انور الازهرى
2011-08-20, 11:20 PM
الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول
وبعد
جاء فى مرعاة المفاتيح شرح المصابيح للمبار كفورى
: " زكاة الفطر من رمضان واجبة عند مالك والشافعى وأحمد وهى كذلك واجبة عند الحنفية . والوجوب عندهم ما ثبت بالدليل الظنى فهى فرض عملى لا اعتقادى كما ذكره القارى وتجب بغروب الشمس ليلة الفطر عند مالك والشافعى فى الجديد وأحمد ، وعند أبى حنيفة ، وقول لمالك تجب بطلوع الفجر يوم العيد
ومقدارها : صاع : وهى خمسة أرطال وئلت بالبغدادى وهو الذى كان يستعمل فى الحجاز ويقال له الحجازى وهو مذهب مالك . والشافعى وأحمد ورجع اليه أبو يوسف بعد مناظرة مالك فيه ... والكيلة المصرية تجزئ عن ستة أفراد عند مالك .. ويجوز اخراجها نقدا لمصلحة الفقير عند كثير من الفقها منهم أبو حنيفة ، ويجوز عند الحنيفة اخراجها أول الشهر ،وقبل العيد بيومين عند المالكية وأكثر الحنابلة ، وأول شهر رمضان عند الشافعى ويحرم عند مالك والشافعى وأحمد تأخيرها عن يوم العيد الا لعذر ولا تسقط بمضى زمنها
ج 3 ص 100 وما بعدها
فهذه جملة من أحكام زكاة الفطر قدمتها اتماما للفائدة وانما غرضنا فى هذه الورقات أ اثبات أن اخراج زكاة الفطر نقدا هو الأولى فى هذا العصر ، وهو الأفضل للفقير .
وهو الذى تدل عليه المعانى الشرعية ، بعيدا عن النصوصية
.............................. ..
مذهب السلف القديم
مذهب عمر بن عبد العزيز وكبار
التابعين
كان أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ممن يرون اخراج زكاة الفطر دراهم وذلك بحضور كبار التابعين من تلاميذ الصحابة ، ولم يؤثر عليه نكير فى هذا الأمر وقد يتصور من لا علم لديه أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز كان مجرد حاكم من حكام المسلمين لذا نوصى من يعتقد ذلك أن يطالع ترجمته فى سير أعلام النبلا أو تهذيب الكمال للمزى
حتى يتأكد أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من علماء التابعين وأنه لقى بعض الصحابة وحمل عنهم العلم
فقد روى عن أنس بن مالك .. وصلى أنس خلفه وقال : ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى .
قال المزى : كان ثفه مأمونا وله فقه وعلم وورع وروى حديثا حديثا كثيرا "
وكان يصدر عن رأى سعيد بن المسبب وكان سعيد لا يأتى أحدا من الأمراء غير عمر .. وهو قد جعل سعيد بمثابة مرجعه الفقهى وسعيد هو أفضل التابعين كما هو معروف وأعلمهم خصوصا أهل المدينة النبوية وهو من تلاميذ الصحابة
وعن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه قال : لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة واليا كف حاجبة الناس ثم دخلوا فسلموا عليه فلما صلى الظهر دعا عشرة نفر من فقهاء البلد
عروة بن الزبير : وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبه : وأبا بكر بن أبى سليمان بن أبى جثيمة
وسليمان بن يسار
والقاسم بن محمد
وسالم بن عبد الله
وعبد الله بن عامر بن ربيعه
وخارجه بن زيد ثابت
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : انى أدعوكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانا على الحق ما أريدأن أقطع أمرا الا برأيكم أو برأى من حضر منكم ........"
ولعلك ترى أن هولاء هم نجوم العلم فى هذا الوقت فجعلهم عمر مستنده الفقهى وبطانته العلمية ثم أنه طبق ما دعاهم اليه .. ونرى على سبيل المثال اقراره صلاة الوتر ثلاثا بفتوى فقهاء المدينة
كما فى شرح معانى الآثار للطحاوى .
وكان هذا التطبيق مثالا رائعا للدرجة التى جعلت الامام ربيعه بن عبد الرحمن ينكر أن يصدر منه قضاء على سبيل الخطاء .
قال ابن دهب عن الليث حدثنى قادق البربرى : أنه ذاكر ربيعه بن عبد الرحمن شيئا من قضاء عمر بن عبد العزيز اذ كان بالمدينة فقال له ربيعة : كأنك تقول انه أخطأ والذى نفسى بيده ما أخطأ قط .
إلى هذه الدرجة كانت الثقة بأحكام وأقضية عمر بن عبد العزيز
فهل ترى أن عمر بن عبد العزيز عندما جعل زكاة الفطر دراهم كان يقول بقول شاذ لا يرتضيه الصحابة والتابعين الذين كانوا عيبه نصح له وبطانته من دون الخلائق
ثم لم يؤثر عليه نكير من أحد : أليس فى ذلك اشعارا بالاجماع على جوازه .
فاخراج زكاة الفطر دراهم كان مذهبا مشهورا للسلف عمل به عمر بن عبد العزيز وأقره عليه التابعين ورؤوس أهل العلم
كان هذا ومالك ما يزال حدثا صغيرا يجلس فى حلقات أهل العلم الذين ذكرناهم .. أو يلهوا فى حوارى المدينة فقد ولد عمر بن عبد العزيز سنة 63ه وتوفى فى 101ه بينما ولد مالك سنة 93ه وتوةفى فى 179ه
هذا ناهيك عن الشافعى المولود سنه 150 ، وأحمد المولود فى 164
أى بعده بنصف قرن أو يزيد .
فاخراج الدراهم ليس مذهبا شاذا وليس من كيس أبى حنيفة ولا وليد قريحة أبى يوسف القاضى رحم الله الجميع ، وانما هو كما رأيت
واليك بعد قليل ما خطه ابن أبى شيبه فى مصنفه وجمعه عن السلف فى الوقت الذى كان أحمد والشافعى فى مرحلة الطلب يدوران على الشيوخ ويسمعان الروايات
مصنف بن أبى شيبه .. ج 2 ص 343
" فى اعطاء الدراهم فى زكاة الفطر
حديثنا أبو أسامة عن ابن عون قال سمعته كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ الى عدى بالبصرة يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم عن كل انسان نصف درهم حدثنا وكيع عن قرة جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز فى صدقة الفطرنصف صاع عن كل انسان أو قيمته نصف درهم .
حدثنا وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن قال : لا بأس أن تعطى الدراهم فى صدقة الفطر
حدثنا أبو أسامة عن زهير قال سمعت أبا اسحاق يقول : أدركتهم وهم يعطون فى صدقه رمضان الدراهم بقيمه الطعام "
حدثنا أبو بكر عن عمر عن بن جريج عن عطاء أنه كره أن يعطى فى صدقة الفطر ورقا"
قلت هذا ما خطه بن أبى شيبه فى وقت مبكر قبل أن يظهر فقه الشافعى وأحمد رحمهما الله .
فلعل فى هذا ما يعطيك الصورة الصحيحة أن اخراج القيمة هو مذهب سلفى أقدم حتى من رأى مالك والشافعى وأحمد وأن العمل كان عليه بحضور نجوم أهل العلم من التابعين الذين لو تلى فقههم على مجنون الآفاق
ولو أستسقى بهم المطر لمطرنا ، حفاظ الاسلام وأئمة الزهد والورع . فلا يستطيع من يدرى ما يقول لأن يوجه اللوم لهولاء التابعين ، أو يزعم أنهم حادوا عن مسلك النبى صلى الله عليه وسلم ولا يقول ذلك الا مجنون : لا يدرى ما يقول
أخرج البخارى عن أيوب أنه قال : لا نعلم أحدا ممن أدركنا كان آخذ عن النبى صلى الله عليه وسلم منه " يعنى عمر بن عبد العزيز وعن عمرو بن مهاجر أن عمر خطب فقال :
أنه لا كتاب بعد القرآن ولا نبى بعد محمد صلى الله عليه وسلم ألا انى لست بقاض ولكنى منفذ ألا وأنى لست بمبتدع ولكن متبع
قال ميمون بن مهران : ما كانت العلماء عند عمر بن عبد العزيز الا تلامذة "
والله المستعان
.............................. .......................
المبحث الثانى
الفارق الزمنى وتأثيرة فى معنى العيد وشكله
ان الناظر فى معنى العيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبين له أن العيد فى هذا العهد كانت أجلى مظاهره الأكل والشراب والفرح والصلاة وتجمع المسلمين
وربما غنت الجوارى بما ليس بمحرم : كما فى حديث عائشة
وربما لعب اللاعبون بالحراب فى مسجد رسول الله أو غيره
ومع مضى الزمن وتطور الأحوال ، زاد على المعنى السابق ومظاهره معانى ومظاهر جديدة ، وقد طغت حتى أصبحت من أهم مظاهر العيد . ومثال ذلك أمور
أ – الملابس الجديد : وهى لم تعد تقتصر على الأطفال ، بل النساء والشباب والكبار يحتاجون اليها .
ب- العيدية : وهى النقود التى يأخذها الأطفال والنساء بل أحيانا الفتيان الناشئين .
ج- زيارة الأخوات والعمات والخالات : وهى زيارات يقوم بها الرجال . وهى لا تخلوا من هديه يحملها الزائر عينيه أو نقدية .
د- شراء أطعمة وفاكهة وأشياء مثل الزيت والبهارات وغيرها مما لا يتوافر فى زكاة الفطر العينية من خلال ما سبق يتضح لنا أن مصلحة الفقير تتلخص فى اخراج زكاة الفطر نقدا ، وأن اخراجها فى صورة عينيه – عدس أو أرز أو شعير أو تمر ، لا يؤدى الغرض المقصود ولا يدفع حاجه الفقير .
.............................. ............
المبحث الثانى
المفاسد الحاصلة من اخراج زكاة الفطر
فى صورة عينية
عندما تخرج زكاة الفطر عينيه يترتب على ذلك فى عصرنا الحاضر عدة أمور . هى فى جملتها مفاسد وأضرار تقع على كاهل الفقير .
أولا : تتجمع عند الفقير أكداس من الحبوب المختلفة ، لا تسد حاجته مثل الأشياء التى ذكرناها فى المبحث الأول فيلجأ الفقير الى بيع ما عنده لتوفير احتياجاته . ويترتب على ذلك أمور منها :
أ – نقصان السعر : حيث يبيعه بأقل من السعر الموجود فى السوق ، وحجه التاجر فى بخس السلعة ثمنها : هو أنه يشترى بسعر الجملة .
ب- يلجأالتاجر الى تقليل السعر بأقل حتى من سعر الجملة بزعم أن المستهلك هو الذى يبيع وهذا يعرض السلعة للركود لفترة من الوقت قد تصل الى شهرين أو ثلاث فيلجأ الى بخس السعر المبخوس أصلا : فهو يشترى بأقل من سعر الجملة ... وقد استقيت هذه المعلومات من بغض التجار كما أنه هو الواقع المعروف فى كثير من البلاد .
ثانيا : تتكدس السلعة العينية عند بعض الفقراء حتى يدركها التلف والعطب والتسوس .. وقد حكى لى من شاهد ذلك بعينية .. فلا ينتفع الفقير فى العادة بنصف الزكاة العينية .
ثالثا : يتعرض الفقيرللاخراج عندما يقوم ببيع السلعة لتاجر من بلدة أو منطقته ، حيث أن يكشف وضعه الاجتماعى أمام الناس : خصوصا وأن بعض الناس فى مجتمعنا يتصور أن أخذ الزكاة عيب ، وهو تصور مخالف للشرع .
رابعا : يتعرض الفقير للاحراج مرة أخرى عندها يدور الأخوة القائمين على أمر الزكاة على البيوت لتوزيعها . فانها تكون منظورة مرئية لجميع جيرانه – وهذا بخلاف الزكاة النقدية وتكون المصيبة أكبر عندما يدور الأخوة بعربات الكارو – أو عربات اليد . فيكون عدد المشاهدين أكثر ولفت النظر أكبر . والعادة أن يسهر الناس فى رمضان وليلة العيد .وفى هذا كسر لنفس الفقير وتشنيع به
خامسا : أكبر المفاسد كما قدمنا فى المبحث الأول هو ضياع الفرح بالعيد حيث أن الزكاة العينية لا تسد حاجة الفقير ولا تغنيه عن مطالب هذا اليوم الجميل والتى قدمنا أعظم مظاهرها فى المبحث الأول .
المبحث الثالث
دعوة للاتفاق قبل الخلاف
تبين لنا من المبحث الأول والثانى أن مصلحة الفقيرلا تتحقق الا بالزكاة النقدية وأن الزكاة العينيه لا تغنيه ولا تؤدى الغرض فى هذا العصر ، وان كانت تؤدى الغرض فى عصور سابقة .
فاذا اتفقنا أنه يوجد نوع ضرر يقع على الفقير وأن المصلحة لا تكتمل بالزكاة العينية
وهذا ما يعرفة القاصى والدانى ومنكر هذا الضرر فى الصور التى قدمناها هو متعنت أكثر منه متفقه والفقهاء الذين قالوا بخروج الزكاة عينيه مثل مالك والشافعى وأحمد . قالوا ذلك عندما لم تكن هذه الأضرار موجودة وعندما كانت المصلحة مكتملة بخروج الزكاة عينية وقد قالوا قولهم هذا مراعاة للنص
أما أبو حنيفة وأصحانه فقد زادوا على العينية بجوار اخراج القيمة وذلك مراعاة للمعنى المقصود من الزكاة فقد جمعوا بين مراعاة النص ومراعاة المقصد والمعنى
وقد تبينت فائدة قولهم فى عصرنا هذا لكن هولاء العلماء الذين قالوا بمنع خروج الزكاة من الدراهم لم يمنعوا ذلك باطلاق ولكنهم استثنوا لعدة أمور
أولا : الحاجة
ثانيا : للمصلحة
ثالثا : للضرورة
قال صاحب المجموع من الشافعية
" فرع وقد ذكرنا أنه لا يجوز عندنا اخراج القيمة فى الزكاة
قال أصحابنا هذا اذا لم تكن ضرورة :
ونقل الرافعى عن الأصحاب : أنهم قالوا : يعدل فى الزكاه الى غير الجنس الواجب للضرورة
المجموع ج 5 ص 426
قال ابن تيمية فى الفتاوى عن الحنابلة
" أما اخراج القيمة للحاجة أو للمصلحة أو العدل فلا بأس به "
مجموع الفتاوى
وفى التاج والاكليل لمختصر خليل أن ابن القاسم ج25 / ص82
وهو من كبار المالكية ( أنه اذا أخرج فى الزكاة الفطر ثمنا فأنه يجزيه )
قلنا ألا تدعوا الحاجة والمصلحة الآن الى اخراج زكاة الفطر نقدا أليست المفاسد التى قدمناها من باب الضرورة ، والحاجة والمصلحة
ونرى أيضا أن المالكية لم يجمعوا على عدم اجزائها .
فاذا تبين للمتفقه المنصف من الشافعية والمالكية والحنابلة
أن هناك حاجة وضرورة تدعوا الى اخراج الزكاة نقدا
فلماذا لا يعملون بكلام أئمتهم وعلمائهم فى هذه الحالة
فأنهم أجازوا فى حالة الضرورة والمصلحة أن تخرج القيمة
وبذلك تتحد الأراء وتتجه للأصلح والأكثر فائدة مع بقاء كل منهم على رأى أمامه الذى يرى صحته .
المبحث الرابع
الأئمة القائلين بجوار اخراج القيمة
الأول : الحسن البصرى :
عن الحسن قال : لا بأس أن تعطى الدراهم فى صدقة الفطر
الثانى : عطاء بن أبى رباح :
عن عطاء أنه كان يعطى فى صدقه الفطر ورقا " أى دراهم فضية "
ثالثا : أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز
عن عون قال : سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ الى عدى بالبصرة " عدى هو عامل من قبل عمر "
(يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم من كل انسان نصف درهم ). والغالب فى أمر الخليفة أنه لا يأمر بشئ الا بكلام أهل العلم " كما فى الوتر بثلاثث ..حيث جمعهم على قول علماء المدينة .
رابعا : جماعة من كبار التابعين
عن زهير قال سمعت أبا اسحاق يقول : أدركتهم وهم يعطون فى صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام .
أنظرى عامة هذه الآثار مصنف بن أبى شيبه
باب : اعطاء الدراهم فى زكاة الفطر
ج2/ص368
امام الفقهاء أبو حنيفة النعمان
وهذا المذهب مشهور عنه معروف
الفقيه المحدث
أبو يوسف القاضى وهو مجتهد مطلق وليس مجرد مقلد ، وهو من شيوخ أحمد بن حنبل
دالفقيه المحدث
محمد بن الحسن الثبيانى وهو مجتهد مطلق ومن شيوخ أحمد بن حنبل والشافعى
الامام الحجة
أبو جعفر الطحاوى : فقيه محدث من طبقة مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح
وأبو داود صاحب السنن
وهو ابن أخت الامام المزنى من ** أصحاب الشافعى .. وكان شافعيا فى حداثته ثم تحول حنفيا وتتلمذ على بكار بن قتيبه وابن أبى عمران
محمد بن القاسم من كبار المالكية وهو من أئمة المذهب المالكى تذكر أرائه فى العادة بعد رأى الامام مالك كما فى المدونة وهو بقول
التابغى الجليل سفيان الثورى : وهو من رؤوس أهل العلم فى هذه الأمة .
.............................. ......
المبحث الخامس
ذكر أقول المجيزين للقيمة وشيئا من أدلتهم
قال صاحب بدائع الضائع فى ترتيب الشرائع :
" وجه قول أبى حنيفة أن الناس اذا اختلفوا فى صاع يقدرونه بالوزن ، فدل أن المعتبر هو الوزن ، وأما صفة الواجب فهو أن وجوب المنصوص عليه من أنه مال متقوم على الاطلاق لا من حيث أنه عين فيجوز أن يعطى عن جميع ذلك القيمة دراهم أو دنانير أو فلوسا أو عروضا أو ما شاء وهذا عندنا
وقال الشافعى لا يجوز اخراج القيمة وهو على الاختلاف فى الزكاة وجه قولة :أن النص ورد بوجوب أشياء مخصوصة وفى تجويز القيمة حكم النص وهذا لا يجوز .
ولنا أن الواجب فى الحقيقة اغناء الفقير لقولة صلى الله عليه وسلم " اغنوهم عن المسألة فى مثل هذا اليوم " والاغناء يحصل بالقيمة بل أتم وأوفر لأنها أقرب الى دفع الحاجة وبه تبين أن النص معلوم باأغناء وأنه ايس فى تجويز القيمة يعتبر حكم النص فى الحقيقة .
4/126
قال : صاحب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
" والدراهم أولى من الدقيق لأنه أدفع لحاجة الفقير وأعجل به روى ذلك عن أبى يوسف واختاره الفقيه أبو جعفر وروى عن أبى بكر الأعمش أن الحنطة أفضل لأنه أبعد من الخلاف قلنا لا يرتفع الخلاف بالحنطة لأن الخلاف واقع فى الحنطة من حيث القدر أيضا .
4/23
وفى العناية شرح الهداية :
" الدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبى يوسف رحمة الله وهو اختيار الفقيه أبو جعفر رحمة الله لأنه أدفع للحاجة فأعجل به "
3/244
قال صاحب الجوهرة النيرة:
" ثم الدقيق أولى من البر والدراهم أولى من الدقيق لدفع الحاجة وعن أبى بكر الأعمش تفضيل الحنطة لأنه أبعد من خلاف الشافعى فأن عنده لا يجوز الدقيق ولا السويق ولا الدرهم وفلوسا وعروضا لقوله عليه الصلاة والسلام [ اغنوهم عن المسألة فى مثل هذا اليوم " ولأنه اذا أخرج الدقيق فقد أسقط عنهم المؤنه وعجل لهم المنفعة ..... فان قلت فما الأفضل اخراج القيمة أو عين المنصوص قلت ذكر فى الفتاوى أن أداء القيمة أفضل وعليه الفتوى لأنه أدفع لحاجه الفقير " .
قال صاحب فتح القدير:
" الدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبى يوسف رحمة الله وهو اختيار الفقيه أبو جعفر رحمه الله لأنه أدفع للحاجة وأعجل به
4/257
قال : صاحب : درر الحكام شرح غرر الأحكام :
" وفى جامع المحبوبى قال محمد بن سلمة ان كان فى زمن الشدة فالأداء من الحنطة أو دقيقه أفضل من الدراهم وفى زمن السعة الدراهم أفضل كما فى غاية البيان ونقل فى البحر عن الظهيرية أن الفتوى على أن القيمة أفضل لأنه أدفع لحاجة الفقير ، واختار فى الخانية : اذا كانوا فى موضع يشترون الأشياء بالحنطة كالدراهم . قلت الخلاف ما بين النقلين : أنهما نظر لما هو أكثر نفعا وأدفع للحاجة "
2/432
قال : صاحب البحر الرائق شرح كنز الدقائق :
" لم يتعرض المصنف لأفضلية العين أو القيمة فقيل بالأول وقيل بالثانى والفتوى عليه " أى على اخراج القيمة " لأنه أدفع لحاجة الفقير كذا فى الظهرية واختيار الأول فى الخانية اذا كانوا فى موضع يشترون الأشياء بالحنطة كالدراهم
6/119
وفى : رد المحتار : لعلا الدين الحصنى الحنفى :
ودفع القيمة أفضل من دفع العين على المذهب الحنفى ، وهذا فى السعة أما فى الشدة فدفع العين أفضل كما لا يخفى
قال الشارح : قال فى التتار خانيه عن المحيط : واذا أراد أن يعطى قيمة الحنطة أو الشعير أو التمر قيمة أى الثلاث شاء عندهما وقال محمد يؤدى قيمة الحنطة قولة " أى الدراهم " اقتصر على الدراهم تبعا للزيلعى لبيان أنها الأفضل عند اداء دفع القيمة ، لأن العلة فى دفع القيمة كونها أعون على دفع حاجة الفقير
لاحتمال أن يحتاج غير الحنطة مثلا من ثياب ونحوها "
قلت هذا الاحتمال أصبح واقعا ملحا مشهودا 7/300
المبحث السادس
اجتهاد الصحابة بالخروج عن المنصوص
الى الأفضل
واخراج القيمة العينية
عن نافع عن بن عمر رضى الله عنهما قال " فرض النبى صلى الله عليه وسلم
صدقة الفطر- أو قال رمضان – على الذكر والأنثى والحر والمملوك ، صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير فعدل الناس به صاع من بر .... " رواة البخارى
عن عياص بن عبد الله أبى سعيد الخدرى " قال : كنا نخرج اذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبى سفيان حاجا ، أو معتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال " انى أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدا ما عشت "
رواه الامام مسلم وغيره
وفى حديث لابن عمر قال " فلما كان عمر رضى الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء " الحديث عن أبى داود و الدارقطى و النسائى
أولا :-
رأينا فى النصوص السابقة الصحابة رضوان الله عليهم ، اعتاضوا عن الأنواع المذكورة الى ما هو أفضل ؛ فالحنطة لم تكن موجودة فى الأصناف التى نص عليها النبى ؛ ولم يأتى عن رسول الله فيها حديث صحيح مثبت كما قال ابن حزم وغيره من العلماء فنجد هنا أن الصحابة لم يتوقفوا عند المنصوص بل تعدوه الى غيره ؛ وكان سبب ذلك أنهم رأوا أن الحنطة أو سمراء الشام تفى بالحاجة أكثر من غيرها .
وفى هذا دليل أنهم نظروا الى المقصود من النص ولم ينظروا الى ظاهر النص . كما فعل الذين تحجروا عند ظاهر النص دون ان يفقهوا المعنى المقصود .
ثانيا :-
الآحاديث الثلاثة ذكرت المعادلة او التعادل بين شيئين ولا تكون المعادلة الا بين شيئين متماثلين فى القيمة والا فلا تعادل هذه نقطة .
النقطة الثانية " أن التعادل هنا حصل بين شئ منصوص عليه وشئ آخر غير منصوص عليه فسمراء الشام أو قمح الشام لم ينص عليه فى أى حديث بمعادلته بشئ منصوص عليه وهو التمر مما يدل على ان التعادل لا يجب أن يكون على شيئين منصوص عليهما .
فاذا علمنا هذا تبين لنا أن الصحابة أخرجوا القيمة العينية للمنصوص عليه لأنهم رأوا أنها الأفضل
ولمزيد الايضاح نقول:
بعض العلماء يقول ان الأجناس التى ذكرت فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم هى الشعير والتمر فقط مثل ابن حزم ولكن غالبيتهم تقول بل ذكر الشعير والتمر والسلت والزبيب والاقط
وكانت هذه الأشياء هى جنس الطعام الغالب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول أبو سعيد :" كان طعامنا يومئذ الشعير والزبيب والأقط والتمر " رواه البخارى
ويقول أيضا : انما كنا نخرج على عهد رسول الله صاعا من تمر أو صاع من شعير أو صاع أقط ولا نخرج غيره فلما كثر الطعام فى زمن معاويه جعلوه مدين من حنطة
مشكل الآثار للطحاوى 7/430
وفى حديث ابن عمر قال : فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع من حنطة مكان من تلك الأشياء النسانى وجامع الأصول 4/272
وعندما تنظر لماذا خرج الصحابة عن الأنواع المنصوصة الى ما هو غير منصوص
أ- سنجد أن السبب هو الجودة والأفضلية والأنفع لأن خبز الحنطة أجود أنواع الخبز ،
ب) وعندما ننظر كيف خرج الصحابة عن المنصوص الى ما هو غير منصوص
ب- سنجد أنهم خرجوا على أساس قضية التعادل
أى نصف صاع من بر مقابل صاع من شعير : نصف صاع = صاع
ومدين من حنطة مقابل صاع من تمر : مدين = صاع
أى أن قيمة هذا تعادل قيمة ذاك
أى أن المنصوص عليه قد وضع لبيان القيمة وتحديدها لا للاقتصار والجمود على المنصوص بعينه فيتضح لنا :
أن الصحابة خرجوا عن المنصوص لما هو أفضل وأيسر ..
وأنهم نظروا لصاع الشعير والتمر على أنه تحديد للقيمة التى يجب اخراجها – فهم لم يخرجوا صاع مقابل صاع ولكنهم أخرجوا بذلك نصف صاع مقابل صاع =
فيكونوا بذلك قد أحدثو خلاف فعل وقول رسول الله فى شيئين
أ – نوع المخرج ب- كمية المخرج
الحنطة مقابل الشعير والتمر والنصف صاع مقابل الصاع
فلما فعلوا ذلك من غير نكير فى عهد عمر رضى الله عنه الى عهد معاوية وما بعده تبين لنا أنهم نظروا الى القضية على أساس أن ما يسد الحاجة هو الأولى وتحقيقا للمصلحة وأن الصاع المذكور فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو هو تحديد للقيمة التى يجب اخراجها . فالمطلوب هو تحقيق الأفضل ه.. والقياس على القيمة و لم يمضى غير بعيد من عهد معاوية رضى الله عنه حتى جاء عمر بن عبد العزيز فأمر باخراج الدراهم من غير نكير عليه وقد كان على عهده تلاميذ الصحابة وكبار التابعين كل هذا قبل أن يولد أحمد بن حنبل والشافعى وقبل أن يظهر مالك الى الوجود
وفى هذا ما ينبيك ان هذا مذهب قديم يضرب بجذوره لعمر بن الخطاب رضى الله عنه ومن معه من الصحابة – ومعاوية ومن معه من الصحابه ، وعمر بن عبد العزيز ومن معه من كبار التابعين ولعل فى تقرير عمر بن عبد العزيز ، وقول اسحاق : أدركتهم وهو يعطون فى صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام ما يوضح لك أن هذا مذهب للسلف قديم ، عمل به الخليفة الخامس فى دولته .
وهو المذهب الذى لاقى استحسان الحسن البصرى وسفيان الثورى وبهذا تعلم أنه لم يكن مذهبا شاذا أو رأيا غامضا ، بل هو مذهب عشرات الآلاف من الناس فى عهد التابعين ، ولم ينقل عن أحد من كبار التابعين فيما أعلم تخطئه هذا المذهب ، أوعده شذوذا ، بل هو المذهب الذى يدل عليه الدليل ، كما يدل تماما على قرينه بل قيل أنه أفضل كما قال الأحناف ، فى وقت لم يكن الفقير يحتاج اليه كثيرا ، أما الآن وقد وبلغ السيل الزبى ،أصبح الآن هو المنقذ الوحيد فى يوم العيد فانه الأولى والأصح فى هذا الوقت ولا شك
انور الزعيرى
وبعد
جاء فى مرعاة المفاتيح شرح المصابيح للمبار كفورى
: " زكاة الفطر من رمضان واجبة عند مالك والشافعى وأحمد وهى كذلك واجبة عند الحنفية . والوجوب عندهم ما ثبت بالدليل الظنى فهى فرض عملى لا اعتقادى كما ذكره القارى وتجب بغروب الشمس ليلة الفطر عند مالك والشافعى فى الجديد وأحمد ، وعند أبى حنيفة ، وقول لمالك تجب بطلوع الفجر يوم العيد
ومقدارها : صاع : وهى خمسة أرطال وئلت بالبغدادى وهو الذى كان يستعمل فى الحجاز ويقال له الحجازى وهو مذهب مالك . والشافعى وأحمد ورجع اليه أبو يوسف بعد مناظرة مالك فيه ... والكيلة المصرية تجزئ عن ستة أفراد عند مالك .. ويجوز اخراجها نقدا لمصلحة الفقير عند كثير من الفقها منهم أبو حنيفة ، ويجوز عند الحنيفة اخراجها أول الشهر ،وقبل العيد بيومين عند المالكية وأكثر الحنابلة ، وأول شهر رمضان عند الشافعى ويحرم عند مالك والشافعى وأحمد تأخيرها عن يوم العيد الا لعذر ولا تسقط بمضى زمنها
ج 3 ص 100 وما بعدها
فهذه جملة من أحكام زكاة الفطر قدمتها اتماما للفائدة وانما غرضنا فى هذه الورقات أ اثبات أن اخراج زكاة الفطر نقدا هو الأولى فى هذا العصر ، وهو الأفضل للفقير .
وهو الذى تدل عليه المعانى الشرعية ، بعيدا عن النصوصية
.............................. ..
مذهب السلف القديم
مذهب عمر بن عبد العزيز وكبار
التابعين
كان أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ممن يرون اخراج زكاة الفطر دراهم وذلك بحضور كبار التابعين من تلاميذ الصحابة ، ولم يؤثر عليه نكير فى هذا الأمر وقد يتصور من لا علم لديه أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز كان مجرد حاكم من حكام المسلمين لذا نوصى من يعتقد ذلك أن يطالع ترجمته فى سير أعلام النبلا أو تهذيب الكمال للمزى
حتى يتأكد أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من علماء التابعين وأنه لقى بعض الصحابة وحمل عنهم العلم
فقد روى عن أنس بن مالك .. وصلى أنس خلفه وقال : ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى .
قال المزى : كان ثفه مأمونا وله فقه وعلم وورع وروى حديثا حديثا كثيرا "
وكان يصدر عن رأى سعيد بن المسبب وكان سعيد لا يأتى أحدا من الأمراء غير عمر .. وهو قد جعل سعيد بمثابة مرجعه الفقهى وسعيد هو أفضل التابعين كما هو معروف وأعلمهم خصوصا أهل المدينة النبوية وهو من تلاميذ الصحابة
وعن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه قال : لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة واليا كف حاجبة الناس ثم دخلوا فسلموا عليه فلما صلى الظهر دعا عشرة نفر من فقهاء البلد
عروة بن الزبير : وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبه : وأبا بكر بن أبى سليمان بن أبى جثيمة
وسليمان بن يسار
والقاسم بن محمد
وسالم بن عبد الله
وعبد الله بن عامر بن ربيعه
وخارجه بن زيد ثابت
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : انى أدعوكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانا على الحق ما أريدأن أقطع أمرا الا برأيكم أو برأى من حضر منكم ........"
ولعلك ترى أن هولاء هم نجوم العلم فى هذا الوقت فجعلهم عمر مستنده الفقهى وبطانته العلمية ثم أنه طبق ما دعاهم اليه .. ونرى على سبيل المثال اقراره صلاة الوتر ثلاثا بفتوى فقهاء المدينة
كما فى شرح معانى الآثار للطحاوى .
وكان هذا التطبيق مثالا رائعا للدرجة التى جعلت الامام ربيعه بن عبد الرحمن ينكر أن يصدر منه قضاء على سبيل الخطاء .
قال ابن دهب عن الليث حدثنى قادق البربرى : أنه ذاكر ربيعه بن عبد الرحمن شيئا من قضاء عمر بن عبد العزيز اذ كان بالمدينة فقال له ربيعة : كأنك تقول انه أخطأ والذى نفسى بيده ما أخطأ قط .
إلى هذه الدرجة كانت الثقة بأحكام وأقضية عمر بن عبد العزيز
فهل ترى أن عمر بن عبد العزيز عندما جعل زكاة الفطر دراهم كان يقول بقول شاذ لا يرتضيه الصحابة والتابعين الذين كانوا عيبه نصح له وبطانته من دون الخلائق
ثم لم يؤثر عليه نكير من أحد : أليس فى ذلك اشعارا بالاجماع على جوازه .
فاخراج زكاة الفطر دراهم كان مذهبا مشهورا للسلف عمل به عمر بن عبد العزيز وأقره عليه التابعين ورؤوس أهل العلم
كان هذا ومالك ما يزال حدثا صغيرا يجلس فى حلقات أهل العلم الذين ذكرناهم .. أو يلهوا فى حوارى المدينة فقد ولد عمر بن عبد العزيز سنة 63ه وتوفى فى 101ه بينما ولد مالك سنة 93ه وتوةفى فى 179ه
هذا ناهيك عن الشافعى المولود سنه 150 ، وأحمد المولود فى 164
أى بعده بنصف قرن أو يزيد .
فاخراج الدراهم ليس مذهبا شاذا وليس من كيس أبى حنيفة ولا وليد قريحة أبى يوسف القاضى رحم الله الجميع ، وانما هو كما رأيت
واليك بعد قليل ما خطه ابن أبى شيبه فى مصنفه وجمعه عن السلف فى الوقت الذى كان أحمد والشافعى فى مرحلة الطلب يدوران على الشيوخ ويسمعان الروايات
مصنف بن أبى شيبه .. ج 2 ص 343
" فى اعطاء الدراهم فى زكاة الفطر
حديثنا أبو أسامة عن ابن عون قال سمعته كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ الى عدى بالبصرة يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم عن كل انسان نصف درهم حدثنا وكيع عن قرة جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز فى صدقة الفطرنصف صاع عن كل انسان أو قيمته نصف درهم .
حدثنا وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن قال : لا بأس أن تعطى الدراهم فى صدقة الفطر
حدثنا أبو أسامة عن زهير قال سمعت أبا اسحاق يقول : أدركتهم وهم يعطون فى صدقه رمضان الدراهم بقيمه الطعام "
حدثنا أبو بكر عن عمر عن بن جريج عن عطاء أنه كره أن يعطى فى صدقة الفطر ورقا"
قلت هذا ما خطه بن أبى شيبه فى وقت مبكر قبل أن يظهر فقه الشافعى وأحمد رحمهما الله .
فلعل فى هذا ما يعطيك الصورة الصحيحة أن اخراج القيمة هو مذهب سلفى أقدم حتى من رأى مالك والشافعى وأحمد وأن العمل كان عليه بحضور نجوم أهل العلم من التابعين الذين لو تلى فقههم على مجنون الآفاق
ولو أستسقى بهم المطر لمطرنا ، حفاظ الاسلام وأئمة الزهد والورع . فلا يستطيع من يدرى ما يقول لأن يوجه اللوم لهولاء التابعين ، أو يزعم أنهم حادوا عن مسلك النبى صلى الله عليه وسلم ولا يقول ذلك الا مجنون : لا يدرى ما يقول
أخرج البخارى عن أيوب أنه قال : لا نعلم أحدا ممن أدركنا كان آخذ عن النبى صلى الله عليه وسلم منه " يعنى عمر بن عبد العزيز وعن عمرو بن مهاجر أن عمر خطب فقال :
أنه لا كتاب بعد القرآن ولا نبى بعد محمد صلى الله عليه وسلم ألا انى لست بقاض ولكنى منفذ ألا وأنى لست بمبتدع ولكن متبع
قال ميمون بن مهران : ما كانت العلماء عند عمر بن عبد العزيز الا تلامذة "
والله المستعان
.............................. .......................
المبحث الثانى
الفارق الزمنى وتأثيرة فى معنى العيد وشكله
ان الناظر فى معنى العيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبين له أن العيد فى هذا العهد كانت أجلى مظاهره الأكل والشراب والفرح والصلاة وتجمع المسلمين
وربما غنت الجوارى بما ليس بمحرم : كما فى حديث عائشة
وربما لعب اللاعبون بالحراب فى مسجد رسول الله أو غيره
ومع مضى الزمن وتطور الأحوال ، زاد على المعنى السابق ومظاهره معانى ومظاهر جديدة ، وقد طغت حتى أصبحت من أهم مظاهر العيد . ومثال ذلك أمور
أ – الملابس الجديد : وهى لم تعد تقتصر على الأطفال ، بل النساء والشباب والكبار يحتاجون اليها .
ب- العيدية : وهى النقود التى يأخذها الأطفال والنساء بل أحيانا الفتيان الناشئين .
ج- زيارة الأخوات والعمات والخالات : وهى زيارات يقوم بها الرجال . وهى لا تخلوا من هديه يحملها الزائر عينيه أو نقدية .
د- شراء أطعمة وفاكهة وأشياء مثل الزيت والبهارات وغيرها مما لا يتوافر فى زكاة الفطر العينية من خلال ما سبق يتضح لنا أن مصلحة الفقير تتلخص فى اخراج زكاة الفطر نقدا ، وأن اخراجها فى صورة عينيه – عدس أو أرز أو شعير أو تمر ، لا يؤدى الغرض المقصود ولا يدفع حاجه الفقير .
.............................. ............
المبحث الثانى
المفاسد الحاصلة من اخراج زكاة الفطر
فى صورة عينية
عندما تخرج زكاة الفطر عينيه يترتب على ذلك فى عصرنا الحاضر عدة أمور . هى فى جملتها مفاسد وأضرار تقع على كاهل الفقير .
أولا : تتجمع عند الفقير أكداس من الحبوب المختلفة ، لا تسد حاجته مثل الأشياء التى ذكرناها فى المبحث الأول فيلجأ الفقير الى بيع ما عنده لتوفير احتياجاته . ويترتب على ذلك أمور منها :
أ – نقصان السعر : حيث يبيعه بأقل من السعر الموجود فى السوق ، وحجه التاجر فى بخس السلعة ثمنها : هو أنه يشترى بسعر الجملة .
ب- يلجأالتاجر الى تقليل السعر بأقل حتى من سعر الجملة بزعم أن المستهلك هو الذى يبيع وهذا يعرض السلعة للركود لفترة من الوقت قد تصل الى شهرين أو ثلاث فيلجأ الى بخس السعر المبخوس أصلا : فهو يشترى بأقل من سعر الجملة ... وقد استقيت هذه المعلومات من بغض التجار كما أنه هو الواقع المعروف فى كثير من البلاد .
ثانيا : تتكدس السلعة العينية عند بعض الفقراء حتى يدركها التلف والعطب والتسوس .. وقد حكى لى من شاهد ذلك بعينية .. فلا ينتفع الفقير فى العادة بنصف الزكاة العينية .
ثالثا : يتعرض الفقيرللاخراج عندما يقوم ببيع السلعة لتاجر من بلدة أو منطقته ، حيث أن يكشف وضعه الاجتماعى أمام الناس : خصوصا وأن بعض الناس فى مجتمعنا يتصور أن أخذ الزكاة عيب ، وهو تصور مخالف للشرع .
رابعا : يتعرض الفقير للاحراج مرة أخرى عندها يدور الأخوة القائمين على أمر الزكاة على البيوت لتوزيعها . فانها تكون منظورة مرئية لجميع جيرانه – وهذا بخلاف الزكاة النقدية وتكون المصيبة أكبر عندما يدور الأخوة بعربات الكارو – أو عربات اليد . فيكون عدد المشاهدين أكثر ولفت النظر أكبر . والعادة أن يسهر الناس فى رمضان وليلة العيد .وفى هذا كسر لنفس الفقير وتشنيع به
خامسا : أكبر المفاسد كما قدمنا فى المبحث الأول هو ضياع الفرح بالعيد حيث أن الزكاة العينية لا تسد حاجة الفقير ولا تغنيه عن مطالب هذا اليوم الجميل والتى قدمنا أعظم مظاهرها فى المبحث الأول .
المبحث الثالث
دعوة للاتفاق قبل الخلاف
تبين لنا من المبحث الأول والثانى أن مصلحة الفقيرلا تتحقق الا بالزكاة النقدية وأن الزكاة العينيه لا تغنيه ولا تؤدى الغرض فى هذا العصر ، وان كانت تؤدى الغرض فى عصور سابقة .
فاذا اتفقنا أنه يوجد نوع ضرر يقع على الفقير وأن المصلحة لا تكتمل بالزكاة العينية
وهذا ما يعرفة القاصى والدانى ومنكر هذا الضرر فى الصور التى قدمناها هو متعنت أكثر منه متفقه والفقهاء الذين قالوا بخروج الزكاة عينيه مثل مالك والشافعى وأحمد . قالوا ذلك عندما لم تكن هذه الأضرار موجودة وعندما كانت المصلحة مكتملة بخروج الزكاة عينية وقد قالوا قولهم هذا مراعاة للنص
أما أبو حنيفة وأصحانه فقد زادوا على العينية بجوار اخراج القيمة وذلك مراعاة للمعنى المقصود من الزكاة فقد جمعوا بين مراعاة النص ومراعاة المقصد والمعنى
وقد تبينت فائدة قولهم فى عصرنا هذا لكن هولاء العلماء الذين قالوا بمنع خروج الزكاة من الدراهم لم يمنعوا ذلك باطلاق ولكنهم استثنوا لعدة أمور
أولا : الحاجة
ثانيا : للمصلحة
ثالثا : للضرورة
قال صاحب المجموع من الشافعية
" فرع وقد ذكرنا أنه لا يجوز عندنا اخراج القيمة فى الزكاة
قال أصحابنا هذا اذا لم تكن ضرورة :
ونقل الرافعى عن الأصحاب : أنهم قالوا : يعدل فى الزكاه الى غير الجنس الواجب للضرورة
المجموع ج 5 ص 426
قال ابن تيمية فى الفتاوى عن الحنابلة
" أما اخراج القيمة للحاجة أو للمصلحة أو العدل فلا بأس به "
مجموع الفتاوى
وفى التاج والاكليل لمختصر خليل أن ابن القاسم ج25 / ص82
وهو من كبار المالكية ( أنه اذا أخرج فى الزكاة الفطر ثمنا فأنه يجزيه )
قلنا ألا تدعوا الحاجة والمصلحة الآن الى اخراج زكاة الفطر نقدا أليست المفاسد التى قدمناها من باب الضرورة ، والحاجة والمصلحة
ونرى أيضا أن المالكية لم يجمعوا على عدم اجزائها .
فاذا تبين للمتفقه المنصف من الشافعية والمالكية والحنابلة
أن هناك حاجة وضرورة تدعوا الى اخراج الزكاة نقدا
فلماذا لا يعملون بكلام أئمتهم وعلمائهم فى هذه الحالة
فأنهم أجازوا فى حالة الضرورة والمصلحة أن تخرج القيمة
وبذلك تتحد الأراء وتتجه للأصلح والأكثر فائدة مع بقاء كل منهم على رأى أمامه الذى يرى صحته .
المبحث الرابع
الأئمة القائلين بجوار اخراج القيمة
الأول : الحسن البصرى :
عن الحسن قال : لا بأس أن تعطى الدراهم فى صدقة الفطر
الثانى : عطاء بن أبى رباح :
عن عطاء أنه كان يعطى فى صدقه الفطر ورقا " أى دراهم فضية "
ثالثا : أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز
عن عون قال : سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ الى عدى بالبصرة " عدى هو عامل من قبل عمر "
(يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم من كل انسان نصف درهم ). والغالب فى أمر الخليفة أنه لا يأمر بشئ الا بكلام أهل العلم " كما فى الوتر بثلاثث ..حيث جمعهم على قول علماء المدينة .
رابعا : جماعة من كبار التابعين
عن زهير قال سمعت أبا اسحاق يقول : أدركتهم وهم يعطون فى صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام .
أنظرى عامة هذه الآثار مصنف بن أبى شيبه
باب : اعطاء الدراهم فى زكاة الفطر
ج2/ص368
امام الفقهاء أبو حنيفة النعمان
وهذا المذهب مشهور عنه معروف
الفقيه المحدث
أبو يوسف القاضى وهو مجتهد مطلق وليس مجرد مقلد ، وهو من شيوخ أحمد بن حنبل
دالفقيه المحدث
محمد بن الحسن الثبيانى وهو مجتهد مطلق ومن شيوخ أحمد بن حنبل والشافعى
الامام الحجة
أبو جعفر الطحاوى : فقيه محدث من طبقة مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح
وأبو داود صاحب السنن
وهو ابن أخت الامام المزنى من ** أصحاب الشافعى .. وكان شافعيا فى حداثته ثم تحول حنفيا وتتلمذ على بكار بن قتيبه وابن أبى عمران
محمد بن القاسم من كبار المالكية وهو من أئمة المذهب المالكى تذكر أرائه فى العادة بعد رأى الامام مالك كما فى المدونة وهو بقول
التابغى الجليل سفيان الثورى : وهو من رؤوس أهل العلم فى هذه الأمة .
.............................. ......
المبحث الخامس
ذكر أقول المجيزين للقيمة وشيئا من أدلتهم
قال صاحب بدائع الضائع فى ترتيب الشرائع :
" وجه قول أبى حنيفة أن الناس اذا اختلفوا فى صاع يقدرونه بالوزن ، فدل أن المعتبر هو الوزن ، وأما صفة الواجب فهو أن وجوب المنصوص عليه من أنه مال متقوم على الاطلاق لا من حيث أنه عين فيجوز أن يعطى عن جميع ذلك القيمة دراهم أو دنانير أو فلوسا أو عروضا أو ما شاء وهذا عندنا
وقال الشافعى لا يجوز اخراج القيمة وهو على الاختلاف فى الزكاة وجه قولة :أن النص ورد بوجوب أشياء مخصوصة وفى تجويز القيمة حكم النص وهذا لا يجوز .
ولنا أن الواجب فى الحقيقة اغناء الفقير لقولة صلى الله عليه وسلم " اغنوهم عن المسألة فى مثل هذا اليوم " والاغناء يحصل بالقيمة بل أتم وأوفر لأنها أقرب الى دفع الحاجة وبه تبين أن النص معلوم باأغناء وأنه ايس فى تجويز القيمة يعتبر حكم النص فى الحقيقة .
4/126
قال : صاحب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
" والدراهم أولى من الدقيق لأنه أدفع لحاجة الفقير وأعجل به روى ذلك عن أبى يوسف واختاره الفقيه أبو جعفر وروى عن أبى بكر الأعمش أن الحنطة أفضل لأنه أبعد من الخلاف قلنا لا يرتفع الخلاف بالحنطة لأن الخلاف واقع فى الحنطة من حيث القدر أيضا .
4/23
وفى العناية شرح الهداية :
" الدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبى يوسف رحمة الله وهو اختيار الفقيه أبو جعفر رحمة الله لأنه أدفع للحاجة فأعجل به "
3/244
قال صاحب الجوهرة النيرة:
" ثم الدقيق أولى من البر والدراهم أولى من الدقيق لدفع الحاجة وعن أبى بكر الأعمش تفضيل الحنطة لأنه أبعد من خلاف الشافعى فأن عنده لا يجوز الدقيق ولا السويق ولا الدرهم وفلوسا وعروضا لقوله عليه الصلاة والسلام [ اغنوهم عن المسألة فى مثل هذا اليوم " ولأنه اذا أخرج الدقيق فقد أسقط عنهم المؤنه وعجل لهم المنفعة ..... فان قلت فما الأفضل اخراج القيمة أو عين المنصوص قلت ذكر فى الفتاوى أن أداء القيمة أفضل وعليه الفتوى لأنه أدفع لحاجه الفقير " .
قال صاحب فتح القدير:
" الدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبى يوسف رحمة الله وهو اختيار الفقيه أبو جعفر رحمه الله لأنه أدفع للحاجة وأعجل به
4/257
قال : صاحب : درر الحكام شرح غرر الأحكام :
" وفى جامع المحبوبى قال محمد بن سلمة ان كان فى زمن الشدة فالأداء من الحنطة أو دقيقه أفضل من الدراهم وفى زمن السعة الدراهم أفضل كما فى غاية البيان ونقل فى البحر عن الظهيرية أن الفتوى على أن القيمة أفضل لأنه أدفع لحاجة الفقير ، واختار فى الخانية : اذا كانوا فى موضع يشترون الأشياء بالحنطة كالدراهم . قلت الخلاف ما بين النقلين : أنهما نظر لما هو أكثر نفعا وأدفع للحاجة "
2/432
قال : صاحب البحر الرائق شرح كنز الدقائق :
" لم يتعرض المصنف لأفضلية العين أو القيمة فقيل بالأول وقيل بالثانى والفتوى عليه " أى على اخراج القيمة " لأنه أدفع لحاجة الفقير كذا فى الظهرية واختيار الأول فى الخانية اذا كانوا فى موضع يشترون الأشياء بالحنطة كالدراهم
6/119
وفى : رد المحتار : لعلا الدين الحصنى الحنفى :
ودفع القيمة أفضل من دفع العين على المذهب الحنفى ، وهذا فى السعة أما فى الشدة فدفع العين أفضل كما لا يخفى
قال الشارح : قال فى التتار خانيه عن المحيط : واذا أراد أن يعطى قيمة الحنطة أو الشعير أو التمر قيمة أى الثلاث شاء عندهما وقال محمد يؤدى قيمة الحنطة قولة " أى الدراهم " اقتصر على الدراهم تبعا للزيلعى لبيان أنها الأفضل عند اداء دفع القيمة ، لأن العلة فى دفع القيمة كونها أعون على دفع حاجة الفقير
لاحتمال أن يحتاج غير الحنطة مثلا من ثياب ونحوها "
قلت هذا الاحتمال أصبح واقعا ملحا مشهودا 7/300
المبحث السادس
اجتهاد الصحابة بالخروج عن المنصوص
الى الأفضل
واخراج القيمة العينية
عن نافع عن بن عمر رضى الله عنهما قال " فرض النبى صلى الله عليه وسلم
صدقة الفطر- أو قال رمضان – على الذكر والأنثى والحر والمملوك ، صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير فعدل الناس به صاع من بر .... " رواة البخارى
عن عياص بن عبد الله أبى سعيد الخدرى " قال : كنا نخرج اذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبى سفيان حاجا ، أو معتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال " انى أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدا ما عشت "
رواه الامام مسلم وغيره
وفى حديث لابن عمر قال " فلما كان عمر رضى الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء " الحديث عن أبى داود و الدارقطى و النسائى
أولا :-
رأينا فى النصوص السابقة الصحابة رضوان الله عليهم ، اعتاضوا عن الأنواع المذكورة الى ما هو أفضل ؛ فالحنطة لم تكن موجودة فى الأصناف التى نص عليها النبى ؛ ولم يأتى عن رسول الله فيها حديث صحيح مثبت كما قال ابن حزم وغيره من العلماء فنجد هنا أن الصحابة لم يتوقفوا عند المنصوص بل تعدوه الى غيره ؛ وكان سبب ذلك أنهم رأوا أن الحنطة أو سمراء الشام تفى بالحاجة أكثر من غيرها .
وفى هذا دليل أنهم نظروا الى المقصود من النص ولم ينظروا الى ظاهر النص . كما فعل الذين تحجروا عند ظاهر النص دون ان يفقهوا المعنى المقصود .
ثانيا :-
الآحاديث الثلاثة ذكرت المعادلة او التعادل بين شيئين ولا تكون المعادلة الا بين شيئين متماثلين فى القيمة والا فلا تعادل هذه نقطة .
النقطة الثانية " أن التعادل هنا حصل بين شئ منصوص عليه وشئ آخر غير منصوص عليه فسمراء الشام أو قمح الشام لم ينص عليه فى أى حديث بمعادلته بشئ منصوص عليه وهو التمر مما يدل على ان التعادل لا يجب أن يكون على شيئين منصوص عليهما .
فاذا علمنا هذا تبين لنا أن الصحابة أخرجوا القيمة العينية للمنصوص عليه لأنهم رأوا أنها الأفضل
ولمزيد الايضاح نقول:
بعض العلماء يقول ان الأجناس التى ذكرت فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم هى الشعير والتمر فقط مثل ابن حزم ولكن غالبيتهم تقول بل ذكر الشعير والتمر والسلت والزبيب والاقط
وكانت هذه الأشياء هى جنس الطعام الغالب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول أبو سعيد :" كان طعامنا يومئذ الشعير والزبيب والأقط والتمر " رواه البخارى
ويقول أيضا : انما كنا نخرج على عهد رسول الله صاعا من تمر أو صاع من شعير أو صاع أقط ولا نخرج غيره فلما كثر الطعام فى زمن معاويه جعلوه مدين من حنطة
مشكل الآثار للطحاوى 7/430
وفى حديث ابن عمر قال : فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع من حنطة مكان من تلك الأشياء النسانى وجامع الأصول 4/272
وعندما تنظر لماذا خرج الصحابة عن الأنواع المنصوصة الى ما هو غير منصوص
أ- سنجد أن السبب هو الجودة والأفضلية والأنفع لأن خبز الحنطة أجود أنواع الخبز ،
ب) وعندما ننظر كيف خرج الصحابة عن المنصوص الى ما هو غير منصوص
ب- سنجد أنهم خرجوا على أساس قضية التعادل
أى نصف صاع من بر مقابل صاع من شعير : نصف صاع = صاع
ومدين من حنطة مقابل صاع من تمر : مدين = صاع
أى أن قيمة هذا تعادل قيمة ذاك
أى أن المنصوص عليه قد وضع لبيان القيمة وتحديدها لا للاقتصار والجمود على المنصوص بعينه فيتضح لنا :
أن الصحابة خرجوا عن المنصوص لما هو أفضل وأيسر ..
وأنهم نظروا لصاع الشعير والتمر على أنه تحديد للقيمة التى يجب اخراجها – فهم لم يخرجوا صاع مقابل صاع ولكنهم أخرجوا بذلك نصف صاع مقابل صاع =
فيكونوا بذلك قد أحدثو خلاف فعل وقول رسول الله فى شيئين
أ – نوع المخرج ب- كمية المخرج
الحنطة مقابل الشعير والتمر والنصف صاع مقابل الصاع
فلما فعلوا ذلك من غير نكير فى عهد عمر رضى الله عنه الى عهد معاوية وما بعده تبين لنا أنهم نظروا الى القضية على أساس أن ما يسد الحاجة هو الأولى وتحقيقا للمصلحة وأن الصاع المذكور فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو هو تحديد للقيمة التى يجب اخراجها . فالمطلوب هو تحقيق الأفضل ه.. والقياس على القيمة و لم يمضى غير بعيد من عهد معاوية رضى الله عنه حتى جاء عمر بن عبد العزيز فأمر باخراج الدراهم من غير نكير عليه وقد كان على عهده تلاميذ الصحابة وكبار التابعين كل هذا قبل أن يولد أحمد بن حنبل والشافعى وقبل أن يظهر مالك الى الوجود
وفى هذا ما ينبيك ان هذا مذهب قديم يضرب بجذوره لعمر بن الخطاب رضى الله عنه ومن معه من الصحابة – ومعاوية ومن معه من الصحابه ، وعمر بن عبد العزيز ومن معه من كبار التابعين ولعل فى تقرير عمر بن عبد العزيز ، وقول اسحاق : أدركتهم وهو يعطون فى صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام ما يوضح لك أن هذا مذهب للسلف قديم ، عمل به الخليفة الخامس فى دولته .
وهو المذهب الذى لاقى استحسان الحسن البصرى وسفيان الثورى وبهذا تعلم أنه لم يكن مذهبا شاذا أو رأيا غامضا ، بل هو مذهب عشرات الآلاف من الناس فى عهد التابعين ، ولم ينقل عن أحد من كبار التابعين فيما أعلم تخطئه هذا المذهب ، أوعده شذوذا ، بل هو المذهب الذى يدل عليه الدليل ، كما يدل تماما على قرينه بل قيل أنه أفضل كما قال الأحناف ، فى وقت لم يكن الفقير يحتاج اليه كثيرا ، أما الآن وقد وبلغ السيل الزبى ،أصبح الآن هو المنقذ الوحيد فى يوم العيد فانه الأولى والأصح فى هذا الوقت ولا شك
انور الزعيرى