مشاهدة النسخة كاملة : مسائل وجوابات منثورة في أصول الفقه
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 10:56 AM
مسائل وجوابات منثورة في الأصول
هذه طائفة من المسائل والفوائد التي لها تعلق بأصول الفقه، لكنها وقعت منثورة هنا وهناك في روابط مختلفة، فأحببت جمعها هنا كي يسهل الرجوع إليها.
ولا أستغني عن إرشادات الإخوة الأفاضل والمشايخ الكرماء.
أخوكم/ أبو مالك العوضي
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:00 AM
السؤال:
ما معنى قول أهل العلم ( القطع والظن أمر إضافي ) ؟
الجواب:
قول أهل العلم (القطع والظن أمر إضافي) أي يختلف من إنسان إلى آخر؛ فإن الصحابي الذي يسمع الحديث من النبي يقطع بنسبته إليه، بخلاف الذي يسمعه بوسائط لا تفيد اليقين.
مثاله حديث (من كذب علي متعمدا) وسنة (المسح على الخفين)، وأحاديث المهدي، ورؤية الله، وحديث (تقتل عمارا الفئة الباغية)، وغير ذلك.
فكل هذه الأحاديث متواترة عند أهل العلم بالحديث، وقد يجهلها آحاد أهل العلم، أو تصل إليهم بطريق ظني لا قطعي، فيختلف الحكم على قطعية الشيء من إنسان إلى آخر.
وكما يختلف أهل العلم في الحكم على الحديث بالصحة أو الحسن أو الضعف، فكذلك يختلفون في الحكم عليه بالتواتر أو الاستفاضة أو الآحاد.
مثال آخر: (القياس) و(الإجماع)
الأكثرون من أهل العلم على حجية هذين، وقالوا: إن حجيتهما ثبتت بالقطع من مجموع الأدلة، مع أن آحاد الأدلة ظنية، إلا أنها ارتقت إلى القطع بانضمام بعضها إلى بعض.
والظاهرية يقولون: إن هذه الأدلة لا تفيد إلا الظن، فلا يأخذون بها
فاختلف الحكم على الشيء نفسه من جهة كونه قطعيا أو ظنيا باختلاف الأشخاص.
والله أعلم
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:00 AM
السؤال:
ما معنى قولهم ( الجمهور ) أو ( الأكثر ) أو نحو ذلك ؟
الجواب:
كلمة (الجمهور) وبعضهم يقول (الأكثر) وبعضهم يقول (العامة) أو (عامة أهل العلم) فكل هذه الألفاظ متقاربة، سواء وافق ذلك الدليل أو لم يوافق الدليل؛ لأن موافقة الدليل هذه أمر إضافي، فعدم موافقة الدليل تكون عندك أنت، أما هؤلاء العلماء فهم موافقون للدليل من وجهة نظرهم، ولا يتصور بأحد الأئمة مخالفة الدليل بالهوى.
ولا بد أن تكون الكثرة ظاهرة، فإن تقارب العدد بين الفئتين لم يكن أحدهما جمهورا وإن كان أكثر عددا.
والجمهور قد يختلف من عصر إلى عصر ومن مصر إلى مصر، فينبغي النظر إلى من أطلق هذا اللفظ (الجمهور) فقد يكون المشهور في بلده مخالفا لغيره، فإذا اتفقت كلمة أهل العلم على أن هذا هو قول الجمهور فبها ونعمت.
وبعض أهل العلم يطلق هذه الألفاظ على اصطلاحات أخص، فبعضهم يطلقها على غالب الأئمة الأربعة، فقد يتفق ثلاثة منهم على قول دون الرابع، فيحكمون بأنه قول الجمهور، وقد يكون من وافقوا هذا الواحد من غير الأربعة كثيرين.
وبعضهم يطلق هذه الألفاظ على علماء المذهب، فكأنه قال المعتمد في المذهب كذا.
وأيا كان الأمر فليس قول الجمهور دليلا على صحة القول، ولا حجة ملزمة للناس بالاتفاق، وإنما هو قرينة على رجحان القول، ولو كان قول الجمهور حجة ملزمة لما ساغ لأحد الأئمة أن يخرج عن قول جمهورهم، وما وجدنا أحدا من أهل العلم أنكر على أحمد مثلا أنه يخالف مالكا والشافعي، ولا وجدنا أحدا أنكر على الشافعي أنه يخالف مالكا وأبا حنيفة.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:01 AM
السؤال:
ما معنى هذين البيتين من السلم المنورق:
وعندهم من جملة المردود ......... أن تدخل الأحكام في الحدود
ولا يجوز في الحدود ذكر أو ............. وجائز في الرسم فادر ما رووا
الجواب:
هذان شرطان من شروط ( الحد )
والحد - كما تعلم - هو المعرّف المطرد المنعكس، أو الجامع المانع؛ يجمع كل ما يدخل فيه، ويمنع دخول ما ليس منه.
( وعندهم ) أي عند أصحاب هذا العلم ( من جملة المردود ) أي من الأشياء التي لا تصح ولا تسوغ ( أن تدخل الأحكام في الحدود ) أي أن يذكر في ضمن الحد حكم المحدود، كأن تقول: "الواجب ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه" فهذا لا يصح عندهم أن يكون حدا، وإنما هو "رسم".
( ولا يجوز في الحدود ذكر "أو" ) أي لا يصح أن تستعمل حرف "أو" في الحد، والمقصود "أو" التي للشك كقولك (الإنسان هو الضاحك أو الكاتب)، أما التي للتقسيم فيجوز إدخالها في الحدود، كقولك (العدد زوج أو فرد) (الكلمة اسم أو فعل أو حرف).
( وجائز في الرسم ) أي ويجوز كل ما سبق في التعريف بالرسم، والتعريف بالرسم أن تذكر الجنس القريب والخاصة كأن تقول: "الإنسان حيوان ضاحك"
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:01 AM
( استدلال طريف جدا )
من أجمل الكتب التي قرأتها كتاب ( ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان )
للعلامة ابن الوزير اليماني المتوفى سنة 840 هـ
وقد ناقش في الكتاب مسألة معرفة الراسخين في العلم بتأويل القرآن، وقول من قال: إنه لا يوجد شيء في القرآن لا يُعرف تأويله، واستدل على نقض هذا القول بأكثر من عشرين دليلا.
ولكن أطرف هذه الأدلة هو الدليل السادس عشر، بل هو أطرف دليل رأيته في حياتي؛ حيث قال:
(( الدليل السادس عشر: وهو ما يبطل دعواهم لذلك بحجة واضحة يعبَّر عنها بحروف مقطعة من جنس ما فهموه عن الله تعالى؛ فإن فهموا عنا مرادنا فيها سلَّمنا لهم، وإن لم يفهموا وَضَحَ الحق، فنقول في احتجاجنا عليهم: { الم، وكهيعص } ))
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:02 AM
السؤال:
(من خالف الجمهور، هل يعد قوله شاذا)؟
الجواب:
فإن كان الخلاف نادرا أو لا يكاد يعرف، أو انقرض، فيمكن أن يقال عن المخالف في هذه الحالة إنه شذ.
أما إن كان الخلاف مشهورا معروفا ولكن الجمهور على خلافه، فلا يقال عنه حينئذ إنه شذ.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:03 AM
السؤال:
هل هذا الكلام راجح أو مرجوح : ( ويسمى المندوب سنة ومستحبا وتطوعا وطاعة ... إلخ ) ؟
الجواب:
هذه اصطلاحات لا يقال فيها راجح ومرجوح ! فلا مشاحة في الاصطلاح !
ومختصر التحرير وشرحه الكوكب المنير خاصان بمذهب الحنابلة
والمشهور أن (السنة) و(المندوب) و(المستحب) و(التطوع) و(النفل) ونحوها ألفاظ مترادفة أو متقاربة في اصطلاح أكثر العلماء
والحنفية عندهم بعض الفروق بين السنة وغيرها من الألفاظ، فيجعلون السنة لما واظب عليه النبي http://majles.alukah.net/imgcache/2014/08/148.jpg دائما، ويجعلون تاركها آثما.
والمالكية أيضا عندهم فروق دقيقة بينها، بيَّنها صاحبُ المراقي بقوله:
فضيلة والندب والذي استُحب .............. ترادفـت ثم التطوع انتُخِبْ
رغيبة مـا فيـه رغـب النبي .............. بذكر ما فيـه من الأجر جُبي
أو دام فعله بوصـف النفـل .............. والنفـلَ من تلك القيود أخلِ
والأمرِ بـل أعـلم بالثـواب .............. فيه نبيُّ الرشـد والصـواب
وسنةٌ ما أحـمدٌ قـد واظـبا ............. عليـه والظـهور فيـه وجبا
وبعضـهم سمى الذي قد أكدا .............. منها بـ(واجب) فخذ ما قيدا
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:04 AM
السؤال:
ما الفرق بين قولنا (الإجماع بغير نص) وقولنا (الإجماع بغير مستند) ؟
الجواب:
هناك خلط يحدث كثيرا في هذه المسألة، وهو عدم التفريق بين قولنا ( الإجماع بغير نص )، وقولنا ( الإجماع بغير مستند )، والفرق واضح بينهما لمن تأمل.
فلو كان الإجماع لا يصح إلا بنص في خصوص المسألة المجمع عليها لكان الإجماع بلا فائدة إلا قليلا.
أما المقصود بـ(المستند) فهو الدليل أو السبب أو المرجع الذي رجع إليه أهل العلم في هذا الإجماع، وهذا المستند قد يكون قول صحابي، وقد يكون قياسا، وقد يكون عملا بقواعد الشريعة العامة، وقد يكون مراعاة للعرف، وقد يكون غير ذلك من الأمور التي هي أعم من النصوص.
ولو أجمع العلماء على مسألة واستدل كل واحد منهم بدليل مغاير للآخر فإن هذا الإجماع صحيح لم يقدح فيه أحد، فلو كان النص شرطا في صحة الإجماع لقدح ذلك في هذا الإجماع المذكور.
والقول المشهور عند أهل العلم أنه لا يلزم البحث عن مستند الإجماع، ولذلك فالخلاف في هذه المسألة خلاف نظري لا فائدة فيه؛ لأن مجرد ثبوت الإجماع يكفي في الاحتجاج، ولا يلزم معرفة الدليل الذي استندوا إليه، ولا يصح أن يقال: هذا إجماع بغير دليل؛ لأن عدم معرفتك لدليل أهل الإجماع لا يلزم منه عدمه كما هو واضح.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:05 AM
السؤال:
هل يمكن تطبيق قاعدة ( الأمر في الآداب للاستحباب على اللحية ) ؟
الجواب:
قاعدة (الأمر في الآداب للاستحباب) حتى لو افترضنا أنها قاعدة صحيحة متفق عليها، فهي إنما تطبق عند عدم وجود قرائن تدل على الوجوب بالاتفاق.
وهنا قرائن كثيرة تفيد الوجوب، ولذلك أنا أتعجب من الذين يستدلون على فرضية اللحية بقاعدة (الأمر المجرد من القرائن للوجوب)!! فإن هذا الأمر قد اقترن به قرائن كثيرة تفيد الوجوب، فكيف نقول: مجرد من القرائن.
ومن هذه القرائن:
= تعدد صيغ الأمر الواردة في الأحاديث مما يدل على شدة الاهتمام.
= اقتران النهي بمخالفة المشركين.
= اقتران النهي بمخالفة المجوس.
= ورود النص بالإنكار على المجوس.
= لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه حلق لحيته.
= فهم عشرات العلماء على مر العصور أنها للوجوب.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:05 AM
السؤال:
هل من مثال تطبيقي يثبت أن داود الظاهري أعمل القياس تطبيقا وإن أنكره تأصيلا؟
الجواب:
أنا أظن والله أعلم أن هذا السؤال لا يمكن الجواب عنه بجواب فاصل؛ لسببين:
أولا: لأن تصانيف داود لم تصلنا.
ثانيا: لأن كل مثال يمكن استخراجه يمكن أيضا أن يُورد عليه كثير من الإيرادات التي تخرجه عن كونه قياسا؛ لأننا لا نعرف معرفة تامة كيفية استدلال داود.
وأضيف شيئا آخر، وهو أنه إن كان مراد الأخ السائل أن يثبت تناقض داود لأنه أنكر القياس تأصيلا وذهب إليه عملا، فأحب أن أقول: إن هذا مسلك غير سليم؛ لأن (لازم المذهب ليس بمذهب) على الصحيح، وكذلك فكثير من العلماء قديما وحديثا يؤصلون أصولا ثم يخالفونها في بعض الفروع، فقل أن يسلم أحد من ذلك.
فلا أدري حقيقةً ما الفائدة العملية من هذا السؤال.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:06 AM
السؤال:
عندما نزلت آيات الحجاب، لماذا وقع الخلاف أساسًا ؟ فمن المؤكد أن الرسول عليه الصلاة والسلام تلاها ودرسها للصحابة رضي الله عنهم وتم حسم المسائل الفقيهة فيها و لم يعد هناك مجال للاختلاف فلم يكون باب التفسير مفتوحًا فيما يخص الأحكام الشرعية و المسائل الفقيهة؟
الجواب:
يظهر الجواب عن هذا السؤال بتعميم السؤال؛ فنقول:
- لماذا وقع الخلاف بين العلماء في كثير من مسائل الوضوء والصلاة التي هي أظهر وأشهر من الحجاب بمراحل؟ حتى اختلف العلماء هل كان النبي ينزل على يديه أو على ركبتيه؟ مع أن هذا أمر مشاهد ويتكرر يوميا مرارا!
- ولماذا وقع الخلاف في معظم الأبواب الفقهية وفي أشياء واضحة يراها الألوف المؤلفة مثل مسائل الحج حتى لقد وقع الخلاف بين العلماء في حج النبي هل كان مفردا أو متمتعا؟
- بل الأمر أعظم من ذلك، فلماذا وقع الخلاف بين الفرق المنتسبة للإسلام كالقدرية والجبرية والخوارج وغيرهم وبعضهم ظهر من قديم في الخلافة الراشدة؟
- ولماذا نرى العلماء يختلفون في تصحيح وتضعيف بعض الأحاديث؟ فمن المفترض أن النبي قد قالها وأمر الناس بالتبليغ والدين محفوظ، فكيف يقع مثل هذا الاختلاف؟
- ولماذا نرى العلماء يختلفون في أشهر أحداث السيرة حتى اختلفوا في قصة عائشة لما حبست الناس ونزلت آية التيمم فقال بعضهم سنة أربع وبعضهم سنة خمس وبعضهم سنة ست؟
- ولماذا نرى العلماء يختلفون في فهم آيات القرآن حتى الآيات التي هي وثيقة الصلة بحياة الناس اليومية ولها تعلق بالأحكام الفقهية، أليس من المفترض أن يكون النبي قد بين معاني هذه الآيات للصحابة كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}؟
- بل لماذا نرى المتأخرين يختلفون في أهم مهمات أصول الدين من مسائل العقيدة والصفات؟!
إلخ إلخ.
وبهذه الأسئلة وما أشبهها نستطيع أن نفهم أن هذا السؤال ينسحب على جميع مسائل العلم تقريبا وليس مختصا بالحجاب.
وجواب هذا السؤال يظهر من وجوه:
- أولا: أن الاختلاف بين الناس طبيعة بشرية لازمة لهم؛ لاختلاف الفهوم والعلوم والعقول، ومن ثم كان الاتفاق حجة إذ لا يحصل الاتفاق إلا بعصمة الله عز وجل للأمة.
- ثانيا: أن الله عز وجل ابتلى عباده بمثل هذه الاختلافات ليختبر اجتهادهم وبحثهم عن الحق.
- ثالثا: أن كثيرا من هذه الاختلافات نشأت بعد الاتفاق لخفاء قرائن الأحوال على من دون الصحابة، وإلى هذا يشير قول ابن عباس لعمر بن الخطاب: إن القرآن نزل علينا وعلمنا فيم نزل، وسيأتي بعدنا أقوام لا يعلمون فيم أنزل فيختلفون فيه؟
- رابعا: أن تأخر الأعصار عن نور عصر النبوة يؤدي إلى كثرة الاختلافات؛ لأن العلم يدرس مع الوقت والأمور تخفى ثم تزداد خفاء بعد حين، ولهذا عبدت التماثيل بعد أن كانت تذكيرا بقوم صالحين.
ولكن كل ما سبق لا يمنع الاستدلال بمثل هذا الإشكال أحيانا في بعض المسائل الفقهية وغيرها، وهي طريقة معروفة عند الحنفية في مسائل عموم البلوى.
فمثلا لو قال قائل: (الصلوات الخمس زادت فصارت ستا وهذه الصلاة السادسة فريضة على جميع المسلمين مثل الصلوات الخمس) فيقال له: هذا مستحيل بالضرورة؛ لأن هذا لا يمكن أن يخفى على بعض الأمة فضلا عن جميع الأمة.
ولو قال قائل: (إن النبي والصحابة سلكوا مسالك المتكلمين في تقرير مسائل العقيدة) لكان الجواب أن هذا مستحيل بالضرورة كمثل سابقه.
هذا ما حضرني الآن، والموضوع أوسع من هذا، ولعل هذه الإشارة تكفي.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:06 AM
السؤال:
هل يمكن أن يوجد استقراء تام؟
الجواب:
نعم يمكن أن يوجد استقراء تام قطعي إذا كانت الوقائع المطلوب استقراؤها محصورة، وذلك كأن يقال: لم يشتمل القرآن مثلا على كذا، وذلك بالاستقراء، أو يقال: كل ما في القرآن من (يا أيها الناس) مكي، وكل ما فيه من (يا أيها الذين آمنوا) مدني، وهذا مجرد تمثيل، وإلا ففي هذا الاستقراء نظر.
وكذلك يمكن أن يوجد استقراء تام إذا مرت أزمنة متطاولة يُدعى فيها هذا الاستقراء بغير أن يوجد ما يخالفه، وذلك كقول النحويين إنه لا يوجد قسم رابع للكلم غير الاسم والفعل والحرف، وذلك بالاستقراء التام.
السؤال:
كيف نقبل قول من يدعي الاستقراء التام؟
الجواب:
إذا ادعى بعض العلماء الاستقراء التام في مسألة، وكانت جزئياتها غير محصورة، فإن قوله يقبل إذا كان هو من المعروفين بسعة الاطلاع ووفور العلم، ولا يدفع كلامه إلا بإيراد جزئية تدحض هذه الكلية، ولا يكفي مجرد الرد بأنه يحتمل كذا وكذا.
= وأنبه على أنه يوجد خلاف بين الأصوليين في تعريف الاستقراء التام، هل يعم صورة النزاع أو لا يعمها، والظاهر من اسمه أنه يعمها، ولكن الأقرب إلى الواقع وإلى استعمال أهل العلم أنه لا يعمها، وإلا كان الاحتجاج به تحصيلا للحاصل.
= وقد جرت عادة أهل العلم في جميع العلوم تقريبا أن يحتجوا بالاستقراء، حتى لو كان ناقصا، وذلك إذا كان قريبا من اليقين، ولم يقدح في هذه الطريقة أحد من أهل العلم إلا ابن حزم (في التقريب)؛ بناء على أصله في عدم الاعتداد بالظن مطلقا.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:11 AM
السؤال:
قولنا ( عدم الاعتداد بالظاهرية ) ما المقصود بذلك ؟
الجواب:
إن كان المقصود عدم الاعتداد بهم لأنهم ليسوا مجتهدين؛ إذْ لم تتوفر فيهم شروط الاجتهاد، فهذا الكلام يمكن ادعاؤه في غيرهم من المجتهدين المعتبرين، وإذا كانت شروط الاجتهاد أصلا مما يمكن الاختلاف فيه، فقد صار القول بعدم الاعتداد بهم مصادرة على المطلوب.
وإن كان المقصود عدم الاعتداد بهم في مسائل القياس؛ لأنهم أنكروه، فصار هذا من باب زلة العالم، فهذا القول له وجاهته، ولكنه غير مختص بالظاهرية، بل هو موجود في جميع المذاهب، فلا يكاد يخلو مذهب من شذوذات، فالصواب على هذا الوجه أن يقال: لا يعتد بالأقوال الشاذة عند أهل العلم، وهذه طريقة الطبري وابن المنذر وابن عبد البر وغيرهم، لا يعتدون بالأقوال الشاذة ولو كانت من أقوال الأئمة الأربعة.
وأما من يذهب إلى عدم الاعتداد بأقوالهم لأنهم أغبياء ولا فهم عندهم، فهذا القول بعيد عن التحرير؛ لأن الغباء والذكاء مواهب ربانية لا تتعلق بخصوص الظاهرية، وكثير من الظاهرية الأذكياء، وإن كان كلامهم لا يخلو من شذوذ، ففي غير الظاهرية شذوذ أيضا، فالمقصود أن الشذوذ مرفوض مطلقا.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:12 AM
السؤال:
وجدت أكثر التعريفات ـ أعني في كتب الأصوليين العالمين باللغة ... ـ للحكم لغة : المنع ، ومنه حكمة الدابة ......... ثم يقولون : قال جرير : أبني حنيفة أحكموا سفهائكم .... أي امنوعهم ....
الذي أشكل عليّ : أليس هناك فرق بين مادة حكم وأحكم ؟
حكم يَحكُم حكماً ... من المنع، أحكم يحُكِم إحكاماً ... من الضبط والإتقان ...
أرجو الإفادة ،، وبارك الله فيكم ،،
الجواب:
وفقك الله وسدد خطاك
الإشكال نفسه وارد على كلام الأصوليين في كثير من الأبواب الأصولية، ووارد على اللغويين في كثير من الأبواب اللغوية، ووارد على المفسرين في كثير من الأبواب التفسيرية.
وبيان ذلك أنهم لا يتقيدون بذلك في بيان الأصل اللغوي للكلام، كما قالوا: التفسير والفسر من التفسرة، ومعلوم أن (فَسَرَ) غير (فسَّر)، وقالوا: الشهر من الاشتهار، ومعلوم أن (شهر) غير (اشتهر)، وقالوا: الصلاة صلة، ومعلوم أن (صلّى) غير (صلا)، وغير (وصل)، وهذا كثير عندهم.
ولكن المقصود يا أخي الكريم بيان اشتقاق الكلمة، وهذا ما يسمى عندهم بالاشتقاق الأصغر الذي يرد جميع مفردات المادة إلى معنى واحد، أو معانٍ محدودة، على طريقة ابن فارس المؤصلة تأصيلا بليغا في (مقاييس اللغة)، ولذلك فأنت تبحث عن (أحكم) و(حكم) كليهما في مادة واحدة من معجمات اللغة.
وهناك ما هو أبلغ من ذلك، وهو بحثهم في الاشتقاق الأوسط (أو الكبير على اختلاف الاصطلاح) مثل ما فعل ابن جني في كلامه على اشتقاق (القول) ببيان تقاليب الكلمة الستة، ومثلما فعل الرازي في كلامه على اشتقاق (العبر) ببيان تقاليبها الستة، وهذا كثير في كلامهم.
ثم إن هذا الكلام كله مبني على أن (الحكم) مصدر (حكم يحكم)، وهو غير مسلم، بل هو اسم مصدر بمعنى الإحكام، مثل الغُسل اسم مصدر بمعنى الاغتسال.
وأيضا فالإحكام ليس بمعنى الإتقان في قول الشاعر (أحكموا) بل هو بمعنى المنع، من باب توافق (فعل وأفعل) وهو كثير في كلام العرب حتى أفرده جمع من أهل العلم بالتصنيف.
(اعتراض على الجواب السابق)
أخي الفاضل : لم يتبين لي أن الحكم اسم مصدرٍ لا مصدر ، وأرى أن ثمة فرقاً بين الحكم والغُسل ... فالغسل : اسم مصدر من اغتسل يغتسل اغتسالاً ، واسم المصدر منه : غسلاً
أما الحكم : فمصدر لحكم يحكم حكماً ،، كطرق يطرق طرقاً ،،
ثم أخي الفاضل : ألا يكون كلام جرير بمعنى الضبط وهو قدرٌ زائد على المنع .
حتى يبقى معنى الإحكام : الضبط والإتقان
قوله تعالى : كتابٌ أحكمت آياته .. هل يمكن أن يأتي معنى المنع فيها ،، أم لا يتجاوز المعنى الضبط والإتقان . أرجو منك التكرم بالجواب ، وجزاك الله عنا كلّ خير .
الجواب:
قياس المصدر أن يأتي على (فَعْل) بفتح الفاء، ولا يمتنع ورود المصدر على (فُعْل) بالضم، ولكنه خلاف الأصل، وأنت ضربت مثالا على المصدر بقولك (طرق يطرق طرقا)، ومعلوم أن (الطرق) بفتح الطاء لا بضمها، فلا يصلح هذا للتمثيل، ويمكنك أن تمثل بأشياء أخرى كقولهم (شكر يشكر شُكرا) مثلا.
وأما بخصوص هذه المادة فإذا أردت المنع، فإن تصريف الفعل يكون (حكم يحكم حَكْما) بفتح الحاء، وليس بضمها، أما (الحُكم) بالضم فهو مصدر (حكم عليه حُكما).
وأما (أحكم) فهو يرد أيضا بمعنيين، وكلاهما يتصرف على المهيع (أحكم يُحكم إحكاما)، المعنى الأول - وهو الأصل - المنع أيضا، ومنه بيت جرير السابق، والمعنى الثاني - وهو الفرع - بمعنى الإتقان، ويقولون: هو مشتق من حكمة الفرس أو البعير وهو اللجام الذي يحيط بفكيه؛ لأنه يمنعه من الحركة.
ولا يمكن حمل بيت جرير على معنى الإتقان؛ إذ لا يقال: أتقنوا سفهاءكم.
وسبب المناسبة بين (الإتقان) و(المنع) أن الشيء المتقن هو الذي يكون ممنوعا من دخول الفساد، أو من ورود العوارض عليه، أو يكون ممنوعا من الزوال عن مواضعه.
وقريب من ذلك أيضا اشتقاق (العقل)، فهو مشتق من (عقال) البعير؛ لأنه يمنعه أيضا من الحركة، ولذلك يقولون: (إذا عقَلَك عقلُك عما لا ينبغي فأنت عاقل)، فالعقل في الأصل هو الذي يعقلك - أي يمنعك - من الأشياء الفاسدة، فاشتُق اللفظ المعنوي من اللفظ المادي كما هي عادة العرب في الاشتقاق.
وقريب من ذلك أيضا اشتقاق (الأسر) بمعنى إحكام الخلق، وهو في الأصل مشتق من (الإسار) وهو القيد الذي كانوا يقيدون به (الأسير) أي المأسور، فالأسر أيضا هو المنع أو الربط بالإسار، فصار الأسر هو الخلق؛ لأنه محكم متماسك، قال تعالى: {وشددنا أسرهم} أي أحكمنا خلقهم.
فكل هذه المواد (حكم) (عقل) (أسر) وغيرها، هي في الأصل بمعنى (المنع)، ثم عبر عنه بلازمه وهو الإتقان؛ لأن الإتقان ما هو إلا منع دخول الفساد على الصنعة.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:13 AM
السؤال:
ما الضابط في كوني متمذهبا؟ الأصول أو الفروع ؟
الجواب:
قد أجاب عن هذا الإشكال عدد من أهل العلم من علماء المذاهب؛ منهم الإمام النووي رحمه الله، ومنهم القاضي عبد الوهاب رحمه الله.
وبيان ذلك أن التمذهب معناه أن أصولك وافقت أصول الشافعي رحمه الله، إما تقليدا له في الأصول واجتهادا في تفريع للفروع عليها، وإما لأن اجتهادك في الأصول وافق اجتهاد الشافعي، وكذلك في باقي المذاهب.
والترجيح والاجتهاد مراتب عند أهل المذاهب، فمرتبة الترجيح في الأصول العامة هي للمجتهد المطلق، أما مرتبة الترجيح في الفروع فلمجتهد المذهب، فلا يلزم من مخالفة المذهب في الفرع الخروج عنه في الأصل.
ولذلك خالف الصاحبان أبا حنيفة رحمهم الله في كثير من مسائل المذهب، وقالوا: لو رأى صاحبنا ما رأينا لقال بقولنا؛ لأنهم بنوا على الأصول نفسها فلم يخرجوا عن الإطار العام للمذهب.
وهاهنا أيضا جواب آخر إجمالي يخرجنا تماما من الإشكال، وهو أن نسأل: التمذهب ما معناه؟
إن قيل: إن معناه الالتزام بأقوال المذهب وعدم الخروج عنها مطلقا، فحينئذ نكون قد صيرنا المذهب إلها معبودا، أو نبيا متبعا، وغاية الأمر في ذلك أن يكون ذلك جائزا للعامي للضرورة.
أما إن قيل: إن معناه تنظيم الدراسة لتكون على منهجية وخطوات واضحة مرتبة، فحينئذ نخرج تماما من هذا الإشكال.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:13 AM
السؤال:
الدليل الظني الثبوت قطعي الدلالة، هل ينشئ حكما قطعيا?
الجواب:
إذا اتُّفِق على المراد من قولنا (القطعي) و(الظني)، فحينئذ نقول: إن الظني وحده لا يمكن أن ينتج قطعيا؛ لأننا فرضناه ظنيا، والضعيف لا ينتج قويا، والفرع أضعف من الأصل، فإذا فرضناه ينتج قطعيا صار أقوى من الأصل، فصار أضعف وأقوى في حال واحد، هذا خلف.
لكن الدليل الظني الثبوت القطعي الدلالة ينتج حكما قطعيا في أحوال أخرى:
- منها أن ينضم له أدلة ظنية أخرى تقويه فيكون لاجتماعها من القوة ما ليس من الانفراد، ولهذا كان المتواتر قطعيا مع أن أفراده ظنية.
- ومنها أن ينضم له قرائن تقويه فترفعه من درجة الظنية لدرجة اليقين، كالحديث الصحيح الذي تلقته الأمة بالقبول.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 11:14 AM
السؤال:
ما مستند قاعدة ( الكثرة من أسباب الترجيح )
الجواب:
كون الكثرة من أسباب الترجيح هو أمر فطري أو بدهي في العقول أو حاصل بالتجربة المستمرة التي لا تتخلف فيقرب من العلم الضروري.
فإن العاجز عن شيء يستعين بغيره في تحصيله، والذي يحارب عدوه يستعين بأمثاله وأوليائه إذا ضعف عن مصاولة عدوه.
ولا شك عند أحد من العقلاء أن وضع صاعين في كفة الميزان يرجح على وضع صاع في الكفة الأخرى.
والذي يسمع الأخبار من واحد ثم يسمعها من غيره ثم يسمعها من ثالث ثم يسمعها من رابع يحصل له علم ضروري بزيادة علمه مع زيادة المخبرين، والكلام هنا عند استواء صفاتهم.
لأن الترجيح كما يحصل بالكثرة يحصل بالصفات، فحيث استوت الصفات كان الترجيح بالكثرة، ولذلك فإن العقل يحكم بالبديهة بأنه إذا تلاقى عشرة رجال مع رجل واحد في معركة وقد استوى الجميع في الصفات بأن العشرة يغلبون الواحد.
ومسألة الترجيح بالصفات هي أيضا عائدة إلى قاعدة الترجيح بالكثرة؛ لأنه يمكن أن يقدر في الذهن للصفات مقدار فبدلا من أن نقول: إن فلانا صادق وفلانا أصدق منه، نقول: إن مقدار صدق هذا أقل من مقدار صدق هذا، فيكون الترجيح بالكثرة أيضا، كما نقول إن فلانا أجود من فلان، بمعنى أن مقدار ما يجود به أكثر من مقدار ما يجود به الآخر، وفلانا أشجع من فلان بمعنى أننا لو قدرنا في الذهن قدرا للشجاعة فإننا نعلم بالضرورة أن قدر شجاعة هذا أكثر من قدر شجاعة هذا.
ولو لم تكن الكثرة من أسباب الترجيح لما استطاع من يسمع الأخبار المتعارضة أن يرجح بينها، ولما استطاع خصم أن يغلب خصمه، ولما ترجحت كفة على كفة.
ومن البين الواضح في الفطر السليمة أن المسائل الشرعية التي تواردت على إثباتها عشرات النصوص أقوى وأوضح في الذهن من المسائل التي لم تثبت إلا بنص واحد.
ومن البين الواضح في الفطر السليمة أن الأحاديث التي رواها عشرون أو ثلاثون من الصحابة تفيد الإنسان علما أقوى مما يفيده نقل صحابي واحد.
ولولا أن الكثرة تفيد ما لا تفيده القلة لما استطعنا أن نجزم بشيء من الأخبار، ونحن نقطع ونجزم بكثير من الأمور المنقولة إلينا مثل كون الإمام مالك أحد العلماء الأعلام، وكون الصين بلدا عظيما موجودا، وكون امرئ القيس كان شاعرا جاهليا، وغير ذلك من المنقولات إلينا.
وعلمنا بهذه الأشياء بالضرورة ليس كعلمنا بالأخبار المنقولة فذا عن فذ، أو لا يعرفها إلا المتخصصون في فنهم.
ولو لم تكن الكثرة من أسباب الترجيح لما أمكن التفاوت في هذه المعلومات؛ لأنه يبقى المنقول الأول مثل المنقول الثاني، وهو باطل قطعا.
فبرهان الترجيح بالكثرة ينتظم بدليل الخلف هكذا:
الكثرة إما أن تكون من أسباب الترجيح وإما أن لا تكون من أسباب الترجيح، فإن لم تكن من أسباب الترجيح كان المنقول إلينا بالتواتر مثل المنقول إلينا بالآحاد، وكان علمنا المستفاد بالسماع من واحد مثل علمنا المستفاد بالسماع من ألوف، وهذا باطل بالضرورة، فإذا بطل اللازم بطل الملزوم، ولم يبق إلا أن تكون الكثرة من أسباب الترجيح.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 07:43 PM
السؤال:
هل يمكن أن يقدم المفهوم على المنطوق؟
الجواب:
إذا اختلف نصان في الظاهر فالأصل أن نحاول الجمع بينهما بطرق الجمع المعروفة عند أهل العلم.
أما إذا لم نستطع الجمع، فحينئذ نلجأ إلى الترجيح، وطرق الترجيح المذكورة في الكتب كثيرة جدا؛ منها تقديم المنطوق على المفهوم، وليس ذلك بأقوى طرق الترجيح، فقد يكون هناك ما هو أقوى من ذلك.
مثل أن يكون المفهوم خصوصا والمنطوق عموما، لا سيما إذا كان عموما ضعيفا قد خصص، وكان الخصوص ظاهرا أو موافقا لأقوال الصحابة أو نحو ذلك من طرق الترجيح .
فقولنا ( تقديم المفهوم على المنطوق ) إنما ينظر فيه باعتبار عدم وجود مرجحات أخرى، فحينئذ لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم، أما إن كانت هناك مرجحات أخرى، فحينئذ ينظر في أقوى المرجحات فيعمل بها، وهذه طريقة كثير من المتقدمين ؛ يعملون بالشيء أحيانا ويدعونه أحيانا، فيظن الناظر بادي الرأي أن هذا تناقض، وما هو بتناقض، وإنما هو إعمال لأقوى المرجحات المتعلقة المسألة.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 07:43 PM
السؤال:
العالم الذي يقول : (قال الجمهور أو أجمع العلماء) هل يشترط أن يكون مسبوقا بذلك؟
الجواب:
لا يشترط أن يكون مسبوقا بالنص على الإجماع أو على الجمهور، ولكن يشترط ألا يكون مسبوقا بضد ذلك أو ما يخالفه، وكثير من المسائل المعاصرة يظهر فيها الإجماع أو قول الجمهور واضحا مع أنها ليست منصوصة في كتب الفقه، فمثلا: قد وقع الإجماع على جواز استعمال الكتب المطبوعة (بعد أن كان بعض العلماء يمنع منها) وهذا الإجماع لن تجده في كتب الفقه القديمة؛ إذ لم تكن الطباعة ظهرت أصلا.
والاستقراء في مثل هذه الأمور يقبل من العالم المعروف بالبحث والتحري والنظر والتقصي وسعة الاطلاع، ولا يسأل عن دليله عليه، ولو كنا سننتظر في كل إجماع أو في كل نقل عن الجمهور محكي عن أهل العلم أن يأتي صاحبه بدليل لما قبلنا قول أحد منهم.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 07:43 PM
السؤال:
ما معنى قول الشاطبي في الموافقات: "فإذا كان الحكم في القرآن إجماليا وهو في السنة تفصيلي، فكأنه ليس إياه ...".
الجواب:
الشاطبي رحمه الله يرد على الذين لا يقبلون من السنة إلا ما كان موافقا للقرآن.
يقول : يلزمكم ألا تقبلوا بيان السنة أيضا ؛ لأن البيان غير المبين ، إذ لو كان هو إياه من كل وجه لم يحتج إلى بيان أصلا .
فالحكم إذا ورد في القرآن إجماليا وورد في السنة مفصلا ، فأنت تتوقف عند ورود المجمل وتنتظر حتى يأتي البيان التفصيلي .
فصار الحكم الواجب عليك عند ورود المجمل هو التوقف ، والحكم الواجب عليك عند ورود المبين هو العمل ، فاختلف الحكم المطلوب منك إزاء كل منهما ، وهذا يدل على وجوب العمل بكل منهما .
والله أعلم .
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 07:44 PM
السؤال:
لماذا نجد اضطرابا كثيرا في مسائل الإجماع عند الأصوليين ؟
الجواب:
كثير من الأصوليين اضطربوا في مباحث الإجماع، وسبب اضطرابهم - والله أعلم - أنهم دائما يحاولون الفصل بين القطعي والظني في بحوثهم، فالأمور عندهم ليس فيها وسط، فإما قطعي وإما ظني، وما ليس بقطعي فهو ظني، وما ليس بظني فهو قطعي.
ولذلك كان في كثير من النتائج التي توصلوا إليها اضطراب واضح جعل بعضهم يلجأ إلى انتحال أقوال أشد فسادا ليخرج من هذا الاضطراب، فبعضهم - كالرازي والآمدي - جعلا الإجماع ظنيا مطلقا حتى لو ثبت ثبوتا قطعيا، وذلك لأن أدلة حجية الإجماع نفسها عندهم لا تفيد القطع، ولهذا نص الجويني وغيره على أن منكر الإجماع لا يكفر، مع أنه عنده قطعي، وإنما بنى ذلك على أن حجية الإجماع نفسها لا يكفر منكرها، فكيف يكفر منكر فرعها؟!
وبعضهم أبطل جميع الأدلة التي تدل على حجية الإجماع، أو على الأقل شكك في دلالتها، وبناء عليه انتحل القول بعدم حجية الإجماع أصلا، مثل ابن الفركاح الشافعي والطوفي الحنبلي والشوكاني وغيرهم.
وبعضهم أبطل الإجماع بناء على أنه لا يمكن وقوعه بعد عصر الصحابة لتفرق أهل العلم في الأمصار، وحتى إن وقع فلا يمكن العلم به، مثل ابن حزم وغيره، ولكن كلامه لا يخلو من اضطراب أيضا وخلط بين الإجماع وبين المعلوم من الدين بالضرورة.
ومن أسباب الخطأ في هذا الباب أيضا الخلط بين الإجماع وبين المعلوم من الدين بالضرورة، فإن التباين واضح جدا بينهما، ولا يمكن ادعاء الإجماع أصلا على المعلوم من الدين بالضرورة، وكذلك فثبوت المعلوم من الدين بالضرورة لم يعرف بالإجماع، وإنما عرف بالأدلة القطعية اليقينية، بحيث إن وجد المخالف فيه صار قوله ساقطا مردودا، فالعبرة هنا بالأدلة القطعية وليس بالإجماع؛ لأنه لو كانت العبرة بالإجماع لقدح فيه وجود المخالف، ولكن المخالف في المعلوم من الدين بالضرورة يقدح في أهلية هذا المخالف نفسها فلا يكون مخالفا في الحقيقة، وهذا في الواقع تحصيل حاصل، وليس من باب الإجماع في شيء.
ومن أسباب الخطأ أيضا في هذا الباب الخلط بين حجية (سبيل المؤمنين) وحجية (إجماع المؤمنين)، فإن التوعد المذكور في الشرع إنما هو الخروج عن (سبيل المؤمنين)، وليس عن (إجماع المؤمنين)، وليس في الشرع ما يدل على أن المعتبر في الإجماع إنما هم المجتهدون فقط دون غيرهم، ولا فيه بيان منصوص لشروط المجتهد، ولا فيه أن مخالفة الواحد تقدح في الإجماع.
وابن حزم أخطأ خطأ بينا عندما ذهب إلى حجية إجماع الصحابة دون غيرهم؛ بناء على أنهم في عصرهم كانوا هم جميع المؤمنين، ومن بعدهم لا يتحقق فيه هذا الشرط، وهذا في الحقيقة زلل واضح جدا؛ لأن إجماع الصحابة إنما يكون بعد عصر النبي ، وليسوا هم جميع المؤمنين اتفاقا في هذا الوقت.
ومن أسباب الخطأ في هذا الباب أيضا أن من يناقشون حجية الإجماع يعتمدون فقط على الأدلة التي ذكرها الأصوليون على حجيته، ومن المعلوم أن أول من احتج للإجماع هو الشافعي رحمه الله، ومن المعلوم قطعا أن الأئمة من قبل الشافعي والشافعي نفسه قبل احتجاجه هذا كانوا يستدلون بالإجماع، ولم يُسأل واحد منهم عن دليل حجية الإجماع، ولم يطعن أحد في احتجاج بعضهم بالإجماع، ولم يفكر أحد منهم أن يستدل لحجية الإجماع أصلا، لأن هذا شبيه بالتواتر المعنوي في الشريعة، أو بالقطعيات العقليات التي لا ينازع فيها إلا مجنون، وما كان الدليل الذي احتج به الشافعي إلا مثالا لبيان المراد، ولم يكن ليخفى على الشافعي رحمه الله أن هذا الدليل وحده بغير النظر في باقي موارد الشريعة ليس قاطعا في بيان حجية الإجماع كما فهم الشوكاني وغيره.
وخلاصة الإشكال في نظري - والله تعالى أعلم - أن كثيرا من الباحثين في هذه المسألة من القدماء والمحدثين يبنون كلامهم على مجرد النظر في كتب الأصوليين بغير استقراء لموارد الشريعة، في حين إن ذلك هو الطريق الوحيد الدقيق لبناء القواعد والضوابط الأصولية الشرعية.
والله تعالى أعلم.
(تكملة للكلام السابق ):
وهذه المسألة لصيقة الصلة باحترام العلماء، ولكن ليس هذا كل شيء، فالمشكلة أكبر من ذلك بكثير؛ لأن الذي يريد أن يبحث المسائل بنفسه ويرجح بين أقوال أهل العلم لا بد أن يقيم هذه الترجيحات على قواعد، وهذه القواعد لا بد أن تكون مبنية على استقراء موارد الشريعة، ولا يصلح أن تكون هذه القواعد مأخوذة من كتب مصطلح الحديث فقط أو من كتب أصول الفقه فقط؛ لأنه إذا كان سيقلد العلماء الذين وضعوا هذه القواعد، فلأن يقلدهم في الفروع التي استنبطوها من هذه القواعد أولى؛ لأن كلامهم في الفرع قطعي الدلالة، وكلامهم في الأصل ظني الدلالة، ولا نزاع في أن القطعي أولى بالقبول من الظني.
سأعطيك مثالا:
قاعدة (هل الأمر يفيد الوجوب) يحتاج إليها الباحث كثيرا في ترجيح بعض الأقوال على بعض، فيأتي إلى نص من نصوص الشرع مثلا فيه أمر، ويجد العلماء اختلفوا في الحكم المستنبط من هذا الأمر، فيقول بعض العلماء بالاستحباب، وبعضهم بالوجوب، فيأتي هذا الباحث ويقول: الأمر للوجوب، وهذا أمر، فالحكم المستفاد هو الوجوب.
فإذا أنت سألته (من أين عرفت أن الأمر للوجوب) يقول لك: الدليل حديث كذا وكذا.
فيقال له: وهذا الحديث الذي استدللت به، ألا يحتاج إلى قواعد لغوية لفهمه؟ ألا يحتاج إلى قواعد حديثية لمعرفة صحته وضعفه؟ ألا يحتاج لقواعد أصولية لاستخراج الأحكام منه؟
فكيف بنيت القواعد على نصوص مفردة، وهذه النصوص أصلا تحتاج لقواعد في فهمها!
فهذا دَوْر واضح لازم لا محيد له عنه.
وليس لهذا الدَّوْر من حل إلا ببناء القواعد على الاستقراء التام أو شبه التام لموارد الشريعة؛ لأن المعنى المستفاد من جملة نصوص الشريعة لا يرد عليه احتمال أو اختلاف في الفهم، بخلاف النصوص المفردة التي قد تختلف فيها الفهوم.
وقد أشرتُ لنحو هذا المعنى في هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88502
أبو مالك العوضي
2011-12-19, 07:44 PM
السؤال:
أبحث عن أمثلة لتخصيص السنة بالإجماع، وكذلك تخصيص الكتاب بالإجماع؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أشهر مثال على تخصيص السنة بالإجماع حديث ( الماء طهور لا ينجسه شيء )
أجمعت الأمة على تخصيصه بما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه؛ والحديث المروي في ذلك لا يصح، فلا يصح التخصيص به.
ومن الأمثلة على تخصيص الكتاب بالإجماع تحريم الميتة
خصص ذلك بالسمك والجراد، فإن قلنا الحديث الوارد في ذلك ضعيف فالتخصيص بالإجماع، وإن قلنا الحديث ثابت فالتخصيص بالسنة.
وإن أردت أمثلة كثيرة على تخصيص عمومات الكتاب فعليك بكتاب ( الإشارات الإلهية ) للطوفي، فقد تتبع آيات القرآن كاملة مع بيان العام الذي خص والذي لم يخص، مع فوائد أخرى لا يستغني عنها طالب العلم.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا حديث ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ).
فإنه مخصوص بما أعد للتجارة، ففيه الزكاة إجماعا.
أبو حاتم ابن عاشور
2011-12-21, 03:46 AM
بارك الله فيكم ونفع بكم
وأقترح عليكم من تمام الفائدة أن يُذكر مصدر الفائدة وبخاصة إذا كانت في غير موضعها من كتب الأصول
وفقكم الله تعالى
أشرف بن محمد
2011-12-21, 04:49 AM
جزاكم الله خيرا
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:33 AM
آمين وإياكم، وجزيتم خيرا على التشجيع.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:34 AM
السؤال:
لم أفهم ما سبب إعتراض الزركشي رحمه الله تعالى على إمام الحرمين (عند الحديث عن صيغة العموم ( أي)) إذ قال : (وَزَعَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ في بَابِ التَّأْوِيلِ أَنَّ ما الْمُتَّصِلَةَ بها لِلْعُمُومِ في نَحْوِ "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا" فَاعْتَقَدَ أنها ما الشَّرْطِيَّةُ وهو وَهْمٌ ... .. ثم قال: (... لَكِنَّ الصَّوَابَ أنها تَوْكِيدٌ لِأَدَاةِ الشَّرْطِ ...) ذكره في البحر (3/81)
فإمام الحرمين يرى أن( أي ) و (ما) كانتا من أدوات الشرط في الحديث المذكور سابقا
"وعند اجتماعهما كانتا أبلغ في العموم ", أليس كذلك ؟؟ ذكره في البرهان (1/341)
إلا لاأن الزركشي في كتابه السابق والتبعه البرماوي في الفوائد ( يرون أن "(ما ) إنما هي مؤكدة لعموم (أي ) ولا تدل على العموم أصالة في هذا الحديث وإما جاءت من قبيل التكرار اللفظي"
كيف يكون من قبيل التكرار اللفظي , والذي حكى هذا القول هو المصطفى عليه الصلاة والسلام, وهو أفصح الناس بلاغة وبياناً، بل طريقة الجويني أقوى في استظهار دلالة العموم
ولاسيما أن القول من الرسول عليه السلام إنما جاء لتأسيس شرع جديد ؟ (لا أعلم )
نرجوا درء الإشكال والله ولي التوفيق
الجواب:
لعل الصواب (من قبيل التوكيد اللفظي)
ولا نزاع بين أهل اللغة على أن "ما" في (أيما) ليست شرطية؛ لأنه لا يصح أن تدخل أداة شرط على أداة شرط
فما قاله الجويني سبق نظر غير مقصود، ولا يُظن بمن هو دون الجويني أن يقع في مثل هذا الخطأ
ولذلك جزم الزركشي بأنه وهم.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:35 AM
السؤال:
ما أفضل متن يحفظ في أصول الفقه ؟
الجواب:
الكلام على أفضل متن ينبغي أن يكون مقرونا بالأمر المعتبر في الأفضلية؛ لأنه لا يكاد يوجد شيء أفضل بإطلاق.
فمثلا لا يصح أن يقال إن المراقي أفضل من نظم الورقات؛ لأن كلا منهما موضوع لمرحلة مختلفة
وكذلك فالمتن الأطول عادة يكون أفضل من جهة الإحاطة، لكن الأقصر أفضل من جهة إمكان الحفظ
وكذلك ينبغي أن ينظر إلى اشتهار المتن عند أهل العلم وعنايتهم به من جهة الشروح ونحو ذلك؛ إذ لا معنى للاشتغال بمتن نادر لا يعرف عنه أحد شيئا والاشنغال به عن غيره
وكذلك فالمتون المنثورة أفضل من جهة دقة السبك وتحرير العبارة لكن المنظومة أفضل من جهة سهولة الحفظ والاستحضار والاستشهاد
والذي أراه أن الأفضل إجمالا بالنظر إلى معظم جهات الأفضلية هو متن مراقي السعود
ولا شك أن الكوكب الساطع أوسع من المراقي؛ لكن المراقي أقصر فيسهل أمرها بخلاف الكوكب الذي هو مظنة الانقطاع
وكذلك فالمراقي شروحها كثيرة بخلاف الكوكب
وكذلك فالمراقي عبارتها مسبوكة والتضمين فيها قليل بخلاف الكوكب
وللفائدة ينظر هنا:
http://www.alukah.net/Social/0/22001/
وهنا:
http://www.alukah.net/Social/0/24689/
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:35 AM
السؤال:
أسأل عن أهمية كتاب المعالم في أصول الفقه للرازي؟
الجواب:
كتاب المعالم شرحه ابن التلمساني وحقق في رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى.
وأهمية كتاب المعالم للرازي تأتي أساسا من أمرين:
الأول: أنه آخر كتبه الأصولية فعليه الاعتماد في معرفة آخر أقواله.
الثاني: أنه وضعه على نهج الاختصار وحسن الترتيب والتبويب ليسهل تحصيله وتتوجه الهمم لشرحه، كما فعل أيضا في المعالم في أصول الدين، الذي شرحه ابن التلمساني أيضا.
وللتوسع راجع الرسالة المذكورة ص 87
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:35 AM
السؤال:
هل تدرس القواعد ليستدل بها على الفروع، ويعترض بها على تفاصيل كلام أهل العلم ؟
الجواب:
هذه مسألة يغفل عنها كثير من طلبة العلم، وهي أن القواعد وضعت لتيسير العلم، وجمع منثور المسائل، ولم توضع لتكون سيفا مصلتا على كلام أهل العلم، فتصفهم بالوهم والخطأ لأنهم خالفوا القاعدة !!
هؤلاء هم الذين وضعوا لك القاعدة أصلا كي يسهلوا عليك حفظ العلم ! وهم ليسوا بحاجة ماسة إليها؛ فعلمهم أكبر منها، وقدرهم أعلى منها، وقد عرفوا من المسائل ما يغنيهم عنها، ونهلوا من عين الشريعة ما يرفع درجتهم عن الاحتياج إليها !
يأتي طالب علم صغير ما أكمل كتابا واحدا في علم الحديث يقول: أخطأ البخاري !!
لماذا؟ لأنه أعل هذا الحديث، مع أن راويه ثقة، وزيادة الثقة مقبولة !!
يأتي غمر لا يفرق بين الكوع والكرسوع ليقول: أخطأ الخليل وسيبويه !
لماذا ؟ لأنهما لم يقفا على قول الشاعر كذا وكذا !!
يأتي طفل فيقول: كلام الإمام أحمد خطأ !
لماذا ؟ لأنه لم يقف على هذا الحديث (وهو الأربعين النووية !!)
ليس المراد من القواعد والضوابط أن تكون مثل القرآن والسنة بحيث نحتكم إليها، وإنما المراد منها التقريب والتيسير والتسهيل عليك يا أيها المبتدئ !! فكيف تريد أن تقابل الإحسان بالإساءة !
أحسن إليك هؤلاء العلماء بمثل هذا الصنيع الذي يختصر عليك مجلدات في أسطر معدودة، فتريد أن تجعل هذا التقريب حجة لك في هدم كلامهم ؟!!
نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، إنه على كل شيء قدير.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:36 AM
السؤال:
أسأل عن أهمية كتاب الكاشف للرازي في أصول الفقه ؟
الجواب:
كتاب الكاشف للرازي ليس هو في أصول الفقه، وإنما في علم الجدل.
وهو يشبه كتاب (علم الجذل في علم الجدل) للطوفي، ولكن النفس الأصولي في كتاب الرازي أوضح بكثير.
كما أن الرازي ذكر كثيرا من الحدود المهمة لما يكثر استعماله في الجدل والمناظرات بخلاف الطوفي.
وكثير من مباحث علم الجدل تجدها مبثوثة في كتب أصول الفقه، ولذلك يشتبه الأمر بين العلمين.
ولذلك قال الطوفي في مقدمة كتابه: إن علم الجدل هو علم أصول فقه خاص.
وقال في موضع آخر: إن النسبة بين الجدل والأصول كنسبة المنظوم إلى المنثور.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:36 AM
السؤال:
أسأل عن مسألة القياس في اللغة والثمرة التي يذكرها الأصوليون لذلك وخلافهم لعلماء اللغة ؟
الجواب:
أما علماء اللغة فلا نزاع بينهم في أنه لا قياس في اللغة، فيما وقفت عليه ، يعرف هذا من صنيعهم العملي في الكلام على الألفاظ .
وأما علماء الأصول فقد نصوا على أن هذا هو مذهب الأكثرين ، ونازع في ذلك السيوطي رحمه الله بذكر القائلين من الطرفين .
وأما الثمرة التي يذكرونها وهي الاستناد إلى النص بدلا من القياس، فهذا غير صحيح؛ لأنك لو لم تقل بالقياس في اللغة لزمك الاستناد إلى القياس الشرعي، وإن لم تحتج إلى القياس الشرعي لزمك الاستناد إلى القياس في اللغة، ففي الحالين تحتاج إلى القياس ( سواء اللغوي أو الشرعي ) ، فلا يصح حينئذ أن يقال إن في أحد الطريقين اجتنابا لمشكلات القياس .
وأما أن علماء الأصول لا يأبهون بمخالفة أهل اللغة ، فإن كنت تقصد فيما يخص مسائل الأصول فهذا وارد ؛ لأن كل علم يؤخذ من أهله ، وإن كنت تقصد فيما يخص مسائل اللغة فالأصوليون يستندون أساسا إلى اللغويين في كلامهم ، ويتخيرون من أقوالهم ، ولم يقل أحد من الأصوليين - فيما علمت - إنه يجوز الخروج عن إجماع اللغويين .
وأما أن الخلاف لفظي فيمكن أن يقال : إن الخلاف لا ثمرة له ، أو له ثمرة نظرية لا عملية .
والله أعلم .
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:36 AM
السؤال:
هل هناك مسائل نقل فيها إجماعان متعارضان ؛ كأن يدعي بعضهم الإجماع على أن كذا واجب ، ويدعي بعضهم الإجماع على أنه غير واجب؟
الجواب:
المسائل التي نقل فيها إجماعان متعارضان ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنها كثيرة جدا (أظن في التسعينية).
وذكر ابن القيم أنها نحو مائتي مسألة (في إعلام الموقعين).
وأنا أظن أن المسائل التي يقصدانها أكثرها في مسائل الاعتقاد؛ لأن المسائل الفروعية التي ادعى فيها الطرفان الإجماع يصعب أن تبلغ هذا العدد.
وللفائدة ينظر هنا:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=356
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:36 AM
السؤال:
بعض الأصوليين ينفي أن يكون الخاص الذي يراد به العام مما عرفته العرب في لغتها ... وبعضهم يثبت ذلك، فما الضابط ؟
الجواب:
ينبغي أولا أن نحدد ما المقصود بقولنا (الخاص الذي يراد به العام) ؟
فإن كان قصدنا أن اللفظ المنطوق به خاص، ولكن المتكلم يقصد به التعميم لقرائن أو أدلة أخرى خاصة بهذا الموضع بعينه، فهذا كثير في كلام العرب؛ لأن معرفة مرادات النفوس لا يتوقف على ما يدل عليه اللفظ في ذاته.
فمثلا نحن نعرف أن النصوص الشرعية المبدوءة بـ(يا أيها النبي) هي عامة لجميع المسلمين (باستثناء ما ثبتت خصوصيته)، وكذلك قوله تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} لأننا عرفنا من أدلة أخرى أن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين.
فهذا النوع لا شك في وجوده، ولا نزاع فيه بين العلماء.
وإن قصدنا أن للعرب نهجا وطريقا مسلوكا في التعبير بالخاص عن العام، فنقول: هذا لم يثبت عن العرب إلا في مواضع مخصوصة، منها:
1- ضرب الأمثال: كقولهم: رجعت بخفي حنين، والصيف ضيعت اللبن وغير ذلك كثير، فمن الواضح أن المقصود ليس قصر اللفظ على حنين ولا على الصيف، ولكن المراد استعمال المثل لتثبيت الحكمة في الأذهان.
2- التعريض دون التصريح، كما لو قلت مثلا: (أنا لا أفعل الحرام) تريد أن تعرض بصاحبك الذي يقع في الحرام، فاللفظ خاص فيك أنت، ولكن المعنى عام أنه (لا ينبغي لأحد أن يفعل الحرام).
3- التصريح بالغالب الشائع، كقوله تعالى: {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} فهو خاص في الأضعاف، لكنه شامل للضعف والضعفين.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:37 AM
السؤال:
هذه جمل وجدتها في شرح الشيخ بن عثيمين على نظم الورقات فأشكلت علي فأرجو من حضراتكم التفضل بتوضيحها ((تصور الشيء بدون حكم هل يسمى فقها؟))
وكذلك قال حين تعرض للكلام عن ترتيب الأحكام التكليفية: ((وترتيبها_أي:الأ حكام التكليفية_ على ما تريد, لكن الأحسن أن ترتبها إما على الأشد ، وإما على الشيء مع مقابله))
الجواب:
( تصور الشيء ) أي وجود صورة ذهنية له في عقل الإنسان، فأنت مثلا إذا سمعت عن ( بيع العينة )، فربما لا تعرف معنى هذا الكلام، فإذا قيل لك مثلا: إن معناه كذا وكذا، فهذا تصور، أي فهم للمعنى.
وهذا يختلف عن الحكم عليه، لأن معرفة المعنى تختلف عن معرفة أحرام هو أم حلال؟
فمعرفة المعنى غير معرفة الحكم.
( ترتيبها ) أي إذا أردت أن تذكر الأحكام التكليفية فماذا تقول؟
= حرام - مندوب - واجب - مباح - مكروه.
هذا مجرد ذكر للأحكام التكليفية لم يراعَ فيه ترتيب معين، أما إذا أردت أن تراعي ترتيبا معينا، فالأحسن أن ترتبها ابتداء بالأشد؛ الحرام ثم الواجب ثم المكروه ثم المندوب ثم المباح.
وإما على الشيء مع مقابله، وهو أعم مما سبق، فتقول: الواجب ثم الحرام ثم المندوب ثم المكروه ثم المباح.
وإما على الأشد على الإنسان، أي الأكثر أهمية عند اعتباره؛ فالمحرم أهم من الواجب؛ لأن النبي قال: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)، فذكر الاستطاعة في الواجب دون المحرم.
والمكروه أشد من المستحب؛ لأن مطالبة الإنسان باجتناب المكروه أهم من مطالبته بفعل المستحب، ويلام على فعل المكروه أكثر من لومه على ترك المستحب.
وآخر المنازل هو المباح لأنه يستوي فيه الفعل والترك.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:37 AM
سؤال:
هل يعمل بالحديث الضعيف في الفقه ؟
الجواب:
هذه المسألة طويلة الذيل وفيها كلام كثير بين الباحثين، ولكن أحببت المشاركة بإشارة لعلها تفيد:
الحديث الضعيف ما هو؟
يطلق الضعيف ويراد به ما هو باطل، ويطلق الضعيف ويراد به ما لا ينطبق عليه شروط الصحة الاصطلاحية
وكذلك يطلق الضعيف ويراد به المرسل، ويطلق الضعيف ويراد به ما تفرد به خفيف الضبط، ويطلق الضعيف ويراد به ما تفرد به راو مختلف فيه
فالمقصود أن الضعيف أنواع كثيرة وجميعها قد يطلق عليها الضعيف ولا يظهر المراد إلا من القرائن والاستقراء
وبناء على هذا فلا يصح أن يطلق الحكم ويقال (يعمل بالحديث الضعيف) أو (لا يعمل بالحديث الضعيف) لأن الأمر يختلف بحسب المقصود بكلمة (ضعيف)
والذي لا ينبغي أن يشك فيه أن الحديث إذا كان ضعيفا بمعنى أن نسبة معناه إلى الشارع باطلة فلا يصح الاحتجاج به، وهذا المعنى غاب عن بعض المتأخرين الذين اتكئوا على قاعدة (الاحتجاج بالضعيف) في تمرير أحاديث يعلم أهل الحديث أنها باطلة لا تصح نسبتها لصاحب الشريعة، بدعوى أن سندها لم يصل إلى درجة الوضع وأن قصاراها أن تكون ضعيفة السند، والضعيف يعمل به !!
كحديث أنا مدينة العلم، وحديث استحباب زيارة قبر النبي وغيرها.
وهذا فهم غير صحيح لتصرفات العلماء، وإنما يمكن أن يقال: يعمل بالحديث الضعيف إذا كان محتمل النسبة إلى صاحب الشريعة ولم يعارضه ما هو أقوى منه
والناظر في تصرفات أهل العلم قد يظن ببادي الرأي أن فيها تناقضا؛ إذ يأخذون بالضعيف أحيانا ويردونه أحيانا، ويقبلون رواية الراوي أحيانا ويردونها أحيانا، ويسمون الحديث ضعيفا ويعملون بمعناه،ومن المشهور عن الإمام أحمد قوله في ذلك عن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
إلى غير ذلك من التناقضات في الظاهر
ولكن عند التأمل يظهر أن ليس في الأمر تناقض، وإنما هي مرتبة عالية من العلم وصلوا إليها وخفيت على الناظر المتعجل.
وبيان ذلك أن الأدلة مراتب ودرجات ففيها ما هو في أعلى درجات الحجية وفيها ما هو في أدنى درجات الحجية، وبينهما مراتب كثيرة لا تنحصر،
وإنما تتفاوت منازل العلماء في العلم بحسب الإحاطة بهذه المراتب وترتيبها، ومعرفة ما يقدم منها وما يؤخر، لأن التعارض بين الأدلة لا تكاد تخلو منه مسألة، قال صاحب المراقي:
وقد خلت مرجحات فاعتبر .......... واعلم بأن كلها لا ينحصر
قطب رحاها قوة المظنة ...... فهي لدى تعارض مئنة
والعلماء حينما يقعدون القواعد ويؤصلون الأصول، إنما يكون هذا بافتراض عدم وجود أدلة أخرى، هل المفهوم حجة أو ليس بحجة؟ هل المرسل حجة أو ليس بحجة؟ هل قول الصحابي حجة أو ليس بحجة؟ هل الإجماع السكوتي حجة أو ليس بحجة؟ وهكذا
أما عند التطبيق فلا بد من النظر في جميع أدلة المسألة الإجمالية والتفصيلية ثم الموازنة بين هذه الأدلة لمعرفة الجانب الأقوى الذي تؤيده هذه الأدلة.
فيأتي المتعجل فيرى العالم يحتج بقول الصحابي في مسألة ويرد قول الصحابي في مسألة، فيظنه متناقضا، وليس ثم تناقض، وإنما عمل بقول الصحابي حيث لم يجد أقوى منه، وترك قول الصحابي حيث وجد ما هو أقوى منه، وقل مثل هذا في المرسل الذي يأخذ به العالم مثلا إذا لم يجد ما هو أقوى منه، ويتركه في مسألة أخرى لأنه وجد أقوى منه، وهكذا.
وقد دخل محمد بن أسلم الطوسي الإمام المشهور على الخليفة فسأله عن مسألة فأجابه واحتج بحديث فقال له الخليفة هذا حديث ضعيف، فقال له: أعمل به حتى يجيء أصح منه.
فهذه العبارة تلخص لك فقه المسألة، لأن بعض طلبة العلم يظن أن الحديث إما أن يكون حجة مطلقا أو لا يكون حجة مطلقا، وهذا خطأ، بل قد تأخذ بالحديث في مسألة وتتركه في مسألة؛ لأنه في المسألة الأولى لم يعارضه ما هو أقوى منه، وفي المسألة الثانية قد عارضه ما هو أقوى منه، ومعلوم أن العمل بالراجح دون المرجوح متفق عليه بين العقلاء
نعم قد يختلف العلماء في تقديم شيء على شيء وتأخيره، ولكنهم متفقون على القاعدة العامة وهي أن الأدلة متفاوتة في مراتبها، وأن الترجيح يكون بأخذ الأقوى فالأقوى بالنظر إلى مجموع ما يتعلق بالمسألة.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:37 AM
السؤال:
كيف نقرأ المطولات في أصول الفقه وغيرها ؟
الجواب:
قراءة المطولات تسهل بحفظ المتون، حتى لو لم يكن الكتاب شرحا للمتن المحفوظ.
فمثلا الذي يحفظ الزاد يسهل عليه جدا قراءة المغني، لأن التقارب كبير بين مختصر الخرقي وزاد المستقنع.
والذي يحفظ الموطأ يسهل عليه قراءة التمهيد والاستذكار.
والذي يحفظ ألفية ابن مالك يسهل عليه قراءة الشروح المطولة كشرح الشاطبي.
وهكذا.
فإن لم تكن تحفظ المتن، أو لم يكن الكتاب أصلا شرحا لأحد المتون، فأفضل وسيلة لقراءة المطولات أن تمر على الكتاب ابتداء مرا سريعا جدا تحصل فيه العنوانات والأبواب وجمهرة المسائل.
ثم بعد ذلك تعود إلى قراءة الكتاب كاملا فإنك تجد حينئذ أن قراءتك أسرع وأسهل، وأنك أكثر شوقا لمتابعة القراءة.
وينصح علماء الذاكرة بعدم مواصلة القراءة في كتاب واحد أكثر من نصف ساعة؛ فإن احتجت إلى ذلك فتوقف عن القراءة مدة يسيرة لتنشيط الذهن، ثم عد إليها مرة أخرى.
ويمكنك في هذه المدة اليسيرة أن تقرأ شيئا آخر أو أن تشارك في المنتديات أو غير ذلك.
من الوسائل المعينة أيضا على قراءة المطولات : استخراج الفوائد، وذلك لسببين:
- الأول: أن هذا يساعد الذهن على متابعة الأفكار المقروءة.
- الثاني: أنك إن أردت العودة لمراجعة الكتاب، فحينئذ يكفيك أن تطالع هذه الفوائد فتتذكر الأفكار الأساسية في الكتاب.
وقد سرت على هذه الطريقة في كتابين مطولين لشيخ الإسلام، وهما:
- درء تعارض العقل والنقل، وينظر هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=971988
- بيان تلبيس الجهمية، وينظر هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=966275
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:37 AM
السؤال:
ما العمل إذا تعارض عموم منطوق مع خصوص مفهوم أيهما يقدم؟
الجواب:
وفقك الله وسدد خطاك
أولا: مسائل المنطوق والمفهوم فيها خلافات كثيرة بين أهل العلم، فلا تظن أن يكون الجواب قولا واحدا.
ثانيا: صيغ العموم تتفاوت قوة وضعفا، فليست على درجة واحدة؛ فمثلا عموم قوله تعالى: {كل من عليها فان} من أقوى العمومات، فلا يتساوى مع عموم (ال) الجنسية مثلا.
ثالثا: أنواع المفهوم تتفاوت كذلك، وفي كثير منها خلاف، وأقواها ما إذا كان الكلام مبنيا على التقسيم مع ترك أحد الأقسام اختصارا؛ كما إذا قلت: (الناس قسمان فالسعيد منهم كذا)، فيفهم من الكلام أن غيره ليس كذلك، فهذا مفهوم ولكنه في قوة المنطوق، ومن هذا الباب حديث (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) خلافا لمن عده مفهوما وقدم عليه عموم حديث (الماء طهور لا ينجسه شيء).
رابعا: يشترط في حجية المفهوم أن لا يخرج مخرج الغالب، ومعنى خروجه مخرج الغالب أن يكون المذكور معه هو الغالب الكثير فيه بحيث ينصرف الذهن إليه لو لم ينص عليه، وينظر في ذلك كلام القرافي في الفروق فهو نفيس.
خامسا: الحنفية يرون أن صيغة العموم قطعية الدلالة، فهي لذلك مقدمة على المفهوم (وإن كانوا لا يقولون بغالب المفهوم أصلا).
سادسا: ينبغي أن يفرق كذلك بين العموم المخصوص والعموم المحفوظ؛ لأن دلالة العموم المخصوص أضعف.
سابعا: خلاصة ما سبق أن دلالات العموم تختلف قوة وضعفا، ودلالات المفهوم الخاص تختلف كذلك، ومن ثم لا يصح إصدار حكم واحد في الترجيح بينهما، بل ينظر إلى أقوى الدلالتين فيرجح، وفي هذا مجال واسع لاختلاف العلماء؛ لأن معظم خلافات العلماء أصلا في تقديم دليل على دليل، واختيار أقوى الدلالتين، ولهذا ترى بعضهم يأخذ بدليل في موضع ولا يأخذ بنفس الدليل في موضع آخر؛ لأنه في الموضع الأول لم يجد أقوى منه، وفي الموضع الثاني وجد ما هو أقوى منه.
ثامنا: إنما كتبت ما سبق؛ لأني رأيت مشايخنا الكرام تأخروا عن جوابك، وما كان لي أن أتقدم بين أيديهم، ولكن إذا صوح النبت رعي الهشيم، والله المستعان.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:38 AM
السؤال:
ما معنى قول ابن القيم: ( المندوب إذا اعتبرته اعتبارا أعم من الاعتبار المتقدم وجدته خادما للواجب لأنه إما مقدمة له أو تذكار به كان من جنس الواجب أولا، فالذي من جنسه كنوافل الصلوات مع فرائضها ونوافل الصيام والصدقة والحج وغير ذلك مع فرائضها والذي من غير جنسه كطهارة الخبث في الجسد والثوب والمصلى والسواك وأخذ الزينة وغير ذلك مع الصلاة وكتعجيل الإفطار وتأخير السحور وكف اللسان عما لا يعنى مع الصيام وما أشبه ذلك فإذا كان كذلك فهو لاحق بقسم الواجب بالكل وقلما يشذ عنه مندوب يكون مندوبا بالكل والجزء ويحتمل هذا المعنى تقريرا ولكن ما تقدم مغن عنه بحول الله).
فما معنى : فهو فهو لاحق بقسم الواجب بالكل وقلما يشذ عنه مندوب يكون مندوبا بالكل والجزء ويحتمل هذا المعنى تقريرا ولكن ما تقدم مغن عنه بحول الله. ... و جزاكم الله خيرا
الجواب:
عندما قرأت الكلام قلت في نفسي: هذا ليس بأسلوب ابن القيم، وإنما هو أسلوب الشاطبي رحمه الله.
ثم راجعته فوجدته في الموافقات كما حسبت.
وقد بين الشاطبي مراده فيما قبل هذا الموضع بقوله:
(( إذا كان الفعل مندوبا بالجزء كان واجبا بالكل؛ كالأذان في المساجد الجوامع أو غيرها، وصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصدقة التطوع، والنكاح، والوتر، والفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب؛ فإنها مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة لجرح التارك لها؛ ألا ترى أن في الأذان إظهارا لشعائر الإسلام؟ ولذلك يستحق أهل المصر القتال إذا تركوه، وكذلك صلاة الجماعة، من داوم على تركها يجرح، فلا تقبل شهادته؛ لأن في تركها مضادة لإظهار شعائر الدين، وقد توعد الرسول -عليه السلام- من دوام على ترك الجماعة؛ فهم أن يحرق عليهم بيوتهم، كما كان عليه السلام لا يغير على قوم حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإلا أغار، والنكاح لا يخفى ما فيه مما هو مقصود للشارع؛ من تكثير النسل، وإبقاء النوع الإنساني، وما أشبه ذلك؛ فالترك لها جملة مؤثر في أوضاع الدين، إذا كان دائما، أما إذا كان في بعض الأوقات؛ فلا تأثير له، فلا محظور في الترك )).
وانظر ما بعده أيضا فهو متعلق به.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:38 AM
السؤال:
ما المطلوب من دارس أصول الفقه ؟
الجواب:
لا يمكن طالبَ العلم أن يفهم مسائل الأصول حق الفهم حتى يطبقها على جميع المسائل التي يعرفها، ويطبق عليها جميع النصوص التي يعرفها.
فالمطلوب من طالب الأصول بعد أن يحصل جملة الفن أن يسير على أمرين متوازيين:
- الأول: تطبيق النصوص الشرعية على قواعد الأصول استقراءً لمعرفة ما يصح منها مما لا يصح.
- الثاني: تطبيق قواعد الأصول على مسائل الفروع لمعرفة توافق الفروع مع الأصول.
مثال الأول أنك تسمع الأصوليين يقولون: حكم العام أن ينطبق على جميع أفراده، فأنت في كل نص من النصوص الشرعية التي فيها لفظ عام تنظر: هل الشارع يقصد به جميع أفراده؟
مثال الثاني أنك تسمع الأصوليين يقولون: الأصل في الأمر الوجوب، فأنت في كل مسألة مشابهة ترد عليك تنظر: هل جعل الفقهاء فيها الأمر للوجوب؟
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:38 AM
السؤال:
هل هناك أمثلة على أشياء واجبة عند بعض الفقهاء ومحرمة عند بعضهم ؟
الجواب:
الأمثلة كثيرة يا أخي.
منها: قراءة الفاتحة خلف الإمام في الجهرية؛ واجبة عند بعض العلماء، ومحرمة عند بعض العلماء.
ومنها: الصلاة بالتيمم دون الوضوء إذا ضاق الوقت.
ومنها: مسألة المصراة، يردها وصاعا من تمر، واجب عند الجمهور، محرم عند الحنفية.
ومنها: الخروج لصلاة الجماعة مع أمر الأم بعدم الخروج.
ويمكن أن يُتصور ذلك في المسائل المشابهة لذلك بأن يختلف العلماء في (وجوب شيء واستحبابه) ثم يتعارض هذا مع واجب آخر.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا صلاة الكسوف بركوعين :
قال بعض العلماء ببطلان الصلاة إن كانت بركوع واحد .
وقال بعضهم ببطلان الصلاة إن كانت بركوعين !!
وللفائدة ينظر كلام القرافي في الفروق؛ الفرق السادس والخمسون والمائتان؛ بين قاعدة الزهد وقاعدة الورع.
قال: (( ..... فإن اختلفوا هل هو حرام أو واجب فالعقاب متوقع على كل تقدير فلا ورع إلا أن نقول إن المحرم إذا عارضه الواجب قدم على الواجب لأن رعاية درء المفاسد أولى من رعاية حصول المصالح وهو الأنظر فيقدم المحرم هاهنا فيكون الورع الترك ... )).
ومن الأمثلة على ذلك أيضا : ( فسخ الحج وجعله عمرة ) على تفصيله.
فبعض العلماء يحرم ذلك وهو قول الجمهور، وبعضهم يستحبه، وبعضهم يوجبه استنادا إلى ظاهر بعض النصوص.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:39 AM
السؤال:
ما الفرق بين سؤال العالم، وبين تقليده والعمل بفتواه ؟
الجواب:
إذا وقعت بك نازلة، ولا تعرف الحكم الشرعي فيها، فذهبت إلى عالم ثقة معروف بعلمه، فاستفتيته فأفتاك، فعملت بفتواه، فأنت مصيب ولا إثم عليك، باتفاق أهل العلم.
وإذا اختلف أهل العلم في مسألة وعلمت أنت باختلافهم فأخذت بما تطمئن إليه نفسك؛ إما لأن هذا القول أحوط، وإما لأن القائلين به أكثر، وإما لأن العالم الذي أخذت بقوله أورع وأتقى، وإما لغير ذلك من الأسباب المشروعة، فأنت مصيب ولا إثم عليك، باتفاق أهل العلم أيضا.
أما إذا كنت تأخذ بالرخص من جميع المذاهب لمجرد الترخص واتباع الأسهل، فأنت آثم عند من يعتد به من أهل العلم، ولا يجوز لك ذلك إلا في قول شاذ للمتأخرين.
وأما إذا كنت تتبع قول واحد من الأئمة الأربعة فقط لا تخرج عن قوله مطلقا ولا تحيد عنه قِيد أنملة، فهذا هو التقليد الذي تكلم فيه بعض أهل العلم بذمه والتنفير منه؛ لأنه بدعة لم تعرف عند السلف.
ولكن ينبغي أن يفرق هاهنا بين (اتباع مذهب معين إذا كان من باب التيسير والتسهيل على العامي لعدم توفر المفتين في كثير من الأحيان)، فيجوز؛ وبين (الإصرار على اتباع هذا المذهب فيما تبين فيه وجه الحق مخالفا للمذهب بيانا لائحا لا شبهة فيه)، فيحرم.
وبعد معرفة التفصيل السابق، لا يضرك أن تجهل اختلاف الاصطلاح بين العلماء في تسمية شيء مما سبق (تقليدا)، أو تسميته (عملا بالفتوى)؛ لأن العبرة بالمعاني لا بمجرد اللفظ.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:39 AM
( فائدة في التفصيل والتحرير في قواعد أهل العلم )
كتب بعض الإخوة بحثا مطولا عن قاعدة "المثبت مقدم على النافي" وأنها ليست على إطلاقها، وذكر الضوابط ونحو ذلك.
وقد عقبت عليه بهذا :
جزاك الله خيرا وبارك فيك
وهذا التفصيل الذي تفضلتَ بذكره يمكن طردُه في جميع قواعد الترجيح التي ذكرها أهل العلم.
فأهل العلم عندما يقولون: (كذا وكذا مقدم على كذا) لا يقصدون أنه مقدم دائما وأبدا وفي جميع الأحوال تقديما قطعيا بحيث لا يستثنى منه شيء.\
ومن ظن هذا الظن بأهل العلم فأحسن أحواله أن يكون جاهلا.
وإنما مقصود أهل العلم بأي قاعدة يقعدونها وبأي مرجح يذكرونه: افتراض عدم وجود غيره من المرجحات، أما إذا وجدت غيره من المرجحات، فحينئذ ينظر إلى مراتب هذه المرجحات قوة وضعفا.
يعني مثلا: لا يشك اثنان في صحة هذه القاعدة (الحديث الصحيح يعمل به)، ولا يرد عليها مثلا أن يأتي مستدرك فيقول: هذه القاعدة ليست على إطلاقها، بل يستثنى منها ما إذا كان الحديث منسوخا، ويستثنى منها ما إذا كان الحديث معارضا بحديث آخر أقوى منه، ويستثنى منها عند الحنفية ومن وافقهم أن يعمل الراوي بخلاف الحديث، ويستثنى منها عند المالكية ومن وافقهم أن لا يخالف عمل أهل المدينة ... إلخ إلخ.
فإن هذه الاستثناءات وما شابهها لا ينبغي ذكرها عند بيان القاعدة؛ لأنها معلومة من خارج، ولا يمكن عند تقعيد قاعدة أن تذكر جميع التحرزات والتقييدات بحيث لا يشذ عنها شيء؛ لأن هذا معناه ذكر جميع قواعد العلوم عند كل قاعدة مفردة!
فالذين قالوا من أهل العلم: (المثبت مقدم على النافي) إنما قصدوا بيان الترجيح باعتبار جهة الإثبات وجهة النفي فقط دون النظر إلى جهات أخرى، كما نقول: (ما رواه الأكثر مقدم على ما رواه الأقل) فلا يصح هنا أن يقال: (يستثنى من هذه القاعدة ما إذا كان الأقل أوثق وأتقن في الرواية من الأكثر)؛ لأن هذا معلوم من قواعد أخرى، بل المراد أن الترجيح باعتبار الكثرة والقلة فقط دون النظر إلى باقي الجهات.
فالخلاصة أن لدينا مقامين: مقام تجريد ومقام تطبيق، فعند التجريد تذكر القاعدة بافتراض عدم وجود مرجحات أخرى، أما عند التطبيق فلا بد من النظر إلى جميع ما يتعلق بالمسألة من قواعد وأدلة وقرائن عامة وخاصة.
وهذا التداخل بين المقامين هو الذي جعل كثيرا من المعاصرين يتعقبون المتقدمين كثيرا في كلامهم، فيجدون البخاري مثلا يقول: (زيادة الثقة مقبولة)، وفي موضع آخر يجدونه لا يقبل زيادة الثقة، فيظنون أن هذا تناقض من البخاري، وهذه غفلة واضحة؛ لأن مقام التجريد أن تقول: (زيادة الثقة مقبولة) فهذه قاعدة صحيحة مجردة، ولكن عند التطبيق لا بد من النظر إلى جميع القواعد مجتمعة وليس إلى قاعدة مفردة، فزيادة الثقة مقبولة هذا أصل صحيح، لكن هذا الأصل عارضه في هذا الموضع الخاص أصل آخر أقوى منه جعل البخاري يترك زيادة الثقة في هذا الموضع، فلا تناقض في الباب البتة!! وإنما هو معرفة من البخاري وخبرة بمراتب الأدلة والقواعد والقرائن، وأيها يقدم وأيها يؤخر.
وقد أتعب كثير من متأخري الفقهاء أنفسهم في بيان استثناءات القواعد الفقهية التي أصّلها المتقدمون، وهذا مبني في كثير منه على سوء فهم لصنيع المتقدمين، يتضح سببه بالنظر إلى ما تقدم ذكره.
وهكذا في كل علم من العلوم، كالنحو والصرف والبلاغة والأصول وغيرها، تجد المتأخر ينقل كلام المتقدم في تقعيد قاعدة أو تأصيل أصل، ثم يستدرك عليه بأنه ليس على إطلاقه، وهو كلام صحيح في نفسه، إلا أنه لا يخالف صنيع المتقدم؛ لأن المراد منه ما أسلفناه.
والموضوع يحتمل بسطا، ولعل فيما سبق إشارة كافية.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:39 AM
السؤال:
ما دليل العمل بغلبة الظن؟
الجواب:
الأدلة على ذلك لا تكاد تحصى، ولا تغتر بمن يخالف في ذلك.
والعقلاء متفقون على تقديم الراجح على المرجوح، ولا يشك عاقل أن ما يغلب على ظنه أرجح مما لا يغلب على ظنه، وإذا كان أمام الخائف طريقان للهرب، وغلب على ظنه أن في أحدهما النجاة دون الآخر، فلا يتردد ذو عقل سليم في سلوك هذا الطريق.
وينبغي أن يفرق بين مسألتين:
- الأولى: (العمل في مسألة بالظن الغالب) فهذا ظني لا قطعي، فلا يمتنع أن يظهر بعد ذلك ما يخالف هذا الظن.
- الثانية: (حكم العمل بالظن الغالب) هو أنه واجب، وهذا أمر قطعي لا ظني؛ لأنه مستند إلى أمر مقطوع به، وهو استقراء جزئيات الشريعة.
ولا يصح الكلام في هذه المسألة بأدلة جزئية؛ لأن كل دليل بانفراده يمكن الطعن فيه.
وكذلك فإن كل دليل بانفراده إنما يفيد الحكم بغلبة الظن، فكيف يستدل به على العمل بغلبة الظن؟ هذ دور.
وهذه هي طريقة من خالف في هذه المسألة، فإنه يأتي على كل دليل فيطعن فيه بانفراده، ويظن بذلك أنه يطعن في مجموع الأدلة.
ويشبه ذلك أيضا طعنُ من طعن في حجية الإجماع، أو في حجية القياس.
وهو كلام باطل واضح البطلان؛ لأنه ما من دليل إلا ويمكن الطعن فيه بوجه من الوجوه، ولكن انضمام الأدلة إلى بعضها، ومجموع القرائن قد يفيد القطع بأن المعنى الفلاني مراد أو غير مراد.
ومن تأمل النصوص القرآنية، وأقوال النبي ، وأحوال الصحابة وأقوالهم، لم يكد يشك في ذلك، إلا إن أتي من سوء فهمه.
ولو لم يكن العمل بغلبة الظن جائزا لم يكن لاختلاف الصحابة وجه؛ لأنهم اختلفوا في كثير من المسائل، ولم ينكر أحد منهم على الآخر اجتهاده، ولا قال واحد منهم للآخر: كيف تعمل بغلبة الظن.
وهكذا كان التابعون ثم أتباعهم من أهل العلم إلى يومنا هذا.
ولو لم يكن العمل بغلبة الظن جائزا لم يمكن الأخذ بخبر الواحد؛ لاحتمال الخطأ والسهو والنسيان والكذب عليه.
ومع ذلك فلا يفوتني أن أذكر بعض ما يحضرني من الأدلة على ذلك:
فمثلا من القرآن:
- {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}
- {فاتقوا الله ما استطعتم}
- {فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله}
- {وقال للذي ظن أنه ناج منهما}
- {وظن داود أنما فتناه فاستغفر}
- {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم}
- {الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء}
- {إن بعض الظن إثم}
- {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون}
- {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} [العلم هنا هو الظن الغالب كما هو واضح]
- {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار}
.......... إلخ
ومن السنة:
- لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته
- لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة
- الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم
- إني أسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه
- حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته [في الاغتسال]
- ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنها ستكتب عليكم [أي قيام رمضان]
........... إلخ
ومن أحوال الصحابة وأقوالهم:
- أبو بكر: أقول فيها برأيي فإن كان صوابا ....
- عمر: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي.
- مسألة العول واتفاق الصحابة عليها.
- عثمان [عن الأنفال والتوبة]: فظننت أنها منها [الأثر فيه مقال والأكثرون على قبوله]
- عمر: أيكم يحفظ قول رسول الله في الفتنة؟
- عمر: ما ظننتَ أن عندي من علم فسلني عنه
- عائشة: فظننت أنه [الرسول] لا يكره أن أنتصر منها [زينب]
........... إلخ
والله تعالى أعلى وأعلم
ويضاف إلى ما سبق أيضا أن الطاعن في العمل بغلبة الظن إنما يستند إلى دعوى، وهي أن (الأدلة الظنية لا تستفيد قوة باجتماعها).
فيقال له:
الألفاظ اللغوية التي نستعملها في كلامنا، أو التي وردت في النصوص الشرعية، كيف عرفنا معانيها؟
إن قال بالنقل عن العرب، قلنا: هذا النقل إذا نظرنا إلى أفراده فردا فردا وجدناها ظنية لا يمكن أن تفيد القطع.
وحينئذ فإما أن يقول: إن مجموعها لا يفيد القطع أيضا، فيلزمه أن لا يستفاد القطع في شيء من نصوص الشريعة مطلقا، وفي هذ إبطال الشريعة.
وإما أن يقول: إن كل فرد منها قد يفيد القطع بانفراده، وحينئذ يلزمه أحد أمرين:
- إما أن يقبل نظائر ما يفيد القطع عنده من الأدلة السابق ذكرها.
- وإما أن يرجع عن إفادتها القطع إذا كان ما يناظرها من الأدلة السابقة لا يفيد القطع.
وفي الحالين يلزمه العمل بغلبة الظن.
قال بعض الإخوة: وهل يدخل في ذلك تصحيح وتضعيف الأحاديث بغلبة الظن؟
والجواب: بل هذا من أولى ما يدخل في هذا الباب؛ لأن طريقة أهل العلم بالحديث معروفة أنهم يحكمون على صحة الأحاديث وضعفها بغلبة الظن، وكذلك يحكمون على توثيق الرواة وتضعيفهم بغلبة الظن، وكذلك يحكمون على الاتصال والانقطاع بغلبة الظن، وكذلك يحكمون على تعليل الحديث أو اضطرابه أو نحو ذلك بغلبة الظن.
وإذا تصفحت كلام نقاد الحديث ظهر لك هذا الأمر واضحا جليا، فإنك لا يمكنك أن تجد دليلا قطعيا على ثقة كل راو راو من الثقات.
وعندما يختلف الرواة في حديث مثلا، فيرفعه بعضهم ويوقفه أكثرهم يحكم النقاد بأن الصواب وقف الحديث، وهذا حكم بغلبة الظن المبني على ما رواه الأكثر، ولا يمتنع أن يكون الصواب مع الأقل، ولكنه غيب لا نعلمه إلا بقرينة خارجة كأن يكون الأقل على درجة عالية من الثقة والإتقان دون الأكثر، وسواء رجحت هذا أو هذا ففي الحالين قد حكمت بغلبة الظن.
والذين يطردون الباب في قبول زيادة الثقة مطلقا إنما يحكمون بغلبة الظن؛ لأنهم لا يقطعون بأن هذا الثقة لا يمكن أن يخطئ، وإنما يغلب على ظنهم أن أكثر حال الثقة أن لا يخطئ، والذين يرفضون زيادة الثقة إن خالفت الأكثر يحكمون بغلبة الظن أيضا؛ لأنهم يقولون: احتمال صدور الخطأ من واحد أكبر من احتمال صدوره من الجمع، فعلى كلا الحالين قد حكمت بغلبة الظن.
والذين يحسنون الأحاديث بالشواهد والمتابعات يحكمون بغلبة الظن؛ لأن الراوي الضعيف إذا كان هو مظنة للخطأ، فإن هذا الظن يضعف إذا تابعه راو آخر، ويغلب على الظن حينئذ أن يكون للحديث أصل، وهذا حكم بغلبة الظن.
والذين يردون حديث الراوي خفيف الضبط إذا تفرد عن إمام مشهور لأن أصحابه المعروفين عنه لم يرووا ذلك؛ إنما يحكمون بغلبة الظن؛ لأننا لا نستطيع أن نقطع بخطئه في نفس الأمر، بل من المحتمل أن يكون قاله، ولكن هذا الاحتمال بعيد، والغالب على الظن عكسه، وهذا عمل بغلبة الظن.
فحاصل الكلام أن الحكم بغلبة الظن أمر لا بد منه في جميع العلوم، وفي علوم الحديث خصوصا؛ لأن معظم قواعد هذا العلم مبنية على غلبة الظن، والاستقراء غير التام، وتغليب الأكثر على الأقل.
وانظر هذا الرابط لمزيد الفائدة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=108517
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:40 AM
آية واحدة يُستنبَطُ منها أكثرُ مسائل أصول الفقه
قال الله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
ذكر فخر الدين الرازي، الملقب بابن خطيب الري في تفسيره عند هذه الآية أنها اشتملت على أكثر مسائل أصول الفقه، ثم استنبط منها نحوا من عشرين مسألة ثم قال:
(( فهذه المسائل الأصولية استنبطناها من هذه الآية في أقل من ساعتين، ولعل الإنسان إذا استعمل الفكر على الاستقصاء أمكنه استنباط أكثر مسائل أصول الفقه من هذه الآية ))
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:40 AM
السؤال:
ما رأيكم في رسالة صغيرة طبعت بعنوان ( الترك لا يفيد حكما ) ؟
الجواب:
هذه الرسالة الصغيرة جدا فيها أخطاء كبيرة جدا، فلا ينبغي الاغترار بها.
والفرق معروف عند أهل العلم بين حكم الترك في العبادات وحكم الترك في العادات، والمؤلف يجعلهما واحدا.
وأما مسألة الترك وهل هو فعل أو لا، فهي مسألة أصولية مشهورة؛ قال في المراقي:
فكفنا بالنهي مطلوب النبي ............. والكف فعل في صحيح المذهب
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:41 AM
السؤال:
أيهما يقدم الغالب أم الأصل؟ مع المراجع؟
الجواب:
مسألة خلافية في الجملة مع وقوع الإجماع في بعض الفروع.
راجع شروح المراقي عند قول الناظم:
وإن يعارض غالبا ذا الأصل ............ ففي المقدم تنافى النقل
وراجع الفرق الثامن والعشرين بعد المائتين من فروق القرافي.
وراجع أيضا المنثور في القواعد للزركشي أول فصول التعارض.
وكذلك الفرق التاسع والثلاثون والمائتان عند القرافي.
والقاعدة 159 من قواعد ابن رجب.
والأشباه والنظائر لابن السبكي، والأشباه والنظائر للسيوطي في فروع قاعدة اليقين لا يزول بالشك.
وكذلك فأحيانا يتعارض أصلان، وأحيانا يتعارض غالبان.
وكذلك فكلمة الأصل أحيانا تطلق على الغالب فيشتبه الأمر في بعض المسائل.
وكذلك الظاهر نفسه أنواع يختلف الحكم باختلافها، فالظاهر المنصوص على حجيته غير الظاهر المبني على العرف وهكذا.
فالمقصود أن المسألة أوسع من السؤال.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:41 AM
السؤال:
أيهما أقوى دلالة: القياس أو المفهوم ؟
الجواب:
القياس أنواع متفاوتة والمفهوم أنواع متفاوتة، وترتيب القوة يعتمد على ترتيب هذه الأنواع.
فمثلا القياس ليس بحجة عند الظاهرية فيقدم المفهوم، والمفهوم ليس بحجة عند الحنفية فيقدم القياس.
والقياس منه منصوص العلة فهو في قوة العام فيكون أقوى من المفهوم، ومنه مستنبط العلة أو ما دون ذلك فيحتمل.
والمفهوم منه مفهوم اللقب وليس بحجة عند الجمهور فيقدم القياس.
والمفهوم منه ما هو في قوة المنطوق كالمحددات الشرعية فيقدم على القياس.
والمفهوم له ثمانية موانع تمنع إعماله، لكنها لا تمنع إعمال القياس؛ كما قال في المراقي:
ومقتضي التخصيص ليس يحظل ............ قيسا ..
وهكذا تجد المسألة ليست على إطلاقها في تقديم القياس على المفهوم أو العكس.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:41 AM
( أهمية تحقيق نسبة الأقوال إلى قائليها ، وخاصة في كتب أصول الفقه )
فمن الأهمية بمكان تحقيق جميع أقوال أهل العلم التي يتعلق بها كثير من المبتدعة وأذيالهم من الأغمار والصغار !
ومن المحزن أن كتب الأصول مليئة بنسبة أمثال هذه الأقوال التي فهمت على غير وجهها، أو كنت خاصة فعممت أو مقيدة فأطلقت أو غير ذلك، هذا فضلا عن أن لا يكون لها سند صحيح أو نقل صريح.
وسبب الإشكال في عزو الأقوال الخاطئة إلى أهل العلم - في نظري - يعود إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي اعتبار ظاهر النص أو عمومه أو إطلاقه بغير أن يؤخذ في الاعتبار القرائن المحتفة به، وبغير أن يؤخذ في الاعتبار الصنيع العملي لهذا العالم، وبغير أن يؤخذ في الاعتبار ما صرح به في مواضع أخرى، وبغير أن يؤخذ في الاعتبار تطبيق هذا العالم لهذه القاعدة على المسائل، فإن هذا هو أكبر دليل يوضح ما إذا كان حقا يقول بهذا القول أو لا؟!
ومن الأمثلة على ذلك أيضا أنهم ينسبون في كتب أصول الحنابلة أن الإمام أحمد يأخذ بالحديث الضعيف في الأحكام ! وهذا أمر عجيب جدا؛ لأن الإجماع محكي ومعروف على أن الحديث الضعيف لا يعمل به إلا في فضائل الأعمال وأيضا بشروط.
وكذلك ينسبون إلى أبي حنيفة أنه يقدم الحقيقة المرجوحة على المجاز الراجح، وأنا أربأ بأبي حنيفة رحمه الله على ذكائه وفطنته أن يقول مثل هذا القول !!
ولا ينبغي أن نعجب من الاختلاف في نسبة الأقوال إلى قائليها، فإن العلماء اختلفوا في فهم النصوص الشرعية، أفلا يكون من الأولى أن يختلفوا في فهم كلام أهل العلم ؟!
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:41 AM
السؤال:
ما الراجح فى اشتراط تأخر النص المخصص للعمل به ؟
علما بأنه لو لم نعلم التاريخ عملنا بالخاص لحين ثبوت تأخر العام
الجواب:
لعلك تقصد اشتراط تقدم الخاص على العام؛ لأن تأخر الخاص عن العام بحيث يمكن العمل بالعام يعد نسخا عند الحنفية، وإن تأخر الخاص بعد العمل فعلا بالعام فهو نسخ عند الجمهور؛ كما قال في المراقي:
وإن أتى ما خص بعد العمل ........... نسخ والغير مخصص جلي
والكلام عن المطلق والمقيد من هذه الجهة كالكلام عن العام والخاص؛ قال في المراقي:
وإن يكن تأخر المقيد ............ عن عمل فالنسخ فيه يعهد
والخلاف في هذه المسألة يتعلق بالخلاف في مسألة أخرى، وهي قطعية العام التي ينسب فيها الحنفية لمخالفة الجمهور.
ولكن كلام الجصاص في هذه المسألة يدل على أن الخلاف بين الحنفية والجمهور يقرب من اللفظي.
وأيضا تتعلق هذه المسألة بمسألة تأخير البيان عن وقت الحاجة.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-21, 07:41 AM
السؤال:
هل إقرار الصحابي لتابعي يعد حجة ؟
الجواب:
لو نظرت في مصنف عبد الرزاق مثلا ومصنف ابن أبي شيبة، فستجد كثيرا من الوقائع التي يحتج فيها التابعي بإقرار الصحابي له.
وحديث ابن عباس مشهور في إقرار الصحابة له لما أرسل الأتان ودخل في الصف.
ليس المقصود أن ذلك حجة ملزمة كالكتاب والسنة، وإنما المقصود أنه دلالة على ذهاب الصحابي إلى هذا القول.
--------------------- اعتراض --------------------------
- بالنسبة لحديث ابن عباس فإن ذلك كان بمحضر من النبي وبإقرار منه كما جاء ذلك صريحاً في بعض الروايات بقول ابن عباس (فلم ينكر ذلك علي)
- كذلك فإن إقرار الصحابي الواحد لا يوازي إقرار جمهرة منهم مجتمعين .
- وهل نقول أن الصحابي قد يترك الانكار مثلاً لمصلحة راجحة أو للتنبيه على ما هو أهم ؟ إن كان هذا الإيراد في محله فهل هناك أمثلة لذلك ؟
ولأضرب لهذا مثلاً ففي صحيح مسلم ج1/ص204 في باب وجوب الطهارة للصلاة قال :
حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري واللفظ لسعيد قالوا حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد قال دخل عبد الله بن عمر على بن عامر يعوده وهو مريض فقال ألا تدعو الله لي يا بن عمر قال إني سمعت رسول الله يقول لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وكنت على البصرة .
فهل في الحديث إقرار من عبد الله بن عمر رضي الله عنه بجواز طلب الدعاء من الغير ؟ أم نقول أن إنكاره كان متوجهاً لمسألة تولي ابن عامر ولاية البصرة وما قد يجر ذلك من مظالم في حينه ؟
---------------------------------------------------------
الجواب:
وفقك الله يا أخي الكريم
ابتداء ينبغي أن نعرف أن كون الخبر فيه دلالة على أمر ما لا يقتضي أن هذه الدلالة صحيحة دائمًا، ولا يقتضي كذلك أن هذه الدلالة مساوية في القوة لغيرها من الدلالات.
واختلاف أهل العلم غالبا ما يكون بسبب تقديم دلالة على دلالة أخرى، فيرى بعضهم أن دلالة كذا أقوى من دلالة كذا، مع اتفاقهم على أن الدلالتين صحيحتان.
وأما حديث ابن عباس، فالذي أعرفه من الروايات (فلم يُنكِر ذلك علي أحدٌ)، و(فلم ينكَر عليَّ) بالبناء للمفعول.
وعلى الروايتين فلا يوجد ما يدل على أن ذلك كان بمحضر من النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يمكن أن نفهم من كلام ابن عباس أن جميع الصحابة تركوا الإنكار عليه، وإنما هذا محمول على بعضهم؛ لأننا لا نعلم أصلا من من الصحابة كان في الصف، ولا نعلم من رآه ومن لم يره.
وأما قولك ( إقرار الصحابي الواحد لا يوازي إقرار جمهرة منهم مجتمعين )
فهذا كلام صحيح لا إشكال فيه، ولكن ينبغي أن نفهم أن إقرار الجماعة لا يمكن أن يكون فيه دلالة إلا إذا كان إقرار الواحد فيه دلالة في الجملة، نعم دلالة إقرار الواحد أضعف من دلالة إقرار الجماعة، ولكن الكلام على الدلالة في الجملة.
ونستفيد من هذا في الترجيح إذا اختلف الصحابة فيترجح قول الجماعة على قول الواحد، وهكذا، لكن قول الصحابي الذي لم يخالفه صحابي آخر يمكن أن يقال إنه أقوى من قول جمع من الصحابة إذا خالفهم آخرون، فالعبرة كما قدمتُ لك بمراتب الأدلة والتعارض بينها، فالضعيف الذي لم يعارضه شيء أقوى من القوي الذي عارضه ما يقاربه.
وأما أن الصحابي قد يترك الإنكار لمصلحة راجحة أو لغير ذلك من الأسباب، فهذا صحيح معروف، ومنه الحديث المشهور عن ابن عباس لما دخل عليه عكرمة فرآه يبكي لأنه يرى أشياء ولا ينكرها ... إلخ.
ولكن قد يقال: إن هذا خلاف الأصل، لا سيما ولم يعهد عنهم ترك الإنكار إلا على ما هو معلوم أنه خطأ، فلا يُظن بهم أنهم يتركون الإنكار في شيء لا تعرفه الأمة بنقل غيرهم أو إنكاره.
فإذا رأينا الصحابي أقر أو ترك الإنكار، فالأصل في هذا أن يكون إقرارا صحيحا من الصحابي.
هذا هو الأصل، ولكن قد يعتور هذا الأصل ما يخرجه عن الاحتجاج، من القرائن الحالية أو المقالية أو غير ذلك.
وأما الحديث الذي ذكرتَه فالظاهر منه إقرار ابن عمر لابن عامر، وهذا لا يمنع أن يكون ما قلتَه محتملا.
ولكن ينبغي أن نلاحظ أن ابن عامر لم يطلب منه الدعاء، وإنما أنكر عليه أنه لم يدعُ في موطن يُسن فيه الدعاء، فتأمل!
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:42 PM
( مسألة أصل اللغات )
الكلام حول كون اللغة توقيفية أو لا قد اشتهر فيه قول بعض الأصوليين بأنه(طويل الذيل قليل النيل) لكن يبنى على المسألة فروع ذكر منها صاحب المراقي :
يبنى عليه القلب و الطلاق .......... بكاسقني الشراب و العتاق
الجواب:
كون هذه الفروع تنبني على مسألة أصل اللغات هو في نفسه مسألة خلافية.
لأن أمثال هذه الفروع مبنية على مسألتين:
- الأولى: هل يجوز استحداث عرف فيه قلب للغات؟
- الثانية: هل يجوز استحداث كناية خفية؟
وبعض الأصوليين جعل هاتين المسألتين مبنيتين على مسألة (كون اللغة توقيفية أو اصطلاحية).
والذي أراه -والله أعلم- أن هذا غير صحيح؛ لأنه لا ينكر أحد من عقلاء العالم أن الناس تستحدث ألفاظا جديدة تعبر بها عن مكنونات أفئدتها، سواء كان ذلك صحيحا من جهة اللغة أو غير صحيح، ولكن المقصود أن هذا واقع لا يمكن إنكاره، وإذا كان واقعا فالأحكام الفقهية تجري مع العرف سواء كان استعماله صوابا أو لحنا.
أي أنه حتى لو كان استحداث الكنايات الخفية ممنوعا شرعا، فإن هذا لا يمنع من بناء أحكام الطلاق وغيرها عليها؛ لأن هذه الأحكام متعلقة بعرف المتكلم في الكلام، وقد حكى القرافي الإجماع على ذلك في الفروق، وبين خطأ بعض الفقهاء في ذلك .
وأيضا مسألة هل في اللغة مجاز أو لا ليس لها علاقة بمسألة توقيف اللغات؛ بل القائلون بالمجاز أكثرهم من القائلين بالتوقيف.
ثم إن مسألة نفي الصفات أيضا لا تعتمد على مسألة هل في اللغة مجاز؟
لأن القائلين بالمجاز من أهل السنة لا ينفون الصفات، ومنكرو المجاز من المعتزلة ينفون الصفات.
والله تعالى أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:43 PM
السؤال:
هل يجوز نسخ المتواتر بالآحاد ؟
الجواب:
بغض النظر عن الراجح في المسألة، ولكن المقصود بذلك التواتر العام المعنوي؛ لأنه يبعد في العادة أن تنقل الأمة جميعا المنسوخ وتغفل عن نقل الناسخ حتى لا ينقله إلا واحد.
ويبعد كذلك في العادة أن يحدث النبي بالمنسوخ أمام كثير من الناس ويبلغه جمع عن جمع، ثم لا يحدث بالناسخ إلا أمام واحد فقط، ولا يحرص على نشره للناس كما انتشر المنسوخ.
والأمر راجع للقرائن أولا وأخيرا؛ لأن التواتر والآحاد درجات، فلو جاءنا أصدق الصادقين الآن وأخبرنا بسند صحيح متصل منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنسخ وجوب الصلوات لحكمنا مباشرة ببطلان ذلك من غير احتياج حتى للنظر في سنده.
وإذا كان الأئمة يرجحون رواية جماعة لم يبلغوا التواتر على رواية واحد، فأولى وأحرى أن يقدموا المتواتر على حديث الواحد.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
(( .... ولا يجوز أن يحيلهم على دليل خفي لا يستنبطه إلا أفراد الناس سواء كان سمعيا أو عقليا ؛ لأنه إذا تكلم بالكلام الذي يفهم منه معنى وأعاده مرات كثيرة ؛ وخاطب به الخلق كلهم وفيهم الذكي والبليد والفقيه وغير الفقيه وقد أوجب عليهم أن يتدبروا ذلك الخطاب ويعقلوه ويتفكروا فيه ويعتقدوا موجبه ثم أوجب أن لا يعتقدوا بهذا الخطاب شيئا من ظاهره ؛ لأن هناك دليلا خفيا يستنبطه أفراد الناس يدل على أنه لم يرد ظاهره كان هذا تدليسا وتلبيسا، وكان نقيض البيان وضد الهدى وهو بالألغاز والأحاجي أشبه منه بالهدى والبيان )).
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:43 PM
السؤال:
(ولو فعلوه لنقل) أجد أن بعض العلماء يحتجون بهذه المقولة في أبواب كثيرة ، وكأنه من شرط الفعل النقل ..
الجواب:
لعل احتجاج العلماء بهذه المقولة في أبواب مخصوصة من الفقه، وهي الأبواب التي تكثر الحاجة إليها، أو ما يعبرون عنه بـ(ما تعم به البلوى) لأن عادة الناس التي لا تتخلف جرت بأنهم إذا احتاجوا إلى شيء سألوا عنه ونقلوه واشتغلوا به.
فمثلا نقول: الصلوات خمس ولا توجد صلاة سادسة مفروضة؛ لأنها لو وجدت لنقلت إلينا.
وأما قولك: (من شرط الفعل النقل) فليس ذلك من شرط الفعل بإطلاق، ولكنه من شرط التكليف بهذا الفعل، بمعنى أن النبي لو فعل فعلا ولم ينقل إلينا لم يمكن أن يقع التكليف به، فهذا هو المعنى المفهوم من قول العلماء (لو فعله النبي لنقل) أن المعنى (لو فعله على وجه التكليف أو التشريع لنا).
وهذه العبارة، أعني (لو فعل لنقل) موجودة كثيرا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وغيره من العلماء، والحنفية يحتجون بها كثيرا أيضا، ولكن على وجه آخر يخالف المهيع المعروف، فهم يقولون: (لو فعله النبي لنقل نقلا مستفيضا)، فهم يشترطون زيادة على ما سبق أن يشتهر النقل، فيردون الحديث أحيانا إذا كان مما تعم به البلوى ولم ينقل إلا عن فرد.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:44 PM
السؤال:
ما حقيقة المقاصد في الشريعة، وهل هي مضبوطة أو مفتوحة لكل من أراد أن يسوغ شيئا بدعوى المقاصد؟
الجواب:
إن النظر إلى المقاصد الشرعية من أهم ما يتميز به الفقيه عن غيره، ولا يصح أن يتكلم فيه إلا من أحاط بجملة واسعة من علوم الشرع النقلية والعقلية، وعرف طريفة السلف ومنهجهم في تدبير المصالح بناء على نصوص الكتاب والسنة.
وإنما تظهر فائدة النظر المصلحي عند عدم وجود النص، أو حضور ضرورة تقتضي تقييده، وبهذا نستطيع أن نحصر مجال النظر للمجتهد لكي لا يخرج بالمقاصد عن بابها.
أما المعاصرون الذين يدعون العمل بمصالح الشريعة، فهم في الحقيقة من أجهل الناس بمقاصد الشريعة التي جاءت أولا لتعبيد الناس لربهم، فهذا هو المقصد الأعظم والحكمة الأولى للخلق!
وهؤلاء المدعون لا يعتدون بكثير من النصوص التي اتفق على صحتها والعمل بها جماهير أهل العلم قديما وحديثا، ثم يزعمون أنهم يتبعون مقاصد الشريعة!!
إن مقاصد الشريعة إنما يفهمها من تفقه في نصوص الشريعة، وأحاط بجملة واسعة منها، أما من ينكر بعض نصوص الشريعة أصلا، ويؤول البعض الآخر بما يتلاءم مع هواه، فأنَّى له أن يعرف مقاصد الشرع وتوجيهاته؟!
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:44 PM
السؤال:
يستدل بعض أهل العلم بقاعدة "الدليل إذا تطرق له الإحتمال سقط به الإستدلال" وينسبها الى الإمام الشافعي رحمه الله وأذكر أن الشيخ أبو إسحاق الحويني في بعض أشرطته أنكر أن تكون هذه قاعدة لأهل السنة والجماعة ، فما القول الفصل فيها وكيف تطبق؟ الرجاء التفصيل مع الأمثلة .
الجواب:
هذه القاعدة صحيحة النسبة للشافعي رحمه الله
وقد شرحها كثير من العلماء منهم القرافي في الفروق وغيره
والشيخ أبو إسحاق لم ينكر أن تكون هذه القاعدة لأهل السنة والجماعة، وإنما استشكل أن تُورَد على الأدلة؛ قال: لأنه ما من دليل إلا ويتطرق إليه الاحتمال.
وجواب هذا الإشكال بينه القرافي وغيره، وهو أن محل هذه القاعدة في الاحتمال المساوي أو الأضعف، فإن كان الاحتمال راجحا لاعتبارات أو قرائن أخرى كان الترجيح بهذه الدلالات والقرائن.
وبعضهم يذكر أن هذه قاعدة لأهل البدع، وهذا غير صحيح، فهي مشهورة جدا عند علماء السنة والجماعة كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره
وانظر هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=1078
وهذا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=42301
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:45 PM
السؤال:
قاعدة الاصل فى العبادات التوقيف اريد تخريجها من كتب اهل العلم
الجواب:
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (29/17):
(( ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل فى العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى )).
وفي فتح الباري (3/54): (( الأصل في العبادة التوقف ))
وفيه أيضا (2/80): (( التقرير فى العبادة إنما يؤخذ عن توقيف ))
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح (2/265):
(( الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ شيء منها سببا إلا أن تكون مشروعة فإن العبادات مبناها على التوقيف ))
وفي شرح الزرقاني على الموطأ (1/434): (( الأصل في العبادة التوقيف ))
وفي شرح زُبَدِ ابن رسلان للشافعي الصغير (1/79): (( الأصل في العبادات التوقيف ))
وفي نيل الأوطار للشوكاني (2/20): (( ... لا سِيَّمَا في أُمُورِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُؤْخَذُ عن تَوْقِيفٍ ))
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:45 PM
السؤال:
أريد فكرة عن الاستصحاب المقلوب، وهل بحث مستقلا في مجلة أو بحث أكاديمي؟
الجواب:
الاستصحاب المقلوب هو الاستدلال بثبوت الشيء الآن على أنه كان ثابتا فيما مضى، أو بعبارة أخرى: استصحاب الثبوت الموجود في الحاضر على افتراض الثبوت في الماضي.
ويسمى أيضا (استصحاب العكس) أو (استصحاب الحال في الماضي) أو (تحكيم الحال) أو غير ذلك.
وقد أفرده بالبحث د. أحمد الضويحي في مقال بالعدد الأول من مجلة العلوم الشرعية التي تصدرها جامعة الإمام محمد بن سعود.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:46 PM
السؤال:
ما معنى الخلاف العالي والخلاف النازل؟.
الجواب:
الخلاف العالي في اصطلاح الفقهاء يقصد به الخلاف مع المذاهب الأخرى، أو ما يسمى عند المعاصرين (الفقه المقارن).
والخلاف النازل يقصد به الخلاف في داخل المذهب نفسه، أو ما يسمى بأقوال الأصحاب.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:46 PM
(فائدة) في التفريق بين (ابن علية) في كتب الأصول والفقه، والمحدث (إسماعيل بن علية)
ومن الأخطاء المكرورة عند المحققين: خفاء المقصود بـ ( ابن علية )
فترى هذا الاسم يرد كثيرا في كتب الأصول والفقه، فيعلق عليه المحقق بترجمة (إسماعيل بن علية).
لأن المشهور بهذا الإطلاق هو الإمام المحدث إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بإسماعيل بن علية.
والصواب أن المقصود هو ابنه ( إبراهيم بن علية ) وهو فقيه متكلم أصولي؛ لكنه معروف بالتجهم والأقوال الشاذة؛ وكانت له مناظرات مع الشافعي؛ لذلك ترى ابن عبد البر وغيره لا يعتد بخلافه عند حكاية الأقوال، وقد صرح ابن عبد البر باسمه في بعض المواضع من الاستذكار وغيره.
وقد وقع هذا الخطأ أيضا لبعض العلماء؛ فقد جاء في مراقي السعود:
وابن علية يرى للصوري ............ كالقيس للخيل على الحمير
ذكر الشارح أنه (إسماعيل بن علية)، وكذلك وقع أيضا في بعض كتب الأصول، والصواب أنه (إبراهيم) كما سبق.
فالخلاصة أنك حيث وجدتَ ذكر (ابن علية) في الأقوال الفقهية والأصولية فهو الابن (إبراهيم بن علية) وحيث وجدته في الأسانيد والرجال فهو الأب (إسماعيل بن علية).
وهذا يذكرنا بضرورة مراعاة اختلاف الفنون عند اشتباه أسماء الأعلام المنتسبة إليها؛ فمثلا إذا وجدت ذكر أبي حنيفة مطلقا في كتب اللغة فهو الدينوري، وأما في الفقه فهو النعمان المعروف، وإذا وجدت الليث في كتب الحديث فهو ابن سعد أو ابن أبي سليم، أما في اللغة فهو الليث بن المظفر تلميذ الخليل، وإذا وجدت الفارابي في كتب اللغة فهو أبو إبراهيم صاحب ديوان الأدب، أما الفيلسوف المعروف فهو أبو نصر، وهكذا.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:47 PM
(السؤال)
ذكر الشيخ على جمعة - المفتي - في أحد مجالسه : أن الفروع الفقهية التي فرعها العلماء بلغت منذ نشأة الفقه إلى زماننا هذا مليون و مائتي ألف فرع فقهي تقريباً !!! فيا ترى ما مستند الشيخ في هذه الإحصائية ؟
(الجواب)
مستنده ما جاء في كتاب (العناية شرح الهداية) في شرح خطبة الكتاب:
(( قيل: ما وضعه أصحابنا من المسائل الفقهية ألف ألف ومائة ألف وسبعون ألفا ونيف مسألة )).
ويُنظر ( النكت الطريفة ص 5 )
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:48 PM
(السؤال)
بعض العلماء يحكون إجماعا ويحكون الخلاف في موضع آخر، فكيف ذلك؟
(الجواب)
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الباحثين الظن بأن مجرد حكاية الخلاف يسقط حكم الإجماع.
وهذا خطأ لا ينبغي أن يقع فيه الباحث؛ لأن الإجماع لا يلزم أن يقع في جميع العصور، بل يكفي وقوعه في عصر واحد فقط، ولو اشترطنا وقوع الإجماع في جميع العصور لما وقع إجماع على الإطلاق.
ولذلك تجد كثيرا من أهل العلم يحكون الإجماع في بعض المسائل مع أنهم هم أنفسهم يحكون الخلاف في المسائل نفسها!
ثم إنه ليس كل خلاف يقدح في صحة الإجماع، بل لا بد من اعتبار عشرة أمور ذكرها الشاطبي رحمه الله في أواخر الموافقات، وكلامه نفيس جدا.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:48 PM
(السؤال)
هل يمكن الدراسة للفقه على طريقة المحدثين فقط؟
(الجواب):
الذي يقول إن الطالب يدرس على طريقة المحدثين يخادع نفسه خداعا واضحا
وذلك لأننا إذا افترضنا أن الطالب المبتدئ سيبدأ في دراسة بلوغ المرام مثلا على شيخه، فيشرح له شيخه الأحاديث ويبين له الأحكام المستنبطة منها، فهل شيخه سيذكر له الخلافات والترجيح، أو سيذكر له القول الراجح عنده فقط ؟!
إن كان سيذكر له الخلافات والترجيح فسيضيع الطالب بين قالوا وقلنا وينقطع قبل أن يحصل شيئا
وإن كان سيذكر له القول الراجح عنده فقط، فقد خرجنا من تقليد الأئمة الأربعة إلى تقليد هذا الشيخ، وليس تقليد هذا الشيخ بأولى من تقليد الأئمة الأربعة.
وبعض الناس يظن أن الدراسة المذهبية تناقض السنة وتعارض اتباع الدليل، وهذا قول فاسد واضح البطلان، فالدراسة المذهبية مجرد تنظيم للأبواب، لكي يتصور الطالب أبواب الفقه ومسائله في ذهنه، أما أن يلتزم الطالب بالمذكور في المذهب فلا يخرج عنه طول حياته وإن خالف الدليل الظاهر فهذا هو التعصب المذموم.
وأنا لا أعني بهذا الكلام أن دراسة الفقه بناء على الطريقة الحديثية خطأ، فهي طريقة صحيحة وقد أيدها ودعا إليها عدد من أهل العلم كالشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ الألباني رحمه الله.
ولكن المقصود أن هذه الطريقة لا تخرج لنا فقيها، فقد تخرج لنا هذه الطريقة محدثا أو طالب فقه، ولكن الملكة الفقهية ستكون ضعيفة.
أما السؤال ( كيف تخرج الأوائل قبل ظهور المذاهب )
فالجواب عنه أن نقول:
كيف تخرج الأوائل قبل ظهور علم النحو ؟
كيف تخرج الأوائل قبل ظهور علم الصرف ؟
كيف تخرج الأوائل قبل ظهور علم المصطلح ؟
كيف تخرج الأوائل قبل ظهور أصول الفقه ؟
كيف تخرج الأوائل قبل ظهور علوم البلاغة ؟
إما أن تجيب عن هذه الأسئلة بنفس الجواب الذي في ذهنك، وبناء عليه تطلب العلم بغير دراسة شيء هذه العلوم مطلقا، وإما أن يكون كلامك متناقضا.
فالمقصود يا أخي الكريم أن كل عصر وله طريقته في طلب العلم، فلا يصح أن تقيس نفسك على العلماء الأوائل في كيفية دراسة العلوم، فتريد أن تهدر مئات السنين من التراث العلمي الذي بناه أسلافنا ؟!
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:49 PM
(السؤال)
الفرق بين قولهم: الحكم تعبدي، وقولهم: لا نعلم الحكمة؟
(الجواب)
قول العلماء: ( هذا الحكم تعبدي ) ليس معناه أنه خال من الحكمة، ولكن معناه أن الحكمة غير معلومة لنا، وهذا المعنى قد نص عليه غير واحد من أهل العلم وخاصة من المالكية، كالقرافي.
وقولهم: ( الحكمة غير معلومة لنا ) ليس معناه أننا لا يمكننا أن نصل إليها، ولكن معناه أننا ليس معنا دليل عليها على وجه القطع واليقين، ولا يمنع ذلك من الاجتهاد في معرفتها والنظر فيها على وجه الظن والرجحان.
فإذا قلنا: ( وهذا غير معلوم ابتداء ) فهذا نفي لعلم ذلك، ومن الواضح أن نفي العلم لا يعني نفي الظن والاجتهاد؛ وإنما المقصود أنه ليس عندنا دليل واضح على الحكمة المخصوصة في ذلك.
ولا يعد أهل العلم هذا من باب إحداث قول جديد فيكون مخالفا للإجماع، كلا، بل الأمر في ذلك واسع، كما قال ابن عاصم:
وحيثما لأهل عصر قد خلا ................ في الحكم قولان لهم فما علا
فلا يجيز غيرُ أهل الظاهر ................ إحداثَ قول ثالث للآخر
وجائز أن يحدث الدليل ................ للأكثرين وكذا التأويل
وهذا ما فعله ابن القيم رحمه الله، ويفعله كثير من أهل العلم في مسائل مخصوصة، فيجتهدون في بيان الحكمة من هذا التشريع أو ذاك، حتى لو كان تعبديا.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:49 PM
(السؤال)
هل تصح نسبة الصنعاني والشوكاني والألباني للمذهب الظاهري
(الجواب)
هؤلاء أئمة مجتهدون مستقلون ، مثلهم كمثل كثير من الأئمة الذين وافقوا الظاهرية في كثير من المسائل ، كالإمام أحمد ، وأبي ثور ، وابن المنذر ، وابن جرير الطبري ، وغيرهم .
لا أقصد (بالاستقلال في الاجتهاد) ما اصطلحوا عليه بأخرة .
وإنما المقصود أنهم لا ينتسبون لمذهب معين، فالصنعاني لم يقل إنه ظاهري، ولم ينسبه أهل العلم للظاهرية، وكذلك الشوكاني.
وكونه يوافق الظاهرية في بعض المسائل هذا موجود في جميع المذاهب، فمجرد التوافق بين الرأيين لا يكفي في نسبة الشخص إلى الظاهرية .
قال الشوكاني في إرشاد الفحول عن الظاهرية :
(( وما هذا بأول مسائلهم التي جمدوا فيها جمودًا يأباه الإنصاف وينكره الفهم ويجحده العقل )) .
فلا أدري كيف يقال بعد ذلك : إن الشوكاني ظاهري ، أو على شعرة من الظاهرية ؟!
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:50 PM
(السؤال)
الاستخباث هل هو علة شرعية؟
(الجواب)
حاصل كلام شيخ الإسلام - كما أفهم - أن الاستخباث راجع إلى صفة من صفات الذات في الشيء نفسه، فكأن كلامه راجع إلى النفع والضر، فالخبيث هو الضار، والطيب هو النافع.
والذي ينبغي أن يقال إن النص الشرعي جاء بأن (الخبائث) محرمة، وأن (الطيبات) حلال، وهناك أشياء لا يختلف فيها أنها من الطيبات، وأشياء لا يختلف فيها أنها من الخبائث، فهذان طرفان واضحان في الحكم الشرعي.
وأما ما بينهما فقد يكون أقرب إلى الخبث، وقد يكون أقرب إلى الطيب، ويشتبه على الناس كلما قرب من الوسط بينهما.
وهذا راجع إلى قاعدة كلية شرعية أشار إليها الحديث (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات)، وفصل القول فيها الإمام أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات، وهي أن اختلاف النظر بين المجتهدين كثيرا ما يرجع إلى ما يماثل ذلك من مواضع الاشتباه، ليس لعدم وضوح الحكم، وإنما لأن بعض المجتهدين يرى إلحاق المشتبه بأحد الطرفين ويراه الآخر أقرب إلى الطرف الآخر.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:52 PM
(فائدة) في الفرق بين الترجيح والفهم
ينبغي أن أوضح طريقتي في بحث مثل هذه المسائل؛ وهي منهجية ينبغي التمسك بها في البحث عموما، وهي التفريق بين ( فهم كلام أهل العلم وتنزيله على وجهه )، وبين ( الترجيح بين الأقوال المختلفة )
فإن الترجيح يا أخي الكريم ليس مسألة سهلة، بل أحيانا يتردد الإنسان عشرين سنة قبل أن يرجح قولا على قول ! وهذا كثير عند أهل العلم، كما قاله السيوطي في بعض المسائل في حياة الأنبياء أظن، وقال القرافي في الفروق إنه بحث مسألة واحدة ثماني سنين ! وغير ذلك مما هو مشهور عند أهل العلم.
لأن الترجيح يقتضي من الباحث أن يستوعب جوانب النظر في المسألة، وهذا لا يتيسر لكل أحد، بل لا يتيسر إلا لمن قضى عمرا طويلا في البحث والدرس والفحص والتمحيص، ولذلك تجد كثيرا من أهل العلم يرجحون قولا على قول ثم لعلهم يرجعون إلى قول آخر بعد سنين طويلة !
ولذلك فإن طالب العلم ينبغي أن يكون همه ابتداءً فهم كلام أهل العلم فهما صحيحا، ومعرفة محل الخلاف والوفاق معرفة صحيحة؛ لأن كثيرا من الناس يعد كلام أهل العلم خلافا وعند التحقيق تجد المعاني متفقة، وقد ذكر الشاطبي في أواخر الموافقات عشرة أوجه ينبغي مراعاتها عند نقل الخلاف، فإن مجرد فهم أقوال أهل العلم وتحقيق موطن النزاع مسألة صعبة، وقد أخطأ فيها كثير من كبار أهل العلم فضلا عن صغارهم.
وأما الترجيح بين الأقوال، فينبغي أن يكون مرحلة تالية بعد ذلك، وبعد المبالغة والاستقصاء واستفراغ الوسع في البحث وعدم الاكتفاء بما هو مسطر في أدلة كل فريق؛ لأننا وجدنا كثيرا من المسائل عليها أدلة ليست مذكورة في مواطنها من مناظرات أهل العلم !
والله الموفق والهادي
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:52 PM
السؤال:
قال السيوطي في (الأشباه والنظائر) «القاعدة العشرون: المتعدي أفضل من القاصر»: "وسئل «أي الأعمال أفضل؟ فقال: إيمان بالله, ثم جهاد في سبيل الله, ثم حج مبرور» وهذه كلها قاصرة" ا.هـ [الأشباه والنظائر ص. 144]
فما وجه جعله الجهاد قاصراً؟!
الجواب:
( المتعدي والقاصر ) المقصود به في الثواب والعقاب ، وليس في أن وراءه من يدافع عنهم . يعني مثلا طلب العلم متعد ؛ لأن العالم يوصل العلم إلى الناس فينتفعوا به ؛ لأن انتفاع الطلاب بالعلم أمر شرعي . أما طلب الرزق فهو قاصر حتى إن كان لديك ذرية ؛ لأن انتفاع الذرية بالطعام أمر دنيوي . وبناء على فهمك للمتعدي لا يمكن أن يوجد قاصر أصلا ؛ لأنه لا يتصور عمل إلا ويتعلق به أناس غير صاحب العمل، بل حتى الإيمان والصلاح في ذات الشخص ينتفع به أبناؤه وأحفاده كما قيل في قوله تعالى : { وكان أبوهما صالحا }.
والله أعلم .
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:53 PM
السؤال:
لقد قرأت فى شرح لحديث "إنما الأعمال بالنيات" أن العلماء اتفقوا على أن "إنما" تفيد القصر واختلفوا فى كيفية افادتها للقصر فمنهم من قال تفيد القصر بالمنطوق ومنهم من قال تفيد القصر بالمفهوم ومنهم من قال تفيد القصر بالحقيقة العرفية
فهل ممكن أن يتفضل أحد مشكورا فيوضح لى الفرق ؟ويبين لى ما ثمرة هذا الخلاف؟
الجواب:
أولا: حكاية الاتفاق أن (إنما) تفيد القصر فيها نظر؛ فقد اعترض بعض العلماء على إفادتها القصر، منهم الآمدي والطوفي وأبو حيان، ولكن الجمهور على إفادتها ذلك.
ثانيا: إفادة الكلمة لمعنى من المعاني إما أن تكون عن طريق المنطوق وإما عن طريق المفهوم، فإذا قلت مثلا: أعط الرجال كذا، استفدنا منه بالمنطوق أننا نعطي الرجال، واستفدنا منه بالمفهوم أننا لا نعطي الأطفال.
ومن المعروف عند أهل العلم أن دلالة المنطوق أقوى من دلالة المفهوم، ففائدة الخلاف تظهر عند تعارض مفهوم ومنطوق ولم يمكن الجمع فإننا نلجأ إلى الترجيح، فيترجح المنطوق، فإذا تعارض نص فيه حصر بإنما مع نص آخر، فعلى القول بأن دلالتها دلالة مفهوم يرجح النص الآخر، وعلى القول بأن دلالتها دلالة منطوق ينظر في مرجح آخر؛ لأنهما نصان تعارضا.
ثالثا: من المعروف أن الحقيقة ثلاثة أنواع: حقيقة لغوية وحقيقة شرعية وحقيقة عرفية، فإذا قلت مثلا (صلاة) فهي حقيقة لغوية في الدعاء مثلا أو غيره، وحقيقة شرعية في العبادة المعروفة، وحقيقة عرفية في الصلاة على النبي مثلا.
وإذا تعارضت النصوص المشتملة على حقائق فإننا نقدم الحقيقة الشرعية ثم الحقيقة العرفية ثم الحقيقة اللغوية؛ لأن الشرع له الحق الأول فلذا يقدم، والعرف مخصص للغة فلذلك يقدم تخصيصه على عمومها، وهكذا.
ففائدة الخلاف تظهر عند تعارض نص فيه إنما مع نص آخر فيه حقيقة شرعية أو حقيقة لغوية، فمن قال إن فائدتها القصر بالحقيقة العرفية فإنه يقدمها عند تعارضها مع حقيقة لغوية ويؤخرها عند تعارضها مع حقيقة شرعية، وهكذا.
والله تعالى أعلم.
--------------
(استشكال من السائل)
إذا قلنا إنما زيد قائم استفدنا أن زيد قائم وليس بجالس أو مضجع فقد قصرنا زيد على صفة القيام بالمنطوق فمن قال أن "إنما"تفيد القصر بالمفهوم ماذا يقول أو بطريقة أخرى كيف تفيد القصر بالمفهوم عنده؟
الجواب:
الإفادة واحدة في الحالتين.
ولكن الخلاف بينهم في قوة هذه الإفادة، فمن المعلوم أن قوة المنطوق أكبر من قوة المفهوم.
لم أفهم تماما وجه الإشكال عندك، ولكن أضرب لك هذا المثال:
إذا قلت: (أكلت سمكا)، ثم قلت: (أكلت لحما)، فهنا تعارض مفهوم الجملة الأولى مع منطوق الجملة الثانية فيقدم منطوق الثانية.
ولكن إذا قلت: (إنما أكلت سمكا)، ثم قلت: (أكلت لحما)، فهنا تعارضت الجملتان، فكيف نرجح؟
إن قلنا: إن دلالة الجملة الأولى على نفي ما عدا السمك دلالة منطوق، فحينئذ لا يصلح أن نرجح بقاعدة المنطوق والمفهوم، لأن كليهما من المنطوق، فنبحث عن مرجح آخر.
وإن قلنا: إن دلالة الجملة الأولى على نفي ما عدا السمك دلالة مفهوم، فحينئذ نقدم المنطوق في الجملة الثانية، ويكون المعنى: قصرت أكلي على السمك واللحم فقط.
أي أننا جعلنا دلالة القصر في الجملة الأولى أضعف من دلالة النص في الجملة الثانية.
وهذا يشبه مسألة دلالة العام والخاص:
فإذا قلنا بمذهب الجمهور إن دلالة العام على أفراده ظنية فحينئذ نقدم الخاص على العام.
وإن قلنا بمذهب الحنفية إن دلالة العام على أفراده قطعية فحينئذ لا يصح أن نقدم الخاص على العام، ولكن نبحث عن مرجح آخر؛ لأنهما استويا في قوة الدلالة.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:53 PM
السؤال:
لماذا نجد الاختلاف كثيرا في مسألة إفادة خبر الواحد للعلم
الجواب:
يجب أن نفرق بين مسألتين:
- الأولى: وجوب العمل بحديث الآحاد مطلقا في الاعتقاد والعمل .
- الثانية: إفادة حديث الآحاد العلم القطعي اليقيني .
فالمسألة الأولى حق لا إشكال فيه، والمسألة الثانية خطأ شائع لم يقل به أحد يعتبر به من أهل العلم إلا ابن حزم.
والخلط بين المسألتين أوقع كثيرا من الناس في الزلل فالتزم لوازم باطلة من أجل ظن التلازم بين المسألتين.
والفرق بينهما أن خبر الواحد أمرنا الله عز وجل أن نعمل به، وقد عمل به الصحابة والتابعون من بعدهم، ولم يفرق أحد منهم بين باب العمليات وباب العقائد، وبناء على هذا كله وجب العمل به في البابين ولا فرق.
أما إفادة العلم اليقيني فلا يمكن أن نقول إن خبر الواحد يفيد العلم اليقيني بإطلاق، وإنما قد يفيد العلم اليقيني إذا احتفت به القرائن المفيدة لذلك، مثل أن يكون الحديث في الصحيحين، أو يكون متلقى بالقبول، أو مجمعا على معناه أو نحو ذلك من القرائن على خلاف بين أهل العلم.
ولو كان خبر الواحد يفيد العلم اليقيني بإطلاق، لما كان هناك مجال لتخطئة راو من الرواة، ولما كان هناك مجال لتخطئة بعض الصحابة بعضا، ولما كان هناك مجال لطلب أبي بكر من الصحابي الثقة أن يأتي بمن يشهد له، ولما كان هناك مجال لاستحلاف علي بن أبي طالب من يحدثه عن رسول الله، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ولذلك لم يقل أحد يعتد به من أهل العلم إن خبر الواحد يفيد اليقين بإطلاق.
فالعلماء الذين قالوا إن خبر الواحد لا يفيد العلم يعنون ذلك، ولا يقصدون أنه مشكوك فيه، فيظن من لا يعرف اصطلاحهم أنهم يطعنون في الشريعة.
وقد بين هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر أن المشكلة في كلمة (العلم) واختلاف الاصطلاح فيها، فالاصطلاح الشرعي أن كل من حكم بدليل فهو حاكم بعلم، كما قال تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات} وقال تعالى: {إن علمتم فيهم خيرا}، فكل من حكم بدليل شرعي معتبر فهو حاكم بعلم، هذا هو الاصطلاح الشرعي، وبناء عليه فإن حديث الآحاد الصحيح يفيد العلم بهذا المعنى.
ولكن الاصطلاح الكلامي والأصولي أن العلم هو اليقين المطلق الذي لا يحتمل النقيض، ولا يقبل التشكيك، ومن المعلوم أن حديث الآحاد ليس بهذه الصفة؛ لأننا مثلا إذا حكمنا على حديث بأنه صحيح فلا يمتنع أن نجد بعد ذلك علة فيه، كما جاء عن بعض المحدثين: ربما أدركت علة حديث بعد ثلاثين سنة، ولكن هذا غير وارد في القرآن مثلا، فلا يمكننا أن نكتشف زيادة آية أو نقص آية بعد ألف سنة !!
وهذا أيضا غير وارد في المتواتر؛ لأنه قد اكتسب قطعيته من تواتره، فإذا قلنا إنه غير قطعي فهذا يعني أنه غير متواتر، وقد قلنا ابتداء إنه متواتر، هذا خلف، فثبت أنه قطعي لا يحتمل النقيض.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:54 PM
السؤال:
ما ترتيب الأدلة بحسب الظنية والقطعية مع الثبوت والدلالة؟
الجواب:
النصوص من حيث الدلالة والثبوت أربعة أقسام:
1 - قطعي الدلالة قطعي الثبوت
2 - قطعي الدلالة ظني الثبوت
3 - ظني الدلالة قطعي الثبوت
4 - ظني الدلالة ظني الثبوت
وترتيبها في القوة بحسب الترتيب السابق أيضا، وهذا عند عدم إمكان الجمع كما هو معروف.
فتقديم الأول على الثاني لأن النص إذا كان قطعي الدلالة والثبوت فإنه مقدم على القطعي الدلالة الظني الثبوت كما هو واضح، ولذلك يقدم العلماء المتواتر على الآحاد، بل يقدمون بعض الآحاد على بعض بحسب القوة، فتقديم المتواتر أولى.
وتقديم الثالث على الرابع أيضا واضح؛ لأن الرابع لا يتميز عن الثالث بشيء، في حين يفوز الثالث بقطعية الثبوت.
وأما تقديم الثاني على الثالث فهو الذي يظهر لي من صنيع أهل العلم؛ لأن العمل بالنصوص واجب متفق عليه بين أهل العلم، ولا يلزم في كل نص أن يكون متواترا؛ لأن المتواتر من النصوص أقل القليل.
وظنية الثبوت متفق على العمل بها بين أهل العلم، بخلاف ظنية الدلالة فإن فيها كثيرا من الأشياء المختلف فيها.
ولذلك فالذي يظهر لي من كلام أهل العلم أن الثاني مقدم على الثالث اتفاقا.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:54 PM
السؤال:
ما قولكم فيما قاله الكردي في: "الفتاوي"(ص/257) :
"ودعوى الإجتهاد اليوم في غاية من البعد، وقد قال الإمام الرافعي والنووي-وسبقهما إلى ذلك الفخر الرازي- : (الناس كالمجمعين اليوم على أنه لامجتهد) "انتهى.
الجواب:
كيف يجمعون وليس فيهم مجتهد؟
والإجماع لا يصح إلا من المجتهدين أصلا؟
فلا عبرة بالمقلد لا في الإجماع ولا في الخلاف.
فقولنا (الناس مجمعون على أنه لا مجتهد) تناقض محض !! لأنه لا إجماع من المقلدين.
وإذا جاءك ملحد يطعن في شرع الله عز وجل ويقول: إيتوني بمجتهد منكم أناظره، فماذا نحن قائلون له؟!
العلماء الذين أغلقوا باب الاجتهاد إنما أغلقوه سدا للذريعة ومنعا للصغار والأغمار من الاعتراض على الكبار من العلماء؛ لأن الصغار يفهمون الاجتهاد على أن معناه أن تخالف غيرك !!
فرأوا أن إغلاق باب الاجتهاد مفسدة قليلة تدرأ بها مفسدة أكبر وهي أن تصير الشبهات والشهوات والأهواء من أهل الجهالات اجتهادات !
ولا يظن بعاقل - فضلا عن عالم - أن يغلق باب الاجتهاد إغلاقا حقيقيا، وكم لابن الصلاح وللنووي والزركشي وغيرهما ممن أغلقوا باب الاجتهاد من اجتهادات وبحوث ومقالات من أروع ما يكون ما سبقهم إليها أحد.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:55 PM
السؤال:
أريد معرفة القول الراجح في هذه المسألة التي اختلف فيها العلماء
وهي مسألة إمكانية إثبات وقوع إجماع بعد عصر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ
الجواب:
أما السؤال عن (الراجح) فينبغي أن يُعلم أن هذه كلمة لا معنى لها إلا بالإضافة، فالراجح معناه الراجح عند المتكلم أو عند من ينقل المتكلم قولهم.
أما الراجح بإطلاق فهو ما اتفق العقلاء على كونه راجحا.
وأما مسألة تحقق الإجماع بعد عصر الصحابة، فالخلاف فيها شاذ، ولا ينبغي أن يختلف في هذه المسألة، لماذا؟
لأن الشبهات التي يذكرها من يطعن في إثبات الإجماع واردة أيضا على عصر الصحابة، فلا يكون هناك معنى للتفريق.
وقد كان أهل العلم في القرون الأولى يحتجون بالإجماع، وينكر بعضهم على بعض إن جاء بقول لم يسبق إليه، ولهذا تجد في كلام أهل العلم (وهذا قول لم يسبق إليه) أو نحوه كثيرا جدا.
ولكن الإشكال حصل عندما وضع الأصوليون المتأخرون حدودا نظرية للإجماع، بحيث صار مجرد تصوره يقضي بعدم إمكان حصوله، وهذا جعل كثيرا من المنتسبين للعلم ينكرون إمكان حصول الإجماع، ومن ثم ينكرون الاحتجاج به، ولو عرفوا أن الإجماع الأصولي النظري يختلف عن الإجماع الواقعي العملي المستعمل في كلام السلف لما أنكروه.
وهذا الإنكار باطل، والدليل على بطلانه أنه لو كان صحيحا لدل على أن علماء القرون الأولى كانوا من الحمقى والمغفلين، لخفاء هذا عليهم مع وضوحه، وهذا لا يليق بآحادهم فضلا عن مجموعهم.
والنقاش في مسائل الإجماع يطول، وقد حصل فيه خلط كبير لكبار أهل العلم فضلا عن أغمار عصرنا هذا.
ولذلك ينبغي أن يكون الحوار مبنيا على تحديد محاور واضحة حتى لا يتشتت؛ لأن هؤلاء المنكرين للإجماع يدخلون في مسائل كثيرة يموهون بها، فيذوب الحق في ميعة شبهات الباطل.
فمراتب النقاش في مسائل الإجماع هي:
= مرتبة النقاش مع من ينكر حجية الإجماع من الأصل، كالنظام ومن تبعه، وهؤلاء يندر أن تجدهم في عصرنا.
= مرتبة النقاش مع من يثبت حجية الإجماع، ولكنه يقول: لا يمكن ويستحيل أن يتحقق، وهؤلاء كثيرون في عصرنا.
= مرتبة النقاش مع من يثبت حجية الإجماع، ويقول: يمكن أن يتحقق، ولكن يقول: لا يمكن إثباته، وهؤلاء كثيرون أيضا في عصرنا.
= مرتبة النقاش مع من يثبت حجية الإجماع، ويقول: يمكن أن يتحقق، ويقول: يمكن إثباته، ولكن يقول: إنه لا يقدم على النصوص الشرعية.
والنقاش مع كل فئة من هؤلاء يطول، والسبب في خفاء الحق على كثير من الناس أنهم يناقشون كل مسائل الإجماع جملة واحدة، فتظهر الشبهات وتخفى الحقائق، ويموهون على العامة.
وطريقة النقاش تكون ببيان كل مرتبة بالترتيب السابق؛ لأنها مبنية على بعضها.
فالنقاش مع الفئة الأولى يكون ببيان النصوص التي تدل على أن الأمة لا تجتمع على باطل.
والنقاش مع الفئة الثانية تكون ببيان أن الشارع لا يمكن أن يخبرنا أن الإجماع حجة ومع ذلك يكون ممتنع التحقق.
......... وهكذا.
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:55 PM
السؤال:
ما الفرق بين الإجماع الأصولي والإجماع عند السلف؟ وهل ثبت عن أحمد إنكار الإجماع؟
الجواب:
اعلم أن كثيرا من الناس يخطئون في وضع كلام أهل العلم في غير موضعه، فيحتجون مثلا بقول الإمام أحمد (من ادعى الإجماع فقد كذب) على إبطال الإجماع، أو على أنه لا يمكن أن ينعقد، أو على غير ذلك.
ومسألة الخطأ في فهم كلام العلماء مسألة طويلة الذيل.
وينبغي لمن يتكلم في مسألة أو ينسب قولا إلى قائل أن يكون متحققا بما يقول، فلا ينسب له قولا بمجرد أن يرى نقلا عنه يفيد هذا المعنى؛ لأننا نعلم يقينا مثلا من أصول الإمام أبي حنيفة كذا وكذا، ونعلم يقينا من أصول الإمام مالك كذا وكذا، وهكذا باقي الأئمة، فلسنا نقبل أن يأتي بعض الناس فينسب لهؤلاء خلاف المعروف من كلامهم بناء على فهم فهمه هو من أحد نصوصهم؛ لأن النصوص الكثيرة لا يقاومها نص واحد قد نختلف في تخريجه وفهمه، ولذلك كان الصحابة أفهم الناس لنصوص الشرع؛ لأنهم كانوا أقرب الناس لصوقا بالنبي فكانوا أقرب لمراعاة القرائن وتتبع الأحوال والفهم الصحيح؛ لأن العقلاء جميعا يكتفون بالإشارة بناء على فهم السامع لما تركوا التصريح به، ولولا ذلك لما استطاع الناس أن يتخاطبوا إلا بأضعاف مخاطباتهم؛ لأن الواحد منهم حينئذ يحتاج في كل كلام يقوله إلى احترازات واحتياطات لا حصر لها، يضيع مقصود الكلام بينها، فلا يصل إلى ما يريد.
والمقصود هنا أن نسبة إنكار الإجماع إلى الإمام الشافعي والإمام أحمد من أظهر ما يكون من الباطل، ولا يخفى ذلك على مشتغل بمذهبهما، ولا على متتبع لأقوالهما، فقد احتجا بالإجماع في كثير من المواضع، والإمام أحمد نفسه يشتهر عنه قوله: لا تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.
وأما قوله (من ادعى الإجماع فقد كذب) فقد قاله ردا على بشر المريسي وأمثاله ممن يدعون الإجماع وهم ليس معهم إلا الظن الباطل، وليسوا ممن عرف بتتبع أقوال السلف أصلا حتى يعرفوا قليلا من أقوالهم فضلا عن إجماعهم، ولذلك ترى كل فرقة ضالة تدعي الإجماع على ما تقول، وليس معها في الحقيقة إجماع، إنما هي ظنت أن مذهبها هو الدين الحق، وما سواه باطل أو كفر، وبما أن الصحابة ليسوا كفارا، فلا بد أن يكونوا من القائلين بهذا القول، ولهذا اجترءوا على حكاية الإجماع في مسائل كثيرة يقطع الإنسان أنهم لم يتكلموا فيها مطلقا فضلا عن أن يجمعوا عليها.
وأما الفرق بين الإجماع الأصولي النظري والإجماع السلفي الواقعي، فهو أن الثاني أن يشتهر القول عن أهل العلم المتبوعين وينقله خلف عن سلف بغير نكير، فهذا هو الإجماع الذي كان السلف يحتجون به، أما الإجماع الأصولي فهو أن ينص كل واحد من المجتهدين على القول بحيث لا يتخلف واحد منهم، وهذا أنا لا أعرفه حاصلا في مسألة واحدة فقط، لا من مسائل العقائد ولا من مسائل الفروع.
فإن قيل: أنت بهذا تهدم كلام الأصوليين، وتدعي أنهم جميعا أخطئوا فيما قالوا.
فالجواب: ليس المراد ذلك، وإنما المراد أن قرائن الأحوال تدل على أن الأقوال المخالفة تشتهر وتنقل، ولا سيما في المسائل التي يحتاجها المسلمون جميعا، ولذلك وجدنا فيما نقل لنا من الأقوال أشياء لا يتصور الإنسان أنها يمكن أن تصدر من عاقل فضلا عن عالم، فما بالك بما هو أقرب للعقل من هذه الأقوال؟
فهذه القرائن تدل على تحقق هذا الإجماع النظري الذي يقول به الأصوليون؛ لأنه لو وجد المخالف لعرف قوله واشتهر، ولو عرف واشتهر لنقل إلينا، فدل عدم نقله إلينا على أنه لم يعرف، ودل عدم معرفته على أنه لم يكن، ولا يمكن أن يدعي أحد أن الإنسان مكلف بالبحث عن شيء لم يكن، أو بالتتبع لشيء لم يعرف ولم ينقل.
وهذا يدل على مقدار ما لدى الشوكاني ومن وافقه من الخلط في مسائل الإجماع، فإنهم ينكرون الإجماع بناء على شبهة واضحة البطلان عند العقلاء، وهي قولهم: رب مجتهد في زاوية لا يدري به أحد قد خالف في هذه المسألة.
فنقول لهم: وكيف يكلف الباحث بمعرفة مثل هذا؟
وكيف يكون القول الصحيح الذي يلزم المسلمين القول به عند هذا الرجل المعتكف في زاويته دون جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟!
وكيف ساغ لهذا المجتهد أن يرى الناس جميعا يقولون بقول باطل في دين الله، ويسعه مع ذلك السكوت وترك الإنكار؟!
وكيف ساغ لكم أن تحكموا على هذا الرجل بأنه مجتهد أصلا وهو لم يعرف بين الناس ولم يشتهر؟!
ومن الذي حكم عليه بأنه قد بلغ رتبة الاجتهاد أصلا حتى يعد قوله في أهل الاجتهاد فضلا عن أن يقدح في إجماعهم؟!
فمثل هذه الشبهات كثيرة الورود في كلام من لم يتحقق من فهم كلام أهل العلم، فيظن أن الإجماع الأصولي النظري هو الإجماع المستعمل في نصوص أهل العلم قديما وحديثا، ولو نظرت في المسائل التي حكى فيها العلماء الإجماع فلن تجدها خارجة عن هذا، فلا يمكن أن يتصور عاقل يفهم الكلام أن العلماء الذين ينقلون الإجماع قد تتبعوا جميع المجتهدين واحدا واحدا بحيث لا يتخلف عنهم واحد ثم سألوا كل واحد منهم عن نص الواقعة بعينها، ثم أجابهم الجميع بالجواب نفسه.
وقد استشكل كثير من الناس ما جاء في بعض كتب الأصول من ترجيح عدم حجية الإجماع، وخفي عليهم المراد بذلك، وإنما مراد هؤلاء الأصوليين القدح في قطعية الأدلة المسوقة، وليس المراد القدح في الاحتجاج جملة، فإن الإجماع في أكثر أحواله ظني، وكلام الأصوليين إنما هو عن القطعي هنا.
وقد جاء في مقدمة ابن القصار الأصولية نقاش طويل الذي عن الشبهات الواردة على الإجماع والرد عليها، وقد أطال فيها بما لم أره في غيره من كتب الأصول، ولكن الردود في بعض الأحيان ضعيفة تحتاج لمزيد بيان، ولا سيما في هذا العصر الذي كثر فيه منكرو الإجماع، بدعوى الوقوف مع النصوص.
وليس غرضهم في الحقيقة الوقوف مع النصوص، وإنما غرضهم اتباع الهوى في فهم النصوص كما يحلو لهم؛ لأنه حينئذ لا يقف أي حاجز بينهم وبين فهم ما يشاءون من أي نص يشاءون.
فلو جاءنا اليوم أحد يزعم أن اليهود والنصارى مسلمون، فماذا نحن قائلون له؟
نقول له: ما دليلك على هذا، فيقول: دليلي قوله (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وكثير من اليهود والنصارى قد سلم منهم المسلمون.
نقول له: هذا مخالف لقطعيات الشريعة، فيقول: مفيش حاجة اسمها قطعي ولا ظني، كل النصوص سواء!!
نقول له: ولكن هذا مخالف لنصوص أخرى، فيقول: أنا معي نص وأنتم معكم نص، وكل واحد حر في النص اللي هو عايزه!!
نقول له: هذا مخالف للإجماع، فيقول: مفيش حاجة اسمها إجماع، ليس عندنا إلا الكتاب والسنة.
نقول له: هذا لم يقل به أحد من العلماء، فيقول: وهو أنتم عرفتوا أقوال جميع العلماء؟!
طيب هاتوا لي أقوال عشرة من علماء بنجلاديش في هذه المسألة!!!
هاتوا لي أقوال عشرة من علماء (بلاد الواق الواق) !!
هاتوا لي أقوال الحسن وابن سيرين وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والنخعي وغيرهم من التابعين وأتباعهم في هذا الباب ؟!!!
أبو مالك العوضي
2011-12-23, 02:56 PM
السؤال:
هل لي الاكتفاء بالنقل من كتب السنن محتجا بالأحاديث إذا كان اصحاب السنن لم يتكلموا فيه وبغض النظر عن ثبوت ذلك السند بعينه أم لا بل يكفييني ان الامام رواه في سننه ومرفوعا او موقوفا ولم يعلق عليه فهذا معناه انه يقول:هذا الحيث ثابت بعينه، وان اتاني ات وقالهذا الحديث ضعيف او لا يثبت.ويكون ردي بل هو ثابت اما بلفظه او معناه اوسند اخر او لقرائن وهذا لان الصدر الاول اعلم وافقه واتقن بلا شك؟
الجواب:
أخي الكريم
يجب أن تفرق بين القواعد الأغلبية وبين المسائل المعينة، فطالب العلم ينبغي أن يعرف القواعد العامة ولكنه ينبغي أن يعرف أيضا أن الخاص مقدم على العام، وأنه لا يصح أن يحتج بالعام ليبطل الخاص.
فنحن نعلم أن كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف، ولكن هذا ليس معناه أن كل أفعال جميع أفراد السلف كانت تخلو من البدع، وليس معناه أن كل إنسان من أفراد الخلف كان مبتدعا.
ونحن نعلم أن الصحابة والتابعين أعلم ممن بعدهم، ولكن هذا كلام عام من حيث الجملة، ولا يلزم منه أن يكون كل فرد من أفراد الصحابة والتابعين أعلم من كل فرد ممن جاء بعدهم.
وكذلك نحن نعلم أن أئمة الحديث المتقدمين كانوا أوسع علما وأكثر اطلاعا على الطرق والروايات والقرائن ونحو ذلك، وأنهم أفضل وأرسخ علما وأوسع نظرا من العلماء المتأخرين، ولكن هذا الكلام إجمالي عام وليس معناه أن كل واحد من المتقدمين أعلم من كل واحد من المتأخرين.
وكذلك عندما يقول الترمذي: كل حديث في كتابي قد عمل به إلا أربعة أحاديث، فهذه قاعدة عامة، وقد يكون خفي على الترمذي شيء يخالف ذلك، وأصلا الأحاديث الأربعة التي ذكرها قد عمل بها بعض السلف !
وأيضا ليس معنى أنه قد عمل بها أن الاحتجاج بها صحيح، بل معناه أن الأمة لم تجمع على خلافها، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هذا الخلاف شاذا، بدليل أن الترمذي نفسه قد يضعف كثيرا من الأحاديث التي عمل بها بعض العلماء.
وينبغي أن نعلم أيضا الفرق بين التصريح والسكوت، فالسكوت قد يكون عن نسيان أو سهو، أو لكون العالم ظن أن ما سكت هو عنه لا يخفى على من بعده، أو لغرض آخر لم نقف عليه.
أما تصريح العالم بأن هذا الحديث صحيح أو ضعيف فهذا أقوى ولا شك من السكوت، فلا يصح أن تحتج بسكوت عالم على تصريح عالم آخر؛ لأن السكوت فيه احتمالات كثيرة بخلاف التصريح.
وكثير من الأحاديث التي سكت عليها أبو داود واضحة الضعف جدا، وقد بين العلماء من بعده هذا الأمر، وأصلا مسألة سكوت أبي داود وحكمه فيها نظر من جهة ثبوت ألفاظ القصة عنه ودلالتها كما بين الألباني في مقدمة صحيح وضعيف أبي داود.
وأما قولك: قد يحتج بالحديث ما دام الصدر الأول لم يتكلموا في رده، فهذا كلام صحيح ولكن ما معناه ؟
ليس معناه أن أبا داود أخرج الحديث، بل معناه أن الحديث متداول عند السلف بغير نكير منهم، فحينئذ يصح الاحتجاج به؛ لأنه يشبه الإجماع السكوتي.
أما إذا سكت أبو داود على حديث ووجدت النقاد قد ضعفوا الحديث فحينئذ لا يصح أن تقول: نحتج بسكوت أبي داود.
وأما مسألة الثبوت بسند آخر فهذا كلام باطل لا يصح أن يحتج به؛ لأن هذا الكلام لا يختلف عن قولي: لعل لهذا العالم دليلا من الأحاديث لم يبلغنا، أو لعل لهذا الحديث حديثا آخر ناسخا له لم يبلغنا.
فالاحتجاج بما لم يبلغنا احتجاج باطل باتفاق أهل العلم؛ لأنه احتجاج بالمعدوم، والله عز وجل قد كلفنا بما وصل إلينا، ولم يكلفنا أن نتعبده بشرع لم يبلغنا.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2012-01-03, 08:02 AM
السؤال:
عن قرينة صرف الأمر من الوجوب إلى الندب عند النووي وغيره.
الجواب:
الذي ظهر لي من كلام الإمام النووي رحمه الله أنه يعتمد في صرف الأمر إلى الندب في كثير من كلامه على الإجماع، ولا يصرح بذلك لوضوحه.
ومن المعلوم أن الإجماع هو أقوى القرائن الصارفة عن الوجوب، ولكن هذا الإجماع قد يخالف فيه قلة قليلة، أو فئة نادرة لا يعتد بهم عند الإمام النووي، فيعتمد على الإجماع في الصرف أيضا حتى مع وجود المخالف الشاذ.
وأما القول بأن الأصل في الأمر التنزيه حتى يدل دليل على الوجوب فهو قول ضعيف فيما أرى.
والقول بأن الأصل في الأمر الوجوب حتى تصرفه قرينة هو قول قوي، ولكن أقوى منه عندي أنه لا يوجد أصلا في الشريعة أمر مجرد من القرائن، اللهم إلا أن يكون شيئا نادرا لا يعتمد عليه في التقعيد والتأصيل.
فمن المعلوم يقينا أن بعض الأوامر في الشريعة وردت للإيجاب، ومن المعلوم يقينا أن بعض الأوامر في الشريعة وردت للندب، وليس بيد أحد الفريقين استقراء للأوامر لادعاء أن أحد الأمرين أكثر من الآخر كثرة توجب جعله هو الأصل.
ولما كان الأمر بهذا التقارب الواضح في نصوص الشرع، وكذلك لما كان من المعلوم أن النبي بعث مبينا عن الله، دل ذلك على أن الأصل في الأوامر أن تكون محتفة بقرائن تدل على المراد منها، وهذه القرائن قد تخفى على بعض الناس، ولا يقدح هذا في نفس الأمر.
والحنفية عندما قالوا إن عمل الراوي بخلاف ما روى يضعف الرواية كان لديهم فقه في هذا الأمر، وأظنهم عنوا بالتضعيف تضعيف الوجوب لا تضعيف النص؛ لأن تضعيف النص بعمل الراوي ليس بأولى من تضعيف عمل الراوي بالنص.
ولكنهم عنوا - فيما أحسب - أن عمل الراوي بخلاف النص يدل على أن المراد من النص خلاف ظاهره، فإن كان ظاهره يدل على الوجوب وعمل الراوي بالاستحباب، فهذه قرينة واضحة على أن الأمر مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب.
وإن كان ظاهر النص يدل على التحريم وعمل الراوي بخلافه، فهذه قرينة واضحة على أن الأمر مصروف عن التحريم.
وهذا الكلام كلام إجمالي، ولا يلزم أن يعمل به في كل المسائل كما هو واضح، وإنما المقصود ضرب المثال، فمثلا قد يكون ما فعله الصحابي هذا اجتهادا منه خالفه فيه جمهور الصحابة، فحينئذ لا يمكن أن يقدم فهم واحد من الصحابة للنص على فهم الجماعة من الصحابة.
وموضوع القرائن من المباحث الأصولية التي لم تحظ بحقها في البحث والدراسة، ومحل الصعوبة أن القرائن هي نوع من الأدلة ولكنها فيها خفاء وفيها ضعف أحيانا، وتحتاج إلى تأمل ونظر طويل، وتحتاج أيضا إلى تتبع واستقراء، من أجل ذلك وغيره كان مبحث القرائن صعبا جدا، ويقع الخلاف فيه كثيرا بين أهل العلم وخاصة من المتأخرين.
والله أعلم.
والإمام مالك رحمه الله أيضا عندما قدم عمل أهل المدينة على خبر الواحد كان عنده فقه دقيق؛ مع أن هذا الأمر قد شنع عليه فيه كثير من مخالفيه، وأظنهم لم يفهموا مراده رحمه الله.
فالأمور الشرعية التي قد تخفى أو يمكن أن ينفرد بنقلها الواحد هذه الأمور لا بأس أن ينفرد بنقلها واحد من الصحابة وعنه واحد من التابعين وهكذا.
ولكن من غير المحتمل أن تكون شرعة ربانية لازمة للأمة وينفرد بنقلها واحد وتخفى على جميع الصحابة مع لزومها لجميعهم ووجوبها عليهم.
فإن قلنا إن هذا محتمل في حياة النبي مثلا إذ قد يوحى إليه في آخر حياته ويبلغ لواحد من الصحابة فقط
إن قلنا ذلك، فإن هذا الاحتمال يضعف بعد ذلك؛ لأن هذا الصحابي إن لم يبلغ إلى غيره من الصحابة بعد وفاة النبي ولم يبلغ إلى التابعين ويشتهر الأمر عنه بعد ذلك فهذا يدل على أن هذا الأمر ليس من الشرائع اللازمة للمسلمين التي تعم بها البلوى؛ لأنه لا يمكن أن ينفرد واحد في بيته بشريعة من شرائع رب العالمين ولا تعرف بين المسلمين، وخاصة في المدينة النبوية.
فمثل هذه الأمور الظاهرة ينقلها الصحابة عادة عن النبي وتشتهر بينهم حتى لو لم يسمعها منهم إلا واحد، ثم تشتهر بين التابعين كذلك حتى لو لم ينقلها منهم إلا واحد.
فإذا كان الخبر المنقول واحدا عن واحد موافقا لعمل الصحابة والتابعين فهذه قرينة قوية جدا على صحة هذا النقل، وإذا كان الخبر المنقول واحدا عن واحد مخالفا لعمل الصحابة والتابعين فهذه قرينة قوية جدا على عدم صحة هذا النقل، إما لضعفه، وإما لخطأ في فهمه أو روايته بالمعنى أو صرفه عن ظاهره، أو غير ذلك.
فأهل المدينة الذين عاصرهم الإمام مالك هم أولاد الصحابة، ومن المعلوم أن أولاد الصحابة هؤلاء كانوا على دين آبائهم في الأغلب الأعم، ومن المعلوم أن آباءهم من الصحابة كانوا على الدين الذي تلقوه عن النبي في الأغلب الأعم.
وهذا الأمر شبيه بنقل التواتر، ومن المعلوم أن المتواتر لا يطعن فيه بنقل الآحاد.
ومن العجيب أن يتهم الإمام مالك بالتفرد بهذا القول، مع أن جماهير أهل العلم يحتجون بما يشبه هذه الحجة، حتى أهل الحديث في إعلال الروايات يحتجون بما يشبه هذه الحجة.
أبو مالك العوضي
2012-01-03, 08:02 AM
السؤال:
هل ثبت اللحن في احد من الصحابة ؟
الجواب:
الصحابي هو من لقي النبي مؤمنا به ومات على ذلك
وهذا يشمل العرب وغير العرب، ولو أسلم العجمي الذي لا يحسن العربية فلا يبعد أن يقع منه اللحن في كلامه كما هو حال الأعاجم، بل كما هو حالنا الآن !!
وقد ورد في بعض الأحاديث أن رجلا لحن بحضرة النبي فقال: أرشدوا أخاكم فقد ضل، وهذا الحديث غير صحيح، ولكنه غير مستبعد؛ لأن اللحن له أسباب:
- منها أن يكون سبق لسان
- ومنها أن يكون الرجل من إحدى القبائل التي خالطت الأعاجم فدخل لسانها شيء، ولذلك لا يأخذ أهل اللغة إلا عن بعض القبائل دون بعض.
- ومنها أن يكون الرجل أعجميا وقد أسلم
أبو مالك العوضي
2012-01-03, 08:03 AM
السؤال:
لأي قفال هذه العبارة؟ (إنما طلب منه سجود السهو ، ووجبت الكفارة على المخطئ لكون الفعل في نفسه منهياً عنه ..) هكذا نقلها عنه الإمام ابن حجر في الفتح، ولا أدري أهو القفال محمد بن علي المتوفى سنة 365هـ أم هو القفال الصغير عبدالله بن أحمد المتوفى سنة 417هـ أم هو القفال الشاشي المتوفى سنة 507هـ ؟ وبعد التحديد أرجو إفادتي أين أجد عبارته هذه؟
الجواب:
هذه العبارة نقلها الزركشي في البحر المحيط عن كتاب الأسرار للقاضي حسين، فالقاضي حسين نقلها إذن عن شيخه القفال، لأنه معلوم أن القاضي حسين (المتوفى سنة 462) قد تفقه على أبي بكر القفال المروزي المتوفى 417، فهو صاحب العبارة المقصودة.
أبو مالك العوضي
2012-03-01, 11:46 PM
السؤال:
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي رحمه الله وغفر له وللقارئ في روضة الناظر وجنة المناظر:
قال الــبستي: الكـامل فـــي العـــموم: هــو الــجمع، لوجود صورته ومعناه، وما عداه قاصر في العموم؛ لأنه بصيغته إنما يتناول واحدًا، لكنه ينتظم جمعًا من المسميات معنى، فالعموم قائم بمعناها، لا بصيغتها. من هو البستي وما مرجع الشيخ لهذا القول اريد الكتاب الذي اقتبس منه العبارة ؟
الجواب:
وفقك الله وسدد خطاك
ذهب الشيخ عبد الكريم النملة إلى أن المقصود هو الخطابي (كما في شرحه على روضة الناظر)
ولكن هذا فيه نظر؛ لأن الكلام بعيد عن أسلوب الخطابي.
وذهب محقق التحبير شرح التحرير إلى أن المقصود هنا هو أبو الطيب البستي المالكي المتوفى سنة 695
وهذا وهم واضح؛ لأن ابن قدامة نقل هذا القول في الروضة، وهو متوفى سنة 620 فكيف ينقل عنه؟ ولكن سبب الخلل عند المحقق أنه ظن المقصود من (الروضة) غير روضة ابن قدامة ولذلك قال في الحاشية: هذا القول ليس في الروضة، فلعله ظن المقصود روضة الطالبين للنووي، وهذا سهو آخر من وجهين؛ لأن النووي شافعي وكتابه الروضة في الفروع لا في الأصول.
وأما في كتاب (تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ومعاقد الفصول) فقد ذكر القولين السابقين في الحاشية وأنكر الأول ولم يعلق على الثاني، ولكنه لم يقتنع به فقال مشيرا إلى التوقف: ولعله يتضح المراد بقراءة شروح الخطابي المطبوعة.
وقال قبل ذلك: وقد وقفت على موضع واحد في البحر المحيط للزركشي ذكر فيه أبا القاسم البستي ...
قلت: بل ذكر الزركشي غيره وهو (أبو الحسن البستي الحنفي) وله كتاب في الأصول اسمه اللباب، فيحتمل أن يكون هو المقصود.
واقترح بعضهم في أحد المنتديات أن يكون المقصود هو أبو حاتم ابن حبان، وهو بعيد فيما أرى.
والله أعلم.
عبد فقير
2012-04-05, 02:55 PM
ممكن تشرح هذه العبارة لابن الوزير؟(( الدليل السادس عشر: وهو ما يبطل دعواهم لذلك بحجة واضحة يعبَّر عنها بحروف مقطعة من جنس ما فهموه عن الله تعالى؛ فإن فهموا عنا مرادنا فيها سلَّمنا لهم، وإن لم يفهموا وَضَحَ الحق، فنقول في احتجاجنا عليهم: { الم، وكهيعص } ))
أبو مالك العوضي
2012-04-05, 03:03 PM
وفقك الله وسدد خطاك
ألم تتضح لك مما ذكر هنا؟
http://majles.alukah.net/showthread.php?2731
عبد فقير
2012-04-05, 04:09 PM
وضحت يا عم الشيخ؟عندى سؤال يا شيخنا هل يجوز قضاء الفوائت المتروكة عمدا مع حفظ القرآن وطلب العلم؟من باب الموازاة
أبو مالك العوضي
2012-04-05, 04:16 PM
لم أفهم سؤالك يا شيخنا، ما علاقة طلب العلم بقضاء الفوائت ؟
عبد فقير
2012-04-05, 04:26 PM
يعنى مش حرام عليه قضاء بعض الوقت فى طلب العلم وحفظ القرآن ولا يقضى الفوائت مكانهما؟
أبو مالك العوضي
2012-04-05, 05:57 PM
هذه المسألة يُسأل عنها أهل العلم يا أخي الكريم، ولستُ منهم.
الفار بدين الله
2012-06-20, 10:47 AM
جزاك الله كل الخير
أبو معاذ بن عبدالله
2013-02-11, 11:40 PM
جزيت خيرا ..ياأبا مالك ..
أحب التنبيه على أمرين : ذكرت بأنه ثبت الإجماع على فضائل الأعمال ، لكن بشروط ..! وقد سمعت من الشيخ عبدالكريم الخضير يقول : بأن هذا الإجماع مخروق ومخروم ..ولايصح ..وفصل بكلام نفيس عن هذه المسألة ..
إن أحببت نقلته هنا ..
ثانيا : في التفريق بين إبراهيم بن علية ، وإسماعيل بن علية ..وقع خطأ من محققي "كتاب التمهيد لإبن عبدالبر " تحقيق التركي ..بأنهم شطبوا على اسم إبراهيم بن علية ، ووضعوا مكانه إسماعيل ..!! مع أنهم صرحوا بأن النسخ المخطوطة مكتوب عليها " إبراهيم بن علية " ..وهذا خطأ عجيب منهم ..فلم يفرقوا بين إسماعيل ،وإبراهيم ..!
أبو مالك العوضي
2013-02-11, 11:48 PM
جزاك الله خيرا
نعم أحب أن تنقله، فلعلك تتفضل بنقله مشكورا لتعم الفائدة
وللتنبيه: فأنا لم أقل إن الضعيف يعمل به في الفضائل بالإجماع، وإنما قلت إنه (لا يعمل به بالإجماع)، ويستثنى من هذا الإجماع الفضائل؛ لأنهم لم يجمعوا على عدم العمل به فيها، فتأمل عبارتي مرة أخرى.
أبو مالك العوضي
2013-03-10, 08:05 PM
السؤال:
هل هناك إجماع على مسألة لم يأت نص عليها يحتج به؛ لأن الإجماعات القطعية تكاد تكون معدومة، والباقي أتى نص عليها. وسمعت كثيرا من علمائنا أن الإجماعات التي يذكرها العلماء وليس مصدرها نصا، أنه يستأنس بها.
الجواب:
هذه المسألة تحتاج إلى توضيح عدة أمور حتى تظهر بجلاء؛ لأنها من المسائل التي يختلط القول فيها على كثير من الناس
أولا: جمهور العلماء على أن الإجماع لا بد له من مستند، والمستند يعني الدليل، والدليل أعم من أن يكون نصا؛ إذ قد يكون الدليل قياسا، أو استصحابا أو قول صحابي، أو غير ذلك، كما أن هناك أشياء لا يمكن أن يكون الدليل فيها نصا؛ كالإجماع على ثقة أحد الرواة، والإجماع على ضعف راو آخر، أو الإجماع على صحة حديث أو ضعف غيره، فلا يمكن أن يكون الدليل حديثا آخر ينص على أن هذا الحديث ضعيف أو صحيح! كما أن كثيرا من الإجماعات تكون في فهم آية على وجه معين أو فهم حديث على وجه معين، ومعلوم أنه لم يأت حديث آخر ينص على أن الفهم الصحيح للحديث الأول هو كذا وكذا، لكن هذا لا يعني أن إجماع العلماء على فهم معين للحديث مبني على الهوى، وإنما بني على خبرة العلماء بالشريعة، ومعرفتهم بمقاصدها، ونحو ذلك مما يصعب ذكره مع الإجماع لطوله وصعوبة فهمه أحيانا.
ثانيا: جمهور العلماء على أنه لا يلزم معرفة مستند الإجماع، مع علمنا بأنه لا بد له من مستند، لأن كثيرا من العلماء قد يكتفون بنقل الإجماع عن نقل دليله؛ لأن دليل الإجماع قد يكون خفيا، أو يحتاج إلى نظر وتأمل ومزيد علم وفكر، والإجماع يقطع هذا التشغيب، فلذلك يكتفي كثير من العلماء بنقل الإجماع عن التفصيل في بيان دليله.
ثالثا: قولهم (لا بد للإجماع من مستند) يفهم منه بعض المعاصرين أنك لا بد أن تنظر في دليل الإجماع، فإن لم يعجبك أو لم تقتنع به، فلا عبرة بالإجماع، وهذا خطأ فاحش، وإنما المقصود أن الإجماع لم يكن بالهوى والتشهي، وإنما كان مبنيا على دليل، وعدم اقتناعك بالدليل لا يطعن في صحة الإجماع؛ لأن الإجماع أخرج هذا الدليل من الاحتمال وجواز اختلاف الفهوم إلى اليقين واعتماد فهم واحد، ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان هناك أدنى قيمة للإجماع؛ لأنه يصير تحصيل حاصل، ولا قائل بذلك إلا منكرو الإجماع، وليس الكلام معهم.
رابعا: قد يكون في بعض المسائل إجماع معروف لا ينازع فيه أحد، لكن يحصل النزاع في الدليل الذي استند إليه هذا الإجماع، كأن يكون حديثا في صحته خلاف، أو أن يكون مبنيا على قياس يختلف فيه، أو يبنيه بعضهم على البراءة الأصلية وبعضهم على أحد عمومات الشريعة، أو يلحقه بعضهم بأصل ويلحقه آخر بأصل آخر لكنه موافق له في النتيجة، فكل هذه الأمور لا تشغب على الإجماع؛ لأن النتيجة المتيقنة لا يقدح فيها الشك في تعيين آحاد أسبابها.
خامسا: آحاد النصوص التي يستدل بها لا يمكن إتمام الاستدلال بها إلا بناء على الإجماع أصلا؛ وبناء على ذلك فإسقاط الإجماع معناه إسقاط النصوص؛ لأن النص الذي يستدل به لا بد أن يكون صحيحا وإلا لم يصح الاستدلال به، وصحة النص مبنية على كونه منقولا بسند صحيح خال من الشذوذ والعلة، ومعرفة هذه الأمور لا يمكن أن تتم إلا اعتمادا على قواعد المحدثين، ثم بعد ذلك نحتاج إلى تصحيح طريقة الاستدلال من جهة اللغة ومن جهة الأصول، وهذا لا يمكن أن يتم إلا اعتمادا على قواعد اللغة وقواعد الأصول، ولا يقال إن هذه القواعد لا بد لها من دليل؛ لأن الكلام عن دليل خاص معين، والقواعد إنما تثبت باستقراء جملة الأدلة، وهذا الاستقراء لا يمكن أن يكون صحيحا إلا باعتماد إجماع العلماء؛ لأن المختلف فيه لا يكون قول بعضهم حجة على بعض، فمثلا إذا أردت أن تستدل بحديث (مالك عن نافع عن ابن عمر فرض رسول الله صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير) فلا بد أن تثبت صحة الحديث أولا، وهذا لا يتم إلا بإثبات أن مالكا ثقة، وأن نافعا ثقة، وليس عندنا دليل منصوص يدل على هذا، فليس معنا في ذلك إلا الإجماع على ثقة مالك ونافع، وإذا قال لك قائل (إن صدقة الفطر صاعان أحدهما من تمر والآخر من شعير) فأنت تجيبه بأن (أو) في الحديث تفيد وجوب صاع واحد، وهذا يعتمد على إثبات أن (أو) في اللغة للتخيير، وليس عندنا دليل منصوص أن (أو في اللغة للتخيير) فليس معنا في ذلك إلا إجماع العلماء، وهكذا جل قواعد الحديث وقواعد اللغة وقواعد الأصول وقواعد الفقه وقواعد التفسير، تراها مأخوذة من إجماع العلماء، وهذا الإجماع مبني على استقراء جملة الشريعة، ولا تجد في كل قاعدة دليلا منصوصا عليها، وحتى لو وجد فما الدليل على أن فهمك لها صحيح؟ لا دليل إلا الإجماع.
سادسا: ذكر جمع من أهل العلم أن الإجماع يقدم على أفراد النصوص (منهم عطاء بن أبي رباح، وابن قتيبة، والإمام الشافعي)، وهذا ليس معناه أن الأمة يمكن أن تجتمع على هجر النصوص كما فهم بعض المعاصرين، فهذه جهالة لا ينبغي أن يقع فيها عاقل فضلا عن عالم، وفيها سوء ظن بالعلماء لا يليق بآحاد الطلبة، وإنما معناها أنك [إذا فهمت من النص شيئا وفهم منه العلماء شيئا آخر، فإن فهم العلماء للنص يقدم على فهمك أنت للنص]، أما أن يوجد نص يخالف الإجماع مخالفة حقيقية فهذا لم يكن ولا يكون.
فهذا المعاصر يصور المسألة على أنها (خلاف بين النص والإجماع) ومن ثم يقدم النص على الإجماع، وهذا تصوير باطل للمسألة، والتصوير الصحيح هو أنها (خلاف بين فهمك الخاص أنت للنص، وبين فهم جميع العلماء للنص) ولا يشك عاقل في هذا التصوير أن الثاني يقدم على الأول، وهذه هي الفائدة العظمى للإجماع؛ قطع السبيل على المبتدعة وأهل الشذوذ وأصحاب التجديد المزعوم؛ لأنه لا يعجز المبتدع أن يجد من النصوص التي يحرفها ويلويها بهواه ما يؤيد قوله الشاذ، ثم يزعم أنه بذلك ينصر السنة وينتصر للحديث، وهو في الحقيقة ينتصر لهواه ويحارب لنشر شذوذه.
والله تعالى أعلى وأعلم.
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.