المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة قاعدة : " كل من منع فريضة من فرائض الله عز وجل ، فلم يستطع المسلمون أخذها ، كان



نور اسلام
2011-11-21, 02:07 AM
القاعدة : " كل من منع فريضة من فرائض الله عز وجل ، فلم يستطع المسلمون أخذها ، كان حقا عليهم جهاده حتى يأخذوها منه " .

1 ـ موطن ورودها في الموطأ :
وردت هذه القاعدة على لسان الإمام مالك ـ رحمه الله ـ ، في كتاب الزكاة ، باب ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها ، وقد ذكرها وسط الباب ، بعد أن صدر بقول أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ : " لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه " .
وبقصة عمر ـ رضي الله عنه ـ عندما قدم له لبن فشربه وأعجبه ، فسأل عنه , فأخبر بأنه من نعم الصدقة ، فأدخل يده في فمه فاستقاءه .
2 ـ تحليلها :
ـ كل من : كل ؛ من ألفاظ العموم ، وتدل عليه حقيقة ، وقيل مجازا , وهو ضعيف . والعموم يتجلى في أفراد المضاف إليه وأجزائه ، فإن كان المضاف إليه نكرة ، نحو قوله تعالى : " كل نفس ذائقة الموت " ، أوجمعا معرفا ، فالعموم يتجلى في الأفراد . وإن كان مفردا معرفا ، فالعموم يتجلى في الأجزاء . نحو: " كل الرجل حسن " ، أي : كل أجزائه .
وهنا المضاف إليه (من) وهي في معنى الجمع المعرف . ولذلك فالعموم يتجلى في الأفراد . قال ابن السبكي رحمه الله : " كل ؛ اسم لاستغراق أفرادالمنكر , والمعرف المجموع , وأجزاء المفرد المعرف " .
و" من " تستعمل شرطية ، واستفهامية ، وموصولة ، ونكرة موصوفة ، ونكرة تامة . وهي هنا ، يصح أن تكون شرطية ، ويصح أن تكون موصولة ، والموصول في معنى الشرط ، ومن الشرطية من ألفاظ العموم .
ـ فريضة : على وزن فعيلة ، جمع فرائض ، من الفرض وهو : ما أوجبه الله تعالى .
قال الراغب :" وفرائض الله تعالى : ما فرض لأربابها ... ويقال لما أخذ في الصدقة ؛ فريضة ، قال :" إنما الصدقات للفقراء " إلى قوله :" فريضة من الله " .
ولفظ : " فريضة " ، نكرة وردت في سياق الشرط , وهو : " من " كما تقدم . ولذلك , فإنها تعم كل فريضة من الفرائض التي أوجبها الله تعالى على المكلف , مما فيه حق لله تعالى ، أو للعبد ، أو لهما معا .
قال الكاندهلوي : " أي : حقا من حقوقه تعالى أيا ما كان " .
هذا ما يفيده السياق اللغوي ، لكن إذا راعينا السياق الموضوعي الذي وردت فيه ، وهو : أخذ الزكاة ، فإنها تحتمل أن تكون خاصة بالزكاة . قال الباجي : " ويحتمل أن يريد هاهنا بالفريضة ؛ الزكاة خاصة ، ويحتمل أن يريد سائر الحقوق التي يكون حكمها حكم الزكاة في ذلك " .
والاولى ان يحمل اللفظ على عمومه عملا بما عليه الاكثر من أن"العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".قال ابن السبكي:"والعام على سبب خاص معتبر عمومه عند الاكثر".
_ المسلمون:الذي له الحق في أخذ الفرائض ، وقتال من امتنع من ادائها،هو الامام، او من ينوب عنه، ولذلك فالمراد بالمسلمين:ونائب ،واعوانه.
قال ابو عمر :"لا خلاف بين العلماء، ان للامام المطالبة بالزكاة...".
_اخذها:المراد بالاخذ؛الاستخلا ص ، وهو واضح في الفراض الحسية كالمال مثلا، اما الاخذ في الفرائض المعنوية، كالصلاة بناء على قتال الممتنع من ادائها، فالمراد به ؛ الاداء.
_ حقا عليهم: أي : واجبا عليهم.
_جهاده: أي قتاله،قال ابو عمر:"وقول مالك رحمه الله عنده فيمن منع فريضة من فرائض الله عز وجل ، ان يجاهد إن لم يقدر على أخذها منه إلا بذلك، هو قول ابي بكر رضي الله عنه :"والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة".
3 ـ تأصيلها :
أصل هذه القاعدة يرجع إلى عمل أبي بكر الصديق رضي اله عنه ، مع مانعي الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستخلف أبو بكر بعده , وكفر من كفر من العرب . قال عمر لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله ، فمن قال لا اله إلا الله ، عصم مني ماله ونفسه ، إلا بحقه وحسابه على الله ، فقال : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق " .
وقد أجمع المسلمون على أن ما فعله أبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ كان صوابا ، وعليه استمر أهل المدينة بعده .
قال الباجي : " وأجمع المسلمون على صواب فعله في ذلك " .
وقال الإمام مالك في صدر هذه القاعدة : " الأمر عندنا أن كل من منع فريضة ... " .
وقال أبو عمر : " بدأ أبو بكر رضي الله عنه قتال الجميع ، ووافقه عليه جميع الصحابة ، بعد أن كانوا خالفوه في ذلك ، لأن الذين منعوا الزكاة قد ردوا على الله قوله تعالى : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " , وردوا على جميع الصحابة الذين شهدوا التنزيل , وعرفوا التأويل في قوله عز وجل : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم " , ومنعوا حقا واجبا لله ، على الأئمة القيام بأخذه منهم . واتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على قتالهم حتى يؤدوا حق الله في الزكاة ، كما يلزمهم ذلك في الصلاة " .
وقال أيضا : " لا خلاف بين العلماء ؛ أن للإمام المطالبة بالزكاة ، وأن من أقر بوحوبها عليه ، أو قامت عليه بها بينة ، كان للإمام أخذها منه " .
وقال الزرقاني : " وأصل ذلك ـ إشارة إلى القاعدة ـ قتال الصديق مانعي الزكاة " .
من خلال النصوص المتقدمة ، يتضح أن هذه القاعدة ترجع إلى أصل من الأصول المعتمدة المتفق عليها ، وهو : الإجماع .
وقد أضاف أبو عمر دليلا آخر وهو : القياس على مقاتلة من امتنع من أداء حق آدمي وجب عليه ، وهو أمر مجمع عليه ، قال رحمه الله : " وقد أجمعوا في الرجل يقضي عليه القاضي بحق لآخر, فيمتنع من أدائه , فوجب على القاضي أن يأخذه من ماله ، فإن نصب دونه الحرب ، قاتله حتى يأخذه منه ، وإن أتى القتال على نفسه ، فحق الله الذي أوجبه للمساكين ، أولى بذلك من حق الآدمي " .
4 ـ تطبيقاتها:
من أفراد هذه القاعدة :
أولا : قتال من امتنع من أداء الزكاة ، إذا كانت تدفع لبيت المال ، وكان هناك جباة يجمعونها . وهي المسألة التي وردت القاعدة في سياقها .
قال ابن العربي : " لا خلاف بين علمائنا , أن للإمام المطالبة بالزكاة ، وأن من أقر بوجوبها عليه ، وقامت عليه بها بينة ، كان للإمام أخذها منه . وعلى هذا يجب على من امتنع من أدائها ، ونصب الحرب دونها ، أن يقاتل مع الإمام ، فإن أبى إلا أن يقاتل عن نفسه ، فدمه هدر وتؤخذ من ماله ، وهوصريح مذهب مالك " .
ثانيا : قتال من امتنع من أداء صلاة واجبة عليه ، مع إقراره بوجوبها ، وهي مسألة مختلف فيها . من الفقهاء من يرى أنه يقتل إما كفرا ، وإما حدا . ومنهم من يرى تعزيره فقط .
ـ ذهب مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ؛ إلى أنه يقتل حدا ، لأن تارك الصلاة عندهم ليس بكافر .
ـ وذهب أحمد بن حنبل ، وابن حبيب من المالكية ، إلى أنه يقتل كفرا . بناء على أن تارك الصلاة كافر .
ـ وذهب أهل الظاهر إلى أنه يعزر ويحبس حتى يصلي .
قال القرافي : " وإن اعترف بالوجوب ولم يصل فليس بكافر , خلافا لابن حنبل ، وقال ابن حبيب : يكفر بترك الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج " .
قال ابن رشد : " وأما ما الواجب على من تركها عمدا ، وأمربها فأبى أن يصليها لا جحودا لفرضها ، فإن قوما قالوا : يقتل ، وقوما قالوا : يعزر ويحبس ، والذين قالوا : يقتل ، منهم من أوجب قتله كفرا ، وهو مذهب أحمد وإسحاق وابن المبارك ، ومنهم من أوجبه حدا ، وهو : مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة وأصحابه . وأهل الظاهر ممن رأى حبسه وتعزيره حتى يصلي " .
وقال خليل رحمه الله : " ومن ترك فرضا ، أخر لبقاء ركعة بسجدتيها من الضروري وقتل بالسيف حدا ، ولو قال : أنا أفعل ... والجاحد كافر " .
وقال ابن قدامة : " واختلفت الرواية : هل يقتل لكفره , أو حدا . فروي أنه يقتل لكفره كالمرتد ، فلا يغسل , ولا يكفن , ولا يدفن بين المسلمين , ولا يرثه أحد , ولا يرث أحدا ... والرواية الثانية ؛ يقتل حدا مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن " .
دليل من رأى قتله كفرا :
استدل من يقول : يقتل كفرا بأحاديث كثيرة , منها :
ـ حديث : " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " .
ـ حديث : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " .
وجه الاستدلال ؛ أن تارك الصلاة كافر ، وهو يقتل كفرا .
دليل من رأى قتله حدا :
استدلوا بأحاديث كثيرة تفيد : أن تارك الصلاة مسلم ، يعامل معاملة المسلم . وهو ما عليه أهل السنة ، الذين لا يكفرون أحدا بالمعاصي ، وترك الصلاة معصية .
قال القرافي : " ولأنه لا يكفر بفعل ما علم تحريمه بالضرورة إجماعا ، فلا يكفر بترك فعل ما علم وجوبه ، بجامع مخالفة ضروري في الدين " .
قال النووي ـ رحمه الله ـ : " واعلم أن مذهب أهل السنة ، وما عليه أهل الحق من السلف والخلف ؛ أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا على كل حال ، فإن كان سالما من المعاصي ، كالصغير والمجنون ... فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلا ... وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة ، فهو في مشيئة الله تعالى ، فإن شاء عفا عنه وأدخه الجنة أولا وجعله كالقسم الأول ، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده الله سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة ، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل ، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل ... وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة , وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي " .
ومن الأحاديث الدالة على أن من مات على التوحيد دخل الجنة ولو كان عاصيا :
1 ـ عن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من شهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل " .
2 ـ عن أبي ذر رضي الله عنه قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم , وعليه ثوب أبيض وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ فقال : " ما من عبد قال : لا إله إلا الله , ثم مات على ذلك إلا دخل الحنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق . على رغم أنف أبي ذر " .
3 ـ حديث : " خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد ، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه ، وإن شاء أدخله الجنة " .
قال القرافي : " وهوـ يعني : حديث : " خمس صلوات كتبهن ... " ـ نص في جواز دخول تاركها الجنة ، فلا يكون كافرا " .
وقد أجابوا عن الأحاديث السابقة بأنها جاءت على سبيل التغليظ والتشبيه ، أي : تشبيه تارك الصلاة بالكافر .
قال القرافي : " جوابه :ـ أي جواب حديث : " بين الرجل والكفر ... " ـ أن معناه : وبين حكم الكفر ، على حذف مضاف ، وحكم الكفر؛ القتل " .
سبب الاختلاف :
من خلال ما تقدم ، يتبين أن سبب الاختلاف يرجع إلى الاختلاف في مفهوم الكفر في الحديث . فمن حمله على الكفر الحقيقي ، قال : يقتل كفرا . ومن حمله على التغليظ والتوبيخ ، قال : لا يقتل كفرا .
ثالثا : قتال من امتنع من صوم رمضان مع إقراره بوجوبه .
قال الحطاب : " ومن امتنع من صومه مع الإقرار بوجوبه ، قتل حدا على المشهور من مذهب مالك " .
رابعا : قتال من امتنع من أداء حق حكم به القاضي عليه .