تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شرح معنى الهم والبرهان في سورة يوسف



حمد الأنصارى
2011-11-13, 03:11 PM
شرح معنى الهم والبرهان في سورة يوسف u



من درس فضيلة الشيخ عادل السيد

إخوتي الكرام السلام عليكم ورحمة الله
وبعد فإن كلام الله تعالى هو قمة البلاغة والفصاحة والبيان وهذا ما شهد له به الأعداء بقولهم وفعلهم فضلا عن من آمن به ، ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل في القرآن بعض آيات قد يشكل فهمها على ولا يكون المراد منها متفقا عليه عند الجميع ابتلاء وامتحانا منه ليرى من سيتأدب مع كتاب الله ولا يخوض فيما ليس له به علم ويسعى ليتحرى الصواب والحق ومن ستكون مثل هذه المواضع فتنة وإغراء له بالخوض والتشدق والتلبس بما ليس عنده فيبين ما في قلوب أمثال هؤلاء من مرض ويخرج الله أضغانهم، ولذلك كان دأب المؤمن أن يرجع إلى أولي العلم والاختصاص العلماء الربانيين الذين هم أهل للحديث في مثل هذه المواضع والذين هم بدورهم يكون دأبهم الأدب والتعظيم لكتاب الله ليس فقط لأن هذا مقتضي الإسلام وإنما أيضا عن قناعة ويقين بأن كلام رب الأرض والسماوات لا يجوز عقلا عليه أن يتناقض أو يكذب بعضه بعضا أو ينسب إلى الله أو إلى أوليائه ما نسبه إليه أهل الزيغ والتحريف أو ما قد يقوم في نفوس البعض من ضعاف النفوس ومرضى القلوب مصداقا لقوله تعالى ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﮊآل عمران: ٧ - ٨
ومن المواضع التي كثر فيها الكلام والجدل كانت الآية الرابعة والعشرون من سورة يوسف وهي قوله تعالى ﮋ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊيوسف: ٢٤ حيث أشكل على كثير معنى الهم بالنسبة لسيدنا يوسف عليه السلام،وهل هو من جنس هم المرأة أم كان غيره؟، هل هم يوسف فعلا أم لم يهم؟ وهل هو هم جبلي طبيعي أم غير ذلك؟، وما هو البرهان الذي رآه ... إلى غير ذلك من الأسئلة ونقاط الجدل ، وكان مما يسر الله لي أن وفقت لسماع درس مميز ماتع لشيخ كريم نحسب – ولا نزكيه على الله – أنه من خيرة دعاة السنة في مصر فضيلة الشيخ الوالد عادل السيد وهو أحد دعاة جماعة أنصار السنة، قام فيه بتوضيح معنى هذه الكلمات وغيرها وأقوال المفسرين فيها وأسباب الخلاف وكثرة الآراء فيها وما هو الصواب منها إن شاء الله إلى غير ذلك من جم الفوائد التي احتواها الدرس.
فلذلك قد استعنت بالله وقمت بتفريغ الدرس مع بعض التصرف البسيط بالحذف أو التعديل لبعض الألفاظ أو العبارت التى رأيتها أليق بلغة الحوار والمشافهة أو بإضافة ما قد يقتضيه السياق وتركه الشيخ اعتمادا على وضوح المراد لدى السامعين وذلك بجعله بين معقوفين أو التنبيه على ذلك في حاشية، وتجدون هنا فيما يلي تلخيصا وبعض الفوائد والنكت المستفادة من الدرس أما أصل الدرس مسموعا فتجدونه في على الرابط التالي:

http://www.adelelsayd.com/media1233.html

وهذا مؤقتا إلى أن نتتهي من تفريغ الدرس ثم نضيف الملف مكتوبا قريبا إن شاء الله
والله نسأل أن يبارك في شيخنا وفي سعيه هو وكل من يذب عن كتاب الله وسنة نبيه r وأن ينفع به وبنا وبكم ويجعلنا جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊالزمر: ١٨
ملخص لأهم النقاط والفوائد من الدرس:
· ﮋ ﭬ ﭭ ﭮﮊ أن تنتقم لكرامتها وكبريائها الذي مرغه يوسف في الوحل بعفته وإبائه بأن تضربه وتؤدبه، وهمّ هو أيضا بذلك دفاعا عن نفسه ، فالمختار أن همَّ يوسف وهمَّ المرأة كانا من نوع واحد
· ولذلك فالذين فسروا همَّ المرأة بالفاحشة وقعوا في مأزق خطير لأنهم وجدوا بعد ذلك معطوفا عليها ﮋ ﭰ ﭱ ﮊفمعنى ذلك أن كلا المتعاطفين مؤكدين محققين وأنهما بمعنى واحد، فوقعوا في حيص بيص واضطروا ولذلك اضطروا إلى أن يؤلوا النص تأويلا غريبا وعجيبا ،حتى قال بعضهم إن يوسف لم يهم أصلا !! وأرادوا ليّ قواعد اللغة العربية حتى تتفق مع هذا المعنى.
· تعريف الهم: هو مقاربة فعل تعارض فيه المقتضِي مع المانع ، ورجح المانع.
· القاعدة اللغوية جرت على أن : التأسيس مقدم على التوكيد. فكيف آتي إذن إلى لشيء أقسم الله عليه وأقول إن يوسف لم يهم
· فإن قيل: لِمَ لَم يأخذها بعض المفسرين على ظاهرها؟ نقول:
لوجود رواياتغير صحيحة تارة ، وبعضها صحيح عمن نقلت عنه ولكن راويها أخذها عن الإسرائيليات
· لو كان هم يوسف هم فاحشة كهم المرأة وامتنع عنه فقط لأنه رأى البرهان - على ما صورته مثل هذه الروايات في تفسير البرهان – فما فضل يوسف على المرأة إذن؟
· مثل هذا الكلام ليس فيه إلا تدنيس لشرف الأنبياء ونيل من عصمتهم وهذا ما فعله اليهود ، وللأسف بعض المسلمين بحسن نية أخذوا بهذه الروايات
· أقوال المفسرين في معنى الهمّ في الآية:
1. همت به أي بالفاحشة، وهو لم يهم أصلا لأنه رأى البرهان
2. أنها همت بالفاحشة وهو همّ بالفاحشة كذلك كما نقلنا عن الأسرائيليات
3. همت هي بالفاحشة ، وهمُّه هو كان هما فطريا جبلِّيا ،كما يشتهي الصائم الطعام والشراب
4. أن هم يوسف كان حديث نفس.
5. أن هم يوسف هو أنه تمناها زوجة له.
6. وهو القول الصواب إن شاء الله ،أن هم يوسف وهم امرأة العزيز كانا من جنس واحد ولكنه ليس هما بالفاحشة وإنما همت هي بضربه والاعتداء عليه انتقاما لكبريائها وعزتها بالإثم وهم هو هو أيضا بمثل ذلك دفاعا عن نفسه ودفعا لصيالتها عليه. وهو ما يوافق ظاهر النص ووقواعد العربية وظاهر ما يراد من هذا اللفظ سواء في لغة العرب أو في أسلوب القرآن الكريم، وليس فيه لي لأعناق النصوص ولا احتياج لقواعد مختلف فيها، وإنما يؤخذ الأمر على ظاهره ،ولولا هذه النصوص الباطلة المكذوبة لما خطر ببال أحد من المفسرين غير هذا القول ، هذا ما نزعمه.


· بعض الأدلة والقرائن من السياق وغيره على رجحان هذا الرأي:
- الجريمة لكي تتم لا بد لها من درجات ، يكون الأمر في البداية خاطرة ،ثم حديث نفس، ثم همّ، ثم عزم، ثم يبدأ الإنسان في التجهيز للجريمة ثم بعد ذلك ينفذ، فمعنى ذلك أن هناك همًّا لم تذكره وإنما ذكرت ما بعده من الفعل : "راودته .. غلقت .. قالت" لأنه الفعل يدل على الهم السابق عليه بالضرورة، فأي هم بعد ذلك؟ لابد وأن يكون الهم بعد ذلك همًّابأمر آخر مختلف عما سبق
- والهم ما جاء في القرآن كله إلا بهذه المعاني: معاني الضرب، الطرد، الإخراج وما شاكل ذلك.
- الهم جاء معطوفا على الهم، فمعنى ذلك أنهما بمعنى واحد، والجملتان مؤكدتان، ولا يمكن أن تكون الجملتان ﮋ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﮊتأكيدا لما سبق، لأن ما سبقها كله أفعال " راودته ، غلقت ، قالت هيت لك" والمؤكِّد لا يكون إلا أقوى من المؤكَّد أو على الأقل مساويا له، والهم أقل من العمل لا شك، فلا بد أن يكون هذا تأسيسا لأمر جديد
- دائما هذا أسلوب القرآن الكريم، عندما يكون هناك موقف من المواقف لتي حدثت لرسول من رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم فيها شيء مما لاكته ألسنة اليهود وكذبوا فيه على الله عز وجل وعلى رسله الكرام، تذك صفات معينة للنبي أو للرسول فيها حل هذا الإشكال والرد على هؤلاء الكذابين، والشيء ذاته تجده هاهنا في قصة يوسف uقال تعالى ﮋ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊيوسف: ٢٢ فكيف يقع يوسف في خطيئة بعد أن اتصف بهذه الصفات ووصل إلى هذه الدرجة درجة الإحسان ؟!
- لا يذكر الله في القرآن خطأ لنبي إلا ويعقبه بذكر التوبة والاستغفار، فأين توبة يوسفuواستغفاره مما هم به ؟ لا يوجد لأنه ما همّ بأمر شر وإنما هم بالدفاع عن نفسه.
- وانظر إلى دقة وبيان القرآن العظيم في قوله عز من قائل ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﮊ ولم يقل: لنصرفه عن السوء والفحشاء لأن يوسف لم يرتكب الفحشاء أو يقترب منها أو يفكر فيها لماذا؟ ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ
الذي أخلصهم الله أي اصطفاهم كما اصطفى آباءه الثلاثة السابقين قال تعالى
ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊص: ٤٥ – ٤٧ فكانوا ذرية بعضها من بعض وسلسلة مباركة أخلصهم الله ثم أخلص يوسف ليكون هو الحلقة الرابعة في هذا النسل المبارك فهو " الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم" كما وصفه نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم . فإذن هل سيذكر الله إخلاصه ليوسف u والآية تتحدث عن أمر بالفاحشة ؟!
ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﮊ يوسف: ٢٤ما هو البرهان؟
البرهان هو الحجة، وهو مشتق إما من (البُره) [بضم الباء] يعني القطع، ولذلك يقولون : برهة من الوقت أي قطعة منه، فسمي البرهان بذلك لأنه حجة قطعية تقطع حجة المخالف، أو هو مشتق من (البَره) [بفتح الباء] وهو البياض، وذاك لأنه حجة واضحة بينة ناصعة.


فقال تعالى ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﮊ فهل كان البرهان هو النبوة - جاءته في هذا الوقت - ؟ هذا قول ، والقول الآخر: هل هو شيء قذفه الله تعالى في قلبه أن اتركها جعله ينكل عن الضرب ويفر إلى الخلف فالفرار هو الأنسب لك في هذا الموقف فلما رأى برهان ربه امتنع عما همّ به ولم ينتقل من مرحلة الهم والعزم إلى مرحلة الفعل الحقيقي فقال عنه الله أنه برهان حجة قطعية من لدنه ونسبه إليه سبحانه كما قال ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊيوسف: ١٥.
هذا والله تعالى وأعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ

ررررررر

عماد بن طاهر
2011-11-17, 11:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مراتب القصد خمس: الهاجس الخاطر حديث النفس الهم العزم
و المؤاخذ الشخص به هو العزم و هو عقد النية على الفعل أو الهم الذي يصل لدرجة العزم

مراتب القصد خمس هاجس ذكروا *** فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يليه هم فعزم كلها رفعت *** إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا
يعني لا يؤاخذ الإنسان علي الهاجس، ولا على الخاطر، ولا حديث النفس، ولا علي الهم -أيضاً-، ولكنه يؤاخذ علي العزم إلا إذا ارتقي الهم إلي درجة العزم؛ لأنه أول العزم

و من أدلة ذلك حديث:
"إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار قيل فهذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه"
فالمقتول في هذا الحديث وقع عليه إثم القتل مع أنه لم يقتل لكن لأنه عزم على قتل صاحبه


أما الهم فهو دون العزم و فيه التردد في الأمر

و الفروق بين هذه المراتب فروق في التدرج بحيث أن بداية أحدها هي نهاية المرتبة السابقة لها و نهايتها هي بداية المرتبة التالية
فالهم ليس على درجة واحدة
فأدناه هو مجرد حديث نفس و أقصاه يصل إلى العزم الذي يقع على صاحبه الذنب به

وعلى هذا فلا يلزم أن يكون هم يوسف عليه السلام كهم زليخا
و هذا المعنى ذكره كثير من المفسرين
قال القرطبي:
وكان ذلك الهم حركة طبع من غير تصميم للعقد على الفعل ; وما كان من هذا القبيل لا يؤخذ به العبد ، وقد يخطر بقلب المرء وهو صائم شرب الماء البارد ; وتناول الطعام اللذيذ ; فإذا لم يأكل ولم يشرب ، ولم يصمم عزمه على الأكل والشرب لا يؤاخذ بما هجس في النفس ; والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم يصر عزما مصمما . اهــ

قال الشوكاني في فتح القدير:
وقال أحمد بن يحيى ثعلب : أي همت زليخا بالمعصية وكانت مصرة ، وهم يوسف ولم يوقع ما هم به ، فبين الهمين فرق ، ومن هذا قول الشاعر :



هممت بهم من ثنية لؤلؤ شفيت غليلات الهوى من فؤاديا


فهذا إنما هو حديث نفس من غير عزم اهــ

و الله أعلم

ابن يوسف
2011-12-13, 04:22 PM
بارك الله فيك أخي الفاضل على النقل الطيب .

وربما أضيف فائدة في وضعي لهذا الرابط وفيها كلام طيب من الناحية اللغوية للدكتور العراقي السامرائي يتحدث فيه عن الآية الكريم (( ولقد همّت به وهمّ بها ))
wY6lR1GkZkA

وأشير إلى بيت شعر للشافعي يقول فيه :
ولولا خشية الرحمن ربي *** حسبت الناس كلهمُ عبيدي

وشكرا جزيلا لك .

عدنان البخاري
2011-12-13, 07:24 PM
ولذلك فالذين فسروا همَّ المرأة بالفاحشة وقعوا في مأزق خطير لأنهم وجدوا بعد ذلك معطوفا عليها....
6. وهو القول الصواب إن شاء الله ،أن هم يوسف وهم امرأة العزيز كانا من جنس واحد ولكنه ليس هما بالفاحشة وإنما همت هي بضربه والاعتداء عليه انتقاما لكبريائها وعزتها بالإثم وهم هو هو أيضا بمثل ذلك دفاعا عن نفسه ودفعا لصيالتها عليه. وهو ما يوافق ظاهر النص ووقواعد العربية وظاهر ما يراد من هذا اللفظ سواء في لغة العرب أو في أسلوب القرآن الكريم، وليس فيه لي لأعناق النصوص ولا احتياج لقواعد مختلف فيها، وإنما يؤخذ الأمر على ظاهره ،ولولا هذه النصوص الباطلة المكذوبة لما خطر ببال أحد من المفسرين غير هذا القول ، هذا ما نزعمه.

/// يبدو أن مبنى البحث على هذا المعنى البعيد غير الخالي من التكلّف في نظري سببه هذه الخشية من تعريض أو تدنيس شرف الأنبياء والنيل من عصمتهم..

لذا فما ذكر في:



3. همت هي بالفاحشة ، وهمُّه هو كان هما فطريا جبلِّيا ،كما يشتهي الصائم الطعام والشراب


4. أن هم يوسف كان حديث نفس.



= لا إشكال فيه، وليس ثم مأزق فيه.

بل هو الأقرب لسياق الآية والقصة ولا نيل فيه من مقام النبوة عند معرفة مذهب أهل السنة والجماعة في عصمة الأنبياء، وأنهم معصومون من الكبائر وما ينافي أمانة تبليغ الوحي.
وقد قال الطبري في تفسيره:
(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه ، لولا أن رأى يوسف برهان ربه ، وذلك آيةٌ من الله ، زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة = وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب = وجائز أن تكون صورة الملك - وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا = ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك [كان] من أيٍّ. والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى ، والإيمان به ، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه.
وقوله:(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) ، يقول تعالى ذكره: كما أرينَا يوسف برهاننا على الزجر عمَّا همّ به من الفاحشة ، كذلك نسبّب له في كلِّ ما عرض له من همٍّ يهمُّ به فيما لا يرضاه، ما يزجره ويدفعه عنه ; كي نصرف عنه ركوب ما حرَّمنا عليه، وإتيان الزنا ، لنطهره من دنس ذلك). انتهى كلام الطبري.
/// وقد اختار ابن كثير ما اختاره ابن جرير.
/// وينظر في هذه الروابط الكلام عن عصمة الأنبياء:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=71663
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=3498

حمد الأنصارى
2011-12-13, 09:56 PM
إخوتي الكرام أشكر لكم مروركم واهتمامكم ومشاركتكم الطيبة التي أثرت الموضوع
وإن كنت ما زلت عندي رأيي مرجحا ما ذهب له الشيخ لكونه هو هو أصل المراد بذلك التعبير "همّ بكذا" لغويا، وكونه الأكثر تماشيا مع سياق ما مهد به من صفات يوسف قبل خاصة قبل الآية مباشرة
ولعل نظيره قول الله تعالى على لسان لوط عليه السلام لقومه "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" أي حين تتزوجون بهن ، وذلك وإن لم يذكر إلا أنه مراعى في الحسبان انطلاقا من مبدأ الإيمان بعصمة الأنبياء لا سيما في أمر العرض والشرف الذي يحمي حماه الإنسان العادي المسلم منهم والكافر فضلا عن أنبياء الله الأطهار. والله تعالى وأعلم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

محمد طه شعبان
2013-07-08, 06:24 AM
قال الشنقيطي - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/171.jpg - في تفسير هذه الآية:
ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/07/199.jpg - همّ بأن يفعل مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه.
ولكن القرآن الكريم بين براءته - عليه الصلاة والسلام - من الوقوع فيما لا ينبغي، حيث بين شهادة كل من له تعلق بالمسألة ببراءته وشهادة الله له بذلك واعتراف إبليس به.
أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم: يوسف، والمرأة، وزوجها، والنسوة، والشهود.
- أما جزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فقد ذكره الله - تعالى -في قوله: (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) وقوله: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ... ).
- أما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوة: (ولَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) وقولها: (الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وإنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).
- وأما اعتراف زوج المرأة ففي قوله: (قَالَ إنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إنَّكِ كُنتِ مِنَ الخَاطِئِينَ).
- وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قوله: (وشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ.. ).
- وأما شهادة الله - http://majles.alukah.net/imgcache/2013/07/70.jpg - ببراءته ففي قوله: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ).
- وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته ففي قوله - تعالى -: (فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُم ْ أَجْمَعِينَ * إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ).
فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين، ولا شك أن يوسف من المخلصين، كما صرح - تعالى -به في قوله: (إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ) فظهرت دلالة القرآن من جهات متعددة على براءته مما لا ينبغي.
فإن قيل: قد بينتم دلالة القرآن على براءته - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/07/199.jpg - مما لا ينبغي في الآيات المتقدمة.
ولكن ماذا تقولون في قوله - تعالى -: (وهَمَّ بِهَا)؟ فالجواب من وجهين: الأول: إن المراد بهمّ يوسف بها خاطر قلبي صرف عنه وازع التقوى.
وقال بعضهم: هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى، وهذا لا معصية فيه لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف، كما في الحديث عنه - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/61.jpg - أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: « اللهم هذا قسمي فيما أملك » يعني ميل القلب الطبيعي.
ومثال هذا: ميل الصائم إلى الماء البارد، مع أن تقواه يمنعه من الشرب وهو صائم.
وقد قال - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/61.jpg -: « ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة ».
لأنه ترك ما تميل إليه نفسه بالطبع خوفاً من الله، و امتثالاً لأمره، كما قال - تعالى -(وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)..
الثاني: وهو اختيار أبي حيان: أن يوسف لم يقع منه هم أصلاً، بل هو منفي عنه لوجود البرهان.
ثم قال الشنقيطي - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/171.jpg -: هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على اللغة العربية، لأن الغالب في القرآن وكلام العرب: أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه كقوله: (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) أي إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه، فالأول دليل الجواب المحذوف لا نفس الجواب، لأن جواب الشرط وجواب لولا لا يتقدم، ولكن يكون المذكور قبله دليلاً عليه..
وكقوله: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ) أي إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم.
وعلى هذا القول فمعنى الآية: - وهم بها لولا أن رأى برهان ربه.
أي لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فبهذين الجوابين تعلم أن يوسف - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/07/199.jpg - بريء من الوقوع فيما لا ينبغي، وأنه إما أن يكون لم يقع منه همّ أصلاً، وإما أن يكون همه خاطراً قلبياً صرف عنه وازع التقوى، فبهذا يتضح لك أن قوله - تعالى - (وهَمَّ بِهَا) لا يعارض ما قدمنا من الآيات على براءة يوسف من الوقوع فيما لا ينبغي.
ثم يقول الشيخ - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/171.jpg -: فإذا علمت مما بينا دلالة القرآن العظيم على براءته مما لا ينبغي، فما رواه صاحب (الدر المنثور) وابن جرير وأبو نعيم، من أن يوسف - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/07/199.jpg - جلس منها مجلس الرجل من امرأته وأنه رأى صورة يعقوب عاضاً على إصبعه أو صاح به صائح...
هذه الروايات منقسمة إلى قسمين: - قسم لم يثبت نقله عمن نقل عنه بسند صحيح، وهذا لا إشكال في سقوطه.
- وقسم ثبت عن بعض من ذكر، ومن ثبت عنه منهم شيء من ذلك فالظاهر الغالب على الظن المزاحم لليقين أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات لأنه لا مجال للرأي فيه، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/61.jpg -.
وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف اعتماداً على مثل هذه الروايات.
[أضواء البيان 2/49-60] قال شيخ الإسلام ابن تيمية - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/171.jpg -: وأما قوله: (ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ).
فالهّم اسم جنس، كما قال الإمام أحمد: الهم همّان همّ خطرات وهمّ إصرار.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/61.jpg - أن العبد إذا همّ بسيئة لم تكتب عليه.
وإذا تركها لله كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له سيئة واحدة، وإن تركها من غير أن يتركها لله لم تكتب له حسنة ولا تكتب عليه سيئة، ويوسف - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/07/199.jpg - همّ همّا تركه لله، ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه، وذلك إنما يكون إذا قام المقتضى للذنب وهو الّهم، وعارضه الإخلاص الموجب لانصراف القلب عن الذنب لله، فيوسف - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/07/199.jpg - لم يصدر منه إلا حسنة يثاب عليها وقال - تعالى -: (إنَّ الَذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ).
وأما ما ينقل من أنه حل سراويله، وجلس مجلس الرجل من المرأة، وأنه رأى صورة يعقوب عاضاً على يده، وأمثال ذلك فكله مما لم يخبر الله به ولا رسوله، وما لم يكن كذلك، فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذباً على الأنبياء، وقدحاً فيهم، وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله، لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا - http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/61.jpg - حرفاً واحداً..[دقائق التفسير 3/272 - 273]

المصدر: http://vb.tafsir.net/tafsir9825/#ixzz2YQ9i1hjo

أبو مالك المديني
2013-07-22, 03:29 AM
جزاك الله خيرا أبا أسماء ، لقد تذكرت كلام شيخ الإسلام ، فهممت أن أنقله ، فإذا بك تنقله ، بارك الله فيكم .

ناصر عبد الغفور
2013-09-14, 01:49 AM
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
جزيت خيرا أخي في الله محمد طه، و ما ذكره الإمام أبو حيان في البحر هو الذي تطمئن له النفس، و ينشرح له الصدر...
و هذا الأمر يظهر لي أنه من الاستثناءات للقاعدة التفسيرية" فهم السلف للقرآن حجة يحتكم إليه لا عليه"
و قد كنت كتبت موضوعا بعنوان:" تحقيق القول في القاعدة التفسيرية:" فهم السلف للقرآن حجة يحتكم إليه لا عليه":و لا بأس أن أضعه بين يدي الإخوة الكرام للإفادة:
من قواعد التفسير التي قررها أهل العلم:" فهم السلف للقرآن حجة يحتكم إليه لا عليه"، و ممن ذكر هذه القاعدة الدكتور خالد السبت في كتابه القيم:" قواعد التفسير: جمعا و دراسة"..
و الذي يظهر و الله أعلم: أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، بل لا بد من قيدين: صحة نسبة القول لقائله من السلف، و ألا يكون هذا القول من الإسرائيليات، و أخص بالذكر تلك التي هي من قسم المردود الذي لا يقبله عقل و لا نقل.
و للتوضيح أذكر مثالا: و هو ما ذكره الإمام ابن جرير في تفسيره لقوله تعالى:" وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ"يوسف.
قال رحمه الله تعالى:
فأما ما كان من هم يوسف بالمرأة وهمها به ، فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره...:
- عن ابن عباس ، سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حَلّ الهِمْيان ، وجلس منها مجلس الخاتن.
- عن عبد الله بن أبي يزيد ، قال: سمعت ابن عباس سئل: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: حلّ الهميان ، وجلس منها مجلس الخاتن.
- عن ابن أبي مليكة ، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له ، وجلس بين رجليها.
- عن ابن أبي مليكة:(ولقد همت به وهم بها) قال: استلقت له ، وحلّ ثيابه.
- عن ابن أبي مليكة ، قال: سألت ابن عباس ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت على قفاها ، وقعد بين رجليها لينزعَ ثيابه.
- عن ابن أبي مليكة ، قال: سئل ابن عباس ، عن قوله:(ولقد همت به وهم بها) ما بلغ من هم يوسف؟ قال: حل الهميان = يعني السَّراويل .
- عن مجاهد ، في قوله:(ولقد همت به وهم بها) قال: حلَّ السراويل حتى أَلْيَتيه واستلقت له.
- عن مجاهد:(ولقد همت به وهم بها) قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته.
- عن سعيد بن جبير وعكرمة ، قالا حلّ السراويل ، وجلس منها مجلس الخاتن.
- عن سعيد بن جبير:(ولقد همت به وهم بها) قال: أطلق تِكَّة سراويله...اهـ -بشيء من الاختصار-.
و لا ريب أن هذه الأخبار تتعلق بأمور غيبية قد مضت، فإما أن تكون متلقاة عن النبي صلى الله عليه و سلم أو عن بني إسرائيل، فأما الأول فمحال أن يصح شيء من ذلك عن الرسول صلى الله عليه و سلم، فيبقى الثاني و هو أن تكون هذه الروايات مأخوذة عن بعض أهل الكتاب.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:" وعامة ما ينقله سلفنا من الإسرائيليات إذا لم يكن عن نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو دون المراسيل عن نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكثير؛ فإن أولئك النقلة من أهل الكتاب، والمدة طويلة، وقد عُلِم الكذبُ فيهم-أي في أهل الكتاب- والله أعلم." اهـ
و يقول الشيخ أبو شهبة رحمه الله تعالى في كتابه:" الإسرائيليات و الموضوعات في كتب التفسير":" ومن الإسرائيليات المكذوبة التي لا توافق عقلا ولا نقلا : ما ذكر ابن جرير في تفسيره ، وصاحب : "الدر المنثور" وغيرهما من المفسرين في قوله تعالى : "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّه" فقد ذكروا في هم يوسف عليه الصلاة والسلام ما ينافي عصمة الأنبياء وما يخجل القلم من تسطيره ، لولا أن المقام مقام بيان وتحذير من الكذب على الله وعلى رسله ، وهو من أوجب الواجبات على أهل العلم." اهـ
و قد ذكر رحمه الله تعالى عدة وجوه في بيان بطلان تلك المرويات.
و يقول الإمام محمد أمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في أضوائه بعد أن ذكر مجموعة من أقوال السلف في تفسير الهم المذكور:"هَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي رَأَيْتَ نِسْبَتُهَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى قِسْمَيْنِ :
قِسْمٌ لَمْ يَثْبُتْ نَقْلُهُ عَمَّنْ نَقَلَهُ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِي سُقُوطِهِ، وَقِسْمٌ ثَبَتَ عَنْ بَعْضِ مَنْ ذُكِرَ ، وَمَنْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَالظَّاهِرُ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ الْمُزَاحِمُ لِلْيَقِينِ : أَنَّهُ إِنَّمَا تَلَقَّاهُ عَنِ الْإِسْرَائِيلِ يَّاتِ ; لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ ، وَلَمْ يُرْفَعْ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّجَرُّؤُ عَلَى الْقَوْلِ فِي نَبِيِّ اللَّهِ يُوسُفَ بِأَنَّهُ جَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْ كَافِرَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، يُرِيدُ أَنْ يَزْنِيَ بِهَا ..."اهـ.
و قد تعدت أقول الخلف في تفسير الهم : فمنهم من قال أنه هم بها هما تركه لله عز و جل، و هو ما يكون في خاطر الإنسان فيصرفه، كما نقل البغوي عن بعض المحققين أن الهم همان: هم ثابت و هو ما يكون معه عزم و رضى و عقد، و هم عارض و هو ما يكون من قبيل حديث النفس فلا يستقر في القلب.
و منهم من قال أنه هم بضربها.
و لعل الراجح ما اختاره صاحب البحر المحيط و غيره و هو أن الكلام وقف عند قوله تعالى:"و همت به"، ثم استأنف بقوله جل و علا:" و هم بها لولا أن رأى برهان ربه"، أي أنه عليه السلام لم يحصل منه هم البتة لأنه رأى برهان ربه، و حرف لولا كما هو معلوم حرف امتناع لوجود أي امتناع الجواب لوجود الشرط، فهنا وجد الشرط و هو رؤيته عليه السلام لبرهان ربه، فامتنع الجواب فلم يهم بها.
و من منع ذلك فحجته عدم جواز تقدم جواب لولا عليها، و هذا كما ذكر الأئمة منهم أبو حيان أمر مختلف فيه بين النحويين، فيجيزه الكوفيون و بعض البصريين.
و سلمنا جدلا عدم جواز ذلك فكما يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى " هدم ألف قاعدة أهون من عدم آية" أو كما قال.
و كما وردت إسرائيليات كثيرة في هم يوسف عليه السلام فقد وردت إسرائيليات في البرهان الذي رآه، فقيل رآى يعقوب عليه السلام عاضا على أنامله، و قيل رآه فلم ينزجر حتى ضربه فخرجت شهوته، و قيل رآى كفا تخرج بينه و بين امرأة العزيز مكتوب عليها بعض الآيات ، و قيل غير ذلك مما لا يقبله نقل و لا عقل.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:" وكذلك ما ينقله بعضهم عن يوسف أنه حَلَّ سراويله، وأنه رأى صورة يعقوب وغير ذلك، كل ذلك من الأحاديث التي غالبها أن يكون من كَذِب اليهود. فإن الله تعالى قال: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) . فقد أخبر أنه صرف عنه السوء والفحشاء فلم يفعل سوءًا ولا فحشاء، فإن ما صرفه الله عنه انصرف عنه. ولو كان يوسف قد أذنب لتاب، فإن الله لم يذكر ذنب نبي إلا مع التوبة، ولم يذكر عن يوسف توبة، فعُلِمَ أنه لم يُذنب في هذه القضية أصلا، والله أعلم. إنما أخبر عنه بالهمِّ وقد تركه لله فهو مما أثابه الله عليه."اهـ- جامع المسائل:5/255-.
يقول الشيخ أبو شهبة رحمه الله تعالى :" وهذه الأقوال التي أسرف في ذكرها هؤلاء المفسرون : إما إسرائيليات وخرافات وضعها زنادقة أهل الكتاب القدماء ، الذين أرادوا بها النيل من الأنبياء والمرسلين ، ثم حملها معهم أهل الكتاب الذين أسلموا وتلقاها عنهم بعض الصحابة ، والتابعين ، بحسن نية ، أو اعتمادا على ظهور كذبها وزيفها. وإما أن تكون مدسوسة على هؤلاء الأئمة ، دسها عليهم أعداء الأديان ، كي تروج تحت هذا الستار ، وبذلك يصلون إلى ما يريدون من إفساد العقائد ، وتعكير صفو الثقافة الإسلامية الأصيلة الصحيحة ، وهذا ما أميل إليه!." اهـ.
فمن خلال هذا المثال يتضح أن تلك القاعدة ليست على إطلاقها، بل يجب أن نقيدها بقيدين هامين:
فبدلا من يقال: " فهم السلف للقرآن حجة يحتكم إليه لا عليه"، فالأولى أن يقال:" فهم –أو قول- السلف
- " إن صح عنهم" و -:" إذا لم يكن من الإسرائيليات الباطلة أو المسكوت عنها" حجة يحكتم إليه لا عليه".
و لما ذكر الشيخ خالد السبت حفظه الله تعالى القاعدة على عمومها فإنه رجح ما نقله الإمام ابن جرير و غيره عن السلف في تفسير هم يوسف عليه السلام.-قواعد التفسير جمعا و دراسة:206/1-.
و الله أعلم و أحكم.