.
    وأما الغلو في المعاملات، فهو التشدد في الأمور بتحريم كل شيء حتى ولو كان وسيلة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يزيد عن واجبات حياته الضرورية، وهذا مسلك سلكه الصوفية، حيث قالوا: من اشتغل بالدنيا، فهو غير مريد للآخرة، وقالوا: لا يجوز أن تشتري ما زاد على حاجتك الضرورية، وما أشبه ذلك.
    وقابل هذا التشدد تساهل من قال: يحل كل شيء ينمي المال ويقوي الاقتصاد، حتى الربا والغش وغير ذلك.
    فهؤلاء - والعياذ بالله - متطرفون بالتساهل، فتجده يكذب في ثمنها وفي وصفها وفي كل شيء لأجل أن يكسب فلساً أو فلسين!!، وهذا لا شك أنه تطرف.
    والتوسط أن يقال: تحل المعاملات وفق ما جاءت به النصوص، { وأحل الله البيع وحرم الربا } [البقرة: 275]، فليس كل شيء حراماً، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - باع واشترى، والصحابة رضي الله عنهم يبيعون ويشترون، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقرهم.
    وأما الغلو في العادات، فإذا كانت هذه العادة يخشى أن الإنسان إذا تحول عنها انتقل من التحول في العادة إلى التحول في العبادة، فهذا لا حرج أن الإنسان يتمسك بها، ولا يتحول إلى عادة جديدة، أما إذا كان الغلو في العادة يمنعك من التحول إلى عادة جديدة مفيدة أفيد من الأولى، فهذا من الغلو المنهي عنه، فلو أن أحداً تمسك بعادته في أمر حدث أحسن من عادته التي هو عليها نقول: هذا في الحقيقة غال ومفرط في هذه العادة.
    وأما إن كانت العادات متساوية المصالح، لكنه يخشى أن ينتقل الناس من هذه العادة إلى التوسع في العادة التي قد تخل بالشرف أو الدين، فلا يتحول إلى العادة الجديدة]اهـ.
    الفائدة الحادية والخمسون : التنطع في صفات الله عز وجل .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والتنطع أيضاً في المسائل الدينية يشبه الغلو فيها، فهو أيضاً من أسباب الهلاك، ومن ذلك ما يفعله بعض الناس من التنطع في صفات الله تعالى والتقعر فيها، حيث يسألون عما لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم، وهم يعلمون أن الصحابة خير منهم وأشد حرصاً على العلم، وفيهم رسول الله الذي عنده من الإجابة على الأسئلة ما ليس عند غيره من الناس مهما بلغ علمهم ]اهـ.
    الفائدة الثانية والخمسون : الجواب عن شبهة أن للاحتفال بالمولد أصلا من السنة !
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [فإن قيل: إن للاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - أصلاً من السنة، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: "ذاك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، أو أنزل على فيه" ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يصومه مع الخميس ويقول: "إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".
    فالجواب على ذلك من وجوه:
    الأول: أن الصوم ليس احتفالاً بمولده كاحتفال هؤلاء، وإنما هو صوم وإمساك، أما هؤلاء الذين يجعلون له الموالد، فاحتفالهم على العكس من ذلك.
    فالمعنى: أن هذا اليوم إذا صامه الإنسان، فهو يوم مبارك حصل فيه هذا الشيء، وليس المعنى أننا نحتفل بهذا اليوم.
    الثاني: أنه على فرض أن يكون هذا أصلاً، فإنه يجب أن يقتصر فيه على ما ورد، لأن العبادات توقيفية، ولو كان الاحتفال المعهود عند الناس اليوم مشروعاً لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -، إما بقوله، أو فعله، أو إقراره.
    الثالث: أن هؤلاء الذين يحتفلون بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقيدونه بيوم الاثنين، بل في اليوم الذي زعموا مولده فيه، وهو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، مع أن ذلك لم يثبت من الناحية التاريخية، وقد حقق بعض الفلكيين المتأخرين ذلك، فكان في اليوم التاسع لا في اليوم الثاني عشر.
    الرابع: أن الاحتفال بمولده على الوجه المعروف بدعة ظاهرة، لأنه لم يكن معروفاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه]اهـ.
    الفائدة الثالثة والخمسون : حكم الاحتفال بعيد ميلاد الأطفال .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    السؤال : عندنا ناس يجعلون لأبنائهم موالد ....؟
    فأجاب – رحمه الله تعالى - :
    [ هذا من البدع ، لا يجوز ؛ كل شيء يتخذ عيداً يتكرر كل أسبوع، أو كل عام أو كل شهر وليس مشروعاً، فهو من البدع، والدليل على ذلك: أن الشارع جعل للمولود شيئا معينا وهو العقيقة، ولم يجعل شيئاً بعد ذلك، واتخاذهم هذه الأعياد يوم فرح وسرور تتكرر كل أسبوع أو كل عام معناه أنهم شبهوها بالأعياد الإسلامية ، وهذا حرام لا يجوز، وليس في الإسلام شيء من الأعياد إلا الأعياد الشرعية الثلاثة: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة.
    وليس هذا من باب العادات لأنه يتكرر، ولهذا لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد للأنصار عيدين يحتفلون بهما، قال: "إن الله تعالى أبدلكما بخير منهما: عيد الأضحى وعيد الفطر" ، مع أن هذا من الأمور العادية عندهم ]اهـ.
    الفائدة الرابعة والخمسون : طبيعة الإنسان وجبلته أنه ظلوم كجهول كفار ، إلا أن يمن الله عليه بالإيمان والعمل الصالح فيزكو .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى – في المسألة السابعة للإمام محمد بن عبد الوهاب :
    [السابعة: جبلة الآدمي في كون الحق ينقص في قلبه، والباطل يزيد؛ هذه العبارة تقيد من حيث كونه آدمياً بقطع النظر على من يمن الله عليه من تزكية النفس، فإن الله يقول: { قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها } [الشمس: 9،10].
    قوله: "جبلة" على وزن فعلة، وهو ما يجبل المرء عليه، أي: يخلق عليه ويطبع ويبدع، بمعنى الطبيعة التي عليها الإنسان من حيث هو إنسان بقطع النظر عن كونه زكى نفسه أو دساها.
    فالإنسان من حيث هو إنسان وصفه الله بوصفين : فقال تعالى: { إن الإنسان لظلوم كفار } [إبراهيم: 34]، وقال تعالى: { وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً } [الأحزاب: 72]. وهذا من حيث هو إنسان.
    أما من حيث ما يمن الله به عليه من الإيمان والعمل الصالح، فإنه يرتقي عن هذا، قال تعالى: { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون } [التين: 4-6]، فالإنسان الذي يمن الله عليه بالهدى، فإن الباطل الذي في قلبه يتناقص وربما يزول بالكلية، كعمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهم.
    وكذلك أهل العلم الأئمة ، كأبي الحسن الأشعري، كان معتزلياً، ثم كلابياً، ثم سنياً، وابن القيم كان صوفياً، ثم من الله عليه بصحبة شيخ الإسلام ابن تيمية، فهداه الله على يده حتى كان ربانياً]اهـ.
    الفائدة الخامسة والخمسون : المؤمنون يتواصون بالحق ، وأهل الضلال يتواصون بالباطل .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: { لا تذرن } ، أي: لا تدعن وتتركن، وهذا نهي مؤكد بالنون.
    قوله: { آلهتكم } ، هل المراد: لا تذروا عبادتها أو تمكنوا أحداً من إهانتها؟
    الجواب: المعنيان، أي: انتصروا لآلهتكم، ولا تمكنوا أحداً من إهانتها، ولا تدعوها للناس، ولا تدعوا عبادتها أيضاً، بل احرصوا عليها، وهذا من التواصي بالباطل عكس الذين آمنوا وعملوا الصالحات يتواصون بالحق.......... "إلى أن قال :" ويشبههم أهل الباطل والضلال الذين يتواصون بما هم عليه، سواء كانوا رؤساء سياسيين أو رؤساء دينيين ينتسبون إلى الدين، فتجد الواحد منهم لا يموت إلا وقد وضع له ركيزة من بعده ينمي هذا الأمر الذي هو عليه]اهـ.
    الفائدة السادسة والخمسون والسابعة والخمسون : الجاهل ببدعته لا يأثم ، وقد يثاب على حُسْن قصده! ؛ وحكم من كان في مجاهيل أفريقيا !
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ .. إن البدعة شر ولو حسن قصد فاعلها، ويأثم إن كان عالماً أنها بدعة ولو حسن قصده، لأنه أقدم على المعصية كم يجيز الكذب والغش ويدعي أنه مصلحة، أما لو كان جاهلاً فإنه لا يأثم، لأن جميع المعاصي لا يأثم بها إلا مع العلم، وقد يثاب على حسن قصده، وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم"، فيثاب على نيته دون عمله، فعمله هذا غير صالح ولا مقبول عند الله ولا مرضي، لكن لحسن نيته مع الجهل يكون له أجر، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي صلى وأعاد الوضوء بعدما وجد الماء وصلى ثانية: "لك الأجر مرتين" ، لحسن قصده، ولأن عمله عمل صالح في الأصل، لكن لو أراد أحد أن يعمل العمل مرتين مع علمه أنه غير مشروع، لم يكن له أجر لأن عمله غير مشروع لكونه خلاف السنة، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي لم يعد، "أصبت السنة".
    فإن قال: إني أريد بهذه البدعة إحياء الهمم والتنشيط وما أشبه ذلك.
    أجيب: بأن هذه الإرادة طعن في رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأنه اتهام له بالتقصير أو القصور، أي مقصر في الإخبار عن ذلك أو قاصر في العلم، وهذا أمر عظيم وخطر جسيم، ولأن هذا لم يكن عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا خلفاؤه الراشدون، أما إذا كان حسن القصد، ولم يعلم أن هذا بدعة، فإنه يثاب على نيته ولا يثاب على عمله، لأن عمله شر حابط كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد".
    وأما العامة الذين لا يعلمون، وقد لبس عليهم هذه البدعة وغيرها، نقول: ما داموا قاصدين للحق ولا علموا به، فإثمهم على من أفتاهم ومن أضلهم.
    ولهذا يوجد في مجاهل أفريقيا وغير من لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، فلو ماتوا لا نقول: إنهم مسلمون ونصلي عليهم ونترحم عليهم مع أنهم لم تقم عليهم الحجة، لكننا نعاملهم في الدنيا بالظاهر، أما في الآخرة، فأمرهم إلى الله]اهـ.
    الفائدة الثامنة والخمسون : حكم الصدقة عند القبور.
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    قال – رحمه الله تعالى – في المسألة الحادية عشرة للإمام :
    [الحادية عشرة: مضرة العكوف على القبر لأجل عمل صالح، المضرة الحاصلة: هي أنّ ذلك يوصل إلى عبادتهم.
    ومثل ذلك: ما لو قرئ القرآن عند قبر رجل صالح، أو تصدق عند هذا القبر يعتقد أن لذلك مزية على غيره، فإن هذا من البدع، وهذه البدعة قد تؤدي بصاحبها في النهاية إلى عبادة هذا القبر ، وكذلك أيضا لو كان يعكف عليه في الليالي ، فهذا كله حرام ، ومضرته عظيمة ]اهـ.
    الفائدة التاسعة والخمسون : الفرق بين الغلو والتنطع والاجتهاد .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.
    السؤال :
    ما الفرق بين التنطع، والغلو، والاجتهاد ؟
    فأجاب – رحمه الله تعالى - :
    [ الغلو مجاوزة الحد. والتنطع معناه: التشدق بالشيء والتعمق فيه، وهو من أنواع الغلو.
    أما الاجتهاد; فإنه بذل الجهد لإدراك الحق، وليس فيه غلو إلا إذا كان المقصود بالاجتهاد كثرة التّقرب غير المشروع; فقد تؤدي إلى الغلو، فلو أن الإنسان مثلا أراد أن يقوم الليل ولا ينام، وأن يصوم النهار ولا يفطر، وأن يعتزل ملاذ الدنيا كلها; فلا يتزوج ولا يأكل اللحم ولا الفاكهة وما أشبه ذلك، فإن هذا من الغلو، وإن كان الحامل على ذلك الاجتهاد والبر، ولكن هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ]اهـ.
    الفائدة الستون : حكم الذهاب إلى القبر لقراءة الفاتحة .
    في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين. السؤال :
    ما حكم الذهاب إلى قبور الصالحين لقراءة الفاتحة؟
    فأجاب – رحمه الله تعالى - :
    [ هذا من البدع، وسواء قلنا يصل الثواب أو لا يصل; فكونك تتخذ القراءة عند القبر خاصة هذا من البدع. وإنما اختلف السلف فيما إذا قرئت الفاتحة عند الميت بعد دفنه مباشرة أو غيرها من القرآن. والصحيح أيضا أنه ليس بسنة، والسنة أن تستغفر له وتسأل له التثبيت ]اهـ.
    الفائدة الحادية والستون والثانية والستون : قد يكون للحكم الواحد سببان فأكثر. ؛ وقد يترتب على السبب حكمان أو أكثر .
    في باب : ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح; فكيف إذا عبده؟!
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "ولولا ذلك أبرز قبره": أبرز; أي: أخرج من بيته; لأن البروز معناه الظهور، أي لولا التحذير وخوف أن يتخذ قبره مسجدا; لأخرج ودفن في البقيع مثلا، لكنه في بيته أصون له، وأبعد عن اتخاذه مسجدا; فلهذا لم يبرز قبره، وهذا أحد الأسباب التي أوجبت أن لا يبرز مكان قبره صلى الله عليه وسلم ومن أسباب ذلك: إخباره صلى الله عليه وسلم : "أنه ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض" ولا مانع أن يكون للحكم الواحد سببان فأكثر، كما أن السبب الواحد قد يترتب عليه حكمان أو أكثر; كغروب الشمس يترتب عليه جواز إفطار الصائم، وصلاة المغرب.]اهـ.
    الفائدة الثالثة والستون : رد شبهة القبوريين المقبوحين : في أن قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – في المسجد النبوي !
    في باب : ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح; فكيف إذا عبده؟!
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [إذا قال قائل: نحن الآن واقعون في مشكلة بالنسبة لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم الآن، فإنه في وسط المسجد; فما هو الجواب؟ قلنا: الجواب على ذلك من وجوه:
    الوجه الأول: أن المسجد لم يبن على القبر، بل بني المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
    الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد حتى يقال: إن هذا من دفن الصالحين في المسجد، بل دفن في بيته.
    الوجه الثالث: أن إدخال بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق من الصحابة، بل بعد أن انقرض أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل، وذلك عام 94 هـ تقريبا; فليس مما أجازه الصحابة أو أجمعوا عليه، مع أن بعضهم خالف في ذلك، وممن خالف أيضا سعيد بن المسيب من التابعين; فلم يرض بهذا العمل.
    الوجه الرابع: أن القبر ليس في المسجد، حتى بعد إدخاله; لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد; فليس المسجد مبنيا عليه، ولهذا جعل هذا المكان محفوظا ومحوطا بثلاثة جدران، وجعل الجدار في زاوية منحرفة عن القبلة، أي مثلث، والركن في الزاوية الشمالية، بحيث لا يستقبله الإنسان إذا صلى لأنه منحرف. فبهذا كله يزول الإشكال الذي يحتج به أهل القبور، ويقولون هذا منذ عهد التابعين إلى اليوم، والمسلمون قد أقروه ولم ينكروه; فنقول: إن الإنكار قد وجد حتى في زمن التابعين، وليس محل إجماع، وعلى فرض أنه إجماع; فقد تبين الفرق من الوجوه الأربعة التي ذكرناها]اهـ.
    الفائدة الرابعة والستون : تنبيه بأن محمدا صلى الله عليه وسلم يوصف بأنه خليل الله ، فالخلة أعظم أنواع المحبة .
    في باب : ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح; فكيف إذا عبده؟!
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والخلة أعظم أنواع المحبة وأعلاها، ولم يثبتها الله عزوجل فيما نعلم إلا لاثنين من خلقه، وهما: إبراهيم في قوله تعالى: { َاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} ، ومحمد لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا".
    وبهذا تعرف الجهل العظيم الذي يقوله العامة: إن إبراهيم خليل الله، ومحمدا حبيب الله، وهذا تنقص في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم بهذه المقالة جعلوا مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم دون مرتبة إبراهيم، ولأنهم إذا جعلوه حبيب الله لم يفرقوا بينه وبين غيره من الناس; فإن الله يحب المحسنين والصابرين، وغيرهم ممن علق الله بفعلهم المحبة; فعلى رأيهم لا فرق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره، لكن الخلة ما ذكرها الله إلا لإبراهيم، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله اتخذه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا.
    فالمهم: أن العامة مشكل أمرهم، دائما يصفون الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه حبيب الله، فنقول: أخطأتم وتنقصتم نبيكم; فالرسول خليل الله; لأنكم إذا وصفتموه بالمحبة أنزلتموه عن بلوغ غايتها ]اهـ.
    الفائدة الخامسة والستون : رد على الرافضة: نص صريح في أن أبا بكر أفضل من علي - رضي الله عنهما - .
    في باب : ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح; فكيف إذا عبده؟!
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "ولو كنت متخذا من أمتي خليلا; لاتخذت أبا بكر خليلا".
    وهذا نص صريح على أن أبا بكر أفضل من علي، رضي الله عنهما، وفي هذا رد على الرافضة الذين يزعمون أن عليا أفضل من أبي بكر]اهـ.
    الفائدة السادسة والستون : القبور لها حقان علينا .
    في باب : ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والقبور لها حق علينا من وجهين:
    1. أن لا نفرط فيما يجب لها من الاحترام; فلا تجوز إهانتها ولا الجلوس عليها، وما أشبه ذلك.
    2. أن لا نغلو فيها فنتجاوز الحد]اهـ.
    الفائدة السابعة والستون : الغضب صفة حقيقية لله تعالى ، والفرق بين غضب الخالق ، وغضب المخلوق .
    في باب : ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "غضب الله": صفة حقيقية ثابتة لله عزوجل لا تماثل غضب المخلوقين لا في الحقيقة ولا في الأثر.
    وقال أهل التأويل: غضب الله هو الانتقام ممن عصاه، وبعضهم يقول: إرادة الانتقام ممن عصاه.
    وهذا تحريف للكلام عن مواضعه; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: انتقم الله، وإنما قال: اشتد غضب الله، وهو صلى الله عليه وسلم يعرف كيف يعبر، ويعرف الفرق بين غضب الله وبين الانتقام، وهو أنصح الخلق وأعلم الخلق بربه، فلا يمكن أن يأتي بكلام وهو يريد خلافه; لأنه لو أتى بذلك لكان ملبسا، وحاشاه أن يكون كذلك; فالغضب غير الانتقام وغير إرادة الانتقام; فالغضب صفة حقيقية ثابتة لله تليق بجلاله لا تماثل غضب المخلوق، لا في الحقيقة ولا في الأثر.
    وهناك فروق بين غضب المخلوق وغضب الخالق، منها:
    1. غضب المخلوق حقيقته: غليان دم القلب، وجمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى يفور، أما غضب الخالق; فإنه صفة لا تماثل هذا، قال تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
    2. أن غضب الآدمي يؤثر آثارا غير محمودة; فالآدمي إذا غضب قد يحصل منه ما لا يحمد، فيقتل المغضوب عليه، وربما يطلق زوجته، أو يكسر الإناء، ونحو ذلك، أما غضب الله; فلا يترتب عليه إلا آثار حميدة لأنه حكيم; فلا يمكن أن يترتب على غضبه إلا تمام الفعل المناسب الواقع في محله. فغضب الله ليس كغضب المخلوقين، لا في الحقيقة ولا في الآثار، وإذا قلنا ذلك; فلا نكون وصفنا الله بما يماثل صفات المخلوقين، بل وصفناه بصفة تدل على القوة وتمام السلطان; لأن الغضب يدل على قدرة الغاضب على الانتقام وتمام سلطانه; فهو بالنسبة للخالق صفة كمال، وبالنسبة للمخلوق صفة نقص. ويدل على بطلان تأويل الغضب بالانتقام قوله تعالى:{ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُ مْ أَجْمَعِينَ} فإن معنى "آسفونا": أغضبونا; فجعل الانتقام غير الغضب، بل أثرا مترتبا عليه; فدل هذا على بطلان تفسير الغضب بالانتقام.
    واعلم أن كل من حرف نصوص الصفات عن حقيقتها وعما أراد الله بها ورسوله; فلا بد أن يقع في زلة ومهلكة; فالواجب علينا أن نسلم لما جاء به الكتاب والسنة من صفات الله تعالى على ما ورد إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل]اهـ.
    الفائدة التاسعة والستون : استجاب الله تعالى لنبيه فلم يجعل قبره وثنا يعبد ، ولكن ماذا عمن يتوجهون في المدينة إلى قبره ويدعونه ؟!!
    في باب : ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، أي: جعلوها مساجد؛ إما بالبناء عليها، أو بالصلاة عندها؛ فالصلاة عند القبور من اتخاذها مساجد، والبناء عليها من اتخاذها مساجد.
    وهنا نسأل: هل استجاب الله دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم بأن لا يجعل قبره وثناً يعبد، أم اقتضت حكمته غير ذلك ؟
    الجواب: يقول ابن القيم: إن الله استجاب له؛ فلم يذكر أن قبره صلى الله عليه وسلم جعل وثناً، بل إنه حمي بثلاثة جدران؛ فلا أحد يصل إليه حتى يجعله وثناً يعبد من دون الله، ولم يسمع في التاريخ أنه جعل وثناً.
    قال ابن القيم في (النونية):
    فأجاب رب العالمين دعاءه……وأحاطه بثلاثة الجدران
    صحيح أنه يوجد أناس يغلون فيه، ولكن لم يصلوا إلى جعل قبره وثناً، ولكن قد يعبدون الرسول صلى الله عليه وسلم ولو في مكان بعيد، فإن وجد من يتوجه له صلى الله عليه وسلم بدعائه عند قبره؛ فيكون قد اتخذه وثناً، لكن القبر نفسه لم يجعل وثناً ]اهـ.
    الفائدة السبعون : أقسام زيارة القبور .
    في باب : ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله:"زائرات القبور": زائرات: جمع زائرة، والزيارة هنا معناها: الخروج إلى المقابر وهي أنواع:
    منها ما هو سنة، وهي زيارة الرجال للاتعاظ والدعاء للموتى.
    ومنها ما هو بدعة، وهي زيارتهم للدعاء عندهم وقراءة القرآن ونحو ذلك.
    ومنها ما هو شرك، وهي زيارتهم لدعاء الأموات والاستنجاد بهم والاستغاثة ونحو ذلك]اهـ.
    الفائدة الحادية والسبعون : هل يدخل في اتخاذ السرج على المقابر إنارتُها؟
    في باب : ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وهل يدخل في اتخاذ السرج على المقابر ما لو وضع فيها مصابيح كهرباء لإنارتها ؟
    الجواب: أما في المواطن التي لا يحتاج الناس إليها، كما لو كانت المقبرة واسعة وفيها موضع قد انتهى الناس من الدفن فيه; فلا حاجة إلى إسراجه، فلا يسرج، أما الموضع الذي يقبر فيه فيسرج ما حوله; فقد يقال بجوازه; لأنها لا تسرج إلا بالليل; فليس في ذلك ما يدل على تعظيم القبر، بل اتخذ الإسراج للحاجة.
    ولكن الذي نرى أنه ينبغي المنع مطلقا للأسباب الآتية:
    1. أنه ليس هناك ضرورة.
    2. أن الناس إذا وجدوا ضرورة لذلك; فعندهم سيارات يمكن أن يوقدوا الأنوار التي فيها ويتبين لهم الأمر، ويمكنهم أن يحملوا سراجا معهم.
    3. أنه إذا فتح هذا الباب; فإن الشر سيتسع في قلوب الناس ولا يمكن ضبطه فيما بعد، فلو فرضنا أنهم جعلوا الإضاءة بعد صلاة الفجر ودفنوا الميت; فمن الذي يتولى قفل هذه الإضاءة؟ الجواب: قد تترك، ثم يبقى كأنه متخذ عليها السرج; فالذي نرى أنه يمنع نهائيا. أما إذا كان في المقبرة حجرة يوضع فيها اللبن ونحوه; فلا بأس بإضاءتها لأنها بعيدة عن القبور، والإضاءة داخلة لا تشاهد; فهذا نرجو أن لا يكون به بأس.
    والمهم أن وسائل الشرك يجب على الإنسان أن يبتعد عنها ابتعادا عظيما، ولا يقدر للزمن الذي هو فيه الآن، بل يقدر للأزمان البعيدة; فالمسألة ليست هينة]اهـ.
    الفائدة الثانية والسبعون : التفصيل في حكم زيارة المرأة للمقابر ، ومناقشة الأقوال فيها .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [في باب : ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله.
    وفي الحديث ما يدل على تحريم زيارة النساء للقبور وأنها من كبائر الذنوب يعني حديث : " لعن الله زائرات القبور .."؛
    والعلماء اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
    القول الأول: تحريم زيارة النساء للقبور، بل إنها من كبائر الذنوب; لهذا الحديث.
    القول الثاني: كراهة زيارة النساء للقبور كراهة لا تصل إلى التحريم، وهذا هو المشهور من مذهب أحمد عن أصحابه; لحديث أم عطية: " نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا ".
    القول الثالث: أنها تجوز زيارة النساء للقبور; لحديث المرأة التي مر النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي تبكي عند قبر، فقال لها: " اتقي الله واصبري فقالت له: إليك عني; فإنك لم تصب بمثل مصيبتي فانصرف الرسول صلى الله عليه وسلم عنها، فقيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت إليه تعتذر; فلم يقبل عذرها، وقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى ".
    فالنبي صلى الله عليه وسلم شاهدها عند القبر ولم ينهها عن الزيارة، وإنما أمرها أن تتقي الله وتصبر. ولما ثبت في "صحيح مسلم " من حديث عائشة الطويل، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أهل البقيع في الليل، واستغفر لهم ودعا لهم، وأن جبريل أتاه في الليل وأمره، فخرج صلى الله عليه وسلم مختفيا عن عائشة، وزار ودعا ورجع، ثم أخبرها الخبر; فقالت: ما أقول لهم يا رسول الله؟ قال: " قولي: السلام
    عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين... " إلخ. قالوا: فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم دعاء زيارة القبور، وتعليمه هذا دليل على الجواز. ورأيت قولا رابعا: أن زيارة النساء للقبور سنة كالرجال; لقوله صلى الله عليه وسلم " كنت نهيتكم عن زيارة القبور; فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة ".
    وهذا عام للرجال والنساء.
    ولأن عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها، فقال لها عبد الله بن أبي مليكة: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن زيارة القبور؟ قالت: إنه أمر بها بعد ذلك ؛ وهذا دليل على أنه منسوخ.
    والصحيح القول الأول، ويجاب عن أدلة الأقوال الأخرى: بأن الصريح منها غير صحيح، والصحيح غير صريح; فمن ذلك:
    أولا: دعوى النسخ غير صحيحة; لأنها لا تقبل إلا بشرطين:
    تعذر الجمع بين النصين، والجمع هنا سهل وليس بمتعذر; لأنه يمكن أن يقال: إن الخطاب في قوله: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور; فزوروها " للرجال، والعلماء اختلفوا فيما إذا خوطب الرجال بحكم: هل يدخل فيه النساء أو لا؟ وإذا قلنا بالدخول - وهو الصحيح -; فإن دخولهن في هذا الخطاب من باب دخول أفراد العام في العموم، وعلى هذا يجوز أن يخصص بعض أفراد العام بحكم يخالف العام، وهنا نقول: قد خص النبي صلى الله عليه وسلم النساء من هذا الحكم، فأمره بالزيارة للرجل فقط; لأن النساء أخرجن بالتخصيص من هذا العموم بلعن الزائرات، وأيضا مما يبطل النسخ قوله: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " ومن المعلوم أن قوله:"والمتخذين عليها المساجد والسرج" لا أحد يدعي أنه منسوخ; والحديث واحد; فادعاء النسخ في جانب منه دون آخر غير مستقيم، وعلى هذا يكون الحديث محكما غير منسوخ.
    2. العلم بالتأريخ، وهنا لم نعلم التأريخ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: كنت لعنت من زار القبور، بل قال: "كنت نهيتكم"، والنهي دون اللعن.
    وأيضا; فإن قوله: "كنت نهيتكم" خطاب للرجال، ولعن زائرات القبور خطاب للنساء فلا يمكن حمل خطاب الرجال على خطاب النساء، إذاً; فالحديث لا يصح فيه دعوى النسخ.
    وثانيا: الجواب عن حديث المرأة وحديث عائشة; أن المرأة لم تخرج للزيارة قطعا، لكنها أصيبت، ومن عظم المصيبة عليها لم تتمالك نفسها لتبقى في بيتها، ولذلك خرجت وجعلت تبكي عند القبر مما يدل على أن في قلبها شيئا عظيما لم تتحمله حتى ذهبت إلى ابنها وجعلت تبكي عند قبره ، ولهذا أمرها صلى الله عليه وسلم أن تصبر; لأنه علم أنها لم تخرج للزيارة، بل خرجت لما في قلبها من عدم تحمل هذه الصدمة الكبيرة; فالحديث ليس صريحا بأنها خرجت للزيارة، وإذا لم يكن صريحا; فلا يمكن أن يعارض الشيء الصريح بشيء غير صريح.
    وأما حديث عائشة; فإنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم " ماذا أقول؟ فقال: قولي: "السلام عليكم " فهل المراد أنها تقول ذلك إذا مرت، أو إذا
    خرجت زائرة؟ فهو محتمل; فليس فيه تصريح بأنها إذا خرجت زائرة; إذ من الممكن أن يراد به إذا مرت بها من غير خروج للزيارة، وإذا كان ليس صريحا; فلا يعارض الصريح.
    وأما فعلها مع أخيها رضي الله عنهما; فإن فعلها مع أخيها لم يستدل عليها عبد الله بن أبي مليكة بلعن زائرات القبور، وإنما استدل عليها بالنهي عن زيارة القبور مطلقا; لأنه لو استدل عليها بالنهي عن زيارة النساء للقبور أو بلعن زائرات القبور; لكنا ننظر بماذا ستجيبه. فهو استدل عليها بالنهي عن زيارة القبور، ومعلوم أن النهي عن زيارة القبور كان عاما، ولهذا أجابته بالنسخ العام، وقالت: إنه قد أمر بذلك، ونحن وإن كنا نقول: إن عائشة رضي الله عنها استدلت بلفظ العموم; فهي كغيرها من العلماء لا يعارض بقولها قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أنه روي عنها; أنها قالت: "لو شهدتك ما زرتك "، وهذا دليل على أنها -رضي الله عنها- خرجت لتدعو له; لأنها لم تشهد جنازته، لكن هذه الرواية طعن فيها بعض العلماء، وقال: إنها لا تصح عن عائشة -رضي الله عنها-، لكننا نبقى على الرواية الأولى الصحيحة; إذ ليس فيها دليل على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نسخه ، وإذا فهمت هي; فلا يعارض بقولها قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-]اهـ.
    قلت(علي) : وهناك قول خامس في حكم زيارة المرأة للقبور ، ألا وهو : أنّ لها أن تزور قبر النبي – صلى الله عليه وسلم وصاحبيه – خاصة دون سائر القبور ، قال في " شرح منتهى الإرادات " :
    [( وتكره ) زيارة قبور ( لنساء ) لحديث أم عطية { نهينا عن زيارة القبور ولم يعزم علينا } متفق عليه ( وإن علمن ) أي النساء ( أنه يقع منهن محرم ) بزيارتهن ( حرمت ) زيارتهن لها لأنها وسيلة للمحرم ( إلا ) زيارة النساء ( لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه ) أبي بكر وعمر ( فتسن ) كالرجال ، لعموم " من حج فزارني " ونحوه].
    وذكر الشيخ العلامة ابن عثيمين هذا القول في " الشرح الممتع " وذكر هناك لمسألة زيارة المرأة القبورَ خمسة أقوال تنظر هناك .
    الفائدة الثالثة والسبعون : المرأة إذا ذهبت للروضة في المسجد النبوي ، فهل لها أن تقف وتسلم ؟
    في باب : ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ المرأة إذا ذهبت للروضة في المسجد النبوي لتصلي فيها، فالقبر قريب منها، فتقف وتسلم، ولا مانع فيه.
    والأحسن البعد عن الزحام ومخالطة الرجال، ولئلا يظن من يشاهدها أن المرأة يجوز لها قصد الزيارة ; فيقع الإنسان في محذور، وتسليم المرء على النبي صلى الله عليه وسلم يبلغه حيث كان ]اهـ.
    الفائدة الرابعة والسبعون : لطيفة تفسيرية:
    إذا جاءت "من أنفسهم"; فالمراد: عموم الأمة، وإذا جاءت "منهم"; فالمراد: العرب.
    في باب : ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك.
    قال – رحمه الله تعالى -
    في قول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } :
    [والخطاب في قوله: "جاءكم" قيل: للعرب; لقوله: "من أنفسكم" ; فالرسول صلى الله عليه وسلم من العرب، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ } ؛
    ويحتمل أن يكون عاما للأمة كلها، ويكون المراد بالنفس هنا الجنس; أي: ليس من الجن ولا الملائكة، بل هو من جنسكم; كما قال تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة}.
    وعلى الاحتمال الأول فيه إشكال; لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الناس من العرب والعجم. ولكن يقال في الجواب: إنه خوطب العرب بهذا; لأن منة الله عليهم به أعظم من غيرهم، حيث كان منهم، وفي هذا تشريف لهم بلا ريب.
    والاحتمال الثاني أولى; للعموم، ولقوله: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ } ، ولما كان المراد العرب، قال: "منهم" لا "من أنفسهم"، قال الله تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ } ، وقال تعالى عن إبراهيم وإسماعيل:{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ } ؛
    وعلى هذا، فإذا جاءت "من أنفسهم"; فالمراد: عموم الأمة، وإذا جاءت "منهم"; فالمراد: العرب; فعلى الاحتمال الثاني لا إشكال في الآية ]اهـ.
    الفائدة الخامسة والسبعون : الفرق بين رحمة الخالق ، ورحمة المخلوق .
    في باب : ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والرحمة: رقة بالقلب تتضمن الحنو على المرحوم والعطف عليه بجلب الخير له ودفع الضرر عنه.
    وقولنا: رقة في القلب هذا باعتبار المخلوق، أما بالنسبة لله تعالى; فلا نفسرها بهذا التفسير; لأن الله تعالى ليس كمثله شيء، ورحمة الله أعظم من رحمة المخلوق لا تدانيها رحمة المخلوق ولا تماثلها; فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن لله مائة رحمة وضع منها رحمة واحدة يتراحم بها الخلق منذ خلقوا إلى يوم القيامة، حتى إن الدابة لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ". فمن يحصي هذه الرحمة التي في الخلائق منذ خلقوا إلى يوم القيامة كمية؟! ومن يستطيع أن يقدرها كيفية؟!
    لا أحد يستطيع إلا الله عزوجل الذي خلقها.
    فهذه رحمة واحدة، فإذا كان يوم القيامة رحم الخلق بتسع وتسعين رحمة بالإضافة إلى الرحمة الأولى، وهل هذه الرحمة تدانيها رحمة المخلوق؟!
    الجواب: أبدا، لا تدانيها، والقدر المشترك بين رحمة الخالق ورحمة المخلوق أنها صفة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، ورحمة الخالق غير مخلوقة; لأنها من صفاته، ورحمة المخلوق مخلوقة; لأنها من صفاته; فصفات الخالق لا يمكن أن تنفصل عنه إلى مخلوق لأننا لو قلنا بذلك لقلنا بحلول صفات الخالق بالمخلوق، وهذا أمر لا يمكن; لأن صفات الخالق يتصف بها وحده، وصفات المخلوق يتصف بها وحده، لكن صفات الخالق لها آثار تظهر في المخلوق، وهذه الآثار هي الرحمة التي نتراحم بها ]اهـ.
    يتبع.....

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    الفائدة السادسة والسبعون : تنبيه بلاغي : والبلاغيون يسمونه التفاتا، ولو قيل: إنه انتقال; لكان أحسن.
    في باب : ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك.
    في قوله تعالى : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ........)).
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "فإن تولوا": أي: أعرضوا مع هذا البيان الواضح بوصف الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا التفات من الخطاب إلى الغيبة; لأن التولي مع هذا البيان مكروه، ولهذا لم يخاطبوا به; فلم يقل: فإن توليتم. والبلاغيون يسمونه التفاتا، ولو قيل: إنه انتقال; لكان أحسن! ]اهـ.
    الفائدة السابعة والسبعون : فائدة لغوية : حسب نكرة لا تتعرف بالإضافة .
    في باب : ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك.
    في قوله تعالى (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ........)).
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: { فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي: قل ذلك معتمدا على الله، متوكلا عليه، معتصما به: حسبي الله.
    وارتباط الجواب بالشرط واضح، أي: فإن أعرضوا; فلا يهمنك إعراضهم، بل قل بلسانك وقلبك: حسبي.
    و "حسبي" خبر مقدم، و"الله" مبتدأ مؤخر، ويجوز العكس بأن نجعل: " حسبي" مبتدأ ، و"لفظ الجلالة" خبراً، لكن لما كانت حسب نكرة لا تتعرف بالإضافة; كان الأولى أن نجعلها هي الخبر ]اهـ.
    الفائدة الثامنة والسبعون :معنى صلاة الله على رسوله_ صلى الله عليه وسلم - .
    في باب : ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والصلاة من الله على رسوله ليس معناها كما قال بعض أهل العلم: إن الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء. فهذا ليس بصحيح، بل إن صلاة الله على المرء ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، كما قال أبو العالية وتبعه على ذلك المحققون من أهل العلم. ويدل على بطلان القول الأول قوله تعالى: { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } ، فعطف الرحمة على الصلوات، والأصل في العطف المغايرة، ولأن الرحمة تكون لكل أحد، ولهذا أجمع العلماء على أنه يجوز أن تقول: فلان رحمه الله،
    واختلفوا: هل يجوز أن تقول: فلان صلى الله عليه؟ فمن صلى على محمد صلى الله عليه وسلم مرة أثنى الله عليه في الملأ الأعلى عشر مرات، وهذه نعمة كبيرة ]اهـ.
    الفائدة التاسعة والسبعون : لطيفة في القراءات : في قوله تعالى ((وعبد الطاغوت)) أربع وعشرون قراءة !!
    في باب : ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والطاغوت على قراءة الفعل في "عبَدَ" تكون مفتوحة "عَبَدَ الطاغوتَ"، وعلى قراءة الاسم تكون مكسورة بالإضافة "عَبُدَ الطاغوتِ". وذُكِرَ في تركيب "عبد" مع "الطاغوت" أربع وعشرون قراءة، ولكنها قراءات شاذة غير القراءتين السبعيتين "عَبَدَ" و"عَبُدَ"]اهـ.
    الفائدة الثمانون : التعريف باليهود والنصارى .
    في باب : ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [واليهود: أتباع موسى عليه الصلاة والسلام، وسموا يهودا نسبة إلى يهوذا من أحفاد إسحاق، أو لأنهم هادوا إلى الله; أي: رجعوا إليه بالتوبة من عبادة العجل. والنصارى: هم أتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، وسموا بذلك نسبة إلى بلدة تسمى الناصرة، وقيل: من النصرة; كما قال تعالى:{ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ }]اهـ.
    الفائدة الحادية والثمانون : توجيه حديث أنس - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يأتي عليكم زمان إلا وما بعده أشر منه، حتى تلقوا ربكم ".
    في باب : ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [....في "البخاري" من حديث أنس - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يأتي عليكم زمان إلا وما بعده أشر منه، حتى تلقوا ربكم ".
    ومن تتبع أحوال هذه الأمة وجد الأمر كذلك ، لكن يجب أن نعرف الفرق بين الجملة والأفراد; فحديث أنس - رضي الله عنه - حديث صحيح سندا ومتنا ; فالمتن ليس فيه شذوذ، والسند في "البخاري"، والمراد به من حيث الجملة، ولذلك يوجد في أتباع التابعين من هو خير من كثير من التابعين ; فلا تيأسوا ، فتقولوا: إذا لا يمكن أن يوجد في زماننا هذا مثل من سبق; لأننا نقول: إن مثل هذا الحديث يراد به الجملة، وإذا شئتم أن يتضح الأمر; فانظروا إلى جنس الرجال وجنس النساء; أيهما خير؟
    الجواب: جنس الرجال خير، قال تعالى:{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } ، لكن يوجد في النساء من هي خير من كثير من الرجال; فيجب أن نعرف الفرق بين الجملة والأفراد.
    فإذا نظرنا إلى مجموع القرن كله نجد أن ما بعد القرن شر منه ، لا باعتبار الأفراد ولا باعتبار مكان دون مكان; فقد تكون أمة في بعض الجهات يرتفع الناس فيها من حسن إلى أحسن، كما لو نشأ فيها علماء نفع الله بهم; فإنهم يكونون أحسن ممن سبقهم.
    أما الصحابة; فلا أحد يساويهم في فضل الصحبة، حتى أفرادهم لا يمكن لأحد من التابعين أن يساويهم فيها مهما بلغ من الفضل; لأنه لم يدرك الصحبة]اهـ.
    الفائدة الثانية والثمانون : معنى : ((زوى لي الأرض)).
    في باب : ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان.
    في حديث((إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها...)).رواه مسلم.
    قال – رحمه الله تعالى –
    [قوله: "زوى لي": بمعنى جمع وضم; أي; جمع له الأرض وضمها.
    قوله: "فرأيت": أي: بعيني; فهي رؤية عينية، ويحتمل أن تكون رؤية منامية.
    قوله: "مشارقها ومغاربها": وهذا ليس على الله بعزيز; لأنه على كل شيء قدير، فمن قدرته أن يجمع الأرض حتى يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم ما سيبلغ ملك أمته منها.
    وهل المراد بالزي* هنا أن الأرض جمعت، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قوي نظره حتى رأى البعيد؟
    الأقرب إلى ظاهر اللفظ: أن الأرض جمعت، لا أن بصره قوي حتى رأى البعيد.
    وقال بعض العلماء: المراد قوة بصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أي أن الله أعطاه قوة بصر حتى أبصر مشارق الأرض ومغاربها، لكن الأول هو ظاهر اللفظ ، ونحن إذا أردنا تقريب هذا الأمر نجد أن صورة الكرة الأرضية الآن مجموعة يشاهد الإنسان فيها مشارق الأرض ومغاربها; فالله تعالى على كل شيء قدير; فهو قادر على أن يجمع له صلى الله عليه وسلم الأرض حتى تكون صغيرة فيدركها من مشارقها إلى مغاربها.
    فإن قيل: هذا إن حمل على الواقع; فليس بموافق للواقع، لأنه لو حُصِرت الأرض بحيث يدركها بصر النبي صلى الله عليه وسلم المجرد; فأين يذهب الناس؟! فالأرض فيها بحار وجبال عظيمة وصحاري واسعة ، وفيها آدميون ، وغير آدميين ؛ فكيف تصغر؟!!
    الجواب: بأن هذا من الأمور الغيبية التي لا يجوز أن تورد عليها كيف ولم، بل نقول: إن الله على كل شيء قدير; إذ قوة الله - سبحانه - أعظم من قوتنا وأعظم من أن نحيط بها، ولهذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – (( أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)) ، فلا يجوز أن نقول: كيف يجري مجرى الدم؟ فالله أعلم بذلك.
    وهذه المسائل التي لا يمكن أن ندركها يجب التسليم المحض لها، ولهذا نقول في باب الأسماء والصفات نحن كالظاهرية في باب الأحكام: تُجرى على ظاهرها مع التنزيه عن التكييف والتمثيل، وهذا ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة]اهـ.
    *قلت(علي): الزي مصدر زوى ، وهو القياس مثل طوى طيا ، وشوى شيا .وقد أشار الشيخ – رحمه الله تعالى- لهذا أثناء المناقشة.
    الفائدة الثالثة والثمانون :أجمع ما قيل في تعريف الطاغوت .
    في باب : ما جاء في السحر .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "الطاغوت": أجمع ما قيل فيه: هو ما تجاوز به العبد حده; من معبود، أو متبوع، أو مطاع]اهـ.
    الفائدة الرابعة والثمانون : تعريف الكاهن .
    في باب : ما جاء في السحر .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والكاهن; قيل: هو الذي يخبر عما في الضمير. وقيل: الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل]اهـ.
    الفائدة الخامسة والثمانون : قاعدة : الصحابة أحرص الناس على العلم ..
    في باب : ما جاء في السحر .
    في حديث : " اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله : و ما هن؟!!.."
    قال - رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ ": كان الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا ألقى إليهم الشيء مبهما طلبوا تفسيره وتبيينه، فلما حذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات قالوا ذلك لأجل أن يجتنبوهن، فأخبرهم، وعلى هذه القاعدة -أن الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على العلم-، لكن ما كانت الحكمة في إخفائه; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبرهم; كقوله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة " ولم يرد تبيينها عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح]اهـ.
    الفائدة السادسة والثمانون : قاعدة لغوية : والقاعدة المتبعة أنه يخبر بالنكرة عن المعرفة ولا عكس
    في باب : ما جاء في السحر .
    في حديث : " اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله : و ما هن؟!!.."
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وقوله: "وما هن": "ما": اسم استفهام مبتدأ، و "هن": خبر المبتدأ. وقيل: بالعكس، "ما": خبر مقدم وجوبا; لأن الاستفهام له الصدارة، و "هن": مبتدأ مؤخر. لأن "هن" ضمير معرفة، و "ما" نكرة، والقاعدة المتبعة أنه يخبر بالنكرة عن المعرفة ولا عكس ]اهـ.
    الفائدة السابعة والثمانون : معنى الحق إذا ورد في النصوص ..
    في باب : ما جاء في السحر .
    في حديث : " اجتنبوا السبع الموبقات....وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق"
    قال – رحمه الله تعالى –
    [وقوله: "إلا بالحق" أي: بالعدل; لأن هذا حكم، و"الحق" إذا ذكر بإزاء الأحكام; فالمراد به العدل، وإن ذكر بإزاء الأخبار; فالمراد به الصدق]اهـ
    الفائدة الثامنة والثمانون : الأنفس المعصومة أربعة أنفس .
    في باب : ما جاء في السحر .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [والنفس المحرمة أربعة أنفس، هي: نفس المؤمن، والذمي، والمعاهد، والمستأمن; بكسر الميم: طالب الأمان. فالمؤمن لإيمانه، والذمي لذمته، والمعاهد لعهده، والمستأمن لتأمينه.
    والفرق بين الثلاثة - الذمي، والمعاهد، والمستأمن -: أن الذمي هو الذي بيننا وبينه ذمة; أي: عهد على أن يقيم في بلادنا معصوما مع بذل الجزية. وأما المعاهد; فيقيم في بلاده، لكن بيننا وبينه عهد أن لا يحاربنا ولا نحاربه.
    وأما المستأمن; فهو الذي ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد، لكننا أمناه في وقت محدد; كرجل حربي دخل إلينا بأمان للتجارة ونحوها، أو ليفهم الإسلام، قال تعالى:{ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } وهناك فرق آخر، وهو أن العهد يجوز من جميع الكفار، والذمة لا تجوز إلا من اليهود والنصارى والمجوس دون بقية الكفار، وهذا هو المشهور من المذهب، والصحيح: أنها تجوز من جميع الكفار]اهـ.
    الفائدة التاسعة والثمانون : تعريف اليتيم .
    في باب : ما جاء في السحر .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [اليتيم: هو الذي مات أبوه قبل بلوغه، سواء كان ذكرا أم أنثى، أما من ماتت أمه قبل بلوغه; فليس يتيما لا شرعا ولا لغة. لأن اليتيم مأخوذ من اليتم، وهو الانفراد; أي: انفرد عن الكاسب له; لأن أباه هو الذي يكسب له ]اهـ.
    يتبع...
    الفائدة التسعون : ثلاث آيات فيها تخصيص للسنة بالكتاب .
    في باب : ما جاء في السحر .
    في حديث : " اجتنبوا السبع الموبقات....والتو لي يوم الزحف ".
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [لكن هذا الحديث خصصته الآية، وهي قوله تعالى:{ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ }.
    فالله سبحانه استثنى حالين:
    الأولى: أن يكون متحرفا لقتال; أي: متهيئا له، كمن ينصرف ليصلح من شأنه أو يهيئ الأسلحة ويعدها، ومنه الانحراف إلى مكان آخر يأتي العدو من جهته، فهذا لا يعد متوليا، إنما يعد متهيئا.
    الثانية: المتحيز إلى فئة كما إذا حصرت سرية للمسلمين يمكن أن يقضي عليها العدو، فانصرف من هؤلاء لينقذها; فهذا لا بأس به لدعاء الضرورة إليه، بشرط ألا يكون على الجيش ضرر، فإن كان على الجيش ضرر وذهبت طائفة كبيرة إلى هذه السرية بحيث توهن قوة الجيش وتكسره أمام العدو; فإنه لا يجوز; لأن الضرر هنا متحقق، وإنقاذ السرية غير متحقق; فلا يجوز لأن المقصود إظهار دين الله، وفي هذا إذلال لدين الله، إلا إذا كان الكفار أكثر من مثلي المسلمين، فيجوز الفرار حينئذ، لقوله تعالى:{ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } أو كان عندهم عدة لا يمكن للمسلمين مقاومتها، كالطائرات إذا لم يكن عند المسلمين من الصواريخ ما يدفعها، فإذا علم أن الصمود يستلزم الهلاك والقضاء على المسلمين; فلا يجوز لهم أن يبقوا; لأن مقتضى ذلك أنهم يغررون بأنفسهم.
    وفي هاتين الآيتين تخصيص السنة بالكتاب، وهو قليل، ومن تخصيص السنة بالكتاب أن من الشروط التي بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين في الحديبية أن من جاء من المشركين مسلما يرد إليهم ، وهذا الشرط عام يشمل الذكر والأنثى; فأنزل الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُن َّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ َ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ } ]اهـ.
    الفائدة الحادية والتسعون : القيد الأغلبي لا مفهوم له; لأنه لبيان الواقع.
    في باب : ما جاء في السحر .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وهل قذف المحصنين الغافلين المؤمنين كقذف المحصنات من كبائر الذنوب؟
    الجواب: الذي عليه جمهور أهل العلم أن قذف الرجل كقذف المرأة، وإنما خص بذلك المرأة; لأن الغالب أن القذف يكون للنساء أكثر; إذ البغايا كثيرات قبل الإسلام، وقذف المرأة أشد; لأنه يستلزم الشك في نسب أولادها من زوجها، فيلحق بهن القذف ضررا أكثر; فتخصيصه من باب التخصيص بالغالب، والقيد الأغلبي لا مفهوم له; لأنه لبيان الواقع]اهـ.
    الفائدة الثانية والتسعون : خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود.
    في باب : ما جاء في السحر .
    في المسألة السابعة : أنه يقتل ولا يستتاب .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [يؤخذ من قوله: " حد الساحر ضربة بالسيف "، والحد إذا بلغ الإمام لا يستتاب صاحبه، بل يقتل بكل حال، أما الكفر; فإنه يستتاب صاحبه، وهذا هو الفرق بين الحد وبين عقوبة الكفر، وبهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود، وذكروا من الحدود قتل الردة.
    فقتل المرتد ليس من الحدود; لأنه يستتاب، فإذا تاب ارتفع عنه القتل، وأما الحدود; فلا ترتفع بالتوبة إلا أن يتوب قبل القدرة عليه، ثم إن الحدود كفارة لصاحبها وليس بكافر، والقتل بالردة ليس كفارة وصاحبها كافر; لا يصلى عليه، ولا يغسل، ولا يدفن في مقابر المسلمين ]اهـ.
    الفائدة الثالثة والتسعون : الرد على الدجاجلة والكهان ومن يستدل بحديث : (كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك )رواه مسلم.
    في باب : بيان شيء من أنواع السحر.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [فإن قيل: قد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن نبيا من الأنبياء يخط; وقال: " من وافق خطه; فذاك " 1 قلنا: يجاب عنه بجوابين:
    الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم علقه بأمر لا يتحقق الوصول إليه; لأنه قال: فمن وافق خطه فذاك، وما يدرينا هل وافق خطه أم لا؟
    الثاني: أنه إذا كان الخط بالوحي من الله تعالى كما في حال هذا النبي; فلا بأس به; لأن الله يجعل له علامة ينزل الوحي بها بخطوط يعلمه إياها. أما هذه الخطوط السحرية; فهي من الوحي الشيطاني، فإن قيل: طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يسد الأبواب جميعا خاصة في موضوع الشرك; فلماذا لم يقطع ويسد هذا الباب؟
    فالجواب: كأن هذا والله أعلم أمر معلوم، وهو أن فيه نبيا من الأنبياء يخط; فلا بد أن يجيب عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ]اهـ.
    الفائدة الرابعة والتسعون : معنى العيافة ، وأقسامها .
    في باب : بيان شيء من أنواع السحر.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "العيافة": مصدر عاف يعيف عيافة ، وهي: زجر الطير للتشاؤم أو التفاؤل; فعند العرب قواعد في هذا الأمر; لأن زجر الطير له أقسام: فتارة يزجرها للصيد، كما قال أهل العلم في باب الصيد: إن تعليم الطير بأن ينزجر إذا زجر; فهذا ليس من هذا الباب.
    وتارة يزجر الطير للتشاؤم أو التفاؤل، فإذا زجر الطائر وذهب شمالا تشاءم، وإذا ذهب يمينا تفاءل، وإن ذهب أماما; فلا أدري أيتوقفون أم يعيدون الزجر؟ فهذا من الجبت]اهـ.
    الفائدة الخامسة والتسعون : تعريف الطيرة .
    في باب : بيان شيء من أنواع السحر.
    قال - رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "الطيرة": أي: من الجبت، على وزن فعلة، وهي اسم مصدر تطير، والمصدر منه تطير، وهي التشاؤم بمرئي أو مسموع، وقيل: التشاؤم بمعلوم مرئيا كان أو مسموعا، زمانا كان أو مكانا، وهذا أشمل; فيشمل ما لا يرى ولا يسمع; كالتطير بالزمان.
    وأصل التطير: التشاؤم، لكن أضيفت إلى الطير; لأن غالب التشاؤم عند العرب بالطير، فعلقت به، وإلا; فإن تعريفها العام: التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم.
    وكان العرب يتشاءمون بالطير وبالزمان وبالمكان وبالأشخاص وهذا من الشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ]اهـ.
    الفائدة السادسة والتسعون : خطأ من يقول : إذا هبت الريح طلع النجم الفلاني.
    في باب : بيان شيء من أنواع السحر.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [....والحوادث الأرضية من عند الله، قد تكون أسبابها معلومة لنا، وقد تكون مجهولة، لكن ليس للنجوم بها علاقة، ولهذا جاء في حديث زيد بن خالد الجهني في غزوة الحديبية; قال: " صلى بنا رسول الله ذات ليلة على إثر سماء من الليل; فقال: قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا " بنوء يعني: بنجم، والباء للسببية; يعني: هذا المطر من النجم -; " فإنه كافر بي مؤمن بالكوكب، ومن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته; فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ".
    فالنجوم لا تأتي بالمطر ولا تأتي بالرياح أيضا، ومنه نأخذ خطأ العوام الذين يقولون: إذا هبت الريح طلع النجم الفلاني; لأن النجوم لا تأثير لها بالرياح، صحيح أن بعض الأوقات والفصول يكون فيها ريح ومطر; فهي ظرف لهما، وليست سببا للريح أو المطر]اهـ.
    الفائدة السابعة والتسعون : علم النجوم ينقسم إلى قسمين : علم التأثير ، وعلم التسيير .
    في باب : بيان شيء من أنواع السحر.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وعلم النجوم ينقسم إلى قسمين:
    الأول: علم التأثير، وهو أن يستدل بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية; فهذا محرم باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من اقتبس شعبة من النجوم; فقد اقتبس شعبة من السحر " ، وقوله في حديث زيد بن خالد: " من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب " ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الشمس والقمر: " إنهما آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته " ، فالأحوال الفلكية لا علاقة بينها وبين الحوادث الأرضية.
    الثاني: علم التسيير، وهو ما يستدل به على الجهات والأوقات; فهذا جائز، وقد يكون واجبا أحيانا، كما قال الفقهاء: إذا دخل وقت الصلاة يجب على الإنسان أن يتعلم علامات القبلة من النجوم والشمس والقمر، قال تعالى :
    { وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
    فلما ذكر الله العلامات الأرضية انتقل إلى العلامات السماوية; فقال تعالى:
    { وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} ، فالاستدلال بهذه النجوم على الأزمان لا بأس به، مثل أن يقال: إذا طلع النجم الفلاني دخل وقت السيل ودخل وقت الربيع، وكذلك على الأماكن; كالقبلة، والشمال، والجنوب]اهـ.
    وقال في باب : ما جاء في التنجيم :
    [وعلم النجوم ينقسم إلى قسمين:
    1- علم التأثير.
    2- علم التسيير.
    فالأول: علم التأثير. وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    أ- أن يعتقد أن هذه النجوم مؤثرة فاعلة، بمعنى أنها هي التي تخلق الحوادث والشرور; فهذا شرك أكبر; لأن من ادعى أن مع الله خالقا; فهو مشرك شركا أكبر; فهذا جعل المخلوق المسخر خالقا مُسَخِّرًا.
    ب- أن يجعلها سببا يدعي به علم الغيب; فيستدل بحركاتها وتنقلاتها وتغيراتها على أنه سيكون كذا وكذا; لأن النجم الفلاني صار كذا وكذا، مثل أن يقول: هذا الإنسان ستكون حياته شقاء; لأنه ولد في النجم الفلاني، وهذا حياته ستكون سعيدة; لأنه ولد في النجم الفلاني; فهذا اتخذ تعلم النجوم وسيلة لا دعاء علم الغيب، ودعوى علم الغيب كفر مخرج عن الملة; لأن الله يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [سورة النمل: من الآية 65] وهذا من أقوى أنواع الحصر; لأنه بالنفي والإثبات، فإذا ادعى أحد علم الغيب; فقد كَذَّب القرآن.
    ج- أن يعتقدها سببا لحدوث الخير والشر، أي أنه إذا وقع شيء نسبه إلى النجوم، ولا ينسب إلى النجوم شيئا إلا بعد وقوعه; فهذا شرك أصغر.
    فإن قيل: ينتقض هذا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الكسوف: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده"؛ فمعنى ذلك أنهما علامة إنذار.
    فالجواب من وجهين:
    الأول: أنه لا يُسلَّم أن للكسوف تأثيرا في الحوادث والعقوبات، من الجدب والقحط والحروب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته " لا في ما مضى ولا في المستقبل، وإنما يخوف الله بهما العباد لعلهم يرجعون ، وهذا أقرب.
    الثاني: أنه لو سلمنا أن لهما تأثيرا; فإن النص قد دل على ذلك، وما دل عليه النص يجب القول به، لكن يكون خاصا به.
    لكن الوجه الأول هو الأقرب: أننا لا نسلم أصلا أن لهما تأثيرا في هذا; لأن الحديث لا يقتضيه; فالحديث ينص على التخويف، والمخوف هو الله تعالى، والمخوف عقوبته، ولا أثر للكسوف في ذلك، وإنما هو علامة فقط.
    الثاني: علم التسيير.
    وهذا ينقسم إلى قسمين:
    الأول: أن يستدل بسيرها على المصالح الدينية; فهذا مطلوب، وإذا
    كان يعين على مصالح دينية واجبة كان تعلمها واجبا، كما لو أراد أن يستدل بالنجوم على جهة القبلة; فالنجم الفلاني يكون ثلث الليل قبلة، والنجم الفلاني يكون ربع الليل قبلة; فهذا فيه فائدة عظيمة.
    الثاني: أن يستدل بسيرها على المصالح الدنيوية; فهذا لا بأس به، وهو نوعان:
    النوع الأول: أن يستدل بها على الجهات; كمعرفة أن القطب يقع شمالا، والجدي وهو قريب منه يدور حوله شمالا، وهكذا; فهذا جائز، قال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [سورة النحل: الآية 16].
    النوع الثاني: أن يستدل بها على الفصول، وهو ما يعرف بتعلم منازل القمر; فهذا كرهه بعض السلف، وأباحه آخرون.
    والذين كرهوه قالوا: يخشى إذا قيل: طلع النجم الفلاني; فهو وقت الشتاء أو الصيف: أن بعض العامة يعتقد أنه هو الذي يأتي بالبرد أو بالحر أو بالرياح.
    والصحيح عدم الكراهة; كما سيأتي إن شاء الله ]اهـ.
    الفائدة الثامنة والتسعون : سؤال العرّاف ينقسم إلى أقسام.
    في باب : ما جاء في الكهان ونحوهم .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [.... فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
    القسم الأول: أن يسأله سؤالا مجردا; فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى عرافا "؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه ; إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
    القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله; فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى:{ قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ }.
    القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله; فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد; فقال: " ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ. فقال: اخسأ; فلن تعدو قدرك " فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له; لأجل أن يختبره، فأخبره به.
    القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور يتبين بها كذبه وعجزه، وهذا مطلوب، وقد يكون واجبا. وإبطال قول الكهنة لا شك أنه أمر مطلوب، وقد يكود واجبا، فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى]اهـ.
    الفائدة التاسعة والتسعون : هل الحديث القدسي من كلام الله لفظا أم معنى؟
    في باب : ما جاء في الكهان ونحوهم .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [القول الراجح في الحديث القدسي أنه من كلام الله تعالى معنى، وأما لفظه; فمن الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه حكاه عن الله; لأننا لو لم نقل بذلك لكان الحديث القدسي أرفع سندا من القرآن، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه مباشرة والقرآن بواسطة جبريل.
    ولأنه لو كان من كلام الله لفظا، لوجب أن تثبت له أحكام القرآن، لأن الشرع لا يفرق بين المتماثلين، وقد علم أن أحكام القرآن لا تنطبق على الحديث القدسي; فهو لا يتعبد بتلاوته، ولا يقرأ في الصلاة، ولا يعجز لفظه، ولو كان من كلام الله; لكان معجزا; لأن كلام الله لا يماثله كلام البشر، وأيضا باتفاق أهل العلم فيما أعلم أنه لو جاء مشرك يستجير ليسمع كلام الله وأسمعناه الأحاديث القدسية; فلا يصح أن يقال: إنه سمع كلام الله.
    فدل هذا على أنه ليس من كلام الله، وهذا هو الصحيح، وللعلماء في ذلك قولان: هذا أحدهما، والثاني: أنه من قول الله لفظا.
    فإن قال قائل: كيف تصححون هذا والنبي صلى الله عليه وسلم ينسب القول إلى الله، ويقول: قال الله تعالى، ومقول القول هو هذا الحديث المسوق؟ قلنا: هذا كما قال الله تعالى عن موسى وفرعون وإبراهيم: قال موسى، قال فرعون، قال إبراهيم... مع أننا نعلم أن هذا اللفظ ليس من كلامهم ولا قولهم; لأن لغتهم ليست اللغة العربية، وإنما نقل نقلا عنهم، ويدل لهذا أن القصص في القرآن تختلف بالطول والقصر والألفاظ، مما يدل على أن الله سبحانه ينقلها بالمعنى، ومع ذلك ينسبها إليهم، كما قال تعالى:{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي } ،
    وقال عن موسى:{ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ } 2 وقال عن فرعون:{ قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} ]اهـ.
    الفائدة الموفية مائة : كل كلمة وصف فيها القرآن بأنه منزل أو أنزل من الله; فهي دالة على علو الله - سبحانه وتعالى – بذاته.
    في باب : ما جاء في الكهان ونحوهم .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ذكر أهل السنة أن كل كلمة وصف فيها القرآن بأنه منزل أو أنزل من الله; فهي دالة على علو الله - سبحانه وتعالى - بذاته، وعلى أن القرآن كلام الله; لأن النزول يكون من أعلى، والكلام لا يكون إلا من متكلم به]اهـ.
    الفائدة الحادية بعد المائة : التفصيل في حكم من صدق الكاهن .
    في باب : ما جاء في الكهان ونحوهم .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [فالذي يصدق الكاهن في علم الغيب وهو يعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله; فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملة، وإن كان جاهلا ولا يعتقد أن القرآن فيه كذب; فكفره كفر دون كفر]اهـ.
    الفائدة الثانية بعد المائة : حكم قول بعض الناس الآن :" أتكهن وقوع كذا ، أو فوز فلان الفلاني !
    في باب : ما جاء في الكهان ونحوهم.
    قال – رحمه الله تعالى – في حديث عمران بن حصين مرفوعا((ليس منا من تطير أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له... )) :
    [ومن الغريب أنه شاع الآن في أسلوب الناس قولهم: تكهن بأن فلانا سيأتي، ويطلقون هذا اللفظ الدال على عمل محرم على أمر مباح، وهذا لا ينبغي; لأن العامي الذي لا يفرق بين الأمور يظن أن الكهانة كلها مباحة، بدليل إطلاق هذا اللفظ على شيء مباح معلوم إباحته]اهـ.
    الفائدة الثالثة بعد المائة : هل شيخ الإسلام ابن تيمية له ولد ؟!!
    في باب : ما جاء في الكهان ونحوهم.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "وقال أبو العباس ابن تيمية": هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، يكنى بأبي العباس، ولم يتزوج، ولم يتركه من باب الرهبانية، ولكنه والله أعلم كان مشغولا بالجهاد العلمي مع قلة الشهوة، وإلا لو كان قوي الشهوة لتزوج، وليس كما يدعي المزورون أن له ولدا مدفونا إلى جانبه في دمشق; فإنه غير صحيح قطعا]اهـ.
    الفائدة الرابعة بعد المائة : فائدة أصولية: الفرق بين العموم اللفظي والعموم المعنوي.
    في باب : ما جاء في الكهان ونحوهم.
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ .... لأن عندنا عموما معنويا، وهو ما ثبت عن طريق القياس، وعموما لفظيا، وهو ما دل عليه اللفظ، بحيث يكون اللفظ شاملا له ]اهـ.
    الفائدة الخامسة بعد المائة : قول بعض أهل العلم : إن من علاج الربط عن الزوجة الطلاق!!
    في باب : ما جاء في النشرة .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وقد ذكر بعض أهل العلم أن من العلاج أن يطلقها، ثم يراجعها; فينفك السحر. لكن لا أدري هل هذا يصح أم لا؟ فإذا صح; فالطلاق هنا جائز; لأنه طلاق للاستبقاء، فيطلق كعلاج، ونحن لا نفتي بشيء من هذا، بل نقول: لا نعرف عنه شيئا]اهـ.
    الفائدة السادسة بعد المائة : الأصل في التعريفات أن اللغة أوسع من الاصطلاح .
    في باب : ما جاء في التطير .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [التطير:
    في اللغة: مصدر تطير، وأصله مأخوذ من الطير; لأن العرب يتشاءمون أو يتفاءلون بالطيور على الطريقة المعروفة عندهم بزجر الطير، ثم ينظر: هل يذهب يمينا أو شمالا أو ما أشبه ذلك، فإن ذهب إلى الجهة التي فيها التيامن; أقدم، أو فيها التشاؤم; أحجم.
    أما في الاصطلاح; فهي التشاؤم بمرئي أو مسموع، وهذا من الأمور النادرة; لأن الغالب أن اللغة أوسع من الاصطلاح; لأن الاصطلاح يدخل على الألفاظ قيودا تخصها، مثل الصلاة لغة: الدعاء، وفي الاصطلاح أخص من الدعاء، وكذلك الزكاة وغيرها]اهـ.
    الفائدة السابعة بعد المائة : التوفيق بين قوله تعالى: (( ألا إنما طائرهم عند الله )) ، وقوله سبحانه: ((قالوا طائركم معكم)).
    في باب : ما جاء في التطير .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [ولا منافاة بين هذه الآية والتي ذكرها المؤلف قبلها; لأن الأولى تدل على أن المقدر لهذا الشيء هو الله، والثانية تبين سببه، وهو أنه منهم، فهم في الحقيقة طائرهم معهم (أي الشؤم) الحاصل عليهم معهم ملازم لهم; لأن أعمالهم تستلزمه; كما قال تعالى:{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } ، وقال تعالى:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
    ويستفاد من الآيتين المذكورتين في الباب: أن التطير كان معروفا من قبل العرب وفي غير العرب; لأن الأولى في فرعون وقومه، والثانية في أصحاب القرية]اهـ.
    الفائدة الثامنة بعد المائة : قول : أجرى الله العادة.
    في باب : ما جاء في التطير .
    قال - رحمه الله تعالى - :
    [قوله: "لا نوء". واحد الأنواء، والأنواء: هي منازل القمر، وهي ثمان وعشرون منزلة، كل منزلة لها نجم تدور بمدار السنة.
    وهذه النجوم بعضها يسمى النجوم الشمالية، وهي لأيام الصيف، وبعضها يسمى النجوم الجنوبية، وهي لأيام الشتاء، وأجرى الله العادة أن المطر في وسط الجزيرة العربية يكون أيام الشتاء، أما أيام الصيف، فلا مطر]اهـ.
    الفائدة التاسعة بعد المائة : قولهم : يكون المطر بسبب المنخفض الجوي !.
    في باب : ما جاء في التطير .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [وفي عصرنا الحاضر يعلق المطر بالضغط الجوي والمنخفض الجوي، وهذا وإن كان قد يكون سبباً حقيقياً، ولكن لا يفتح هذا الباب للناس، بل الواجب أن يقال: هذا من رحمة الله، هذا من فضله ونعمه، قال تعالى: { ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله } [النور: 43]، وقال تعالى: { الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله } [الروم: 48].
    فتعليق المطر بالمنخفضات الجوية من الأمور الجاهلية التي تصرف الإنسان عن تعلقه بربه.
    فذهبت أنواء الجاهلية، وجاءت المنخفضات الجوية، وما أشبه ذلك من الأقوال التي تصرف الإنسان عن ربه ـ سبحانه وتعالى ـ.
    نعم، المنخفضات الجوية قد تكون سبباً لنزول المطر، لكن ليست هي المؤثر بنفسها، فتنبه]اهـ.
    الفائدة العاشرة بعد المائة : فرق بين الشرك والكفر المعرف بأل وبين النكرة .
    في باب : ما جاء في التطير .
    قال – رحمه الله تعالى - في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الطيرة شرك)):
    [ وقوله: "شرك". أي: إنها من أنواع الشرك، وليس الشرك كله، وإلا، لقال: الطيرة الشرك.
    وهل المراد بالشرك هنا الشرك الأكبر المخرج من الملة، أو أنها نوع من أنواع الشرك؟
    نقول: هي نوع من أنواع الشرك، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اثنتان في الناس هما بهم كفر"، أي: ليس الكفر المخرج عن الملة، وإلا، لقال: "هما بهم الكفر"، بل هما نوع من الكفر.
    لكن في ترك الصلاة قال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"، فقال: "الكفر"، فيجب أن نعرف الفرق بين "أل" المعرفة أو الدالة على الاستغراق، وبين خلو اللفظ منها، فإذا قيل: هذا كفر، فالمراد أنه نوع من الكفر لا يخرج من الملة، وإذا قيل: هذا الكفر، فهو المخرج من الملة ]اهـ.
    الفائدة الحادية عشرة بعد المائة : قاعدة مفيدة في الشرك الأصغر .
    في باب : ما جاء في التطير .
    قال – رحمه الله تعالى - :
    [..فإذا تطير إنسان بشيء رآه أو سمعه، فإنه لا يعد مشركاً شركاً يخرجه من الملة، لكنه أشرك من حيث إنه اعتمد على هذا السبب الذي لم يجعله الله سبباً، وهذا يضعف التوكل على الله ويوهن العزيمة، وبذلك يعتبر شركاً من هذه الناحية، والقاعدة: "إن كل إنسان اعتمد على سبب لم يجعله الشرع سبباً، فإنه مشرك شركاً أصغر".
    وهذا نوع من الإشراك مع الله، إما في التشريع إن كان هذا السبب شرعياً، وإما في التقدير إن كان هذا السبب كونياً، لكن لو اعتقد هذا المتشائم المتطير أن هذا فاعل بنفسه دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر، لأنه جعل لله شريكاً في الخلق والإيجاد]اهـ.
    يتبع...

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    الفائدة الثانية عشرة بعد المائة : الرد على من قال إن : " الله أعلم " بمعنى " الله عالم " !
    في باب : قول الله تعالى:{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياء فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } [ أل عمران : 175] .
    قال – رحمه الله تعالى – في قوله تعالى ((...أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين)) :
    [وكلمة { أعلم } : اسم تفضيل ، وقال بعض المفسرين ولا سيما المتأخرون منهم: (أعلم) بمعنى عالم، وذلك فراراً من أن يقع التفضيل بين الخالق والمخلوق ، وهذا التفسير الذي ذهبوا إليه كما أنه خلاف اللفظ ، ففيه فساد المعنى ؛ لأنك إذا قلت : أعلم بمعنى عالم ، فإن كلمة عالم تكون للإنسان وتكون لله ، ولا تدل على التفاضل ؛ فالله عالم والإنسان عالم .
    وأما تحريف اللفظ ، فهو ظاهر ، حيث حرفوا اسم التفضيل الدال على ثبوت المعنى وزيادة إلى اسم فاعل لا يدل على ذلك .
    والصواب أن { أعلم } على بابها ، وأنها اسم تفضيل ، وإذا كانت اسم تفضيل ، فهي دالة دلالة واضحة على عدم تماثل علم الخالق وعلم المخلوق ، وأن علم الخالق أكمل ]اهـ .

    الفائدة الثالثة عشرة بعد المائة : مما ابتليت به هذه الأمة في هذا الزمان النفاق.
    في باب : قول الله تعالى:{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياء فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين }.
    قال – رحمه الله تعالى – في قوله –صلى الله عليه وسلم-((إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله )) :
    [واليقين أعلى درجات الإيمان ، وقد يراد به العلم ، كما تقول : تيقنت هذا الشيء، أي : علمته يقيناً لا يعتريه الشك ، فمن ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله ؛ إذ إنك خفت الناس أكثر مما تخاف الله ، وهذا مما ابتليت به الأمة الإسلامية اليوم ؛ فتجد الإنسان يجيء إلى شخص فيمدحه ، وقد يكون خالياً من هذا المدح ، ولا يبين ما فيه من عيوب ، وهذا من النفاق وليس من النصح والمحبة ، بل النصح أن تبين له عيوبه ليتلافاها ويحترز منها ، ولا بأس أن تذكر له محامده تشجيعاً إذا أمن في ذلك من الغرور]اهـ.

    الفائدة الرابعة عشرة بعد المائة : فائدة لغوية : لا يمكن أن نعطف الجملة بعاطفين.
    في باب : قول الله تعالى: { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } [ المائدة : 23] .
    قال – رحمه الله تعالى –في قوله تعالى ((وعلى الله فتوكلوا)) :
    [والفاء لتحسين اللفظ وليست عاطفة ، لأن في الجملة حرف عطف وهو الواو ، ولا يمكن أن نعطف الجملة بعاطفين ، فتكون لتحسين اللفظ ، كقوله تعالى : { بل الله فاعبد } ، والتقدير : " بل الله أعبد " اهـ.

    الفائدة الخامسة عشرة بعد المائة : قاعدة: غالبا في الأحكام الخاصة يخاطب الله عزوجل رسوله بوصف النبوة.
    في باب : قول الله تعالى: { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } [ المائدة : 23] .
    قال – رحمه الله تعالى- في قوله تعالى ((يا أيها النبي حسبك الله)) :
    [قوله تعالى : { يا أيها النبي } . المراد به الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخاطب الله رسوله بوصف النبوة أحياناً وبوصف الرسالة أحياناً ، فحينما يأمره أن يبلغ يناديه بوصف الرسالة ، وأما في الأحكام الخاصة ، فالغالب أن يناديه بوصف النبوة ، قال تعالى : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } [ التحريم : 1 ] ، وقال تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } [ الطلاق : 1] ]اهـ.
    يتبع...

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    406

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    بارك الله على هذا العمل المبارك،حبذا يا أخي لو يكون على ملف وورد ليسهل تنزيله
    وفقك الله

  12. #12

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    بارك الله على هذا العمل المبارك،حبذا يا أخي لو يكون على ملف وورد ليسهل تنزيله
    وفقك الله

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    بارك الله فيكما ، أبشرا.

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: خلاصة المستفيد من القول المفيد . الشيخ العلامة ابن عثيمين.

    ...........
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •