ابو عمر الجنيدي
2012-02-13, 11:08 PM
السؤال الأول :
ما الطرق التي يستطيع بها طالب العلم أن يضبط العلم ؟
الجواب :
بسم الله ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أمابعد :
ما أسهل السؤال وما أصعب الجواب ، يعني السؤال سهل أن تسأل ما هي الطرق التي يضبط بها طالب العلم ، لو نجلس إلى الفجر ، لو نجلس عشرات الدروس ما نستطيع أن نلم بهذه الطرق ، ولذلك أشفق في السؤال يعني يشفق السائل ولا يبالغ في سؤاله بكل اختصار .
أولاً : ما ذكرناه أن يكون بينك وبين الله ما يرضى الله عنك ، الطرق التي تقفي بك إلى العلم الصحيح النافع أن تبدأ بإصلاح ما بينك وبين الله .
ثانياً : عالم أخذ العلم عن أهله واتصل سنده إلى رسول الله-r- ، حتى تأخذ العلم موروثاً .
ثالثاً : أن تضبط ما تقرأه على ذلك العالم ، تضبط ضبطاً تاماً ، تقرأ قبل أن تحضر المتن مرتين ثلاثة أربعة ، حينما يجري هذا العلم في دمك وعرقك ، حينما يجري مع روحك ويصبح معك ، تعرف حلال الله وحرامه ، وتتفاعل مع هذه الأحكام كل حكم عزيز عندك ، عندها تستطيع أن تبني علماً صحيحاً ، وتعرف قيمة هذا العلم ، وتعتز به وتتمسك به لأنه من الوحي من كتاب الله وسنة النبي-r- ، فإذا بدأت تضبط وتقرأ قبل أن تجلس وتتعب المرتين الثلاثة الأربع لا تسأم ولا تمل ، فمن كانت له بداية محُرقة كانت له نهاية مشرقة ، فتتعب في طلب العلم ، ولذلك ما عَلّم الله أحداً إلا بعد أن ابتلاه واختبره-I- ، رسول الأمة-عليه الصلاة والسلام- ما أوحى إليه حتى أخذه جبريل وغطه ورأى الموت ، وقال له : اقراء ، قال : ما أنا بقارئ ، فأخذه حتى رأى الموت ثلاث مرات ثم أوحى إليه ، وكان إذا نزل الوحي على رسول الله-r- يتفصد عرقاً في شدة البرد والشتاء ، ونزل الوحي وهو على بعير فبرك البعير وكاد أن يموت البعير من شدة ما يجد-عليه الصلاة والسلام- ، وهذا بعير وهو تحت النبي-r- فما بالك برسول الأمة-r- ، وكان إذا نزل عليه الوحي كما في الصحيحين من حديث صفوان بن يعلى بن أمية-t وعن أبيه- ، أنه يغط كغطيط البكر من شدة ما يجد ، فإذا كان تمضي إلى حلق العلم وقد تعبت وسهرت وأضنيت جهدك وأنت تقرأ وتضبط ، غداً تخرج إلى الناس بنور وعلم مضبوط وأصل صحيح ، وتخرج للناس ويخرجك ربك ، لأن الله اطلع على ما كان منك تعب ، { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } أي والله لنهدينهم سبلنا ، متى إذا جاهدوا ، والجهاد التعب والاجتهاد وبذل غاية الوسع والطاقة في تحصيل الأمر ، فالعلم لا يأتي بالتشهي ولا بالتمني ، ولا يأتي بالدعاوى العريضة الشخص يحس أنه كأنه شيخ الإسلام ومفتي الأنام ، مغرور بنفسه ، لا من يأتي بجد واجتهاد وتعب ، قال ابن عباس-رضي الله عنهما- : ذللت طالباً وعززت مطلوباً ، فإذا أكثرت من قراءة العلم وأصبح العلم في ليلك ونهارك وصبحك ومساءك ، وأصبحت مسائل العلم هي أشجانك ، وهي أفكارك ، وهي أحاسيسك ووجدانك ، عندها تجد بركة هذا العلم ، وتخرج للأمة بعلم صحيح .
ثانياً : بعد أن تصلح ما بينك وبين الله وتضبط العلم بالقراءة ، تأتي إلى مجالس العلم معظماً للعلم معظماً للعلماء ، من جلس في مجالس العلم يعرف قيمة ماذا يُقال ، يقدر كل كلمة ، ويبحث عن كل شاردة ، ويفرح بكل حكمة ، عندها يكون العلم عزيزاً في قلبه ، وإذا جلس شارد الذهن يريد أن يقضي الوقت ، يريد أن يذهب عنه الوقت ، فعندها لا يبالي الله بمن لا يبالي بدينه وشرعه ، لابد أن يكون طالب العلم في مجلس العلم يحرص على كل كلمة صغيرة وكبيرة ، يبحث عن الحكمة ، كان الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلام الجحمي-رحمه الله- آية من آيات الله في العلم والعمل ، أن نظرت إليه في التفسير فهو حجه في تفسير كتاب الله-U - ، ويستشهد بتفسيره ويعتمد قوله حتى كان رأساً في علم الفقه ، فقيها محدثاً في علم الحديث والرواية عن رسول الله-r- ، وفي علم القراءات وفي علم اللغة والشواهد ، كان آية من آيات الله-رحمة الله عليه- ، هذا العالم الجليل يذكر عن نفسه أنه كان يجد ويتعب وينصب في نهاره حتى يمسي عليه الليل ، وهو أشد ما يكون تعباً وإعياً ، حتى إذا وجد العالم ، فذكر له الحكمة الواحدة ، والفائدة الواحدة ، يقول : فأبِيت بها مسروراً قد سلا عني ما أجد ، يعني جميع التعب والنصب يذهب بهذه الحكمة لأنه يحفظ لأمة محمداً-r- دينها ، فالذي يستشعر أنه يتعامل مع هذا العلم لكي ينفع أمة محمد-r- ، ولكي يبلغ الرسالة ، ويؤدي الأمانة ، ويكون منه الخير ، يجد ويجتهد .
كذلك - أيضاً - إذا جلس في مجالس العلم يرتب وضعه ، طالب العلم المبتدئ له طريقة ، وطالب العلم المتوسط وطالب العلم المتمكن كلً منهم له منهج معين وطريقة معينة ، طالب العلم المبتدئ يأخذ القول الراجح ودليله ، ولا يدخل في التفصيلات ولا الخلافات ، ويفهم العبارات بالشرح المختصر، طالب العلم المتوسط يتوسع ، ويعتني بالقول المخالف ، دليله الجواب عن الدليل ، طالب العلم المتمكن يمحص في هذا كله ، ويراجع كل هذا ، وإذا أشكل عليه شيء يعرضه ويكتب الأسئلة المفيدة ، إذا حضر طالب العلم حرص على أنه يسمع أكثر من أنه يتكلم ، لأن الله-U - يبارك لطالب العلم متى ما أنصت للعلم ، ومفتاح العلم الإنصات له ، ولذلك قال بعض الحكماء يوصي ابنه : يا بني إذا جلست في مجالس العلماء ، فلتكن حريصا على السكوت منك على الكلام ، فيحرص طالب العلم على أن يكون منصتاً مستفيداً .
كذلك - أيضاً - بعد الانتهاء من الجلوس في مجالس العلم ، يراجع العلم الذي يقرأه ، يختار طالب علم أو طالبين أو ثلاثة بالأكثر يذاكر معهم الدرس الذي يأخذه ، فهذا كله خيرً له وبركة ، ثم بعد ذلك يستشعر من قرارة قلبه ، أن كل آية ، وكل حديث ، وكل حكم سمعه وعلمه ، أنه مسؤول أمام الله عن العمل به وتبليغه للأمة ، أن يعلم أنه مسؤول أمام الله ، وأن يعـلم أن جلوسه في مجالس العلم ليس لعبث ولا لإضاعة الأوقات ، تتعلم وتسأل الله أن يبارك لك فتعمـل ، وتسأل الله أن يبارك فتعلم غيرك ، ولا تقل من أنا هناك علماء أصبحوا أئمة وعلماء بعد سنة الخمسين ، بعد أن بلغوا خمسين سنة طلبوا العلم ففتح الله-U - عليهم وأصبحوا من الأئمة والعلماء العاملين ، والنبوة تأتي النبي نبوته بعد الأربعين ، ولا يبعث إلا بعد الأربعين ، وهذه سن متأخرة ، ولا يقل الإنسان من أنا فلا أبي ولا أخي لا والله ، { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } ، العلم ليس حكراً على قوم ، لا على لون ، ولا على جنس ، ولا على مال ، ولا على قبيلة ، ولا على جماعة ، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء ، فتحرص على ضبط هذا العلم وتعلم أنك مسؤول عنه وعن تبليغه للأمة - نسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يجعل ما تعلمناه وعلمناه خالصاً لوجهه الكريم ، موجباً لرضوانه العظيم-.
المصدر شرح عمدة الفقه
ما الطرق التي يستطيع بها طالب العلم أن يضبط العلم ؟
الجواب :
بسم الله ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أمابعد :
ما أسهل السؤال وما أصعب الجواب ، يعني السؤال سهل أن تسأل ما هي الطرق التي يضبط بها طالب العلم ، لو نجلس إلى الفجر ، لو نجلس عشرات الدروس ما نستطيع أن نلم بهذه الطرق ، ولذلك أشفق في السؤال يعني يشفق السائل ولا يبالغ في سؤاله بكل اختصار .
أولاً : ما ذكرناه أن يكون بينك وبين الله ما يرضى الله عنك ، الطرق التي تقفي بك إلى العلم الصحيح النافع أن تبدأ بإصلاح ما بينك وبين الله .
ثانياً : عالم أخذ العلم عن أهله واتصل سنده إلى رسول الله-r- ، حتى تأخذ العلم موروثاً .
ثالثاً : أن تضبط ما تقرأه على ذلك العالم ، تضبط ضبطاً تاماً ، تقرأ قبل أن تحضر المتن مرتين ثلاثة أربعة ، حينما يجري هذا العلم في دمك وعرقك ، حينما يجري مع روحك ويصبح معك ، تعرف حلال الله وحرامه ، وتتفاعل مع هذه الأحكام كل حكم عزيز عندك ، عندها تستطيع أن تبني علماً صحيحاً ، وتعرف قيمة هذا العلم ، وتعتز به وتتمسك به لأنه من الوحي من كتاب الله وسنة النبي-r- ، فإذا بدأت تضبط وتقرأ قبل أن تجلس وتتعب المرتين الثلاثة الأربع لا تسأم ولا تمل ، فمن كانت له بداية محُرقة كانت له نهاية مشرقة ، فتتعب في طلب العلم ، ولذلك ما عَلّم الله أحداً إلا بعد أن ابتلاه واختبره-I- ، رسول الأمة-عليه الصلاة والسلام- ما أوحى إليه حتى أخذه جبريل وغطه ورأى الموت ، وقال له : اقراء ، قال : ما أنا بقارئ ، فأخذه حتى رأى الموت ثلاث مرات ثم أوحى إليه ، وكان إذا نزل الوحي على رسول الله-r- يتفصد عرقاً في شدة البرد والشتاء ، ونزل الوحي وهو على بعير فبرك البعير وكاد أن يموت البعير من شدة ما يجد-عليه الصلاة والسلام- ، وهذا بعير وهو تحت النبي-r- فما بالك برسول الأمة-r- ، وكان إذا نزل عليه الوحي كما في الصحيحين من حديث صفوان بن يعلى بن أمية-t وعن أبيه- ، أنه يغط كغطيط البكر من شدة ما يجد ، فإذا كان تمضي إلى حلق العلم وقد تعبت وسهرت وأضنيت جهدك وأنت تقرأ وتضبط ، غداً تخرج إلى الناس بنور وعلم مضبوط وأصل صحيح ، وتخرج للناس ويخرجك ربك ، لأن الله اطلع على ما كان منك تعب ، { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } أي والله لنهدينهم سبلنا ، متى إذا جاهدوا ، والجهاد التعب والاجتهاد وبذل غاية الوسع والطاقة في تحصيل الأمر ، فالعلم لا يأتي بالتشهي ولا بالتمني ، ولا يأتي بالدعاوى العريضة الشخص يحس أنه كأنه شيخ الإسلام ومفتي الأنام ، مغرور بنفسه ، لا من يأتي بجد واجتهاد وتعب ، قال ابن عباس-رضي الله عنهما- : ذللت طالباً وعززت مطلوباً ، فإذا أكثرت من قراءة العلم وأصبح العلم في ليلك ونهارك وصبحك ومساءك ، وأصبحت مسائل العلم هي أشجانك ، وهي أفكارك ، وهي أحاسيسك ووجدانك ، عندها تجد بركة هذا العلم ، وتخرج للأمة بعلم صحيح .
ثانياً : بعد أن تصلح ما بينك وبين الله وتضبط العلم بالقراءة ، تأتي إلى مجالس العلم معظماً للعلم معظماً للعلماء ، من جلس في مجالس العلم يعرف قيمة ماذا يُقال ، يقدر كل كلمة ، ويبحث عن كل شاردة ، ويفرح بكل حكمة ، عندها يكون العلم عزيزاً في قلبه ، وإذا جلس شارد الذهن يريد أن يقضي الوقت ، يريد أن يذهب عنه الوقت ، فعندها لا يبالي الله بمن لا يبالي بدينه وشرعه ، لابد أن يكون طالب العلم في مجلس العلم يحرص على كل كلمة صغيرة وكبيرة ، يبحث عن الحكمة ، كان الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلام الجحمي-رحمه الله- آية من آيات الله في العلم والعمل ، أن نظرت إليه في التفسير فهو حجه في تفسير كتاب الله-U - ، ويستشهد بتفسيره ويعتمد قوله حتى كان رأساً في علم الفقه ، فقيها محدثاً في علم الحديث والرواية عن رسول الله-r- ، وفي علم القراءات وفي علم اللغة والشواهد ، كان آية من آيات الله-رحمة الله عليه- ، هذا العالم الجليل يذكر عن نفسه أنه كان يجد ويتعب وينصب في نهاره حتى يمسي عليه الليل ، وهو أشد ما يكون تعباً وإعياً ، حتى إذا وجد العالم ، فذكر له الحكمة الواحدة ، والفائدة الواحدة ، يقول : فأبِيت بها مسروراً قد سلا عني ما أجد ، يعني جميع التعب والنصب يذهب بهذه الحكمة لأنه يحفظ لأمة محمداً-r- دينها ، فالذي يستشعر أنه يتعامل مع هذا العلم لكي ينفع أمة محمد-r- ، ولكي يبلغ الرسالة ، ويؤدي الأمانة ، ويكون منه الخير ، يجد ويجتهد .
كذلك - أيضاً - إذا جلس في مجالس العلم يرتب وضعه ، طالب العلم المبتدئ له طريقة ، وطالب العلم المتوسط وطالب العلم المتمكن كلً منهم له منهج معين وطريقة معينة ، طالب العلم المبتدئ يأخذ القول الراجح ودليله ، ولا يدخل في التفصيلات ولا الخلافات ، ويفهم العبارات بالشرح المختصر، طالب العلم المتوسط يتوسع ، ويعتني بالقول المخالف ، دليله الجواب عن الدليل ، طالب العلم المتمكن يمحص في هذا كله ، ويراجع كل هذا ، وإذا أشكل عليه شيء يعرضه ويكتب الأسئلة المفيدة ، إذا حضر طالب العلم حرص على أنه يسمع أكثر من أنه يتكلم ، لأن الله-U - يبارك لطالب العلم متى ما أنصت للعلم ، ومفتاح العلم الإنصات له ، ولذلك قال بعض الحكماء يوصي ابنه : يا بني إذا جلست في مجالس العلماء ، فلتكن حريصا على السكوت منك على الكلام ، فيحرص طالب العلم على أن يكون منصتاً مستفيداً .
كذلك - أيضاً - بعد الانتهاء من الجلوس في مجالس العلم ، يراجع العلم الذي يقرأه ، يختار طالب علم أو طالبين أو ثلاثة بالأكثر يذاكر معهم الدرس الذي يأخذه ، فهذا كله خيرً له وبركة ، ثم بعد ذلك يستشعر من قرارة قلبه ، أن كل آية ، وكل حديث ، وكل حكم سمعه وعلمه ، أنه مسؤول أمام الله عن العمل به وتبليغه للأمة ، أن يعلم أنه مسؤول أمام الله ، وأن يعـلم أن جلوسه في مجالس العلم ليس لعبث ولا لإضاعة الأوقات ، تتعلم وتسأل الله أن يبارك لك فتعمـل ، وتسأل الله أن يبارك فتعلم غيرك ، ولا تقل من أنا هناك علماء أصبحوا أئمة وعلماء بعد سنة الخمسين ، بعد أن بلغوا خمسين سنة طلبوا العلم ففتح الله-U - عليهم وأصبحوا من الأئمة والعلماء العاملين ، والنبوة تأتي النبي نبوته بعد الأربعين ، ولا يبعث إلا بعد الأربعين ، وهذه سن متأخرة ، ولا يقل الإنسان من أنا فلا أبي ولا أخي لا والله ، { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } ، العلم ليس حكراً على قوم ، لا على لون ، ولا على جنس ، ولا على مال ، ولا على قبيلة ، ولا على جماعة ، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء ، فتحرص على ضبط هذا العلم وتعلم أنك مسؤول عنه وعن تبليغه للأمة - نسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يجعل ما تعلمناه وعلمناه خالصاً لوجهه الكريم ، موجباً لرضوانه العظيم-.
المصدر شرح عمدة الفقه