الباحث فتحي عثمان
2012-01-22, 03:11 AM
والسؤال الذي يبحث عن إجابة هو .. هل يوجد في القران ما يخدم كل من خبراء المعاهد الفنية الجيولوجية وعلماء الآثار ومفسري الأديان بالنسبة للأدلة القاطعة... فنقول وبالله التوفيق .. القران الكريم حدد موقع جبل موسي (الوادي القدس) جغرافيا وجيولوجيا بأدلة مادية قطعية الثبوت بما لا يدع مجالا للشك والريبة وكيف لا وهو كتاب الله أحكمت آياته وفصلت ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وذكرها لمن يتدبرون آياته البينات ..... "كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ", (هود: 1). " وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ", (فصلت42) .أولا يجب أن نثبت أين كانت إقامة موسي عليه السلام في الخروج الأول وزواجه قبيل بدأ الرسالة وتوجهه إلي لقاء ربه سبحانه وتعالي في أطهر وأقدس بقاع الأرض ..... فقوله تعالي في سورة القصص .. وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وتقول التوراة..عن إقامته (( وكان لكاهن مديان سبع بنات. فأتين واستقين وملأن الأجران ليسقين غنم أبيهن، فأتى الرعاة وطردوهن. فنهض موسى وأنجدهن وسقى غنمهن. فلما أتين إلى رعوئيل أبيهن قال: ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم؟ قلن : رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة، وإنه استقى لنا أيضاً وسقى الغنم. فقال لبناته: وأين هو؟ لماذا تركتن الرجل؟ ادعونه ليأكل طعاماً. فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل، فأعطى موسى ابنته صفورة فولدت له ابناً فدعا اسمه جرشوم، وحدث في تلك الأيام الكثيرة أن ملك مصر مات. )) ( الخروج 2 :16-23 ) . ...لقد تواتر حتى أضحي حقيقة بين الناس أن سيدا موسي عليه السلام أقام بعد خروجه الأول بمنطقة مدين بالجزيرة العربية وصاهر سيدنا شعيب عليه السلام وبعد انقضاء المدة أخذ عصا سيدنا شعيب صاحبة المعجزات .. ...وللرد علي هذه الإسرائيليات نقول . أن من يقول بذلك قد غاب عن فكره ما جاء في القران الكريم ووافقه ما في التوراة عند لقاء موسي عليه السلام بالأختين وما دار بينهم من حديث متبادل بلغة واحدة مشتركة... فلو افترضناه جدلا وهذا معدوما جدا من انه دار بلغة الإشارة(لغة الصم والبكم) لقلة الحديث بينهم فماذا عن الحديث المطول بينه وبين صهره وقد قص عليه القصص وليس بينهم مترجم .كما في قوله تعالي.. فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ... ونستبين ونستوضح مدي دقة القران الكريم ليوضح لنا أن اللغة واحدة بينهم ففي قوله نعالي ... فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ...نجد الشيخ الكبير يقول له نفس السياق لقوله قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ... خاصة وإننا نعلم علم اليقين أن موسي عليه السلام نشأ وتربي في بلاط قصر فرعون وهذا البيت الملكي أبعد ما يكون أن يتكلم بلغة غير لغة المصريين . فلو افترضنا جدلا أن موسي عليه السلام كان يتحدث العبرية وقد ذهب إلي مكان قريب من فلسطين نقول ... من يقول ذلك واهم ولنعد بالزمن قليلا .. حيث أن أخوة يوسف عليه السلام عندما قصدوا مصر مع أبيهم يعقوب عليه السلام ماذا كانت لغتهم فجدهم إبراهيم أبو الأنبياء ومعه زوجه سارة وسيدنا لوط نشأؤا في بلاد بين الرافدين ثم قصدوا ارض الشام في مكان فيه اللغة غير اللغة ثم هجرتهم إلي مصر واصطحابهم هاجر المصرية ثم عادوا إلي فلسطين فأصبح في بيت إبراهيم عليه السلام لغة ثالثة ثم زواج أخوة يوسف من فلسطينيات وبرغم لغة الجد الثاني إبراهيم عليه السلام إلا إنهم أتقنوا لغة الفلسطينيين والسؤال متي و ........... أين كان لبني إسرائيل لدي وفودهم مصر لغة... إنها لغة تكاد تشابه اللغة الفلسطينية آنذاك فكيف يحافظون عليها اثني عشر جيلا وكل تعاملهم ومعاملاتهم مع المصريين طوال 480 عاما!!! ولذلك تذكر التوراة وجود مترجم بين يوسف عليه السلام وأخوته فتقول ... وَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ يُوسُفَ فَاهِمٌ؛ لأَنَّ التُّرْجُمَانَ كَانَ بَيْنَهُمْ. التكوين 42: 23 حيث أن يوسف كان قد تكلم بالمصرية وأتقنها ولم ينسي بعد بعض من لغته الأصلية.. والمسألة الثانية تتمثل في قرب الرجل الصالح صهر موسي عليه السلام من المصريين عندما قال لقد نجوت من القوم الظالمين ... فمن يقول ذلك هو علي علم ودراية بما كان يحاك بالمصريين من ظلم بين لفرعون موسي عليه لعنة الله... ولكن القران الكريم يقول ... وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ نقول ...في الآية السابقة لهذه الآية قال تعالي .. وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ فقد كان مقصده عليه السلام منطقة يعلمها وهي مَدْيَنَ ولذلك تم التقديم للمقصد قبل الدعاء ولكن لا يعلم درب آخر ليس من دروب المصريين التي يخشى السير فيها فسلك درب آخر في الصحراء معتمدا علي الله في أن يهديه ويرشده إلي مقصده فمن سرد الآيات نستبين مدي الخوف من أن يلاحقه أحد جنود الفرعون وذلك في قوله تعالي .. فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ لذلك عند مقصده قال .. عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ إذ انه ليس وجوبا أن تكون المدينة بلد أصحاب الأيكة فمن الواضح والجلي أن أهل البلدة يعملون برعي الغنم وأهل الأيكة كانوا يعملون بالتجارة وكانوا يبخسون المكيال .. ومن الجائز أن هذا الشيخ صهر موسي عليه السلام أحد أبناء أهل مدين ممن امنوا وهاجروا خاصة أن القران الكريم أوضح لنا أن ابنتاه يتمتعون بخلق كريم في قوله تعالي .. فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء ... والسؤال الذي يبحث عن إجابة هو ...... هل تزوج موسي بنت شعيب النبي ؟؟؟ والجواب قطعيا لا وبنص القران الكريم
موقع الوادي المقدس فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةإِنِّ ي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص30) .....لنبدأ برحلة العودة بعد انتهاء مدة العهد بينه وبين حموه... عودة سيدنا موسى عليه السلام لمصر: ترى أي خاطر راود موسى، فعاد به إلى مصر، بعد انقضاء الأجل، وقد خرج منها خائفا يترقب؟ وقد أنساه الخطر الذي ينتظره بها، وقد قتل فيها نفسا؟ وهناك فرعون الذي كان يتآمر مع الملأ من قومه ليقتلوه؟ ...نعم- إنها قدرة الله التي تنقل خطاه كلها. لعلها قادته هذه المرة بالميل الفطري إلى الأهل والعشيرة والوطن. وأنسته الخطر الذي خرج هاربا منه وحيدا طريدا. لكي يؤدي المهمة التي خلق من أجلها. (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)... خرج موسى مع أهله وسار. اختفى القمر وراء السحاب الكثيف وساد الظلام. اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام. وتاه موسى أثناء سيره. ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله.. ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد. امتلأ قلبه بالفرح فجأة. قال لأهله: أني رأيت نارا هناك. أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم. (إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) وتحرك موسى نحو النار. سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه ثم أهله.ويده اليمنى تمسك عصاه. جسده مبلل من المطر. ظل يسير حتى وصل إلى وادي. لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي. لم يكن هناك برد ولا رياح. ثمة صمت عظيم ساكن. اقترب موسى من النار. لم يكد يقترب منها حتى نودي: (أَن بُورِكَ مَن فِي النَّار ِوَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء. كلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة. والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود وهي تحترق. لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد. كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه، وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى. ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: يَا موسى فأجاب موسى: نعم. قال الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ازداد ارتعاش موسى وقال: نعم يا رب. قال الله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه. عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) (طه) زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه. قال الرحمن الرحيم: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا موسى ازدادت دهشة موسى. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه، والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه. لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه؟! لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك. أجاب موسى: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قال الله عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته. وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى حية فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى . وظلت الحية تتحرك بسرعة. ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه. أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف. فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري. لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله: يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ. عاد موسى يستدير ويقف. لم تزل العصا تتحرك. لم تزل الحية تتحرك.قال الله سبحانه وتعالى لموسى: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولى مد موسى يده للحية وهو يرتعش. لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا.عاد الأمر الإلهي يصدر له: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر. زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما.. اطمأن موسى وسكت. وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين -معجزة العصا ومعجزة اليد أمرا لا يقوي أحد من البشر أن يقم به!!! اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ... في ظلال القران
وانتهي اللقاء الأول الفريد في اطهر وأقدس بقعة في الأرض جمعاء!!!! وظل موسي عليه السلام حتى بزوغ الفجر يتساءل داخل نفسه أي مكان هذا وأي قدسية حاز عليها بل واستأثر ها لنفسه هذا الموقع الفريد حتى يأمره المولي عز وجل ... إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وظل موسي حائرا يتلهف مهرولا متجها إلي أخيه هارون لعله يجد إجابة لديه ويلتمس فيه الشجاعة لمواجهة الفرعون كما أمره المولي عز وجل .... وحينما حانت اللحظة لمواجهة الفرعون ..... (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 104-109]. يا سبحان الله العصي تتحول إلي ثعبان كبير الحجم لم يصدق موسي نفسه لقد شاهدها موسي حية صغيرة الحجم تتراقص أمامه كالجان وكان خوفه منها إنها في صحراء قاحلة فلماذا تحولت إلي ثعبان كبير أمام الفرعون وملأه الآن ؟!! سؤال يظل يستمر يبحث عن إجابة....أليست حكمة إلهية؟ نعم...... أن وجود هذه الكلمة ظهرت حكمة بيانية رائعة تثبت أن كل كلمة في القرآن إنما تأتي في الموضع المناسب، ولا يمكن أبداً إبدالها بكلمة أخرى، وهذا من الإعجاز البياني في القرآن الكريم. ولكي نوضح الحكمة من تعدد الكلمات عندما نبحث عن قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون لنجد أنها تكررت في مناسبات كثيرة، ولكن العصا ذُكرت في ثلاثة مراحل من هذه القصة: أولا: .عندما كان موسى سائراً بأهله ليلاً فأبصر ناراً وجاء ليستأنس بها فناداه الله أن يلقي عصاه. ثانيا: .عندما ذهب موسى إلى فرعون فطلب منه فرعون الدليل على صدق رسالته من الله تعالى فألقى موسى عصاه. ثالثا: .عندما اجتمع السَّحَرة وألقوا حبالهم وعصيّهم وسحروا أعين الناس، فألقى موسى عصاه. هذه هي المواطن الثلاثة حيث يلقي فيها موسى العصا في قصته مع فرعون. ولكن لماذا ألحية في (طوي) والثعبان أمام فرعون وقومه من المصريين؟؟ ونتساءل كيف تناول البيان الإلهي هذه القصة وكيف عبّر عنها، وهل هنالك أي تناقض أو اختلاف أو عشوائية في استخدام الكلمات القرآنية؟ الموقف الأول ..في الموقف الأول نجد عودة سيدنا موسى إلى مصر بعد أن خرج منها، وفي طريق العودة ليلاً أبصر ناراً فأراد أن يقترب منها ليستأنس فناداه الله تعالى، وأمره أن يلقي عصاه، فإذا هي تتحول إلى حيّة حقيقية تهتز وتتحرك وتسعى، فخاف منها، فأمره الله ألا يخاف وأن هذه المعجزة هي وسيلة لإثبات صدق رسالته أمام فرعون. ولو بحثنا عن الآيات التي تحدثت عن هذا الموقف، نجد العديد من الآيات وفي آية واحدة منها ذكرت الحيّة، يقول تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى *قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) [طه: 17-21]. الموقف الثاني أما الموقف فيتمثل بقدوم موسى عليه السلام إلى فرعون ومحاولة إقناعه بوجود الله تعالى، وعندما طلب فرعون الدليل المادي على صدق موسى، ألقى عصاه فإذا بها تتحول إلى ثعبان مبين. ولو بحثنا عن الآيات التي تناولت هذا الموقف نجد عدة آيات، ولكن الثعبان ذُكر مرتين فقط في قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 104-109]. (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ* قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الشعراء: 23-34]. الموقف الثالث بعدما جمع فرعون السحرة وألقوا الحبال والعصيّ وسحروا أعين الناس وخُيّل للناس ولموسى أن هذه الحبال تتحرك وتهتز وتسعى، ألقى موسى عصاه فابتلعت كل الحبال والعصي، وعندها أيقن السحرة أن ما جاء به موسى حق وليس بسحر، فسجدوا لله أمام هذه المعجزة. وقد تحدث القرآن عن هذا الموقف في العديد من سوره، ولكننا لا نجد أي حديث في هذا الموقف عن ثعبان أو حية، بل إننا نجد قول الحق تبارك وتعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الأعراف: 117]. التحليل البياني للمواقف الثلاثة لو تأملنا جيداً المواقف الثلاثة نجد أن الموقف الأول عندما أمر الله موسى أن يلقي عصاه وهو في الوادي المقدس، تحولت العصا إلى (حيَّة) صغيرة، وهذا مناسب لسيدنا موسى لأن المطلوب أن يرى معجزة،!! وليس المطلوب أن يخاف منها، لذلك تحولت العصا إلى حية. أما في الموقف الثاني أمام فرعون فالمطلوب إخافة فرعون لعله يؤمن ويستيقن بصدق موسى عليه السلام، ولذلك فقد تحولت العصا إلى ثعبان، والثعبان في اللغة هو الحية الكبيرة. وهكذا نجد أن الآيات التي ذُكرت فيها كلمة (ثعبان) تختص بهذا الموقف أمام فرعون. ولكن في الموقف الثالث أمام السّحَرَة نجد أن القرآن لا يتحدث أبداً عن عملية تحول العصا إلى ثعبان أو حية، بل نجد أن العصا تبتلع ما يأفكون، فلماذا؟ إذا تأملنا الآيات بدقة نجد أن السحرة أوهموا الناس بأن الحبال تتحرك وتسعى، كما قال تعالى: (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)[طه: 66]. وهنا ليس المطلوب أن يخاف الناس بالثعبان .ففي المناسبات العديدة يشاهد الناس الحبال والعصي مع السحرة تتحرك بسحر العيون وهذا النوع من السحر أردأ أعمال السحر ، وأيضا ليس المطلوب أن تتحول العصا إلى حية، بل المطلوب أن تتحرك العصا وتلتهم جميع الحبال والعصِيَ بشكل حقيقي، لإقناع السحرة والناس بأن حبالهم تمثل السحر والباطل، وعصا موسى تمثل الحق والصدق، ولذلك يقول تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوه ُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*فَغ لِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الأعراف: 115-122]. ونستطيع أن نستنتج أن الله تعالى حدد تحديدا ًدقيقا في كلماته وأن الكلمة القرآنية تأتي في مكانها المناسب، ولا يمكن إبدال كلمة مكان أخرى لأن ذلك سيخل بالجزء البلاغي والبياني للقرآن الكريم الذي قال الله عنه: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42]. إن المتتبع للسياقات القرآنية التي تتحدث عن قصة اللقاء الشهير لموسى مع ربه يستطيع أن يحدد بالضبط المكان الذي تم فيه اللقاء، فهو بلا شك المكان الذي تتوافر به العناصر الجغرافية التالية: الواد َهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (9) إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) (طه 9-12) الطور فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (القصص29) ج. شاطىء الواد الأيمن و البقعة المباركة و الشجرة.. فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص30) وتوافرت عوامل لحظية وهي النار: إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) (النمل 7-9) من عجائب القرءان انه يضع لفظة ((الغربي)) موضع ((الطور )) مطابقا ومرادفا له فى قوله عز وجل (وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا إلى موسى الأمر ) القصص-44 ثم يكرر الغربي بلفظ الطور لا يفصل بين القولين إلا آية.. (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ) القصص-46 وكأن الغربي بذاتها وبمحض لفظها اسم موضوع لهذا الطور المبارك. وقد ظن بعض مفسري القرءان مثال الإمام القرطبى أن الغربي خلاف الطور فقالوا إن الطور هو موضع المنادة الأولى ليلة انس موسى من جانب الطور نارا فأراد أن يقتبس.. إما الغربي فهو موضع إنزال التوراة وتلقى الألواح في مواعدة موسى ثلاثين ليلة أتمهن بعشر ولا يصح هذا الذي قالوا به لقول الله عز وجل في تعيين موضع المواعدة... (يا بنى إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) طه-80 وعليه .... فجانب الطور الأيمن إذا وجانب الغربي سواء والغربي والطور واحد التي جاءت في كل القران ثلاث مرات فقط كلها في وصف جانب هذا الطور أو شاطئه والجانب والشاطئ واحد ثم وصفه بانه (الغربي) التى وردت في القران مرة واحدة هي في اسم هذا الطور المبارك أو جانبه فقالوا إن الجبال لايمين لها ولا يسار ولاغرب ولا شرق وإنما هو الذى على يمين موسى والى الغرب من موسى.. ففي قوله تعالي.. نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ نجدها لا تفيد البحث لذلك نجد ما يفيد ويكمل ما نصبو إليه في قوله تعالي.. وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (القصص44) وثانيهما، المكان الذي تم فيه لقاء موسى ربه: فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل 7-9 فالله سبحانه قد بارك المكان الذي حول النار، وهو كذلك قد بارك المكان الأوسع: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وكانت هي الأرض التي ورثها القوم الذين استضعفوا: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وهي نفسها التي توجه إليها إبراهيم ولوط بعد ما جاء القحط وكاد يقتلهم هم وماشيتهم: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ الأنبياء (71) وهي نفسها التي كانت تجري فيها الرياح مسخرة لسليمان: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ الأنبياء (81) ولو دققنا في مفردات هذه الآيات لوجدنا التحديد الجغرافي للمكان، فعندما يذكر الله سبحانه لفظة تلك الأرض تكون المباركة فيها: مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ولعلنا نعلم جميعاً أن واحدة من معاني حرف الجر "في" هو داخل الشيء، فليست البركة للأرض كلها وإنما لجزء منها داخل تلك الأرض، وإذا كنا قد علمنا تلك الأرض بشكل عام، فكيف نحدد المكان المبارك بشكل خاص؟ إننا نعتقد أن المكان الذي تمت المباركة حوله هو بالضبط ما ورد في معرض الحديث عن اللقاءات الشهيرة التي حصلت لموسى مع ربه، وهي مكان النار: ولا شك أن جميع شرائع الأرض تقدس تلك البقعة الجغرافية من الأرض في حين أن تلك الشرائع لم تتولد فيها، فهي ليس أرض مولد وشريعة موسى، وهي ليست الأرض التي ولد فيها عيسي أبن مريم وهي ليست موطن رسالة محمد صلوات الله عليهم أجمعين، ولكن جميع تلك الشرائع تقدس تلك البقعة من الأرض وتعتبرها أرض مباركة، ويأتي سؤالنا عن سر هذا التقديس وهذه العلاقة مع تلك البقعة من الأرض على وجه التحديد.. وفي القصة نطرح سؤالاً آخر غريباً لكنه يلفت الانتباه وهو عندما ذهب موسى عليه السلام ليستطلع خبر النار، ناداه ربه على النحو التالي: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى والسؤال: لماذا طلب الله من موسى أن يخلع نعليه؟ ويأتي الجواب معللاً في الآية نفسها على نحو " إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى" أن موسى كان حينئذ في "واد"، وعندما عاد موسى للقاء ربه في المرة الثانية كان موسى أيضاً في نفس الواد، والدليل على ذلك هو أنه عندما طلب موسى رؤية الذات الإلهية مباشرة، كان رد ربه أن ينظر إلى الجبل، فالمنطقة بجغرافيتها تتضح في اللقاءين، وعندما منّ الله على بعض بني إسرائيل نتق فوقهم الجبل: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأعراف (171) ورفع فوقهم الطور، والمتتبع لقصة الطور يستطيع أن يلمح على الفور توافر عناصر الجغرافيا في المكان الذي نتحدث عنه: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (93) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا النساء (154) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا مريم (52.51) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُم ْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ طه (80) فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ القصص (46) وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) الطور 1-5 ونعود لقصة النعلين طارحين السؤال السابق نفسه: لماذا طلب الله من موسى أن يخلع نعليه في اللقاء الأول؟ إنها قدسية المكان والتي لا يضاهيها موطيء في الأرض نال قدسيتها.... نستنتج مما سبق مايلي... إن المكان جغرافيا يجب أن يتوافر فيه وادي فسيح وعن يمين موسي عليه السلام وهو ماضي في طريقه نحو النار جبل شريطة أن يكون عن يمينه وفي نفس الوقت يكون غربا وفي الجهة المقابلة لهذا الجبل جبل ثاني يكون شماله وأيضا في نفس الوقت شرقه كيف؟؟؟ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (القصص44) ظلال القران.... { ولما جاء موسى لميقاتنا ، وكلمه ربه ، قال : رب أرني أنظر إليك } . . إنها الوهلة المذهلة وموسى يتلقى كلمات ربه؛ وروحه تتشوف وتستشرف وتشتاق إلى ما يشوق! فينسى من هو ، وينسى ما هو ، ويطلب ما لا يكون لبشر في هذه الأرض ، وما لا يطيقه بشر في هذه الأرض . يطلب الرؤية الكبرى وهو مدفوع في زحمة الشوق ودفعة الرجاء ولهفة الحب ورغبة الشهود . . حتى تنبهه الكلمة الحاسمة الجازمة : { قال : لن تراني } . . ثم يترفق به الرب العظيم الجليل ، فيعلمه لماذا لن يراه . . إنه لا يطيق . . { ولكن انظر إلى الجبل ، فإن استقر مكانه فسوف تراني } . . والجبل أمكن وأثبت . والجبل مع تمكنه وثباته أقل تأثراً واستجابة من الكيان البشري . . ومع ذلك فماذا؟ { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } . . فكيف كان هذا التجلي؟ نحن لا نملك أن نصفه ، ولا نملك أن ندركه . . ولا نملك أن نستشرفه إلا بتلك اللطيفة التي تصلنا بالله ، حين تشف أرواحنا وتصفو ، وتتجه بكليتها إلى مصدرها . فأما الألفاظ المجردة فلا تملك أن تنقل شيئاً . . لذلك لا نحاول بالألفاظ أن نصور هذا التجلي . . ونحن أميل إلى اطراح كل الروايات التي وردت في تفسيره؛ وليس منها رواية عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الكريم لم يقل عن ذلك شيئاً . { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } . . وقد ساخت نتوءاته فبدا مسوًّى بالأرض مدكوكاً . . وأدركت موسى رهبة الموقف ، وسرت في كيانه البشري الضعيف : { وخر موسى صعقاً } . مغشياً عليه ، غائباً عن وعيه . { فلما أفاق } . . وثاب إلى نفسه ، وأدرك مدى طاقته ، واستشعر أنه تجاوز المدى في سؤاله : { قال : سبحانك! } . . تنزهت وتعاليت عن أن ترى بالأبصار وتدرك . { تبت إليك } . . عن تجاوزي للمدى في سؤالك! { وأنا أول المؤمنين } . . مما سبق يثبت يقينا أن الجبل اليمين الغربي من الوادي لابد وأن يكون به جزء دك دكا وسوي بالأرض وقد ساخت نتوءاته فبدا مسوًّى بالأرض مدكوكاً الدليل المادي الثاني ... وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (93) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا النساء (154) الإمام ابن كثير... { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ } وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة، وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى، عليه السلام، ورفع الله على رؤوسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا وسجدوا، وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقط عليهم، كما قال تعالى: { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (6) } [الأعراف: 171]. مما سبق ثبت انه لابد من وجود نتق جزء ليس باليسير من الجبل.... ولوجود العلم الحديث في زماننا هذا من علوم الأرض ستجعل من اليسير علميا تحديد الموقع علي أسس علمية بحثية وليس أسس ظنية كما أسلف كل فريق بنظريات ظنية أكثر منها أسس علمية بحثية صحيحة !!!!!
موقع الوادي المقدس فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةإِنِّ ي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص30) .....لنبدأ برحلة العودة بعد انتهاء مدة العهد بينه وبين حموه... عودة سيدنا موسى عليه السلام لمصر: ترى أي خاطر راود موسى، فعاد به إلى مصر، بعد انقضاء الأجل، وقد خرج منها خائفا يترقب؟ وقد أنساه الخطر الذي ينتظره بها، وقد قتل فيها نفسا؟ وهناك فرعون الذي كان يتآمر مع الملأ من قومه ليقتلوه؟ ...نعم- إنها قدرة الله التي تنقل خطاه كلها. لعلها قادته هذه المرة بالميل الفطري إلى الأهل والعشيرة والوطن. وأنسته الخطر الذي خرج هاربا منه وحيدا طريدا. لكي يؤدي المهمة التي خلق من أجلها. (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)... خرج موسى مع أهله وسار. اختفى القمر وراء السحاب الكثيف وساد الظلام. اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام. وتاه موسى أثناء سيره. ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله.. ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد. امتلأ قلبه بالفرح فجأة. قال لأهله: أني رأيت نارا هناك. أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم. (إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) وتحرك موسى نحو النار. سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه ثم أهله.ويده اليمنى تمسك عصاه. جسده مبلل من المطر. ظل يسير حتى وصل إلى وادي. لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي. لم يكن هناك برد ولا رياح. ثمة صمت عظيم ساكن. اقترب موسى من النار. لم يكد يقترب منها حتى نودي: (أَن بُورِكَ مَن فِي النَّار ِوَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء. كلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة. والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود وهي تحترق. لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد. كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه، وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى. ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: يَا موسى فأجاب موسى: نعم. قال الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ازداد ارتعاش موسى وقال: نعم يا رب. قال الله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه. عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) (طه) زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه. قال الرحمن الرحيم: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا موسى ازدادت دهشة موسى. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه، والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه. لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه؟! لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك. أجاب موسى: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قال الله عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته. وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى حية فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى . وظلت الحية تتحرك بسرعة. ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه. أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف. فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري. لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله: يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ. عاد موسى يستدير ويقف. لم تزل العصا تتحرك. لم تزل الحية تتحرك.قال الله سبحانه وتعالى لموسى: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولى مد موسى يده للحية وهو يرتعش. لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا.عاد الأمر الإلهي يصدر له: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر. زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما.. اطمأن موسى وسكت. وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين -معجزة العصا ومعجزة اليد أمرا لا يقوي أحد من البشر أن يقم به!!! اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ... في ظلال القران
وانتهي اللقاء الأول الفريد في اطهر وأقدس بقعة في الأرض جمعاء!!!! وظل موسي عليه السلام حتى بزوغ الفجر يتساءل داخل نفسه أي مكان هذا وأي قدسية حاز عليها بل واستأثر ها لنفسه هذا الموقع الفريد حتى يأمره المولي عز وجل ... إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وظل موسي حائرا يتلهف مهرولا متجها إلي أخيه هارون لعله يجد إجابة لديه ويلتمس فيه الشجاعة لمواجهة الفرعون كما أمره المولي عز وجل .... وحينما حانت اللحظة لمواجهة الفرعون ..... (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 104-109]. يا سبحان الله العصي تتحول إلي ثعبان كبير الحجم لم يصدق موسي نفسه لقد شاهدها موسي حية صغيرة الحجم تتراقص أمامه كالجان وكان خوفه منها إنها في صحراء قاحلة فلماذا تحولت إلي ثعبان كبير أمام الفرعون وملأه الآن ؟!! سؤال يظل يستمر يبحث عن إجابة....أليست حكمة إلهية؟ نعم...... أن وجود هذه الكلمة ظهرت حكمة بيانية رائعة تثبت أن كل كلمة في القرآن إنما تأتي في الموضع المناسب، ولا يمكن أبداً إبدالها بكلمة أخرى، وهذا من الإعجاز البياني في القرآن الكريم. ولكي نوضح الحكمة من تعدد الكلمات عندما نبحث عن قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون لنجد أنها تكررت في مناسبات كثيرة، ولكن العصا ذُكرت في ثلاثة مراحل من هذه القصة: أولا: .عندما كان موسى سائراً بأهله ليلاً فأبصر ناراً وجاء ليستأنس بها فناداه الله أن يلقي عصاه. ثانيا: .عندما ذهب موسى إلى فرعون فطلب منه فرعون الدليل على صدق رسالته من الله تعالى فألقى موسى عصاه. ثالثا: .عندما اجتمع السَّحَرة وألقوا حبالهم وعصيّهم وسحروا أعين الناس، فألقى موسى عصاه. هذه هي المواطن الثلاثة حيث يلقي فيها موسى العصا في قصته مع فرعون. ولكن لماذا ألحية في (طوي) والثعبان أمام فرعون وقومه من المصريين؟؟ ونتساءل كيف تناول البيان الإلهي هذه القصة وكيف عبّر عنها، وهل هنالك أي تناقض أو اختلاف أو عشوائية في استخدام الكلمات القرآنية؟ الموقف الأول ..في الموقف الأول نجد عودة سيدنا موسى إلى مصر بعد أن خرج منها، وفي طريق العودة ليلاً أبصر ناراً فأراد أن يقترب منها ليستأنس فناداه الله تعالى، وأمره أن يلقي عصاه، فإذا هي تتحول إلى حيّة حقيقية تهتز وتتحرك وتسعى، فخاف منها، فأمره الله ألا يخاف وأن هذه المعجزة هي وسيلة لإثبات صدق رسالته أمام فرعون. ولو بحثنا عن الآيات التي تحدثت عن هذا الموقف، نجد العديد من الآيات وفي آية واحدة منها ذكرت الحيّة، يقول تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى *قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) [طه: 17-21]. الموقف الثاني أما الموقف فيتمثل بقدوم موسى عليه السلام إلى فرعون ومحاولة إقناعه بوجود الله تعالى، وعندما طلب فرعون الدليل المادي على صدق موسى، ألقى عصاه فإذا بها تتحول إلى ثعبان مبين. ولو بحثنا عن الآيات التي تناولت هذا الموقف نجد عدة آيات، ولكن الثعبان ذُكر مرتين فقط في قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 104-109]. (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ* قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الشعراء: 23-34]. الموقف الثالث بعدما جمع فرعون السحرة وألقوا الحبال والعصيّ وسحروا أعين الناس وخُيّل للناس ولموسى أن هذه الحبال تتحرك وتهتز وتسعى، ألقى موسى عصاه فابتلعت كل الحبال والعصي، وعندها أيقن السحرة أن ما جاء به موسى حق وليس بسحر، فسجدوا لله أمام هذه المعجزة. وقد تحدث القرآن عن هذا الموقف في العديد من سوره، ولكننا لا نجد أي حديث في هذا الموقف عن ثعبان أو حية، بل إننا نجد قول الحق تبارك وتعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الأعراف: 117]. التحليل البياني للمواقف الثلاثة لو تأملنا جيداً المواقف الثلاثة نجد أن الموقف الأول عندما أمر الله موسى أن يلقي عصاه وهو في الوادي المقدس، تحولت العصا إلى (حيَّة) صغيرة، وهذا مناسب لسيدنا موسى لأن المطلوب أن يرى معجزة،!! وليس المطلوب أن يخاف منها، لذلك تحولت العصا إلى حية. أما في الموقف الثاني أمام فرعون فالمطلوب إخافة فرعون لعله يؤمن ويستيقن بصدق موسى عليه السلام، ولذلك فقد تحولت العصا إلى ثعبان، والثعبان في اللغة هو الحية الكبيرة. وهكذا نجد أن الآيات التي ذُكرت فيها كلمة (ثعبان) تختص بهذا الموقف أمام فرعون. ولكن في الموقف الثالث أمام السّحَرَة نجد أن القرآن لا يتحدث أبداً عن عملية تحول العصا إلى ثعبان أو حية، بل نجد أن العصا تبتلع ما يأفكون، فلماذا؟ إذا تأملنا الآيات بدقة نجد أن السحرة أوهموا الناس بأن الحبال تتحرك وتسعى، كما قال تعالى: (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)[طه: 66]. وهنا ليس المطلوب أن يخاف الناس بالثعبان .ففي المناسبات العديدة يشاهد الناس الحبال والعصي مع السحرة تتحرك بسحر العيون وهذا النوع من السحر أردأ أعمال السحر ، وأيضا ليس المطلوب أن تتحول العصا إلى حية، بل المطلوب أن تتحرك العصا وتلتهم جميع الحبال والعصِيَ بشكل حقيقي، لإقناع السحرة والناس بأن حبالهم تمثل السحر والباطل، وعصا موسى تمثل الحق والصدق، ولذلك يقول تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوه ُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*فَغ لِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الأعراف: 115-122]. ونستطيع أن نستنتج أن الله تعالى حدد تحديدا ًدقيقا في كلماته وأن الكلمة القرآنية تأتي في مكانها المناسب، ولا يمكن إبدال كلمة مكان أخرى لأن ذلك سيخل بالجزء البلاغي والبياني للقرآن الكريم الذي قال الله عنه: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42]. إن المتتبع للسياقات القرآنية التي تتحدث عن قصة اللقاء الشهير لموسى مع ربه يستطيع أن يحدد بالضبط المكان الذي تم فيه اللقاء، فهو بلا شك المكان الذي تتوافر به العناصر الجغرافية التالية: الواد َهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (9) إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) (طه 9-12) الطور فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (القصص29) ج. شاطىء الواد الأيمن و البقعة المباركة و الشجرة.. فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص30) وتوافرت عوامل لحظية وهي النار: إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) (النمل 7-9) من عجائب القرءان انه يضع لفظة ((الغربي)) موضع ((الطور )) مطابقا ومرادفا له فى قوله عز وجل (وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا إلى موسى الأمر ) القصص-44 ثم يكرر الغربي بلفظ الطور لا يفصل بين القولين إلا آية.. (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ) القصص-46 وكأن الغربي بذاتها وبمحض لفظها اسم موضوع لهذا الطور المبارك. وقد ظن بعض مفسري القرءان مثال الإمام القرطبى أن الغربي خلاف الطور فقالوا إن الطور هو موضع المنادة الأولى ليلة انس موسى من جانب الطور نارا فأراد أن يقتبس.. إما الغربي فهو موضع إنزال التوراة وتلقى الألواح في مواعدة موسى ثلاثين ليلة أتمهن بعشر ولا يصح هذا الذي قالوا به لقول الله عز وجل في تعيين موضع المواعدة... (يا بنى إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) طه-80 وعليه .... فجانب الطور الأيمن إذا وجانب الغربي سواء والغربي والطور واحد التي جاءت في كل القران ثلاث مرات فقط كلها في وصف جانب هذا الطور أو شاطئه والجانب والشاطئ واحد ثم وصفه بانه (الغربي) التى وردت في القران مرة واحدة هي في اسم هذا الطور المبارك أو جانبه فقالوا إن الجبال لايمين لها ولا يسار ولاغرب ولا شرق وإنما هو الذى على يمين موسى والى الغرب من موسى.. ففي قوله تعالي.. نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ نجدها لا تفيد البحث لذلك نجد ما يفيد ويكمل ما نصبو إليه في قوله تعالي.. وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (القصص44) وثانيهما، المكان الذي تم فيه لقاء موسى ربه: فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل 7-9 فالله سبحانه قد بارك المكان الذي حول النار، وهو كذلك قد بارك المكان الأوسع: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وكانت هي الأرض التي ورثها القوم الذين استضعفوا: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وهي نفسها التي توجه إليها إبراهيم ولوط بعد ما جاء القحط وكاد يقتلهم هم وماشيتهم: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ الأنبياء (71) وهي نفسها التي كانت تجري فيها الرياح مسخرة لسليمان: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ الأنبياء (81) ولو دققنا في مفردات هذه الآيات لوجدنا التحديد الجغرافي للمكان، فعندما يذكر الله سبحانه لفظة تلك الأرض تكون المباركة فيها: مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ولعلنا نعلم جميعاً أن واحدة من معاني حرف الجر "في" هو داخل الشيء، فليست البركة للأرض كلها وإنما لجزء منها داخل تلك الأرض، وإذا كنا قد علمنا تلك الأرض بشكل عام، فكيف نحدد المكان المبارك بشكل خاص؟ إننا نعتقد أن المكان الذي تمت المباركة حوله هو بالضبط ما ورد في معرض الحديث عن اللقاءات الشهيرة التي حصلت لموسى مع ربه، وهي مكان النار: ولا شك أن جميع شرائع الأرض تقدس تلك البقعة الجغرافية من الأرض في حين أن تلك الشرائع لم تتولد فيها، فهي ليس أرض مولد وشريعة موسى، وهي ليست الأرض التي ولد فيها عيسي أبن مريم وهي ليست موطن رسالة محمد صلوات الله عليهم أجمعين، ولكن جميع تلك الشرائع تقدس تلك البقعة من الأرض وتعتبرها أرض مباركة، ويأتي سؤالنا عن سر هذا التقديس وهذه العلاقة مع تلك البقعة من الأرض على وجه التحديد.. وفي القصة نطرح سؤالاً آخر غريباً لكنه يلفت الانتباه وهو عندما ذهب موسى عليه السلام ليستطلع خبر النار، ناداه ربه على النحو التالي: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى والسؤال: لماذا طلب الله من موسى أن يخلع نعليه؟ ويأتي الجواب معللاً في الآية نفسها على نحو " إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى" أن موسى كان حينئذ في "واد"، وعندما عاد موسى للقاء ربه في المرة الثانية كان موسى أيضاً في نفس الواد، والدليل على ذلك هو أنه عندما طلب موسى رؤية الذات الإلهية مباشرة، كان رد ربه أن ينظر إلى الجبل، فالمنطقة بجغرافيتها تتضح في اللقاءين، وعندما منّ الله على بعض بني إسرائيل نتق فوقهم الجبل: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأعراف (171) ورفع فوقهم الطور، والمتتبع لقصة الطور يستطيع أن يلمح على الفور توافر عناصر الجغرافيا في المكان الذي نتحدث عنه: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (93) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا النساء (154) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا مريم (52.51) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُم ْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ طه (80) فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ القصص (46) وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) الطور 1-5 ونعود لقصة النعلين طارحين السؤال السابق نفسه: لماذا طلب الله من موسى أن يخلع نعليه في اللقاء الأول؟ إنها قدسية المكان والتي لا يضاهيها موطيء في الأرض نال قدسيتها.... نستنتج مما سبق مايلي... إن المكان جغرافيا يجب أن يتوافر فيه وادي فسيح وعن يمين موسي عليه السلام وهو ماضي في طريقه نحو النار جبل شريطة أن يكون عن يمينه وفي نفس الوقت يكون غربا وفي الجهة المقابلة لهذا الجبل جبل ثاني يكون شماله وأيضا في نفس الوقت شرقه كيف؟؟؟ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (القصص44) ظلال القران.... { ولما جاء موسى لميقاتنا ، وكلمه ربه ، قال : رب أرني أنظر إليك } . . إنها الوهلة المذهلة وموسى يتلقى كلمات ربه؛ وروحه تتشوف وتستشرف وتشتاق إلى ما يشوق! فينسى من هو ، وينسى ما هو ، ويطلب ما لا يكون لبشر في هذه الأرض ، وما لا يطيقه بشر في هذه الأرض . يطلب الرؤية الكبرى وهو مدفوع في زحمة الشوق ودفعة الرجاء ولهفة الحب ورغبة الشهود . . حتى تنبهه الكلمة الحاسمة الجازمة : { قال : لن تراني } . . ثم يترفق به الرب العظيم الجليل ، فيعلمه لماذا لن يراه . . إنه لا يطيق . . { ولكن انظر إلى الجبل ، فإن استقر مكانه فسوف تراني } . . والجبل أمكن وأثبت . والجبل مع تمكنه وثباته أقل تأثراً واستجابة من الكيان البشري . . ومع ذلك فماذا؟ { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } . . فكيف كان هذا التجلي؟ نحن لا نملك أن نصفه ، ولا نملك أن ندركه . . ولا نملك أن نستشرفه إلا بتلك اللطيفة التي تصلنا بالله ، حين تشف أرواحنا وتصفو ، وتتجه بكليتها إلى مصدرها . فأما الألفاظ المجردة فلا تملك أن تنقل شيئاً . . لذلك لا نحاول بالألفاظ أن نصور هذا التجلي . . ونحن أميل إلى اطراح كل الروايات التي وردت في تفسيره؛ وليس منها رواية عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الكريم لم يقل عن ذلك شيئاً . { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } . . وقد ساخت نتوءاته فبدا مسوًّى بالأرض مدكوكاً . . وأدركت موسى رهبة الموقف ، وسرت في كيانه البشري الضعيف : { وخر موسى صعقاً } . مغشياً عليه ، غائباً عن وعيه . { فلما أفاق } . . وثاب إلى نفسه ، وأدرك مدى طاقته ، واستشعر أنه تجاوز المدى في سؤاله : { قال : سبحانك! } . . تنزهت وتعاليت عن أن ترى بالأبصار وتدرك . { تبت إليك } . . عن تجاوزي للمدى في سؤالك! { وأنا أول المؤمنين } . . مما سبق يثبت يقينا أن الجبل اليمين الغربي من الوادي لابد وأن يكون به جزء دك دكا وسوي بالأرض وقد ساخت نتوءاته فبدا مسوًّى بالأرض مدكوكاً الدليل المادي الثاني ... وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (93) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا النساء (154) الإمام ابن كثير... { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ } وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة، وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى، عليه السلام، ورفع الله على رؤوسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا وسجدوا، وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقط عليهم، كما قال تعالى: { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (6) } [الأعراف: 171]. مما سبق ثبت انه لابد من وجود نتق جزء ليس باليسير من الجبل.... ولوجود العلم الحديث في زماننا هذا من علوم الأرض ستجعل من اليسير علميا تحديد الموقع علي أسس علمية بحثية وليس أسس ظنية كما أسلف كل فريق بنظريات ظنية أكثر منها أسس علمية بحثية صحيحة !!!!!