،،التوحيد نور،،
2012-03-19, 05:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ,والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه واتباعه اجمعين..
أمابعد
فموضوع الوساوس وانتشارها في صدور الناس لا يكاد يخفى ...وكثيرا مانسمع الشكوى من هذا البلاء و كثيرا مانسمع ضعف كثيرمن المؤمنين أمام هذا السيل الجارف وهذه الريح العاصف...
لكن ما السبب في انتشار هذه الآفة التي قد تحصد إيمان المؤمن وتهدم بنيان إيمانه وتقتلع شجرة يقينه؟ّ
مالسر في إصابة المؤمن بهذا الداء الذي قد يقضي على مناعته الإيمانية أو يضعفها حتى يكون عرضة لان يقضى على إسلامه وتوحيده؟!
في هذه الجزء من موضوع الوساوس سنتناول بيان الأسباب التي تمكّن الوساوس من اقتحام قلب المؤمن ..وسنتعرف على بعض الأسباب الدينية خاصة والتي تمهّد الطريق لهذا اللص ليسرق كنوز الإيمان والتوحيد من القلوب...
فلابد من معرفة سبب الداء لمعالجته ليسهل بعد ذلك القضاء على الداء شيئا فشيئا بإذن الله تعالى تبعا لزوال أسبابه ..أما مجرد معالجة العَرَض فليست حلا وإنما هي كالمسكّن فقط لا تعني شفاء ولا عافية لأن أصل الداء موجود لم تتم معالجته والقضاء عليه...وفيما يلي أعرض أسبابا قد تكون محركا رئيسيا لعجلة الوسوسة.. أو هي كالمهيجات التي تستدعي الوساوس لتظهر وتستثيرها لتعلو وتتكاثر, ومن عرف أسباب أخرى فليحتسب أجره عند الله عزوجل وليكتبها لينتفع بها المسلمون والله يأجره ويثيبه..
· 1- ضعف توحيد الله جل وعلا في القلوب:
قال الله جل وعلا:"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"(الأنعام 82)...يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى "الذين آمنوا ولميلبسوا إيمانهم بظلم " أي : يخلطوا إيمانهم بظلم ." أولئكلهم الأمن وهم مهتدون:” الأمن من المخاوف ، والعذاب والشقاء ، والهداية إلى الصراطالمستقيم ، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقاً ، لا بشرك ، ولا بمعاصي ، حصللهم الأمن التام ، والهداية التامة .
وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهمبالشرك وحده ، ولكنهم يعملون السيئات ، حصل لهم أصل الهداية ، وأصل الأمن ، وإن لميحصل لهم كمالها .ومفهوم الآية الكريمة ، أن الذين لم يحصل لهمالأمران ، لم يحصل لهم هداية ، ولا أمن ، بل حظهم الضلال والشقاء”تفسير الشيخ السعدي رحمه الله تعالى" .
وتأملوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً. فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)) هكذا يتعلق المؤمن بربه جل وعلا ويوحده ويفرده بالعبادة والتوجه والقصد والاعتماد فيجني ثمرة التوحيد سكينة وأمنا وطمأنينة وراحة
ومما لا شك فيه أن ضعف توحيد الله تعالى في القلب واختلاط الإيمان بظلمات الشرك والمعاصي يُنقص من مقدار الأمن الذي وعد الله تعالى به من حقق التوحيد ولم يظلم نفسه بالشرك..
وأشار الشيخ سعد الشثري حفظه الله تعالى في أحد دروسه الى أن ضعف توحيد الله تعالى في القلوب هو سبب كثرة الوساوس اليوم و لو نظرنا في حال الناس قبل ثلاثين أوعشرين سنة لوجدنا أهل الوساوس والأمراض النفسية أقل من عددهم اليوم وسبب ذلك ضعف التوحيد اليوم والتهاون فيه والتساهل في أمور قد يظنها البعض صغيرة وهي عند الله تعالى من أعظم الظلم....وبتتابع الأعوام ومرور السنين تنشأ أجيال يال لا يعرفون التوحيد لمن أبناء المسلمين لا يعرفون التوحيد ماتعلموه ولا رُبوا عليه ولا سقاهم الوالدين حبه ولا اهتموا بتعريفهم إياه
فتتسلط الوساوس على القلوب وتورثها اضطرابا وريبة وترددا وخوفا وحزنا ويقل أمنها واطمئنانها وسكينتها ,وكلما زاد الشرك والظلم زادت الوساوس وقل الأمن وبالعكس كلما ارتفع الإيمان وتحقق التوحيد وانتفى الشرك قلّت وساوس الشيطان وخطراته وبالتالي تحقق الأمن وتوطن في القلب واستتب وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!
..
وتظهر أهمية تحقيق توحيد الله وغرس هذه الشجرة في القلوب إذا علمنا أن الشيطان يخاف من قلب الموحد المعظّم لله تعالى ولا يجد إلى قلبه سبيلا, لأن الله جل وعلا يورث الموحّد قوة في الفهم والعقل فيفهم النصوص الشرعية ويتعلمها ويتقن مراد الله جل وعلا منها فيقوى يقينه بالله تعالى واعتماده عليه....
وبالتالي يكتسب بفضل الله جل وعلا قوة في الاعتقاد وقوة في الحجة يغلب بها شبهات الشيطان وجنده ووساوسه وكيده...
فينتج عن ذلك قوة في الإقناع بفضل الله تعالى لأن كلامه سينبع من القلب وسيخرج عن اعتقاد صادق وعلم جازم فيؤثر في الناس وينير لهم طريق الحق ويدلهم عليه...
لذلك كان الموحد أعدى عدو للشيطان وليس له عليه سلطان وليس له إليه سبيلا فالله تعالى قد تكفّل به وبدينه وهداه وسدده ووفقه للدعوة إلى التوحيد وأكرمه "مستفاد من شرح الشيخ الشثري حفظه الله تعالى لمتن كشف الشبهات"
واليوم نجد إعراضا عن تعلم التوحيد وتعليمه إلا ما رحم ربي ..فكل واحد من الناس يظن انه قد عرف التوحيد وحققه وهو لم يعرف إلا اسمه وما تعلم حقيقته ولا حققه ..لذلك تتسلط الشياطين على القلوب وما أن توسوس حتى تجد مجيبا وما أن تطرق الأبواب إلا ويُفتح لها فيدخل البلاء على القلوب مع ضعف التحصين فتكون الطامة الكبرى باهتزاز الإيمان والتوحيد والتشكيك في الدين والشرع ..
..إذا عرفنا أهمية افراد الله تعالى بربوبيته والوهيته وأسمائه وصفاته فلا عجب إذا علمنا أن الشيطان يحاول وبضراوة صدّ الناس عن التوحيد وعن تعلمه وعن تحقيقه فإذا تحقق له ذلك سهل عليه بعد ذلك التمكن من تلك القلوب وراح يسرح ويمرح داخلها,وإذا صد الناس عن تعلم التوحيد صدهم عن تعليمه لأبناءهم فتنشأ الأجيال ولم تعرف توحيد الله تعالى..
وقد أخبرنا ربنا جل وعلا بعزم الشيطان على إغوائنا واخبرنا باعترافه بعدم تمكنه من المخلصين الذين أخلصهم الله تعالى لعبادته فقال الله جل وعلا:" قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين"(سورة ص82-83)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى:"وهؤلاء هم المستثنون في الآية الأخرى وهي قوله تعالى:"إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا" (الإسراء 65 )
وقال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: ("إلا عبادك منهم المخلصين" يقول:إلا من أخلصته منهم لعبادتك وعصمته من إضلالي فلم تجعل لي عليه سبيلا فإني لا أقدر على إضلاله وإغوائه)
· فمن أسباب كثرة الوساوس ضعف التوحيد في القلوب وضعف تطبيقه في الحياة.. فغدت كثير من قلوب المسلمين كالأسفنجة تمتص كل مايرد عليها ولا تستطيع دفعه حتى تمتلئ بالوساوس وتحتقن بها ثم تفيض بالشبهات والشكوك والريبة.. ولوامتلأت بتوحيد الله تعالى وتشربته فلن تجد الوساوس لها مكانا في القلب..
· وعلاج هذا الأمر يكون بتعلم التوحيد وأمور العقيدة وفهم المراد الشرعي الصحيح من ذلك وضبطه ومن ثم تطبيقه وتحقيقه والاعتراف باستحقاق الله تعالى لان يوحد ويفرد بالربوبية والالوهية وأسمائه وصفاته, وأن يعلق المرء حاجته كلها بالله جل وعلا وان احتاج للخلق فيما هو في مقدورهم فلا يتكل عليهم بل يرجو من الله تحقيق مطلوبه لا من غيره..ويخاف من الله تعالى أن يسلط عليه خلقا من خلقه و لا يخاف من غيره..ويعتمد على الله تعالى في الأمر كله ويوجه وجهه إليه ويبث شكواه إليه ,ويوقن أن الرزق بيده والآجال بيده والهداية بيده والضر والنفع بيده وأنه لا يخرج خلق من خلقه مهما كان عن أمره ونهيه ولوكان ذلك المخلوق فيروسا أصيب به بدنه فإنه من خلق الله تعالى وتحت قهره فيوقن بوحدانيته جل وعلا في الخلق والأمروكشف الضر وجلب النفع ومع ذلك يوقن بتفرده باستحقاق العبادة بجميع أنواعها ويحرص على تحقيق التوحيد عند القيام بها ..فإذا كان الإنسان موحدا حقا تحقق له من الأمن بقدر ماعنده من التوحيد..ويصبح بهذا التوحيد من أغنى الخلق بربه جل وعلا ومن أفقرهم إليه وسيعرف حينئذ ماعناه الله جل وعلا بقوله:"من عمل صالحا من ذكر أوأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة "
· ولابد أن نشير إلى أن المؤمن قد يكون محققا للتوحيد وقائما بحق الله تعالى ومع ذلك تصيبه الوساوس وتطرأعلى قلبه الخواطر كما حصل لبعض صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم..وبإذن الله تعالى فإنها لن تضره وقد حقق التوحيد.. وفي ابتلائه بها من الحِكم مالا يعلمه ويحيط به إلا الله جل وعلا... وقد يكون ذلك لأسباب أخرى منها تمحيص إيمان العبد واختبار يقينه ومنها زيادة مناعته الإيمانية وتحصين توحيده ..لكن المقصود أن ضعف التوحيد في الغالب خاصة في زماننا سبب رئيسي لحصول الوساوس والشبهات والريبة والتردد والشكوك في القلوب..
الحمد لله رب العالمين ,والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه واتباعه اجمعين..
أمابعد
فموضوع الوساوس وانتشارها في صدور الناس لا يكاد يخفى ...وكثيرا مانسمع الشكوى من هذا البلاء و كثيرا مانسمع ضعف كثيرمن المؤمنين أمام هذا السيل الجارف وهذه الريح العاصف...
لكن ما السبب في انتشار هذه الآفة التي قد تحصد إيمان المؤمن وتهدم بنيان إيمانه وتقتلع شجرة يقينه؟ّ
مالسر في إصابة المؤمن بهذا الداء الذي قد يقضي على مناعته الإيمانية أو يضعفها حتى يكون عرضة لان يقضى على إسلامه وتوحيده؟!
في هذه الجزء من موضوع الوساوس سنتناول بيان الأسباب التي تمكّن الوساوس من اقتحام قلب المؤمن ..وسنتعرف على بعض الأسباب الدينية خاصة والتي تمهّد الطريق لهذا اللص ليسرق كنوز الإيمان والتوحيد من القلوب...
فلابد من معرفة سبب الداء لمعالجته ليسهل بعد ذلك القضاء على الداء شيئا فشيئا بإذن الله تعالى تبعا لزوال أسبابه ..أما مجرد معالجة العَرَض فليست حلا وإنما هي كالمسكّن فقط لا تعني شفاء ولا عافية لأن أصل الداء موجود لم تتم معالجته والقضاء عليه...وفيما يلي أعرض أسبابا قد تكون محركا رئيسيا لعجلة الوسوسة.. أو هي كالمهيجات التي تستدعي الوساوس لتظهر وتستثيرها لتعلو وتتكاثر, ومن عرف أسباب أخرى فليحتسب أجره عند الله عزوجل وليكتبها لينتفع بها المسلمون والله يأجره ويثيبه..
· 1- ضعف توحيد الله جل وعلا في القلوب:
قال الله جل وعلا:"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"(الأنعام 82)...يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى "الذين آمنوا ولميلبسوا إيمانهم بظلم " أي : يخلطوا إيمانهم بظلم ." أولئكلهم الأمن وهم مهتدون:” الأمن من المخاوف ، والعذاب والشقاء ، والهداية إلى الصراطالمستقيم ، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقاً ، لا بشرك ، ولا بمعاصي ، حصللهم الأمن التام ، والهداية التامة .
وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهمبالشرك وحده ، ولكنهم يعملون السيئات ، حصل لهم أصل الهداية ، وأصل الأمن ، وإن لميحصل لهم كمالها .ومفهوم الآية الكريمة ، أن الذين لم يحصل لهمالأمران ، لم يحصل لهم هداية ، ولا أمن ، بل حظهم الضلال والشقاء”تفسير الشيخ السعدي رحمه الله تعالى" .
وتأملوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً. فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)) هكذا يتعلق المؤمن بربه جل وعلا ويوحده ويفرده بالعبادة والتوجه والقصد والاعتماد فيجني ثمرة التوحيد سكينة وأمنا وطمأنينة وراحة
ومما لا شك فيه أن ضعف توحيد الله تعالى في القلب واختلاط الإيمان بظلمات الشرك والمعاصي يُنقص من مقدار الأمن الذي وعد الله تعالى به من حقق التوحيد ولم يظلم نفسه بالشرك..
وأشار الشيخ سعد الشثري حفظه الله تعالى في أحد دروسه الى أن ضعف توحيد الله تعالى في القلوب هو سبب كثرة الوساوس اليوم و لو نظرنا في حال الناس قبل ثلاثين أوعشرين سنة لوجدنا أهل الوساوس والأمراض النفسية أقل من عددهم اليوم وسبب ذلك ضعف التوحيد اليوم والتهاون فيه والتساهل في أمور قد يظنها البعض صغيرة وهي عند الله تعالى من أعظم الظلم....وبتتابع الأعوام ومرور السنين تنشأ أجيال يال لا يعرفون التوحيد لمن أبناء المسلمين لا يعرفون التوحيد ماتعلموه ولا رُبوا عليه ولا سقاهم الوالدين حبه ولا اهتموا بتعريفهم إياه
فتتسلط الوساوس على القلوب وتورثها اضطرابا وريبة وترددا وخوفا وحزنا ويقل أمنها واطمئنانها وسكينتها ,وكلما زاد الشرك والظلم زادت الوساوس وقل الأمن وبالعكس كلما ارتفع الإيمان وتحقق التوحيد وانتفى الشرك قلّت وساوس الشيطان وخطراته وبالتالي تحقق الأمن وتوطن في القلب واستتب وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!
..
وتظهر أهمية تحقيق توحيد الله وغرس هذه الشجرة في القلوب إذا علمنا أن الشيطان يخاف من قلب الموحد المعظّم لله تعالى ولا يجد إلى قلبه سبيلا, لأن الله جل وعلا يورث الموحّد قوة في الفهم والعقل فيفهم النصوص الشرعية ويتعلمها ويتقن مراد الله جل وعلا منها فيقوى يقينه بالله تعالى واعتماده عليه....
وبالتالي يكتسب بفضل الله جل وعلا قوة في الاعتقاد وقوة في الحجة يغلب بها شبهات الشيطان وجنده ووساوسه وكيده...
فينتج عن ذلك قوة في الإقناع بفضل الله تعالى لأن كلامه سينبع من القلب وسيخرج عن اعتقاد صادق وعلم جازم فيؤثر في الناس وينير لهم طريق الحق ويدلهم عليه...
لذلك كان الموحد أعدى عدو للشيطان وليس له عليه سلطان وليس له إليه سبيلا فالله تعالى قد تكفّل به وبدينه وهداه وسدده ووفقه للدعوة إلى التوحيد وأكرمه "مستفاد من شرح الشيخ الشثري حفظه الله تعالى لمتن كشف الشبهات"
واليوم نجد إعراضا عن تعلم التوحيد وتعليمه إلا ما رحم ربي ..فكل واحد من الناس يظن انه قد عرف التوحيد وحققه وهو لم يعرف إلا اسمه وما تعلم حقيقته ولا حققه ..لذلك تتسلط الشياطين على القلوب وما أن توسوس حتى تجد مجيبا وما أن تطرق الأبواب إلا ويُفتح لها فيدخل البلاء على القلوب مع ضعف التحصين فتكون الطامة الكبرى باهتزاز الإيمان والتوحيد والتشكيك في الدين والشرع ..
..إذا عرفنا أهمية افراد الله تعالى بربوبيته والوهيته وأسمائه وصفاته فلا عجب إذا علمنا أن الشيطان يحاول وبضراوة صدّ الناس عن التوحيد وعن تعلمه وعن تحقيقه فإذا تحقق له ذلك سهل عليه بعد ذلك التمكن من تلك القلوب وراح يسرح ويمرح داخلها,وإذا صد الناس عن تعلم التوحيد صدهم عن تعليمه لأبناءهم فتنشأ الأجيال ولم تعرف توحيد الله تعالى..
وقد أخبرنا ربنا جل وعلا بعزم الشيطان على إغوائنا واخبرنا باعترافه بعدم تمكنه من المخلصين الذين أخلصهم الله تعالى لعبادته فقال الله جل وعلا:" قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين"(سورة ص82-83)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى:"وهؤلاء هم المستثنون في الآية الأخرى وهي قوله تعالى:"إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا" (الإسراء 65 )
وقال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: ("إلا عبادك منهم المخلصين" يقول:إلا من أخلصته منهم لعبادتك وعصمته من إضلالي فلم تجعل لي عليه سبيلا فإني لا أقدر على إضلاله وإغوائه)
· فمن أسباب كثرة الوساوس ضعف التوحيد في القلوب وضعف تطبيقه في الحياة.. فغدت كثير من قلوب المسلمين كالأسفنجة تمتص كل مايرد عليها ولا تستطيع دفعه حتى تمتلئ بالوساوس وتحتقن بها ثم تفيض بالشبهات والشكوك والريبة.. ولوامتلأت بتوحيد الله تعالى وتشربته فلن تجد الوساوس لها مكانا في القلب..
· وعلاج هذا الأمر يكون بتعلم التوحيد وأمور العقيدة وفهم المراد الشرعي الصحيح من ذلك وضبطه ومن ثم تطبيقه وتحقيقه والاعتراف باستحقاق الله تعالى لان يوحد ويفرد بالربوبية والالوهية وأسمائه وصفاته, وأن يعلق المرء حاجته كلها بالله جل وعلا وان احتاج للخلق فيما هو في مقدورهم فلا يتكل عليهم بل يرجو من الله تحقيق مطلوبه لا من غيره..ويخاف من الله تعالى أن يسلط عليه خلقا من خلقه و لا يخاف من غيره..ويعتمد على الله تعالى في الأمر كله ويوجه وجهه إليه ويبث شكواه إليه ,ويوقن أن الرزق بيده والآجال بيده والهداية بيده والضر والنفع بيده وأنه لا يخرج خلق من خلقه مهما كان عن أمره ونهيه ولوكان ذلك المخلوق فيروسا أصيب به بدنه فإنه من خلق الله تعالى وتحت قهره فيوقن بوحدانيته جل وعلا في الخلق والأمروكشف الضر وجلب النفع ومع ذلك يوقن بتفرده باستحقاق العبادة بجميع أنواعها ويحرص على تحقيق التوحيد عند القيام بها ..فإذا كان الإنسان موحدا حقا تحقق له من الأمن بقدر ماعنده من التوحيد..ويصبح بهذا التوحيد من أغنى الخلق بربه جل وعلا ومن أفقرهم إليه وسيعرف حينئذ ماعناه الله جل وعلا بقوله:"من عمل صالحا من ذكر أوأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة "
· ولابد أن نشير إلى أن المؤمن قد يكون محققا للتوحيد وقائما بحق الله تعالى ومع ذلك تصيبه الوساوس وتطرأعلى قلبه الخواطر كما حصل لبعض صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم..وبإذن الله تعالى فإنها لن تضره وقد حقق التوحيد.. وفي ابتلائه بها من الحِكم مالا يعلمه ويحيط به إلا الله جل وعلا... وقد يكون ذلك لأسباب أخرى منها تمحيص إيمان العبد واختبار يقينه ومنها زيادة مناعته الإيمانية وتحصين توحيده ..لكن المقصود أن ضعف التوحيد في الغالب خاصة في زماننا سبب رئيسي لحصول الوساوس والشبهات والريبة والتردد والشكوك في القلوب..