أم محمد الظن
2011-06-03, 07:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن وسيئات أعمالنا من يهدي الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71، 72].
اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين أنك حميد مجيد .
أما بعد:
أيها الأخوة الأحباب بادئ ذي بدء اسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم علما نافعًا، وعملا صالحًا متقبلاً هو ولي ذلك والقادر عليه، فأنا سعدت كل السعادة أن أكون معكم في هذا اليوم المبارك وفي دراسة مادة من أعظم المواد ومن أحبها إلى قلبي، وأظن أنها حبيبة إلى قلوبكم ألا وهي السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فهذا الدرس ينقسم في البداية إلى قسمين:
القسم الأول المدخل لفهم السيرة النبوية: فأقدم بهذا المدخل لأن كثيرا من الناس يظن بأن السيرة النبوية ما هي إلا عرض للأحداث التاريخية التي مر بها رسول الله r منذ مولده r إلى مماته بأبي هو وأمي، البعض ينظر إلى هذه الوقائع وإلى هذه الأحداث نظرة سطحية إلى أنها مجرد أحداث تاريخية واختلفت نظرات الناس إلى سيرة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فإذا نظرنا إلى فرق كالمعتزلة أو فرق كالخوارج أو غيرها من الفرق التي ضلت الطريق ونظرتهم إلى سيرة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لوجدنا أمرًا عجبًا ويتضح لكم ما عليه الشيعة الآن ونظرتهم إلى سيرة النبي r وتفضيلهم لسيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه على سيرة نبينا r واهتمامهم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ، عن سيرة نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فنوضح بداية.
ما معنى كلمة السيرة النبوية؟
السيرة النبوية هي دراسة لحياة النبي r وأخباره، وأخبار أصحابه r على الجملة، وبيان أخلاقه، وشمائله، وأوصافه، وخصائصه ودلائل نبوته، وأحوال عصره r، فالسيرة تشمل كل ما يتعلق بالنبي r؛ لأنها فعله، وإقراره لفعل أصحابه r؛ فالسيرة النبوية هي المثال العملي والتطبيق العملي للقرآن كما وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها رسول الله r فقالت: «كان قرآنا يمشي على الأرض كان خلقه القرآن»؛ فالسيرة النبوية ما هي إلا واقع عملي ملموس يلمسه من عاصره r للوحي تطبيقًا عمليًا فكان النبي r خير من امتثل لأمر ربه تبارك وتعالى فكان كما قيل «كان قرآنا يمشي على الأرض كان خلقه القرآن»هذه السيرة لها أهمية عامة، ولها أهمية خاصة.
أهمية السيرة النبوية عامة: هي لعموم المسلمين لأن الله تبارك وتعالى أرسل رسوله r بدعوة عالمية، وليست دعوة فردية أو دعوة خاصة فقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 158]. فالعالم كله لابد وأن يعلم سيرة نبينا r ليستفيد منه القاصي والداني ليتعلم منه المربون كيف يربون؟ وليتعلم منه القادة كيف يسوسون؟ وليتعلم منه الآباء كيف يقومون برعاية الأبناء؟ ولتتعلم منه الأمهات كيف كانت رحمته وشفقته -صلى الله عليه وعلى آله وصحب وسلم- في بيوتهم أو في بيوتهن؟
فالسيرة النبوية أيضا ينبغي على خواص المسلمين أن يتعلموها لاسيما من تصدروا لتعليم الناس، ومن تصدروا لتربية الناس ومن تصدروا لسياسة الناس وقيادتهم فإنهم لابد لهم أن يتعلموا الواقع العملي لرسول الله r حتى يستدلوا بما كان على ما يكون بين أيديهم فإن الأمور اشتباه الفتن التي تمر الآن كانت قبل عشرات السنين أو قبل مئات السنين أمثال ونماذج هذه الفتن كانت موجودة قبل ذلك، كيف تصرف النبي r في هذه المحن؟ الضغط مثلا على الإسلام وعلى المسلمين، حرب من اليهود، وحرب من النصارى، وحرب من العلمانيين، وحرب من الليبراليين، وحرب من أعداء الله U من المنافقين، هذه الحروب كلها مجتمعة الآن كانت أيضًا قبل ذلك هذه الحروب موجودة، كان اليهود يؤلبون على رسول الله r، وكان النصارى يحرضون قبائل العرب على قتاله r، وكان المنافقون سيفًا طاعنًا في رسول الله r وفي أصحابه، وكان من والى المنافقين من العملاء والخونة الذين خانوا الله ورسوله كانوا يفعلون فعلهم.
إذن الواقع هو هو، فلابد لمن تصدر لدعوة الناس، ولتعليم الناس ولتربية الناس، ولسياسة الناس، أن يتعلم سيرة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بلغ من أهمية السيرة أن الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم كانوا يجعلون ذلك منهجا أُثر عن عمر t أنه قال: إن الله تعالى نهج سبيله وكفانا برسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فلم يبق إلا الدعاء والاقتداء، بالنبي r لأن الله تبارك وتعالى قال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
وقال زين العابدين بن علي بن الحسين t وعن أبيه قال: كنا نُعلَّم مغازي رسول الله r كما نُعلَّم السورة من القرآن، فقد كان سلفنا الصالح يعلمون أبناءهم سيرة رسول الله r كما يعلمونهم السورة من القرآن.
قال محمد بن سعد بن أبي وقاص t وعن أبيه: كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله r وسراياه ويقول يا بَنِّي هذا شرف آباءكم أو هذه مآثر آباءكم فلا تضيعوها.
يقول ابن الجوزي رحمه الله تبارك وتعالى: رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يُمزج بالرقائق والنظر في سيرة السلف الصالح وأصلح سيرة، سيرة نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
يقول الإمام الحافظ الخطيب البغدادي : تتعلق بمغازي رسول الله r أحكام كثيرة فيجب كتابتها والمحافظة عليها،و أقدم بهذه الكلمات وأسوقها بين يدي هذا الدرس لنبين فوائد دراسة السيرة النبوية، فدراسة السيرة النبوية لها فوائد عديدة:
فوائد دراسة السيرة النبوية:
أولاً- زيادة الإيمان والتصديق بالله أو لله ولرسوله.
بمجرد أن تدرس سيرة النبي r يزداد إيمانك، ويزداد تصديقك لرسول الله r لأنك تقرأ عن أُناس كانوا مثلك، وكانوا يعيشون مع النبي r بأم أعينهم ونقلوا لك الحدث واحدا النقل الكافة عن الكافة، وهذا من مميزات السيرة النبوية، أن سيرة نبينا r من ميزاتها أنها نقلت نقل الكافة عن الكافة بخلاف مثلا سيرة عيسى u فإن أول إنجيل كُتب بعد رفع عيسى u إلى السماء بعد ثلاثمائة سنة، وأول ما كُتب عن عيسى u عن شمائله وفضائله كان قد مر سبعمائة سنة على رفع عيسى وعلى نبينا الصلاة والسلام، فمن ميزات هذه السيرة النبوية كما سنذكر أنها نقلت نقل الكافة عن الكافة نقلا متواترا فإن هناك أناس مثلك عاشوا مع النبي r عاينوه ورصدوا أخباره وأحواله r فنقلوا لنا ما كان، وما جرى له r فهذا النقل يزيد في إيمانك، ويزيد في تصديقك لله ولرسوله.
ثانيًا- زيادة محبته r المحبة الشرعية التي لا إفراط فيها ولا تفريط، لأن هناك أناس غالوا في محبتهم لرسول الله r فرفعوه عن مكانته وعن منزلته فقال لهم r «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله و رسوله» وهناك ناس غالوا وجافوا في حبه r كما ذكر ذو الخويصرة التميمي قال: اعدل فأنك لم تعدل فخاطب النبي r كأنه يخاطب أحاد الناس بل أقل من أحاد الناس، ونزعة المحبة من قلبه لرسول الله r فخاطبه خطاب الجاهل الجاف فكان ما كان من أمر النبي r وأخباره « يخرج من ضئضئ هذا أُناس يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» فالمقصد أن دراسة السيرة النبوية تجعلك تحب النبي r حبًا معتدلاً كما جاء في الكتاب، وكما جاء في السنة مقتديًا بأصحاب النبي r في حبهم لرسول الله r.
ثالثًا- الاقتداء والتأسي التام برسول الله r ،قال الله تبارك وتعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ وجعل الله تبارك وتعالى علامة محبته سبحانه وتعالى اتباع النبي r، فقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 31]. وجعل الباب الوحيد الذي يدخل منه الناس الجنة خلف رسول الله r فقال: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ وقال r: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار» فالاقتداء التأسي التام برسول الله r حيث أنه المثال والنموذج والقدوة ونحن نحتاج إلى هذا المثال، وإلى هذا النموذج، وإلى هذه القدوة الآن في زمن غابت فيه القدوات، في زمن يُصنع فيه نجوم، ويُلمّع فيه أشخاص لا يستحقون الظهور بدعوة أنهم قدوة للناس فالذين جعلوا من جيفارا مثلا رمز للحرية والعدالة، ورمز للجهاد، هل جيفارا أفضل من رسول الله؟ كلا والله لا يصل جيفارا إلى قلامة ظفر النبي r ومع ذلك جعل له أعوانه وأتباعه ،من الهالة الإعلامية الضخمة ما جعلوا منه مثالاً عند كثير من المسلمين حتى أنك ترى كثيرا منهم يلصق صورة له على سيارته أو على باب شُقته، أو يتخذ ذلك على قميص يلبسه أو ما شابه ذلك، كل ذلك من أجل ماذا؟ أنهم جعلوا هذا الممسوخ جعلوه رمزا، وجعلوه قدوة، ورسول الله r أفضل من وطء الحصى بأبي هو وأمي.
رابعًا- اليقين بصحة المنهج النبوي المستقيم في كل زمان ومكان.
لأن الله وعد وتوعد من خالف هذا المنهج بالنار والعياذ بالله، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ [النساء: 115].
إذن كل من شاق الرسول r وقوله ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾ يعني من يأخذ له شق مع شق الرسول r أو من يتخذ له طريق مع طريق الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، .
خامسًا- تحقيق شطر الشهادة الثاني من الشهادتين، والتي هي الركن الأعظم لدخول الإسلام، أنت عندما تريد الدخول في الإسلام أو أي امرئ إذا أراد الدخول في الإسلام لابد له أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، لو قال أشهد أن لا إله إلا الله من غير أن يعتقد وأن محمدا رسول الله ما دخل في دين الله تبارك وتعالى بل لو أن معتقدها أنكر أن محمدا رسول الله كفر بالله تعالى وخرج من هذا الدين فدراسة السيرة النبوية تحقيق عملي للركن الثاني أو للركن الأعظم وهو ركن الشهادتين، والشطر الثاني من الشهادة أشهد أن محمدا رسول الله.
كيفية تحقيق شهادة أن محمد رسول الله. بما يلي:
1- تصديقه فيما أخبر r.
2- طاعته فيما أمر.
3- واجتناب ما نهى عنه وزجر.
4- وألا يُعبد الله إلا بما شرع.
إذن دراسة السيرة النبوية تحقيقٌ عملي، للشطر الثاني من ركن الشهادة وهو أشهد أن محمدا رسول الله.
سادسًا: استخراج الدروس والعظات والعبر من وقائع السيرة: اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر، وأفضل تاريخ يُقرأ تاريخ نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
سابعًا- التعرف على المنهج الدعوي الصحيح: لاسيما وقد مضى على رحيل رسول الله r عن هذه الكرة الأرضية أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، فنحن نحتاج إلى معرفة المنهج الدعوي السليم مع المتغيرات التي تغيرت في العالم، والتي تغيرت في الدنيا منذ أن مات رسول الله r إلى يومنا هذا بل إلى يوم القيامة، نحتاج إلى معرفة المنهج الدعوي الصحيح، كيف ندعو اليهود؟ كيف ندعو النصارى؟ كيف ندعو عصاة المسلمين؟ كيف نتعامل مع الوثنيين؟ كيف نتعامل مع المخطئين من بني جلدتنا؟ كيف نتعامل مع المبتدعة؟ كل هذه أمور نحتاج إلى معرفة الواقع العملي لرسول الله r فيها وكيف كان r يتصرف في هذه الأمور.
ثامنًا:تنمية الولاء للنبي r والبراءة من أعدائه :في الماضي وفي الحاضر، تنمية روح الولاء للرسول r، والبراء من الشرك ومن أهله، أنتم ترون أن ما حدث من دولة الدانمارك من سب النبي r ومن رسمه r على صورة لا تليق به أن هذا الأمر عاش كثير من المسلمين لا يعبأ به ولا يفكر فيه، لماذا؟ لأن الأمر عنده سواء، يعني لا يهتم ولا يعبأ بهذا الأمر، فهذا النوع من الناس يحتاج إلى أن يُنمى الولاء للرسول r في قلبه، ولن يُنمى هذا الولاء إلا بالتعرف على السيرة النبوية على صاحبه أفضل الصلاة وأتم السلام.
تاسعًا:- التعرف على آثار الجهاد في تحرير الأمم والشعوب.
كيف امتثل رسول الله r لقول الله تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 73]. كيف كان الأثر لهذا الجهاد الذي بدأه الرسول r وحده ثم وقف يوما قبل أن يرحل عن هذه الحياة الدنيا في يوم عرفة وهو يقول للناس: «خذوا عني مناسككم» وكان قد حضر معه r مائة وأربعة وأربعون ألفا، قد آمنوا به وخرجوا معه مستعدين لبذل الأموال والنفوس من أجل نصرته r، وهو هو الذي وقف في مكة يوما وهو يقول من من يؤويني من ينصرني من يحملني حتى أبلغ دعوة ربي r.
عاشرًا: بيان الموقف العملي من الكافرين، والمنافقين ومكائدهم، الحادي عشر: الاطلاع على مواقف اليهود والنصارى من رسول الله r والرسالة،: في قديم الزمان من بعثته rإلى يومنا هذا حتى تتعرف على القوم، لذلك تجد القرآن الكريم يكثر من ذكر اليهود، ومن صفات اليهود، لما هذا الذكر؟ لتعرف القوم ولتستبين سبيل المجرمين، وتعرف عدوك الحقيقي كيف يفكر فإنهم لا يتغيرون هذا منهج عند اليهود، كما الله تبارك وتعالى مثلا ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُم ْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر: 14]. فعُرف اليهود أنهم قوم جبناء، تراهم الآن إذا أرادوا أن يحاربوا يحاربون من أين؟ إما من حصون، وإما من مدرعات، وإما يضربون بالطائرات، إما أن ينزلوا إلى الأرض نزال الرجال: أبدا لا يستطيعون، لماذا؟ لأنهم جبناء.
الثاني عشر: عدم اليأس والثقة بنصر الله U لدينه وأوليائه، .
الثالث عشر: التمسك بالدين والصبر على ما يلاقي المرء في طريق الدعوة،.
طبعا أنا يعني لو أخذت استخرج فوائد في دراسة السيرة النبوية لن ننتهي ولكن نكتفي بهذا القدر أنا أردت أن أضع ملامح عريضة لأهمية دراسة السيرة النبوية أهيج بها في نفسك حبك للسيرة النبوية، لأن كثير منا مهتم بالفقه، مهتم بالحديث، مهتم بالمصطلح، مهتم بأصول الفقه، ويغفل غفلة شديدة عن السيرة النبوية، السيرة النبوية زادك الحقيقي، إيمانك يزداد بسيرة رسول الله r كما إن عبادتك تصح بمعرفة الحلال والحرام، وبما يصح به اعتقادك فإن قلبك أيضًا يرق ويلين بسيرة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ميزات السيرة النبوية:
أولاً:أنها معلومة ومسجلة ولم يخف منها شيء فإن الصحابة نقلوا لنا أفعال رسول الله r نقل الكافة عن الكافة، نقلا متواتر جماعات عن جماعات عن جماعات وسُجل هذا ودُون في الكتب فظل محفوظا بحفظ الله تبارك وتعالى، حتى أننا نجد أن الصحابة نقلوا عن رسول الله r بعضًا من أموره الشخصية، كيف كان r يأتي امرأته أو يأتي أهله، وماذا كان يقول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وماذا كان يفعل إذا أراد العودة مرة أخرى، كان r يغتسل بل كان النبي r يتوضأ فيقول :فإنه أنشط للعود، فنقل الصحابة عن النبي r أدق التفاصيل فكأن عيون الصحابة كانت كاميرات مسجلة تحفظ لنا أقواله وأفعاله، وتحركاته، وسكناته، r فنقلتها إلينا نقل الكافة عن الكافة فهذه من ميزات دراسة السيرة النبوية أنت لو نظرت في سيرة أي عظيم من العظماء لوجدت أن سيرته ملطخة بدماء، وأشلاء، وكذب، وخداع، ونفاق إلى غير ذلك من البلايا والرزايا التي وقع فيها كل واحد منهم، اقرءوا كتاب أعلام وأقزام للدكتور سيد حسين العفاني تقرؤون فيه تاريخا لأقوام تاريخ عفن، لأقوام يجعلون منهم رموزا الآن، ويصنعون منهم الآن رموز، لأن يقودوا الأمة ويسودوا الأمة، وهم في حقيقة الأمر زبالات المجتمع بل لا يستحقون أن يكون من زبالات المجتمع فإنهم لا شيء كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ [الرعد: 17].
فهؤلاء لا قيمة لهم على الإطلاق بل هم عالة على المجتمع فسيرة النبي r ميزتها أنها معلومة ومسجلة ولم يخفَ عنها شيء.
ثانيًا: أن رسالته r رسالة عامة لجميع الخلق قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ: 28]. وكان النبي r يقول لأصحابه «وكان النبي يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» والحديث رواه البخاري.
الدرس الأول
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن وسيئات أعمالنا من يهدي الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71، 72].
اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين أنك حميد مجيد .
أما بعد:
أيها الأخوة الأحباب بادئ ذي بدء اسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم علما نافعًا، وعملا صالحًا متقبلاً هو ولي ذلك والقادر عليه، فأنا سعدت كل السعادة أن أكون معكم في هذا اليوم المبارك وفي دراسة مادة من أعظم المواد ومن أحبها إلى قلبي، وأظن أنها حبيبة إلى قلوبكم ألا وهي السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فهذا الدرس ينقسم في البداية إلى قسمين:
القسم الأول المدخل لفهم السيرة النبوية: فأقدم بهذا المدخل لأن كثيرا من الناس يظن بأن السيرة النبوية ما هي إلا عرض للأحداث التاريخية التي مر بها رسول الله r منذ مولده r إلى مماته بأبي هو وأمي، البعض ينظر إلى هذه الوقائع وإلى هذه الأحداث نظرة سطحية إلى أنها مجرد أحداث تاريخية واختلفت نظرات الناس إلى سيرة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فإذا نظرنا إلى فرق كالمعتزلة أو فرق كالخوارج أو غيرها من الفرق التي ضلت الطريق ونظرتهم إلى سيرة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لوجدنا أمرًا عجبًا ويتضح لكم ما عليه الشيعة الآن ونظرتهم إلى سيرة النبي r وتفضيلهم لسيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه على سيرة نبينا r واهتمامهم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ، عن سيرة نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فنوضح بداية.
ما معنى كلمة السيرة النبوية؟
السيرة النبوية هي دراسة لحياة النبي r وأخباره، وأخبار أصحابه r على الجملة، وبيان أخلاقه، وشمائله، وأوصافه، وخصائصه ودلائل نبوته، وأحوال عصره r، فالسيرة تشمل كل ما يتعلق بالنبي r؛ لأنها فعله، وإقراره لفعل أصحابه r؛ فالسيرة النبوية هي المثال العملي والتطبيق العملي للقرآن كما وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها رسول الله r فقالت: «كان قرآنا يمشي على الأرض كان خلقه القرآن»؛ فالسيرة النبوية ما هي إلا واقع عملي ملموس يلمسه من عاصره r للوحي تطبيقًا عمليًا فكان النبي r خير من امتثل لأمر ربه تبارك وتعالى فكان كما قيل «كان قرآنا يمشي على الأرض كان خلقه القرآن»هذه السيرة لها أهمية عامة، ولها أهمية خاصة.
أهمية السيرة النبوية عامة: هي لعموم المسلمين لأن الله تبارك وتعالى أرسل رسوله r بدعوة عالمية، وليست دعوة فردية أو دعوة خاصة فقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 158]. فالعالم كله لابد وأن يعلم سيرة نبينا r ليستفيد منه القاصي والداني ليتعلم منه المربون كيف يربون؟ وليتعلم منه القادة كيف يسوسون؟ وليتعلم منه الآباء كيف يقومون برعاية الأبناء؟ ولتتعلم منه الأمهات كيف كانت رحمته وشفقته -صلى الله عليه وعلى آله وصحب وسلم- في بيوتهم أو في بيوتهن؟
فالسيرة النبوية أيضا ينبغي على خواص المسلمين أن يتعلموها لاسيما من تصدروا لتعليم الناس، ومن تصدروا لتربية الناس ومن تصدروا لسياسة الناس وقيادتهم فإنهم لابد لهم أن يتعلموا الواقع العملي لرسول الله r حتى يستدلوا بما كان على ما يكون بين أيديهم فإن الأمور اشتباه الفتن التي تمر الآن كانت قبل عشرات السنين أو قبل مئات السنين أمثال ونماذج هذه الفتن كانت موجودة قبل ذلك، كيف تصرف النبي r في هذه المحن؟ الضغط مثلا على الإسلام وعلى المسلمين، حرب من اليهود، وحرب من النصارى، وحرب من العلمانيين، وحرب من الليبراليين، وحرب من أعداء الله U من المنافقين، هذه الحروب كلها مجتمعة الآن كانت أيضًا قبل ذلك هذه الحروب موجودة، كان اليهود يؤلبون على رسول الله r، وكان النصارى يحرضون قبائل العرب على قتاله r، وكان المنافقون سيفًا طاعنًا في رسول الله r وفي أصحابه، وكان من والى المنافقين من العملاء والخونة الذين خانوا الله ورسوله كانوا يفعلون فعلهم.
إذن الواقع هو هو، فلابد لمن تصدر لدعوة الناس، ولتعليم الناس ولتربية الناس، ولسياسة الناس، أن يتعلم سيرة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بلغ من أهمية السيرة أن الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم كانوا يجعلون ذلك منهجا أُثر عن عمر t أنه قال: إن الله تعالى نهج سبيله وكفانا برسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فلم يبق إلا الدعاء والاقتداء، بالنبي r لأن الله تبارك وتعالى قال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
وقال زين العابدين بن علي بن الحسين t وعن أبيه قال: كنا نُعلَّم مغازي رسول الله r كما نُعلَّم السورة من القرآن، فقد كان سلفنا الصالح يعلمون أبناءهم سيرة رسول الله r كما يعلمونهم السورة من القرآن.
قال محمد بن سعد بن أبي وقاص t وعن أبيه: كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله r وسراياه ويقول يا بَنِّي هذا شرف آباءكم أو هذه مآثر آباءكم فلا تضيعوها.
يقول ابن الجوزي رحمه الله تبارك وتعالى: رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يُمزج بالرقائق والنظر في سيرة السلف الصالح وأصلح سيرة، سيرة نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
يقول الإمام الحافظ الخطيب البغدادي : تتعلق بمغازي رسول الله r أحكام كثيرة فيجب كتابتها والمحافظة عليها،و أقدم بهذه الكلمات وأسوقها بين يدي هذا الدرس لنبين فوائد دراسة السيرة النبوية، فدراسة السيرة النبوية لها فوائد عديدة:
فوائد دراسة السيرة النبوية:
أولاً- زيادة الإيمان والتصديق بالله أو لله ولرسوله.
بمجرد أن تدرس سيرة النبي r يزداد إيمانك، ويزداد تصديقك لرسول الله r لأنك تقرأ عن أُناس كانوا مثلك، وكانوا يعيشون مع النبي r بأم أعينهم ونقلوا لك الحدث واحدا النقل الكافة عن الكافة، وهذا من مميزات السيرة النبوية، أن سيرة نبينا r من ميزاتها أنها نقلت نقل الكافة عن الكافة بخلاف مثلا سيرة عيسى u فإن أول إنجيل كُتب بعد رفع عيسى u إلى السماء بعد ثلاثمائة سنة، وأول ما كُتب عن عيسى u عن شمائله وفضائله كان قد مر سبعمائة سنة على رفع عيسى وعلى نبينا الصلاة والسلام، فمن ميزات هذه السيرة النبوية كما سنذكر أنها نقلت نقل الكافة عن الكافة نقلا متواترا فإن هناك أناس مثلك عاشوا مع النبي r عاينوه ورصدوا أخباره وأحواله r فنقلوا لنا ما كان، وما جرى له r فهذا النقل يزيد في إيمانك، ويزيد في تصديقك لله ولرسوله.
ثانيًا- زيادة محبته r المحبة الشرعية التي لا إفراط فيها ولا تفريط، لأن هناك أناس غالوا في محبتهم لرسول الله r فرفعوه عن مكانته وعن منزلته فقال لهم r «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله و رسوله» وهناك ناس غالوا وجافوا في حبه r كما ذكر ذو الخويصرة التميمي قال: اعدل فأنك لم تعدل فخاطب النبي r كأنه يخاطب أحاد الناس بل أقل من أحاد الناس، ونزعة المحبة من قلبه لرسول الله r فخاطبه خطاب الجاهل الجاف فكان ما كان من أمر النبي r وأخباره « يخرج من ضئضئ هذا أُناس يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» فالمقصد أن دراسة السيرة النبوية تجعلك تحب النبي r حبًا معتدلاً كما جاء في الكتاب، وكما جاء في السنة مقتديًا بأصحاب النبي r في حبهم لرسول الله r.
ثالثًا- الاقتداء والتأسي التام برسول الله r ،قال الله تبارك وتعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ وجعل الله تبارك وتعالى علامة محبته سبحانه وتعالى اتباع النبي r، فقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 31]. وجعل الباب الوحيد الذي يدخل منه الناس الجنة خلف رسول الله r فقال: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ وقال r: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار» فالاقتداء التأسي التام برسول الله r حيث أنه المثال والنموذج والقدوة ونحن نحتاج إلى هذا المثال، وإلى هذا النموذج، وإلى هذه القدوة الآن في زمن غابت فيه القدوات، في زمن يُصنع فيه نجوم، ويُلمّع فيه أشخاص لا يستحقون الظهور بدعوة أنهم قدوة للناس فالذين جعلوا من جيفارا مثلا رمز للحرية والعدالة، ورمز للجهاد، هل جيفارا أفضل من رسول الله؟ كلا والله لا يصل جيفارا إلى قلامة ظفر النبي r ومع ذلك جعل له أعوانه وأتباعه ،من الهالة الإعلامية الضخمة ما جعلوا منه مثالاً عند كثير من المسلمين حتى أنك ترى كثيرا منهم يلصق صورة له على سيارته أو على باب شُقته، أو يتخذ ذلك على قميص يلبسه أو ما شابه ذلك، كل ذلك من أجل ماذا؟ أنهم جعلوا هذا الممسوخ جعلوه رمزا، وجعلوه قدوة، ورسول الله r أفضل من وطء الحصى بأبي هو وأمي.
رابعًا- اليقين بصحة المنهج النبوي المستقيم في كل زمان ومكان.
لأن الله وعد وتوعد من خالف هذا المنهج بالنار والعياذ بالله، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ [النساء: 115].
إذن كل من شاق الرسول r وقوله ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾ يعني من يأخذ له شق مع شق الرسول r أو من يتخذ له طريق مع طريق الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، .
خامسًا- تحقيق شطر الشهادة الثاني من الشهادتين، والتي هي الركن الأعظم لدخول الإسلام، أنت عندما تريد الدخول في الإسلام أو أي امرئ إذا أراد الدخول في الإسلام لابد له أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، لو قال أشهد أن لا إله إلا الله من غير أن يعتقد وأن محمدا رسول الله ما دخل في دين الله تبارك وتعالى بل لو أن معتقدها أنكر أن محمدا رسول الله كفر بالله تعالى وخرج من هذا الدين فدراسة السيرة النبوية تحقيق عملي للركن الثاني أو للركن الأعظم وهو ركن الشهادتين، والشطر الثاني من الشهادة أشهد أن محمدا رسول الله.
كيفية تحقيق شهادة أن محمد رسول الله. بما يلي:
1- تصديقه فيما أخبر r.
2- طاعته فيما أمر.
3- واجتناب ما نهى عنه وزجر.
4- وألا يُعبد الله إلا بما شرع.
إذن دراسة السيرة النبوية تحقيقٌ عملي، للشطر الثاني من ركن الشهادة وهو أشهد أن محمدا رسول الله.
سادسًا: استخراج الدروس والعظات والعبر من وقائع السيرة: اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر، وأفضل تاريخ يُقرأ تاريخ نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
سابعًا- التعرف على المنهج الدعوي الصحيح: لاسيما وقد مضى على رحيل رسول الله r عن هذه الكرة الأرضية أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، فنحن نحتاج إلى معرفة المنهج الدعوي السليم مع المتغيرات التي تغيرت في العالم، والتي تغيرت في الدنيا منذ أن مات رسول الله r إلى يومنا هذا بل إلى يوم القيامة، نحتاج إلى معرفة المنهج الدعوي الصحيح، كيف ندعو اليهود؟ كيف ندعو النصارى؟ كيف ندعو عصاة المسلمين؟ كيف نتعامل مع الوثنيين؟ كيف نتعامل مع المخطئين من بني جلدتنا؟ كيف نتعامل مع المبتدعة؟ كل هذه أمور نحتاج إلى معرفة الواقع العملي لرسول الله r فيها وكيف كان r يتصرف في هذه الأمور.
ثامنًا:تنمية الولاء للنبي r والبراءة من أعدائه :في الماضي وفي الحاضر، تنمية روح الولاء للرسول r، والبراء من الشرك ومن أهله، أنتم ترون أن ما حدث من دولة الدانمارك من سب النبي r ومن رسمه r على صورة لا تليق به أن هذا الأمر عاش كثير من المسلمين لا يعبأ به ولا يفكر فيه، لماذا؟ لأن الأمر عنده سواء، يعني لا يهتم ولا يعبأ بهذا الأمر، فهذا النوع من الناس يحتاج إلى أن يُنمى الولاء للرسول r في قلبه، ولن يُنمى هذا الولاء إلا بالتعرف على السيرة النبوية على صاحبه أفضل الصلاة وأتم السلام.
تاسعًا:- التعرف على آثار الجهاد في تحرير الأمم والشعوب.
كيف امتثل رسول الله r لقول الله تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 73]. كيف كان الأثر لهذا الجهاد الذي بدأه الرسول r وحده ثم وقف يوما قبل أن يرحل عن هذه الحياة الدنيا في يوم عرفة وهو يقول للناس: «خذوا عني مناسككم» وكان قد حضر معه r مائة وأربعة وأربعون ألفا، قد آمنوا به وخرجوا معه مستعدين لبذل الأموال والنفوس من أجل نصرته r، وهو هو الذي وقف في مكة يوما وهو يقول من من يؤويني من ينصرني من يحملني حتى أبلغ دعوة ربي r.
عاشرًا: بيان الموقف العملي من الكافرين، والمنافقين ومكائدهم، الحادي عشر: الاطلاع على مواقف اليهود والنصارى من رسول الله r والرسالة،: في قديم الزمان من بعثته rإلى يومنا هذا حتى تتعرف على القوم، لذلك تجد القرآن الكريم يكثر من ذكر اليهود، ومن صفات اليهود، لما هذا الذكر؟ لتعرف القوم ولتستبين سبيل المجرمين، وتعرف عدوك الحقيقي كيف يفكر فإنهم لا يتغيرون هذا منهج عند اليهود، كما الله تبارك وتعالى مثلا ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُم ْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر: 14]. فعُرف اليهود أنهم قوم جبناء، تراهم الآن إذا أرادوا أن يحاربوا يحاربون من أين؟ إما من حصون، وإما من مدرعات، وإما يضربون بالطائرات، إما أن ينزلوا إلى الأرض نزال الرجال: أبدا لا يستطيعون، لماذا؟ لأنهم جبناء.
الثاني عشر: عدم اليأس والثقة بنصر الله U لدينه وأوليائه، .
الثالث عشر: التمسك بالدين والصبر على ما يلاقي المرء في طريق الدعوة،.
طبعا أنا يعني لو أخذت استخرج فوائد في دراسة السيرة النبوية لن ننتهي ولكن نكتفي بهذا القدر أنا أردت أن أضع ملامح عريضة لأهمية دراسة السيرة النبوية أهيج بها في نفسك حبك للسيرة النبوية، لأن كثير منا مهتم بالفقه، مهتم بالحديث، مهتم بالمصطلح، مهتم بأصول الفقه، ويغفل غفلة شديدة عن السيرة النبوية، السيرة النبوية زادك الحقيقي، إيمانك يزداد بسيرة رسول الله r كما إن عبادتك تصح بمعرفة الحلال والحرام، وبما يصح به اعتقادك فإن قلبك أيضًا يرق ويلين بسيرة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ميزات السيرة النبوية:
أولاً:أنها معلومة ومسجلة ولم يخف منها شيء فإن الصحابة نقلوا لنا أفعال رسول الله r نقل الكافة عن الكافة، نقلا متواتر جماعات عن جماعات عن جماعات وسُجل هذا ودُون في الكتب فظل محفوظا بحفظ الله تبارك وتعالى، حتى أننا نجد أن الصحابة نقلوا عن رسول الله r بعضًا من أموره الشخصية، كيف كان r يأتي امرأته أو يأتي أهله، وماذا كان يقول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وماذا كان يفعل إذا أراد العودة مرة أخرى، كان r يغتسل بل كان النبي r يتوضأ فيقول :فإنه أنشط للعود، فنقل الصحابة عن النبي r أدق التفاصيل فكأن عيون الصحابة كانت كاميرات مسجلة تحفظ لنا أقواله وأفعاله، وتحركاته، وسكناته، r فنقلتها إلينا نقل الكافة عن الكافة فهذه من ميزات دراسة السيرة النبوية أنت لو نظرت في سيرة أي عظيم من العظماء لوجدت أن سيرته ملطخة بدماء، وأشلاء، وكذب، وخداع، ونفاق إلى غير ذلك من البلايا والرزايا التي وقع فيها كل واحد منهم، اقرءوا كتاب أعلام وأقزام للدكتور سيد حسين العفاني تقرؤون فيه تاريخا لأقوام تاريخ عفن، لأقوام يجعلون منهم رموزا الآن، ويصنعون منهم الآن رموز، لأن يقودوا الأمة ويسودوا الأمة، وهم في حقيقة الأمر زبالات المجتمع بل لا يستحقون أن يكون من زبالات المجتمع فإنهم لا شيء كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ [الرعد: 17].
فهؤلاء لا قيمة لهم على الإطلاق بل هم عالة على المجتمع فسيرة النبي r ميزتها أنها معلومة ومسجلة ولم يخفَ عنها شيء.
ثانيًا: أن رسالته r رسالة عامة لجميع الخلق قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ: 28]. وكان النبي r يقول لأصحابه «وكان النبي يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» والحديث رواه البخاري.