المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للأدباء ... الحكم المقلوبة



القارئ المليجي
2011-08-06, 12:22 PM
مرَّت بنا بعضُ الحِكم التي تؤكد على أمرٍ ما، فيقتضي السياقُ عقدَ مقارنة بين ذلك الأمر وأمرٍ آخَرَ ذي أهميَّة أيضًا.
نحو/
خُذ الرَّفيق قبل الطَّريق.
ونحو/
الجار قبل الدَّار.
= = =
لكنَّ هذا الترتيبَ - المقتضي للاعْتِناء بأحدِ أمرَين اعتِناءً زائدًا عن الآخَر - ليس مسلَّمًا.
فقد يجيء عليك اليوم الذي تقول فيه:

= ليتني أخذت الطريق قبل الرفيق.
= أو / ليتني حرصت على الدار قبل الجوار.
= = =
وقد حدث قلبٌ لبعض الحكم فعلاً، اشتهر من ذلك ما اشتهر، واختفى ما اختفى...
فممَّا مرَّ بي من ذلك القلب:

قيل: السفر قطعة من سَقَر [أو من العذاب].
ثم قيل: لولا أنه قيل كذا لقلتُ: العذاب قطعة من السفر.
- - -
وقيل: اخْبُر تَقْلَهْ ..... أي: لو جرَّبتَ معاملة الناس واختبرتَهم لقليتهم، ولم تبالغ في مدحهم والثناء عليهم.
وقال المأمون: لولا أنه قد قيل "اخبر تقله" لقلتُ أنا: "اقْلَه تخبر".
= = = =
جالت بخاطري هذه النماذج حين توقفتُ عند قولهم:
"اتَّق شرَّ من أحسنتَ إليه".
وتدبَّرتُ في أحوال النَّاس، فودِدت لو كان الكلام: "اتَّق شرَّ من أحسَنَ إليْك"...
لأنَّ كثيرًا من النَّاس في هذا الزمان لم يعرفوا من الإحسان إلا صوَرًا لا حقيقة لها.
يقدم للمحتاج العون والمساعدة ... ويضمِرُها في نفسه دَينًا.
يدْعوك إلى مأدبتِه .. وهو يرجو ويأمل أن ترد له مثل تلك الدعوة.
يعطي ويمن ...
أو يجعل لنفسه عليك يدًا.
....
إنَّ للإحسان آدابًا، إن لَم يتحلَّ المحسِن بها فمرحبًا بالبخل الذي لا إهانةَ معه، ولا إذلالَ معه، ومرحبًا بقول القائل:
جُزِيَ البخيلُ عليَّ صالحةً * * عنّي لخفَّته على ظهري
فالبخيل خفيفٌ على النفس؛ لأنه لم يَجُدْ عليك بشيءٍ يأْسرُك به، ولم يستعبدْك في يومٍ من الأيام بالإحسان إليك، فهو خفيفٌ على نفسِك؛ لأنك لستَ مدينًا له بشيء.
- - -
"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس".
لم أفهمها على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر الناس إنفاقًا .. وإنما فهمتها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أكرم الناس نفسًا وهو يجود، كان أكثر الناس تحلّيًا بآداب الإحسان وهو يعطي.
= = =
ما أقبح الإنسانَ الذي يظنُّ أنَّك إنما كوَّنتَ ثرْوتَك وبنيْت مستقبلك بفضل خمسة الجنيهات التي نفحَك إياها وقت حاجتك!
ما أجهل الإنسانَ الذي لدعوةٍ واحدةٍ دعاك إليها يرى أن لحم أكتافك من خيرِه!
الرحمة يا رب.
اللَّهمَّ اكفِ الناس بحلالك عن حرامك، وأغنهم بفضْلِك عمَّن سِواك.

أبو بكر المحلي
2011-08-06, 02:23 PM
زادك الله إبداعا أديبنا وقارئنا الحبيب،

رضا الحملاوي
2011-10-03, 03:13 PM
بارك الله فيك ... كم أنتفع بك شيخنا الكريم

القارئ المليجي
2011-10-03, 04:34 PM
رفعَ اللهُ قدْرَكُما.
- - -
وفي تصوير سيّئٍ للإحسان، يقول الشاعر في بيتٍ عدَّه الناس سائرًا:
أحسِنْ إلى النَّاسِ تَستعبِدْ قُلوبَهمُ * * فطالَما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
ما أشبهَ هذا الإحسانَ بما يفعله المرشَّحون للمناصب.
أصحاب الدعاية الانتخابية ..
الذين سريعًا ما ينكشف أمرُهم بعد فوزهم في الانتخابات، أو بعد سقوطهم.
أين هذا من قول الناس الطيّبين عندنا: اعمل المعروف وارْمِهِ في البحر
واطمئنّ ... إنه لن يضيع في البحر
فله ربٌّ كريم قال في محكم التنزيل: ((فمَن يَعملْ مِثقالَ ذرَّةٍ خيرًا يَرَه))..
وصدق الحطيئة:
مَن يفعَلِ الخيرَ لا يعْدم جَوازِيَهُ * * لا يذهَبُ العُرفُ بين اللهِ والنَّاسِ
وحقَّ لأبي عمرو بن العلاء أن يعدَّ هذا البيتَ أصدقَ ما قالتْه العرب.
- - -
ويتناقلُ بعض الناس كلماتٍ يعدونها من الحكمة، تقول:
احْتجْ إلى مَن شئتَ تكُن أسيرَه، واستغنِ عمَّن شئتَ تكُن نظيرَه، وأحسِنْ إلى من شئتَ تكُن أميرَه.
ما هذا الميزان الذي تزِنُ به قدرَك، وتزِنُ به الناسَ من حولك؟!
رُبَّ فاضلٍ مستحقٍّ للإكرام والتبْجيل، وهو غير مُستغنٍ عن إحسانك.
فأكرَمُ ما تكون عليَّ نفسي * * إذا ما قلَّ في الأزمات مالِي .. (أو اللزْبات)
فتحسُن سيرتي وأصونُ عِرضي * * وتَجمُل عند أهْل الرَّأْيِ حالي
-


((قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتْبعُها أذًى واللهُ غنيٌّ حليمٌ))

خديجة إيكر
2011-10-04, 02:58 PM
جالت بخاطري هذه النماذج حين توقفتُ عند قولهم:

"اتَّق شرَّ من أحسنتَ إليه".
وتدبَّرتُ في أحوال النَّاس، فودِدت لو كان الكلام: "اتَّق شرَّ من أحسَنَ إليْك"...
لأنَّ كثيرًا من النَّاس في هذا الزمان لم يعرفوا من الإحسان إلا صوَرًا لا حقيقة لها.
يقدم للمحتاج العون والمساعدة ... ويضمِرُها في نفسه دَينًا.
يدْعوك إلى مأدبتِه .. وهو يرجو ويأمل أن ترد له مثل تلك الدعوة.
يعطي ويمن ...
أو يجعل لنفسه عليك يدًا.
....
إنَّ للإحسان آدابًا، إن لَم يتحلَّ المحسِن بها فمرحبًا بالبخل الذي لا إهانةَ معه، ولا إذلالَ معه، ومرحبًا بقول القائل:
جُزِيَ البخيلُ عليَّ صالحةً * * عنّي لخفَّته على ظهري

فالبخيل خفيفٌ على النفس؛ لأنه لم يَجُدْ عليك بشيءٍ يأْسرُك به، ولم يستعبدْك في يومٍ من الأيام بالإحسان إليك، فهو خفيفٌ على نفسِك؛ لأنك لستَ مدينًا له بشيء.
[/right]





الأخ القارئ المليجي
ليس ما يسود في المجتمع من انحرافات عن الخلق القويم دليلا يُجيز لنا التخلي عما اُمِرنا به من فضائل . فالمسلم هو الذي يُغيِّر المجتمع و يُؤثر فيه ، و ليس هو الذي يتأثر و يجعل المجتمع مقياسا يقيس به الأخلاق ، و المسلم يعمل على تنمية الأخلاق الفاضلة و العمل على نشرها في المجتمع و ليس التنفير منها .فالإحسان لمْ و لن يكون أبداً من الشيم التي يُنفر من أصحابها و يُتَّقى شرهم ، إن في كلامك ـــــ و إن لم تكن قصدتَ ذلك ـــــ دعوة إلى الكف عن الإحسان و الإمتناع عنه مخافة أن يُتَّهم صاحبُه بأنه سيُتْبِع الإحسان بالإساءة ، فيُحجِم عن الإحسان . إن الإحسان إلى الناس جزء من العقيدة لأن الإسلام بُني على ثلاثة أمور : الإيمان ، و الإسلام ، و الإحسان .و قال سبحانه و تعالى : فففو أحسنوا إن الله يحب المحسنين قققفكيف نقول إن المحسن يجب أن نتقي شره ؟!!
و كيف نمدح البخيل و نُفضِّله على الكريم و الله عز و جل يقول :فففو من يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون قققففلاح المسلم يكون في الكرم و ليس في البخل ، وقال الرسول (ص) : ( إن الله جواد يحب الجود ، و يحب مكارم الأخلاق و يكره سَفْسافها ) ، و روى البخاري : ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أَعطِ منفقا خلفا .
و يقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تَلفا ) و روى مسلم : ( اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم . حمَلهم على أن سفكوا دماءهم و استحلوا محارمهم )
إن ما انتشر في مجتمعاتنا من أمور لا يُجيزُ لنا نَقْض ما يدعونا إليه ديننا الحنيف من فضائل ، فهي أسس و ركائز لا ينبغي الدعوة إلى نقيضها وتشجيعُه ،و التحسر على فعلها و التخلق بها .

مسلم بن عبدالله
2011-10-04, 03:38 PM
"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس".
لم أفهمها على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر الناس إنفاقًا .. وإنما فهمتها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أكرم الناس نفسًا وهو يجود، كان أكثر الناس تحلّيًا بآداب الإحسان وهو يعطي.



الله الله يا أبا ورش، ما أحسن هذا.

وفي الباب :) من كلامهم كثير:

قال الخريمي:
زاد معروف عندي عظما -- أنه عندك محقور صغير
تتناساه كأن لم تأته -- وهو عند الناس مشهور كبير

وقد قالوا: سَتَرَ رجلٌ ما أولَى، ونشَرَ رجل ما أُولِي.

وقالوا: ترك المن زينة المعروف.

وقالوا: لا خير في معروف إذا أحصي.

وقالوا: المن يهدم الصنيعة .....

القارئ المليجي
2011-10-30, 12:46 PM
شكر الله لكم، جميعًا.
وبارك الله فيمن أثرى الموضوع بتعقُّبه.



وقيل: اخْبُر تَقْلَهْ ..... أي: لو جرَّبتَ معاملة الناس واختبرتَهم لقليتهم، ولم تبالغ في مدحهم والثناء عليهم.
وقال المأمون: لولا أنه قد قيل "اخبر تقله" لقلتُ أنا: "اقْلَه تخبر".



وتمام المثل:
"وجدتُ الناسُ اخبُر تقْلهْ"
يُنسب لأبي الدرداء رضي الله عنه.
وقيل إنَّ الرواية برفْع الناس.
يراجع/ عيون الأخبار لابن قتيبة ... وتعليقات التحقيق.

داود العتيبي
2011-11-03, 08:35 PM
جلست أمس مع صديق لي عنده أراضٍ لا يرغب أهله في بيعها مستدلين بالمثل المشهور :
من باع أرضه باع عرضه ،، فألجأه هذا إلى الاقتراض من البنوك الربوية

فقلت له : من لم يبع أرضه باع عرضه : )

القارئ المليجي
2011-11-12, 09:58 AM
أحسنتَ بارك الله فيك.
وهناك مَن يقول: "مَن خلَّف فإنَّه لم يَمُت" ... يقصدون أنَّ الذُّرية امتداد للأصل.
وبعضهم يقول: "من خلَّف فقدْ مات" ... يقصدون أنَّ الرجُل إذا صار له أبناء وكبروا فقد آذن عمُرُه هو بالانقضاء.