أم محمد الظن
2011-07-10, 01:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الكياسة في السياسة
الجزء[2]
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرر أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
فأهلًا ومرحبًا بإخواني بعد غيبة خمسة عشر عامًا ، في
آخر محاضرة ألقيتها هنا في مدينة بورسعيد كانت سنة خمس وتسعون في مسجد التوحيد ، وكانت بعنوان: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنا عادة قلما أنسى آخر كلام قلته في أي بلد من البلدان ، لأن محاضراتي كثيرة وفي بلاد كثيرة ، لكن كان بيني وبين هذه المدينة نوع محبة وارتباط فالحمد لله الذي أعادنا مرة أخرى لنصافح هذه الوجوه التي أسأل اللهU أن تكون من جند الله ورسوله .
كنت ألقيت في جامعة القاهرة محاضرة بعنوان( الكَياسة في فن السياسة) وأنهيت منها الجزء الأول ووعدت أن أتممه بجزء ثاني ولكن لم أتمكن من الذهاب مرة أخرى بسبب كثرة المحاضرات في المحافظات المختلفة والجامعات المتنوعة ، فإن شاء اللهU أن أتمم موضوعي هنا في هذه المحاضرة ، والموضوع الأول منفصل تمامًا عن هذا الذي أذكره الآن ، لأن معنى أنني أتمم الكلام أي الكلام له مقدمه فقد يبدو أو قد يظن أحد الجلوس أن الأول ناقص ، بل هو محاضرة مستقلة أيضا بأركان مستقلة وأمثلة كثيرة .
لفظة السياسة لفظة غلبت على تسيير شئون الدولة والتعامل مع الدول الأخرى وهذا المصطلح غلب على هذه الكلمة حتى قال شيخنا الألباني رحمة الله عليه يومًا إن من السياسة ترك السياسة ، وكانت هذه العبارة مشهورة له ، والسياسة التي أعنيها بكلامي في هذه المحاضرة ليست هذا المعنى الضيق ولكن السياسة بمعناها العام
السياسة بمعناها العام: هي كيف تصل إلى قلب من تخاطب؟ ويندرج تحتها مصطلحات كثيرة منها المصلحة فإنها لب السياسة ، وأيضًا توصيل العلم إلى الناس فإنه سياسة واختيار الواقع الملائم للدليل فهذا سياسة والمداراة سياسة ، والرفق سياسة ، حتى الخداع سياسة .
فالسياسة شيء لازم لكل حي من غير الثقلين : الدواب والحشرات وغير ذلك والحرباء لما تلون نفسها إذا كانت على شجرة خضراء تكون خضراء وإذا كانت في الصحراء تكون صفراء ، هذه سياسة ، لما حتى تنقذ نفسها تكون بلون الشجر أو لون الصحراء .
فالسياسة هي الحياة : ولذلك جعلت عنوان المحاضرة الكَياسة أي الفطنة والعقل في فن السياسة ، نحن خسرنا كثيرًا جدًا على مستوى الأفراد ومستوى الجماعات والمستوى الدولي بفشلنا السياسي .
والذي يعنيني هو المجال الدعوي أننا ندعو الناس إلى الحق فهذه تحتاج إلى سياسة ، ألم يقل النبيr يومًا كما في حديث أبي مسعود ألبدري t وقال له رجل: يا رسول الله: إني لا أدرك الصلاة مما يطيل بنا فلان فغضب النبي r غضبًا لم يغضبه قط ، وقال: « أيها الناس إن منكم منفرين » الذي ينفر لا يعرف السياسة وتستغرب من كلام الرجل وشكواه يقول: إني لا أدرك الصلاة مما يطيل بنا فلان ، أي بسبب أن فلان يطيل الصلاة ، إمام يقرأ في العشاء بسورة البقرة في الركعة الأولى وأنت في أي طرف من أطراف البلد أليس هذا مدعاة أن تدركني في الركعة الأولى أم لا ؟ ، هو يقول له: بسبب أنه يطيل أنا لا أدرك ، فكيف يكون ذلك ، هو لأنه لا يستطيع أن يقف وقتًا طويلًا في الركعة الأولى فيقدر في ذهنه ، يجلس في البيت ويقول هو سيقرأ في الغالب نصف سورة البقرة في الركعة الأولى ، فنصف سورة البقرة تقريبًا تكون في كم من الوقت ؟ فيقول : يقرأها في ساعتين فيجلس ساعة في بيته ثم ينزل فيلحق ثلاثة آيات مع الركوع فيكون أدرك الركعة الأولى ، فالرجل يقصر في هذه المرة ويأتي فيجده قد انتهى من الصلاة بالكلية ، وليس في الركعة الأولى ، لا .
فهو بسبب أنه يقدِّر أن فلان سيطيل فيقدِّر الوقت فيقول أنا لا أدرك الصلاة بسبب أن فلانًا يطيل ، لما ؟ لأنه يتأخر حتى ينتهي من الركعة الأولى ثم ينتهي من القراءة في الركعة الثانية ونلحق به في الركوع في الركعة الثانية ، والثالثة والرابعة ليس فيها قراءة فيكون أدرك الصلاة فالنبي r غضب غضبًا شديدًا وقال: « أيها الناس إن منكم منفرين ».
السياسة تحتاج إلى حكمة وذكاء واستقراء : الاستقراء استفعال من القراءة أي كثرة القراءة ، وأنا لا أعني القراءة بمفهومها المحدود الذي يتبادر إلى الأذهان أنك تقرأ كتب العلم ، لا ، أن تقرأ نفوس الناس في وجوههم وهذا من الكياسة بمكان ، وأي رجل مدرب في صنعته يستطيع أن يصل إلى هذا ، الطبيب أحيانًا يأتيه المريض دون أن يشتكي فيقول المريض هذا عنده كذا وكذا وَكذا ، لماذا ؟ مر عليه هذا الشكل وهذا الوجه مائة مرة أو مائتين مرة ، ألف مرة ، والمرض أي مرض يكون له حدود معروفة ، الذي عنده القلب يظهر عليه والذي عنده الكبد يظهر عليه والذي عنده الصفراء يظهر عليه ، فتكون علامات يستطيع أن يدركها الطبيب المتأمل الممارس لفترة طويلة هناك مثل ضربته مرة ، كنت أسكن في القاهرة في مكان ورش وكان تحتي أو بجانب البيت الذي بجواري رجل ميكانيكي ، وأنا كنت أسكن على الأوتوستراد الذي هو شارع النصر الذي به المنصة بالقاهرة الذي يصل بك إلى حلوان والملك الصالح ، المهم ونحن نقف مع بعض أمام البيت مرت سيارة لها صوت ضجيج ، فقال لي: هذه السيارة الكرونة الخاصة بها ليس فيها شحم وهذا كله حديد يأكل في بعضه ، فكانت معلومة وانتهت ، واحد يبين لي أنه ماهر ، والغريب أن هذا الرجل كان قد أتى لهذا الميكانيكي ، أول ما رآه وهو يعرف لون السيارة ، أول ما رآه قال له: أنت مشكلة سيارتك أن الكرونة ليس بها زيت أو شحم وتأكل في بعضها وتعمل صوت رديء الرجل وقف وبهت وقال له: وما الذي عرفك ؟ قال له هذا عملي ، فلما فتح السيارة وجده كما قال بالضبط .
هذا الميكانيكي مدة صنعته أربعون سنة ،يعمل في هذه المهنة أنا اعرف الصوت نفسه وأميز لو سمعت صوت معين في السيارة في الموتور أقول لك هذا يأتي من المكان الفلاني بدون أن أحضر لك آلة وأكشف عليها وغير ذلك ، فهذا الاستقراء وهذا الفهم في كل الصناعات وليس في العلم وحده ، كل ما الإنسان يكبر في السن مع محبته لمهنته ينجح فيها ، لذلك نحن :
نقول لشبابنا في الدعوة استفيدوا بخبرة الشيوخ ويستفيد الشيوخ بسواعدكم : لأن نفس المرحلة التي مر بها الشباب نحن مررنا بها ، عندنا حماس وعندنا نشاط وغيره على السنة ومحبة للدين ، فكان كل هذا يدفعنا إلى تخطي حواجز الحكمة ، فكنا نفسد لأنه لم يكن لنا آنذاك من يربينا .
ألعظامي والعصامي :أنا وكثير من إخواني على مذهب أبو ذراع ، أتعرفون مذهب أبو ذراع أي ممكن أقول لك أنا رجل عصامي ولست رجلًا عظاميًا ، والعصامي والعظامي بينهما فرق كبير ، العصامي معروف يقول لك هذا رجل عصامي أي بدأ من الصفر ، خرج بمفرده لم يكن أبوه رجل أعمال ولا غير ذلك وأخذ المسألة من بئر السلم ، اليوم هو رجل أعمال كبير واسمه يتردد في الأوساط التجارية وكان فقيرًا لا يجد أن يأكل هذا اسمه عصامي ، إنما العظامي أي الذي ركب على هيكل أبيه الهيكل العظمي لوالده أي لما مات والده ورثه ، فهو عظامي لأنه شب على عظام أبيه وتراث أبيه ، فنحن آباؤنا وأجدادنا لم يكونوا من العلماء إنما خرجنا عصاميين ورزقنا الله U آنذاك محبة السنة ومحبة الدين وامتن علينا I بأكبر منة أننا أخذنا طريق السلفية من أول يوم ، وطبعًا هناك فرق كثير بين الذي يثبت على طريقه من أول يوم وبين الذي يتقلب بين المذاهب والجماعات والأفكار .
الذي يتقلب بين المذاهب والجماعات والأفكار لابد أن تترك كل جماعة ظلًا على فكره كنا في السجن سنة واحد وثمانين في أبو زعبل الزنزانة كانت ثلاثة وأربعين ، لما سجنا الأول في سجن استقبال طرة وكنا أول دفعة تدخل السجن لأن رائحة الدهان الجير كانت تزكم الأنوف ونحن أول ناس دخلنا السجن ، عنبر ألف ، فلما حدثت أحداث أسيوط والجماعة الإسلامية ضربت الشطة ، فأرادوا أن يعملوا استقبال طرة سلخانة استقبال طرة هذا داخل معهد أمناء الشرطة ، ومعهد أمناء الشرطة مزرعة طرة الشيخ كشك رحمه الله كان يقول كلمة لم نكن نعرف معناها إلا بعد أن دخلنا ، قال: الوحيد الذي يدخل سجن طرة ويخرج منه دون أن يمسك ملك الموت ، لأنك لو قفزت من استقبال طرة وهربت ستنزل في معهد أمناء الشرطة ، ولو قفزت من معهد أمناء الشرطة ستنزل في المزرعة ولو قفزت في المزرعة تنزل في مكان آخر ، فهل من المعقول أنك ستفلت من كل هذا الحرس الحديدي وهؤلاء العالم ، هل هي صحراء لا بل كلها بشر .
فلما جاءوا بالجماعة من أسيوط لكي يعملوها سلخانة ذهبوا بنا إلى أبو زعبل ، أنا أريك الإنسان لما يتقلب في أكثر من فكر ماذا يحدث له ، في الاستقبال كان كل جماعة مع بعضها ولم يكن في مصر آنذاك إلا ما يسمى بالجماعة الإسلامية في الجامعات وكانت سلفية مائة بالمائة ، لم يكن أحد غير سلفي في الجامعات ، كانت جامعة القاهرة تخرج كتاب اسمه صوت الحق ، والإسكندرية تخرج كتاب اسمه السلفيون يتحدثون ، تحت هذا العنوان والآخر كانوا ينشرون كتب ابن تيمية وبن القيم وغير ذلك ، فكان السجن كله عبارة عن مذهب واحد ، لكن كان معنا الجماعة الفرماوية وأنا رأيت الفرماوي مؤسس الجماعة وكان عمره حوالي تسعين سنة، وكان جهازه التنفسي تقريبًا صلاحيته بدأت تنتهي ، كانوا الزنزانة فيها دورة المياه نصف جدار وطبعًا الشباك عالي جدًا بجوار السقف ،لكي يتنفس الرجل كانوا يجلسوه فوق الجدار ويضعوا أنفه في الخارج في الشباك لكي يأتي له الهواء ، من أين ؟ من الخارج علي الفور لماذا ؟ لأن الزنزانة زحمة وكثرة التنفس، لا يوجد أكسجين في الزنزانة المهم أنهم عندما رغبوا أن ينقلونا يصورونا فالفرماوي أفتى أن التصوير الفرماوية كانوا حوالي عشرين ثلاثين واحد في السجن كله تجمع في زنزانة واحدة تأخذ عشر مساجين وفعلوا كتلة بشرية خلف الباب لأن شيخهم قال لهم: أن التصوير حرام فرفضوا أن يتصوروا ، السجن كله يترحل ويتصور وهؤلاء مُصرين أنهم لا يتصوروا لأن التصوير حرام ، فأوقفوا عسكري علي باب الزنزانة لكي يمنعوا عنهم الأكل والشرب وبالتالي لابد أن يفتحوا الزنزانة وإلا سيموتوا من الجوع ، فكان الشيخ مصطفى درويش الله يرحمه كان رئيس أنصار السنة في سوهاج كان في الزنزانة التي فوقهم في الدور الثالث قال: نحن مختلفين معهم في الفكر صحيح لكن سنترك الطاغوت يقضي عليهم من الجوع نحن لابد أن نوصل لهم الأكل فكانوا يأتوا من الشباك من الخلف الفرماوي أنا ذكرت لك هو جالس علي الجدار الأوسط ويشم الهواء ، أنا ذكرت لك أن جهازه التنفسي صلاحيته بدأت أن تنتهي واحد دخل علي التسعين .
فالشيخ مصطفى درويش يقطع البطانية ويربط فيها عيش وحلاوة وينزلها من الخلف فالفرماوي يمد يده في الهواء ويأتي بعيش ، ويمد يده يأتي بحلاوة ويعطي لجماعته ، من أين أتي بها ؟ فازدادوا به تمسكًا وأنه ولي إذا كان هذا يمد يده للسماء يأتي بعيش ، يمد يده للسماء يأتي بحلاوة فيكون هذا الرجل ولي فازدادوا به تمسكًا ، أنظر يا أخي سبحان الله إذا أراد الله شيئًا هيأ أسبابه ، والقصة كلها أنه قال: أننا لن نتركهم يموتوا من الجوع لابد أن نعطي لهم، فلهذا العمل للفرماوية هذه إدارة السجن اتخذت قرارًا عندما رغبت أن تنقلنا إلي أبو زعبل هذا الذي جعلني أن أحكي لكم قصة الفرماوية قال: كل زنزانة نضع فيها ثلاثة اتجاهات لا نضع السلفيين مع بعض ، ولا التكفير مع بعض ، ولا الفرماوية مع بعض ، لماذا ؟ ممكن يشكلون حزبًا .
ممكن أن يفعلوا قوة ضاغطة علي إدارة السجن تفعل لنا مشاكل ، أحسن شيء أن يكونوا شركاء متشاكسين نضع بعض التكفير علي بعض السلفيين علي بعض التبليغ علي بعض الفرماوية في زنزانة واحدة وقد كان فكان معنًا سبعة عشر واحد تكفير ونحن كنا حوالي أربعة عشر واحد سلفي ، واثنين فرماوية المهم كانت تشكيلة ، أول ما دخلنا ، نحن الآن أصبحنا شركاء في زنزانة واحدة نعد البلاط ونري حق كل واحد ، كم بلاطة ؟ فهم شركاء متشاكسون ، تكفير يريد حقه في السكن هو تمليك أنت لم تكن تعلم ، متى ستخرج ؟ فهي تمليك فنعد البلاطة يخرج لكل واحد بلاطة إلا ربع فيكون التكفير أخذ له مثلًا جانب ، ونحن نأخذ جانب ، والفرماوية جانب المهم الدنيا سارت هم بمفردهم يأكلوا ونحن بمفردنا نأكل ، والفرماوية بمفردهم يأكلوا وغير ذلك ، مضى يوم ثلاثة أربعة ، الجماعة التكفير يستيقظوا الصبح يلعبوا رياضة لديهم برنامج طبعًا نحن نائمين ويلعبوا رياضة يفعلوا صوت يوقظك من نومك، بدأ يحدث نوع من الشكل المدة طالت وكل واحد في حاله ، فجاء أحد التكفيريين لواحد من السلفيين ، قال: أنظروا يا جماعة أنتم كفرة تمام ونحن يجب علينا أن نقيم الحجة عليكم ونبلغ أحكام الله إليكم فنريد أن نفعل مناظرات بيننا وبينكم ونري من الذي علي الحق إذا كنتم أنتم علي الحق سنرجع لكم ، وإذا كنا نحن علي الحق ترجعوا لنا فواحد قال: وكلها تسالي واحد من الجالسين فالكلام ليس موزون ، أول ما يبدأ القصيدة يقول: يا جماعة أنتم كفرة أول القصيدة ، فبدأ يحدث مناظرات حتى والله كانت مرة واحد منهم يصلي من جماعة التكفير يصلي فوقف في آية لا يستطيع أن يأتي بها فواحد منا يرده لم يقبل منه الرد ، لماذا ؟ لأنه كافر نحن لم نكن نصلي كنا جالسين في ذلك الوقت فالمهم جلسنا ، فكان فيه أخ معنا تكفير من شربين و كان الزعيم وهو المناظر ، حدثت مناظرات بيننا وبينهم طويلة وظلت المناظرات حتى عندما خرجت وإخواني خرجوا بعدي بفترة ، المهم أنني فوجئت في يوم من الأيام أنا هذا الشخص الذي كان يناظر عن التكفير جاء لي البلد وقال لي: أنا أصبحت سلفيا .قلت له: كيف ؟ ، قال لي: مرة كنا نتناقش أنا وجماعة التكفير فاعترضت علي شكري مصطفى كتاب شكري مصطفى صاحب التكفير ضربوني علقة كسروا لي عظمي ولحقوني ونقلوني في سجن آخر فأقسمت بالله أن أفضحهم جميعًا ، هذه أول شيء تدل علي أن الرجل ليس علي اعتقادٍ سليم ،أنت كل ما تضربني أغير المذهب وبعد ذلك أفضح الدنيا لا ، فرحت به وقلت له: كيف تسير في الدعوة ؟ قال لي: أسير بالطريقة الفلانية ، ما هي مشكلته ؟ كان إذا غضب يكفر ، هذا بعد ما أصبح سلفي عندما أحد يغضبه جدًا يكفره ، وعندما يرضى ويهدأ يرجع سلفي مرة أخري ، ما هي المشكلة ؟ ، المشكلة لو أن رجلًا تقلب في اتجاهات عدة كل اتجاهٍ لابد أن يترك عليه ظلالًا منه لا يكون خالصا ولا صافيا أبدًا .
فأنا أقول: تجربتنا التي بدأت أنا بدأت سنة خمس وسبعون في الدعوة وسبقني مشايخ من المشايخ الفضلاء الموجودين علي الساحة الآن بسنة أو اثنين أو ثلاثة ، كنا شباب في غاية الحماسة نحب السنة ولم يكن آنذاك علماء والأرياف كلها صوفية ، والعالم أصحاب الموالد وغير ذلك ، عندما بدأنا الدعوة فعلنا مشاكل كثيرة مع الناس، لكن عندما التقينا بالشيوخ وعلمنا معني العلم وطعم العلم ، وبعض شيوخي - رحمة الله عليه - دلني علي كتاب قال: ابحث عنه فإن الشافعي بدأ به ، وهو كتاب في الفِراسة لم يذكر لي اسم الكتاب ، قال لي: الشافعي كان يدرس كتب الفِراسة ، فقلت له: يا شيخنا ، ما معني الفراسة ؟ قال: الذكاء أن تتفرس في وجه محدثك وتعلم الرجل هذا ماذا يصلح له ؟ ، أنا الحقيقة لم أجد هذا الكتاب إطلاقًا علي مدار حياتي العلمية أسأل عن هذا الكتاب لا أعلم له وجودًا ، ولا أعلمه مطبوعًا ، ولا مخطوطًا حتى فلا أدري هل كان كتابًا أم أن الشافعي كان يجمع ما يجده من الحكايات في كتب أخبار الناس وأخبار العلماء وغير ذلك ، لكني اعتنيت بهذا اللون من العلم.
السياسة كلها مبنية علي الفراسة :، فبدأت أجمع حكاية من هنا وحكاية من هنا فرأيت العجب العجاب من تصرفات العلماء ، سرعة البديهة مسألة مهمة جدًا بالنسبة للداعية ، سرعة البديهة أن تقرأ الذي أمامك قراءة صحيحة في ثوانٍ معدودات ،أهلي ألزموني أن أقدم في كلية الشرطة بعد ما انتهيت من الثانوية العامة ذهبت هناك وتجاوزت الامتحانات ولا يوجد إطلاقًا أي مشكلة في حاجة هناك اسمها اختبار هيئة ، اختبار الهيئة هذا هو اختبار سرعة الفراسة لأن ضابط الشرطة أو الضابط الذي في الجيش إذا لم يكن لديه سرعة الفراسة في اتخاذ القرار ممكن يضيع كل الذي وراءه ، افترض أنا ضابط جيش مثلًا ومعي خطة أسير بها فجأة العدو خرج لي بخطة جديدة أنا لم أفعل حسابي عليها إطلاقًا ، ما الذي ممكن أفعله ؟ لابد أن أتصرف حتى أنقذ جنودي ومعداتي ، أو أخرج بأقل قدر من الخسائر .
ضابط شرطة مثلًا ذهب يقبض علي جماعة وكر مخدرات خرجت عليه كيف يتصرف وينجو ويفلت وغير ذلك ؟ هذه تحتاج إلي فراسة عالية جدًا ، فكان امتحان الهيئة هذا امتحان سرعة البديهة ، وكيف تخرج من المطب في ثواني معدودة كلمح البصر وكل ما تكون أسرع في الخروج من المطب كل ما تكون أذكي وتأخذ الدرجة النهائية ، أنا دخل معي اثنين لكن أنا حضرت مع واحد ولم أحضر مع الثاني ، أنا كان اختباري أنني اعد من مائة لواحد تنازلي ولا أأخذ نفسي ولا أبلع ريقي ، لو تلعثمت سقطت أي تأخذها مائة ، تسعة وتسعين ، ثمانية وتسعين ، سبعة وتسعين ستة وتسعين ، خمسة وتسعين ، أربعة وتسعين ، وهكذا ، لو وقفت تفكر سقطت هذه الحمد لله أنا نجحت فيها ، لكن الذي كان معي لو أنا سئلت سؤاله كان مستحيل أجيب أجابته ، الضابط الذي كان يمتحنه بصق في الأرض وقال له: انزل عوم ، قال له: ابعد حتى لا أسكب عليك ، هذا أخذ الدرجة النهائية علي الفور وأنا نفسي انبهرت بسرعة بديهيته سريع البديهة جدًا ما هي تسكب عليك هذه ، كيف أتت له ؟ لكن طبعًا لم أستطيع أن أستمر ، لماذا ؟ لأشياء أخري كثيرة رأيتها في الطابور ونحن نقدم الأوراق وغير ذلك
الكياسة في السياسة
الجزء[2]
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرر أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
فأهلًا ومرحبًا بإخواني بعد غيبة خمسة عشر عامًا ، في
آخر محاضرة ألقيتها هنا في مدينة بورسعيد كانت سنة خمس وتسعون في مسجد التوحيد ، وكانت بعنوان: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنا عادة قلما أنسى آخر كلام قلته في أي بلد من البلدان ، لأن محاضراتي كثيرة وفي بلاد كثيرة ، لكن كان بيني وبين هذه المدينة نوع محبة وارتباط فالحمد لله الذي أعادنا مرة أخرى لنصافح هذه الوجوه التي أسأل اللهU أن تكون من جند الله ورسوله .
كنت ألقيت في جامعة القاهرة محاضرة بعنوان( الكَياسة في فن السياسة) وأنهيت منها الجزء الأول ووعدت أن أتممه بجزء ثاني ولكن لم أتمكن من الذهاب مرة أخرى بسبب كثرة المحاضرات في المحافظات المختلفة والجامعات المتنوعة ، فإن شاء اللهU أن أتمم موضوعي هنا في هذه المحاضرة ، والموضوع الأول منفصل تمامًا عن هذا الذي أذكره الآن ، لأن معنى أنني أتمم الكلام أي الكلام له مقدمه فقد يبدو أو قد يظن أحد الجلوس أن الأول ناقص ، بل هو محاضرة مستقلة أيضا بأركان مستقلة وأمثلة كثيرة .
لفظة السياسة لفظة غلبت على تسيير شئون الدولة والتعامل مع الدول الأخرى وهذا المصطلح غلب على هذه الكلمة حتى قال شيخنا الألباني رحمة الله عليه يومًا إن من السياسة ترك السياسة ، وكانت هذه العبارة مشهورة له ، والسياسة التي أعنيها بكلامي في هذه المحاضرة ليست هذا المعنى الضيق ولكن السياسة بمعناها العام
السياسة بمعناها العام: هي كيف تصل إلى قلب من تخاطب؟ ويندرج تحتها مصطلحات كثيرة منها المصلحة فإنها لب السياسة ، وأيضًا توصيل العلم إلى الناس فإنه سياسة واختيار الواقع الملائم للدليل فهذا سياسة والمداراة سياسة ، والرفق سياسة ، حتى الخداع سياسة .
فالسياسة شيء لازم لكل حي من غير الثقلين : الدواب والحشرات وغير ذلك والحرباء لما تلون نفسها إذا كانت على شجرة خضراء تكون خضراء وإذا كانت في الصحراء تكون صفراء ، هذه سياسة ، لما حتى تنقذ نفسها تكون بلون الشجر أو لون الصحراء .
فالسياسة هي الحياة : ولذلك جعلت عنوان المحاضرة الكَياسة أي الفطنة والعقل في فن السياسة ، نحن خسرنا كثيرًا جدًا على مستوى الأفراد ومستوى الجماعات والمستوى الدولي بفشلنا السياسي .
والذي يعنيني هو المجال الدعوي أننا ندعو الناس إلى الحق فهذه تحتاج إلى سياسة ، ألم يقل النبيr يومًا كما في حديث أبي مسعود ألبدري t وقال له رجل: يا رسول الله: إني لا أدرك الصلاة مما يطيل بنا فلان فغضب النبي r غضبًا لم يغضبه قط ، وقال: « أيها الناس إن منكم منفرين » الذي ينفر لا يعرف السياسة وتستغرب من كلام الرجل وشكواه يقول: إني لا أدرك الصلاة مما يطيل بنا فلان ، أي بسبب أن فلان يطيل الصلاة ، إمام يقرأ في العشاء بسورة البقرة في الركعة الأولى وأنت في أي طرف من أطراف البلد أليس هذا مدعاة أن تدركني في الركعة الأولى أم لا ؟ ، هو يقول له: بسبب أنه يطيل أنا لا أدرك ، فكيف يكون ذلك ، هو لأنه لا يستطيع أن يقف وقتًا طويلًا في الركعة الأولى فيقدر في ذهنه ، يجلس في البيت ويقول هو سيقرأ في الغالب نصف سورة البقرة في الركعة الأولى ، فنصف سورة البقرة تقريبًا تكون في كم من الوقت ؟ فيقول : يقرأها في ساعتين فيجلس ساعة في بيته ثم ينزل فيلحق ثلاثة آيات مع الركوع فيكون أدرك الركعة الأولى ، فالرجل يقصر في هذه المرة ويأتي فيجده قد انتهى من الصلاة بالكلية ، وليس في الركعة الأولى ، لا .
فهو بسبب أنه يقدِّر أن فلان سيطيل فيقدِّر الوقت فيقول أنا لا أدرك الصلاة بسبب أن فلانًا يطيل ، لما ؟ لأنه يتأخر حتى ينتهي من الركعة الأولى ثم ينتهي من القراءة في الركعة الثانية ونلحق به في الركوع في الركعة الثانية ، والثالثة والرابعة ليس فيها قراءة فيكون أدرك الصلاة فالنبي r غضب غضبًا شديدًا وقال: « أيها الناس إن منكم منفرين ».
السياسة تحتاج إلى حكمة وذكاء واستقراء : الاستقراء استفعال من القراءة أي كثرة القراءة ، وأنا لا أعني القراءة بمفهومها المحدود الذي يتبادر إلى الأذهان أنك تقرأ كتب العلم ، لا ، أن تقرأ نفوس الناس في وجوههم وهذا من الكياسة بمكان ، وأي رجل مدرب في صنعته يستطيع أن يصل إلى هذا ، الطبيب أحيانًا يأتيه المريض دون أن يشتكي فيقول المريض هذا عنده كذا وكذا وَكذا ، لماذا ؟ مر عليه هذا الشكل وهذا الوجه مائة مرة أو مائتين مرة ، ألف مرة ، والمرض أي مرض يكون له حدود معروفة ، الذي عنده القلب يظهر عليه والذي عنده الكبد يظهر عليه والذي عنده الصفراء يظهر عليه ، فتكون علامات يستطيع أن يدركها الطبيب المتأمل الممارس لفترة طويلة هناك مثل ضربته مرة ، كنت أسكن في القاهرة في مكان ورش وكان تحتي أو بجانب البيت الذي بجواري رجل ميكانيكي ، وأنا كنت أسكن على الأوتوستراد الذي هو شارع النصر الذي به المنصة بالقاهرة الذي يصل بك إلى حلوان والملك الصالح ، المهم ونحن نقف مع بعض أمام البيت مرت سيارة لها صوت ضجيج ، فقال لي: هذه السيارة الكرونة الخاصة بها ليس فيها شحم وهذا كله حديد يأكل في بعضه ، فكانت معلومة وانتهت ، واحد يبين لي أنه ماهر ، والغريب أن هذا الرجل كان قد أتى لهذا الميكانيكي ، أول ما رآه وهو يعرف لون السيارة ، أول ما رآه قال له: أنت مشكلة سيارتك أن الكرونة ليس بها زيت أو شحم وتأكل في بعضها وتعمل صوت رديء الرجل وقف وبهت وقال له: وما الذي عرفك ؟ قال له هذا عملي ، فلما فتح السيارة وجده كما قال بالضبط .
هذا الميكانيكي مدة صنعته أربعون سنة ،يعمل في هذه المهنة أنا اعرف الصوت نفسه وأميز لو سمعت صوت معين في السيارة في الموتور أقول لك هذا يأتي من المكان الفلاني بدون أن أحضر لك آلة وأكشف عليها وغير ذلك ، فهذا الاستقراء وهذا الفهم في كل الصناعات وليس في العلم وحده ، كل ما الإنسان يكبر في السن مع محبته لمهنته ينجح فيها ، لذلك نحن :
نقول لشبابنا في الدعوة استفيدوا بخبرة الشيوخ ويستفيد الشيوخ بسواعدكم : لأن نفس المرحلة التي مر بها الشباب نحن مررنا بها ، عندنا حماس وعندنا نشاط وغيره على السنة ومحبة للدين ، فكان كل هذا يدفعنا إلى تخطي حواجز الحكمة ، فكنا نفسد لأنه لم يكن لنا آنذاك من يربينا .
ألعظامي والعصامي :أنا وكثير من إخواني على مذهب أبو ذراع ، أتعرفون مذهب أبو ذراع أي ممكن أقول لك أنا رجل عصامي ولست رجلًا عظاميًا ، والعصامي والعظامي بينهما فرق كبير ، العصامي معروف يقول لك هذا رجل عصامي أي بدأ من الصفر ، خرج بمفرده لم يكن أبوه رجل أعمال ولا غير ذلك وأخذ المسألة من بئر السلم ، اليوم هو رجل أعمال كبير واسمه يتردد في الأوساط التجارية وكان فقيرًا لا يجد أن يأكل هذا اسمه عصامي ، إنما العظامي أي الذي ركب على هيكل أبيه الهيكل العظمي لوالده أي لما مات والده ورثه ، فهو عظامي لأنه شب على عظام أبيه وتراث أبيه ، فنحن آباؤنا وأجدادنا لم يكونوا من العلماء إنما خرجنا عصاميين ورزقنا الله U آنذاك محبة السنة ومحبة الدين وامتن علينا I بأكبر منة أننا أخذنا طريق السلفية من أول يوم ، وطبعًا هناك فرق كثير بين الذي يثبت على طريقه من أول يوم وبين الذي يتقلب بين المذاهب والجماعات والأفكار .
الذي يتقلب بين المذاهب والجماعات والأفكار لابد أن تترك كل جماعة ظلًا على فكره كنا في السجن سنة واحد وثمانين في أبو زعبل الزنزانة كانت ثلاثة وأربعين ، لما سجنا الأول في سجن استقبال طرة وكنا أول دفعة تدخل السجن لأن رائحة الدهان الجير كانت تزكم الأنوف ونحن أول ناس دخلنا السجن ، عنبر ألف ، فلما حدثت أحداث أسيوط والجماعة الإسلامية ضربت الشطة ، فأرادوا أن يعملوا استقبال طرة سلخانة استقبال طرة هذا داخل معهد أمناء الشرطة ، ومعهد أمناء الشرطة مزرعة طرة الشيخ كشك رحمه الله كان يقول كلمة لم نكن نعرف معناها إلا بعد أن دخلنا ، قال: الوحيد الذي يدخل سجن طرة ويخرج منه دون أن يمسك ملك الموت ، لأنك لو قفزت من استقبال طرة وهربت ستنزل في معهد أمناء الشرطة ، ولو قفزت من معهد أمناء الشرطة ستنزل في المزرعة ولو قفزت في المزرعة تنزل في مكان آخر ، فهل من المعقول أنك ستفلت من كل هذا الحرس الحديدي وهؤلاء العالم ، هل هي صحراء لا بل كلها بشر .
فلما جاءوا بالجماعة من أسيوط لكي يعملوها سلخانة ذهبوا بنا إلى أبو زعبل ، أنا أريك الإنسان لما يتقلب في أكثر من فكر ماذا يحدث له ، في الاستقبال كان كل جماعة مع بعضها ولم يكن في مصر آنذاك إلا ما يسمى بالجماعة الإسلامية في الجامعات وكانت سلفية مائة بالمائة ، لم يكن أحد غير سلفي في الجامعات ، كانت جامعة القاهرة تخرج كتاب اسمه صوت الحق ، والإسكندرية تخرج كتاب اسمه السلفيون يتحدثون ، تحت هذا العنوان والآخر كانوا ينشرون كتب ابن تيمية وبن القيم وغير ذلك ، فكان السجن كله عبارة عن مذهب واحد ، لكن كان معنا الجماعة الفرماوية وأنا رأيت الفرماوي مؤسس الجماعة وكان عمره حوالي تسعين سنة، وكان جهازه التنفسي تقريبًا صلاحيته بدأت تنتهي ، كانوا الزنزانة فيها دورة المياه نصف جدار وطبعًا الشباك عالي جدًا بجوار السقف ،لكي يتنفس الرجل كانوا يجلسوه فوق الجدار ويضعوا أنفه في الخارج في الشباك لكي يأتي له الهواء ، من أين ؟ من الخارج علي الفور لماذا ؟ لأن الزنزانة زحمة وكثرة التنفس، لا يوجد أكسجين في الزنزانة المهم أنهم عندما رغبوا أن ينقلونا يصورونا فالفرماوي أفتى أن التصوير الفرماوية كانوا حوالي عشرين ثلاثين واحد في السجن كله تجمع في زنزانة واحدة تأخذ عشر مساجين وفعلوا كتلة بشرية خلف الباب لأن شيخهم قال لهم: أن التصوير حرام فرفضوا أن يتصوروا ، السجن كله يترحل ويتصور وهؤلاء مُصرين أنهم لا يتصوروا لأن التصوير حرام ، فأوقفوا عسكري علي باب الزنزانة لكي يمنعوا عنهم الأكل والشرب وبالتالي لابد أن يفتحوا الزنزانة وإلا سيموتوا من الجوع ، فكان الشيخ مصطفى درويش الله يرحمه كان رئيس أنصار السنة في سوهاج كان في الزنزانة التي فوقهم في الدور الثالث قال: نحن مختلفين معهم في الفكر صحيح لكن سنترك الطاغوت يقضي عليهم من الجوع نحن لابد أن نوصل لهم الأكل فكانوا يأتوا من الشباك من الخلف الفرماوي أنا ذكرت لك هو جالس علي الجدار الأوسط ويشم الهواء ، أنا ذكرت لك أن جهازه التنفسي صلاحيته بدأت أن تنتهي واحد دخل علي التسعين .
فالشيخ مصطفى درويش يقطع البطانية ويربط فيها عيش وحلاوة وينزلها من الخلف فالفرماوي يمد يده في الهواء ويأتي بعيش ، ويمد يده يأتي بحلاوة ويعطي لجماعته ، من أين أتي بها ؟ فازدادوا به تمسكًا وأنه ولي إذا كان هذا يمد يده للسماء يأتي بعيش ، يمد يده للسماء يأتي بحلاوة فيكون هذا الرجل ولي فازدادوا به تمسكًا ، أنظر يا أخي سبحان الله إذا أراد الله شيئًا هيأ أسبابه ، والقصة كلها أنه قال: أننا لن نتركهم يموتوا من الجوع لابد أن نعطي لهم، فلهذا العمل للفرماوية هذه إدارة السجن اتخذت قرارًا عندما رغبت أن تنقلنا إلي أبو زعبل هذا الذي جعلني أن أحكي لكم قصة الفرماوية قال: كل زنزانة نضع فيها ثلاثة اتجاهات لا نضع السلفيين مع بعض ، ولا التكفير مع بعض ، ولا الفرماوية مع بعض ، لماذا ؟ ممكن يشكلون حزبًا .
ممكن أن يفعلوا قوة ضاغطة علي إدارة السجن تفعل لنا مشاكل ، أحسن شيء أن يكونوا شركاء متشاكسين نضع بعض التكفير علي بعض السلفيين علي بعض التبليغ علي بعض الفرماوية في زنزانة واحدة وقد كان فكان معنًا سبعة عشر واحد تكفير ونحن كنا حوالي أربعة عشر واحد سلفي ، واثنين فرماوية المهم كانت تشكيلة ، أول ما دخلنا ، نحن الآن أصبحنا شركاء في زنزانة واحدة نعد البلاط ونري حق كل واحد ، كم بلاطة ؟ فهم شركاء متشاكسون ، تكفير يريد حقه في السكن هو تمليك أنت لم تكن تعلم ، متى ستخرج ؟ فهي تمليك فنعد البلاطة يخرج لكل واحد بلاطة إلا ربع فيكون التكفير أخذ له مثلًا جانب ، ونحن نأخذ جانب ، والفرماوية جانب المهم الدنيا سارت هم بمفردهم يأكلوا ونحن بمفردنا نأكل ، والفرماوية بمفردهم يأكلوا وغير ذلك ، مضى يوم ثلاثة أربعة ، الجماعة التكفير يستيقظوا الصبح يلعبوا رياضة لديهم برنامج طبعًا نحن نائمين ويلعبوا رياضة يفعلوا صوت يوقظك من نومك، بدأ يحدث نوع من الشكل المدة طالت وكل واحد في حاله ، فجاء أحد التكفيريين لواحد من السلفيين ، قال: أنظروا يا جماعة أنتم كفرة تمام ونحن يجب علينا أن نقيم الحجة عليكم ونبلغ أحكام الله إليكم فنريد أن نفعل مناظرات بيننا وبينكم ونري من الذي علي الحق إذا كنتم أنتم علي الحق سنرجع لكم ، وإذا كنا نحن علي الحق ترجعوا لنا فواحد قال: وكلها تسالي واحد من الجالسين فالكلام ليس موزون ، أول ما يبدأ القصيدة يقول: يا جماعة أنتم كفرة أول القصيدة ، فبدأ يحدث مناظرات حتى والله كانت مرة واحد منهم يصلي من جماعة التكفير يصلي فوقف في آية لا يستطيع أن يأتي بها فواحد منا يرده لم يقبل منه الرد ، لماذا ؟ لأنه كافر نحن لم نكن نصلي كنا جالسين في ذلك الوقت فالمهم جلسنا ، فكان فيه أخ معنا تكفير من شربين و كان الزعيم وهو المناظر ، حدثت مناظرات بيننا وبينهم طويلة وظلت المناظرات حتى عندما خرجت وإخواني خرجوا بعدي بفترة ، المهم أنني فوجئت في يوم من الأيام أنا هذا الشخص الذي كان يناظر عن التكفير جاء لي البلد وقال لي: أنا أصبحت سلفيا .قلت له: كيف ؟ ، قال لي: مرة كنا نتناقش أنا وجماعة التكفير فاعترضت علي شكري مصطفى كتاب شكري مصطفى صاحب التكفير ضربوني علقة كسروا لي عظمي ولحقوني ونقلوني في سجن آخر فأقسمت بالله أن أفضحهم جميعًا ، هذه أول شيء تدل علي أن الرجل ليس علي اعتقادٍ سليم ،أنت كل ما تضربني أغير المذهب وبعد ذلك أفضح الدنيا لا ، فرحت به وقلت له: كيف تسير في الدعوة ؟ قال لي: أسير بالطريقة الفلانية ، ما هي مشكلته ؟ كان إذا غضب يكفر ، هذا بعد ما أصبح سلفي عندما أحد يغضبه جدًا يكفره ، وعندما يرضى ويهدأ يرجع سلفي مرة أخري ، ما هي المشكلة ؟ ، المشكلة لو أن رجلًا تقلب في اتجاهات عدة كل اتجاهٍ لابد أن يترك عليه ظلالًا منه لا يكون خالصا ولا صافيا أبدًا .
فأنا أقول: تجربتنا التي بدأت أنا بدأت سنة خمس وسبعون في الدعوة وسبقني مشايخ من المشايخ الفضلاء الموجودين علي الساحة الآن بسنة أو اثنين أو ثلاثة ، كنا شباب في غاية الحماسة نحب السنة ولم يكن آنذاك علماء والأرياف كلها صوفية ، والعالم أصحاب الموالد وغير ذلك ، عندما بدأنا الدعوة فعلنا مشاكل كثيرة مع الناس، لكن عندما التقينا بالشيوخ وعلمنا معني العلم وطعم العلم ، وبعض شيوخي - رحمة الله عليه - دلني علي كتاب قال: ابحث عنه فإن الشافعي بدأ به ، وهو كتاب في الفِراسة لم يذكر لي اسم الكتاب ، قال لي: الشافعي كان يدرس كتب الفِراسة ، فقلت له: يا شيخنا ، ما معني الفراسة ؟ قال: الذكاء أن تتفرس في وجه محدثك وتعلم الرجل هذا ماذا يصلح له ؟ ، أنا الحقيقة لم أجد هذا الكتاب إطلاقًا علي مدار حياتي العلمية أسأل عن هذا الكتاب لا أعلم له وجودًا ، ولا أعلمه مطبوعًا ، ولا مخطوطًا حتى فلا أدري هل كان كتابًا أم أن الشافعي كان يجمع ما يجده من الحكايات في كتب أخبار الناس وأخبار العلماء وغير ذلك ، لكني اعتنيت بهذا اللون من العلم.
السياسة كلها مبنية علي الفراسة :، فبدأت أجمع حكاية من هنا وحكاية من هنا فرأيت العجب العجاب من تصرفات العلماء ، سرعة البديهة مسألة مهمة جدًا بالنسبة للداعية ، سرعة البديهة أن تقرأ الذي أمامك قراءة صحيحة في ثوانٍ معدودات ،أهلي ألزموني أن أقدم في كلية الشرطة بعد ما انتهيت من الثانوية العامة ذهبت هناك وتجاوزت الامتحانات ولا يوجد إطلاقًا أي مشكلة في حاجة هناك اسمها اختبار هيئة ، اختبار الهيئة هذا هو اختبار سرعة الفراسة لأن ضابط الشرطة أو الضابط الذي في الجيش إذا لم يكن لديه سرعة الفراسة في اتخاذ القرار ممكن يضيع كل الذي وراءه ، افترض أنا ضابط جيش مثلًا ومعي خطة أسير بها فجأة العدو خرج لي بخطة جديدة أنا لم أفعل حسابي عليها إطلاقًا ، ما الذي ممكن أفعله ؟ لابد أن أتصرف حتى أنقذ جنودي ومعداتي ، أو أخرج بأقل قدر من الخسائر .
ضابط شرطة مثلًا ذهب يقبض علي جماعة وكر مخدرات خرجت عليه كيف يتصرف وينجو ويفلت وغير ذلك ؟ هذه تحتاج إلي فراسة عالية جدًا ، فكان امتحان الهيئة هذا امتحان سرعة البديهة ، وكيف تخرج من المطب في ثواني معدودة كلمح البصر وكل ما تكون أسرع في الخروج من المطب كل ما تكون أذكي وتأخذ الدرجة النهائية ، أنا دخل معي اثنين لكن أنا حضرت مع واحد ولم أحضر مع الثاني ، أنا كان اختباري أنني اعد من مائة لواحد تنازلي ولا أأخذ نفسي ولا أبلع ريقي ، لو تلعثمت سقطت أي تأخذها مائة ، تسعة وتسعين ، ثمانية وتسعين ، سبعة وتسعين ستة وتسعين ، خمسة وتسعين ، أربعة وتسعين ، وهكذا ، لو وقفت تفكر سقطت هذه الحمد لله أنا نجحت فيها ، لكن الذي كان معي لو أنا سئلت سؤاله كان مستحيل أجيب أجابته ، الضابط الذي كان يمتحنه بصق في الأرض وقال له: انزل عوم ، قال له: ابعد حتى لا أسكب عليك ، هذا أخذ الدرجة النهائية علي الفور وأنا نفسي انبهرت بسرعة بديهيته سريع البديهة جدًا ما هي تسكب عليك هذه ، كيف أتت له ؟ لكن طبعًا لم أستطيع أن أستمر ، لماذا ؟ لأشياء أخري كثيرة رأيتها في الطابور ونحن نقدم الأوراق وغير ذلك