المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نفحات رمضانية



صاحب همة
2011-07-23, 11:25 AM
ربانيون لا رمضانيون (http://ramadaniat.ws/view/420)



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
ما أشبه الليلة بالبارحة؛ هذه الأيام تمرُّ سريعاً كأنها لحظات، لقد استقبلنا رمضان الماضي، ثم ودعناه، وما هي إلا أشهر مرَّت كساعات، فإذا بنا نستقبل رمضان آخر، وكم عرفنا من أقوام؛ أدركوا معنا رمضان أعواماً، وهم اليوم من سكان القبور، ينتظرون البعث والنشور، وربما يكون رمضان هذا لبعضنا آخر رمضان يصومه.
إن إدراكنا لرمضان نعمة ربانية، ومنحة إلهية، فهو بشرى تساقطت لها الدمعات، وانسكبت منها العبرات: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}1 ، وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ))2، وفي الحديث عنه أيضاً - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين، وفتحت أبواب الجنة))3.
في هذا الشهر تضاعف الحسنات، وتكفَّر السيئات، وتُقال العثرات، وترفع الدرجات، وتفتح الجنات، وتغلق النيران، وتصفد الشياطين.
وهذا الشهر جعل الله فيه من الأعمال جليلُها، ومن الأجور عظيمُها فجاء في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ))4.
لذا كان الصالحون يعدُّون إدراك رمضان من أكبر النعم يقول المعلى بن الفضل: "كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلِّغهم رمضان"، وقال يحيى بن أبي كثير: "كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان، وتسلَّمه مني متقبلاً"، وكان رمضان يدخل عليهم وهم ينتظرونه ويترقبونه، ويتهيئون له بالصلاة والصيام، والصدقة والقيام، قد أسهروا له ليلهم، وأظمئوا نهارهم، فهو أيام مَّعْدُوداتٍ.
ولو تأملت حالهم لوجدتهم بين باك غُلب بعبرته، وقائم غُصَّ بزفرته، وساجدٍ يتباكى بدعوته، ولقد كان رمضان يدخل على أقوام صدق فيهم قول الله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}5، فكانوا ربانيين لا رمضانيين؛ هم في صيام وقيام في رمضان وفي غير رمضان.
باع رجل من الصالحين جارية لأحد الناس، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان الطعام، فقالت الجارية: لماذا تصنعون ذلك؟ قالوا: لاستقبال الصيام في شهر رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟! والله لقد جئت من عند قوم السنة عندهم كلها رمضان، لا حاجة لي فيكم، ردوني إليهم، ورجعت إلى سيدها الأول.
ولقد كانوا يدركون الحكمة من شرعية الصيام؛ فالصوم لم يشرعْ عبثاً، فالقضية ليستْ قضية ترك طعام أو شراب، بل القضيةُ أكبرُ من ذلك بكثير، فقد شُرع ليعلمَ الإنسان أن له رباً يشرعُ الصومَ متى شاء، ويبيحُ الفطرَ متى شاء، ويحكم ما يشاء ويختار، فيخشاه ويتقيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}6، نعم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى خشيةٌ مستمرة، هي: الخوفُ من الجليل، والعملُ بالتنزيلُ، والقناعةُ بالقليل، والاستعدادُ ليوم الرحيل

خل الذنوب صغيـــرها***وكبي ها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض*** الشوك يحـذر ما يرى
لا تحقـــرن صغيرةً ***إن الجبـالَ من الحصى

ومن حقق التقوى شعر بأن حياته كلَّها ملك لله - تعالى - يفعل بها ما يشاء، فهو يصلي وقت الصلاة، ويصوم وقت الصوم، ويجاهد في الجهاد، ويتصدق مع المتصدقين، فليس لنفسه منه حظ ولا نصيب، بل حياته كلها وقف لله - تعالى -7، وبالتالي تكون جميع أيامه رمضان يعمرها بطاعة الله، ويبتعد فيها عن معصية الله.
ولربما فهم بعض الناس من أحاديث الفضائل في رمضان أن العبادة والطاعة لا تكون إلا في رمضان فقط، وأن صيام رمضان يكفر كل المعاصي صغيرها وكبيرها وموبقها، وهذا الفهم خاطئ؛ إذ الأصل في المسلم الاستمرار في العبادة في كل أيامه، وزيادتها في مواسم الخير لاغتنام فضائلها.
فلنكن مستمرين في طاعة ربنا خلال رمضان وغير رمضان، ولنكن ربانيين لا رمضانيين فإن رب رمضان هو رب جميع الأشهر، وإذا ما عملنا عملاً ولو كان قليلاً فلنستمر عليه، ولنثبت في فعله، فإن ذلك مما يحبه الله، وهو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان إذا عمل عملاً أثبته.
جعلنا الله وإياكم ممن يستمرون على طاعة الله في كل شأن من شؤون حياتهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــ
1 سورة البقرة (185).
2 رواه النسائي (2079)، وقال الألباني: "صحيح" كما في صحيح الجامع برقم (55).
3 رواه البخاري (3035)، ومسلم (1793).
4 رواه ابن ماجه برقم (1632)، وهو في صحيح ابن ماجة للألباني برقم (1642).
5 سورة السجدة (16-17).
6 سورة البقرة (183).
7 بتصرف من محاضرة "ربانيون لا رمضانبون"

صاحب همة
2011-07-23, 11:29 AM
الحكمة من الصوم (http://ramadaniat.ws/view/448)


الحمد لله الحكيم الخبير، العليم بما خلق وقدَّر وشرع وهو على كل شيء قدير، فرض على عباده الصوم ليعلم من يتقيه، ويسمع من يناديه، ويقبل من آوى إليه، جاء برمضان، وأنزل فيه القرآن؛ هداية للإنس والجان، فله الحمد أولاً وآخراً، وله الشكر ظاهراً وباطناً، له الحمد في الأولى والآخرة وهو السميع البصير، والصلاة والسلام على البشير النذير، خير الأتقياء، وسيد الأنبياء، وإمام العابدين الأخفياء، كثير الجود والصدقات لاسيما في شهر التقوى والرحمات، فصلوات الله وسلامه عليه ما هلَّ لرمضان هلال، وما أفطر مسلم برزق حلال، وما أنفق مؤمن في سبيل الله المال، صلوات الله وسلامه عليه وعلى صحبه والآل، أما بعد:

سمى الله - عز وجل - نفسه "الحكيم"، فشرع لعباده ما ينفعهم، وهو أعلم بذلك: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}1، ومما شرع وفرض صيام شهر رمضان المبارك، أياماً معدودات، وفي صومها من الحكم والبركات ما يشرح النفوس المؤمنات، ويفرح الأرواح الطاهرات.

نقف لحظات قصيرات مع بعض أسرار وحكم الصوم علَّنا أن ندرك ما تقوى به عزائمنا، وتعلو به هممنا، ويزداد به إيماننا وقربنا من مولانا، وقبل الكلام عن الحكمة من الصوم ينبغي أن نعلم أن الله يشرع الشرائع والأحكام لحِكَمٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها، وقد شرع الصيام وأوجبه على عباده لحِكَم عديدة، وفوائد عظيمة في الدنيا والآخرة، من تلك الحكم:

1- ما ذكره الله في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}2، فبين - سبحانه وتعالى - أن الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى مزية عظيمة، وهي جماع الخير، ويجدها الصائم عندما يترك طعامه وشرابه، ولا يلاحظ أحداً من الناس، قد علم أن الله مطلع عليه، يعلم سرَّه ونجواهـ فامتنع عن كل مفطر، وترك كل مفسد لصيامه، وكل ذلك يورثه تقوى الله - جل في علاه -.

واشتمال الصيام على التقوى بينه الإمام السعدي - رحمه الله - في تفسيره حيث قال عند آية الصيام: "فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها التي تميل إليها نفسه، متقرباً بذلك إلى الله، راجياً بتركها ثوابه، فهذا من التقوى، ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله - تعالى -، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه؛ باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين وهذا من خصال التقوى"3، ويقول أبو بكر البيهقي - رحمه الله تعالى -: "قال أبو عبد الله الحليمي في مبسوط كلامه: قد أبان الله - عز وجل - أن الصوم من أسباب التقوى، وحقيقة التقوى فعل المأمور به والمندوب إليه، واجتناب المنهي عنه والمكروه والمنزه عنه؛ لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار، وهو إنما يقي نفسه بما ذكرت"4.

2- ومن حكم الصوم ومقاصده وأسراره تزكية النفس وتطهيرها، وتهذيبها مما أصابها من درن الذنوب والمعاصي، ويذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأجر الجزيل للصائم لتزكو نفسه بذلك فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))5، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عظيم ثواب الصيام فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب؛ فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه))6، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول....7

3- والصوم يقوي العزيمة، ويربي الإرادة كما في الحديث: ((الصوم نصف الصبر))8، وفي الحديث: ((الصبر نصف الإيمان))9، فالصائم يصبر طاعة لله على الجوع والعطش، وكبت الغرائز والشهوات عن الحلال الذي بين يديه يوماً كاملاً طيلة شهر كامل، فلا شك أنه بذلك يتمرس على قوة الإرادة، وصلابة العزيمة.

4- وفي الصيام إعلان لمبدأ وحدة المسلمين، فتصوم الأمة وتُفطر في شهر واحد، وفي هذا شعور بالقوة، وهو من المقاصد العظيمة التي لا بد أن يستشعرها كل مسلم، إذ أمر الله - تعالى - بالوحدة والتمسك بها فقال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }10.

اللهم اجعلنا من أهل رمضان الذي يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم، وارزقنا فيه التقوى والعمل الصالح، آمين.

ــــــ
1 سورة الملك (14).
2 سورة البقرة (183).
3 تفسير السعدي (1/86).
4 شعب الإيمان لأبي بكر البيهقي (3/287).
5 صحيح البخاري (38) بلفظه، وصحيح مسلم (760).
6 صحيح البخاري (1805)، وصحيح مسلم (1151).
7 صحيح البخاري (2685)، وصحيح مسلم ( 1153) بلفظه.
8 مسند أحمد (23123)، وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره وهذا إسناد رجاله ثقات غير جري بن كليب النهدي، وانظر مسند بتحقيق الأرناؤوط (5/363).
9 المستدرك (3666)، وصححه الذهبي في تعليقه في التلخيص، وانظر المستدرك مع كتاب تعليقات الذهبي في التلخيص (2/484).
10 سورة آل عمران (103).

صاحب همة
2011-07-23, 11:47 AM
رمضان شهر القرآن (http://ramadaniat.ws/view/449)


الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

شهر رمضان شهر تعظم فيه الصلة بالله - عز وجل -، وبكتابه الكريم؛ تلاوةً واستماعاً، وتدبُّراً وانتفاعاً؛ لتحيا القلوب بنديم التلاوة، وتصلح الأخلاق بمهذب الأخلاق، وقد شهد شهر رمضان المبارك نزول القرآن الكريم أعظم كتاب على قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومذَّاك الحين ارتبط القرآن بشهر رمضان المبارك: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}1 .

وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قراءة القرآن في هذا الشهر، بل كان أحرص ما يكون على ذلك، فكان جبريل - عليه السلام - يدارسه القرآن كله في رمضان جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن"2، وفي العام الذي توفي فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - دارسه جبريل - عليه السلام - القرآن مرتين؛ ليدل على أن أهمية هذا العمل في هذا الشهر.

وسار السلف الصالح - رحمهم الله - على ما سار عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان لهم اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان، بل لم يكونوا يشتغلوا عنه بغيره، فقد: "كان عبد الله بن مسعود يختم القرآن في رمضان في ثلاث، وفي غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة، وكان الأسود يختم القرآن في شهر رمضان في كل ليلتين، وينام فيما بين المغرب والعشاء، وكان يختم فيما سوى ذلك في ستة"3، "وعن حماد بن سلمة عن حميد أن ثابتاً كان يختم القرآن في كل يوم وليلة في شهر رمضان"4، وكان الإمام محمد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله - إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه، فيصلّى بهم، فيقرأ في كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرآن، وكذلك يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال، وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة، ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة، ويقول: عند كل ختمٍ دعوةٌ مستجابة"5.

و"عن منصور عن إبراهيم عن الأسود أنه كان يختم القرآن في شهر رمضان في كل ليلتين، وكان ينام ما بين المغرب والعشاء، وعن سعيد بن جبير أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين"6، و"كان الشافعي يختم القرآن ستين ختمة في صلاة رمضان"7، "وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا دخل رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا دخل العشر ختم كل ليلة مرة"8، "وكان ثابت البناني يختم القرآن في كل يوم وليلة من شهر رمضان"9.

أيها الأخ الكريم:

هكذا كان حال رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - مع القرآن في رمضان، وهكذا سار أصحابه - رضي الله عنهم -، وكذا التابعين - رحمهم الله - وهم من هم في الفضل، فما حالك، وأين أنت منهم، وكم هو وردك منه في سائر الأيام، وفي رمضان بشكل آكد، فلنـتق الله - عز وجل - في القرآن، وفي هذا الشهر المبارك.

نسأل الله - تعالى - أن يردنا إلى دينه مرداً جميلاً، وأن يهدينا ويهدي بنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــ
1 سورة البقرة (185).
2 البخاري (2981)، ومسلم (4268).
3 التفسير من سنن سعيد بن منصور (1/24).
4 البيان في عد آي القرآن (1/327).
5 النشر في القراءات العشر (2/500).
6 الطبقات الكبرى لابن سعد (6/73).
7 حلية الأولياء (9/134).
8 قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي (1/86).
9 شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/280).

صاحب همة
2011-07-23, 11:53 AM
الفرحة بقدوم رمضان (http://ramadaniat.ws/view/450)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

يحتل شهر رمضان منزلة عظيمة في قلوب المسلمين الموحدين لله رب العالمين، فهو يمثِّل قيماً روحية، ومشاعر وجدانية عظيمة لدى أبناء الإسلام، وكيف لا وفيه درر العام وأفضليته، فيه الرحمة، والمغفرة، والعتق من النار، فيه العشر الأواخر التي فيها ليلة القدر، من أدركها فقد أدرك خيراً كثيراً.

وهذا الشهر يقطف لنا طاقات من البهجة والفرح، إذ تجتمع فيه الكثير من أمهات العبادة: فهو شهر الصيام، والقيام، والصدقة، وغيرها من أبواب الخير.

وكلما أقبل هذا الشهر الكريم المبارك المعظم تطلعت النفوس المؤمنة إلى لقائه، واستبشرت بمقدمه، وفرحت بقربه، فهو نعمة إلهية عظيمة ليس في الأجور الكثيرة التي أودعها الله فيه فقط، ولا في العتق من النيران فحسب، بل لما اشتمل عليه من دروس عظيمة لا يقدرها حق قدرها إلا من عرف حكمة الصوم وفائدته، وآثاره على القلب والنفس والبدن والمجتمع كله.

وشهر رمضان قد اختص عن غيره من الأشهر بـ:

1. مغفرة الذنوب: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))1، "إيماناً: أي تصديقاً بأنه حق، واحتساباً: أي يريد الله وحده لا رؤية الناس"2.

2. وفيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار: وهذا يتم في أول ليلة من هذا الشهر المبارك كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة))3، وفي الحديث بيان لفضائل عديدة تقع في هذا الشهر.

3. أنه فيه عبادة من أعظم العبادات: وهذا من أكبر دواعي الفرحة بقدوم هذا الشهر وقد جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه))4.

4. ويستحق المؤمن أن يفرح بقدوم هذا الشهر، وحُق له أن يفرح للبشرى التي أعدها الله - عز وجل - للصائمين فعن سهل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن في الجنة باباً يقال له "الريان" يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد))5.

أخي العزيز: إن شهر رمضان فرحة وبهجة يجدها كل عبد مؤمن، وقد سطرها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه))، وإنه لمحل الفرحة ووقتها حقاً، إذ كيف لا يفرح المؤمن وقد فُتح له باب إلى الجنة، وباب لمغفرة ذنبه ما تقدم منها وما تأخر، ولعتق رقبته من النار، ومناداة لباغي الخير أن أقبل، أقبل بصدق إلى رب البرية، بكل ما فيه فلاح وفوز العبد في الدنيا والآخرة, ولا شك أن هذا مطلب كل عبد، ومراد كل موحد، فكيف إذن لا يفرح العبد بقدوم هذا الشهر عليه، وكيف لا يُسَرُّ وقد وهبت له منحة إلهية ربانية للنجاة من النار، والفوز برضا الله رب العالمين.

نسأل الله - عز وجل - أن يبلغنا هذا الشهر، وأن ييسر لنا الصيام والقيام، وأن يتقبل منا القليل، ويعفو عن الكثير، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

ـــــــ
1 البخاري (37)، ومسلم ( 1268).
2 إعانة المسلم في شرح صحيح مسلم (1/3).
3 الترمذي (618)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2/182).
4 البخاري (1771)، ومسلم (1944).
5 البخاري ( 1763)، ومسلم ( 1947).

صاحب همة
2011-07-23, 12:01 PM
توجيهات رمضانية (http://ramadaniat.ws/view/721)


أهلاً بك أيها الأخ المسلم الحبيب في هذا اللقاء الرمضاني الطيب المبارك، نلتقي معك لنرتقي بأنفسنا إلى الله، وينصح بعضنا بعضاً، فنحن جسد واحد يحن كل عضو إلى الآخر.

أيها الأخ الحبيب: إن الله قد امتن على عباده بمواسم الخيرات التي فيها تضاعف الحسنات، وتُمحى السيئات، وتُرفع الدرجات، وتتوجه فيها نفوس المؤمنين إلى مولاها، فيفلح من يزكيها، ويخيب من يدسيها، ومن أعظم هذه المواسم المباركة في هذه الأيام؛ شهر الصيام، إذ فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وتضاعف الحسنات.

وشهر كهذا لا بد أن تستغل أوقاته، وتستثمر أنفاسه، وتعمر لياليه، لكن كيف يكون ذلك؟

هذه توجيهات رمضانية - أيها الحبيب - ننصح بها أنفسنا وإخواننا حتى يكون هذا الشهر العظيم لنا لا علينا، وحتى يخرج وقد رسمنا عليه بصمات خير، وعلقنا فيه مشاعل هداية تكون لنا ذخراً يوم الدين.

إن من أعظم التوجيهات التي لا بد على كل مسلم ومسلمة أن يجعلها محط اهتمامه في هذا الشهر هي:

1. استفرغ جهدك في حفظ الوقت:

فالوقت أيها المسلم هو عمرك الحقيقي، وكما قال الحسن: "ابن آدم إنما أنت أيام، إذا ذهب يومك ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل"، ويروى عنه أنه قال: "ما من يوم إلا ينادي: أني يوم جديد، وأنا على ما يعمل فيّ شهيد، فاغتنمني فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة"1.

2. أكثر من قراءة القرآن:

فإن القرآن الكريم هو النور الذي يضيء لك الطريق، ويكشف لك الحقائق، ويرفع نفسك لتسمو درجات في سماء السعادة، وفضاء غذاء الروح، بل هو روح الأرواح، وتأمل معي قول الحق - سبحانه -: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}2، قال الضحاك: هو القرآن، وهو قول مالك بن دينار، وسماه روحاً لأن فيه حياة من موت الجهل، وجعله من أمره: بمعنى أنزله كما شاء على من يشاء من النظم المعجز، والتأليف المعجب"3 ، "وكان مالك بن دينار يقول: يا أهل القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيث ربيع الأرض"4.

فاعمر عمرك أيها المسلم بهذا القرآن العظيم، وخصَّ من عمرك هذا الشهر المبارك، ولا يَفُتْ عليك يوم ولم تقرأ فيه جزءاً من القرآن الكريم قراءةَ تدبر وتفكُّرٍ وتأمُّل عاملاً بقوله - تعالى -: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}5.

3. احذر: فالبطنة تُذهب الفطنة:

"إن الله عزَّ وجل يكره من كان جُلَّ همِّه أن يملأ بطنه، لأن البِطنة تُذْهِب الفطنة، وتُوقع في الغفلة، وتشكِّل حجاباً حول القلب يحجب عنه نور المعرفة، ولذلك فرض الله - تعالى - الصِّيام على عباده تطهيراً لنفوسهم، وجلاءً لقلوبهم، وأمرهم بالاعتدال في طعامهم وشرابهم ليستفيدوا منه، ولئلا يُجهدوا جهازهم الهضمي، ويُحمِّلوه فوق طاقته، فتضطرب عمليات الهضم، ويؤدي بهم ذلك إلى أسوأ النتائج الَّتي تضرُّ بصحَّتهم، وسلامة أبدانهم، فالاعتدال مطلوب ومحمود، والشراهة والنهمة مكروهة مذمومة، والسعيد من احتاط للمرض واتَّقاه قبل وقوعه، وعمل بقوله - تعالى -: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}6 "7، وعن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: "أكلت ثريدة من خبز ولحم، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلت أتجشأ، فقال: ((يا هذا كف عنا من جشائك؛ فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة))8، وفي دفتر الحكمة: "من قلَّ طعامه صح بطنه، وصفا قلبه، ومن كثر طعامه سقم بطنه، وقسا قلبه، وقالوا: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب؛ فإن القلب كالزرع إذا كثر عليه الماء مات"9.

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــ
1 موسوعة فقه الابتلاء 1-4 (3/229).
2 سورة الشورى (52).
3 تفسير القرطبي (16/54-55).
4 تفسير القرطبي (16/55).
5 سورة محمد (24).
6 سورة الأعراف (31).
7 القرآن منهاج حياة (2/299).
8 رواه الحاكم في المستدرك برقم (7864)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
9 المستطرف (1/390).

صاحب همة
2011-07-23, 12:16 PM
توبة مهمة قبل فتح أبواب الجنة (http://ramadaniat.ws/view/779)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد فالوقت أضيق من المقدمات، فتعالوا نستقبل رمضان بتجويد التوبة التوبة أول واجب للاستعداد لرمضان، وهي وظيفة العمر، اللهم تب علينا توبةً نصوحاً قال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {النور: 31] وليست التوبة كما تفعل دائما: تبت.. تقول: أستغفر الله بلسانك، وقلبك غافل لاه..

أو تظن أن التوبة هي التوبة من النظر للمتبرجات أو التوبة من الكذب والغيبة و..

إنني أريد التوبة هذه المرة من حياتك.. من نمط الحياة التي تعيشها.. من نمط التفكير.. من الآمال العريضة...التوبة من هذه الحياة جدد التوبة.. حسِّن التوبة.. اصدق التوبة، إنك تحتاج أن تتوب من أشياء لم تخطر لك على بال، ولم تحسبها يوماً من ذنوبك..

هل فكرت في التوبة من تضييع الأوقات؟

ـ كم تضيع من الوقت في ليلك؟

ـ كم تضيع من الوقت في الشرود الذهني في وقت الفراغ؟ ـ وساعات المواصلات التي تمر من غير ذكر ولا تعلم؟

ـ وساعات النوم التي تضيع من العمر من غير نية صادقة؟ ـ وتلك التي تضيع في (التليفونات)، والرنات، وإرسال الرسائل، بل وقراءة الرسائل، واللعب بالتليفون؟

ـ وتلك الأخرى التي تضيعها في تصفح الشبكة السرطانية؟

ـ ماذا بقي من وقتك بعد كل هذا لله ؟!

ـ وقتك، وقتك.. كنزك الذي تضيعه هباءً، قال صلى الله عليه وسلم: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " [البخاري] وما رمضان إلا ساعات مثل التي ألِفت تضييعها. درّب نفسك على المعاتبة على تضييع الأوقات هل فكرت في التوبة من آفات لسانك؟ هل جربت أن تكتب رسالة على (التليفون) ووجدت نفسك تحاول أن تنقص من الحروف شيئا يسيرا لكي تضبط الرسالة وفق التكلفة التي ترغب؟ إن كل كلمة تقولها تكتب، وصدق بعض السلف: "لو أنكم تشترون المداد للكرام الكاتبين لسكتم".

الكلام يُكلفك سيئات..

دعونا من المراوغة وتعالوا نتكلم بصراحة:

إن وجود (التليفون) في يد كثير من الناس مجرد (منظرة) وتقليد أعمى ولعب، فليس صاحبنا رجل أعمال خطير ولا شخصية مهمة، ولا يمثل التليفون بالنسبة له أي دور ولا أثر، فما الذي كان؟ الآفات الثلاث التي يكرهها الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله كره إليكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال" .[متفق عليه] دعونا من المراوغة وتعالوا نتكلم بصراحة:

القصص والحكايات والمنامات والمناقشات.. إلخ كل هذه مآسي ظاهرة، لكن قد يُتستر عليها بستار الدين فتُنسب إليه..

أيها الأحبة؛ إن الكلام شهوة، وكل هؤلاء لا يقلون خطراً عن المتكلمين في الفن والرياضة وغير ذلك..

كلام، كلام، والملائكة لا تمل أن تكتب، ولا تغفل عن أن تكتب، وستُسأل عن كل كلمة.

فتب إلى الله من القصص والحكايات قولا وسمعا واغتنم لسانك في ذكر الله تعالى.

ومما ينبغي أن يتوب منه لسانك قبل رمضان:

المجاملات والمبالغات التي ليست إلا نفاق وقسوة قلب بشعة..

وكذلك التهريج والمزاح والفحش والبذاء، والمسمى -بالباطل- في عصرنا بـ (خفة الدم) !

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" [الترمذي وصححه الألباني] وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب" [ابن ماجة وصححه الألباني] فاتقوا الله يا قومنا، ونزهوا ألسنتكم عن فضول الكلام، فضلاً عن الفحش والبذاء والتهريج والمزاح.

إنك تحتاج أيضاً لتوبة في علاقاتك!

كثيرا ما تسأل أحدهم: كم جزءا قرأ من القرآن الكريم، ويكون الجواب: أنا أتمنى والله أن أقرأ، ولكن المشكلة.. ليس هناك وقت!

وحين تسأل أين ضاع الوقت؟ وكيف ضاع الوقت؟ فإنك ستجد أن من أخطر ما يضيع الوقت: كثرة الاختلاط بالناس..

إننا نستهين بمكالمة لمجرد المجاملة، قد يضيع فيها نصف ساعة، ومصافحة وكلمتين (ع الماشي) بعد الصلاة أمام المسجد يضيع فيها نصف ساعة أخرى، وهكذا تضيع الأوقات بغير فائدة،

والعبد مسؤول عن عمره فيما أفناه.

لابد أن تُحجم علاقاتك.. أن تختصر معارفك.. ليس هناك مجال لأداء حقوق كل هؤلاء والتوبة من هذا تكون بتحقيق الإخلاص في العلاقات، بإقامة صرح الحب في الله، وأن تحب المرء لا تحبه إلا لله، فتنضبط العلاقات بضابط الحب في الله والبغض في الله، فتكون عبادة.

وإن أكبر آفات العلاقات أن تكون العلاقة آثمة بين رجل وامرأة مهما زعموا أنها (علاقة بريئة!) دعونا نكون صرحاء !

ليست هناك علاقة بريئة، كلها علاقات محرمة، إننا يا قوم عبيد، يحكمنا دين يقوم على أمر ونهي، وليس الحاكم في ذلك العادات والتقاليد، أو الهوى والشهوات..

فتجب التوبة قبل دخول رمضان من كل علاقة آثمة حتى يطهر القلب..

حتى قلبك يحتاج إلى توبة

توبة من الخواطر، وأحلام اليقظة التي يستمتع بها بعض الناس.

أخي الحبيب: لا يقتلك الوهم، عش الحقيقة وإياك من الخواطر الرديئة، اجعل خواطرك تحت السيطرة، لا تدعها تخرج من تحت يدك، إنك إذا تركت الخواطر ترعى في قلبك وعقلك بغير ضابط ولا رابط؛ فستعيش الوهم وتصدقه..

كم من الناس قتلهم وهم (المشيخة)، وهم ليسوا على شيء؟ وآخرون قتلهم وهم طلب العلم وعاشوا أحلام اليقظة في ثياب فضفاضة ليست من ثيابهم.

أخي الحبيب.. قبل رمضان عش الحقيقة، وانس الوهم، وتب إلى الله، واستعن بالانشغال بالأعمال على الخروج من الأوهام..

يحتاج قلبك أيضا أن يتوب من التعلق بغير الله:

قال سبحانه: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 81، 82] فإياك أخي الحبيب والتعلق بغير الله، الكل سيخذلك ويتخلى عنك إلا الله العظيم، فلا تنشغل بالآخرين، واجعل انشغالك بمن ينفعك انشغالك به، تب من التعلق بالأسباب والتعلق بغير الله.

قل لقلبك أيضاً: تب من الأماني والتسويف وطول الأمل:

إخوتي في الله: أحذركم من السين وسوف، قال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً غرتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: (نحسن الظن بالله وكذبوا؛ لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل).

قل لقلبك أيضاً: تب من العجب والكبر والغرور ورؤية النفس:

أمراض تقتل الإيمان وتذهب بالعبد إلى الجحيم، فالمعجب محبط عمله، والمتكبر لا يدخل الجنة، والغرور قتّال، ورؤية النفس تجعلك تختال..

فاحذر يا مسكين؛ فإنك لا تدري بم يُختم لك، تب من ذلك كله وانكسر واخضع وذل لربك، لعل أحد هؤلاء الذين تزدريهم قد سبقك إلى الجنة بمراحل، ولله في خلقه شؤون، فاحذر..

عجل بالتوبة، ومن تواضع لله رفعه.

تب من الكسل

ونحن على أبواب رمضان، والكل يعرف فضائل رمضان، ولكن ماذا أفاد هذا العلم؟ أين العمل؟!

إن الكسلان يقينه ضعيف في الوعد والوعيد، تأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة" [الترمذي وصححه الألباني]، أنا قلت الآن: سبحان الله العظيم وبحمده، ونظرت في الساعة فإذا هي ثانية واحدة، لو ثبت يقينك في هذا الوعد أنك تكتسب بالثانية الواحدة نخلة في الجنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من نخلة في الجنة إلا وساقها من ذهب" [الترمذي وصححه الألباني]، فوزن ساق النخلة من ذهب مئات (الكيلوغرامات)، هذا ثمن كل ثانية من عمرك، وأنت تضيعه (شذر مذر).. لا تبالي ولا تذر، وإنما أتيت من ضعف يقينك، لو ثبت يقينك في هذا الوعد، ما ضيعت لحظة من عمرك، وما ركنت إلى الكسل وترك العمل.. اعمل يا كسلان.

وبعض الناس يريد التفلت من الدين لكن بدين!

فهو يبحث كسلاً عن الرخص، ويتخذ الخلاف بين العلماء مسوغات للهروب، فكل المسائل عنده فيها خلاف بين العلماء، وهو يرجح فيها بهواه، ويختار ما يوافق شهوته، ويظن أنه على شيء، {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 18، 19] تب أخي الحبيب من هذا الترخص المهين، واستعن بالله على الأخذ بالعزائم، والعمل الجاد المثمر، والله المستعان.

وقد جعلت التوبة من الكسل آخر هذه العناصر؛ حتى لا نكسل في التوبة، فلنسارع الآن.. حالاً.. ونتب إلى الله..

إخوتاه..

هذه التوبة لازمة.. ليست استعداداً لرمضان فحسب؛ فلعلنا لا ندرك رمضان، ولكنها لازمة استعداداً للموت، فقد تموت الآن في هذه اللحظة؛ إذاً فتب ولا تسوف اللهم ارزقنا قبل رمضان توبة، وقبل الموت توبة واللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين

صاحب همة
2011-07-23, 12:28 PM
دورة تأهيلية لرمضان (http://ramadaniat.ws/view/780)


دار في فكري مع هذه الإعلانات المتفرقة عن دورات متعددة أن تكون هناك دورة لكل فرد مع نفسه أو مع أسرته ليجعل من شهر شعبان مؤهلا ليخوض غمار الطاعة في رمضان

فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه ويجهز برنامجه في رمضان ويجدول مهامه الخيرية .

كثير من الناس يأتيه رمضان وما أعد العدة بعد بل قد يمر نصفه وهو يفكر أو يسوف فما رأيكم بارك الله فيكم أن نجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان فنحرص فيها على اعتياد قراءة القرآن والصوم و.... وسائر العبادات

ويكون هذا الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمثابة دفعة قوية وحركة تأهلية لمزيد من الطاعة والخير في رمضان فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ، لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان , قَالَ :" ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان , وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"

ذكروا أنفسكم واعتمدوا على ربكم وذكروا من حولكم وستنالون شهادة رضا ومحبة وقبول ممن ترفع إليه أعمالكم فبادر عبد الله قبل البدار رزقني الله وإياك التوفيق والسداد.

قال ابن رجب رحمه الله : صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم ، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده ، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه .

وقوله " شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان "

يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان - الشهر الحرام وشهر الصيام - اشتغل الناس بهما عنه ، فصار مغفولا عنه ، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام ، وليس كذلك .

وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه .

وفيه دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة ، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة ، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها : أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل ، لا سيما الصيام فإنه سرّ بين العبد وربه ، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ، وكان بعض السلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد ، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم ، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته ، وكان السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه ، فعن ابن مسعود أنه قال : " إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدَّهنين " ، وقال قتادة : " يستحب للصائم أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام "

وكذلك فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس ، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل ، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين ، وعند مسلم ( رقم 2984 ) من حديث معقل بن يسار : " العبادة في الهرْج كالهجرة إلي " أي العبادة في زمن الفتنة ؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق .

اللهم نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

صاحب همة
2011-07-23, 01:00 PM
همسة في أذن صائم (http://ramadaniat.ws/view/781)


أخي يا من سره دخول رمضان

أهنيك بشهر المغفرة والرضوان

أهنيك بشهر العتق من النيران

فرصة لا تعوض على مر الأزمان

وموسم خير فاحذر الحرمان

ما من ليلة ينقشع ظلامها من ليالي رمضان إلا وقد سطرت فيها قائمة تحمل أسماء (عتقاء الله من النار) وذلك كل ليلة ، ألا يحدوك الأمل ان تكون أحدهم ؟

اذا فدعني أسألك في أي شيء ستمضي ليالي رمضان ؟!

ما من يوم من أيام رمضان إلا وفتحت أبواب السماء فيه لدعوة لا ترد ، فللصائم عند فطره دعوة لا ترد ..

فهلا كنت من الداعين !!

ادع لنفسك ، لأهلك ، لإخوانك ، لأمتك ، لأمتك ، للمجاهدين ، للمستضعفين ... الخ

ولكن كل يوم ..

أخي الحبيب : ما أعظم المغفرة ، فلولا المغفرة لما ارتفعت الدرجات ولما علت المنازل في الجنات

ها قد هبت نسائم المغفرة بدخول شهر الغفران ..

فمن صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

ولكن العجب الذي لا ينقضي ان يطمع طامع في هذه المغفرة وهو لم يفارق من ذنوبه ما يرجو صفح الله عنه ..فلنقلع عن ذنوبنا ومعاصينا ، ولنندم على فعلها ، ولنعزم على إلا نعود إليها ، ونطمع في المغفرة ، التي ان حرم العبد منها في رمضان فمتى ؟!بل ان الحرمان سبيل إلى أمر خطير يبينه هذا المقطع من حديث صحيح .

يقول جبريل عليه السلام : يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله فقلت آمين .

أحرص على ما ينفعك في شهرك فأعمال الخير أكثر من أن تحصر .

اللهم كما بلغتنا بداية رمضان فبلغنا تمامه .. واجعلنا فيه من الصائمين القائمين ....

صاحب همة
2011-07-23, 01:03 PM
أهلا رمضان (http://ramadaniat.ws/view/782)


الحمد لله له الحمد كله, وله الشكر كله, أنعم فأسعد, وأجزل العطايا بلا حد, وأصلي وأسلم على القدوة الأمجد, صلاة وسلاما دائمين إلى يوم يبعث الأحمر والأسود, وعلى آله الأطهار, وصحابته الأخيار, والتابعين ومن تبعهم واقتفى بأثرهم ما تعاقب الليل والنهار, أمـا بعد:

فأهلا وسهلا برمضان, وهنيئاً لمن بلغه الله تعالى رمضان, وعقد العزم وجدد النية للصيام والقيام, والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات والطاعات.

أهلا برمضان لما فرض الله فيه من الصيام, وجعله فرضاً على كل مسلم مكلف, فأجزل لمن قام به الأجور, وجعل له الوقاية والستر عن النار, ويسّر له دخول الحنان.

أهلا برمضان لـما سن فيه عليه الصلاة والسلام القيام وجعله مغفرة لذنوبه لمن قام إيماناً واحتساباً.

أهلا برمضان لما شرفه الله سبحانه وتعالى على سائر الشهور فجعله سيد الشهور فكان ميداناً لتنافس الموفقين, وتسابق الصالحين.

أهلا برمضان لما خصّه الله تعالى بليلة تعدل في أجرها أكثر من ثلاث وثمانين سنة لمن وفق فيها وقامها إيماناً واحتساباً.

أهلا برمضان لما كان يُـبْرزُ فيه عليه الصلاة والسلام منهجا للتعامل فيه تختلف عن غيره من سائر الشهور والأيام فيبتعد فيه عن مجال الاقتصاد والسياسة وسائر ميادين الحياة إلى ميدان العبادة الشخصية وتقوية العلاقة بالمولى عز وجل.

أهلا برمضان شهر الإحسان, والصدقات, والهبات, والهدايا, والتفطير, والعفو, والصفح, والدعاء, والاستغفار.

أهلا برمضان شهر اجتماع الأسرة على السحور والفطور للأكل, وقبله للدعاء والاستغفار في وقت إجابة الدعاء, وقت السحر ووقت تنـزل المولى جلا وعلا إلى سماء الدنيا ليعرض على عباده الاستغفار فيغفر لهم, والدعاء فيجيب دعاءهم, ووقت الإفطار الذي فيه دعوة للصائم لا ترد.

أهلا برمضان شهر تَفَتّحُّ أبواب الجنان, وإغلاق النيران, وتصفّد فيه الشياطين.

أهلا برمضان شهر المنح والـهبات والمكرمات من رب الأرض والسماوات, فكم لله سبحانه وتعالـى فيه من مغفرة للذنوب, ورفعة للدرجات, ومنح لعباده المؤمنين, وعتق من النيران وحجاب عنها, وعفو عن المسيئين, وعلو للمحسنين, ومضاعفة لأجورهم, وقبول توبة التائبين, واستغفار المستغفرين, وتحقيق رجاء الراجين, وتوبةِ التائبين, وتأمين الخائفين, وبلوغ أماني الطائعين

أهلا وسهلا ومرحباً برمضان.

ونحمد الله تعالى ونشكره أبلغ الحمد وأعظم الشكر على بلوغنا رمضان.

ونسأله أن يحقق أمانينا في الدنيا والآخرة في رمضان وبعد رمضان.

وأن يعيننا جميعاً على حسن الصيام والقيام وسائر القربات وأن يتقبله منا, ومن جميع المسلمين.

ومما يحقق ذلك:

· أن يعد المسلم العدة لهذا الشهر

· أن يعد العدة بالنية والعزم والتصميم على التعامل مع هذا الشهر بقدر ما يستطيع جهده صياماً وقياماً وصدقة وبراً وإحساناً, وصدقة وصلة, وقراءة للقرآن الكريم, وذكراً, واستغفاراً, ودعاءاً.

· أن يعد العدة لعمل برنامجه فيحدد الأعمال التي يريد أن يقوم بها, ويـبرمجها على الشهر كله فمثلاً: يريد أن يختم القرآن كذا ختمة, ويريد أن يراجع كذا وكذا, وأن يتصدق بكذا وكذا, وأن يستيقظ قبل السحر للصلاة والدعاء, ...إلخ, ذلك كل بحسبه ووضعه ووظيفته وأعماله, ويسأل الله التوفيق والتسديد والقبول.

· يعد العدة لتقسيم اليوم والليلة على سائر الأعمال حتى لا يطغى جانب على جانب, أو يهمل أعمالاً مهمة, وكذا ليؤدي كل عمل في وقته المهم.

· يعد العدة ليكثر من الأعمال الخاصة برمضان كالتراويح والصدقات المستحبة, والجود, والقرآن.

· يعد العدة للعمل بالأولويات من جهة نفسه ومن جهة غيره.

· يعد العدة ليؤكد على نفسه الحذر من سائر المحظورات والممنوعات والمفطرات الحسية والمعنوية, وبالذات ما يدخله الشيطان إلى النفوس كـالعجب والغرور والرياء وطلب سمعة الدنيا والتأخر واليأس, والأمن من مكر الله, والغيبة والنميمة والكذب وقول الزور والباطل.

· يعد العدة لكي لا تخدعه الفضائيات ونحوها من وسائل ضياع الوقت, ومحو الأجر, وكثرة الوزر بما تبثه من برامج تتناقض مع الإسلام, وتتناقض مع رمضان, وتتناقض مع الصيام فيمحو الليل عمل النهار.

· يعد العدة لعمل برامجه لنفسه, وأسرته فلا ينشغل بنفسه دون أسرته فيقعون في كثير من المشكلات والمخالفات, ويغيب عنهم منح رمضان, ويفوتهم ما أعده الله سبحانه لأهل رمضان.

· يعد العدة ولا ينسى إخوانه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من دعائه واستغفاره, والشعور بشعورهم والفرح لفرحهم والحزن لحزنهم.



أهلا وسهلاً ومرحباً برمضان.

ومع النظرة الجليّة والواضحة لواقع المسلمين أفراداً ومجتمعات الذي قد تطغى عليه نظرة اليأس عند كثيرين إلا أننا نؤكد الترحيب برمضان, والعزم على التعامل مع رمضان بكل تفاؤل وإحسان ظن بالله عز وجل وللعمل بما يرضيه, وبنصرة الإسلام والمسلمين في كل مكان, وهنا يعيد لنا رمضان قوة التفاؤل بأن المستقبل للإسلام والمسلمين إذا انطلقوا من رمضان بخبراته وبتغييره للنفوس والأوضاع

حقق الله الآمال, وبلّغ الأماني, وأعاننا جميعاً على الصيام والقيام وسائر القربات والطاعات.

وتقبل مني ومنكم.

إنه سميع قريب مجيب.

صاحب همة
2011-07-23, 01:06 PM
من يشتري أياما ربانية (http://ramadaniat.ws/view/783)


في سوق الإيمان .. من يشتري أياما ربانية ؟!

إن اللحظات التي يستشعر فيها المرء حلاوة الإيمان ولذة العبودية لهي أغلى لحظات الحياة ..تلك التي يعيش فيها المرء في جنة من الحنين إلى حياة شفافة ربانية .. ويحيا فيها عبر تلك اللحظات سابحا في معين صاف لم يتكدر بكدر الحياة ووديانها المتشعبة ..

وللنفس في حينها لسبحات حيث تقترب فيها من ربها المتعال , وتأتلف فيها مع الإيمان السرمدي الرقراق المتدفق من المشاعر الفياضة , حيث الإخلاص العميم والبذل المطلق , حيث لا شئ يراد إلا مرضات الرب الرحمن .

ولكم يعان المرء من فقدان تلك اللحظات الإيمانية , إذ هو يتأوه من ألم منغصات الدنيا التي لا تفتر عنه ليل نهار , ويشتاق إلى تلك الساعات النادرة الثمينة ..

والرحمن سبحانه علم معاناة المؤمنين ومشقة مكابدة الأيام فأوصانا بترك الدنيا وغفلتها والسعي جادين باحثين عن تلك اللحظات الغاليات حيث صحبة الصالحين ولقاء الذاكرين .. قال سبحانه: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا }, وقال سبحانه :{ واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ..}ثم أكرمنا ربنا وأفاض علينا من رحماته ببيئة إيمانية وجو رباني رحيب حيث تلك الأيام التي يعيشها المسلمون في صوم النهار وقيام الليل والذكر والتوبة : ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون , فأي رحمة تلك رحمته سبحانه التي وسعت السموات والأرض ؟ يدعونا ليغفر لنا من ذنوبنا , ويهيىء لنا ما يدفعنا إلى تطهير أنفسنا وتجديد توبتنا وإعلان أوبتنا ..فيالك من رب رحيم ودود كريم سبحانك ..

وتدبر هنا معي تلك اللمحات التي تطوف حول ذاك المعنى :

أولها : قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } . فالصوم إذن هو التعبد بترك الشهوات لا أن يتركها على العادة أو من أجل البدن وقد وجه الله الخطاب للمؤمنين في الآية لأن صيام رمضان من مقتضيات الإيمان ولأن صيام رمضان يكمل به الإيمان ولأن ترك صيام رمضان ينقص به الإيمان وإنما ذكر الله تعالى أنه فرض على من قبلنا ولم يذكر مثل ذلك في الصلاة لأن الصيام فيه مشقة وفيه التعب وفيه ترك المألوف فذكر الله إنه فرضه على من قبلنا تسلية لنا وتكريما لأمتنا إذ إنه ما من خير في دينهم إلا هو في ديننا .

ثانيا : تأكيده على التقوى في جميع آيات الصيام لأن الصوم جنة يقي من الذنوب ويقي من النار وهذه حكمة إيجاب الصوم , ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه .

ثالثا : أن التيسير في الأحكام الشرعية يتجلى ظهوره في أحكام الصوم فقد قال سبحانه {فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } والمرضى ثلاثة أقسام : قسم مريض لا يرجى برؤه بل هو مستمر فهذا لا صيام عليه وعليه عن كل يوم مسكين , وقسم مريض مرضا يضره الصوم فهذا يمنع من الصوم ويحرم عليه ، وقسم مريض يشق معه الصوم لكن لا ضرر عليه فيه, فالأفضل له أن يفطر ولا يصوم ثم يقضي بعد ذهاب المرض , فأي يسر ذلك وأي رحمه ؟!

رابعا : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله عز وجل : كل عمل ابن أدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به وفي رواية لمسلم كل عمل ابن أدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي أنا أجزي به يد ع شهوته وطعامه من أجلى )) , والمعنى هنا أن الصيام يختصه الله سبحانه من بين سائر الأعمال فإنه سر بين الإنسان وربه فلذلك كان أعظم إخلاصا وقال بعض أهل العلم أنه إذا كان يوم القيامة وكان على الإنسان مظالم للعباد فإنه يؤخذ من حسناته إلا الصيام فإنه لا يؤخذ منه شيء , كذلك فإن أجر الصائم بلا حساب رحمة من الله لما فرضه على من يحب من عبادة .

وللصائمين حياة تحتوي كل جميل , وتذوب في ريحانة الإيمان مع كل ساعة تمر بهم , فإذا الوجود من حولهم نور وحبور وإذا هم يسبحون في فيض النورانية الساجي , يستقون من نبع الحب والبذل والعطاء والرضا برب رحيم , جواد كريم , غني حي قيوم .

إنها حياة تمتزج فيها العبادة بالحب , فتصير في أسمى معانيها , إذ أسمى العبودية هو تمام الحب مع تمام الذل والانقياد .

تلك الحياة المخلصة التي يحياها الصائمون يستشعرون فيها بلذة العبودية لا مجرد تنفيذ الأمر , فهو مذاق سكري مستلذ في حلق الصائم يتذوقه بجنانه لا بلسانه , ويستسيغه بفؤاده ويفيض سعادة على جوارحه , فترى الجوارح كلها في مؤتمر إيماني مؤتلف , فلا العقل يعصى ولا اللسان يلغو ولا العين تخون ولا الأذن تسترق ولا اليد تجترئ ولا القدم تخطو ولا النفس تصبو إلى ما نهاها ربها عنه.

وتغمرنا في أيام الصوم ثلاثة معان إيمانية : أولها: أن الصيام شرع لنا فيه من الأعمال الصالحة ما يكون سببا في تكفير ذنوبنا ورفعة درجاتنا. وثانيها : أن الله تعالى فيه يوفق إلى العمل الصالح ولولا معونة الله وتوفيقه لما تيسرت لنا الصالحات, وثالثها : أن الله أعد به - فضلا منه - الأجر المضاعف على الأعمال الذي يصل بالناس إلى يوم منتهاه العتق من العذاب..

وفي عبودية الصيام صار العابدون قسمين : أولهما من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى يرجو عنده عوض ذلك في الجنة فهذا قد تاجر مع الله والله لا يضيع أجر العاملين ففي الحديث : إنك لن تدع شيئا اتقاء لله إلا أتاك الله خير منه , وأما الطبقة الثانية: فهي طبقة من يصوم في الدنيا عما سوى مرضات الله فيحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى ويذكر الموت والبلى ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه فتدبر في ذلك المعنى واستحضر الحديث الرباني له صلى الله عليه وسلم إذ يقول : إن للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه . متفق عليه, وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه ، كفر ما قبله )) . رواه أحمد والبيهقي .

ولكأنما تلقى جوارح الصائم فرحة علوية تغمرها ساعة فطرها .. بعد أن راقبت الله في يومها واتقت وآمنت وحفظت نفسها من غفلة وسقطة ..فتعود ساعة فطرها ظمأى لقبول أعمالها التي قدمت .. مسارعة – تبعا للسنة – إلى أن تلهج بقول ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله

صاحب همة
2011-07-23, 01:11 PM
خــواطــر رمضــــانيـــة (1) (http://ramadaniat.ws/view/786)


أحمد الله تعالى حمد الشاكرين, وأشكره شكر العارفين, وأصلي واسلم على سيد الأنبياء والمرسلين, وعلى الآل والأصحاب والتابعين, ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعــد:

لايشك مسلم عاقل بأن كل مسلم فرح مسرور بقدوم رمضان, وببلوغ رمضان, وبما متعه الله سبحانه من التوفيق والصحة والقوة لصيام رمضان وقيامه, وبما منحه الله من القدرات للمنافسة في الأعمال الصالحة في رمضان.

وبناء على هذا اليقين بهذا الفرح والسرور أجول في هذه الكلمات مع جملة خواطر رمضانية متفرقة على تكون مشاركة إيجابية في هذا الموسم الجليل:

الخاطرة الأولى: الفرح والسرور حالة تمر على الإنسان في مراحل من حياته لما يمنحه الله سبحانه من زواج أو نجاح دراسة أو تحقق هدف أو وصول إلـى غاية أو ولادة مولود أو بلوغ أمنية من الأماني ونحو ذلك من مجالات الفرح المتعددة, وحق لمن مُنح شيئاً من ذلك أن يفرح – في إطار الفرح المشروع – وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى بأن لم يحرم العبد مما يرضى غريزة غرائزه.

ولعلّ الفرح يكون في أعظم مجالاته أن يوفق المسلم لطاعة من الطاعات, وبخاصة في مواسم الخير والفضيلة, وعلو الدرجات وتكفير السيئات, وزيادة الرصيد فيما يجده غداً في حياتـه الأُخروية ولعلّ -أيضاً- من تمام الفرح أن يترجمه إلى طاعات متوالية مستمرة ولا يقف عن حد معين: (فخير العمل أدومه وإن قل), كما قال عليه الصلاة والسلام.

فمن المقالات المزعجة عند بعض الناس: (بركة أصلي الفرائض), وآخر يقول: (ذاك فلان له وله أما نحن فنكتفي بالصيام).. وهذه المقولات ونحوها تنبئ عن عدة سلبيات منها:

1- الضعف لدى هذا القائل الذي أوصله إلى أن يبخل على نفسه ويكتفي بالقليل.

2- المنّة على الله تعالى في ما يقدمه من عبادات, وهذه من أخطر الأشياء.

3- عدم الطموح إلى الرقي في المعالي وكأنه اكتفى بأدنى منزلة, أو ضمن مكاناً ولو كان قليلاً.

4- الاضطراب النفسي في عدم القدرة على مواجهة تيار الشهوات والشبهات فوقف عند هذا الحد.

5- ضعف الإرادة للوصول إلى المراتب العليا مع وجود القدرة لديه, فيبرر هذا الضعف بهذه المقولات السلبية.

6- ومن ثم لا يكن لديه القدرة على اجتناب المعاصي.



* * * * *

لعل من الخير ونحن في رمضان أن نعيد النظر, وندقق المراجعة لترجمة الفرح إلى فرح حقيقي مصحوب بمزيد من الأعمال الفاضلة التي تدل على تحقق الفرح والشكر فننال الفوز والفرح في الدنيا والآخرة.


* * * * *

الخاطرة الثانية: قلّب طرفك في كثير من الفضائيات تجد المنافسة قوية, وعلى أشدّها, وبخاصة في المجالات الدنيوية فتلك في مجالات التقنية والصناعة بمختلف أنواعها والتباري جاء على قدم وساق فيها لتضح في الأسواق بأحدث ما توصلت إليه, وفضائيات أخرى في المجالات الرياضية الجماعية منها والفردية, والتنافس إلى نيل الكؤوس والميداليات الذهبية والفضية وحصد النقاط للحصول على المراكز الأولى, وأخرى في ما يسمى بالمجالات الفنّية بمختلف أنواعها وملهياتها ويصل تنافسها إلى درجات مزعجة في هذا الشهر المبارك وكأنها موكلة بإلهاء الناس وصدهم عن الجد والعمل المنتج, وهكذا في مختلف المجالات الحياتية – حسنها وسيئها - .

وفي خضم هذه التنافسات يذكرنا رمضان بأهم هذه المنافسات, وأعلاها قدراً, وأكملها شرفاً, وأعظمها ثمرةً, وأرسخها جذراً.

ذلكم هو ما أشار إليه تعالى بقوله سبحانه: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

وكذا في قوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين), وفي التطبيقات العملية يشير ربنا سبحانه إلى حالة الأنبياء والمرسلين كما قال عن أنبياءه ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ....)،

والنبي عليه الصلاة والسلام يتمثل هذه المنافسة بقوله وفعله ففي ميدان الصلاة يصلي حتى تتفطر قدماه, ويقول لعائشة رضي الله عنها عندما أبدت استغرابها وقد غفر الله تعالى من ذنبه وما تأخر, فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً).

وتنتقل هذه التجربة إلى مجتمع الصحابة رضي الله عنهم على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي, فعلى المستوى الفردي هذا عمر الفاروق رضي الله عنه يسارع في أن يتصدق بنصف ماله ويعتقد أنه سبق أبا بكر رضي الله عنه فيأتي ويجد أبا بكر رضي الله عنه قد تصدق بماله كله وذلك في غزوة تبوك, وفي جلسة أخرى يطرح النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً: (من أصبح منكم اليوم صائماً) فيجيب أبو بكر: أنا, وهكذا يجيب عند ما سأل عن الصدقة واتِّباع الجنازة, فيعلن النبي صلى الله عليه وسلم إنها ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة وعلى المستوى الجماعي يأتي فقراء الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون حالهم بأن أخوانهم الأغنياء سبقوهم في ميدان الصدقة بقولهم (ويتصدقون ولا نتصدق) فيدلهم النبي صلى الله عليه وسلم على ميدان أخرى من ميادين العمل والمنافسة وهو ميدان ذكر الله سبحانه وبخاصة بعد الصلاة.

هذا غيض من فيض من نماذج مليئة في السيرة النبوية وسير السلف الصالح لا يتسع المقام لسردها, وحسبنا أن هذه المنافسة هي ميدان الموفقين في هذا الشهر المبارك، عرفوا قدره، فتنافسوا فيه، فأملوا نتائجه، وأحسنوا الظن ببلوغهم ثمراته.

ومن هنا يطيب للمؤمن العاقل الموفق أن يسجل في سجلاته – وأيام هذا الشهر تمضي وتسير, ماينافس ويسابق فيه في مختلف الميادين وعلى رأسها:

تجديد النية بإخلاص العبادات كلها لله سبحانه.
استشعار العبادات القلبية وتمثلها في واقع المسلم الصائم مثل المحبة والخوف والرجاء والشكر والصبر واستشعار أسماء الله الحسنى وصفاته العلى, وتعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى وتحقق الاستسلام له سبحانه ونحوها.
المحافظة على الفرائض وعدم التساهل بها.
ما تعظم فيه الأجور من النوافل, ولا يستقل القليل فيتركه ولا يستكثر الكثير فيعجب بعمله فيبطل, ومن هذه النوافل:

- السنن الرواتب والمحافظة عليه.

- التراويح والوتر.

- صلاة الضحى.

- قراءة القرآن الكريم وترتيله والتأمل فيه.

- الجود بالجاه والمال والرأي.

- الصلة للأرحام والعطف عليهم والقيام بحقوقهم.

- السنن الرمضانية في السحور والإفطار.

- كثرة الذكر, فلا يزال السائل لسانه رطباً بذكر الله.

- كثرة الدعاء.

- تفطير الصائمين.

- الدلالة على الخير أيا كان نوعه.

- العناية بالأسرة في جميع الحالات.

- التعليم والارشاد.

- وغيرها كثير.

فإن لم تستطع في جميع الميادين فنافس ولو في بعضها فاليوم عمل وغداً حساب وجزاء, واليوم زرع وغداً حصاد, فازرع لنفسك ما تريد حصاده غداً مادمت قادراً على الزراعة .

وخاطرة ثالثه: بل قل همسة في أذن كل مسلم ومسلمة بعامة وفي آذان الدعاة والمربين والموجهين بخاصة بأن يجعلوا من هذا الشهر منطلقاً إيجابياً للتأمل في دعوتهم وأساليب تربيتهم وطرائق تعاملهم مع المجتمع، بل وطرائق تفكيرهم في معالجة السلبيات، وفي المشاركات الايجابية، وأشير هنا إلى عدة نقاط أجد أن رمضان محل للتأمل فيها:-

- العناية بتزويد النفس في مايقويها علماً ويزيد رصيدها العلمي والتربوي.

- المراجعة والمحاسبة والتقويم للأهداف.

- إعادة النظر في الأساليب والوسائل.

- العناية بالأسرة الخاصة وعدم قفزها إلى قضايا المجتمع بكاملها فيؤتى من قبل سرته.

- زيادة الرصيد الروحاني وبخاصة: التعامل مع القرآن الكريم والتأمل فيه.

- معالجة أمراض النفوس وبخاصة الخفية منها ومصارحة النفس بذلك.

- وغيرها من القضايا مما لا يخفى.

صاحب همة
2011-07-23, 01:18 PM
حال النبي - صلى الله عليه وسلم – في رمضان (http://ramadaniat.ws/view/847)


سنقف مع شيء من هديه - عليه الصلاة والسلام - في شهر رمضان المبارك ليكون دافعاً لنا، ومحفزاً لعزائمنا:

فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر في هذا الشهر من أنواع العبادات، فكان يدارس جبريل - عليه السلام - القرآن في رمضان، وكان يتأثر بذلك فيكون أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل - على الرغم من أنه كان أجود الناس في غيره -، فتراه يكثر من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر، والاعتكاف فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة"1, وكان يهتم اهتماماً خاصاً بالعشر الأواخر من رمضان فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله"2, وعنها - رضي الله عنها - أيضاً: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده"3, وكل ذلك ليجمع قلبه لمناجاة ربه، ويتفرغ لذكره ومناجاته، وسأل أبوسلمة بن عبدالرحمن عائشة - رضي الله عنها -: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً, فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي))4.

وربما خصَّ رمضان بما لا يخص به غيره من الشهور من العبادة، حتى إنه ربما واصل الصيام يومين أو ثلاثة ليتفرغ للعبادة فعن أبي سعيد - رضي الله عنه -: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر)) قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: ((إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساق يسقين))5.

وكان من هديه - عليه الصلاة والسلام - تعجيل الفطر، فقد ثبت عنه من قوله وفعله أنه كان يعجل الإفطار بعد غروب الشمس قبل أن يصلي المغرب فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر))6، وكان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء فقد جاء عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي؛ فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات؛ فإن لم تكن حسا حسوات من ماء"7, وأما السحور فكان يحث عليه، ويخبر بأنه بركة، ويحث على تأخيره فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تسحروا فإن في السحور بركة))8، وكان يؤخره حتى ما يكون بين سحوره وبين صلاة الفجر إلا وقتاً يسيراً قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية كما ثبت ذلك في الصحيح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت تسحرا, فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة فصلى, قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية"9.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يتحرج من أن يقبِّل أزواجه وهو صائم، ويباشرهن مباشرة من غير جماع لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه"10, وربما جامع أهله بالليل فأدركه الفجر وهو جنب، فيغتسل ويصوم ذلك اليوم لحديث عائشة - رضي الله عنها -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدركه الفجر في رمضان من غير حلم فيغتسل ويصوم"11.

ولم يكن يعتبر رمضان شهر كسل وفتور بل ربما جاهد - صلى الله عليه وسلم- في رمضان، بل إن المعارك الكبرى قد قادها - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ومنها بدر وفتح مكة فعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس - رضي الله عنهما - أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة الفتح في رمضان"12, وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره"13.

وكان يصوم - صلى الله عليه وسلم - في سفره تارة، ويفطر أخرى، وربما خيَّر أصحابه بين الأمرين فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد أفطر، فأفطر الناس" قال أبو عبد الله - أي البخاري -: "والكديد ماء بين عسفان وقديد"14, وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام، ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم"15.

فهذا هو هديه - صلى الله عليه وسلم -، وتلك هي طريقته وسنته، وما أحوجنا إلى الاقتداء والتأسي به - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كله، فلنسدد ولنقارب، ولنعلم أن النجاة في اتباعه والسير على منهجه, نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يرزقنا اتباعه ظاهراً وباطناً, والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ــــــ
1 رواه البخاري برقم (6).
2 رواه البخاري برقم (1920)؛ ومسلم برقم (1174).
3 رواه البخاري برقم (1922)؛ ومسلم برقم (1172).
4 رواه البخاري برقم (1909)؛ ومسلم برقم (738).
5 رواه البخاري برقم (1862)؛ ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما برقم (1102).
6 رواه البخاري برقم (1856)؛ ومسلم برقم (1098).
7 رواه أبو داود برقم (2356)؛ والترمذي برقم (696)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب؛ وأحمد في المسند برقم (12698)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم, رجاله ثقات رجال الشيخين غير جعفر بن سليمان فمن رجال مسلم؛ وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (9126)؛ وفي صحيح الترغيب والترهيب برقم (1077).
8 رواه البخاري برقم (1823)؛ ومسلم برقم (1095).
9 رواه البخاري برقم (551).
10 رواه مسلم برقم (1106).
11 رواه البخاري برقم (1829)؛ ومسلم برقم (1109).
12 رواه البخاري برقم (4026).
13 رواه مسلم برقم (1113).
14 رواه البخاري برقم (1842).
15 رواه مسلم برقم (1116).

صاحب همة
2011-07-23, 01:37 PM
رمضان شهر القرآن (http://ramadaniat.ws/view/848)


ما أجمل شهر رمضان، إذ فيه تعظم الصلة بالله - عز وجل -: حباً، وخوفاً، ورجاءً، ويقبل فيه الناس على كتابه الكريم تلاوةً واستماعاً، وتدبُّراً وانتفاعاً؛ لتحيا بنديم التلاوة القلوب، وتصلح بمهذب الأخلاق النفوس، ولم لا نقول كذلك وهذا الشهر هو شهر القرآن {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}1، وفيه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قراءة القرآن، وكان جبريل - عليه السلام - يدارسه القرآن كله في رمضان فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن"2، وفي العام الذي توفي فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - دارسه جبريل - عليه السلام - القرآن مرتين؛ ليدل على أهمية هذا العمل في الشهر الكريم.

وارتبط القرآن الكريم بشهر رمضان منذ نزل {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}3 ، ومنذَّاك اليوم أصبح رمضان هو شهر القرآن.

وقد سار السلف الصالح - رحمهم الله - على ما سار عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان لهم اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان، بل لم يكونوا يشتغلوا فيه بغيره، فقد "كان عبد الله بن مسعود يختم القرآن في رمضان في ثلاث، وفي غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة، وكان الأسود يختم القرآن في شهر رمضان في كل ليلتين، وينام فيما بين المغرب والعشاء، وكان يختم فيما سوى ذلك في ستة"4، "وعن حماد بن سلمة عن حميد أن ثابتاً كان يختم القرآن في كل يوم وليلة في شهر رمضان"5، وكان محمد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله - إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه، فيصلّى بهم، فيقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن، وكذلك يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال، وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة، ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة، ويقول: عند كل ختمٍ دعوةٌ مستجابة"6، و"عن منصور عن إبراهيم عن الأسود أنه كان يختم القرآن في شهر رمضان في كل ليلتين، وكان ينام ما بين المغرب والعشاء، عن سعيد بن جبير أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين" 7، و"كان الشافعي يختم القرآن ستين ختمة في صلاة رمضان"8، "وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا دخل رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا دخل العشر ختم كل ليلة مرة"9، "وكان ثابت البناني يختم القرآن في كل يوم وليلة من شهر رمضان."10.

أيها الأخ الكريم:

هكذا كان حال رسولك - صلى الله عليه وسلم -، وحال أصحابه - رضي الله عنهم -، والتابعين - رحمهم الله - مع القرآن في رمضان، وهم من هم في الفضل، فما حالك، وأين أنت منهم، وكم هو وردك من القراءة في سائر الأيام، وفي رمضان آكد، ألا فلنتق الله - عز وجل - في القرآن، وفي هذا الشهر المبارك.

نسأل الله - عز وجل - أن يردنا إلى دينه مرداً جميلا، وأن يهدينا ويهدي بنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــ
1 سورة القدر (1).
2 البخاري (2981)، ومسلم (4268).
3 سورة البقرة (185).
4 التفسير من سنن سعيد بن منصور (1/24).
5 البيان في عد آي القرآن (1/327).
6 النشر في القراءات العشر (2/500).
7 الطبقات الكبرى لابن سعد (6/73).
8 حلية الأولياء (9/134).
9 قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي (1/86).
10 شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/280).

صاحب همة
2011-07-23, 01:55 PM
البشارة بشهر رمضان (http://ramadaniat.ws/view/906)


الحمد لله الذي جعل شهر رمضان سيد الشهور ، وضاعف فيه الحسنات والأجور أحمده وأشكره فهو الغفور الشكور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أوفرها ليوم النشور ، أرجو برها وذخرها والفوز بها بدار القرار والسرور .

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف آمر ومأمور ، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور .

أما بعد :

أخي المسلم المبارك :

ما هي إلا أيام قلائل حتى تكتمل دورة الفلك ، ويشرف على الدنيا كلها هلال شهر رمضان المبارك ، الذي تهفو إليه قلوب المؤمنين وتتشوق إليه نفوسهم ، وتتطلع شوقاً إلى بلوغه لتنتظم في جامعته الكبرى التي تفتح أبوابها كل عام لتستقبل أفواج الصائمين من كل أنحاء المعمورة .

أخي : سنستقبل شهر رمضان بعد أيام ليعيد للقلوب صفاءها ، وللنفوس إشراقها وللضمائر نقاءها ، بعدما تكدرت بفتنة الحياة ، وزحام الدنيا ، وتلوثت بالنزوات العابرة ، والشهوات العارمة فجاء رمضان ليبعثها من رقاد ويوقظها من سبات .

أخي الحبيب : إن الله تعالى قد أمتن علينا بشهر عظيم ، ووافد كريم ، قد أظلنا زمانه ، وأدركنا أوانه ، وإن بلوغ هذا الشهر أمنية عظيمة ونعمة جليلة ، ولذلك كان السلف يدعون الله تعالى أن يبلغهم رمضان .

وذلك لأن شهر رمضان شهر عظيم ، فهو أفضل الشهور على الإطلاق ، شهر خصه الله بفضائل كثيرة ، وخيرات عظيمة ، فهو شهر نزول القرآن ، شهر تتنزل فيه الرحمات ، وتغفر فيه الذنوب والسيئات ، وتفتح فيه أبوب الجنات ، وتغلق فيه أبواب النيران ، فيه ليلة هي خير من ألف شهر وغير ذلك من الفضائل العظيمة والخيرات الجسيمة التي خص الله بها هذا الشهر العظيم .

لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه رضوان الله عليهم عند حلوله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاكم شهر رمضان شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم " أخرجه أحمد (9/225،226) والنسائي (4/129) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/490) وتمام المنة ص (395) .

نعم والله إنها بشرى عظيمة ، كيف لا يبشر المؤمن بشهر يفتح الله فيه أبواب الجنة ؟ كيف لا يبشر المذنب بشهر يغلق الله فيه أبواب النار ؟ كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل الله فيه مردة الشياطين ؟ كيف لا يبشر العابد بليلة هي خير من ألف شهر ؟ شهر لا تحصى فضائله ، ولا تعد فوائده فكيف لا يبشر به ؟

أخي الكريم ، ولكي يزداد شوقك لهذا الشهر العظيم فهذه بعض فضائل هذا الشهر المبارك ، لعل أن يكون لك واعظ من نفسك ، فتعلو الهمة وتزكو النفس ، ويصفو القلب ويطهر من عوالق الحياة وفتنها ، ويكون لك النصيب الأوفر من بركة هذا الشهر وخيره .



ا ـ شهر رمضان شهر نزول القرآن والكتب السماوية :

قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) البقرة / 185 .

وقال تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) القدر / 1 .

وقال تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) الدخان / 3 .

عن واثله بن الأسقع رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشر مضت من رمضان ، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " أخرجه أحمد والطبراني في "الكبير" وحسن إسناده الألباني في "صحيح الجامع" (1509) . " أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشر مضت من رمضان ، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " أخرجه أحمد والطبراني في "الكبير" وحسن إسناده الألباني في "صحيح الجامع"

فيا أخي الكريم ليكن لك نصيبٌ من القرآن في هذا الشهر المبارك ، الذي أنزل فيه ، وليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة , ففي "الصحيحين" عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة .

قال الحافظ ابن رجب : دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك ، وعرض القرآن على من هو أحفظ له ، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان ا.هـ من "لطائف المعارف" (189) .

وقال أيضاً : كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة كل ست ليال …. وكان قتادة يختم القرآن كل سبع ليال ، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة ، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة .

وكان النخعي يفعل مثل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفى بقية الشهر في ثلاث .

قال الربيع بن سليمان : كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمه ) ا.هـ لطائف المعارف ص (191) وما بعدها .

وحال السلف رضي الله عنهم مع القرآن في رمضان عجيبة ، فلا تكن من الغافلين في هذا الشهر عن قراءة القرآن , بل كن من الذاكرين له آناء الليل وأطراف النهار .

2- شهر رمضان شهر القيام والتراويح والتهجد :

قف أخي عند هذه البشائر التي بشر بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من قام رمضان إيمانا واحتسابا :

(**1) من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه البخاري (2008) ومسلم (759) .

(2) من قام رمضان فهو من الصديقين والشهداء : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وأديت الزكاة ، وصمت رمضان وقمته فممن أنا ؟ قال " من الصد يقين والشهداء " أخرجه البزار وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحها" واللفظ لابن حبان ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب رقم (993) .

(3) من قام مع إمامة حتى ينصرف كتب له قيام ليلة :جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام الليلة " أخرجه أبو داود واللفظ له ، والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وقال الألباني في "صلاة التراويح" (ص:15) :سنده صحيح .

فيا أخي :

هل بعد هذا الفضل من فضل ؟ هل بعد هذا الخير من خير ؟ أما زلت مصراً على تقصيرك وتركك لصلاة التراويح وللقيام بعد ما سمعت وقرأت هذه الأحاديث ؟ أما زلت تقضي الليل في السمر والفجور ومشاهدة ما حرم الله تعالى ، وسماع الأغاني والطرب والمجون ؟

ألا فاتق الله في عمرك ، وأقبل على صلاة التراويح يقبل الله عليك ، فطوبى لعبد صام نهاره ، وقام أسحاره .

3- شهر رمضان شهر تكفير الذنوب :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " أخرجه البخاري (38) مسلم (759) .

قال الإمام الخطابي : ( " إيمانا واحتسابا " أي نية وعزيمة ، وهو أن يصوم على التصديق والرغبة في ثوابه ، طيبة به نفسه غير كاره له ، ولا مستثقل لأيامه ، لكن يغتنم أيامه لعظم الثواب ) ا.هـ فتح الباري لابن حجر (4/138-139)

أخي : إن تكفير الذنوب والخطايا نعمة من الله عظيمة ، ومنةٌ من الله جسيمة ، وذلك لمن سلك سبيل الهداية ، وترك سبل الضلال والغواية ، وهذا رمضان بين يديك ، فاغتنم الفرصة عسى الله أن يغفر لك ذنبك ، ويحط عنك خطأك ويمحو عنك سيئاتك .

4- شهر رمضان شهر العتق من النيران :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ، صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، وياباغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة " أخرجه الترمذي (682) وابن ماجة (1642) وابن خزيمة (1883) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1/585) .

وعن أبي أمامه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لله عز وجل عند كل فطر عتقاء " أخرجه أحمد (5/256) وغيره ، وقال الألباني في "صحيح الترغيب" 1/586 (1001) : حسن صحيح .

فتعرض أخي الكريم لنفحات الرب جل جلاله في هذا الشهر الكريم ، عسى الله أن يمن عليك بكرمه وجوده فيعتق رقبتك من النار ، فتكون من السعداء الفائزين بجنة الخلد عنده سبحانه وتعالى .

5- شهر رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " متفق عليه البخاري (1898) مسلم (1079) وفي رواية مسلم عنه : " فتحت أبواب الرحمة ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين " مسلم (1079/2) .

فيا أخي :

اعلم أن أبواب الجنة تفتح في رمضان ، وأن أبواب النار تغلق فيه أيضا ، وذلك على الحقيقة دون تأويل ، وهذا من نعم الله العظيمة ، يتفضل بها على عباده في هذا الشهر الكريم .

فوا عجباً لمن يعلم أن الجنة تفتح أبوابها وتتزين للصائمين في رمضان ، ثم لا يشتاق إليها ويحث السير نحوها ، ويسعى لها .

عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خاف أدلج ،ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة " أخرجه الترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه ، وحسن إسناده الألباني في الصحيحة (2/637-638) (954) وانظر المشكاة ( 5348 ) .


اعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها

قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها

فالحذر أن تقدم على جنة عرضها السموات والأرض وليس لك فيها موضع قدم .


أخي الحبيب :

كما أن الجنة تفتح أبوابها في رمضان ، فإن النار تغلق أبوابها في رمضان ، فما أعظمها من نعمة يتفضل الله بها على العباد .

فوا عجباً لمن يعلم أن النار تسجر ، ولا يفعل ما ينجيه منها ، أما سمع قوله تعالى : ( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً .لِلطَّاغِينَ مَآباً ) النبأ /21-22 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " . أخرجه مسلم (2842) عن أنس رضي الله عنه .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ... " . رواه البخاري (3265) ومسلم (2843) .

فيا أيها الغافل عن نفسه ، دع التفكير فيما أنت مرتحل عنه ، واصرف الفكر إلى ما أنت وارد عليه ، فلقد أخبر الملك سبحانه وتعالى أن النار مورد الجميع ، فقال تعالى : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) مريم /71 – 72 .

فأنت يا عبد الله من الورود على يقين ، ومن النجاة على شك ، فاستشعر في قلبك هول هذا المورد ، فعساك تسعد بالنجاة منه ، وتأمَّل في حال الخلائق وقد قاسوا من دواهي القيامة ما قاسوا فينما هم في كربها وأهوالها وقوفاً ينتظرون فصل القضاء ، إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب ، وأظلت عليهم نار ذات لهب ، وسمعوا لها تغيظاً وزفيراً ، فعندها أيقن المجرمون بالعطب ، فأسكنوا داراً ضيقة الأرجاء ، مظلمة المسالك ، يخلد فيها الأسير ، ويوقد فيها السعير ، طعام أهلها الزقوم ، وشرابهم فيها الحميم ، ومستقرهم الجحيم ، الزبانية تقمعهم ، والهاوية تجمعهم .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع وجبة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تدرون ما هذا ؟ " قال : قلنا الله ورسوله أعلم . قال : هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً ، فهو في النار الآن حين انتهى إلى قعرها " أخرجه مسلم (7096) .

أخي : فالنار أعدها الله للمجرمين الفجار ، فإياك إياك أن تكون من أهلها ، واغتنم هذا الشهر في فعل الطاعات ، وعمل القربات وترك المحرمات ، عسى الله أن يرفع لك الدرجات ، وتكتب في عداد المقبولين وتعتق من النار .

6- شهر رمضان شهر مضاعفة الأجور :

اعلم أخي وفقني الله وإياك لطاعته ، أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب : منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم مثلا فإن الصلاة فيه مضاعفة عن غيره من المساجد ، ومنها شرف الزمان كشهر رمضان وعشر ذي الحجة ، ولهذا كانت العمرة في رمضان تعدل حجة , كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجه قال لأم سنان الأنصارية : " ما منعك من الحج ؟ " قالت : أبو فلان _ تعني زوجها _ , كان لدينا ناضحان ، حج على أحدهما ، والآخر يسقي أرضاً لنا ، قال : " فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي " رواه البخاري (1863) , ومسلم (1256) .

قال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف ص (169) : ( ذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون : إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة ، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله .......فلما كان الصيام في نفسه مضاعفاً أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال ، كان صيام شهر رمضان مضاعفاً على سائر الصيام لشرف زمانه ، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده ، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني عليها الإسلام " ا. هـ .

فهلم أخي إلى فعل الخير في هذا الشهر ، فالأجر فيه مضاعف ، ألا ترى دعاء الملك في رمضان يقول : " يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر " .

7- شهر رمضان شهر تصفد فيه الشياطين :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " متفق عليه ، وفي رواية " فتحت أبواب الرحمة " .

فيا فرحة العابدين ، ويا سعادة المجتهدين ، ونشوة الذاكرين ، بشهرٍ صُفِّدت فيه الشياطين ، وفتحت فيه أبواب السماء بالرحمة ، وفتحت أبواب الجنان ، وأغلقت أبواب النيران ، فبادر أخي الكريم بفعل الطاعات ، وترك المنكرات ، لعلك تفوز بالجنان وحورها .

* * *

أخي :

هذه بعض فضائل شهر رمضان ، وهاهو عما قريب سيحل بساحتك ، ويملأ عليك الدنيا بهجة وسروراً ، وبركة وخيراً وضياء ونوراً فهذا هو حاله معك ، وتلك هي بعض مراسيم استقباله لك ، فما هو حالك معه ؟ وما هي استعداداتك ومراسيم استقبالك لهذا الشهر المبارك ؟

اعلم أن نفوس المؤمنين تشتاق إلى هذا الشهر العظيم ، ولكي يزداد الشوق والحنين فإليك بعض فضائل الصيام ، فأنعم بالصوم من عبادة بها ترفع الدرجات ، وتكفر الخطيئات ، وتكسر وتحطم على صخوره الشهوات ، وتزكو النفس وتنزجر عن خواطر المعاصي والمخالفات ، وبه تقرع أبواب الجنان ، وهو جنة للعبد يحول بينه وبين دخول النيران ، فكم للصوم من فضائل وفضائل ... وإليك طرفاً منها :

1- دخول الصوام الجنة من باب الريان :

عن سهل بن سعد رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد " رواه البخاري (4/111) ، ومسلم (1152) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة " . فقال أبو بكر رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم " متفق عليه أخرجه البخاري (1897) ومسلم (1027) .

2- الصيام جنة _ أي : وقاية _ من النار والشهوات :

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " رواه البخاري (1905) ومسلم (1400) .

وعن عثمان بن أبي العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصوم جنة من عذاب الله " وفي رواية " الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من القتال " . أخرجه النسائي وأحمد وابن ماجه وغيرهم وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3867) .

قال المناوي في "فيض القدير" (4/242-250) : ( وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة وحفظ الجوارح ، وفي الآخرة من النار ) ا.هـ .

3- الصوم في سبيل الله يباعد العبد عن النار :

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً " رواه البخاري (2840) ومسلم (1153) .

قال المناوي في فيض القدير (6/161) : ( قوله : " سبعين خريفاً " : سنة ، أي نَجَّاه وباعده منها مسافة تقطع في سبعين سنة ، إذ كل ما مر خريف انقضت سنة ، فهو من إطلاق اسم البعض على الكل ) ا.هـ

أخي : إن أعز أمنية لآخر أهل النار خروجاً منها وهو يخرج منها حبواً أن يصرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ، ولا يسأل مولاه غير ذلك ) متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ) . فكيف إذا باعد الله وجهه عن النار وجعل بينه وبين النار مسيرة سبعين سنة ، وهذا بصيام يوم واحد ، فما ظنك بصيام شهر كامل ، وهو شهر رمضان ؟!

واستمع إلى هذا الحديث الآخر : عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام يوماً في سبيل الله تعالى جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض " قال الهيثمي في المجمع (3/194) : رواه الطبراني في الصغير والأوسط وإسناده حسن . وكذا قال المنذري ، وقال الألباني : حسن لغيره . ينظر : صحيح الترغيب (1/581) (990) .

4- الصيام لا مثل له وهو الطريق إلى الجنة :

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : مرني بعمل , قال : " عليك بالصوم فإنه لا عدل له " قلت : يا رسول الله ! مرني بعمل ، قال : " عليك بالصوم فإنه لا مثل له " قلت : يا رسول الله ! مرني ، بعمل قال : " عليك بالصوم فإنه لا مثل له " . فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهاراً إلا إذا نزل بهم ضيف . أخرجه النسائي وابن خزيمة والحاكم وصححه وابن حبان ، وصحح هذه الروايات كلها الشيخ الألباني في صحيح الترغيب (1/580) (986) .

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : أسندت النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري ، فقال : " من قال لا إله إلا الله ختم له بها دخل الجنة ، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة ، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة " . أخرجه أحمد (5/391) وقال الهيثمي في المجمع (2/324) : " رواه أحمد وروى البزار طرفاً منه في الصوم فقط ورجاله موثقون " . ا . هـ وقال المنذري في الترغيب (2/13) (1441) : رواه أحمد بإسناده ولا بأس به ، وقال الألباني في صحيح الترغيب (1/579) (985) : صحيح . ورواه الأصبهاني في الترغيب (104) ولفظه : " يا حذيفة ! من ختم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة " قال الألباني في صحيح الترغيب (1/579) : صحيح لغيره .

قال المناوي في فيض القدير (6/123) : " أي من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب " ا .هـ .

وبوب ابن خزيمة في صحيحة (3/304) :

" باب ذكر إيجاب الله عز وجل الجنة للصائم يوماً واحداً إذا جمع مع صومه صدقة ، وشهود جنازة ، وعيادة مريض " ا . هـ .

ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ فقال أبو بكر : أنا . فقال " من أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر أنا ، فقال : من تبع منكم اليوم جنازة ؟ فقال أبو بكر أنا قال : من عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إلا دخل الجنة " أخرجه مسلم (1028) وغيره .

فيا إخواني هذا طريق الجنة واضح أمامنا فمن كان من أصحاب الهمم العالية والأهداف السامية ، والغايات الرفيعة فهذا هو الطريق ، إنه الصوم فإنه لا عدل له .

5- الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب ! منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه . قال : فيُشفعّان " أخرجه أحمد (2/174) وغيره وحسن إسناده المنذري في الترغيب ، وقال الألباني : حسن صحيح . (صحيح الترغيب (1/579) (984) ، وصحيح الجامع (3882) ) .

فيا أخي الكريم :

هذا الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة " فيا من فرط وأضاع ، يا من بضاعته التسويف والتفريط بئست البضاعة ، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان والصيام كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة ؟ ويل لمن شفعاؤه خصماؤه . لطائف المعارف ص (194)

6- الصوم مضاف إلى الله إضافة تشريف وتعريف بقدره :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم ، إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه " رواه البخاري (1904) ، ومسلم (1151) .

وفي رواية عند البخاري : " يترك طعامه وشرابه من أجلي ، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها " .

وفي رواية مسلم : " كل عمل ابن آدم يضاعف ، الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه من أجلي " .

قال الإمام ابن عبد البر : ( كفى بقوله : " الصوم لي " فضلا للصيام على سائر العبادات ) .

7- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك :

قال ابن حبان : " شعار المؤمنين في القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقاً بينهم وبين سائر الأمم ، وشعارهم في القيامة بصومهم : طيب خلوفهم ، أطيب من ريح المسك ليعرفوا بين ذلك الجمع بذلك العمل نسأل الله بركة هذا اليوم " . انظر صحيح ابن حبان (8/211) .

قال الحافظ ابن رجب : " خلوف فم الصائم : رائحة ما يتصاعد من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام بالصيام ، وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا ، لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته " .

وقال الحافظ في الفتح (4/128) : " ويؤخذ من قوله : " أطيب من ريح المسك " أن الخلوف أعظم من دم الشهيد ؟ لأن دم الشهيد شبَّه ريحه بريح المسك ، والخلوف وُصف بأنه أطيب ، ولا يلزم من ذلك أن يكون الصوم أفضل من الشهادة لما لا يخفى ، ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كل منهما ، فإن أصل الخلوف طاهر ، وأصل الدم بخلافه ، فكان ما أصله طاهر أطيب ريحاً " ا . هـ .

قال المناوي في "فيض القدير" (4/205) : ( "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " فإذا كان هذا بتغير ريح فمه ، فما ظنك بصلاته وقراءته وسائر عباداته ) ا هـ .

8- للصائم فرحتان : قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (176_178) : ( أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح , فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه , خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه , فإن النفوس تفرح بذلك طبعا , فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا , والصائم عند فطره كذلك , فكما أن الله تعالى حرَّم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات , فقد أذن له فيها في ليل الصيام , بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره ... فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقربا إليه وطاعة له , وبادر إليها في الليل تقربا إلى الله وطاعة له , فما تركها إلا بأمر ربه , ولا عاد إليها إلا بأمر ربه , فهو مطيع له في الحالين .... وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثابا على ذلك , كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوِّي على العمل كان نومه عبادة .... ومن فهم هذا الذي أشرنا إليه لم يتوقف في معنى فرح الصائم عند فطره , فإن فطره على الوجه المشار إليه من فضل الله ورحمته , فيدخل في قوله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يونس / 58 , ولكن شرط ذلك أن يكون فطره على حلال , فإن كان فطره على حرام كان ممن صام عما أحل الله , وأفطر على ما حرم الله ، ولم يستجب له دعاء , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يطيل السفر : "يمد يديه إلى السماء : يا رب , يا رب , ومطعمه حرام , ومشربه حرام , وملبسه حرام , وغُذِي بالحرام , فأنى يستجاب لذلك " . رواه مسلم من حديث أبي هريرة ( 1015 ) .

وأما فرحه عند لقاء ربه فما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا , فيجده أحوج ما كان إليه , كما قال الله تعالى : ( وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ) المزمل / 20 ، وقال تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ) (آل عمران / 30 ) ا.هـ باختصار .

- الصيام يرفع الدرجات : وهذا في قوله : " وأنا أجزي به " .

قال الحافظ في الفتح (4/130) : " المراد بقوله : وأنا أجزي به ، أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته ، وأما غيره من العبادات قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله ، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير ، ويشهد لهذا السياق رواية "الموطأ" وكذا رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال : " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله ، قال الله : " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " أي أجازي عليه جزاءً كثيرا من غير تعيين المقدار ، وهذا لقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر / 10 . ا هـ .

قال المناوي في "فيض القدير" (4/251) : ( " وأنا أجزي به " إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب ؟ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة اقتضى سرعة القضاء وشرفه ) ا هـ .

وقال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف" (168) : ( على هذه الرواية يكون استثناء الصوم من الأعمال المضاعفة فتكون الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد , بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد " ا هـ .

10- الصيام كفارة من الذنوب والمعاصي :

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر والنهي " . رواه البخاري (1895) ومسلم (144) وغيرهما .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " . متفق عليه .

وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس , والجمعة إلى الجمعة , ورمضان إلى رمضان , مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " . أخرجه مسلم (1/233) .

11- دعوة الصائم لا ترد :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر " رواه البيهقي في الشعب وغيره ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3030) .

وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم " أخرجه الترمذي (3598) وحسنه ، وابن ماجه (1752) وأحمد (2/305) وابن حبان (3428) وغيرهم وحسنه ابن حجر في "أمالي الأذكار "

فيا أخي : اغتنم الفرصة وارفع أكف الضراعة وأتت صائم ، وعند فطرك ، توجه بقلبك وقالبك إلى الله جل جلاله ادعه وأنت موقن بالإجابة ، فإنها لا ترد إن شاء الله .

12- أن لله وملائكته يصلون على المتسحرين :

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " أخرجه ابن حبان في صحيحه والطبراني في الأوسط وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1844) .

والسحور لا يكون إلا في الصيام ، ولا يتسحر إلا من نوى الصيام وأراده ، ومن هنا يتبين فضل الصيام في ذلك ، لأنه كان سبباً في أن يصلي الله تبارك وتعالى وملائكته الكرام على المتسحرين .

أخي الكريم :

إن كان الله جل جلاله وملائكته الكرام يصلون على المتسحرين ، والسحور عون على الصيام فما ظنك بالصيام ؟ .

فأكرم بها من عبادة يصلي الله عليك بها والملأ الأعلى .

13- الصوم في الصيف يورث السقيا يوم القيامة :

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى على سرية في البحر فبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذ هاتف فوقهم يهتف : يا أهل السفينة ! قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه ، فقال أبو موسى : أخبرنا إن كنت مخبراً . قال : إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أن من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه الله يوم العطش " قال المنذري : رواه البزار بإسناد حسن إن شاء الله . وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1/412) .

كان من أسباب بكاء الصالحين عند موتهم ما يفوتهم من ظمأ الهواجر ، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه عند موته : مرحباًَ بالموت زائر مغب ، حبيب جاء على فاقة ، اللهم كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك ، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لطول البقاء فيها ولا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر " أنظر : الزهد للإمام أحمد ( 180 ) ، وحلية الأولياء ( 1 / 239 ) وغيرهما .

الله أكبر هكذا كان القوم ، وتلك هي همتهم ، وهذه كانت غايتهم من الدنيا ... فرضي الله عنهم وأرضاهم وجمعنا بهم في مستقر رحمته آمين .

14 ـ الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة :

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة " أخرجه البيهقي في الشعب عن جابر ، وعند أحمد وأبي يعلى والبيهقي في الكبرى عن عامر بن مسعود رضي الله عنه ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( 2898 ) وأشار إلى حسنه السيوطي .

وقال عمر رضي الله عنه : " الشتاء غنيمة العابدين " موقوف صحيح على عمر وهو عند أحمد في الزهد ( 175 ) وغيره .

وقال الحسن البصري : نعم زمان المؤمن الشتاء ، ليله طويل يقومه ، ونهاره قصير يصومه .

وقال قتادة : إن الملائكة تفرح بالشتاء للمؤمن ، يقصر النهار فيصومه ، ويطول الليل فيقومه .

وكان عبيد بن عمير الليثي إذا جاء الشتاء يقول : يا أهل القرآن قد طال الليل لصلاتكم ، وقصر النهار لصومكم .

فيا أخي :

الشتاء ربيع المؤمن " لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ، ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه ، كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها ، فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات ، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش ، فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام ... " لطائف المعارف ( 241 ) .

* * *

فيا أخي الكريم :

هذه بعض فضائل الصيام وهي أكثر مما ذكرنا لكن ما ذكر فيه كفاية ، والعاقل خصيم نفسه ، وقد قيل : الظمآن يكفيه من الماء القليل ، فيا أخي الكريم شمر عن ساعد الجد ، واجتهد في هذا الشهر المبارك عسى أن تفوز بالأجر ، وتحصل لك بعض هذه الفضائل إن لم يكن كلها ، فاجتهد في فعل الطاعات من قراءة القرآن ، وذكر واستغفار ، وصلاة وقيام ، وصدقة وإنفاق ، واحرص على الازدياد من الأعمال الصالحات .

إن شهر رمضان ليس شهر السهر أمام التلفاز أو الدشوش والقنوات الفضائية ، وليس شهر التسكع في الحدائق والأسواق , وليس شهراً للسمر المحرم بالغيبة والنميمة وشرب الدخان والمخدرات والمسكرات ، ولعب البالوت واستماع الأغاني الماجنة والموسيقى المحرمة ، ولكنه شهر القرآن والذكر والقيام والتراويح والتسابيح ، والصدقة والبذل والعطاء ، وحلق العلم ، والاعتمار وغيرها من أبواب الخير والبر ، فكن مع الذين يسارعون في الخيرات ، ولا تكن مع الذين يبارزون بالمعاصي رب الأرض والسماوات .

قال الأوزاعي : كان يحيى بن أبي كثير إذا حضر رمضان يدعو : اللهم سلمني لرمضان , وسلم لي رمضان , وتسلمه مني متقبلا . حلية الأولياء 3/69

وفقنا الله وإياك لكل خير وطاعة وبر ، وصرف عنا وإياك كل سوء وشر ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه ، وصل اللهم على محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .

صاحب همة
2011-07-23, 01:57 PM
أحوال السلف في رمضان (http://ramadaniat.ws/view/1051)


لقد خص الله عز وجل شهر رمضان بالكثير من الخصائص والفضائل ، فهو شهر نزول القرآن ، وهو شهر التوبة والمغفرة وتكفير الذنوب والسيئات وفيه العتق من النار ، وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، وهو شهر الجود والإحسان وهو شهر الدعاء المستجاب.

لذا فقد عرف السلف الصالح قيمة هذا الموسم المبارك فشمروا فيه عن ساعد الجد واجتهدوا في العمل الصالح طمعا في مرضاة الله ورجاء في تحصيل ثوابه.

فتعال أخي الكريم نستعرض بعض أحوال السلف في رمضان وكيف كانت همّتهم وعزيمتهم وجدّهم في العبادة لنلحق بذلك الركب ونكون من عرف حقّ هذا الشهر فعمل له وشمّر
وقبل أن نشير إلى حال السلف مع رمضان نشير إلى حال قدوة السلف، بل إلى قدوة الناس أجمعين، محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل -عليه الصلاة والسلام- يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجـود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيـه الصدقة، والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر، والاعتكاف. وكان يخص رمضان من العبادة ما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة" زاد المعاد في هدي خير العباد(2/30)..

لقد كان السلف الصالح يهتمون برمضان اهتماماً بالغاً، ويحرصون على استغلاله في الطاعات والقربات، كانوا سباقين إلى الخير، تائبين إلى الله من الخطايا في كل حين، فما من مجال من مجالات البر إلا ولهم فيه اليد الطولى، وخاصة في مواسم الخيرات، ومضاعفة الحسنات، لقد ثبت أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.

وقال عبدالعزيز بن أبي داود : أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم : أيقبل منهم أم لا ؟

السلف والقرآن في رمضان :

نجد أن حال السلف مع القرآن في رمضان حال المستنفر نفسه لارتقاء المعالي؛ فهذا الإمام البخاري -رحمه الله- كان إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن. وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند الإفطار كل ليلة ويقول: عند كل الختم؛ دعوة مستجابة. صفة الصفوة(4/170).

وروي عن الشافعي أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة، قال الربيع: "كان الشافعي يختم كل شهر ثلاثين ختمة، وفي رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة". صفة الصفوة(2/255)

وقد يتبادر إلى ذهن أحدنا إشكال فيقول قد جاء النهي عن النبي-صلى الله عليه وسلم- في ذم من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، فكيف هؤلاء العلماء يخالفون ذلك؟، يقول ابن رجب -رحمه الله-: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم". يعني من السلف الذين كانوا يقرؤون القرآن في أقل من ثلاث ليال وذلك في رمضان وخاصة في العشر الأواخر.

السلف والقيام في رمضان :

قيام الليل هو دأب الصالحين وتجارة المؤمنين وعمل الفائزين ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم فيشكون إليه أحوالهم ويسألونه من فضله فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها عاكفة على مناجاة بارئهاتتنسم من تلك النفحات وتقتبس من أنوار تلك القربات وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.

وقد أدرك سلفنا الصالح هذه المعاني العظام ، فنصبوا أقدامهم في محراب الإيمان ، يمضون نهارهم بالصيام ، ويحيون ليلهم بالقيام ،

ذكر الحافظ الذهبي عن أبي محمد اللبان أنه: "أدرك رمضان سنة سبع وعشرين وأربعمائة ببغداد فصلّى بالناس التراويح في جميع الشهر فكان إذا فرغها لا يزال يصلي في المسجد إلى الفجر، فإذا صلى درّس أصحابه. وكان يقول: لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلاً ولا نهاراً. وكان ورده لنفسه سبعا مرتلاً"

وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام فيقوم إلى مصلاه.

وكان طاوس يثب من على فراشه ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول : طيّر ذكر جهنم نوم العابدين

عن السائب بن يزيد قال: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان فكان القاريء يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلاّ في فروع الفجر . أخرجه البيهقي

وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر . أخرجه مالك في الموطأ.

وعن أبي عثمان النهدي قال: أمر عمر بثلاثة قراء يقرؤون في رمضان فأمر أسرعهم أن يقرأ بثلاثين آية وأمر أوسطهم أن يقرأ بخمس وعشرين وأمر أدناهم أن يقرأ بعشرين . أخرجه عبد الرزاق في المصنف

وعن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن هرمز قال: كان القراء يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات فإذا قام بها القراء في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف عنهم . أخرجه البيهقي

وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوة من ماء ثم يخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح. أخرجه البيهقي

وعن نافع بن عمر بن عبد الله قال: سمعت ابن أبي ملكية يقول: كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر ونحوها وما يبلغني أنّ أحدا يسثقل ذلك . أخرجه ابن أبي شيبة

وعن عبد الصمد قال حدثنا أبو الأشهب قال: كان أبو رجاء يختم بنا في قيام رمضان لكل عشرة أيام

وعن يزيد بن خصفة عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة قال: وكانوا يقرؤون بالمائتين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام . أخرجه البيهقي

السلف والجود في رمضان

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة » متفق عليه

قال المهلب: وفيه بركة أعمال الخير وأن بعضها يفتح بعضا ويعين على بعض ألا ترى أن بركة الصيام ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد في جود النبي صلى الله عليه وسلم وصدقته حتى كان أجود من الريح المرسلة

وقال ابن رجب: قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصّوم والصلاة عن مكاسبهم .

وكان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم ولا يفطر إلاّ مع المساكين . وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل .


السلف وتنوع القربات

وقد كان للسلف في كل باب من أبواب القربات أوفر الحظ، وكانوا يحفظون صيامهم من الضياع في القيل والقال وكثرة السؤال . لذا تجد ;كثيراً منهم قد لازم المسجد ليحفظ صيامه وينقطع عن الناس ويتفرغ للعبادة.

عن طلق بن قيس قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: إذا صمت فتحفظ ما استطعت .وكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلاّ لصلاة . أخرجه ابن أبي شيبة

وكانوا حريصين على استثمار أوقاتهم ، واغتنام ساعات الليل والنهار كما مر معنا . وكان أحدهم أشح على وقته من صاحب المال على ماله . قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي.

وقال ابن القيم رحمه الله : إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها

وخلاصة رمضان السلف: الإمساك عن تعاطي جميع المفطرات الحسية والمعنوية، وفعل ما يرضي الله، يحتسبون نومتهم كما يحتسبون قومتهم، يتنافسون في الطاعات والقربات، ويفرون من مقاربة المعاصي والسيئات، يحفظون صيامهم من جميع المفطرات، يعملون بكتاب الله وسنة رسوله، ويوصي بعضهم بعضاً بألا يكون يوم صوم أحدهم كيوم فطره، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء".فلا بد أن نذكر أنفسنا بشيء من حياتهم، حتى يزداد إيماننا، وتقوى صلتنا بخالقنا، وحتى تقوى عزائمنا، وتشحذ هممنا، فنقتدي بهم -نرجو من الله ذلك-.

نسأل الله أن يجعلنا متأسين بسنة نبه صلى الله عليه وسلم ، مهتدين بهديه ، نسير على ما سار عليه صالحوا سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان . وأن يستعملنا في طاعته، ويجنبنا معصيته، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يوفقنا لقيام رمضان وصيامه إيماناً واحتساباً ويتقبله منا، ويجعلنا ممن وفق لقيام ليلة القدر، وأن يعلي هممنا، ويقينا شرور أنفسنا. آمين اللهم آمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

صاحب همة
2011-07-23, 02:01 PM
رمضان فرصة للتغيير (http://ramadaniat.ws/view/1058)


جَبَلَ الله - تبارك وتعالى - الإنسان في هذه الحياة الدنيا على التقصير والنقص, وجعل وتيرة الإيمان بين ارتفاع وانخفاض، وزيادة ونقص, ومن رحمة الله - تبارك وتعالى - بهذه الأمة المباركة أن أمدَّها بفرص ومناسبات؛ يستدرك العبد فيها تقصيره, ويغير من حاله ليستعد لنهاية حياته الدنيوية، وبداية مصيره الأخروي.

ومن هذه المناسبات شهر رمضان المبارك، ذلكم الشهر الذي هو أعظم فرصة سانحة يغيِّر فيها العبد من أحواله، ويحسِّن من أوضاعه، ويمهِّد لنفسه قبل عثرة القدم، وكثرة الندم، فيتزود ليوم التنادي بكامل الاستعداد.

ها هو رمضان قد أقبل بنوره وعطره، وجاء بخيره وطهره، جاء ليربي في الناس قوة الإرادة، ورباطة الجأش، ويزيد فيهم مَلَكَةَ الصبر، ويعوِّدهم على احتمال الشدائد، والجَلَد أمام العقبات ومصاعب الحياة.

ورمضان مدرسة تربوية يتدرب فيها المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء، وترك ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه من كل شيء؛ ليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعاً عن كل ما لا ينبغي، ويحصل على تقوى الله في كل وقت وحين، وأي حال ومكان.

إن أجواء رمضان هي أجواء رائعة، وفرصة يسوقها الله - تبارك وتعالى - إلينا كل عام؛ لنعيد برمجة أنفسنا ايجابياً وسط هذه الأجواء الإيمانية المفعمة بالنقاء والصفاء، فمن كان مفرِّطاً في صلاته لا يصليها مطلقاً، أو يؤخرها عن وقتها, أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد؛ فليتدارك نفسه، وليُعد النظر في واقعه، ومُجريات حياته، وليتأمل أوضاعه قبل فوات الأوان، فما هو فيه اليوم من صحة وعافية، وفتوَّة وقوة؛ هو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، أو كبرق خُلَّب سرعان ما يتلاشى وينطفئ ويزول، فإن الصحة يعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم، والقوة آيلة إلى الضعف، لكن أكثر الناس لا يعقلون.

- أخي الكريم: اجعل من رمضان فرصة للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة، فقد وفقك الله للصلاة مع الجماعة، وإلف المساجد، وعمارتها بالذكر والتسبيح، فاستعن بالله، واعزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك بداية للمحافظة على الصلاة، والتبكير إليها لتكون من المؤمنين الذين يقول الله - تعالى - في وصفهم: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ}1، ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}2.

- ومن كان مفرطاً في قراءة القرآن، هاجراً له؛ فليجدد عهده بكتاب ربه، وليجعل له ورداً يومياً لقراءة جزء منه لا ينقطع عنه بحال، ولو كان هذا الجزء يسيراً، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّت، ومن المؤسف أن فئاماً كبيرة من المسلمين لا تعرف القرآن إلا في شهر رمضان.

- ومن عاش قاطعاً لأرحامه فعليه أن يفتح صفحة جديدة فيصل رحمه، ويتعاهد أقاربه وذويه يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها))3، وكذا يحسن إلى جيرانه الذين هم ألصق الناس ببيته، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه وبيده كما أخبر المصطفى - صلوات ربي وسلامه عليه - بذلك.

- ومن ابتلى بتعاطي الحرام من خمر ومخدرات، أو دخان ومنكرات؛ فإن رمضان فرصة للإقلاع عن ذلك كله, فالإرادة التي استطاعت أن تصوم لأكثر من ثنتي عشرة ساعة لا نظنها تعجز عن مواصلة مسيرتها الإصلاحية؟، والعزيمة التي صمدت عن تعاطي هذا البلاء كل هذه الفترة الطويلة أثناء النهار لا يمكن أن تنهار في آخر لحظات الإسفار، وإرخاء الليل الستار؟

أين الهمة التي لا تقف أمامها الجبال الشامخات؟ وأين العزيمة التي لا تصدها العاتيات!! استعن بالله - تعالى - على ترك هذا البلاء، فالنصر صبر ساعة، والفرج قريب، وإن الله مع الصابرين.

- ولمن جُبِلَ على الأنانية والشح، وفقدان روح الشعور بالجسد الواحد؛ فإن شهر الصوم مدرسة عملية لك، وهو أوقع في نفس الإنسان من نصح الناصح، وخطبة الخطيب؛ لأنه تذكير يسمعه ويتلقنه من صوت بطنه إذا جاع، وأمعائه إذا خلت، وكبده إذا احترَّت من العطش، فيحصل له من ذلك تذكير عملي بجوع الجائعين، وبؤس البائسين، وحاجة المحتاجين، فرمضان إذن مدرسة للقضاء على صفة الأنانية والشح، ومن ثم الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

- ولمن عُرِفَ عنه قلَّة الصبر، وسرعة الغضب؛ فليتعلم من رمضان الصبر والأناة، فأنت الآن تصبر على الجوع والعطش، والتعب والنصب ساعات طويلة، ألا يمكنك - أيضاً - أن تعوِّد نفسك في شهر الصبر على الصبر على الناس، وتصرفاتهم وأخلاقهم، وما يفعلونه تجاهك من أخطاء، وما الذي يمنعك أن تجعل شعارك الدائم قول الله - جل وعلا -: {وَالْكَاظِمِين الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}4 ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)) فليكن هذا الشهر بداية لأن يكون الصبر شعارنا، والحلم والأناة دثارنا.

- ولمن أسرف على نفسه بالخطايا والموبقات، وتجرأ على حدود الله والحرمات؛ أن يسارع إلى الإنابة، ويبادر إلى الاستقامة؛ قبل زوال النعم، وحلول النقم، فهنالك لا تقال العثرات، ولا تستدرك الزلات يقول - سبحانه - حاثاً عباده عليها: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}5.

فالتوبة .. التوبة .. فهي شعار المتقين .. ودأب الصالحين .. وحلية المؤمنين أما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة))6.

أيا رعاك الله:

إن الصوم بيئة خصبة جداً للتغيير لما يحوي من شفافية وسمو بالروح، فبادر فيه بما يسمو بقدرك، ويحلِّق بروحك وفكرك، فأبواب الجنة مشرعة، وأبواب النار مغلقة، ولله في كل ليلة عتقاء من النار، فاجتهد أن تكون واحداً منهم، جعلني الله وإياك ووالدينا ممن فاز بالرضا والرضوان، والفوز بالجنان، والنجاة من النيران.

ــــــــــــ
1 سورة المعارج (24).
2 سورة المعارج (34-35).
3 رواه البخاري برقم (5645).
4 سورة آل عمران (134).
5 سورة النور (31).
6 رواه مسلم برقم (2702).

صاحب همة
2011-07-23, 02:06 PM
كيف نستقبل رمضان (http://ramadaniat.ws/view/1144)


ما هي إلا أيام قلائل حتى تكتمل دورة الفلك، ويشرف على الدنيا هلال رمضان المبارك الذي تهفو إليه نفوس المؤمنين، وتتطلع شوقاً لبلوغه


فمرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيبـــاً زارنا في كل عام

قد لقينــاك بِحب مفعم كل حبُ في سوى المولى حرام

فاقبل اللهــم ربِي صومنا ثم زدنا من عطايــاك الجسام


مرحباً برمضان، جئت بعد عام كامل مات خلاله أقوام وولد آخرون، سعد أقوام وشقي آخرون، اهتدى أقوام وضل آخرون.

مرحباً برمضان موسم البضاعة الرابحة، والفرصة السانحة، والكفة الراجحة.

مرحباً برمضان شهر التوبة والرضوان، شهر الصلاح والإيمان، شهر الصدقة والإحسان، ومغفرة الرحمن، وتزين الجنان، وتصفيد الشيطان.

فيا معاشر الساجدين، والصفوة القانتين، والبر الميامين، بشراكم بشراكم فها قد أظلكم شهر كريم، وموسم للربح عظيم، فهنيئاً لنا ولكم يوم أفسح الله في آجالنا، وأمدَّ في أعمارنا حتى بلَّغنا أيام وليالي هذا الشهر المبارك.

أُخي:

إن رمضان فرصة لا يُفوِّتُها إلا متهاون مغبون، ولا يزهد فيها إلاّ جاهل محروم، أما من أنار الله قلبه، ونقّى فؤادَه؛ فتراه يستعد لرمضان قبل أن يلقاه، وتكتحل برؤيته عيناه، لكن يبقى السؤال الأهم ونحن على مشارف أبواب رمضان هو: بم ينبغي أن نستقبل شهر الفضائل والمكرمات؟

وللإجابة أطلب منك أن تدنو قليلاً، لا أقصد بجسدك؛ بل بقلبك؛ لنقرع فؤادك بهذه الهمسات التي تستعين بها في استقبال شهر رمضان:

- يفضل للإنسان أن يقدّمَ بين يدي رمضان صيام شعبان جلّه أو كلّه؛ تأسياً بنبيه - صلى الله عليه وسلم - الذي دأبَ على ذلك حتى قالت عائشة - رضي الله عنها -: "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان"1.

- ينبغي أن تستقبل رمضان بالفرح والسرور، والحفاوة والتكرم, فهذا شهر اختاره الله لفريضة الصيام، ومشروعية القيام، وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور, تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتغلُّ فيه الشياطين، وتضاعف فيه الحسنات، وترفع الدرجات، وتغفر الخطايا والسيئات.

- ينبغي أن تستقبَل رمضان بالمبادرة إلى التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها، والإكثار من الطاعات دِقِّها وجِلِّها، فهذا زمان التوبة.


يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبِ حتى عصى ربه في شهر شعبان

لقد أظلك شهر الصـــوم بعدهما فلا تصيّـِره أيضاً شهر عصيان

واتل القرآن وسبح فيــه مجتهـداً فإنه شهـر تسبيــح وقرآن


- ينبغي أن تستقبله بالتّشمير عن سواعِدِ الجدّ في استباقِ الخيرات، وبِعقدِ العزمِ على اغتنامِ فرصته في تزكيةِ النفس وتهذيبها، وإِلزامها بسلوكِ الجادّة، وقطعِ الصّلَة بماضي الخطايَا، وسابقِ الآثام، وانتهاج السبيلِ الموصِل إلى رضوان الله - عز وجل -، والحظوَة عنده بالدرجات العُلى، والنعيمِ المقيم.

أحوال ملموسة:

من المشاهد أن الناس في استقبال هذا الشهر العظيم ينقسمون إلى أقسام:

قسم يفرحون بهذا الشهر، ويسرُّون لقدومه، ويسعدون لحلوله، ويستعدون له بكل ما يستعد به المضيف لمقابلة الضيف العزيز القادم بعد طول غياب، متلهفون لأن يعتق الرب - سبحانه - رقابهم من النار، ومتشوفون لنفحات الباري - جل جلاله - ليل نهار.

وقسم آخر: يستثقلون هذا الشهر، ويستعظمون مشقته، فإذا نزل بهم فهو كالضيف الثقيل، يعدُّون ساعاته ولياليه، منتظرين رحيله بفارغ الصبر، يفرحون بكل يوم يمضي منه، حتى إذا قرب العيد فرحوا بدنو خروج هذا الشهر، وسعدوا بقرب انتهائه؛ لأنهم اعتادوا التوسع في الملذات والشهوات من المآكل والمشارب والمناكح وغيرها، وعظم تقصيرهم في الطاعات، يعيشون الغفلة في رمضان وبعد رمضان، قومٌ إذا دخل عليهم رمضان أمضوا ساعاته في النوم، وقضوا ليله في السهر واللعب، واللهو والغفلة، والله المستعان.

فقل لي: من أي صنف أنت؟ ومع أي قوم تحب أن تكون؟ تأمل ثم اختار لأنفسك.

أيها الموفق:

ما فتئ رمضان يعود علينا عاماً بعد عام، ونحن نخرج منه كما نلقاه، وقليل منّا من يكون بَعدَه على أحسن ممّا كان عليه قَبْلَه، أفلَم يأنِ لنا أن نعزم على اغتنام موسم قد لا ندركه فيما نستقبل من أعوام، ونكفّ عن التسويف والتأجيل وضياع الأوقات في القال والقيل؟.

تيقَّن أن في استقبال شهر الصوم تجديد لطيف الذكريات، وعهود الطهر والصفاء، والعفة والنقاء، له في نفوس الصالحين بهجة، وفي قلوب المتعبدين فرحة، وحسبكم في فضائله أن أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.

كم في نفوسنا من شهوةٍ وهوى، وفي صدورنا دوافع غضبٍ وانتقام، وفي الحياة تقلب في السراء والضراء، وفي دروب العمر خطوب ومشاق، ولا يُدَافع ذلك كله إلا بالصبر والمصابرة، ولا يُتَحمّل العناء إلاّ بصدق المنهج وحسن المراقبة، وما الصوم إلا ترويض للغرائز، وضبط للنوازع.

فجديرٌ بشهرٍ هذه بعض أسراره، وتلك بعض خصاله؛ أن يفرح به المتعبدون، ويتنافس في خيراته المتنافسون، فما أكرمَ اللهُ أمة بمثل ما أكرم به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

فاصرخ في وجه الكون، وقل: يا غيوم الغفلة عن القلوب تَقَشَّعي، ويا شموس التقوى والإيمان اطلعي، ويا أقدام المتهجدين اسجدي لربك واركعي، يا أرض الهوى لماءك ابلعي، ويا سماء النفوس أقلعي.

يا هذا : ليت شعري ما بالك تدعى إلى الفلاح وأنت تحرص أن تكون خاسراً، وتدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابراً، ألا تدري أن ثمة أيام ثم تمدُّ موائد الإنعام للصُّوام، فما منكم إلا وسيدعى، فـ{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}2، ويا همم المؤمنين أسرعي، فطوبى لمن أجاب فأصاب، وويل لمن طرد عن الباب"3.

ويا رب نناديك ونناجيك:


إن الـملوك إذا شابت عبيدهم في رقـهم عتقــوهم عتق أبرار

وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار


نسأل الله - تبارك وتعالى - بمنِّه وكرمه أن يبلغنا رمضان, وأن يتقبل منا الصيام والقيام, وأن يعتق رقابنا من النيران, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــ
1 رواه البخاري برقم (1868)، ومسلم برقم (1156).
2 سورة الأحقاف (31).
3 لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي (225).

صاحب همة
2011-07-23, 02:59 PM
واشوقاه إليك يا رمضان (http://ramadaniat.ws/view/1073)



( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )


واشوقاه إليك يا شهر رمضان ، ويا فرحة القلوب بقدومك يا شهر الصيام والقيام

(إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين و مردة الجن و غلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، و فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب و ينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أقصر و لله عتقاء من النار و ذلك كل ليلة ) رواه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة وحسنه الألباني [ صحيح الجامع 759 ]

رمضان مدرسة للتعلم والتعليم ، والتوبة والإنابة ، ومحطة للتزود بالطاعات والنوافل .

رمضان خلوة العابدين مع خالقهم في لياليه وأيامه ، وإخلاص لله وحده في الطاعات والصيام ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ، الصوم لي وأنا أجزي به )

رمضان دِربة للنفس على المجاهدة والصبر على الطاعات وترك العصيان .

رمضان فرصة للمغفرة ، فرصة للتوبة ، وغسل الأوزار والخطايا .

فيا فوز الطائعين ، ويا فوز الصائمين ، ويا فوز القائمين ، ويا فوز التالين الذاكرين .

فما ألذه من شعور يكتنف قلوبنا ونحن نستقبل شهر الخير والبركات

هنيئاً لنا جميعاً قدوم هذا الشهر المبارك ، هنيئاً لنا بلوغ هذا الموسم العظيم .. اللهم بلغنا أيامه وبلغنا تمامه

اللهم سلمنا إلى رمضان وتسلمه منا متقبلاً

رمضان .. يا شهر العتق والغفران

رمضان .. يا شهر البر والإحسان

يا لسعادة نفوس طالما هفت إليك ، وأرواح طالما حنت لنفحاتك ونسماتك ، وقلوب قد تاقت لأزيز بكائها ودمع عيونها في أسحارك وخلواتك..

رمضان بستان العارفين ، ولذة الطائعين ، وباب مفتوح للتائبين .

فهلم نستقبله بتوبة وإنابة ، واستغفار وندم ، وعزم على الطاعة والثبات عسى أن نكون فيه من المعتقين من النيران ، المقبولين المنعمين في أعالي الجنان

هلم يا نفس إلى التوبة ، وإياك والتسويف والإعراض ..

يا نفس بأي شيء تستقبلين شهر الصيام .. بإنابة وتوبة .. أم إعراض وإحجام...

آما آن لك أن ترعوي ، ألم يأن لك يا قلب أن تخشع لذكر الله وما نزل من الحق .

أما آن يا نفس أن ينفعك وعظ وتذكير!

إلى متى وأنت في غفلة ورقاد ، أتظنين أنك في الحياة معمرة ؟ أنسيت القبور وأهلها ، والقيامة وأهوالها.

أما علمت أن لكل أجل كتاب ، وبعد الأجل حساب .. فإما ثواب وإما عقاب

كم في القبور من حسرات ، وكم فيها من زفرات ، كم فيها من دركات ونيران ، وصراخ وعويل ، النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ..

كم في القبور من نفحاتِ برٍّ ونسمات ، كم فيها من جنات ونهر ، كم فيها من نزلِ الجنة ، وفرش الجنة ، ولباس الجنة ، ورَوحٍ وريحانٍ من الجنة..

شتان بين منازل العابدين المشفقين ودرجاتهم ، وبين مضاجع المفرطين ودكاتهم .

أولئك في الجنان منعمون ، والآخرون في النيران معذبون.

أواه يا نفس .. كم دعيت إلى الحق فأحجمت .. ولما أتى داعي الهوى ركبت وأسرعت ..

أإلى الجنة أدعوك .. وأنت أمارة لا ترعوين

أتسمعين النداء .. ولا تجيبين

يا نفس سبق العابدون وبلغوا المنازل .. فهلا بركبهم تلحقين .. وفي طلب العلا تنافسين ..

هاهي نسمات الإيمان أطلت .. ورياح الجنان هبت .. ونفحات الرحمة تجلت

هذي الجنان تزينت .. وأبوابها تفتحت .. وهذي النيران تغيظت .. وأبوابها أوصدت .. وهذي الشياطين كبلت وصفدت

أتدرين لأي شيء ذاك .. إنه لك .. نعم لك أنت .. لترجعي إلى ربك .. وتعودي إلى رشدك .. لتستيقظي من رقادك .. وتفيقي من غفلتك .. لتغتنمي مواسم الإيمان .. وتستعيني على طاعة الرحمن.

رمضان يا نفس جنة العابدين .. وأنس المحبين ..

فهلا ترجعين ..

نعم.. هلا ترجعين؟

عودي إلى ربك فهذا أوان تنزل الرحمات .. وربك يفرح بتوبة عبده .. ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل .. ولا يزال للعبد أمل في قبول التوبة مالم يغرغر ..

يا نفس .. ربك يناديك .. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم .

(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )

استجيبي لربك .. وعودي إلى رشدك .. وليكن رمضان هذا مفتاح تغيير حياتك .. وصفحة جديدة .. ملؤها الطاعة والمحبة ، والخشية والرجاء ، والرغبة والرهبة ، والإنابة والثبات .

هلم يا نفس إلى مجالس الإيمان ، ورياض الجنان ، ومداومة الصيام والقيام ، والعيش مع آيات القرآن

عسى تحفنا ملائكة الرحمن . فنكتب في الذاكرين الله كثيرا والذاكرات

ونكتب في سجل المعتقين من النيران في هذا الشهر الكريم

اللهم وفقنا للصالحات حتى الممات .. وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك .. واجعلنا من المقبولين

صاحب همة
2011-07-23, 03:00 PM
حكم اعتبار اختلاف المطالع في ثبوت رمضان (http://ramadaniat.ws/view/419)



الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
مما ينبغي أن يعلم أن مسألة "اختلاف المطالع" هي كغيرها من المسائل الفقهية التي تنازع فيها أئمة العلم قديماً وحديثاً، والخلاف فيها لا يضر كما قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: "وجنس هذا الاختلاف لا بد منه في المسائل الفروعية ولا يضر"1.
والحق أن في هذه المسالة أقوال عدة للعلماء، لكن أشهر هذه الأقوال هما قولان نذكرهما مختصرين مع أدلتهما:
القول الأول: لو رأى أهلُ بلدٍ هلال رمضان؛ لزم سائر بلاد الدنيا العمل بهذه الرؤية، واستدلوا بأدلة:
1. منها قوله - تعالى -: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}2، ووجه الدلالة: أن الله علَّق صوم رمضان برؤية الهلال دون أن يخُصَّ كُلَّ قطر برؤية أهله.
2. ومن الأدلة قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))3، وكذلك حديث: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه))4 قالوا: فالخطاب هنا لعامة الأمة لا لأناسٍ مخصوصين.
3. واستدلوا كذلك بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "ترآى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أني رأيته؛ فصام، وأمر الناس بصيامه"5.
4. وحديث أبي هريرة الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون... ))6 فقالوا: إن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض، وشهادته في جميع الأحكام الشرعية، والرؤية من جملتها.
5. واستدلوا بأن شهر رمضان ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين، ووقوع الطلاق، والعتاق، ووجوب النذور، وغير ذلك من الأحكام، وكذا الصوم لثبوته بشهادة الثقات.
6. وكذلك قاسوا البلاد البعيدة على القريبة من بلد الرؤية؛ إذ لا فرق بينهما، والتفرقة تحكم لا يعتمد على دليل.
7. وهذا القول أقرب لتوحد المسلمين، واجتماع كلمتهم، وهذا القول فيه الاحتياط للعبادة.
فهذه بعض الأدلة التي استدلوا بها، وهناك أدلة أخرى استدل بها القائلون بهذا القول.
القول الثاني: أن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم؛ واستدلوا على هذا القول بعدة أدلة:
1. منها ما استدل به أهل المذهب الأول - وهي قوله - سبحانه -: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، ومن لم ير الهلال لم يشهد الشهر.
2. وكذلك استدلوا بحديث: ((لا تصوموا حتى تروه))، وحديث: ((صوموا لرؤيته))، ونحو ذلك من الأحاديث التي علَّقت الصيام بالرؤية، ودلَّ ذلك على أن من لم ير الهلال فلا يلزمه الصوم.
3. وكذلك حديث كريب: أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام، فقال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، واستهلَّ عليَّ رمضان وأنا بالشام؛ فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية، فقال: لكنَّا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -7.
4. وكذلك قالوا: إن ذلك أدعى للوحدة في كل قطر، وعدم زيادة الاختلاف والفرقة.
5. وقالوا كذلك بأن: القول باتحاد المطالع، وتوحُّد الرؤية؛ يخالف المعقول؛ لما علم وثبت بالضرورة من اختلاف الأوقات، ولأن الشرع أناط إيجاب الصوم بولادة شهر رمضان، وبدء الشهر يختلف باختلاف البلاد وتباعدها، مما يقتضي اختلاف حكم بدء الصوم تبعاً لاختلاف البلدان.
فالحاصل أن القول الأول - إن أمكن العمل به - أقرب لتوحد المسلمين، ولكن الأمر كما قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: "وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته، ولا ينقسم على نفسه فيصوم بعضهم معها، وبعضهم مع غيرها، تقدمت في صيامها أو تأخرت، لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد، كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين، والله المستعان"8، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة فجاء في فتوى لها: "ونظراً لاعتباراتٍ رأتها الهيئة وقدرتها، ونظراً إلى أن الاختلاف في هذه المسألة ليست له آثار تخشى عواقبها؛ فقد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرناً لا نعلم فيها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة؛ فإن أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء يرون بقاء الأمر على ما كان عليه، وعدم إثارة هذا الموضوع، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته"9.
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: "وعمل الناس اليوم على هذا أنه إذا ثبت عند ولي الأمر؛ لزم جميع من تحت ولايته أن يلتزموا بصوم أو فطر، وهذا من الناحية الاجتماعية قول قوي, حتى لو صححنا القول الثاني الذي نحكم فيه باختلاف المطالع فيجب على من رأى أن المسألة مبنية على المطالع ألا يظهر خلافاً لما عليه الناس"10.
نسال الله - عز وجل - أن يمُنَّ على هذه الأمة بالتوحد والائتلاف على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، اللهم وفقنا لطاعتك، وجنبنا معصيتك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


ـــــــــــــــ ــ
1 فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (4/156).
2 سورة البقرة (185).
3 رواه البخاري (1776)، ومسلم (1809).
4 رواه اليخاري (1773)، ومسلم (1795).
5 أخرجه أبو داود (1995)، وهو في صحيح أبي داود للألباني برقم (2028).
6 رواه الترمذي (1995)، وهو في صحيح أبي داود للألباني (2028).
7 رواه مسلم (1819).
8 تمام المنة ص (398).
9 رقم الفتوى (3686) (10/103) من جمع الدويش.
10 الشرح الممتع (6/322).

صاحب همة
2011-07-23, 03:07 PM
هلال رمضان والحسابات الفلكية (http://ramadaniat.ws/view/425)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

ورد سؤال للجنة الدائمة - وفقهم الله لمرضاته - عن هذه المسألة، وهذا نص السؤال، مع نص جواب أصحاب الفضيلة:

س: هل يجوز للمسلم الاعتماد في بدء الصوم ونهايته على الحساب الفلكي، أو لا بد من رؤية الهلال؟

ج: الشريعة الإسلامية شريعة سمحة، وهي عامة شاملة أحكامها جميع الثقلين الإنس والجن، على اختلاف طبقاتهم: علماء وأميين، أهل الحضر وأهل البادية، فلهذا سهَّل الله عليهم الطريق إلى معرفة أوقات العبادات فجعل لدخول أوقاتها وخروجها أمارات يشتركون في معرفتها، جعل غروب الشمس أمارة على دخول وقت المغرب وخروج وقت العصر، وغروب الشفق الأحمر أمارة على دخول وقت العشاء مثلاً، وجعل رؤية الهلال بعد استتاره آخر الشهر أمارة على ابتداء شهر قمري جديد وانتهاء الشهر السابق، ولم يكلفنا معرفة بدء الشهر القمري بما لا يعرفه إلا النزر اليسير من الناس وهو علم النجوم أو علم الحساب الفلكي، وبهذا جاءت نصوص الكتاب والسنة بجعل رؤية الهلال ومشاهدته أمارة على بدء صوم المسلمين شهر رمضان، والإفطار منه برؤية هلال شوال، وكذلك الحال في ثبوت عيد الأضحى ويوم عرفات قال الله - تعالى -: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}1، وقال - تعالى -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}2، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين))3، فجعل - عليه الصلاة والسلام - الصوم لثبوت رؤية هلال شهر رمضان، والإفطار منه لثبوت رؤية هلال شوال، ولم يربط ذلك بحساب النجوم، وسير الكواكب، وعلى هذا جرى العمل زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزمن الخلفاء الراشدين، والأئمة الأربعة، والقرون الثلاثة التي شهد لها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفضل والخير، فالرجوع في إثبات الشهور القمرية إلى علم النجوم في بدء العبادات والخروج منها دون الرؤية من البدع التي لا خير فيها، ولا مستند لها من الشريعة، وإن المملكة العربية السعودية متمسكة بما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح من إثبات الصيام والإفطار، والأعياد وأوقات الحج نحوها برؤية الهلال، والخير كل الخير في اتباع من سلف في الشئون الدينية، والشر كل الشر في البدع التي أحدثت في الدين، حفظنا الله وإياك وجميع المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء




عضو - عضو نائب -رئيس اللجنة

عبد الله بن منيع - عبد الله بن غديان - عبد الرزاق عفيفي"4


تنبيه لابد منه:

عندما يحدّد ولاة أمر المسلمين في ديار المشركين الجهة التي تثبت الهلال لديها، ويعلنون الأخذ برؤيتها، لا يحل للمسلمين هناك أن يخالفوا، بحيث يصوم البعض على رؤية هذا البلد، وآخرون على رؤية بلد غيره، وآخرون على رؤية بلد ثالث، وهكذا، والجميع يقيم في إقليم واحد، مما يجعلك ترى في البلدة الواحدة الصائم المتبع للهند، والمفطر المتبع للسعودية، أو ما شابه ذلك، فإن في ذلك من الاختلاف المذموم بما لا يخفى، وهو أمر يمقته الله - تعالى -، فلا يستقيم شرعًا، ولا عقلاً، أن ينقسم المسلمون في منطقة واحدة على الجهة التي يعتمدون عليها في الصيام والإفطار كما هي حالهم اليوم، فهذا ما يحرم ارتكابه وممارسته.

فإما أن يصوموا على رؤيتهم الخاصة، وإما أن يأخذوا برؤية أول بلد إسلامي، وإلا كان الاختلاف، وكان الشر"5.

ـــــــــ
1 سورة البقرة (185).
2 سورة البقرة الآية (189).
3 سنن الترمذي العلم (2676), وسنن ابن ماجه المقدمة (44), ومسند أحمد بن حنبل (4/126), وسنن الدارمي المقدمة (95).
4 فتاوى اللجنة الدائمة (32) جزءاً (10/104) الفتوى رقم (386) بتصرف يسير جداً.
5 من فقه الأقليات المسلمة خالد محمد عبدالقادر (1/124).

صاحب همة
2011-07-23, 03:15 PM
أدعية رؤية الهلال (http://ramadaniat.ws/view/1066)


الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد تعددت الروايات باختلاف أسانيدها، واتحاد معانيها ومقصودها عن نبينا - صلى الله عليه وسلم- في أدعية رؤية الهلال:

- فجاء أنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: ((الله أكبر، اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله))1.

- وجاء عنه أنه قال: ((اللَّهُمَّ أهِلْلُه عَلَيْنَا باليُمنِ والإيْمَانِ، والسلامَةِ والإسْلامِ، رَبِّي ورَبُّك الله))2.

- وجاء في مصنف ابن أبي شيبة عن أبي عبيدة أن علياً - رضي الله عنه - كان يقول إذا رأى الهلال: "اللهم ارزقنا أهلة خير، اللهم إني أسألك فتح هذا الشهر وخيره، ونصره وبركته ونوره، ونعوذ بك من شره وشر ما بعده"3.

- وعن إبراهيم النخعي - رحمه الله - قال: "إذا رأيت الهلال فقل: ربي وربك الله"، وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: "لأن أخرَّ من هذا القصر أحب إلي من أن أفعل كما يفعلون، إذا رأى أحدكم الهلال كأنما يرى ربه"4.

- وعن حسين بن علي قال: سألت هشام بن حسان أي شيء كان الحسن يقول إذا رأى الهلال؟ قال: كان يقول: "اللهم اجعله شهر بركة ونور، وأجر ومعافاة، اللهم إنك قاسم بين عبادك فيه خيراً؛ فاقسم لنا فيه من خير كما قسمت فيه بين عبادك الصالحين"5.

اللهم آمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين، وصحابته الراشدين، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــ
1 رواه الدارمي برقم (1625)، وصححه الألباني في صحيح الكلم الطيب برقم (162).
2 رواه الترمذي برقم (3373)، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1816).
3 رواه ابن أبي شيبة برقم (29747).
4 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/510).
5 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/510).

صاحب همة
2011-07-23, 07:04 PM
لا تغضب (http://ramadaniat.ws/view/455)


شهر رمضان شهر مبارك تضاعف فيه الحسنات، وتمحى السيئات, وتعتق فيه الرقاب، من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه كما ثبت ذلك في الصحيح1, والصيام شأنه عظيم عند الله - تعالى - فكما ثبت الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم, والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك, للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه))2.

ومن أبرز خصائص وأسماء شهر رمضان أنه شهر الصبر كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((صوم شهر الصبر وثلاث أيام من كل شهر؛ صوم الدهر))3، والصبر يعني التحمُّل وعدم الإسراع في الجهالة؛ وقد بـيَّن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أهمية الصبر خلال شعيرة الصيام وأمر باجتناب صفة الغضب الذميمة فقال مشيراً إلى ذلك: ((الصيام جُنَّة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم - مرتين -، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله - تعالى - من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها))4، وهذا غاية الأدب وحسن الخلق, فإنه يُذَكِّر نفسه بأنه صائم, ويُذَكِّر المعتدي بأنه صاحب أدب، وأنه إنما امتنع عن الرد على سبه لأنه صائم، إذ السباب والشتم مُذهِبٌ للأجر، وأرشد - صلى الله عليه وسلم - من طلب منه الوصية إلى ذلك كما في الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني؟ قال: ((لا تغضب)), فردد مراراً، قال: ((لا تغضب))5, وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من دعاء: ((اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا)) رواه أحمد6، فإن الغضب إذا اعترى العبد منعه من قول الحق أو قبوله، وقد شدّد السلف الصالح - رضوان الله عليهم - في التحذير من هذا الخلق المشين فها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول: "أول الغضب جنون، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب"7، ويقول عروة بن الزبير - رضي الله عنهما -: "مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم"8، وقال بعضهم لابنه: "يا بني لا يثبت العقل عند الغضب، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم"9، وقال آخر: "ما تكلمت في غضبي قط بما أندم عليه إذا رضيت"10.

والغضب سبب في الظلم والجهل وذلك لأن الإنسان إذا غضب احمرت عيناه ووجهه، وفقد وعيه فلا يعي ما يقول, ولذلك نُهِيَ عنه.

وحمل الجمهور النهي على التحريم كما قال ذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله -11, وقال ابن عبد البر - رحمه الله -: "قوله: فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم ففيه قولان:

أحدهما: أن يقول الذي يريد مشاتمته ومقاتلته إني صائم، وصومي يمنعني من مجاوبتك، لأني أصون صومي عن الخنا والزور، والمعنى في المقاتلة مقاتلته بلسانه، وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))12.

والمعنى الثاني: أن الصائم يقول في نفسه: إني صائم يا نفسي، فلا سبيل إلى شفاء غيظك بالمشاتمة، ولا يعلن بقوله إني صائم لما فيه من الرياء، واطلاع الناس عليه، لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر، وكذلك يجزئ الله الصائم أجره بغير حساب"13.

ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه الكريم كظم الغيض، والعفو عمن صدر منه الجهل قال - تعالى -: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}1 4، فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاث مراتب: الأولى: من يكظم غيظه، ويوقفه عند حده، والثانية: من يعفو عمن أساء إليه، والثالثة: من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه.

وحيث أن رمضان قد هبَّت نسائمه، وفاض عليله؛ فهذه دعوة صادقة منا إلى التحلي بخلق الحلم في هذا الشهر الكريم، والابتعاد عن خلق الغضب فإن الشيطان حريص على أن يفسد عبادة الإنسان.

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يعيننا على الالتزام بالأخلاق الفاضلة, ومجانبة الأخلاق السيئة, والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــ
1 رواه البخاري برقم (37) و(1905)؛ ومسلم برقم (759) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
2 رواه البخاري برقم (1805)، ومسلم برقم (1151).
3 رواه أحمد في المسند برقم (7567)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير أبي كامل؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3718)؛ وفي الجامع الصغير وزيادته برقم (6031).
4 رواه البخاري برقم (1795) واللفظ له؛ ومسلم برقم (1151).
5 رواه البخاري برقم (5765).
6 رواه أحمد في المسند برقم (18351)، وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح؛ والبزار في مسنده برقم (1392)؛ وصححه الألباني في تحقيق الاحتجاج بالقدر (90)؛ وفي تحقيق شرح العقيدة الطحاوية (100).
7 الآداب الشرعية لابن مفلح المقدسي (1/205).
8 مساوئ الأخلاق للخرائطي (1/338) الشاملة وموقع الكتاب على الإنترنت http://www.alsunnah.com.
9 إحياء علوم الدين (3/166).
10 موقع شبكة المنبر: http://www.alminbar.net.
11 فتح الباري لابن حجر (4/104).
12 رواه البخاري برقم (1804).
13 الاستذكار (3/374).
14 سورة آل عمران (134).

(http://ramadaniat.ws/view/455)

صاحب همة
2011-07-23, 07:13 PM
إني صائم ... إني صائمة (http://ramadaniat.ws/view/790)


إني صائم : تلك الكلمة يذَكّر الصائم بها نفسه وغيره فيحفظ بها صيامه وطاعته لربه، فلا يجهل على أحد فضلاً عن أن يتعدى ويظلم...

إني صائم : قد قطعت حظ الشيطان عني بصيامي وضيقت عليه مسالكه وطرقه.

إني صائم : فصومي سداً منيعاً لهوى نفسي وحظوظها وغوايتها فقد تركت ما اعتدت عليه من الحلال من طعام وشراب وغيرهما تقرباً إلى الله وطاعةً له عز وجل فكيف بما هو في الأصل حراماً ؟ فأنا أبعد الناس عنه ؛ لأني صائم.

إني صائم : فأنا ساكن النفس ، مستقر البال ، طيب القلب ، نظيف الصدر ، نشيطاً مبتسماً لا أعبس في وجه أحد ، يظهر أثر صيامي على جوارحي وطريقة كلامي وهدي.

إني صائم : رائحة فمي أطيب عند الله سبحانه من ريح المسك أقسم نبينا صلى الله عليه وسلم على ذلك " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ " فلا أغير تلك الرائحة الزكية بالغيبة والنميمة وغيرها وأصون لساني عن ذلك فضلاً عن أن أسب أو أشتم أو أتوعد فصيامي يحول بيني وبين ذلك.

إني صائم : لا أترك الرد على الإساءة إلا مرضاةً لربي كما أني لا أصوم إلا لأجله سبحانه " يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا".

إني صائم : فصومي وقاية لي عن الشرور والآثام الجسدية والمعنوية ، كذلك وقاية لي عن الفضول وتفاهات الأمور وضياع الوقت في القيل والقال.

إني صائم : فعند فطري أعتاد ما كنت عليه وأنا صائم فأفرح بذلك الفطر ؛ لأني قد أديت فريضة ربي وهي الصوم وبقي ما اعتدت عليه من طاعة وصوم وأداء باقي الفروض والأركان وهذه فرحتها الكبرى عند لقاء ربي.

إني صائم : لأني أعلم قول ربي سبحانه : " إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" (الإسراء: من الآية36) إني صائم : لا أقول ذلك على سبيل الرياء والسمعة أو العُجب وإنما تطبيقاً لأمر نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، ِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" رواه البخاري ومسلم وكذلك المرأة مثل الرجل فهي شقيقته يشملها قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلتقل :

إني صائمة : فلا أشغل نفسي بالقيل والقال أو ذهبت فلانة وأتت فلانة من الأمور التي هي تمهيد أو إفضاء إلى الغيبة والنميمة.

إني صائمة : فأجهز الطعام وأنا أسبح وأؤدي عمل البيت وأنا أقرأ من محفوظي أو أسمع القرآن فطعامي لم ينضجه حرَّ النار إنما أنضجه التسبيح والأذكار.

إني صائمة : فلا أقضي وقتي في المحلات أو الأسواق التجارية لا ليلاً ولا نهاراً فوقت رمضان علي عزيز فأحرص على اغتنامه.

إني صائمة : فأكون مربية لأولادي بالقدوة فعندما يرون تسبيحي وقراءتي وصلاتي يقلدونني وكم من ابن أو بنت رأت أمها ساجدةً فسجدت بجوارها ورددت ما تردد ورفعت يديها بالدعاء كما ترفع.

إني صائمة: فأصون ظاهري بالحجاب والحشمة والوقار كما صنت باطني بالصيام والمعاني العظام.



إن كمال الصيام وتمامه هو كف الجوارح عن الآثام وذلك بستة أمور هي :

1. غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره ، وكفه عن كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل.



2. حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمِراء ، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان.



3. كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه ؛ لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى : " سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ"(المائدة: من الآية42) وقال عز وجل : " لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّو نَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" (المائدة:63) .



4. كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره ، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار ، فلا معنى للصوم ومنه الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام ، فهذا كمن يبني قصراً ويهدم مصراً.



5. أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال ، عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ " رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح.

وكيف يستفاد من الصوم بقهر عدو الله إبليس وتضييق مسالكه وكسر شهوة النفس إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؟! حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر ، ومقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى ، فإذا فرغت المعدة من الفجر أو بعده إلى المغرب حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها ، فغاية الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور ، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلاً فلا ينتفع بصومه. بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش ويستشعر ضعف القوي فيصفو عند ذلك قلبه ويستديم في كل ليلة قدراً من الضعف حتى يخف عليه تهجده وأوراده.



6. أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها فقد روي عن الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال: إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا ، وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون ؛ أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي : كان سرور المقبول يشغله عن اللعب ، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك ، وعن الأحنف بن قيس: أنه قيل له : إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك ، فقال: إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه.

اللهم احفظ علينا ديننا وطاعتك وبلغنا رضوانك وأعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

صاحب همة
2011-07-23, 07:18 PM
الصبر على الأذى (http://ramadaniat.ws/view/1062)


إذا سابك أحد في رمضان فقل: إني صائم.

إذا قاتلك أحد في رمضان فقل: إني صائم

نعم .. لن أحمل السلاح لأنني في موسم الصلاح، وميدان النجاح، وفي محراب حي على الفلاح


اغسل بنهر الدمع آثار الهوى تنسى الذي قد مرَّ من أحزان


اصبر على أذى الناس، وأتحمل إساءة الآخرين، وأتأسى بنبيي - صلى الله عليه وسلم -، وأقول لمن أساء واعتدى، وآذى وسب وشتم: إني صائم.

إني صائم .. قد قطعت حظ الشيطان عني بصيامي، وضيقت عليه مسالكه وطرقه.

إني صائم: كلمة يذَكّر الصائم بها نفسه وغيره فيحفظ بها صيامه وطاعته لربه، فلا يجهل على أحد فضلاً عن أن يتعدى ويظلم.

إني صائم: فصومي سد منيع لهوى نفسي، وحظوظها وغوايتها، فقد تركت ما اعتدت عليه من الحلال من طعام وشراب وغيرهما تقرباً إلى الله، وطاعةً له - عز وجل -؛ فكيف بما هو في الأصل حرام؟ سأكون أبعد الناس عنه؛ لأني صائم.

إني صائم: فأنا ساكن النفس، مستقر البال، طيب القلب، نظيف الصدر، نشيط مبتسم لا أعبس في وجه أحد، يظهر أثر صيامي على جوارحي وطريقة كلامي.

إني صائم: رائحة فمي أطيب عند الله من ريح المسك.

إني صائم: فأترك الرد على الإساءة مرضاةً لربي، كما أني أصوم لأجله - سبحانه - مصدقاً قول نبيي - صلى الله عليه وسلم -: ((يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا))1، فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصوم لأجل كونه من الصبر قال - تعالى - في الحديث القدسي: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))2، وقد وعد الله الصابرين بأنه معهم، وجمع للصابرين أموراً لم يجمعها لغيرهم فقال: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}3 ، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر))4، وقال الحسن: "الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله - عز وجل - إلا لعبد كريم عنده".

والصبر ثلاثة أقسام:

1- الصبر على الطاعات: فالعبد محتاج إلى الصبر على الطاعات لأن النفس بطبعها تنفر من التكليف.

2- الصبر عن المعاصي: وما أحوج العبد إلى ذلك؛ إذ النفس أمارة بالسوء.

3- الصبر على المصائب: وهى كثيرة كموت الأحبة، وهلاك الأموال، وزوال الصحة وغيرها، ومن أعلى مراتب هذا الباب الصبر على أذى الناس لا سيما في شهر رمضان قال - تعالى -: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}5، وقال لنبيه: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}6، ويكفيك في هذا ما جاء عن سيد البشر إذ يقول: ((ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم - حتى الشوكة يشاكها -؛ إلا كفّر بها من خطاياه))7، فأنت على خير في مجموع حالاتك أيها المسلم، لا سيما إذا استشعرت أنك متأسي بنبيك - صلى الله عليه وسلم - حينما أوذي فصبر، وشُتم فصبر، وسُب فصبر، سحبوه فصبر، أخرجوه فصبر، سجنوه فصبر، طردوه فصبر ممتثلاً قول الله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}8، وقول الله: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}9، وعلى هذا المنهاج سار صحابته - رضي الله عنهم - ثم التابعين لاسيما في شهر الصوم والذكر، فقد جاء رجل إلى زين العابدين فقال له: يا زين العابدين فقال: نعم، قال: "ألحيتك أطهر أم ذنب كلبي؟" فقال زين العابدين: "إن دخلت لحيتي الجنة فهي أطهر، وإن دخلت النار فذنب كلبك أطهر"، فانظر أخي الصائم إلى أي درجة بلغ بهم تحمل الأذى، والصبر على الآخرين.

وفقنا الله وإياك لكل خير، ودفع عنا وعنك كل ضير، والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــ
1 رواه البخاري برقم (1771).
2 رواه البخاري برقم (1771).
3 سورة البقرة (157).
4 رواه البخاري برقم (1376).
5 سورة آل عمران (186).
6 سورة الحجر (97).
7 رواه البخاري برقم (5210).
8 سورة يوسف (18).
9 سورة طه (130).

صاحب همة
2011-07-23, 07:27 PM
الإحسان في رمضان (http://ramadaniat.ws/view/1202)


الخطبة الأولى

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:

يوم أو يومين ويهل علينا هلال رمضان نتفيأ في ظلالها الرحمة ونتجلى في أحكام الحكمة، تقبض علينا وعلى قلوبنا سحائب الإيمان، وتشرق وتضيء في نفوسنا أنوار القرآن. تجري بنا مياه المودة والوصل، وتمتد أواصر الإخوة والتكافل، تظهر معالم الوحدة وتتجلى صور النصرة.

خيرٌ عميم وفضل كبير وموسم رحمة وحكمة وربانية. لا تنقضي أسراره ولا تنتهي خيراته فما عسى أن يكون لنا من شهرنا قبل بدئه؟ وما عسى أن يكون من تفكيرنا واستعدادنا قبل أن تبدأ أيام وليالي الإحسان في رمضان؟ شعار أوصي نفسي وإخواني بأن نرفعه ونحن في هذه الأيام القليلة الفاصلة بينها وبين الإحسان الكلمة العظيمة ذات الدلالات الكثيرة، الإحسان ضد القبح والإساءة، الإحسان الذي يشتمل معاني متعددة؛ فإن قلنا إحسان في القصد كان المراد تجريد الإخلاص لله - سبحانه وتعالى -، وإن كنا نقول الإحسان في العمل فنعني الإجادة والإتقان، وإن قلنا الإحسان مع الله يذكرنا وصف النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

فإن قلنا الإحسان في المعاملة فذلك التلطف والإكرام، وإن قلنا الإحسان للغير فذلك بتفقد العون والإنعام وجدنا وستجد أن هذه الكلمة العظيمة وهذا المفهوم الإيماني الإسلامي يشتمل على الخير كما قال المناوي عن الإحسان قال هو: " الإسلام ظاهر بسنده وإيمانه باطن ويكمل إحسان شاهداً فكم في هذا الإحسان لمعناه الواسع من دلالات عظيمة.. لماذا نرفع شعار الإحسان في رمضان؟ لأن رمضان موسم إحسان من الغني الكريم جل وعلى والله - سبحانه وتعالى - يقول: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}.

إحسان الله - سبحانه وتعالى - علينا لا ينقضي لا يختص بزمان دون زمان ولا يحال دون إحسان وتحلي لنا من إكرامه ما قد تكون قلوبنا عقلت عن وعقولنا خلت عن استحضار دلالاته وها نحن نعرف أن الله - سبحانه وتعالى - قد دعانا وأمرنا بهذا الإحسان لقوله - تعالى -: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، {وأحسن كما أحسن الله إليك}.

نذكر هذا الإحسان الرباني الإلهي العظيم كيف خلقك وسواك وعدلك؟ كيف هداك إلى الإيمان وأعزك بالإسلام وشرفك بطاعة الرحمة؟ كيف هو في شهر رمضان يمحو بكرمه وفضله وجوده ما سلف من الخطايا والذنوب والآثام؟ كيف هو - سبحانه وتعالى - في شهر رمضان يحسن إلى عباده بفتح أبواب الجنان وإغلاق أبواب النيران وتعقيد الشياطين ومردة الجان؟ أليس ذلك كله من فيض إحسان الذي لا ينتهي إلى حد، ولا يحيط به وصف، ولا يمكن أن يفي حقه وحق شكره أحد! أفليس جديراً بنا ونحن نقبل على الموسم العظيم من مواسم إحسان الرب الكريم أن نرفع هذا الشعار شعار الإحسان في رمضان وهو الأمر الذي دعينا إليه في كل أحوالنا حتى فالأحوال المعتادة لقوله - تعالى -: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}.

بل وفي الأحوال الغير معتادة لقوله - عز وجل -: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} وإلى حديث أوس بن شداد عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول لنا هذا القول العظيم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته).

هل رأيتم ديناً فيه عن الإحسان مثل هذا الدين العظيم؟ وهل رأيتم إرشاداً فيه من البلاغة والوجازة مثل هذا القول من الرسول الكريم؟ إحسان في كل شيء حتى عن القتل الجائز للانتفاع!

ينبغي أن يكون هناك إحسان.. فأين إحسان قولنا؟ وأين إحسان معاملتنا؟ وأين إحساننا على أو إلى من أخطاء علينا؟

الإحسان في شهر رمضان.. أي شيء نعنيه؟ وأي شيء نقصده عندما نرفع هذا الشعار؟ ولعلي أكرر هنا وأزيد: ارفع هذا الشعار؛ فإنك إن رفضته وكتبته وعلقته وأشعته وطلبت الآخرين أن يذكروك به، وأن يحاسبوك عليه أوشك أن يكون هذا الشهر الكريم بإذن المولى العظيم - سبحانه وتعالى - أعظم شهر يمر بك وأكبر موسم من الخير تحصل فيه المقاصد لأن الله - سبحانه وتعالى - قال: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}. وبيّن الله - سبحانه وتعالى - أثر ذلك وفضله في كتابه الكريم.

أولاً: تجريد الإخلاص لله - سبحانه وتعالى -

وهو لب هذه العبادة وسرها الذي جعل لها بها الخصيصة العظيمة: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.. يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) خالصاً من قلبه لا يقصد من الناس ثناء، ولا يعرف عن صحة أو حدق صومه أحد من الخلق فهو العبادة باستحضار القلب فيها وبتدبر العقل في معانيها وبتطلع وتشوق القلب إلى لذتها وحلاوتها (أرحنا بها يا بلال) فذلكم كان يجد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - راحة نفسه، وأنس قلبه، ولذة روحه، وراحة بدنه في عبادة ربه.. لماذا يوم أخلص فيها لله يوم وجد فيها ضمأ نفسه وفيض روحه وقلبه، وجد فيها أنها التي تفيض السكينة في قلبه، والطمأنينة في نفسه، والخير والبركة في وقته، والصلاح والهدى في ذريته، والبركة والعمار في وقته، والمضاعفة والجزاء لعمله.. ذلكم ما ينبغي أن لا يفوتنا إحساناً في وجوه أخرى كثيرة اجعل الإحسان في شهر رمضان هو الشعار الذي يدعوك إلى الإتقان في كل عمل وإتقان الصلاة تبكيراً إليها واستعداد بالطهارة التامة قبلها وتفريغ للقلب والنفس عن مشاغل الدنيا قبل الدخول فيها وترطيب للسان بذكر والتلاوة قبلها واستحضار للقلب والخشوع فيها اجعل الإحسان في شهر رمضان أن تصف الأقدام طاعة للرحمن وأن تمرغ الجبهة سجوداً وخضوعاً لديان وأن تجعل لسانك رطباً بذكر الله وتلاوة القرآن الإحسان في رمضان في كل عمل تؤديه لأننا نجد صور كثيرة من عدم الإحسان فذاك تراه وقد ارتسمت على وجه بوادر وعلائم من الهم والغم وثقل الصوم على قلبه ونفسه فكأنما أكره على العبادة إكراها يخشى معه أن لا تخلص إلى قلبه ونفسه آثار العبادة وخيرها وبرها ويخشى أن لا يكتب له كمال أجرها وثوابها وذاك أنت تراه وهو لا يكاد لا يؤدي عمل من الأعمال على وجه يصح به في الشرع فضلاً عن أن يتقنه ويحسنه ويكمله.

ثم انظر أيضاً إلى الإحسان في القول وما أدراك ما إحسان القول! ونحن نعرف ضبط الصيام وإكماله في حكمة تشريعه وآداب وهدي وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط؛ فإن سابه أحد أو شتمه فليقل: إني صائم) (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) أين إحسان القول باللسان؟ أين ترطيبه بذكر وتلاوة القرآن؟ أين انطاقه بالهداية والموعظة والإرشاد والتوعية؟ أين إحسان في تأليف القلوب والكلمات التي تدخل السرور على النفوس؟ أين نحن من إحسان القول؟ نحن نرى المعارك والصراخ والشتم وكثيراً من هذه الصور تعظم في نهار رمضان حتى أكثر من ليلة ولأي شيء لأسباب تافه من زحام على طعام أو اختلاف في رأي، أو على ذلك لم تخلص العبادة إلى القلب وإلى الفكر، لم يكن شعار الإحسان حاضراً في رمضان فيفوت كثيراً من الخير، ويبعد عن الإنسان والإحسان من بعد في صلة الرحم ووصل الود ومد الجسور ورأب الصدع وإعادة مياه الوصل إلى مجاريها، إحسان فيه المبادرة والمبادأة وليس الانتظار والمراقبة، وهذا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - شاهد على ذلك عندما جاء الرجل يقول: إن لي رحم أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي! فأجاب المصطفى - عليه الصلاة والسلام -: (إن كان كما تقول فكأنما تسفهم ولا يزال عليهم من الله برهان)

أين هذا أيضاً ونحن نعلم الوصية القرآنية الإحسان مقترن بتوحيد الرحمن لقوله - تعالى -: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً}.

وفي الآيات الأخرى ما يدل وينص على ذوي القربى واليتامى والمساكين اتباعاً وإلحاقاً في الإحسان مع الإحسان بالوالدين، لماذا لا نجعل شعار الإحسان يزيد كل شحناء وبغضاء ويردم كل فجوة وجفوة ويعيدنا إلى صورة المحبة التي منَّ الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أمة الإسلام لقوله - عز وجل -: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} أليست قلوبنا قد كررتها كثيراً بين أسباب الغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء؟ ألسنا نعلم أن هذه الأمور من موانع الرحمة ومن حواجب المغفرة التي أخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ارفع شعار الإحسان في رمضان، ارفع شعار الإحسان في جانب آخر مهم..

ثانياً: جانب الإحسان في اغتنام الأوقات

وما أدراك ما عظمة وأهمية الأوقات في رمضان! أما نهاره فكل دقيقة من دقائقه وثانية من ثوانيه عبادة؛ لأنك فيها صائم فكيف تضيع مثل هذه الغنيمة بأمور تنقضها أو تعارضها أو تبدد أثرها أو تزيل من نفسك ومن قلبك استحضار عظمتها وخيرها، وأما ليله فالأصل فيه أنه فرح بنعمة الله بالإفطار ولتلجأ لله - سبحانه وتعالى - بالدعاء والشكر له - جل وعلا - بالقيام فما بال سقف الأسواق يعلو ضجيجه على تلاوة القرآن في المحاريب! وما بالنا نسيء ولا نحسن فنجعل من هذا الشهر في ليلة أعظم ما تكون الغفلة وأجلّ ما يكون الانتقال بالدنيا! وأكبر ما تكون فيه أسباب التعرض للشهوات والفتنة والاختلاط ونحو ذلك!

كم هو الوقت العظيم الطويل الذي يقضى في صلاة العشاء والتراويح هل هو خمس ساعات أو ثلاث ساعات أو أكثر من ذلك.. إن من أذان العشاء وإلى نهاية الصلاة لا يتجاوز ساعة واحدة! هل ستخرب الدنيا أو سيضيع كل الربح إذا لم تفتح هذه المتاجر بعد الصلاة؟ ما الذي سيضيع من الخير الدنيوي أو الثواب والأجر المالي الذي يترقبه أولئك الذين يفتحون متاجرهم قبل أن تنتهي هذه الصلاة التي لا يؤديها غالب الناس إلا في رمضان فإذا لم يؤديها في رمضان لم يكن منها حريص طوال العام! تضيق على نفسك بنصف ساعة لا تستطيع أن تفاضل فيها بين طاعة الرحمن وأجر الآخرة وبين حظ الدنيا! ولهو وعبث ما يكون في الأسواق لست أدري لماذا في كل عام وفي كل مرة وفي كل خطبة وفي كل موسم ورمضان يذكر هذا ولا شيء يتغير أو يتحرك في واقع الناس.. لماذا؟! لأن النفوس مازالت ليس فيها من الإيمان وترجيح أمر الآخرة على الدنيا ما يدفعها إلى هذا التغيير؛ لأن ليس فيها من التعلق بثواب الله ومرضاته ما يرجح بدريهمات وريالات قليلات في دقائق معدودات هي أقل أن تحب بساعات وإنما هي بدقائق، ومع ذلك ندعي أننا نستعد لشهر رمضان استعداد معاكس ومضاد، ولذلك أقول من شعار الإحسان في رمضان أن لا نفوت شيء من طاعاته ونوافله ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً والإحسان في اغتنام الأوقات يعارض ما يقع من الناس من هدرٍ وتبذيرٍ وتضييع للأوقات في صورتين اثنين إحداهما ترد على الأخرى وتعود إليها بليل في غير منفعة بل ربما كثيراً من الأحوال على معصية يقابل نوم بنهار وغفلة وعدم حضور القلب ولا ترطيب اللسان بالذكر ولا مبادرة للطاعة في المساجد بأداء الصلوات، ويكون رمضان أسوأ عند بعض الناس حالاً فهو شهر الإساءة عندهم الإحسان لأنه لماذا تكون هذه الإساءة أعظم لأنها في موسم خير فتحت فيه الأبواب فيه فرص تكفير الذنوب ومازال البعض يزيد من هذه الذنوب ويملأ جرابه منها ويضاعف رصيده فيها فكيف لا يكون هذه إساءة بل هي أعظم الإساءات اغتنام الأوقات من بعد ذلك يتعارض مع الطوابير الطويل والأوقات الجليلة الفضيلة فيما بعض العصر وقبل الغروب في أي شيء لشراء الخبز والطعام ونحن نعلم أن رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - كان يمر عليه الهلالين والثلاثة لا يوقد في بينه نار.. ما طعامكم يا أم المؤمنين؟ قالت: " الأسودان التمر والماء " هل سينقص أجرك إن لم تأخذ هذا النوع من الطعام؟ هل سيقل ثوابك إن لم تشتري هذا الصنف أو ذلك؟ ما بال العقول تسخف حتى تعادل أجر هذه الأوقات الفضيل التي ينبغي أن يكون فيها العقل والقلب حاضراً، واللسان ذاكراً، والأيدي مرتفعة بدعاء ونحن ننشغل بمثل هذه الأمور؟! ولماذا نصنع مثل هذه الأمور التي لا تغير لها إلا أن الناس انحرفوا في مجمل قائمتهم وكثيرٍ عن أحوالهم عن الإحسان الذي ينبغي أن يجتهدوا في تحصيله..

والإحسان في الوقت يشتمل على أكثر من ذلك، ويشتمل على صور كثيرة عظيمة ينبغي لنا أن ننتبه لها وأن نحرص عليها.

والإحسان بعد ذلك أيضاً..

ثالثاً: الإحسان فيما نعين به المحتاجين والفقراء والمرضى وغيرهم من ذوي الحاجات

والله جل وعلى يقول: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه}.

ويخاطبنا - سبحانه وتعالى - خطاب الذين تشرفت نفوسهم بأنوار الإيمان، الذين إذا دعوا بدعوة الإيمان والإحسان طارت إليها قلوبهم، وعفت إليها أرواحهم، وخفت إليها أبدانهم، وبذلت لغير تحقيقها أموالهم لقوله - تعالى -: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.

ثم الرسول يخبرنا بأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وتخبرنا حالته وهديه وسيرته كيف كان يختار الأطيب والأحسن والأمثل مما عنده فيجعله هو الذي ينُفق لماذا؟ لأنه إنما يبذله لربه وإنما يقدمه لمولاه ليس هو لذلك الفقير وإنما هو لله فلن تختار الردي أو الأسوأ لتقدمه لربك ومولاك! إحسان يقتضي منا أن نجتهد في أداء الفريضة من الزكاة، وفي المنافسة فيما فوق الفريضة من الصدقات، وفي مجاهدة النفس بإخراج الأحسن الأقرب إليها.. وفي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عن أفضل الصدقة قال: (أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر) وليس إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا! وقد كان لك أن تتصدق في حال صحتك وقوتك والأمل الممتد من نفسك لمزيد من الدنيا فأنت حينئذ تجاهد نفسك، وأنت حينئذ تغالبها وتؤثر الآخرة على الدنيا، وتقدم الأحسن فيما تتقرب به إلى الله - سبحانه وتعالى - كما فعل أسلافنا رضوان الله عليهم: (ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر) قال: " أبقيت لهم الله ورسوله " ويوم جاء أبو الدحداح بعد أن سمع الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال: " يا رسول الله إن بيرحاء - بستان عظيم كبير كثيرا النخل - أحب أموالي إلي وإني خرجت منها لله - عز وجل - " تلك هي المسابقة.. ذلكم هو الإحسان إذا رفعناه شعاراً استطعنا أن نهيئ النفوس والقلوب والأحوال والأوضاع كلها لنكون في هذا الشهر على ما يحب ويرضى.. نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يبلغنا وإياكم شهر رمضان، وأن يجعلنا فيه من أهل الإيمان والإسلام والإحسان، وأن يوفقنا فيه لصالح الأعمال، وأن يمن علينا بالمغفرة والقبول والرضوان.



الخطبة الثانية:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن رمضان موسم التقوى الأعظم لقوله - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}

والإحسان الذي نذكر به أيها الإخوة واسع لا يتسع مقامنا هذا لذكر صوره.. أحسن إلى زوجتك، أحسن إلى أبنائك، أحسن إلى جيرانك وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (أحسن جوارك تكن مسلماً) فهو دليل إسلام، وعلامة إيمان. أحسن إلى نفسك بأن لا تضيع وقتك.. وصور الإحسان كثيرة.

وأريد أن أؤكد على رفع الشعار؛ فإن الإنسان إذا ذكّر نفسه بأمر وإذا جعل نصب عينيه وإذا تعاهد به مع فئة من الناس فذلك يكون محفزاً لالتزامه والعمل به.. اكتبوا هذا الشعار علقوه في بيوتكم، اجعلوه على أبواب متاجركم، وليذكّر به المدرسون أبنائهم الطلاب، ولينشر في الصحف وفي وسائل الإعلام التي في غالب أحوالها هي رمز الإساءة في رمضان؛ فرغم أن التقوى شعار رمضان نرى في كثير من الوسائل الإعلامية الفسق والفجور المناقضة لتقوى لله - عز وجل -! وإذا كان رمضان شهر التشمير في الطاعات فهي باب واسع وغير ذلك كثير من صور الإساءة أحياناً تواجهنا في بيئتنا القريبة!

فليكن هذا الشعار شعاراً حقيقياً أحسب أننا به سننال من الخير كثيراً، وليقل كل منا لنفسه " رمضان في هذا لعام مختلف.. رمضان في هذا العام شعاره الإحسان " نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يعيننا على ذلك، ونسأله - جل وعلا - أن يوفقنا للخيرات وأن يفيض علينا البركات، وأن يضاعف لنا الحسنات، وأن يمحوا عنا السيئات..نسأله - سبحانه وتعالى - أن يوفقنا لما نحبه ويرضى، وأن يصرف عنا ما لا يحب ويرضى، وأن يبلغنا في مرضاته آمالنا، وأن يختم بصالحات آجالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

صاحب همة
2011-07-23, 07:28 PM
ولكنه صيام قلب (http://ramadaniat.ws/view/1204)


ما أجمل رمضان حينما نستجيب للرحمن في ترك المفطرات ابتغاء مرضات الله، وامتثالاً لأمر ه، ولكن يا ترى أليس هناك إمساك آخر، وصيام آخر؟.

يا ترى ألا يوجد هناك في الإسلام صيام غير الصيام عن المفطرات؟.

الجواب: بلى والله، إن هناك إمساك وصيام يتعلق بالقلوب والسرائر، نعم، إنه صيام القلب وإمساكه عن المحرمات والآثام التي نهانا الله عنها.

إنه صيام القلب عن الحقد والغل والغش والبغضاء، فهنيئاً لقلب صائم عن هذه الأخلاق الذميمة، ويا فوز ذلك القلب الذي امتلأ بحب الرحمن والإنابة إليه ودوام التعلق به والرغبة والفرار إليه.

إن من العجيب والله أن نجاهد أنفسنا عن الإمساك عن الطعام والشراب ونغفل عن الإمساك عن ذنوب القلب وشهواته المحرمة.


ألم تعلم بأن الذي يرانا لو أفطرنا في نهار رمضان هو الذي يرى ويعلم ما في قلوبنا {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } [الأحزاب: 51].

فيا من صام عن الطعام ليصم قلبك عن كل سوء، ولتطهر روحك ولتسمو بنفسك عن كل عيب؛ لعل الله أن يغفر ذنبك ويستر عيبك ويرفع ذكرك.

صاحب همة
2011-07-23, 07:32 PM
من صيام الرسوم إلى صيام الحقائق (http://ramadaniat.ws/view/1206)


الشعائر التعبدية تحقق لمن يقوم بها عدة معان، لا بد من إدراكها ومراعاتها حتى تؤتي الشعيرة أكلها، وتحقق الغاية التي من أجلها شرعت، وهي تقوى الله - تعالى -، {لعلكم تتقون}، التي بدورها ترقي العبد إلى رضوان الله والفوز بجناته ونعيمه.



ويأتي في مقدمة هذه المعاني أنها: ليست قيوداً ولا أثقالاً عند من عرف حقيقتها واغترف من معينها وتذوق من مشاربها، بل هي انعتاق من قيود الشهوات والأهواء والعوائد، المباحة منها والمحرمة، فينال العبد حريته الكاملة بفضل عبوديته لله - تعالى -، كأنه يقول بلسان حاله: أنا عبد الله وحده، لا عبد نزوة ولا عادة ولا هوى، فليس هو عبد دينار ولا درهم ولا قطيفة ولا خميصة، يقيد نفسه بأحوالها، إن أقبلت فرح، وإن أدبرت جزع وفزع، بل إن أقبلت شكر، وإن أدبرت صبر، وربما لحظ من خلالها ملامح التهذيب والتأديب والامتحان ليكون على الطريق سالكاً، وبالحق متمسكاً.



هذا ما ينبغي أن نبحث عنه في شعيرة الصيام، التي هي بالمعنى الفقهي المدرسي: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر الصادق إلى مغيب الشمس، فمن فعل ذلك ملتزماً بأركانه وواجباته مجتنباً مفسداته ومحظوراته فقد صام الفرض وسقط عنه الواجب وليس عليه قضاء، ولكن..



ولكن هل استفاد من صيامه تلك المعاني التي ذكرناها؟ هل لحظ في صيامه أنه ليس مجرد حرمان للنفس من شهواتها ولذائذها؟ أم أن ذلك وسيلة لغاية أكبر، وهدف أسمى، لا يتحقق إلا بالصوم، إنه ليس مجرد حرمان من حظوظ النفس من الطعام والشراب والشهوة، بل هو دُربة لها لكي تمحِّض العبودية لله - تعالى -، فتلين عريكتها ويسهل قيادها لأحكام الشرع وتوجيهاته..إنه يجعل من متع الدنيا وطيباتها وسائل للعيش الكريم لا غاية في نفسها يجهد نفسه للحصول عليها، فتكون نهاية مطلوبه وغاية مرغوبه، فيتعس بذلك وينتكس وإذا شيك فلا ينتقش.. بل غايته أسمى وأعلى، وفي سبيلها يهون كل شيء، الغالي والنفيس، والمهج والنفوس ((إذا لم يكن بك علي غضب فلا أبالي)).

إن المؤمن بصيامه يتعلم كيف يثق في أحكام الله وموعود الله، وإن خالف ذلك لذائذ الحياة وشهواتها، بل سيصل إلى لذة أخرى هي أعمق وأدوم وبعيدة عن المضار الجانبية، والمآلات غير المحمودة، هي لذة الانقياد لشرع الله، والأنس بطاعته.. ((حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة))، ((أرحنا بها يا بلال)).

ما سبق من المعاني يؤكده ما جاء في الهدي النبوي: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))، وقيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلانة تصوم النهار وتقوم الليل ـ وهي عبادة تطوع ـ إلا أنها تؤذي جيرانها! "، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((هي في النار))... وقيل: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.

هذه أحوال من لم يدرك الغاية من الصوم، ووقف عند الرسوم والظواهر، ولم يتعداها إلى الحقائق والجواهر.. فينقلب الصوم لديه إلى عادة، بل إلى عادة ثقيلة، يتعجل رحيلها، ويسعى للتفلت منها، والتشاغل عنها، لهذا تجده يقطع نهاره نوماً وتناوماً، وليله لاهياً عابثاً.. ثم يشارك أهل العيد فرحتهم، لكن فرحة من نوع آخر، فرحة من أفلح في التخلص من الحبس، وانعتق من القيد، ويأمل ألا يعود..



فالله نسأل أن يجعل صيامنا على الوجه المقبول، وأن نفيد منه إخلاصاً وتطهيراً وارتقاء وتزكية. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

صاحب همة
2011-07-23, 07:42 PM
والكاظمين الغيظ (http://ramadaniat.ws/view/1261)


وصف الله - تبارك وتعالى - المتقين الذين يستحقون الجنة في قوله - تعالى -: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}1 ؛ فجعل من صفاتهم أنهم يكظمون الغيظ، ويعفون عمن ظلمهم قال العلامة الشنقيطي - رحمه الله تعالى -: "وقد دلت هذه الآية على أن كظم الغيط، والعفو عن الناس؛ من صفات أهل الجنة، وكفى بذلك حثاً على ذلك، ودلَّت أيضاً: على أن ذلك من الإحسان الذي يحب الله المتصفين به"2، وقال الإمام الطبري - رحمه الله - في قوله: {وَالْكَاظِمِين الْغَيْظَ} يعني: والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، يقال منه: "كظم فلان غيظه" إذا تجرعه، فحفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه باستمكانها ممن غاظها، وانتصارها ممن ظلمها، وأصل ذلك من كظم القربة، يقال منه: "كظمت القربة" إذا ملأتها ماء، و"فلان كظيم ومكظوم" إذا كان ممتلئاً غماً وحزناً؛ ومنه قول الله - عز وجل -: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}3 يعني: ممتلئ من الحزن، ومنه قيل لمجاري المياه: "الكظائم" لامتلائها بالماء؛ ومنه قيل: "أخذت بكظمه" يعني: بمجاري نفسه"4؛ وقال قتادة - رحمه الله -5: "قوم أنفقوا في العسر واليسر، والجهد والرخاء، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل، ولا قوة إلا بالله، فنعمت والله يا ابن آدم الجرعة تجترعها من صبر وأنت مغيظ وأنت مظلوم"6، وقال القطان : "أي: الذين يمسكون أنفسهم عن الانتقام مع القدرة عليه؛ ثم أردف - تعالى - بمزية عظيمة أخرى وهي قوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} أي: الذين يتجاوزون عن ذنوب الناس، ويتركون مؤاخذتهم مع القدرة على ذلك, وتلك منزلة من ضبط النفس، وملك زمامها؛ قلَّ من يصل إليها, وهي أرقى من كظم الغيظ، إذ ربما كظم المرء غيظه على الحقد والضغينة فالله - سبحانه وتعالى - يريدنا أن نكظم غيظنا، ونعفو عن الناس، وننسى إساءتهم"7.

أخي الكريم: ونحن في شهر الجود والإحسان شهر رمضان المبارك ينبغي على من ابتلي بمن يجهل عليه؛ أن يعفو ويصفح, ويكظم غيظه؛ لينال بذلك الأجر العظيم من الله - تبارك وتعالى -؛ مستشعراً في ذلك ما أمره الله ورسوله به، وليكن له في سلفنا الصالح الأسوة والقدوة فقد ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله - عن ميمون بن مهران - رحمه الله -: "أن جاريته جاءت ذات يوم بصحفة فيها مرقة حارة، وعنده أضياف، فعثرت، فصبت المرقة عليه، فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية: يا مولاي استعمل قول الله - تعالى -: {وَالْكَاظِمِين الْغَيْظَ}، قال لها: قد فعلت، فقالت: اعمل بما بعده: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، فقال: قد عفوت عنك، فقالت الجارية: {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال ميمون: قد أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله - تعالى -"8.

وإن المتأمل لما ورد في السنة ليجدها ممتلئة بالأحاديث التي تتحدث عن فضل كظم الغيظ ومنها ما ثبت عن سهل بن معاذ عن أبيه - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله - عز وجل - على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيِّره الله من أي الحور العين شاء))9، وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "ما خُيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها"10.

ولعل مشكلاً يقع في الأذهان بما ورد في القرآن من جواز الانتقام ممن اعتدى والمعاقبة بالمثل، مع ما ورد كذلك في فضل كظم الغيظ، والعفو والصفح مما يوهم التعارض والاضطراب؛ وقد فصل القول في ذلك العلامة المفسر الإمام الشنقيطي - رحمه الله تعالى - فقال: "قوله - تعالى -: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}11الآ ة, هذه الآية تدل على طلب الانتقام, وقد أذن الله في الانتقام في آيات كثيرة كقوله - تعالى -: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}12الآية, وكقوله: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ}13الآية, وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}14, وقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}15, وقد جاءت آيات أخر تدل على العفو وترك الانتقام كقوله: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}16, وقوله: {وَالْكَاظِمِين الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}, وقوله: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }17, وقوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}18, وكقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}19 والجواب عن هذا بأمرين:

أحدهما: أن الله بيَّن مشروعية الانتقام ثم أرشد إلى أفضلية العفو, ويدل لهذا قوله - تعالى -: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}2 0, وقوله: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}21, أذن في الانتقام بقوله:{إِلاَّ مَن ظُلِمَ}22, ثم أرشد إلى العفو بقوله: {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}23.

الوجه الثاني: أن الانتقام له موضع يحسن فيه, والعفو له موضع كذلك, وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله, ألا ترى أن من غصبت منه جاريته مثلاً إذا كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور, تنتهك به حرمات الله, فالانتقام في مثل هذه الحالة واجب, وعليه يحمل الأمر{فَاعْتَدُ اْ} الآية, أي كما بدأ الكفار بالقتال فقتالهم واجب, بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه من المسلمين بكلام قبيح, ونحو ذلك؛ فعفوه أحسن وأفضل, وقد قال أبو الطيب المتنبي:


إذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل"24


وقال الألوسي - رحمه الله - في بيان الفرق بين الغضب وكظم الغيظ: "قيل: إن الغضب يتبعه إرادة الانتقام البتة، ولا كذلك الغيظ، وقيل: الغضب ما يظهر على الجوارح والبشرة من غير اختيار، والغيظ ليس كذلك، وقيل: هما متلازمان؛ إلا أن الغضب يصح إسناده إلى الله - تعالى -، والغيظ لا يصح فيه ذلك, والمراد والمتجرعين للغيظ الممسكين عليه عند امتلاء نفوسهم منه؛ فلا ينقمون ممن يدخل الضرر عليهم، ولا يبدون له ما يكره، بل يصبرون على ذلك مع قدرتهم على الإنفاذ والانتقام، وهذا هو الممدوح"25.

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يجعلنا من الكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس, وأن يعيننا على طاعته ورضاه، وأن يجنبنا معصيته, والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــ ـ
1 سورة آل عمران (133-134).
2 أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (27/235).
3 سورة يوسف (84).
4 تفسير الطبري (7/214).
5 سورة آل عمران (133-134).
6 تفسير الطبري (7/215).
7 تفسير القطان (1/222).
8 تفسير القرطبي (4/207).
9 رواه أبو داود في سننه برقم (4777)؛ والترمذي برقم (2021) وقال:حديث حسن غريب، ورواه برقم (2493) وابن ماجة برقم (4136)؛ وأحمد في المسند برقم (15675) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن ؛ وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (3375)؛ وصححه في صحيح الترمذي برقم (2026).
10 رواه البخاري في صحيحه برقم (3367)؛ ومسلم برقم (2327).
11 سورة البقرة (194).
12 سورة الشورى (41-42).
13 سورة الحج (60).
14 سورة الشورى (39).
15 سورة الشورى (40).
16 سورة الحجر (85).
17 سورة الشورى (43).
18 سورة الأعراف (199).
19 سورة الفرقان (63).
20 سورة النحل (126).
21 سورة النساء (148).
22 سورة النساء (148).
23 سورة النساء (149).
24 دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (1/12).
25 تفسير الألوسي (3/218).

صاحب همة
2011-07-23, 07:48 PM
فلا يرفث (http://ramadaniat.ws/view/1263)


نمرُّ عند قراءتنا للقرآن على كثير من الآيات التي تستوجب التأمل والتدبر، ومنها قول الله - تعالى -: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}1، ولعل من أبرز ما ميَّز الله به الإنسان عن غيره من المخلوقات وحسَّنه به؛ قدرته على الكلام.

واللسان في حياتنا له أهمية كبرى، فبه يكون المنطق والبيان، وبه يعبر الإنسان عما يجيش في نفسه، وعن مكنون صدره، وما يفيض به قلبه؛ ولذلك امتن الله - تعالى - علينا به فقال في كتابه الكريم: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}2، ومع كون اللسان كذلك إلا أنه سلاح ذو حدين: إذ به يكون ذكر الله - تبارك وتعالى -، وقراءة القرآن، وبه تكون أيضاً الغيبة والنميمة، والقذف والبهتان - عياذاً بالله -، ويكفي أن نتذكر هنا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم))3.

فهو إذن سبب في دخول الجنة به يكون ذكر الله، وتسبيحه وتهليله، واستغفاره وقراءة القرآن, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغيرها من الطاعات، وقد جاء أعرابي إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال: "يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة", فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أطعم الجائع, واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر, فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير))4، وكان جزاء من اهتم بلسانه، وتنبه من الوقوع في مزالقه؛ أن وَرَدَ في الحديث: ((إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها, وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن أطاب الكلام, وأطعم الطعام, وصلّى بالليل والناس نيام))5، وفي حديث عدي - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة))6.

وكما اللسان سبب في دخول الجنة؛ فإنه من أكبر أبواب النار؛ فقد سُئِلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: ((تقوى الله، وحسن الخلق)), وعن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: ((الفم والفرج))7, وأكًّد النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك في حديث معاذ - رضي الله تعالى عنه - الطويل: "يا رسول الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم))"8.

ومع ما نعيشه في هذا الشهر الكريم من أجواء إيمانية، ونفحات ربانية؛ يزداد التأكيد والتحذير من الغفلة عن خطر اللسان الداهم على الإنسان إن هو نسي أمر الله فيه، ولم يحافظ على لسانه فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))9.

فعلى الإنسان أن يحافظ على صومه بحيث يكون بعيداً عن اللغو والرفث والكلام فيما لا يعنيه، والتعرض لكل ما ينقص الأجر فيه ومن ذلك الغيبة والنميمة, والوقوع في أعراض الناس، فإن كل ذلك من الرفث الذي لا يحبه الله - تعالى - لعباده، ولا يرضاه لهم كما في الحديث: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم))10.

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يوقفنا لصالح الأعمال والأقوال، ويتقبلها منا, وأن يجنبنا معصيته إنه على كل شيء قدير، ونسأله الإخلاص في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــ
1 سورة التين (4).
2 سورة الرحمن (4).
3 رواه البخاري برقم (6113).
4 رواه ابن حبان في صحيحه برقم (374)؛ وبمعناه أخرجه الحاكم في المستدرك برقم (2861)؛ والبخاري في الأدب المفرد برقم (69)؛ وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (3384).
5 رواه ابن حبان في صحيحه برقم (509)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -؛ والحاكم في المستدرك برقم (270) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - وقال: على شرط الشيخين؛ وقال الألباني: صحيح لغيره في صحيح الترغيب والترهيب برقم (681) و(946).
6 رواه البخاري برقم (3400)، و(5677)؛ ورواه مسلم برقم (1016).
7 رواه الترمذي برقم (2004)، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب؛ ورواه ابن ماجة برقم (4246)؛ وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1723)؛ و(2642)؛ وفي السلسلة الصحيحة برقم (977)؛ وصحيح ابن ماجة برقم (3424) وهو من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
8 رواه الترمذي برقم (2616)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح؛ وأحمد في المسند برقم (22069)؛ وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل برقم (413)؛ وفي صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2616)؛ وفي السلسلة الصحيحة برقم (1122)، وقال: صحيح بمجموع طرقه.
9 رواه البخاري برقم (1804)، و(5710).
10 رواه البخاري برقم (1805)؛ ومسلم برقم (1151) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

صاحب همة
2011-07-23, 07:52 PM
من فطَّر صائماً (http://ramadaniat.ws/view/451)


الحمد لله ما حمده الذاكرون الأبرار، والصلاة والسلام على النبي المختار، وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد:

فمن لطف الله - سبحانه وتعالى -، وعظيم نواله؛ أن جعل أبواب الخير في رمضان مشرعة، وأغدقه بأعمال من البر مترعة، ألا وإن من جملة تلك العبادات التي حثَّ الشارع عباده عليها: "تفطير الصائمين"، الذي ارتبط فضله وأجره بمنزلة الصوم، ومكانة الصائمين عند الله - عز وجل -، ولذا كان الجزاء على تفطيرهم عظيماً يتناسب مع منزلة الصوم، ومكانة الصائمين فقد ثبت عن زيد بن خالدٍ الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيء))1 قال العلامة المناوي: "((من فطَّر صائماً)) بعشائه، وكذا بنحو تمر، فإن لم يتيسر فماء ((كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء))...، ثم يتابع فيقول: فقد حاز الغني الشاكر أجر صيامه هو أو مثل أجر الفقير الذي فطره، ففيه دلالة على تفضيل غني شاكر على فقير صابر2، وقال شيخ الإسلام: والمراد بتفطيره أن يشبعه3.

وفي الحديث من الفقه أن كل من أعان مؤمناً على عمل بر فللمعين عليه أجرٌ مثل العامل، وإذا أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن من جهَّز غازياً فقد غزا؛ فكذلك من فطَّر صائماً، أو قوَّاه على صومه، وكذلك من أعان حاجَّاً أو معتمراً بما يتقوى به على حجه، أو عمرته حتى يأتي ذلك على تمامه؛ فله مثل أجره"4.

حرص السلف على تفطير الصائمين:

- كان عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاء سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقى في الجفنة، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.

- وهذا الحسن البصري يطعم إخوانه وهو صائم تطوعاً، ويجلس يروحهم وهم يأكلون.

- وأُثِرَ عن حماد بن أبي سليمان أنه كان يفطر كل ليلة في شهر رمضان خمسين إنساناً، فإذا كان ليلة الفطر كساهم ثوباً ثوباً.

- وقال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد؛ ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس، وأكل الناس معه.

- واشتهى بعض الصالحين من السلف طعاماً وكان صائماً، فوضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلاً يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه، وبات طاوي5.

فضائل أخرى:

ومما ينشأ عن عبادة تفطير الصائمين عبادات كثيرة منها:

- التودد والتحبب إلى المُطعَمين فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا))6.

- مجالسة الصالحين، واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك؛ يقول ابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى - معدداً فضائل الجود في رمضان ومنها: "إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم"7.

ومن البشائر أن تجد هذه السنَّة بفضل الله ما زالت قائمة، يتسابق إليها الناس، وينشأ عليها الجيل بعد الجيل، فلله الحمد أولاً وأخراً.

فيا أخي: أبذل القليل من مالك تغنم الكثير منتهى مآلك، وأسعد صائماً بفطرك تنعم بها يوم نشرك، فبادر ولا تنس فبين يديك شهر الجود والإحسان، سدَّد الله خطاك للمغنم، وعظيم الغفران.

وصلى الله وبارك على نبيه وآله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــ
1 رواه الترمذي برقم (807)، وابن ماجه برقم (1446)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (11360).
2 فيض القدير (6/187).
3 الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/376).
4 شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/51).
5 اختيار الأولى في شرح حديث اختصار الملأ الأعلى.
6 رواه أبو داود برقم (5195)، والترمذي برقم (2510)، وابن ماجه برقم (68)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (5673).
7 شذى الريحان في روائع رمضان (183).

صاحب همة
2011-07-23, 07:56 PM
الدال على الخير كفاعله (http://ramadaniat.ws/view/1145)


من بديع روح الشريعة، وحسن جوهرها؛ أن جعلت من يدل على عمل من أعمال البر بمثابة الفاعل له، حيث ثبت من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أبدع بي فاحملني، فقال: ((ما عندي))، فقال رجل: يا رسول الله أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))1 قال الإمام النووي - رحمه الله - في شرحه على هذا الحديث: "فيه فضيلة الدلالة على الخير، والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله، وفيه فضيلة تعليم العلم، ووظائف العبادات؛ لاسيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم، والمراد بـ((مثل أجر فاعله)) أن له ثواباً بذلك الفعل كما أن لفاعله ثواباً، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء"2.

وقد أمرنا الله - تبارك وتعالى - بالتعاون على البر والتقوى فقال - تعالى -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}3, والإرشاد إلى الخير وفعل المعروف هو من التعاون على البر والتقوى، كما أن الدلالة على الشر أو الإعانة عليه جالبه للوزر فقد جاء في حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة، فحثَّ الناس على الصدقة، فأبطؤوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه, قال: ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرَّة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا، حتى عُرف السرور في وجهه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء))4.

وهذا الشهر الكريم تكون فيه نفوس الناس مقبلة على الخير, عاملة له؛ فنذكر إخواننا من الدعاة إلى الله أن يستغلوا هذه الفرصة في توجيههم وإرشادهم للمسارعة إلى فعل الخيرات؛ مستشعرين ومشعرين بقوله - تعالى -: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}5 .

ومن أهم الأعمال التي ينبغي للدعاة الله أن يقوموا بها تفقد أحوال المحتاجين ومواساتهم, وحث الناس وترغيبهم على الإحسان إليهم, وكذا تفطير الصائمين كما في حديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً))6.

وبالعموم فإن أفعال الخير كثيرة جداً, وعلى كل إنسان أن يعمل جاهداً في طاعة الرحمن، مسارعاً فيها، متخيراً منها ما يستطيعه؛ فإنما هذه الحياة ساعة قريب تمامها {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}7.

نسأل الله - تبارك وتعالى - بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى؛ أن يختم لنا بالحسنى، وأن يعيننا على طاعته ورضاه، وأن يبلَّغنا رمضان، وأن يتقبل منا, ويعفو عنا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــ
1 رواه مسلم برقم (1893).
2 شرح النووي على مسلم (13/39).
3 سورة المائدة (2).
4 رواه مسلم برقم (1017).
5 سورة آل عمران (133).
6 رواه الترمذي برقم (807)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح؛ وابن ماجة برقم (1746)؛ وابن حبان في صحيحه برقم (3429)؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6414)؛ وفي الجامع الصغير وزيادته برقم (11360)؛ وفي صحيح ابن ماجة برقم (1417).
7 سورة البقرة (197).

صاحب همة
2011-07-23, 08:05 PM
انتصاف رمضان والحث على الصدقة (http://ramadaniat.ws/view/1197)


الخطبة الأولى

أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه، إذ بها تشرف النفس، ويثقل الميزان، ويعلو القدر، ويعظم الجاه، ويحصل القرب من الباري جلّ شأنه، فما خاب من اكتنفها، ولا أفلح من جفاها، ولا جَرَم ـ عباد الله ـ فإن العاقبة للتقوى، { فَاتَّقُواْ اللَّهَ يا أُوْلِى الأَلْبَـابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[المائدة: 100].

أيها المسلمون، إنكم في شهر لا يشبهُه شهر، عظيم الأمر، جليل القدر، هو من أشرف أوقات الدهر، فضائله لا تحصى، ومحامده لا تُستقصى، موسمٌ وافرُ الأرباح لمن اتَّجر، مهلكٌ لأرواح من طغى فيه وفجر.


شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ *** من ألف شهر فُضّلت تفضيلا

طوبى لعبدٍ صـح فيه صيامه *** ودعا المهيمن بكـرة وأصيلا

وبليله قـد قام يختـم ورده *** متبتـلاً لإلهـــه تبتيـلا


أيها المسلمون، لقد مضى من رمضان صدره، وانقضى منه شطره، واكتمل منه بدره، فاغتنموا فرصة تمرُّ مرَّ السحاب، ولِجوا قبل أن يُغلق الباب، وبادروا أوقاته مهما أمكنكم، واشكروا الله على أن أخّركم إليه ومكّنكم، واجتهدوا في الطاعة قبل انقضائه، وأسرعوا بالمثاب قبل انتهائه، فساعاته تذهب، وأوقاته تُنهب، وزمانه يُطلب، ويوشك الضيف أن يرتحل، وشهر الصوم أن ينتقل، فأحسنوا فيما بقي، يغفر لكم ما مضى، فإن أسأتم فيما بقي أُخذتم بما مضى وبما بقي.

أيها المسلمون، تنصَّف الشهر وانهدم، وفاز مَن بحبل الله اعتصم، وخاف من زلّة القدم، واغتنم شهر رمضان خير مغتنم، وشقي الغافل العاصي بين الذل والسقم والأمن والندم، ويا ويله يوم تحل على أهل المخالفة الآفات، يوم تنقطع أفئدة أهل التفريط بالزفرات، يوم يُحشر أهل المعاصي والدموع على الوجنات، يقول الرب العلي في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) أخرجه مسلم.

عباد الله، اشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا، فلقد أرسل الله إليكم رسولاً يتلو عليكم آيات ربكم ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، فبقي دينه متلوًا في كتاب الله، غير مُبَدل ولا مُغيّر، ومأثورا فيما صح من سنة رسول الله، وأفاض عليكم المال لتستعينوا به على طاعته، وتتمتعوا به في حدود ما أباحه لكم، فهو قيام دينكم ودنياكم، فاعرفوا حقه، وابذلوه في مستحقه، { وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المزمل: 20].

أيها المسلمون، اعلموا أنّ رمضان هو الشهر الذي يتنافس فيه المتنافسون، ويتسابق الخيرون للتقرب إلى ربهم جل جلاله بأنواع الطاعات والقربات، ما بين صيامٍ وقرآن وقيامٍ ودعاء وتضرعٍ ونفقةٍ وصدقةٍ وتفطيرٍ للصائمين، وغير ذلك من أنواع البر وأصنافه، وإن من أعظم أنواع البر في هذا الشهر المبارك التقرب إلى الله عز وجل بإخراج المال طيبةً به نفوسنا، كريمةً به أيدينا، نرجو ثوابه عند الله عز وجل، وقد علمنا يقينًا أن هذه النفقة سببٌ لدخول الجنة، { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } [الذاريات: 15ـ 19]، وهذه النفقة كذلك سببٌ في دخولك ـ يا عبد الله ـ في زمرة المتقين، { ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [البقرة: 2، 3]، كما أنّ هذه النفقة سببٌ لمضاعفة الحسنات، { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [البقرة: 245].

هذه النفقة ـ أيها المسلمون ـ هي سبيل الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين، الذين كانوا يجودون بما آتاهم الله من فضله، يبتغون ما عند الله من ثوابٍ وأجر، قال أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: ما سُئل رسول الله على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، وقد جاءه رجلٌ فسأله فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع الرجل إلى قومه يقول لهم: أسلموا؛ جئتكم من عند خير الناس، إنَّ محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدًا. كان لا يُسأل عن شيءٍ قطّ فيقول: لا، ربما خلع قميصه الذي يلبسه فوهبه لمن سأله إياه، ولربما وهب قميصه لمن طلبه ليكفِّن فيه أباه، ما كان يُسأل شيئًا قط فيقول: لا.

وقد اقتدى به أصحابه رضوان الله عليهم، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعانا رسول الله إلى الصدقة، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا قطّ، فجئت بنصف مالي إلى رسول الله، فقال ليَ: ((وما تركت لأهلك يا عمر؟)) قلت: تركت لهم مثله، فجاء أبو بكرٍ رضي الله عنه بماله كله، فقال له: ((وما تركت لأهلك؟)) قال: تركت لهم اللهَ ورسوله.

أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه كان عنده بيرحاء: بستانٌ من أطيب بساتين المدينة وأكثرها ثمرًا، لما نزل قول الله عز وجل: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92] جاء رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، قد أنزل الله ما قد علمتَ، وليس لي مالٌ أطيبَ من هذا البستان، هو لك يا رسول الله، ضعه حيث شئت مما أراك الله أدخره عند الله، فقال: ((بخٍ بخٍ، ذاك مالٌ رابح، اجعله في أهلك وقرابتك))، فجعله أبو طلحة رضي الله عنه في أرحامه وبني عمومته، قسم عليهم ذلك البستان، يرجو ما عند الله من فضلٍ وإحسان.

أيها المسلمون، الصدقة تطفئُ غضب الربِّ كما يطفئُ الماءُ النار، والصدقةُ أجرها مُضاعف وثوابها عظيم، { مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261]، في الصدقة تزكيةٌ للمال، وتطهيرٌ للبدن، ووقايةٌ لمصارع السوء، في الصدقة دفعٌ للبلايا والمصائب والأمراض، كما قال رسول الله: ((داووا مرضاكم بالصدقة، حصنوا أموالكم بالزكاة))، كما أن الصدقة ـ أيها المسلمون عباد الله ـ تنفع العبد يوم القيامة، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، الصدقة ترفع العبد عند الله درجاتٍ، وتخفف عليه الحساب، وتثقل الميزان، وتكون سبب جوازه على الصراط، كما أنّ الصدقة سببٌ لظل العبد في ذلك اليوم العبوس القمطرير في ظل عرش الله عز وجل يوم لا ظلَّ إلا ظله، ذاك الذي تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [البقرة: 271].

أيها المسلمون، { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 268]، قد يقول قائل: أنا لا أملك إلا ما أقتات أنا وأهلي وعيالي، قال رسول الله: ((سبق درهم مائة ألف درهم))، قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: ((رجلٌ عنده درهمان فتصدق بأحدهما، فقد تصدق بنصف ماله، ورجلٌ عنده مالٌ كثير فأخذ من عرضه مائة ألفٍ فأنفقها في سبيل الله)).

رُبَّ عملٍ قليلٍ تُكثِّره النية، قد تتصدق بتمرة فيقيك الله بها حر النار، ((ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشقِّ تمرة))، تمرة تتقرب بها إلى الله عز وجل، ترجو ثوابه وتخاف عقابه، تنفقها في سبيل الله، تطعم بها جائعًا، تهديها إلى مسكين، تدخل بها السرور على مسلمٍ، هيَ عند الله عز وجل بميزانٍ عظيم.

يا أيها الغني، اعلم بأن الصدقة سبب لبركة المال ونمائه، سبب لحصول النعمة وتجددها من الله عز وجل، فما استُجلبتْ نعم الله عز وجل ولا استُدفِعت نقمه بمثل الإحسان إلى عباده.

واعلم ـ أيها الغني ـ أنَّ الصدقة لا تنقص المال، قال رسول الله: ((ثلاثةٌ أقسم عليهنّ، وأحدثكم بحديثٍ فاحفظوه: ما نقصَ مالٌ من صدقة، وما ظُلِم عبدٌ مظلمةً فعفا إلا زاده الله بها عزًا، وما فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)). أنفق ـ أيها الغني ـ ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، واعلم بأنّ الله عز وجل خزائنه ملأى، لا يغيضها عطاء، ويده سحّاء الليل والنهار، وهو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين.

ويا أيها الفقير، يا من قدِر عليك رزقك، اعلم أنّ رسول الله قال: ((من أنفق عدل تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ فإن الله يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فَلْوه ـ أي: كما يربي أحدكم حملاً أو فرسًا أو دابةً في بيته ـ حتى تكون مثل الجبال))، هذه التمرة التي تصدقت بها ترجو بها وجه الله عز وجل، حالك كحال الصالحين الذين قالوا: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا } [الإنسان: 1ـ 9]، هذه التمرة تجدها يوم القيامة حسناتٍ كأمثال الجبال.

فالبدار البدار أيها المسلمون، أدخلوا السرور على أرحامكم وعلى إخوانكم، وأنفقوا من أموالكم، واعلموا أن الله عز وجل يخلف عليكم بخيرٍ مما أنفقتم، { وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ: 39].

أيها المسلمون، اعلموا أنّ إمساك المال والشح به لا يزيده، بل يمحقه ويُذهب بركته، وينزل غضب الربّ على صاحبه، فإنّ الله عز وجل نعى على أقوامٍ فقال: { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [التوبة: 75ـ 77]، وقد ذمَّ الله عز وجل في القرآن من يبخلون بهذا المال، وأثنى على من يوقَ شحَّ نفسه، ووصفه بالفلاح، وبين ربّنا جل جلاله أنّ هذا المال عذابٌ على صاحبه إن لم ينفقه في سبيل الله، ويتقرب به إلى ربه ومولاه: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35].

يا مسلم، يا عبدَ الله، قد تُطعم أخاك على جوعٍ فيجزيك الله من جنس عملك، يطعمك يوم القيامة من ثمار الجنة، قد تكسو مسلمًا على عُريٍ فيكسوك الله عز وجل من حُلل الجنة، تقدم مالك تبتغي به وجه الله عز وجل يقيك الله به حرَّ النار يوم القيامة، أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقر وتأمل الغِنى، ولا تنتظر حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: هكذا وهكذا ولفلانٍ كذا ولفلانٍ كذا. إن بعض الناس لا تجود نفسه بمال ولا يقبل أن ينفق، بل ربما يعدّ المنفقين والمتصدقين ممن خفت عقولهم وذهبت أحلامهم، حتى إذا أصاب ذلك المسكين داءٌ عضال ومرضٌ فتّاك وعاين الموت بدأ ينفق ماله يمنةً ويسرة، بعدما ذهبت نضرة الشباب وبهجة الدنيا، شتان شتان بين هذا وذاك، شتان شتان بين من أنفق حال شبابه وقوته، حال حضور ذهنه واكتمال رغبته في هذه الدنيا، وبين هذا الذي تصدق بعدما عاين الموت، بعدما أيقن أنّ الدنيا قد ولت مدبرة وأن الآخرة قد جاءت مقبلة بدأ يتصدق، شتان شتان بينهما.

أيها المسلمون، خير من توجهون إليه صدقاتكم أرحامكم، قراباتكم، فإنَّ رسول الله قال: ((الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقةٌ وصلة))، ثم ثانيًا: من كان عفيفًا متعففًا ذا عيال لا يسأل الناس ولا يتَفَطّن له فيُتصدق عليه، اقرؤوا إن شئتم: { يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا } [البقرة: 273].

واعلموا ـ أيها الإخوة في الله ـ أنّ الصدقة أمانٌ للفرد والمجتمع، أن الصدقة يحصل بها الرضا والسرور، أن في الصدقة تفريجًا للكروب وتنفيسًا للهموم وإعانةً للمحتاجين، إدخالاً للسرور على المسلمين، فأدخلوا السرور على إخوانكم يدخل الله السرور عليكم.

واعلموا ـ أيها الإخوة في الله ـ أن هموم المسلمين ليست محصورةً في بلدنا هذا، فهناك إخواننا في فلسطين حاجاتهم متجددة، تحت حصارٍ ظالمٍ من قوةٍ باغية من اليهود الذين غضب الله عليهم ولعنهم، الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، يحاصرون إخواننا، يحرقون زروعهم، يمنعون تجارتهم، يحولون بينهم وبين ما يشتهون من الضربِ في هذه الأرض والتماس بركة الله عز وجل، فلنتصدق على إخواننا المسلمين في كل مكان، ولنتقرب إلى الله عز وجل بمحاولة تفريج همومهم، ولنجاهد بأموالنا إذ قد عجزنا عن الجهاد بأنفسنا: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ }[التوبة: 111]، قدموا أموالكم لإخوانكم، وتبرعوا لأهل دينكم وملتكم.

أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا ممن يخرجون أموالهم طيبة بها نفوسهم، وممن يبتغون بذلك وجه ربهم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، الرّحمن الرحيم، أحمدُه سبحانه وأشكره أن هدانا للصّراط المستقيم، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحدَه لا شريك له العظيم الحليم، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعد: فيا عبادَ الله، الصّدقة لها معنًى واسع، فهِي تشمَل عملَ كلّ خير، إرشادُ الضالّ، إماطةُ الأذى، العدلُ بين اثنين، التبسّم في وجه أخيك المسلم، غرسُ شجرة، تعليمُ علمٍ نافع، إصلاح ذات البَين، الكلمَة الطيّبة صدقة، قال رسول الله: ((على كلّ مسلمٍ صدقة))، فقالوا: يا نبيَّ الله، فمن لم يجد؟ قال: ((يعمل بيده فينفَع نفسَه ويتصدّق))، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((يعين ذا الحاجةِ الملهوف))، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((فليعمَل بالمعروف، وليمسك عن الشرّ، فإنّها له صدقة)) أخرجه البخاري.

فيا عباد الله، فإن رمضان شهر البر والصلة والصدقة، والأنفس الأبية هي التي تعطف على الفقراء، وتبذل لهم شيئًا من المعروف، فإن من معاني الصيام تذكر حالة البائسين والمعوزين والعطف عليهم ومواساتهم بالمال والإحسان. إن القلوب التي لا يُشعِرها رمضان بحال إخوانها الفقراء قلوب يصدق فيها وصف المنفلوطي حين قال في كتابه النظرات: "فتشت عن الفضيلة في قصور الأغنياء فرأيت الغني إما شحيحًا أو متلافًا، أما الأول ـ يعني الشحيح ـ فلو كان جارًا لبيت فاطمة رضي الله عنها وسمع في جوف الليل أنينها وأنين ولديها من الجوع ما مد أصبعيه إلى أذنيه؛ ثقة منه أن قلبه المتحجّر لا تنفذه أشعة الرحمة، ولا تمر بين طياته نسمات الإحسان". يقول رحمه الله: "لو أعطى الغني الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحد منهما سُقمًا ولا ألمًا، لقد كان جديرًا به أن يتناول من الطعام ما يشبع جوعته، ويطفئ غلته، ولكنه كان محبًا لنفسه مغاليًا بها، فضم إلى مائدته ما اختلسه من صحفة الفقير، فعاقبه الله على قسوته بالبطنة"، إلى أن قال رحمه الله تعالى: "لا أستطيع أن أتصوّر أن الإنسان إنسان حتى أراه محسنًا؛ لأني لا أعتمد فصلاً صحيحًا بين الإنسان والحيوان إلا الإحسان، وإني أرى الناس ثلاثة: رجل يحسن إلى غيره ليتخذ إحسانه إليه سبيلاً إلى الإحسان إلى نفسه، وهذا هو المستبد الجبار الذي لا يفهم من الإحسان إلا أنه يستعبد الإنسان، ورجل يُحسن إلى نفسه ولا يُحسن إلى غيره، وهو الشره المتكالب الذي لو علم أن الدم السائل يستحيل إلى ذهب جامد لذبح في سبيله الناس جميعًا".

إن المحسن منكم ـ أيها المسلمون ـ من يسعى في رمضان وغير رمضان لرحمة يتيم يترقرق الدمع في عينيه أن لا يجد من يواسيه لفقد أبيه، أو لرحمة أسرة فقدت معيلها وضاعت خيراتها، أو رحمة كسير ومريض أقعده المرض وأجبره على نزف دموع الفقر والحاجة، أو رحمة أخ غريب بينكم نأت به الديار عن أهله وذويه، ولئن بت آمنًا في بيتك معافى في بدنك بين أهلك وأسرتك، فإنما يعيش هو وحيدًا بلا أنيس، وفقيرًا بلا معين، يتابع الإعلام فيرى صورة يهودي يهدّم بيته ومأوى أسرته، أو يسمع صوت قنبلة أطاحت ببعض أهله أشلاء مفرقة، فإن لم نكن هؤلاء، فما أجدر وصف المنفلوطي بنا.

وأخيرًا: رحل النصف الأول، ولئن كنا فرطنا فلا ينفع ذواتنا بكاء ولا عويل، وما بقي أكثر مما فات، فلنُرِ الله من أنفسنا خيرًا، فالله الله أن يتكرر شريط التهاون، وأن تستمر دواعي الكسل، فلقيا الشهر غير مؤكدة، ورحيل الإنسان مُنتظر، والخسارة مهما كانت بسيطة ضعيفة فهي في ميزان الرجال قبيحة كبيرة.

رحل النصف الأول وبين صفوفكم الصائم العابد الباذل المنفق الجواد نقي السريرة طيب المعشر، فهنيئًا له رحلة العشر بخيرات كهذه. ورحل النصف الأول وبين صفوفكم صائم عن الطعام والشراب، يبيت ليله يتسلى على أعراض المسلمين، وتقامر عينه شهوة محرمة يرصدها في ليل رمضان، يده امتدت إلى عامل فأكلت ماله، أو حفنة ربا فاجتالتها دون نظر إلى عاقبة أو تأمل في آخرة، رحلت وبين صفوفكم من فاتته صلوات وجماعات، وقد آثر النوم والراحة على كسب الطاعة والعبادة. رحل النصف الأول وبين صفوفكم بخيل شحيح، أسود السريرة، سيئ المعشر، دخيل النية، فأحسن الله عزاء هؤلاء جميعًا في عشرهم الأول، وجبرهم في مصيبتهم، وأحسن الله لهم استقبال البقية، وجعلهم فيما يستقبلون خيرًا مما ودعوا، والله المسؤول.

ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه في قول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَ هُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلى، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين...

صاحب همة
2011-07-23, 08:33 PM
الصوم ... جنة الصابرين (http://ramadaniat.ws/view/1205)


خلق الإنسان مجموعاً من روح وجسد، فالروح تجذبه إلى السمو وتذكره بمنصبه ومركزه وغايته ومهمته، وتفتح فيه السبيل إلى العالم الذي انتقل منه وإلى سعته وجماله ولطافته وصفائه، وتثير فيه الأشواق والطموح، وتبعث فيه الثورة على المادة الثقيلة، فيحلق في الأجواء الفسيحة، ويفك السلاسل والأغلال، ويحبب إليه الجوع والعطش، وغض الطرف عن الملذات، والتجرد عن الشهوات.

والجسد يجذبه بكثافته وثقله إلى الأرض، ورغبة الطعام والشراب، وقضاء الشهوات، فيتألم من الجوع، ويشق عليه العطش، ويأسره لمعان المغريات، فيصبح وهو في أوج مدنيته وحضارته وقمة علمه وثقافته - بعيدا عن قيمة إيمانه وروحانيته - بين المطعم والمرحاض، لا يعرف سوى ذلك مبدأ ومعادا، ولا يعرف غير الطواف بينهما شغلا وجهادا، فتموت فيه كل رغبة إلا رغبة الطعام والشراب، ويتبلد فيه كل حس إلا حس اللذة والمتعة، ويزول عنه كل هم إلا هم الكسب والمعاش.

ولا تصوير أدق من تصوير القرآن المعجز في قوله - تعالى -: { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم }.

وإذا تغلبت الطبيعة الحيوانية وملكت زمام الحياة واستحوذت على مشاعر الإنسان وحواسه فلم يجد طول عمره وقتا صافيا ولا قلبا فارغا ولاعقلا يقظا و لا ضميرا حيا، فتثقل عليه العبادة والذكر، والطاعة والفكر والصفاء, وإذا تغلبت الطبيعة الحيوانية وملكت زمام الحياة واستحوذت على مشاعر الإنسان وحواسه فلم يجد طول عمره وقتا صافيا ولا قلبا فارغا ولا عقلا يقظا و لا ضميرا حيا، فتثقل عليه العبادة والذكر، والطاعة والفكر والصفاء، { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً }.

وقد جاءت النبوة تغيث الإنسانية المهددة بالمادية الطاغية، وتقيم الموازين القسط في الحياة، وتعد الإنسان إعداداً جيداً للغاية التي خلق لها وهي العبادة، فأمرت بالصوم ليحد من شره هذه المادية، وليشحن النفس شحنا روحانيا إيمانيا تستطيع أن تحفظ به اعتدالها في الحياة وتقوم به مغريات الشهوة.

يقول الغزالي - رحمه الله -: (كلما انهمك الإنسان في الشهوات انحط إلى أسفل سافلين والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة).

ويقول ابن القيم - رحمه الله -: " لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله – تعالى - متوقفا على جمعيته على الله، ولمّ شعثه بإقباله بالكلية على الله - تعالى -، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله – تعالى- ، وكان فضول الطعام والشراب وفضول مخالطة الأنام وفضول الكلام وفضول المنام مما يزيده شعثا ويشتته في كل وادي، ويقطعه عن سيرة إلى الله - تعالى -أو يضعه أو يعوقه، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعبادة أن شرع من الصوم، ما يذهب فضول الطعام والشراب ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيرة إلى الله – تعالى- ، وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة ".

ويقول ابن القيم أيضا: " ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة وألفت أوامر القرآن فنقلت إليه بالتدريج، وكان فرضه من السنة الثانية من الهجرة فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صام تسع رمضانات) زاد المعاد.

وقد جاء خطاب الصيام وقد لفه اليسر والتيسير وزانته الرحمة والبر. فإن الذين قد توجه إليهم الخطاب في قوله - تعالى -:{ كتب عليكم الصيام } ثلاثة أقسام الأول المقيم الصحيح فيجب عليه الصوم رغبة في التقوى وزيادة، والثاني المريض والمسافر فيباح لهم الإفطار مع القضاء، والثالث من يشق عليه الصوم بسب لا يرجى زواله كالهرم والمرض المزمن فيفطران ويطعمان لكل يوم مسكينا..

وقد خاطب الله المكلفين بقوله تعالى: " يأيها الذين آمنوا " فهيأهم لقبول كل ما يكلفون به مهم كان شاقا لأن صفة الإيمان تقتضي ذلك، ثم ذكر الله أنه كتب عليهم الصيام ولكنه لم يكتبه عليهم لأول مرة في تاريخ الأديان فقد كتبه على من سبقهم وهكذا خفف وطأة هذا التشريع على النفوس، ثم ذكر أنه ليس امتحانا فقط ولا مشقة ليس من ورائها قصد، بل هو تربية إيمانية وإصلاح وتزكية ومدرسة خلقية " لعلكم تتقون ".

هذا هو الصيام الزاخر بالحياة والمنافع والبركات، البعيد عن المشقات التي لا تطيقها النفوس، { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }.

والشرع الإسلامي لم يكتف من الصوم بصورته، بل ارتجى حقيقته، فلم يحرم الأكل والشراب والعلاقات الجنسية في الصوم فحسب، بل حرم كل ما ينافي مقاصد الصوم وغاياته، وكل ما يضيع حكمته وفوائده، فأحاط الصوم بسياج من التقوى والأدب، وعفة اللسان والنفس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب وإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم ) متفق عليه

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) رواه البخاري.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ( كم من صائم ليس له من صومه إلا الظمـأ ) أخرجه الدارمي.

وليس الصوم أوامر سلبية فحسب، فلا أكل ولا شرب ولا رفث ولا فسوق ولا جدال، بل هو أوامر إيجابية أيضا، فهو وقت العبادة والتلاوة والذكر والتسبيح والبر والمواساة، فمن " تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة.

وأخرج الترمذي عن زيد الجهني قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:( من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ).

صاحب همة
2011-07-23, 08:36 PM
تفطير الصائمين (http://ramadaniat.ws/view/1251)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

لا يخفى على أحد ما لتفطير الصائم من ثواب عظيم عند الله - تبارك وتعالى -، كما لا يخفى علينا منزلة الصوم ومكانة الصائمين عند الله - عز وجل -، ولذا كان الجزاء على تفطيرهم عظيماً يتناسب مع هذه المنزلة، وهذه مكانة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يحدثنا عن أجر وجزاء تفطير الصائمين: (من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)1.

فمن فطر صائماً نال من الأجر مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً، وقد كان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يحرصون على تفطير الصائمين، وما زالت هذه -ولله الحمد- سنة قائمة وعادة متعارفة، ينشأ عليها الناس جيلاً بعد جيل، فقد كان كثير من السلف يواسون المساكين من إفطارهم، أو يؤثرون به، ومما أثر في ذلك:

قال ابن رجب -رحمه الله-: كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم، لم يتعشَّ تلك الليلة.. وكان إذا جاء سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائماً.. ولم يأكل شيئاً.

واشتهى بعض الصالحين من السلف طعاماً وكان صائماً فوضع بين يديه عند فطوره فسمع سائلاً يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاوياً.

وجاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائماً.

وكان الحسن يطعم إخوانه وهو صائم تطوعاً، ويجلس يروِّحهم وهم يأكلون.

وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم2.

وليس غريباً أن يكون هذا حال أهل الصدق مع الله جل وعلا وأهل التأسي به صلى الله عليه وسلم فقد كان عليه الصلاة والسلام- أجود الناس، وكان جوده يتضاعف في رمضان، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة)3.

قال ابن رجب-رحمه الله-: وكان جوده -صلى الله عليه وسلم- يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أن جود ربه تضاعف فيه أيضاً، فإن الله جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة4.

وقد عدد ابن رجب يعدد فوائد جوده -صلى الله عليه وسلم- في رمضان وذكر منها:

1.شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه..

2.ومنها إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أن من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا.

3.ومنها: أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا أعان الصائمين على التقوِّي على طعامهم و شرابهم، كان بمنزلة من ترك شهوة لله، وآثر بها أو واسى منها، و لهذا يشرع له تفطير الصوَّام معه إذا أفطر؛ لأن الطعام يكون محبوباً له حينئذ فيواسي منه؛ حتى يكون ممن أطعم الطعام على حبه، ويكون في ذلك شكرٌ لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له، ورده عليه بعد منعه إياه، فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها، وسئل بعض السلف:لم شرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع، و هذا من بعض حكم الصوم و فوائده5.

فهنيئاً لأناس أودع الله في قلوبهم حب الخير، فوجدوا سعادة قلوبهم وراحة أفئدتهم في إدخال السرور على فقراء المسلمين، ورسم البسمة في وجوه أطفالهم، ولأنهم يدركون عظمة هذا الشهر وعظمة أجر المتصدق فيه، ويدركون مدى حاجة إخوانهم الفقراء إلى ينابيع الخير والعطاء كمشاريع إفطار الصائم الرمضانية، سواء ما كان منها على شكل إفطار جماعي في المسجد، أو كان وجبات توزع على البيوت، أو كان مواداً غذائية توزع على الأسر الفقيرة.

وكم أرملة، وكم يتيم، وكم شيخ طاعن في السن، وكم فقير لا يجدون ما يفطرون به!، وعندما يأتيهم الخير عبر مشروع إفطار الصائم فإنهم يرفعون أكفهم ودموعهم على وجوههم فرحاً، يدعون لذلك المحسن الكريم.

فما أجمل تلك المشاهد الجميلة التي يراها الإنسان في رمضان؛ مشاهد البر والإحسان والعطف على الفقراء والمساكين، إنها مشاهد التعاطف والأخوة والمحبة والرحمة والبذل بين أبناء الجسد الواحد.

وليس تفطير الصائمين محصوراً في الفقراء والمساكين، بل إن التفطير يكون لكل المسلمين فقيرهم وغنيهم، وهو بمثابة الهدية للغني.

وإن أجر تفطير الصائم يستطيع أن يناله كل واحد منَّا، فهو لا يتطلب مبلغاً كبيراً من المال، ولا أنواعاً فاخرة من أنواع الطعام وأصناف المأكولات، وإنما يمكن أن ينال ذلك الأجر ولو بشربة ماء أو شق تمرة. فلله الحمد والمنة يَقبل القليل ويُعطي الكثير، فلا تحقرنَّ عبد الله من المعروف شيئاً.

وبادر إلى مثل هذه المشاريع الرمضانية وأعن من يقوم عليها، فإن ذلك من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى..

ـــــــــــــــ ــ
1- رواه الترمذي وابن ماجه وهو حديث صحيح كما في صحيح الترمذي للألباني برقم (647).
2- لطائف المعارف (188-189).
3- أخرجه البخاري كتاب بدء الوحي برقم(6).
4-لطائف المعارف (185).
5- لطائف المعارف (188).

صاحب همة
2011-07-23, 08:39 PM
اغتنم الموسم (http://ramadaniat.ws/view/1347)


رمضان موسم

شعاره: فمن شهد منكم الشهر فليصمه.

عمره: أياماً معدودات.

غايته: لعلكم تتقون.

نداؤه: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.

أيها المبارك:

إن من فضل الله - تعالى - ونعمه على عباده أن هيأ لهم المواسم العظيمة، والأيام الفاضلة؛ لتكون مغنماً للطائعين، وميداناً للمتنافسين، ومن هذه المواسم ما شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن أيامه ولياليه مباركة، وبالبر متداركة؛ أظنك عرفته، فلا يخفى القمر في إطلالته إنه: "شهر رمضان، أشرف الشهور، وأزكاها عند الله"، شهر الصفقة الرابحة, والكفة الراجحة، والفرصة السانحة.

شهر الأجور المضاعفة، والأرصدة المتراكمة، والحسنات المتكاثرة.

شهر بابه بالبر مفتوح، وبالمغنم يغدو ويروح، وبالفضل يعذب ويفوح.

حث وحض:

يقول ابن رجب - رحمه الله -: "وما من موسم من هذه المواسم الفاضلة إلا ولله - تعالى - فيه وظيفة من وظائف الطاعة يتقرب بها العباد إليه، ولله - تعالى - فيها لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور، والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من طاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار، وما فيها من اللفحات"1.

أُخي: إذن هي فرصتك لتساهم في موسم الخيرات، وتدخل سوق المرابحة برفيع الدرجات، وتحظى بالمتاجرة مع رب الأرض والسموات.

والحديث معك هو من باب الدلالة على باب من أبواب الخير مشهد، وطريق صوب الجنان ممهد، نحثك فيه على عبادة يضاعف أجرها، ويعظم فضلها في شهر يزورك في العام مرة واحدة، فما رأيك هل أنت مستعد لتعقد الصفقة، وتحوز المغنم قبل أن يؤذنك الشهر برحيل، ويودعك في سفر طويل؟

إذاً حان الوقت لنهمس في إذنك بما أكنناه في صدورنا، عسى أن تبادر قبل أن يبادرك الشهر بفوات.

أيها الموفق:

لا تنس فأنت في شهر الجود والإحسان.

وقد كان نبيك - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة كما يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -2.

فبالله عليك ألا يدعوك حرص قدوتك الأعظم، وأسوتك الأكرم؛ في مضاعفة جوده وإحسانه على أهله ومستحقيه في شهر رمضان أكثر من غيره إلى أن تكون باذلاً للمعروفـ ماداً يد العون للمحتاج والمعوز والضعيف تأسياً واحتذاء؛ فـ{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}3.

ألا يحركك إلى إطعام جائع، أو إعطاء مسكين، أو إتحاف فقير؟!.

ألا يستعطفك لترسم البسمة على محروم، أو تسكت الجوع في بطن مكلوم؟!

والقضية شربة ماء، مذقة لبن، حفنة تمر، صاع طعام، كساء عارٍ.

وتيقن وتأكد واستبشر

فأنت تتعرّض بهذا الإنفاق لدعوة الملَك: ((اللهم أعط منفقاً خلفاً))4، ولاستجابة أمر الله - تعالى -: ((يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك))5، وتهيئ نفسك لولوج بوابة أحب الأعمال إلى الله - تعالى - كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أحب ألأعمال إلى الله - تعالى - سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً))6.

اغتنم الموسم..

فإذا كان للتجارة مواسم للمرابحة، فالطاعات أيضاً لها مواسم للمنافسة، وإذا كان الناس عادة ما يسعون في مواسم التجارة إلى مضاعفة نشاطهم كي يزداد ربحهم؛ فلأنت أولى وأحرى أن تغتنم مواسم الطاعات فيما يرفع رصيدك من الدرجات عند ربك في الآخرة يقول الإمام الشافعيُّ - رحمه الله -: "أحبُّ للرجل الزيادة بالجود في رمضان؛ اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم"7.

فتعرّض إذاً لنفحات الله - تعالى - في هذا الشهر، واغتنم شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه قبل أن يتفلت منك، فرُبَّ شيء يسير بطيب نفس يلج بك إلى فسيح الجنات، ومرتع الروضات.

فاستكثر من أنواع الإحسان: فطِّر صائماً، أطعم جائعاً، اكفِ مسكيناً، واسِ محروماً، أغث ملهوفاً، أعنْ معوزاً، ولك بذاك عظيم الأجر والفضل.

ختاماً:

نعود فنقول: إن السعيد من اغتنم موسم الشهور والأيام والساعات بما يقربه إلى مولاه، ويمنحه لطيف النفحات، وينجيه من سقر وما فيها من اللفحات.

فأين المبادرون، وأين المشمرون؟


إذا هبّت ريـاحك فاغتنمهـا فإن الخافقات لها سكون


وفقنا الله وإياك لمرضاته.

ـــــــــــــــ ــ
1 ابن رجب في اللطائف (ص40).
2 رواه البخاري في كتاب الصوم - باب أجود ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون في رمضان برقم (1803)، ومسلم في كتاب الفضائل - باب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير من الريح المرسلة برقم (2308).
3 سورة الأحزاب (21).
4 رواه البخاري برقم (1374)، ومسلم برقم (1010).
5 رواه البخاري برقم (4407)، ومسلم برقم (993).
6 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (13646)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (176).
7 الحاوي في فقه الشافعي (3/479).

صاحب همة
2011-07-23, 08:42 PM
الاحتساب في رمضان (http://ramadaniat.ws/view/452)


الحمد لله الذي فتح لعباده أبواب الخير، وسهل لهم طريق الوصول إليه، والصلاة والسلام على محمد عبد الله ورسوله، دعا إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها المسلم الحبيب حياك الله وبياك في هذا اللقاء الطيب المبارك.

أخي الفاضل: هذا الشهر العظيم هو شهر الفرص والبركات، شهر النفحات الإلهية المباركة، فيه يتسابق المتسابقون إلى كل قربة، ويسارعون إلى كل طاعة، وإن من أعظم الطاعات والقرب في هذا الشهر الكريم قربة: الاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كيف لا وقد قال الحق - سبحانه - عنها: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}1 ، فمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد دعا إلى الله - تعالى -، بل قد أناط الله - تعالى - خيرية هذه الأمة بهذا العمل المبارك فقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ...}2.

فبادر أخي المسلم في هذا الشهر المبارك إلى هذا العمل الجليل، وليكن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة.

كيف تحتسب في رمضان:

يتسائل البعض هذا السؤال، فنقول لك: بإمكانك أيها الأخ المبارك أن تحتسب في شهر رمضان بما يلي - على سبيل المثال لا الحصر -:

1- تجعل في جيبك أو سيارتك مجموعة من الأشرطة لبعض المشايخ المؤثرين سواء كان شريطاً يتكلم عن شهر رمضان، أو عن بعض المواضيع المهمة.

2- إن رأيت مسلماً يسب أو يشتم بَلّغتَه بحكمة ولطف، ودون أن تفارق وجهك البسمة؛ حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء))3، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصيام جنة، وإذا كان أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم))4.

3- حاول أن تحضِّر وتجهز بعض الكلمات والخواطر المؤثرة، ثم قم بزيارة بعض المساجد لإلقائها عليهم، أو في أي مكان مناسب.

4- اكتب بعض الكلمات والعبارات المؤثرة في قصاصات صغيرة بدون تطويل، فيكون بعضها مثلاً بعنوان: (إلى أخي بائع الغناء)، وأخرى بعنوان: (إلى جاري العزيز)، ثم تكتب تحت هذا العنوان نصيحة طيبة مختصرة لبعض المقصرين في طاعة الله - تعالى -.

5- اصحب بعض زملائك - ممن تراه مقصراً في أمور دينه - إلى محاضرة مؤثرة.

6- وأخيراً: ادع الله - تعالى - بخشوع وصدق لمن هو مقصر في دينه من أقربائك أو زملائك أو غيرهم؛ فإن للدعاء أثر كبير في هداية كثير من الناس، وفيه من إعلان الولاء للمؤمنين، وحب الخير لهم ما الله به عليم، مع رجوع ذلك الدعاء لك؛ حيث يقول المَلَكُ: ولك مثله5.

* ملاحظة: لا بد من أن يلاحظ المحتسب أن شهر رمضان فرصة كبيرة للدعوة إلى الله؛ وذلك لأن قلوب المسلمين - حتى العصاة منهم - تكون لينة قابلة للموعظة الحسنة؛ فعسى أن توافق الموعظة قلب المدعو وهو مطمئن لين هادئ فيكتب له بتلك النصيحة سعادة الأبد؛ ((...فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم))6، وأبواب الاحتساب كثيرة، ومن يصدق الله يصدقه.

والله ولي التوفيق.

ـــــــــــــ
1 سورة فصلت (33).
2 سورة آل عمران (110).
3 رواه البخاري في الأدب المفرد برقم (312)وصححه الألباني في تحقيق الأدب المفرد.
4 رواه البخاري برقم (1894) ومسلم برقم (2758)وأحمد برقم (7484)واللفظ له.
5 كما في الحديث عند أبي داود برقم (1536)، وصححه الألباني في تحقيقه لأبي داود بنفس الرقم ((إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين ولك بمثل)).
6 رواه البخاري برقم (3498)، ومسلم برقم (6376).

صاحب همة
2011-07-23, 08:48 PM
الزكاة .. طهر ونماء (http://ramadaniat.ws/view/1344)


تتجلى عظمة الإسلام في جميع الشعائر والعبادات والفرائض التي افترضها الله على عباده، ومن هذه الفرائض ركن الإسلام الثالث ألا وهو إيتاء الزكاة . وبما أن شهر رمضان المبارك شهر الجود والإحسان والإنفاق والصدقة والإطعام؛ ناسب أن يكون لنا حديث عن الزكاة المفروضة، والتي قرنها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مع الصلاة في 82 موضعاً .

ولا يستقيم إسلام المسلم إلا بأدائها، لما لها من دور في التقريب بين أغنياء المسلمين وفقرائهم, وخلق روح التعاطف والمحبة بين أبناء المجتمع ،وتحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم وتأمين حاجة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والأيتام والأرامل وكفاية مستحقيها عن الحاجة والسؤال.

وقد أجمع علماء الإسلام سلفاً وخلفاً على انه لا يتم إسلام المرء إلا بأداء الزكاة, فمن أنكر وجوبها فهو كافر، ومن امتنع عن أدائها مع اعتقاده وجوبها تؤخذ منة قهراً وعنوة كما فعل الخليفة الصديق أبو بكر رضي الله تعالى عنه مع الذين امتنعوا عن أداء الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تعريفها
والزكاة في اللغة: النماء، يقال زكا الزرع إذا نما. وأيضًا بمعنى التطهير،كذلك بمعنى الصلاح.

وشرعًا: تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط مخصوصة.

أدلة وجوبها

فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة . وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله. ‏

أما دليل فرضيتها من الكتاب:

فقد قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وَآتُواْ الزَّكَاةَ} سورة البقرة:110

وقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تطهرهم وتزكيهم بها} التوبة:103

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} سورة المعارج:25

وقال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبد الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} سورة البينة 5



وأما السنة فكثيرة:

منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)) رواه البخاري ومسلم. وفي حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)) رواه البخاري ومسلم.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحـق الإسلام، وحسابهم على الله )) متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة. قال ((تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)) قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا. فلما ولى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا )) متفق عليه.



وأما الإجماع:

فقد ذكره كثير من العلماء، قال ابن قدامة: وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها ( المغني 2/433 )

شروط وجوبها :

أجمع العلماء على أن الزكاة تجب على كل مسلم حرٍّ بالغ عاقل مالكٍ النصابَ ملكاً تاماً حال عليه الحول، فيما عدا الزروع والثمار فإنه يجب فيها من دون حول الحول. واختلفوا في المرتد، والصبي، والمجنون، والعبد، وما خلا المالك ملكاً تامًّا. ( وهذه مسائل مبسوطة في مظانها في كتب الفقه ).



حكمتها وفضلها:

الزكاة فيها تطهير للنفس والمال، ورفعة في الدرجات، وحصول للبركة ، وزيادة في الأجر والمثوبة، ونفي للفقر، ومواساة للمحتاجين ، وترابط للمجتمع المسلم.

وقد حدد الله عز وجل مصارفها فقال: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ، فريضة من الله والله عليم حكيم } التوبة : 60

ومن اسم الزكاة يتضح لنا ما فيها من الزكاء والطهارة والنماء. وقد قال تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } التوبة : 103 ، فهي تعتبر طهراً للمال، وعلاجاً شافياً لأمراض البخل والشح والطمع والأنانية والحقد.

وقد وعد الله أهل الزكاة والإنفاق بالبركة والزيادة والنماء فقال: { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } سبأ: 39 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما نقصت صدقة من مال)) صحيح الترمذي.

وللزكاة دور كبير في تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم ، فالله عز وجل قسم الأرزاق بين عباده حسب مشيئته، وفضل بعضهم على بعض في الرزق، فجعل منهم الغني والفقير، والقوي والضعيف، وفرض على الأغنياء حقاً معلوماً ونصيباً مفروضاً يؤخذ منهم ويرد على الفقراء كيلا يكون المال دولة بين الأغنياء ، وليحصل الفقراء على العيش الكريم، فلا يمنّ غني بنفقته ، فالمال مال الله وهو الذي أوجب فيه حق النفقة والمواساة.وهذا من أروع صور التكافل في المجتمعات. ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد . إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) رواه مسلم.‏

كذلك فان الزكاة تعبير عملي عن أخوة الإسلام، وتطبيق واقعي لأخلاق المسلم من جانب المزكي، كذلك فإن لأداء الزكاة دور كبير في تحقيق الأمن والاستقرار، فحينما يحصل الفقير على حقه ويحصل على ما يؤمن حياته فإنه يبتعد عن إحداث أي اضطرابات في حياة المجتمع الإسلامي ويشعر أنه ضمن جماعة ترعى حقه فيعم الأمن والأمان والسلم والسلام طبقات المجتمع.

كذلك فإنه متى ما أدى الغني حق الفقير اختفت من المجتمع الإسلامي مظاهر الحسد، وسلموا من غوائل الضغينة وعاش الجميع في إخاء ومحبة ومودة وسعادة وهناء.

أيضاً فإن الزكاة تكفر الخطايا وتدفع البلاء، وتجلب رحمة الله، قال تعالى ‎: ‏ {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ …} الأعراف: 156.‏

موقف الإسلام من مانعي الزكاة

من أشد المصائب التي يبتلى بها الإنسان داء البخل الذي يجعله يظن أن بخله يحفظ أمواله من الضياع، أو أنه يزيده مالاً فوق ماله، مع أنه لو علم ما يصيبه من الخسران في الدنيا وما يحيق به من العذاب في الآخرة، مع ما يفوته على نفسه من الأجر والبركة، فإنه لو أدرك ذلك لكان مسارعاً في إخراجها، بل ويزيد من الصدقات والمعروف.

وقد جاء الوعيد الشديد في كتاب الله تعالى لمن بخل ولم يؤد زكاة ماله.

فقال تعالى :‎‎ ‏{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } آل عمران:180.‏

وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34)يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ(35) } التوبة

ففي الامتناع عن أداء الزكاة إثم عظيم، وضررٌ كبير على الفقراء والمحتاجين، وتعرض لغضب الله وعاجل عذابه. لذا فمنع الزكاة يهدم بناء المجتمع ويقوض دعائمه. لذا فإن من امتنع من الأغنياء عن أداء الزكاة فإنها تؤخذ منه قهراً ، وإن كانوا جماعة لهم سلطان وقوة قاتلهم الإمام حتى يؤدوا الزكاة كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه مع مانعي الزكاة.

ومن أنكر وجوبها وهو عالم ولم يخفَ عليه حكمها فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين . بخلاف من تركها مع عدم جحدها فهذا تؤخذ منه بقوة السلطان ويعزره الإمام إن لم يكن له عذر. وهو داخل في الوعيد الشديد الذي جاء في مانعي الزكاة.

ومما جاء في تهديد مانعي الزكاة في السنة النبوية ، حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله، فالإبل؟ قال: "ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار". قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: "ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها، رد عيه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار"...الحديث)) رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من آتاه الله مالا ، فلم يؤدي زكاته ، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع ، له زبيبتان ، يطوقه يوم القيامة ، ثم يأخذ بلهزمتيه ، يعني شدقيه ، ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا : { ولا يحسبن الذين يبخلون } . الآية .. رواه البخاري

وعنه أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا ما رب النعم لم يعط حقها تسلط عليه يوم القيامة ، فتخبط وجهه بأخفافها )) رواه البخاري

وفي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((و لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، و لولا البهائم لم يمطروا .. الحديث) صحيح ابن ماجه ـ حسنه الألباني

فأي ترهيب بعد هذا الترهيب ، وأي وعيد بعد هذا الوعيد ، فليتقِ الله مانع الزكاة وليتب إلى ربه فإنه يقبل توبة التائبين.

أخي الصائم .. ها نحن في العشر الأخيرة المباركة من شهر رمضان .. عشر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران ، فليكن لك من الإنفاق نصيب ، ولا تكن ممن يبخلون فيستحسرون ، أدّ زكاة مالك في وقتها ، وتصدق بفضول مالك فينميه الله لك ويضاعفه لك أضعافاً كثيرة . {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} البقرة: 245

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، وكتبنا جميعاً من عتقائه من النار.

صاحب همة
2011-07-23, 08:53 PM
إليك أيها الميسور (http://ramadaniat.ws/view/454)


الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بالحث على الجود والبذل والإنفاق في سبيل الله؛ يقول الله - عز وجل -: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}1، و يخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً؛ ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً))2، كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه: ((ما نقصت صدقة من مال))3.

ونحن نعيش أجواء شهر البذل والجود والإحسان؛ هذه دعوة نوجهها إلى كل ميسور، إلى كل من أنعم الله عليه؛ فأعطاه من فضله، ووسع عليه في رزقه، وأمدَّه من كرمه عليه؛ أن تكون يده سخية بالعطاء، كريمة بالبذل، فيعطي مما أعطاه الله، ومما استخلفه فيه، متذكراً حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول فيه: ((ما منكم من أحد إلا سيكلم الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان, فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة, ولو بكلمة طيبة))4، وفي هذا الحديث: الحث على أن يحرص الإنسان على فعل كل ما يتقي به من عذاب الله، من ذلك الصدقة والإنفاق في وجوه الخير؛ فإن: ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلوَّه حتى تكون مثل الجبل))5، وليعلم كل إنسان أنه ليس له من ماله إلا ما قدمه لآخرته، وبذله في سبيل الله؛ هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يسأل الصحابة فيقول: ((أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟)) قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه, فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما آخر))6.

فقدم - أخي - لآخرتك، وابذل من مالك، وكن كريماً جواداً بالذي تستطيع عليه ولو كان قليلاً، وعليك بالإخلاص؛ فرب درهم سبق ألف درهم، لتكن يدك سخية معطية باذلة فقد جاء في حديث مالك بن نضلة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الأَيْدِي ثَلاَثَةٌ: فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِى التي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى، فَأَعْطِ الْفَضْلَ، وَلاَ تَعْجِزْ عَنْ نَفْسِكَ))7.

وتأمل - معي - أخي في الله إلى قدوتنا وأسوتنا - صلى الله عليه وسلم - حيث كان أجود الناس وأكرمهم وخاصة في شهر رمضان؛ فقد جاء في الحديث عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - "أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ، إِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَلْقَاهُ في كُلِّ سَنَةٍ في رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَة"8.

ومن جوده وكرمه - عليه الصلاة والسلام - أنه كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر؛ فهذا رجل سَأَلَه - صلى الله عليه وسلم - "فَأَعْطَاهُ غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أي قَوْمِ أَسْلِمُوا فَوَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّداً لَيُعْطِى عَطَاءَ مَنْ لاَ يَخَافُ الْفَاقَةَ"9.

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: ((ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم))10.

وقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة اتباعاً لمنهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجود والبذل والعطاء؛ ففي أعظم مضمار سباق عرفه التاريخ؛ يقول عمر - رضي الله عنه - يوماً: لأسبقنَّ أبا بكر اليوم، فيخرج بنصف ماله، فيسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عمر ما تركتَ لأهلك؟))، فيقول: تركتُ لهم مثله، فيجيء أبوبكر الصديق بماله كله، فيسأله النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا بكر ما تركتَ لأهلك؟))، فيقول: تركتُ لهم الله ورسوله11.

وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول: "من آتاه الله منكم مالاً فليصل به القرابة، وليُحسن فيه الضيافة، وليفك فيه العاني والأسير، وابن السبيل والمساكين، والفقراء والمجاهدين، وليصبر فيه على النائبة؛ فإن بهذه الخصال ينال كرم الدنيا، وشرف الآخرة"12، ويقول أيضاً - رضي الله عنه -: "سوِّسوا إيمانكم بالصدقة، وحصِّنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء"13، وقال أبو حاتم: "البخل شجرة في النار، أغصانها في الدنيا، من تعلق بغصن من أغصانها جرَّه إلى النار، كما أن الجود شجرة في الجنة؛ أغصانها في الدنيا، فمن تعلق بغصن من أغصانها جرَّه إلى الجنة، والجنة دار الأسخياء"14.

ويقول الفضيل بن عياض عن الذين يتصدق الناس عليهم فيأخذون الصدقات: "يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة حتى يضعوها في الميزان بين يدي الله - عز وجل -"، وأما يحيي بن معاذ فيقول: "ما أعرف حبَّة تزن جبال الدنيا إلا من الصدقة"، ويقول عبد العزيز بن عمير: "الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه"15.

فليت لنا أمثال هؤلاء؟

بهم نصر الله محمداً، وبهم يجب علينا أن نقتدي، وأن نتشبه


فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح16


نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــ
1 سورة سبأ (39).
2 رواه البخاري (1315) ومسلم (1678).
3 رواه مسلم (4689).
4 رواه البخاري (6958) ومسلم (1688).
5 رواه البخاري (1321).
6 رواه البخاري (5961).
7 رواه أبو داود (1406) وهو في صحيح أبي داود (1455).
8 رواه البخاري (5).
9 رواه مسلم (4275).
10 أخرجه البخاري (1469)، ومسلم (1053).
11 أخرجه أبو داود (1678)، والترمذي برقم (2675)، وقال: "حسن صحيح"، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1472).
12 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (182)، أبو حاتم البستي.
13 نفائس الكلام من أفواه السلف الكرام (ص35)، مصطفى حقي، دار الشريف، الرياض.
14 المصدر السابق نفسه.
15 التبصرة (2/257).
16 مقدمة عيون الأخيار (ص4).

صاحب همة
2011-07-23, 08:57 PM
الجود والإنفاق في رمضان (http://ramadaniat.ws/view/453)


ثبت في الصحيحين عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاهُ جبريلُ،... فإذا لقيه جبريل - عليه السلام - كان أجودُ بالخير من الريح المرسلة"1 ورواه أحمد، وزاد "لا يُسأل عن شيءٍ إلا أعطاه"2 قال ابن حجر: "أجود الناس" أي: أكثر الناس جوداً، والجود: الكرم وهو من الصفات المحمودة، وقوله: "أجود بالخير من الريح المرسلة" أي: المطلقة، يعني في الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبَّر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه"3، وذكر الزين بن المنير وجه التشبيه بين أجوديته - صلى الله عليه وسلم - بالخير، وبين أجودية الريح المرسلة: أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله - تعالى - لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أي: فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة - صلى الله عليه وسلم -4.

قال بعضهم: فضل جوده على جود الناس، ثم فضل جوده في رمضان على جوده في غيره، ثم فضل جوده في ليالي رمضان، وعند لقاء جبريل؛ على جوده في سائر أوقات رمضان، ثم شبه بالريح المرسلة في التعميم والسرعة، قال ابن الملك معللاً: لأن الوقت إذا كان أشرف يكون الجود فيه أفضل"5، يقول ابن عمر - رضي الله عنه -: "ما رأيت أجود ولا أمجد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"6.

فيا عبد الله: هذا حال نبيك مع الإنفاق في رمضان، وهو القدوة والأسوة؛ فكيف حالك أنت؟

قال الشافعيُّ - رحمه الله -: "أحبُّ للرجل الزيادة بالجود في رمضان؛ اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم"7.

أخي المبارك لا تنس:

أن شهر رمضان موسم المتصدقين، وفرصة سانحة للباذلين والمعطين، وإن الصيام يدعوك إلى إطعام الجائع، وإعطاء المسكين، وإتحاف الفقير.


الله أعطـاك فابذل من عطيته فالمــــال عارية والعمر رحال



المال كالماء إن تحبس سواقيه يأ سن وإن يجر منه يعذب منه سلسال


يقول ابن رجب في لطائف المعارف: "وفي تضاعف جوده - صلى الله عليه وسلم - في رمضان بخصوصه فوائدُ كثيرةٌ منها:

- شرف الزمان ومضاعفةُ أجر العمل فيه؛ وفي الترمذي عن أنس مرفوعاً: "أفضلُ الصدقةِ صدقةُ رمضانَ"8.

- إعانةُ الصائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجبُ المعينُ لهم مثل أجورهم، كما أن من جَهَّز غازياً فقد غزا، ومن خلفَه في أهله بخير فقد غزا.

- أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن في الجنة غُرفاً يُرى ظهورُها من بطونها، وبطونُها من ظهورِه)) فقال أبو موسى الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: ((لمن طَيَّبَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ، وأدامَ الصيامَ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نيام))9، وهذه الخصالُ كلُّها تكونُ في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام، والقيام، والصدقة، وطيب الكلام، فإن الصائم ينهى فيه عن اللغو والرفث.

- والصلاة والصيام والصدقة: توصلُ صاحبها إلى الله - عز وجل -، وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أصبح منكم اليوم صائماً؟)) قال أبوبكرٍ: أنا، قال: ((من تَبعَ منكم اليوم جنازة؟)) قال أبوبكرٍ: أنا، قال: ((من تصدقَ بصدقةٍ؟)) قال أبوبكرٍ: أنا، قال: ((من عاد منكم مريضاً؟)) قال أبوبكرٍ: أنا، قال: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة))10.

- أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغُ في تكفير الخطايا، واتقاء جهنم، والمباعدة عنها، خصوصاً إن ضُمَّ إلى ذلك قيام الليل فقد ثبت عن معاذٍ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ...))11، وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه - يقول: صلُّوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يوماً شديداً حرَّهُ لحرِّ يوم النشور، تصدقوا بصدقة السرِّ لهول يوم عسير.

- أن الصيام لا بدّ أن يقع فيه خللٌ أو نقصٌ، وتكفيرُ الصيام للذنوب مشروطٌ بالتحفظ مما ينبغي أن يُتحفَّظَ منه، فالصدقةُ تجبر ما كان فيه من النقص والخلل، ولهذا وجب في آخر رمضان زكاةُ الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث12.

أيها الصائم: إنك ببذلك وعطائك تقرض ربك ليوم فقرك وحاجتك وضرورتك يوم الفقر والمسكنة، يوم التغابن.

أيها الصائم: شربة ماء، ومذقة لبن، وحفنة تمر، وقليل من الطعام والمال، واللباس والفاكهة؛ تسديها إلى محتاج؛ هي طريقك إلى الجنة.

أيها الصائم: تالله لا يحفظ المال مثل الصدقة، ولا يزكي المال مثل الزكاة، مات كثير من أثرياء الأموال والكنوز، والدور والقصور؛ فأصبح كل ذلك حسرة عليهم وندامة وأسفاً؛ لأنهم جعلوه في غير مصارفه، وغداً يظهر لك الربح من الخسران والله المستعان.

ختاماً: تذكر أيها الصائم أن رمضان يدعوك للبذل والعطاء، ورحمة الفقراء والمساكين، وهي دعوة في ذات الوقت لنفسك لتقرض ربك في الدنيا فيكرم قرضك يوم تلقاه: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}13، وتذكر أن الأموال والكنوز والقصور مآلها إلى الزوال والضياع، وليكن حداءك قول رسولك -صلى الله عليه وسلم -: ((ما نقصت صدقة من مال))14.

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يجعلنا من المنفقين والمستغفرين بالأسحار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــ ــ
1 رواه البخاري برقم (1803)، ومسلم برقم (2308).
2 رواه أحمد برقم (2042)، وصححه شعيب الأرناؤوط.
3 فتح الباري (1/30).
4 فتح الباري (6/140)
5 مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/444).
6 الاستذكار لابن عبد البر (5/78).
7 الحاوي في فقه الشافعي (3/479).
8 رواه الترمذي برقم (663)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (2948).
9 رواه أحمد في مسنده برقم (6615)، وقال شعيب الأرناؤوط: حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف.
10 رواه مسلم برقم (1028).
11 رواه الترمذي برقم (614)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (5262).
12 لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي (232).
13 سورة التغابن (17).
14 رواه مسلم برقم (2588).

صاحب همة
2011-07-23, 09:03 PM
كل معروف صدقة (http://ramadaniat.ws/view/1289)


أرشد الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يأمر أمته بالمعروف، وأن يكون سجية وخلقاً له ولهم فقال - تعالى -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}1 يقول العلامة المفسر ابن سعدي - رحمه الله - في قوله: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} "أي بكل قول حسن، وفعل جميل، وخلق كامل؛ للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك إما تعليم علم، أو حث على خير من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية"2.

وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: ((كل معروف صدقة))3، و"كل" من أقوى ألفاظ العموم، كما هو معلوم في كتب الأصول، فكل معروف تفعله - أخي - تؤجر عليه؛ وقد جاءت نصوص كثيرة تبين لنا خصال الخير، ومنها ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة))4، وهذه "الأنواع التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصدقة منها ما نفعه متعدٍ كالإصلاح، وإعانة الرجل على دابته بحمله عليها لرفع متاعه عليها، والكلمة الطيبة، ويدخل فيها السلام، وتشميت العاطس، وإزالة الأذى عن الطريق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفن النخاعة في المسجد، وإعانة ذي الحاجة الملهوف، وإسماع الأصم، وتبصير المنقوص بصره، وهداية الأعمى أو غيره الطريق، ... ومنه ما هو قاصر النفع كالتسبيح والتكبير، والتحميد والتهليل، والمشي إلى الصلاة، وصلاة ركعتي الضحى"5.

ومن أنواع الصدقات ما جاء في حديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله، وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحب الناس إلى الله - عز وجل - أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم, أو تكشف عنه كربة, أو تقضي عنه ديناً, أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً في مسجد المدينة، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غضبه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رخاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام))6.

وعن أبي جرىٍّ الهجيميّ - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول اللّه إنّا قوم من أهل البادية، فعلّمنا شيئاً ينفعنا اللّه - تبارك وتعالى - به؟ قال: ((لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلّم أخاك ووجهك إليه منبسط))7.

ومن أنواع الصدقات أيضاً أداء الحقوق إلى أصحابها فعن أَبى هريرة - رضي الله عنه - أَن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ)) قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ))8، وفي حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع: وذكر منها: ((وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ))9، وعن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القصة قال: ((وتغيثوا الملهوف، وتهدوا الضال))10.

ومنها: إنظار المعسر في الدين فعن سليمان بن بريدة عن أَبيه قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ)) قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ))، قُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ؟ قَالَ: (( لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ))11.

ومنها: الإحسان إلى البهائم لما جاء في الحديث: عن أَبي هريرة أَن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْراً؟ فَقَالَ: ((نَعَمْ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ))12.

بل قد يسر الله الصدقة، وسهلها على الإنسان، فجعل من الصدقات التي يمكن للإنسان أن يقوم بها أن يكف أذاه عن الناس، فإذا لم يفعل الخير فلا يفعل الشر، ويشهد لذلك ما جاء في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: ((الإيمان بالله، والجهاد في سبيله)) قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: ((أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمناً)) قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق)) قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: ((تكف شرك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك))13.

وضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في فعل المعروف؛ فهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حين ولي الخلافة كان يأتي بيتاً في عوالي المدينة تسكنه عجوز عمياء كل يوم، فينضج لها طعامها، ويكنس لها بيتها وهي لا تعلم من هو، فكان يستبق وعمر بن الخطاب إلى خدمته14، ولما ولي عمر الخلافة خرج يتحسس أخبار المسلمين؛ فوجد أرملة وأيتاماً عندها يبكون يتضاغون من الجوع، فلم يلبث أن غدا إلى بيت مال المسلمين فاحتمل طعاماً على ظهره، وانطلق فأنضج لهم طعامهم، فما زال بهم حتى أكلوا وضحكو15.

ومن عجيب ما يذكر عن علي زين العابدين أن أناساً من أهل المدينة كانوا لا يدرون من أين تأتيهم معايشهم، فلما مات فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتَوْنَه في الليل, ولما غسلوه - رحمه الله - وجدوا بظهره أثراً مما كان ينقله بالليل إلى بيوت الأرامل16.

"وهذا عبد الله بن المبارك - رحمه الله - كان ينفق من ماله على الفقهاء، وكان من أراد الحج من أهل مرو إنما يحج من نفقة ابن المبارك، كما كان يؤدي عن المديون دينه، ويشترط على الدائن أن لا يخبر مدينه باسمه"17.

وفاعل المعروف وإن لم يكن له نية التقرب حين الشروع بالعمل فنرجو أن يأجره الله على ذلك، فقد سئل الحسن - رحمه الله - عن الرجل يسأله آخرُ حاجة وهو يبغضه، فيعطيه حياء؛ هل له فيه أجر؟ فقال: "إن ذلك لمن المعروف، وإن في المعروف لأجراً"، وسئل ابن سيرين - رحمه الله - عن الرجل يتبع الجنازة لا يتبعها حسبة يتبعها حياء من أهلها أَلَهُ في ذلك أجر؟ فقال: "أجر واحد؟ بل له أجران، أجر الصلاة على أخيه، وأجر لصلته الحي"18.

فلنبادر معاشر المؤمنين إلى فعل المعروف يقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر"، ويقول الماوردي - رحمه الله -: "فينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف أن يعجله حذار فواته، ويبادر به خيفة عجزه، وليعلم أنه من فرص زمانه، وغنائم إمكانه، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه، فكم من واثق بالقدرة فاتت فأعقبت ندماً، ومعول على مكانة زالت فأورثت خجلاً"، وقال العباس - رضي الله عنه -: "لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيله، وتصغيره، وستره، فإذا عجلته هنأته، وإذا صغرته عظمته، وإذا سترته أتممته"19.

فلا تتردد - أخي الكريم - أن تقضي حاجة لأخيك ولو على حساب وقتك وجهدك، وثق في خالقك أنه سيخلفك خيراً، وسيكون في حاجتك يخفف عنك همك، ويرفع عنك غمك، ويبارك لك في رزقك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ))20 يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "من مشى بحق أخيه إليه ليقضيه فله بكل خطوة صدقة".

فلا تزهد أن تقوم على همٍ فتخففه عنه، أو نجدة تسعفه بها، أو دين تقضيه عنه، أو مال تقرضه إياه، أو نقيصة تدفعها عن عرضه، أو رفقة تؤنسه بها، أو دعاء له تخفيه عنه، وكل عون في بِر، أو مساعدة في خير هي صنائع تنال بها محبة الله، وتفوز من أجلها برضاه، وبالعموم فلنتذكر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده ما من عبد يعمل بخصلة منها يريد ما عند الله إلا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة))21.

نسأل الله أن ينفع بنا، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأن يستعملنا في طاعته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــ
1 سورة الأعراف (199).
2 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص313).
3 أخرجه البخاري (5562)، ومسلم (1673).
4 رواه البخاري (2767)، ومسلم (1677).
5 جامع العلوم والحكم (ص247) الناشر: دار المعرفة. بيروت. الطبعة الأولى (1408هـ).
6 رواه الطبراني في الكبير برقم (13646)، وحسّن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (906)، وقال الألباني: "حسن لغيره" برقم (2623).
7 رواه أحمد (5/63) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (98).
8 رواه مسلم (4033).
9 رواه البخاري (2265)، ومسلم (3848).
10 رواه أبو داود برقم (1481)، وهو في السلسلة الصحيحة (2421)، وحجاب المرأة (34).
11 رواه أحمد برقم (12986)، وهو في صحيح الترغيب والترهيب برقم (907).
12 أخرجه البخاري برقم (2190)، ومسلم (4162).
13 أخرجه مسلم (119).
14 أسد الغابة (3/327).
15 الرياض النضرة (1/385).
16 سير أعلام النبلاء (4/393).
17 سير أعلام النبلاء (8/386).
18 جامع العلوم والحكم (248).
19 يراجع: الجامع لأحكام القرآن (5/363) للقرطبي.
20 الحديث أخرجه البخاري (2262)، ومسلم (4677).
21 أخرجه ابن حبان في صحيحه (373)، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2318).

صاحب همة
2011-07-23, 09:08 PM
اكف جارك (http://ramadaniat.ws/view/1063)


الإسلام دين ترابط وتآلف، وتآخٍ وتكاتف، وهو دين يدعو أبناءه إلى المحبة، ويناشد المجتمع بتوثيق عرى الصلة على مستوى صغاره وكباره, وقد أقام العلائق بين الخلائق على أساس من التراحم والتعاطف فقال - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}1, وأعظم من حَضَّ الإسلام على الإحسان إليه، وأكَّد على حسن معاملته، وحثَّ على غاية التلاطف معه، وحذَّر أشد الحذر من إيذائه وتجريحه؛ هو الجار ولصيق الدار، وهو نفس الأمر الذي كان معهوداً عند كثير من العرب لأصالة معدنهم، وطيب مخبرهم - في الجاهلية والإسلام -، حتى إنهم كانوا ليتفاخرون بحسن الجوار، ويثمنون الدار على قدر حسن أدب الجار فيقول أحدهم:


يلومونني أن بعت بالرخص منزلي ولم يعرفوا جاراً هناك ينغص

فقلت لهـم كفـوا المـلام فإنها بجيرانها تغلوا الديار وترخص


وتراهم يندبون على اختيار الجار قبل شراء الدار:


اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم لا تصلح الدار حتى يصلح الجار


فجاء الإسلام ليحفظ لهذا الجار حقه العظيم، ويوصي بذلك في كتابه الكريم فقال - سبحانه -: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ...}2, وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: ((خير الأصحاب عند الله خيره لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره))3.

بل وجعل الشارع الحكيم أذية الجار سبباً لاستحقاق النار - عياذاً بالله - ولو كان المرء صاحب طاعة وعبادة؛ فقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: "يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار)).4

ونفي المصطفى - صلى الله عليه وسلم – الإيمان عمن لا يسلم جيرانه من شره فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)) قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه))5, فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.


أقـول لجـاري إذا أتاني معاتبــاً مدلاً بحــق أو مدلاً بباطل

إذا لم يصل خيري وأنت مجـاوري إليك فما شري إليك بواصل


كل هذا تنويهاً بشأن الجار، وجلالة مكانته وقدره، فكيف بك أيها المسكين حين تقف بين يدي رب العالمين، وجارك يشتكيك ويقول: يا رب إن جاري هذا لم يرع حق الجيرة، ولم يحسن معي السيرة، آذاني بعينه ينظر إلى محارمي، وبسمعه يتسلط على أسراري، وبلسانه يتفكه بمعايبي.

فيا ابن الإسلام: إن حق جارك عليك عظيم.

فمن حقه عليك إن مرض أن تعوده، وإن مات أن تشيعه، وإن استقرض وأنت قادر أن تقرضه، وإن أعوز أن تستره، وإن أصاب خيراً أن تهنئه، وإن أصيب بمصيبة أن تعزيه، وألا ترفع بناءك على بنائه لتؤذيه، وإذا رأيته على منكر أن تنهاه، وإذا رأيته على معروف أن تعينه عليه، فربما تعلق برقبتك يوم القيامة فيقول: رب .. هذا رآني على منكر فلم يأمرنِي ولم ينهانِي.

ومن حق الجار أيضاً تجاه جاره أن يتحسس حاله، وأن يتفقد حاله ومعاشه، وأن يغنيه ذل السؤال إن كان معوزاً محتاجاً يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم بِه))6, ويتأكد هذا الحق خاصة إذا أهلَّ علينا شهر رمضان المبارك، وأناخ بوادينا أيامه ولياليه العاطرة، وليكن الواحد منا دأبه دأب هذا القائل:


إذا ما عملتِ الزاد فالتمسي له أكيــلاً فإني لست آكله وحدي

كريماً قصيّاً أو قريبــاً فإنني أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي

وكيف يُسيغُ المرء زاداً وجاره خفيف المعي بادي الخصاصة والجهد

وللموت خير من زيارة باخل يلاحظ أطراف الأكيـل على عمد

وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً وما فيّ إلا تلك من شيــمة العبد7


فإذا ما أصبح كل فرد يهتم بجاره، ويتفقد أحواله؛ ساد في المجتمع روح الإخاء بين أفراده، وخيمت سحب المودة على قلوب صغاره وكباره، وعاشوا أنعم عيش، واختفى البؤس وشظف العيش.

وإن من كمال الغبطة أن ينضاف إلى ملاصقة الدار صلاح الجار، فهذا هو الأخ الذي لم تلده أمك، وهذه السعادة التي أخبر عنها نبيك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء))8؛ أتدري لماذا؟ لأن الجار الصالح يدفعه صلاحه لأن يذب عن عرضك، ويعرف معروفك، ويكتم عيوبك، فيفرح إذا فرحت، ويتألم إذا حزنت.

وإن من المؤسف حقاً في هذه الأزمنة المتأخرة أن تلمس الإعراض عن الجار في كثير من الأحياء والبيوت، فتجد الجار لا يعرف جاره، ولا اسمه ولا عنوانه، ولا غناه ولا فقره - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.

فاتق الله أخي في جارك ذو الرحم القريب، وجارك المسلم الغريب.

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يوفقنا للقيام بحقوق الجار, وأن يستخدمنا في خدمة عباده الأخيار والأطهار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــ
1 سورة الحجرات (13).
2 سورة النساء (36).
3 رواه الترمذي برقم (1944) وقال الترمذي: حسن غريب؛ وأحمد في المسند برقم (6566)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم؛ والبخاري في الأدب المفرد برقم (115)؛ وابن حبان برقم ( 518)؛ وابن خزيمة في صحيحه برقم (2539)؛ وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم (84).
4 رواه أحمد في المسند برقم (9673)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن؛ والحاكم في المستدرك برقم (7304) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2560).
5 رواه البخاري برقم (5670).
6 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (751)؛ وابن أبي شيبة في المصنف برقم (30359)؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5505)؛ وفي الجامع الصغير وزيادته برقم (10442).
7 زهر الأكم في الأمثال والحكم (255) الشاملة.
8 رواه ابن حبان في صحيحه برقم (4032)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري؛ والبيهقي في شعب الإيمان برقم (9556)؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (887)؛ وفي السلسلة الصحيحة برقم (282).

صاحب همة
2011-07-23, 09:12 PM
سلوكيات صائم (http://ramadaniat.ws/view/1262)


عندما يقبل شهر رمضان يتشوَّف الناس هلاله، ويعدُّون الساعات عداً حتى تأتي البشرى بانتهاء شعبان، وبداية رمضان، يفعلون ذلك كما لا يفعلون في غيره من سائر الشهور، بل ربما جهل كثير من المسلمين بداية الشهور ونهايتها، حتى إذا جاء شهر رمضان تغيرت طبيعتهم، ولسان حالهم يردد قوله - تعالى -: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}1.

إنها فرصة في هذا الشهر الكريم أن يتنفس المسلم الصعداء وهو يردد مع الذاكرين عند رؤية هلال رمضان "ربي وربك الله, هلال خير وبركة".

والمسلمون لا يرتبطون خلال شهر رمضان ببداية الشهر ونهايته فحسب بل هم يترقبون الفجر حتى يمسكوا، ويترقبون مغيب الشمس حتى يفطروا، ويعدُّون أيامه عداً لا يكاد يخطئ فيه أحد؛ فيرتبطون بحركة هذا الكون العابد المسبح لله - تعالى -: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}2، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}3.

وهذا الترقب والانتظار يتساوى فيه المسلمون جميعاً عرباً وعجماً، فقراء وأغنياء، حكاماً ومحكومين، إذ لا مجال للحظوة والوساطة، فمن أكل أو شرب متعمداً بعد أذان الفجر أو قبل أذان المغرب فصيامه باطل، وليس هناك صيام للسادة وصيام للعبيد، وليس هناك صيام للصفوة، وصيام للعامة، فالكل هنا سواء.

إن سلوكيات الصائم في رمضان تظهر في استغلال هذا الشهر بما خصه الله به من صيام، والصيام جُنَّة (أي وقاية)، وكل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لله وهو يجزي به، وأنعم بجزاء الله - تعالى - من جزاء، وأجمل بكرمه وعطائه من عطاء، والصوم يهذب النفس، ويسمو بالروح والخلق، ومن هنا يتعلم المسلم أنه لم يخلق ليأكل ويشرب ويعاشر النساء، فهذا تشاركه فيه جميع دواب الأرض، لكنه خلق لغاية أسمى، وهدف أعلى؛ هو عبادة الله - تعالى - وتقواه بإتيان ما أُمر، واجتناب ما نُهى، فهي إذن ثورة على شهوات الأرض وجواذبها حيث نملكها ولا تملكنا، فلسنا عبيداً لشهوة، ولا أسرى لعادة، وقد أعلنَّا العبودية لله بما يتضمن نبذ عبودية ما دون الله.

وهذا الشهر تصفد فيه الشياطين، ويترك المسلم لنفسه لتكون أكثر انقياداً له {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}4؛ فيميز المسلم بين ما يأمره الشيطان وما تأمره النفس، ويعرف الداء ليهتدي إلى معرفة الدواء، ويضع من التدابير الواقية والأسباب المعينة على الارتقاء بالنفس وتهذيبها وتزكيتها ما ينتفع به قال - تعالى -: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}5؛ فيحاسب المسلم نفسه، ويراقبها ويعاتبها ويؤدبها حتى يسلس انقيادها له، وتخضع لأمر الله لترقى في معالي الخلود حتى تصير نفساً مطمئنة، وتنادى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}6.

والصائم في هذا الشهر يهتم بحراسة مدخل الطعام والشراب، إلا إذا نسي أو أخطأ: ((مَنْ أَكَلَ نَاسِياً وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ))7، ولذلك لم يقف الشيطان له في هذا الطريق لعلمه بحرصه عليه، ويقظته وتنبهه من أن يؤتى من قبله، لكن وقف له في طريق آخر فأغواه وأغراه بالغيبة والنميمة، وإطلاق اللسان في الآخرين يشتم هذا، ويقذف هذا دون أدنى حرج، وهو لا يعلم أن طعامه وشرابه ناسياً لا يقارن بما يقترفه من الكبائر الموبقة التي تذهب بأجر الصيام.

وفي الشهر يسن للمسلم الاعتكاف ليترك للناس الدنيا وزخرفها، وضجيجها وضوضائها، ولهوها وزينتها، وينقطع إلى العبادة والذكر، والقيام والقرآن، وفي هذه الخلوة تتسامى روحه، وتصفو نفسه، وتعلو همته، ويستمد الطاقة من الله ليستعين بها طوال عامه، وبهذا تتحقق التقوى في أتم صورها التي أمر الله - تعالى - المسلمين بها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ}8.

وفي هذا الشهر تكون زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وإغناء لهم عن ذل الحاجة والسؤال في يوم العيد, وبإعطائها الفقراء يتدرب المرء على البذل والعطاء حتى ولو كان معسراً، ويصدق فيه قول الله - تعالى -: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ}9، وهذه الطريقة المنظمة الشاملة العامة للبذل والعطاء لها أثرها الطيب في خُلق الغني والفقير، فهي تطهر نفس الغني من الشح والبخل، ليعلم أن المال مال الله، وأنه مستخلفه فيه، ينفق منه حيث أمره، ويمسك حيث نهاه، وفي الوقت نفسه تطهر نفس الفقير من الحقد والحسد، ويعلم أن الله لم يتركه هملاً، ولن يضيع في وسط مجتمع مسلم يعرف حق الله في ماله.

وهكذا يهذب الصيام سلوك الصائم، ويجعله يتجه نحو ربه بكل قوة ونشاط.

نسأل الله - تعالى - أن يصلح أخلاقنا وسلوكنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونسأله - سبحانه وتعالى - أن يغفر ذنوبنا، ويستر عيوبنا، وينور قبورنا، ويسهل أمورنا، ويتوفانا وهو راض عنا؛ إنه نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــ
1 سورة التوبة (36).
2 سورة الإسراء (44).
3 سورة الحج (18).
4 سورة يوسف (53).
5 سورة الشمس (7-10).
6 سورة الفجر (27-30).
7 رواه البخاري (6176)، ومسلم (1952).
8 سورة آل عمران (102).
9 سورة آل عمران (134).

صاحب همة
2011-07-23, 09:20 PM
وقولوا للناس حسناً (http://ramadaniat.ws/view/1330)


شهر رمضان المبارك هو شهر الجود والإحسان، والتنافس في فعل الخيرات القولية والعملية، ومن جملة الخيرات القولية: التكلم بالقول الحسن، اللطيف غير المؤذي؛ إذ المعلوم أن الكلام الذي يتكلم به الإنسان مسجل محفوظ في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى, وهذه حقيقة قررها القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات؛ ليكون الإنسان محاسباً لنفسه، مراقباً للسانه يقول الله - تبارك وتعالى -: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}1, ويقول: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}2, والآيات في هذا الصدد كثيرةً جداً، والمقصود هو تنبيه العباد إلى أن ما يصدر عنهم من أقوال تُسجل إما لهم وإما عليهم، فإذا ما التزم الإنسان القول الحسن في جميع أحواله لم يسجل في صحيفته إلا الخير الذي يسره يوم القيامة, والعكس بالعكس.

ويأتي هذا الموضوع امتثالاً لأمر الله - تبارك وتعالى - الذي أمر عباده أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها، ومن الكلمات أجملها فقال - تبارك وتعالى -: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}3 أي عند حديثكم إلى بعضكم لتشيع الألفة والمودة، وتسود روح الأخوة, وتندفع أسباب الهجر والقطيعة والعداوة قال يحيى بن معاذ الرازي - رحمه الله -: "ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين: إحداها: إن لم تنفعه فلا تضره، والثانية: إن لم تسره فلا تغمه، والثالثة: إن لم تمدحه فلا تذمه"4.

وقال الله - تعالى -: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}5 يقول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -: "وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال‏:‏ {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏} وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر، وعلم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يؤمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما‏.‏

والقول الحسن داع لكل خلق جميل، وعمل صالح؛ فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره‏.‏

وقوله‏:‏ {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم‏.، فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم؛ فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه، فإنه يدعوهم {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}6، وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم، وسعى في العداوة؛ فإن الحزم كل الحزم السعي في ضد عدوهم، وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها, فبذلك يطيعون ربهم، ويستقيم أمرهم، ويهدون لرشدهم"7‏.

وإن أحق من يعامل بهذا الخُلق الكريم هما الوالدان اللذان أمر الله - تبارك وتعالى - ببرهما والإحسان إليهما، ومن الإحسان إليهما اختيار الطيب من الأقوال عند الحديث إليهما {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}8, وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أبوك))9، , وجاء عن عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كذلكم البر، كذلكم البر))10، وكان كثير من السلف إذا تكلم مع أمه لا يكاد يُسمع من شدة حرصه على خفض صوته تأدباً, وإننا لنعجب اليوم من حال شباب وفتيات يتعاملون مع والديهم معاملة فظة يرفعون فيها أصواتهم، وينهرونهم ويسيئون إليهم، ويؤذونهم بمنطقهم السيئ, حتى يخيل لمن رآهم ولم يكن يعلم أن هذا هو الوالد أو أن هذه هي الأم؛ أنهما خادمان يعملان لدى الأبناء؛ من شدة غلظة وقسوة الألفاظ التي يستخدمها الأبناء مع والديهم نسأل الله لنا ولهم الهداية.

ومما لا شك أن الترفق في الألفاظ مطلوب أيضاً بين الزوجين فإن الأساس الذي تبنى عليه البيوت هو الرحمة والمودة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}1 1, والزوجان محتاجان احتياجاً حقيقياً لأن يختار كل منها لصاحبه أحسن الألفاظ للتخاطب بها، وإبداء مشاعر الحب والرحمة تجاه بعضهما، وانظر إلى هذا الحديث الحاني بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - كما في الصحيحين أنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى)) قالت فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: ((أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد, وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم))، قالت: قلت أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك"12، فأي رحمة هذه، وأي منطق حسن هذا!!

قال عبيد بن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فسكتت، ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: ((يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي))، قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرك قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}13 الآية كلها))14.

أخي الكريم: عوِّد لسانك الخير، واعلم أن الله - تبارك وتعالى - لم يبح لعباده الجهر بالسوء إلا في أحوال محددة كحالة التظلم فقال: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً}15، وبالعموم فإن على المسلم أن يحسن التعامل مع جميع الناس قريبهم وبعيدهم, وأن يعوِّد لسانه النطق بالكلام الحسن, وتجنب الكلام القبيح.

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يعيننا على طاعته ورضاه، ونسأله أن يوفقنا في جميع الأقوال والأفعال، وأن يسدد ألسنتنا, ويجنبنا الزلل في القول والعمل بمّنه وكرمه, والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــ
1 سورة ق (18).
2 سورة الزخرف (80).
3 سورة البقرة (83).
4 الزهد والرقائق (114).
5 سورة الإسراء (53).
6 سورة فاطر (6).
7 تفسير السعدي (460).
8 سورة الإسراء (23).
9 رواه البخاري برقم (5626)؛ ومسلم برقم (2548).
10 رواه الحاكم في المستدرك برقم (4929)، وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
11 سورة الروم (21).
12 رواه البخاري برقم (4930)؛ ومسلم برقم (2439).
13 سورة آل عمران (190).
14 رواه ابن حبان برقم (620)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (68).
15 سورة النساء (148).

صاحب همة
2011-07-23, 09:25 PM
الأقربون أولى بالمعروف (http://ramadaniat.ws/view/1052)


امتدح الله - سبحانه وتعالى - في غير ما موضع من كتابه الكريم القائمين على حاجة الفقراء والمحتاجين، وأجزل الأجر للباذلين فقال: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}1 ، وبيَّن الرب - سبحانه وتعالى - ما يترتب على هذا الإحسان من الأجر والثواب عنده - جل وعلا - فقال: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِين َ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}2، ولعظم الصدقة، وجزيل أجرها؛ خصَّ أربابها بباب في الجنة لا يدخل منه إلا هم فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة))3.

ويعظُم أجر الصدقة إذا قُدِّمت في زمن فاضل خصَّه الله بمزايا وفضائل، ويعتبر رمضان من تلك المواسم العظيمة التي ينبغي للمسلم أن يتحرى فيها الإنفاق في سبل الخير، ووجوه البر؛ بقدر إمكانه؛ تأسياً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد كان ينفق في رمضان ما لا ينفق في غيره, وثبت في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن، فلهو أجود بالخير من الريح المرسلة"4، وهذا يدل على فضل الإنفاق في رمضان، ولعل هذه الأفضلية تتبوأ مرتبة أسمى، ومقاماً أجل؛ إذا دفع العبد الصدقة إلى الأقربين، وألصق الناس به؛ إن كانوا من أهل العالة والحاجة؛ فتصبح خياراً من خيار، ويشهد لذلك قوله - سبحانه -: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْ نِ وَالأَقْرَبِينَ }5، فأولى الناس وأحقهم بالتقديم أعظمهم حقاً عليك كالوالدين الواجب برهما، ومن أعظم برهما النفقة عليهما، ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة على الولد الموسر، ومن بعد الوالدين الأقربون على اختلاف طبقاتهم الأقرب فالأقرب على حسب القرب والحاجة، فالإنفاق عليهم صدقة وصلة6.

وصية رسولك:

أخي المتصدق: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بستان "بيرحاء"، وكان هذا البستان مستقبلاً المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ، قال أنس: "فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}7 قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه: {لن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بخ، ذلك مال رابح، مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى أن تجعلها في الأقربين))، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول - صلى الله عليه وسلم -، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه"8.

محل الأفضلية:

لعلك تتشوف لمعرفة مصدر هذه الأفضلية، لا عليك، اقرأ ما أخبر عنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة))9 يقول العلامة المناوي: "ففيها أجران بخلاف الصدقة على الأجنبي ففيها أجر واحد، وفيه التصريح بأن العمل قد يجمع ثواب عملين لتحصيل مقصودهما به، فلعامله سائر ما ورد في ثوابهما بفضل الله ومنته"10.

أولى الأقارب بالصدقة:

وإذا أردت معرفة المزيد عن أولى الناس من أقاربك بصدقتك فهما صنفان:

الأول: اليتيم لقوله - جلَّ وعلا -: {فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَو إِطعَامٌ فِي يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ}11 أي: ذا قرابة منك، فالإنفاق على الأقارب الأيتام مقدم على الإنفاق على غيرهم إذا تساوت الحاجة من باب أن "الأقربون أولى بالمعروف" دوم12، قال السيد المرتضى: "وهذا حضٌّ على تقديم ذوي النسب والقربى المحتاجين على الأجانب في الإفضال"13.

الثاني: القريب الكاشح وهو الذي يضمر العداوة ولا يألفك فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح))14، وحكمة ذلك: لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها، فهي أفضل أجراً منها على الأجنبي؛ لأنه أولى الناس بالمعروف15.

آخرون في حكم الأقارب:

- الجار فقد أوصى به الله - سبحانه وتعالى - بقوله: {وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ}16.

- الصاحب والصديق في سبيل الله لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله - عز وجل -))17.

قبل الختام:

من المناسب الإشارة إلى أن المعروف للأقربين من آسرتك وذويك وأهلك ليس محصوراً في الصدقة فحسب كما قد يتصور البعض، بل يشمل كل مناحي الحياة ومتطلباتها، وأسمى معروف يقدمه الواحد لقريبة هو دعوته ونصحه، وتعليمه العلم النافع دنيا وآخرة، وبذا جاءت النصوص بتقديمهم وتمييزهم على غيرهم، وإنما قصرنا الحديث على الصدقة كونها موضوع المقالة فليعلم.

ختاماً أيها المبارك:

هذه صفقة رابحة مع ربك تنال بها المغنم مرتين، فلا تتوانى ما دام المشتري في هذه الصفقة ربك، وتيقن ضمان الربح، وإن شئت فأقرأ قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}18، فأبدأ المساهمة وتصدق يقول مجاهد: "هاهنا يا ابن آدم فضع كدحك وسعيك، ولا تنفح بها ذاك وذاك، وتدع ذوي قرابتك وذوي رحمك"19.

وفقك الله لمرضاته.

ــــــــــــ
1 سورة المعارج (24-25).
2 سورة الحديد (7).
3 رواه البخاري برقم (1798)، ومسلم برقم (1027).
4 رواه البخاري برقم (1803)، ومسلم برقم 2308).
5 سورة البقرة (215).
6 تفسير السعدي (96) بتصرف.
7 سورة آل عمران (92).
8 رواه البخاري برقم (1392)، ومسلم برقم (998).
9 رواه الترمذي برقم (658)، والنسائي برقم (2582)، وابن ماجه برقم (1844)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (2582).
10 فيض القدير (4/193).
11 سورة البلد (11-16).
12 سلسلة التفسير لمصطفى العدوي.
13 محاسن التأويل.
14 رواه أحمد في مسنده برقم (23577)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (1990).
15 فيض القدير (2/38).
16 سورة النساء (36).
17 رواه الطيالسي في مسنده برقم (1080)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (1983).
18 سورة فاطر (29-30).
19 الدر المنثور (1/586).

صاحب همة
2011-07-23, 09:28 PM
أين أنت منهم (http://ramadaniat.ws/view/1064)


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن المتتبع لحالات كثير من الأسر في بلدان المسلين يرى ملامح عديدة للفقر والعوز، والحاجة والبؤس، والشقاء والتعاسة؛ تتوزع بين الفقراء والمساكين، والمحتاجين والأرامل والأيتام؛ لاسيما عندما يرون غيرهم في نعمة وعافية، ورغد من العيش، ووفرة من الراحة والهناء؛ خصوصاً في شهر رمضان المبارك الذي يعتبر شهر الجود والإحسان، والإنفاق والصدقة والبر.

وقد تفاقم هذا الأمر حتى وصل الحال ببعض الفقراء والمساكين إلى ارتياد أماكن الزبالات باستمرار للعيش على ما يُرمَى من بقايا الأطعمة؛ بل اضطرت بعض الأسر إلى فعل ما هو أسوأ من ذلك، فأين أنت أيها المسلم من هؤلاء الفقراء المساكين، المحتاجين، والأرامل، والأيتام؛ أين أنت أيها المثري؟


أيهـــا المثري ألا تكفل من بات محرومــاً يتيماً معسراً

أنت ما يدريك لو راعيـــته ربمــــا راعيت بدراً نيراً

ربما أيقظت سعداً ثــــابتاً يحسن القــول ويرقى المنبرا

ربما أيقظت منهم خــــالداً يدخل الغيل على أسد الشرى

كم طوى البؤس نفوساً لو رعت منبتاً خصباً لصـارت جوهراً

كم قضى اليتم على مـوهبــة فتوارت تحت أطبـاق الثرى

إنمـــــا تحمد عقبى أمـره من لأخراه بدنيــاه اشترى


أنقذ نفسك ومالك من الشح بالإنفاق على هؤلاء حتى ولو بشق تمرة، واعلم أن الصلة نور، والصدقة برهان، وهذا هدي نبيك - صلى الله عليه وسلم - كما قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "وكان العطاء والصدقة أحب شي إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه"، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة، لا يتكاثر العطاء، بل يعيش مع الفقراء والمساكين، يتفقد أحوالهم، ويتلمس حاجتهم، ويسعى في قضائها، فكانت تأتيه الجارية فتسأله حاجتها، ويأتيه اليتيم فيشكو إليه حاله، وهو مصغٍ لكل واحد منهم، لا يحتجب دونهم، ولا يتعالى عليهم.

فالله الله أخي الصائم في إخوانك المساكين فإنك مسؤول عنهم أمام الله - تعالى -؛ تلمس حاجتهم في شهر رمضان:

- أنفق عليهم من مالك، واحرص على أن يفطروا على مائدتك؛ لتحوز على أجورهم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من فطر صائماً كان له مثل أجره))1.

- عايش أحوالهم، واذهب في الليل الدامس إلى بيوتهم، وانظر ماذا يحتاجون من طعام وشراب، وملبس ... وغيرها من احتياجات، ثم قم بقضاء حوائجهم، وتلبية طلباتهم، وليكن ذلك سراً فإنه أسلم لحالك وحالهم لقول نبيك - صلى الله عليه وسلم -: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))2.

ولا أنسى في الأخير أن أُطل بك أخي الصائم إطلالةً سريعة على نافذة من الأجر العظيم، والخير العميم، المعد للمنفقين والمتصدقين قال - تعالى -: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}3، وقال الله - تعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}4، وقال - عز وجل -: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِين َ وَالْمُصَّدِّقَ اتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}5، وقال - سبحانه -: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}6.


والحمد لله أولاً وآخراً.


ـــــــــــــــ ـ
1 رواه الترمذي برقم (735)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (807).
2 رواه الحاكم في المستدرك برقم (6418)، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1908).
3 سورة البقرة (274).
4 سورة البقرة (261).
5 سورة الحديد (18).
6 سورة البقرة (245).