مشاهدة النسخة كاملة : طالب العلم بين الترتيب .. و الفوضوية للدكتور عبد العزيز السدحان
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-02-25, 10:26 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مُقَدِمَةُ
الحمدُ لله الذي خلق فسوى، و الذي قدَّرَ فهدى
الحمدُ لله الذي خلقَ السماواتِ و الأرضِ و جَعَلَ الظُلماتِ و النور.
الحمدُ لله فاطر السماواتِ و الأرضِ و جاعل الملائكة رُسُلاً أولي أجنحةٍ
مثنى و ثلاث و رُباع يزيدُ في الخَلقِ مَا يشاء إنَّ اللهَ على كل شيءٍ قدير .
و الصلاة و السلامُ على رسول الله الذي جاء من أنفسنا عزيز عليه ما عنتنا
حريصٌ علينا ، بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم ، قائمٌ بحقوق خالقهِ أتمَّ قيام
غير مضيع لحقوق المخلوقين ، مرتِّب لجميع أموره ، قد أعطى كل ذي حقٍ حقه و بعد :
~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~
فهذه رسالةٌ عن الترتيب في حياة طالب العلم و آثاره الحميدة ، و الفوضوية و عواقبها الوخيمة ..
كتبتها طمعًا في الأجر و الثواب ، و نُصحًا لكاتبها و سامعها و مَن بَلَغ ، و فيها - بتوفيق الله تعالى -
إجابات على أعذار يتشبث بها بعضهن ليرقع نقصه و تقصيره .
~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~
أحدهم يقول : أشغالي أكثر من أوقاتي ...
و ثانٍ يقول : لي زمن طويل أطلب العلم و لم أحصِّل شيئا !
و ثالثٍ يقول : لا يُمكن الجمع بين طلب العلم و بين أشغال البيت ...
رابعِ يقول : هذا الوقت كثرت فيه متطلبات الحياة ، من ضروريات و كماليات ، و بين ذلك قوامًا فلا نستطيع القيام بمسئولياتنا ..
و خامس يقول : المسافات في مدينتي طويلة ، و زحمة الطرقات مستديمة ..
و سادس يقول : زماننا هذا نُزعت منه البركة ...
~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~
و بكل حال :
نعيبُ زمانَنَا و العيبُ فينا ،‘، و ما لزماننا عيبٌ سوانا
~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~
إذا قلبت النظر في حياة هؤلاءِ .. وجدت الفوضوية قد ضربت أطنابها ..
فوضى في صلة أرحامهم ، فوضى في مواعيدهم ، فوضى في بيوتهم ، فوضى في زياراتهم
فوضى في أسفارهم ، فوضى في حضور الدروس ، فوضى في ترتيب مكاتبهم ، فوضى في وقوف سياراتهم .
~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~
و لمثل هؤلاء يُقال : جاهدوا تلكَ الهمم الضعيفة ، و العزائم العليلة ، فالخير موجود و البركة لا تنقطع.
و اجعلوا في سويداء قلوبكم و نصب أعينكم : [اللهُ لَطِفُ بِعِبَادِهِ]
و في الحديث القدسي : [ أنا عندَ حُسن ظن عبدي بي ...]
ثم أيضا :
أين أنتم من : [ وَلَا تَيْأسُوا مِنْ رَوْحٍ اللهِ ] ؟
أين أنتم من : [ لَا نَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ ] ؟
أين أنتم من قوله صلى الله عليه وسلم " إنَّما العلم بالتعلُّم" ؟
و من قوله صلى الله عليه وسلم " ومنْ يصبر يُصَبِّرهُ الله " ؟
اعلموا - رعاكم الله تعالى - أنَّ من استعان بربه ، ثم جاهد نفسه و رتب أموره سيرى ما تقر به عينه و يشرح
به صدره ؛ من بركة الوقت و تيسير الأمر .
و الحمدُ لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
يتبع بإذن الله ’’
لجين الندى
2012-02-25, 12:49 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أحسنتِ اختيار الموضوع أحسن الله اليكِ .. وجعل ما تكتبين في موازين حسناتك ..
متابعين معكِ ..
أم أويس وفردوس
2012-02-25, 01:31 PM
متابعة معك فأنا محتااااااجة لهذا الموضوع..الله يحرم أناملك عن النار..
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-02-25, 04:09 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أحسنتِ اختيار الموضوع أحسن الله اليكِ .. وجعل ما تكتبين في موازين حسناتك ..
متابعين معكِ ..
أسعدني متابعتك يا حبيبة
همسة: الموضوع من كتابات الدكتور عبد العزيز السدحان كما ذكرت في عنوان الموضوع
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-02-25, 04:10 PM
متابعة معك فأنا محتااااااجة لهذا الموضوع..الله يحرم أناملك عن النار..
إن شاء الله تجدي فيه ما يعيينك ويساعدك
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-02-25, 04:14 PM
الترتيب منْ سُنَنِ اللهِ تَعَالى الكوْنيَّة
.:. .:. .:. .:.
تدبَّر فِي حَرَكَةُ الكَواكِبِ في هذا الكون الفسيح ، و كيف أنها تسير بانتظام دقيق لا يختلُّ عن مسارهِ و لا يحيد ..
[وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ] ( يس :40 )
تأمَّل في تعاقب الليل و النهار .. [وَ الَّيْلِ إذَا عَسْعَسَ (17) و الصُّبْحِ إذَا تَنَفَسَ ] (التكوير:17-18)
[يُغْشِي الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا] (الأعراف:54) .
.:. .:. .:. .:.
فقُل لي بِرَبِّك .. كيف لو استمرَّ النهارُ أو الليل سرمدًا إلى يوم القيامة ؟ هل ستنتظم حياة الناس ؟
كلاَّ .. سيحتلَ الأمر كله ، ذلك أنّ الله تعالى خلقَ الأسباب و رتَّب عليها المسببات بقدَره و هو العزيز العليم
فجعل الليل لباسًا و النَّهارَ معاشًا ، و جعَلَ في الشَّمْس مصالح للبحار و الأرض و الناس و النبات و الحيوان
فلو استمرَّ الليل سرمدًا لترتب من ذلك فسادٌ عريض ، و كذا لو لم يكن ليلٌ و استمرَّ النهار ..
[قُلْ أرَءَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عليْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إلى يَومِ القيامةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِضيَاءٍ أفَلا تَسْمَعُونَ (71)
قٌُلْ أرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيِه أفَلا تُبْصِرونَ]
( القصص:71-72)
فسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ’’
.:. .:. .:. .:.
و تأمَّل في تعاقب الفصول من شتاءٍ إلى صيف ، و خريفٍ و ربيع ، ثمَّ قلب الطرفَ ببصر و بصيرة
انظر إلى كيفية خلق الأرض و عظيم مساحة الماء على سطحها مقارنة باليابسة ، ثمّ انظر في شأن الأنهار كيف
جعل الله منتهى مصبها في البحار ، فكيف لو كانت تسيح على الأرض ؟
ما الذي سيحصل للناس بل للأرض جميعا ؟!
.:. .:. .:. .:.
و مما يُحسن ذكره هنا جريات الأنهار و عدم ثباتها كالبحار ...
ذَكَر بعض أهل العلم أنَّ الماء العذب لو بقى راكدًا لتعفَّنت رائحته و لم يُشرب ، بخلاف الماء المالح فسبحان
الحكيم الخبير .
.:. .:. .:. .:.
و أعجب من الترتيب و النظام في حياة البيئة !
و لنأخذ مثلا حياة سباع الوحش و الطير في شأن طعامها ، فسباع الوحش - كالأسد و النمر - تصطاد
فريستها من البقر و الغنم أو الظباء أو غيرها ، ثم تأكل حتى تشبع ، فتأتي بعدها صغار السباع من ضباع
و ذئاب ، بعدها تأتي جوارح الطير ، ثمَّ تأتي قوارض الأرض الصغيرة من حشرات و غيرها لتقضى على ما تبقي ..
و إذا قُدِّر أنَ جوارح الطير و قوارض الأرض لم تأت ؛ فإنَ الشمس و تقادم الأيام تُفني ما تبقى من الجيف
فكيف يكون الشأن لو بقيت تلك الجيف تُفرز رائحتها العفنة مع تقادم الزمن ؟! ألا تختل طبيعة الحياة ؟
.:. .:. .:. .:.
و هنا وقفة ..
لو كان عددُ الوحوش أكثر من عدد الأغنام التي تفترسها ، فهل ستنتظم حياة البيئة ؟ كلا ..
بل سيحصل خلل و فناء ؛ لعدم أسباب التوارث الخلقي في بقاء الجوارح .
و لذا كان من عظيم رحمة الله تعالى كثرة الأنعام و قلة الجوارح نسبة إليها ، و هذا من ترتيب الأمور لتستمر الحياة
كما أردا الله تعالى .
.:. .:. .:. .:.
شاهد القول : أنَّ الحياة في كلياتها و جزئياتها - كونًا و شرعًا - قد بلغت غاية الترتيب و الإتقان ، فتبارك الله
أحسن الخالقين .
و انظر كذلك إلى التفاوت بين الناس .. فهناك حاكمٌ و محكومون ، و هناك خدمٌ و مخدومون ، لو كانوا سواءً
لفسدت الأرض ، و لكن [وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضَا سُخْرِيًا] ( الزخرف :32)
يتبع ...
مروة عاشور
2012-02-25, 05:40 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته,,
أحسن الله إليكِ وشكر لكِ نقلكِ وحسن تنسيقكِ لما تنقلين
نتابع معكِ.
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-02-25, 06:14 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته,,
أحسن الله إليكِ وشكر لكِ نقلكِ وحسن تنسيقكِ لما تنقلين
نتابع معكِ.
تشرفني متابعتك وتثبيتك للموضوع
فقط لإعطاء كل ذي فضل فضله
الشكر المفترض أن يكون للأمة الفقيرة ثم لكِ ثم لأخت دلتني على الموضوع ثم لأمن نشرت الموضوع ونسقته
الشكر للأمة الفقيرة لأني رأيت في توقيعها موضوع تطلب فيه المساعدة في التوفيق بين دراستها وبرها بوالدتها وعلمها الشرعي
ذهبت إليه ووجدت رد لكِ هناك لا أعلم هل هو كلامك أم كلام اقتبستيه
فنقلت ردك لمنتدى آخر فدلتني أخت على هذا الموضوع موجود بذلك المنتدى لتعم الفائدة من الموضوعين
فنقلته كما وضعته صاحبة الموضوع بتنسيقه وكل شئ
يعني الفائدة خرجت منكم ورجعت إليكم (ابتسامة)
مروة عاشور
2012-02-25, 07:19 PM
أضحك الله سنّكِ
لا عليكِ أسأل الله أن يبارك في الجميع ويجازي كل من شارك بقصد أو بدون قصد
ذهبت إليه ووجدت رد لكِ هناك لا أعلم هل هو كلامك أم كلام اقتبستيه
لو اقتبسته لأحلت على المصدر, بوركتِ وبركت جهودكِ الطيّبة.
أم عبد الرحمن طالبة علم
2012-02-26, 08:53 AM
بارك الله فيك وجزاك خير الدنيا والآخرة
موضوع من أهم المواضيع التي تحتاجها كل طالبة علم، أسأل الله أن يبارك فيه، وأن ينفع بك.
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-02-27, 08:06 AM
أضحك الله سنّكِ
لا عليكِ أسأل الله أن يبارك في الجميع ويجازي كل من شارك بقصد أو بدون قصد
لو اقتبسته لأحلت على المصدر, بوركتِ وبركت جهودكِ الطيّبة.
شكي في الأمر لأنك وضعتيه ككلام مقتبس وأنا اظن اني قرأته لكِ من قبل فاحترت هل اقتبستيه من كلام لك في موضوع آخر ام من مكان اخر لشخص اخر
بورك فيكِ على كل حال
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-02-27, 08:08 AM
بارك الله فيك وجزاك خير الدنيا والآخرة
موضوع من أهم المواضيع التي تحتاجها كل طالبة علم، أسأل الله أن يبارك فيه، وأن ينفع بك.
اللهم آمين ولكِ بالمثل
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-02-27, 08:12 AM
الترتيب في حياةِ الأمَمِ
.:. .:. .:. .:.
كلُّ أمم الأرضِ بينهم قواسِمْ مُشْتَرَكة في تنْظيم شؤون حياتهم ،،
ففضلا عن تفاوت النَّسب بينَ الرئيس و مرؤس ، هناكَ نظامٌ لترتيب شؤون حياتهم
فهناك نظامُ الطرق و العمل و السفر و ما يتبع ذلك من شؤون البناء و الزراعة و الصناعة ...
كلُّ ذلك بقيود و لوائح تنظيمية .
و الناظر في حياة المجتمعات و الدول يرى أنَّ أكثرها عِنايةً بترتيب شؤون حياتهم
هو أهنؤها بتسيير أمور معاشهم و راحة أبدانهم .
فانظر ..!
تلك المجتمعات التي تُعنى بتطبيق نظام المرور مثلا ، إذا تقيَّد النَّاسُ به كيف
يسيرُ الراكب مطمئنًا عالما بما له و ما عليه مِنْ شأن الطريق ، و في المقابل
كيف يكون الشأن في إهمال نظام السير من عدَمْ الإعتناء به من جهة الحاكم أو المحكوم ؟!
و ببالغ الأسف بالمقارنة مع ديار المسلمين .. انظر إلى كثير من ديار الغّرب و سترى أثر
العناية بالترتيب في شؤون الحياة .
اللهَ أسأل أن يُصلِحَ أحوالَ المُسلمينَ في أمور دينهم و دنياهُم .
.:. .:. .:. .:.
الإسلام دينُ الترتيب و الكمال
الناظرُ في أمور الإسلام و تشريعاته بعين البصيرة يرى أنَّ الإسلام عُني بالترتيب
و الكمال في جميع أحكامه الكلية و الفرعية ، فمثلا في شأن العبادات هناك ترتيبٌ عجيب
و تنظيم دقيق ، و بالمثال يتضحُ المقال :
هناكَ عباداتٌ زمانية منها ما هو يومي كالصلواتِ الخَمْسِ ، و منها ما هو أسبوعي كصلاة الجمعة
و منها ما هو سنوي كصيام رمضان ، و منها ما هو عُمري - أي لا يجب إلى مرة في العمر - كالحج
و منها ما يكون بحيب سببه كالكسوف و الإستسقاء ، و من العبادات ما يكون مقيَّدًا بمكان معيَّن
كالحج لا يكون إلا في مكة .
ثمَّ تأمل الترتيب في نفس العبادة .. فمثلا الصلوات المفروضة خمس صلوات ،،
فيهنَّ ركعات جهرية و ركعات سريَّة ، و فيهن الرباعية و الثلاثية و الثُنائية
ثمَّ تأمل في الركعات نفسها ، و اعجب من حُسن ترتيب أدائها .. قيامٌ ، ثم ركوع
ثم رفعٌ و اعتدال ، ثم سجود ، ثم رفع و اعتدال ..
و انظر إلى عظمة الترتيب في تنوع أذكار الركعة ..
قراءةٌ في القيام ، و تعظيم في الركوع ، و ثناءٌ و حمدٌ في الرفع منه ، و دعاءٌ في السجود ..
ثم ارجع البصر مرة أخرى إلى مناسك الحج ، و قلب الطرف في أمور المناسك لترى عجائب
و عظائم العناية بالترتيب ..
تنقل بين المشاعر بترتيب ، و رمي الجمار بترتيب ، و الطواف بالترتيب ، و السعي ، بل شوط
الطواف و السعي بترتيب ، ففي شوط الطواف تقبيلٌ و مسح و رَمَل في الثلاثة الأُول ..
و هكذا ، تشريعٌ من حكيم خبير .
يتبع >>..
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-02-28, 08:39 AM
النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحسنُ النَّاس ترتيبًا لجميع شؤونه
.:.
قبلَ سياق الكلام في هذا المبحث ، اُذَكِّرَ مَنْ تذرَّعَ و تعذَّرَ بكثرة مشاغله ، و اشتكى من عدم قيامه بالوازمها فأقول له :
لو فتشت في كتب التراجم و التاريخ فلن تجد أحدًا أكثر شغلا من - النبي صلى الله عليه وسلم -
ومع كثرة مشاغله فقد كان يقوم بها على أحسن وجه و أكمل صورة , و مصداق ذلك هو شاهد المقال
أن الناظر و المتتبع لما جاء في كتب الحديث و السِّير و الشمائل في سيرة النبي - صلى الله عليه و سلم -
مع الناس ومع خاصة أهله يعجب من كثرة مشاغله و شؤونه ، و يزداد عجبه من قيام النبي بها بعناية تانة
و يبلغ الجب شأوًا بعيدًا إذا رأى في حياته - صلى الله عليه و سلم - أوقاتًا للترويح عن نفسه و عن أهل بيته
ناهيك عن القيام بشؤون أهل بيته أتمَّ قيام و أكمله ، و بالمتال يتضح المثال :
كان - صلى الله عليه وسلم - يقوم بأعمال متنوعة خاصة و عامة داخل المدينة و خارجها
فمن ذلك : تبليغ العلم ، و قيادة الجيش ، و استقبال الوفود ، و إمامته بالناس جُمُعة و جماعة
و إفتاؤه للناس ، و إجابة أسئلة غير المسلمين رجاء هددايتهم ، و تقسيم الغنائم ، و عيادة المرضى
و تشييع الجنائز ، و زيارة المقابر ...
زد على هذا أنه كان يُؤتى بالصبيان فيبرك عليهم و يحنكهم و يدعو لهم ، و كان يأتي ضعفاء المسلمين
و يزورهم ، و يعود مرضاهم ، و يشهد جنائزهم ، و كان يزور الأنصار و يسلم على صبيانهم و يمسح رؤوسهم
و كان يقبل الهدينة و يُثيب عليها ، و يمشي مع صاحب الحاجة ليقضي حاجته، و يشفع
إذا طُلبت منه الشفاعة ...
و أما فيما يتعلق بالنوافل ، فأمر عُجاب .. فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يُصلي قبل الظهر أربعا
و أحيانًا ركعتين ، و بعدها كذلك ، و بعد المغرب ركعتين
و بعد العشاء ركعتين
و قبل الفجر ركعتين
و يُصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، و كان يقوم حتى تتفظر قدماه ؟؟
و لم يُضيع حق أهله ، بل قال : [ خيْرُكم خيْرُكُمُ لأهله ، و أنا خيركم لأهلي ]
فكان - صلى الله عليه و سلم- يرقي من مَرض من أهله ، و يداعب أبناءه و أحفاده .
و مع ذلك كله لم يضيع حقَّ نفسه فأعطى جسده حقه ؛ فكان يصوم و يُفطر
و يقوم و ينام ، و يأكل اللحم ، و من عنايته بنفسه و شؤونه الخاصة أنه كان يخصف نعليه
و يرقع قميصه ، و ينحر أضحيته ، و يحلب شاته ، و يرقي نفسه .
و كان من عنايته بنفسه أيضا أنه كان أنظف الناس - صلى الله عليه وسلم -و كان يُعرَف بريح الطِّيب
إذا أقبل .
و مع هذه الأعمال المتنوعة المتكررة فقد بقي في وقته زمانٌ للترويح ، فقد سابق بين الخيل الخيل المضمرة
و الخيل التي لم تضمر .
و كان ينظر إلى بعض أهل الحبشة و هم يلعبون بحرابهم و أطال النظر إلى لعبهم ليتمكن أهله من النظر
إلى لعبهم ، و سابق عائشة - رضي الله عنها - ..
إلى غير ذلك مما يصعبُ تدوينُه فضلا عن حصر مما كان يقوم به - صلى الله عليه وسلم - من الأعمال
التي لو قسمت على سبعين لوسعتهم ، بل قد تزيد عليهم ،،
لكن بتوفيق الله تعالى له ثمَّ بعنايته - صلى الله عليه وسلم - بأموره و ترتيبها مما جعلها تكون على أحسن
حال و أتمَّ كمال .
يتبع >>...
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-02, 07:00 PM
.:|:.
طالب العلم
بين الترتيب و الفوْضَويَّة
لتعرف قيمة الترتيب و عظيم أثره و آثاره في حياة طالب العلم ..
قارن بيَّنَ طالبي علم :
أحدهُمَا : حريصٌ على أوقاته لا يفرِّط في جزئيات وقته فضلاً عن كلياتها
يُقسِّم أوقاته على ما يحْتاجُ مِنَ الأمُور بعنايةٍ تامَّة .. كل ذلك بترتيب ذهني مُسبق
ثمَّ يبدأ يومه أو أسبوعه أو شهْره أو عامه و قد رَسَمَ خطَّة أعماله ، فتراه - بإذن الله -
منتظما في مسيرته ، تُقضى أوقاته أو يُحصِّل مُرادهُ بفضْل الله تعالى ثمَّ بعنايته بالترتيب .
بينما ذلك الذي لم يُرتب أموره و أخذ الأمر بفوضى ، و عشوائية
تراهُ يهدر أوقاته ، و يُنْهِكَ جوارحه و يتعب نفسه ، بل و قد يتعب غيره و قد يضر
نفسه و غيره بسبب تلكَ الفوْضوية المذمومة شرعًا و عقلا .
فطالبٌ العلم قدوة في شأنهِ كله ؛ فإنْ أحسنَ و تأثَّرَ به مَنْ خَالَطَهُ فذلكَ نفْعٌ للجَميِع ،،
أمَّا إنْ كَانَتْ الأخرى - بأن عرف عنه إضاعته لأوقاته و تفريطه في أموره تجاه نفسه و تجاه الآخرين -
و تأثَّر به من خالطه ، فذلك ضررٌ على الجَمِيع .
يُتبع >>
مروة عاشور
2012-03-05, 12:24 AM
جميل أحسن الله إليك
نتابع معكِ.
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-05, 07:42 AM
من أسباب الفوضوية
أولاً : التواكل و التسويف .
ثانيًا : عدم تقدير قيمة الوقت .
ثالثًا : عدم العناية بأشغاله و أموره إبتداءً .
رابعًا : تقديم شغل على آخر و تأخير أشغال أخرى دون مقارنة .
خامسًا : استصعاب الأمور (1) .
سادسًا : اللامُبالاة .
سابعًا : اليأس و الخمول .
ثامنًا : إتخاذ القرار بسرعة دون تأنِّ و ترفّق .
قال - صلى الله عليه وسلم- " إنَّ الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه ، و لا يُنزعُ من شيءِ إلا شانه " .
تاسعًا : إتخاذ القرار و هو مشغول البال مضطرب الفكر ، و مثل هذا تكون قراراتُه عشوائية
و أموره فوضوية ؛ لأنَّ البال إذا كان مشغولا لا يتأتى لصاحبه النظر في الأمور و تقديرها حقَّ التقدير .
و لذا جاءت الشريعة بنهي القاضي عن الحُكم بين الناس و هو غضبان .
قال - صلى الله عليه و سلم - " لا يقض ِالقاضي و هو غضبان " .
و قد ذكر أهلُ العلم أنّ منع القاضي ليس مقصورًا على حالة الغضب فحسب ، بل يُقاس عليها غيرها من جوع
و عطش .. إلى غير ذلك .
عاشرًا : المبالغة في التفاؤل ، مما يولِّد عند عدم تحقيق طموحاته و مرئياته نوعًا من الفوضى الذهنية
و البدنية .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
(1) من جميل ما سمعت في هذا المقام : " المتفائل يرى في كل صعوبة فرصة ، و المتشائم يرى في كل فرصة صعوبة ".
يتبع >>
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-09, 12:49 PM
أمثلة للفوضوية عندَ طلبة العلم
هذا الأمر قد تعمَّ به البلوى عند الكثير ، و لا شك أنه مذموم لكنه في شأن طالب العلم أقبح ؛
لأنَّه يعلم ما يجهله غيره ، فضلا عن كونه قدوة يتأثر به من رآه و من سمعه و من بلغ
و سأضرب لك أمثلة من الفوضوية في حياة بعض طلبة العلم ، لنقلع عنها إن كنا مُبتلينَ بها ، و لنحذر و نحاذر منها إن كنَّا معافين منها ، فمثلا :
الفوضوية في أداءِ الفرائض :
تارة بفواتها ، و تارة بفوات بعض ركعاتها لأجل التأخر المعتاد منه .
و من أسباب ذلك التأخر : عدم وضوئه إلا عند الإقامة أو بعدها .
و من الأسباب أيضًا : أنه قد يكون منهمكًا بشغل - من كتابة أو قراءة - فيستمرُّ في قراءته أو كتابته ، ليختم نهاية الكتاب أو مبحث منه ، و الشيطان يُزين له ذلك و يُحسِّنه .
و من ا لأسباب أيضًا : تلبيس الشيطان بأنَّ عادة الإمام التأخر في إقامة الصلاة .
و قِس على ما يشابه هذه الأسباب !
شاهد المقال : أنَّ طالب العلم هذا لو عُنى بترتيب أوقاته و أعماله ، و قسَّم تلك الأعمال على تلك الأوقات و لم يزاحم أمرًا بآخر ، و قدَّم ما يستحقَّ التقديم ، و آخر يستحق التأخير ... لتخلص من تلك الفوضوية المشينة .
و عودًا على بدء ؛ هذه الفوضوية التي تسببت في فوات بعض الفرائض أو فوات بعض ركعاتها ..
لو أنَّ هذا رتَّب وقته و عوَّد نفسه الإستعداد للصلاة بوقتٍ يقدره بحسب ظروفه و عُنى بذلك تمام العناية المستطاعة ..
لو كان ذلك فسيرى بإذن الله تعالى تيسيرًا من الله تعالى في إدراك الخير و تحصيل الأجر
ناهيكَ عن الراحة النفسية و الطمأنينة القلبية في أثناء الذهاب إلى الصلاة ، فكيف عند أداء الصلاة ؟!
و من الأسباب التي تُعينه على تجنب تلك الفوضوية في التخلف و التأخر عن الصلاة :
- أن يحرص أن يكون على وضوء دائمًا ، و في ذلك المصالح الكثيرة .
- منها تبكيره بالذهاب إلى المسجد .
- و منها : أن يشمله قوله - صلى الله عليه وسلم- [استقيموا و لن تُحصوا ، و اعلموا أن أزكى أعمالكم الصلاة ، و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ] أخرجه أحمد(280/5) من حديث ثوبان .
- و منها أن الملائكة تدعو لمن نام على طهارة كلما تقلب في نومه .
قال -صلى الله عليه وسلم - [طَهِّروا هذه الأجساد طَّهركم الله ، فإنه ليس من عبدٍ يبيت طاهرًا إلا باتَ معه في شعاره ملك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر لعبدكَ فإنه بات طاهرًا ]
أخرجه الطبراني في "الأوسط"(204/5) من حديث ابن عباس رضي الله عنه ، و إسناده حسن .
فإذا كان هذا في حال النوم ، فلعل المحافظ على بقائه متوضئًا يناله شيءُ من هذا ، و العلم عند الله تعالى
و لو لم ينلهُ ذلك فما سبق فيه فضلٌ عظيم .
- أن يجعل الآذان فيصلا بينه و بين مشاغله و جلسائه ، و يكون هذا هو الأصل في شأنه .
و مما يحسن ذكره هنا : ما ذكره يحيى بن معين عن إبراهيم بن ميمون الصائغ أنه :
"كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يُردّها "
و كان الأسود إذا حضرت الصلاة أناخ بعيره و لو على حجر . "سيرة أعلام النبلاء(53/4)
يتبع >>>
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-11, 07:35 PM
وقفة من ناشرت الموضوع:
- [ كان شيخنا محمد بن إسماعيل المقدم -حفظه الله- يَقول إذا أردتَ أن تعرفَ هذا الطالب مُنظم
و ملتزم أو لا .. انظر إلى جدوله اليومي ، فإن كان في جدوله مواقيت الصلاة ، فإنه ملتزم ...]
- إحدى الصالحات ، كانت تعكف الأوقات الطوال في القراءة و الحفظ و التلاوة و غيرها
و كان وقت إستراحتها و ترفيهها هو وقت الصلاة .
- كان السلف الصالح رضي الله عنهم لا تشغلهم طاعة عن طاعة ، و لا عبادة عن عبادة .
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-11, 07:37 PM
الفوضوية في النوم
×؛؛×
و هذا من أعظم الأسباب في ضياع الأوقات و تراكم الأشغال ..
فبعضهم إذا أسلم نفسه للنوم استرسل معه دون مراعة لما قد يُفوِّته من واجباتٍ
شرعية و غيرها مما يضره .
و بعضهم ليس له وقت نوم مُعيَّن ؛ تارة بعد الفجر ، و تارة بعد العصر ، و تارة بعد المغرب
و تارة سهر متواصل و نوم متفرِّق !
و مثل هذا بفوضويته يَقْتُل همَّه و يُهدر أوقاته ، بل قد يغلب عليه داءُ الكسل و الخمول ؛ لأنَّ من
عوَّد نفسه شيئا ألفته.
و النَّفس كالطفل إن تهمله شبَّ على ،...، حبِّ الرَّضاع و إن تفطمهُ ينفطم
و يُضاف إلى آثار فوضوية النوم أن ذلك قد ينعكس على صحة الجسم .
و من الترتيب في النوم :
- تحديد وقت مُعين للنوم ، و ليكن مثلا قرابة الساعة الحادية عشرة ليلا ، فاحرص أن يكون نومك
قريبا من هذا الوقت و معلومٌ بدهًا أنه قد تحصل ظروف تؤخر النوم عن وقته ساعة أو ساعاتٍ
هذا لا إشكال فيه و يحصل لكل أحد مثلُ هذا ، إنما المقصود هنا هو أن يحرص طالب العلم جاهدًا على عدم
الإخلال بوقت نومه الأصلي .
- و مما يتعلق بترتيب النوم وضعُ أسباب لترتيب إستيقاظه ، مثل جرس التنبيه في السَّاعة
أو جرس الهاتف ، و غير ذلك .
يتبع >>
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-15, 05:52 PM
: وقفة :
السلة الصغيرة قد تتسع لأشياءٍ كثيرة .
و السلة الكبيرة قد تضيق عن أشياءٍ قليلة ،
و العجيب في ذلك أنَّ في السلة الصغيرة شيئًا زائدًا على ما في الكبيرة ،
و الأعجب في ذلك كله أنَّ ذلكـَ الشيء الزائد في السلة الصغيرة هو السبب في إتساعها
و عدمه في الكبيرة كان سببًا في ضيقها !!
و حتى يزول التعجب و العجب فذلك الشيء إسمه :
الترتيب
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-15, 05:53 PM
الفوضوية في قضاء الحوائج
،**،
و من أمثلة ذلك : تأخير قضائها بالكلية إمَّا بالتسويف أو بتوكيل مَن ليس أهلا لذلك
أو بقضاء بعض الحاجة و ترك الباقي .
و هذه الفوضوية لها أضرار على صاحبها .. فمن ذلك :
تراكم الأشغال و اشتغال البال بها
و قد تدعو الحاجة أحيانًا إلى شيء من تلك الحوائج يحتاجها الأهل أو البيت أو هو بنفسه
في ذلك الوقت و لابد منها ، و قد يكون في أثناء ذلك مشغولا بأمر أو بأمور لا تحتمل التأخير
فتأتي تلك الحاجه فتزيده شغلا ، و قد تُربك عليه أمورَه فتستهلك منه أوقاتًا مضاعفة ،
و لو أنه سارع بقضاء تلك الحاجة في وقتها لترتبت أموره و انتظمت أوقاته .
يتبع >>
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-15, 06:00 PM
الفوضوية في الزيارات
ترتيب طالب العلم لزياراته يحفظ عليه أوقاته ، بخلاف من كان طبعُه الفوضى في ذلك
فإنَّ أوقاته تُهدر و تمضي دون مراعاة لقيمة الوقت ، و إذا كانت إضاعة الوقت مذمومة
في حقِّ عامة الناس من عامة و جهلة و غيرهم ، فكيف يكون الشأن في طالب العلم ؟!
لا شكَّ أنَّ ذلك مذمومٌ في حقِّه ؛ لأن أولى الناس بحفظ أوقاتهم هم طلبة العلم .
$ و من أمثلة الفوضوية في الزيارات :
أنَّ بعضهم يوغل و يكثر منها حتى يكون الأصل في أوقاته التنقل من مكان إلى مكان
في جميع أيام الأسبوع إلا ما ندر ، و العجب أن بعضهم قد يجمعهم مكان دراستهم أو وظيفتهم
فقد يكونون في مدرسة واحدة أو كلية واحدة أو مكان وظيفي واحد ، و مع هذا يلتقون في غالب
أو جميع أيامهم .
و كثرة هذه الإجتماعات بهذه الشاكلة تُفقد طالب العلم كثيرًا من أوقاته ، بل قد يألف ذلك الأمر
و يثقل عليه تركهُ ، و يزيد هذا الأمر سوءً إذا كانت تلك المجالس لا حظَّ للعلم فيها ، أو أن يؤدي
بهم التوسُّع في المباحات إلى الوقوع في شيء من المحذورات .
و زد على ذلك أنَّ من يكثرون من تلك المجالس المستمر دائمًا يقعون في إهمال لكثير
من مسؤوليات أولادهم و بيوتهم ، فلا حظ لأولاده من الجلوس معهم إلا قليلا
ناهيك عمَّا يحتاجه البيت من أمور .
و يلاحظ على بعض من يكثرون من الإجتماع بينهم خارج بيوتهم أو عند أحدهم
أنهم يتثاقلون و يضجرون من الجلوس في بيوتهم ، و بخاصة إذا علم أنّ أصحابه
مجتمعون ، و هذا التثاقل و التضجّر قد يُدركه أهل بيته - بل سيدركونه - فيكون وجوده
بينهم غير مرغوب فيه بسبب تغير مزاجه و سوء خلقه ، فيكون لسان حال أهل بيته إذا
رأوه خارجًا " مستريَّح و مُستراح منه " !
روى يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم ، قال : " السيء الخلق أشقى الناس به نفسه
التي بين جنبيه ؛ هي منه في بلاء ، ثم زوجته ، ثم ولده ، حتى إنه ليدخل بيته و إنهم لفي سرور
فيسمعون صوته فيفرُّون عنه فراقًا منه ، و حتى إنَّ دابَّته تحيدُ مما يرميها بالحجارة ، و إن كلبه
ليراه فينزو عن الجدار ، حتى إنَّ قطَّهُ ليفرُّ منه " [سير أعلام النبلاء(99/6)]
و هنا شيءٌ لابدّ من التنبيه له و التنبيه عليه لمن كان له أولاد ، هو أنَّ كثرة غيابه عن المنزل
قد تجريء أولاده على بعض المحاذير الشرعية ، فضلا عن ما يصيب الزوجة من العناء بسبب كثرة
غياب الزوج .
$ و قد يكون من الفوضوية في الزيارات أنَّ بعضهم يذهب المسافة البعيدة لزيارة
أحد أصحابه دون التأكد من وجوده و عدم إنشغاله ، فترى بعضهم يستغرق وصوله إلى مكان صاحبه
ثلث أو نصف ساعة مثلا ، و قد لا يجد صاحبه ، و قد يكون صاحبه موجودًا و لكنه مرتبط بمشاغل
لنفسه أو أهل بيته ، و بسبب مجيء ذلك الزائر إليه من مكان بعيد دون موعد سابق قد يُضطر
صاحب الدار إلى مجاملته و الجلوس معه لضيافته ، بل قد يكون أهل صاحب الدار متأهبين للذهاب
مع أبيهم أو أخيهم المزور ، فيتسبب الزائر في إرباك أمورهم .
و قد يقول قائل : و لِمَ لا يعتذر المزور من الزائر إنطلاقًا من الآية الكريمة
[وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارجِعُوا فَارجِعُوا هُوَ أزْكَى لَكُمْ] النور:28 ؟
و جواب ذلك : أن بعض الناس قد يُحرج من الزائر و لا يقوى على قول ذلك .
و بكل حال ؛ فترتيب أمر زياراتك - بعد توفيق الله تعالى - يدفع كل ما تقدم ذكره من إضاعة أوقاتك
و إحراج أصحابك ، و من الترتيب في ذلك الوعد المسبق بينكما بمقابلتك له أو إتصالك عليه
و يتأكد هذا في الأصحاب الذين لم تتوثق الصلة بينهم ، أو تعرف منهم مجاملتك على حساب مشاغلهم
و مشاغل أهليهم .
شاهد المقال : أنَّ ترتيب الوعد المسبق يحفظ لك وقتك و يرفع الحرج عن صاحبك .
يتبع <<<
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-19, 07:24 AM
الفوضوية في صلة الأرحام
فمن ذلك :
أنَّ بعضهم قاطعٌ لكثير من رَحِمه مع قـُرب مساكنهم نسبيا
مع شدة وصله لكثير من أصحابه مع تباعُد مساكنهم ،
والعجب أنَّ بعض أولئك إذا كُلِّم في قطعه لرحمه
تعذَر و تذرَّع بكثرة المشاغل ، لكن تعذره و تذرعه يزول عند زيارة أصحابه !
و قد يكون من الفوضوية أيضًا أنَّ بعضهم يُكثر من زيارة واحد أو آحاد من رحمه
مما يترتب عليه تأثر مَن لم يكن لهم حظ من صلته ، و قد يكون أولئك الذين قطعَ وصلهم
آكدَ حقَّا ممن وصلهم ، و لو أنَّ هذا و أمثالَه رتَّبوا صلتهم لأرحامهم لزالت تلك المحاذير .
و من الترتيب في ذلك :
- أن يجعل في كل أسبوع زيارة أو زيارتين أو أكثر حسب ما يراه من إقتضاء المصلحة .
- أن يُقدِّمَ الأحق قرابة و سنَّا .
- تنوع الوسائل في صلة الرحم ، بفضل ما يسَّر من وسائل التقنية ؛ فهناك الرسائل
المقروءة و المسموعة مباشرة أو آجلًا ..
و غير ذلك ، و هذه بحمد الله تعالى تُقرِّب البعيد و تجمع المتفرق .
يُتبع >>
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-19, 07:30 AM
الفوضوية في المواعيد
- بعضهم ليس لمواعيده زِمامٌ و لا خطام !
فلا يُقيم للمواعيد و لا لأصحابها وزنًا ، يَعِدُ فلانًا بأنه سيحضر إليه في وقت كذا
ثم يَعِدُ آخر بأن يأتي إليه في وقت كذا ، ثمَّ إذا طرأ له شغلٌ - من سفر أو غيره -
اشتغل به و لم يهتمَّ عن سبق الوعد معهم !
- بعضهم يتعمَّد في جعل أوقات مواعيده تتضارب مع مصالح أهم ،
كِبَر الوالدين بقضاء حوائج لهما في ذلك الوقت يضيق وقت الوالدين أو أحدهما بتأخير قضاء
تلك الحاجة عن وقتها .
- بعضهم يجعل مواعيده تتضارب مع أوقات حضوره لدرس مهم أو محاضرة مهمة .
- بعضهم يَعِد الآخرين بعشوائية ، ثمَّ يفاجأ بموعدين أو ثلاثة في وقت واحد ، فيُحرج نفسه و غيْرَه
بل قد يتسبَّب في إدخال الضجر أو الغيظ أحيانًا بسبب إرباك الموعودين بتأجيل أو إخلاف مواعيدهم
دون سابق إخبارٍ لهم .
و لا شك و لا ريب أن سبب إحراجه لنفسه و الآخرين هو الفوضوية و عدم الترتيب في ذلك كله .
و إليك - رعاك الله - شيئَا من أثر الترتيب في مواعيد طالب العلم ، و شيئًا من الوسائل المُعِينة عليه
و قبل ذلك يقال :
إنَّ الوفاء بالعهد من أخلاق الأنبياء عليهم السلام ، و قد ذكر الله ذلك في كتابه في مدح أنبيائه :
[وَاذَكُرْ فِيِ الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إنََّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَ كَانَ رَسُولًا نَبِيًَّا] مريم : 54
و أنعِم بصفةٍ أثنى عليها الله تعالى و تخلَّقَ بها أنبياؤه عليهم السلام .
و العجب أنَّ أهل الجاهلية كانوا يُعظِّمون شأن الوعد ، و من شواهد ذلك
قول عوف بن النعمان في الجاهلية الجهلاء : "لأن يموت الرجل عطشًا خيرٌ له من أن يكون مخلافًا لموعد"
[أدب الإملاء و الإستملاء ص :41 ]
و بكل حال ؛ فطالب العلم من أولى الناس بلزوم تلك الخصلة ، و ذلك لأمور كثيرة .. منها :
طاعة الله تعالى ، و التخلق بخلق الأنبياء عليهم السلام وأنعم وأكرم بهم وبأخلاقهم
و الحذر من الوقوع في ضدها من إخلاف المواعيد فذلك من صفات المنافقين كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
و منها - و هو الشاهد في هذا الموضوع - :
أنَّ ترتيب طالب العلم لأوقاته وتنظيم شؤونه وأموره يُعينُه على تقسيم مواعيده ، وفي الوقت نفسه
يُسهِّل عليه الوفاء بتلك المواعيد كل في مكانه و زمانه .
و مما يُعين على ترتيب المواعيد بعد فضل الله تعالى :
- كتابة تلك المواعيد في ورقة أو سجل خاص ، و يحسن إذا كان الوعد مهما أو بعيد الأجل
أن يعلق تلك الورقة في مكان بارز في مكتبته أو غيرها ليكون ذلك الموعد ماثلًا أمامه .
- الإستعانة بوسائل التقنية الحديثة ، كجهاز الجوال الذي يتضمن برامج للتذكير بالمواعيد .
-أن يطلب من صاحب الموعد - إذا كان موعده بعيد الأجل - أن يُشعره بالموعد المتفق عليه
قبل وقته بمدة كافية حتى لا يرتبط بأمور أخرى تُصَعِّبُ عليه الوفاء بالموعد المسبق .
يُتبع ــ ..
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-21, 01:41 PM
وقفة
أحدُهما في وقتٍ قليل ينجز كثيرًا ..
و آخر في وقت كثير ينجز قليلا .. و السرُّ في ذلكـ
شيء رآه الأَّول فوطئه بقدميه و مر عليه ، و رآه الثاني
فوطأه و نام عليه .. ذلك الشيء
اسمه : الفوضوية
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-21, 01:44 PM
المكتبة بين الترتيب و الفوضوية
من آثار الفوضوية في شأن المكتبة و عدم العناية بترتيبها ما يلي :
- ذهاب وقت مثير في البحث عن كتاب معيَّين في مكتبته ،
ثم إذا عثر عليه و قضى منه مراده و احتاج إليه بعد مدَّة فقد يُعاوِد البحث عنه مرَّة أخر
بوقت كسابقه .. و هلمَّ جرّا .
- قد يشتري بعضَ الكتب مرَّتين أو ثلاثًا .
- قد يتأخر عن بحث موضوع قراءة أو كتابة لظنه عدم وجود الكتاب المقصود عنده ،
بينما الكتاب في متناول يده و لو عُني بالترتيب ، و قد يكون تحصّل عليه منذ زمن طويل
في مكتبته لكن كل ذلك بسبب الفوضوية في عدم عنايته بمكتبته .
,‘..
و إذا كان كذلك ؛ فاحرص-سدد الله أقوالك و أرشد أفعالك- على ترتيب مكتبتك لتزول تلك
الجهود المهدرة في غير محلها ؛ من بذل جهد يمكن توفيره ، و ذهاب وقت يمكن حفظه و إنفاق مال
يمكن إدخاره .
و من طرق ترتيب المكتبة :
- تقسيمها على حسب الفنون العلمية تقسيمًا إجماليًا ثم تفصيليًّا ،
فمثلا : علم التفسير بعدما يخصص له ركنًا معينا يبدأ بوضع كتب التفسير ، ثم ما يتعلق بعلم القراءات
ثم بأسباب النزول ، و كلما أكثر التقسيم التفصيلي كلما سهُل عليه الوصول إلى مراده مع توفير جهد و مال .
و مثل ذلك أيضا كتب الفقه ، يرتبها على حسب مذاهب أصحابها ، ثم يرتب الكتب و الرسائل
الفقهية المنثورة على حسب مضامينها ، فيجعل ما يتعلق بالصلاة سويَّا ، ثمَّ الزكاة ، ثمَّ الصيام /
ثمَّ الحج ، ثم المعاملات ..
و من طرق الترتيب أيضـــــًا :
- إفراد مصنفات المكثرين من التصنيف ، فيجعل ركنًا خاصَّا لمصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية
و ركنًا لابن القيم ، و ركنًا للسيوطي .. و هكذا .
و ما ذكر هنا مجرد إشارة إلى أهمية ترتيب المكتبة و ما يحصل من عدم الترتيب من الفوضى في وقت طالب العلم
و من أراد الزيادة على العناية بشؤون مكتبته فتفصيل ذلك موجود في مظانه من الكتب التي تُعنى بتنظيم
المكتبات و ترتيبها ، و لكن مرادي هنا ما يتعلق ببعض مكتبات طلاب العلم التي يغلب عليها عدم الترتيب .
يتبع إن شاء الله >>
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-03-29, 03:36 PM
الفوضوية في إيقاف السيارة بما يسبب أذى بعض المسلمين
مراعاة شعور المسلمين و عدم أذيتهم من التعبُّد لله تعالى ،
فإذا كانت إماطة الأذى عن الطريق صدقة و من شُعَب الإيمان ،
فكيف بمن كفَّ الأذى عن المسلمين ؟ و في المقابل كيف بمن خالف هذا و تسبب في أذى المسلمين ؟!
و من الصُّور المشينة في أذية المسلمين ما يحصل من إيقاف بعض السيارات أمام أبوابهم ،
و يتأكد الضرر إذا كان ذلك أمام أبواب مداخل سياراتهم ، و هذا من الفوضوية و عدم مراعاة مشاعر المسلمين ،
و ليضع ذلك المؤذي نفسه مكان المؤذّى ليستشعر الضرر !
و مما يزيد تلك الصورة قبحًا إذا كان أصحاب بعض تلك السيارات من الموسومين بالخير و الصلاح ،
و غالبًا ما يكون هذا عند حضور محاضرة أو درس .
فعلى من كان هذا شأنه أن يتقي الله تعالى في عدم أذية المسلمين ليسلم من الإثم و أيضًا دعاء
المتضرر بسببه ،
و قد بلغ ببعض أولئك المتضررين أنه سبَّ و دعا على من آذاه بإيقاف سيارته أمام بابه
و لقد أطلعني أحدُهم على ورقة من أحد جيران مسجدهم فيها سبٌّ للملقى عليهم بسبب إيقاف
سيارات بعضهم أمام بيته .
فعلى صاحب السيارة أن يحرص جاهدًا على إبعادها عن بيوت الناس ، كإيقافها عند سور المسجد
أو مدرسة أو حديقة أو غير ذلك ، فإن شقَّ ذلك عليه فعليه أن يجتنب الوقوف أمام أبواب البيوت .
و من الفوضوية فيما يتعلق بوقوف السيارات أيضًا ما يحصل من بعضهم في إيقاف سيارته بطريقة عشوائية
فيأخذ مكانا يكفي لسيارتين ، و أحيانا لثلاث !
و خلاصة القول : أنَّ على المسلم - و بخاصة القدوة عند الناس- أن يحرص جاهدًا على تجنب ما يُسبب أذى للناس .
و مما يُحسن ذِكرُه هنا أن يجتمع الاثنان و الثلاثة في سيارة واحدة عند المجيء للمسجد ، و في ذلك
مصالح كثيرة ، منها :
-تقليل عدد السيارات .
-ضعف إحتمال أذية الجيران .
-تذاكر العلم فيما بينهم .
يُتبع إن شاء الله >>
أم عبد الرحمن بنت مصطفى
2012-04-01, 08:18 AM
الفوضوية في الترويح عن النفس
الترويح عن النفس أمرٌ مشروع ، ودين الإسلام دين السماحة واليُسر ، ودين الكمال والجدِّ
والمتأمل في دواوين السنة النبوية عمومًا - وفي كتب الشمائل النبوية خصوصًا-
سيرى نصوصًا كثيرة فيها تنوّع في أساليب الترويح عن النفس ، فمن ذلك على سبيل المثال :
- مسابقته -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنه -
- ومسابقته -صلى الله عليه وسلم - بين الخيل المضمّرة وغير المضمّرة .
- ومشاهدته -صلى الله عليه وسلم - للحبشة وهم يلعبون بحرابهم .
والشاهد في هذا المبحث ما يحصل من بعض الناس من الإيغال في أمور الترويح ، حتى يكون
الترويح هو الغالب ، بل قد يكون الأصل في حياته ...
فيأنس بذلك الترويح ويحثَّ غيره عليه ، فإذا نُبَّه على إفراطه في ذلك الأمر ، تذرَّع بنصوص الترويح في السُنَّة
ومنها ما سبق ، ولا شكَّ أنَّ هذا من الجهالة أو التجاهل ، وبيان ذلك :
أن الأصل في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- الجد والعزيمة ، والترويح ، عارض ، وهو مع ذلك يتقوى به
على وطيفته العظيمة في دلالة الناس على الخير .
وأيضا مع ترويح النبي -صلى الله عليه وسلم -عن نفسه قد كان معطيا كل ذي حق حقه
ومن أمثلة ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم - " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي " .
فلم يشغله ترويحه عن نفسه عن القيام بأعماله الخاصة والعامة للأمة ، بل كان يتقوى بذلك الترويح كما تقدم
آنفا الإشارة إليه ،
بخلاف من غلّب جانب الترويح وأضاع وأهمل الحقوق الخاصة بأهل بيته أو العامة للناس ..
فحدِّث عن غيابه عن بيته وتضييع حقوق مسؤوليته عن أولاده وزوجته ، وكذا في شؤون الناس من إهمال للدوام
الوظيفي أو تضييع أمانة المسجد إن كان مؤذنًا أم إمامًا .
يتبع إن شاء الله >>..
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.