المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدرس الثاني من السيرة النبوية للشيخ ابراهيم شاهين



أم محمد الظن
2011-05-25, 05:58 PM
الدرس الثاني
من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبعد...
أولا : أحيي هذه الوجوه المتحمسة الطيبة التي حقيقة تشد الأزر ، وكلما رأيناها أحسسنا بأن للإسلام جند يتحفزون لنصرته والحمد لله رب العالمين.
ودرس اليوم سيطوف بك في بلاد ثلاث، وهو أيضًا من دروس التمهيد، فإنا لن نصل إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا إذا وصلنا إلى مكة، وما زلنا في غير أرض فكيف نصل إلى مكة المكرمة، فهذه هي القضية...
سنبدأ إن شاء الله تعالى من إبراهيم u ، ونطوف مع إبراهيم حتى يغرس فسيلا من فسائل النبوة في مكة .. ونبدأ ليس من مكة؛ لأن هذا البحث، قد سميته قديما "المستفاد من دروس السيرة على طريق المسيرة"، والمسيرة قائمة وسائرة، ولن تقف أبدا حتى ينطق الحجر، وينطق الشجر..
فهي تنتهي إن شاء الله تعالى هناك ، في مكان نطق الشجر ونطق الحجر ، « يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله » .
والبحث مقسم إلى مراحل، مرحلة الجنوب أي اليمن في أصل العرب، ماذا حدث في هذه البلاد؟، وما هو تاريخ العرب والإسلام هناك؟.. وستعرف مدى الأهمية أننا سنصل إلى قعر عدن، وما هو السبب لذلك، لكي تعرف جذورك وأصولك.. فإن أصولك وجذورك متجذرة من هذا المكان .
ثم بعد أن ندخل الإسلام إلى اليمن ، ويأتي الأشعريون وعلى رأسهم أبي موسى t ، ويذهب معاذ وعلي رضي الله عن الجميع ، ويغرسون هذا الدين في هذه البقعة ، ثم ننطلق إلى مكة ، وانطلاقنا إلى مكة ، حيث الميلاد، والرضاع والبعثة والفتنة ، والابتلاء ، ثم الهجرتين ، ثم الجهاد والغزوات وما فيها من فوائد جمة يقف عليها المسلم ، من فوائد فقهية وحركية وسياسية وعلمية .
ثم بعد الغزوات ولم تنتهي على ما أذكر نصعد إلى المرحلة الأخيرة في البحث وهي القدس ، عاصمة المسلمين الأبدية ..
العاصمة الأبدية، فالإسلام انطلق فقط بمحمد:r إلى الجنوب، ومن قبله بأبيه إسماعيلu، ثم سينتقل الجميع إلى المكان الأصلي لعاصمة الإسلام في بيت المقدس .
وهي خيبر الجديدة التي لابد لنا من فتحها، حتى لأن بعد خيبر جاءت اليرموك وجاءت القادسية وجاءت القسطنطينية ، فبعد خيبر الجديدة إن شاء الله تعالى ستأتي الفتوحات روما والقسطنطينية مرة ثانية ، واحتلال العالم بالفصيل المسلم .
هذا هو البحث المتشعب وهو في حاجة إلى تمهل وتأمل وتفكير ، وهناك بعض الإشارات لن أركز كثيرا في توضيحها ، وواجب على طالب العلم أن يركز وأن ينتبه وأن يستوعب وحده ، فقد يكون الكلام فصيحا ولكن ليس صريحا، وأحيانا يكون صريحا وليس فصيحا لضرورة الأحوال وفقه الواقع وهذا لابد من عقل نافذ وبصيرة قوية جدا ، تقتضي هذا الحال ، وبالتالي سأضع بعض الأسئلة على هذا الحال ، وعلى هذا المنوال ..
ولن أتركك إن شاء الله تعالى إلا إذا استوعبت تماما كما ذكر لي في بعض البلاد ، لما بدأت فيها هذا المنهج ، فسألت بعد عدة محاضرات ما هي الأحوال ؟ قالوا الحمد لله الآن نفهم السطور ، ونفهم ما فوق السطور ، ونفهم ما تحت السطور ، ونفهم الظل الذي يأتي عليه السطور .. قلت هكذا وصلنا والحمد لله تعالى .
لأن من هذه الدلائل الإشارية وهذا الفقه الواقع الذي استخدمه النبي r ونفذه أصحابه وأنت سترى ذلك ، ما كان يعوذه كثير كلام ، كان يعوذه في تنفيذ القتل والاغتيال هؤلاء المفسدين ، كالعصماء بنت مروان ، وكعب بن أسد ، وأمثال هؤلاء ما كان يتكلم كثيرا ولكن كان يقول : من لفلان ، « من لفلان فقد آذى الله ورسوله » ، وكما سيأتيك مع غزوة الفيل ، وأوروبا بكلكلها وبمسيحيتها ، عندما تدخل المكان لأول مرة ، وقد جربت ولم تجرب ، لأنهم يدرسون التاريخ ويعون جيدا المكان ، رغم أنهم يحتلون جوانب المكان ، ولكنهم كأنهم لا يلدغون من جحر مرتين جاءوا مرة مع ابرهة ، وهم مصممون ألا يأتوا ثانية ، لأنهم يعلمون معنى المكان ، وقدسية المكان ، وما فيه من عناصر إيجابية ، تقاتل مع أصحابها .
كل ذلك كما سيقول قائد اليمن، وهو ينادي مع أجهزة المخابرات وتحذر منها ويقول: ( اقتلوا كل ثور أحمر).
كلام نفيس جدا فقاموا إلى الأحابيش وإلى الأجانب فقتلوهم جميعا ، واللفظ ليس صريح ، وليس فصيح ، ولكنه المعنى له دلالات ، ولذلك هذه هي الفائدة التي ستخرج بها من الدروس .
أما العلم فهو كالمعلوم يذكر وينسى، وهذه هي قضية العلم كما قال عمر بن عبد العزيزt: (لولا النسيان لكان العلم كثيرا) ، كان كل ما تقرأ يأتي في رأسك أو يكون في ذاكرتك ولا يضيع منك، لكان العلم كثيرا جدا .
فالقضية ليست قضية نسيان العلم، ولكن قضية المنهج الذي ستتمغنط به وسيؤثر في تفكيرك في الحياة ، تكون قليل الكلام ، قليل الأوامر، ولكنك كثير الملاحظة وكثير التأمل ، وهذا هو المقصود وهذا هو الملاحظ .. وهذا هو الواجب أخي الكريم .. خصوصا في أزمنة ما أبقت للصراحة شيء، وما أبقت للفصاحة شيء..
أزمنة تسنم أصحابها أجهزة دقيقة ، ومسائل رقيقة ، حتى لا تستطيع أن تصل إلى شيء إلا بشعاع النظر ، وشعاع النظر عند الإسلاميين هو شعاع الأوامر والنواهي وهو شفرة تترجم في العقول ، لا يدركها إلا الذين تمرسوا في هذا المدار كثيرا جدا وكان ذلك يفعله النبي r لما جاءه رجل وأخذ يسبه ، فنظر إليه نظرة ، ولكن لم يفهما أصحابه ، قال : « أما رأيتموني فعلت » ، قالوا : رأيناك ولكن ما استوعبنا قال : « هذا معناها اقتلوه » .
ولكن هذا الكلام أخي الكريم، حتى تصل إلى العصر الأول، لابد أن تدرس حركة حركة، ما كان في العصر الأول.
ثم نبدأ إن شاء الله تعالى من إبراهيم u ، لأن إبراهيم هو البداية لبداية النبوة بعد نوح ، الضلال الكبير جاء بعد إبراهيم u ، وبداية الملوك الطغاة .
لم بدأنا من إبراهيم ؟
لأنه نبي يدعو إلى الله تعالى ، واجه ملوكا طغاة ، سبقه نوح، نوح وجد شعوبية كما وجدها النبي r، طواغيت صغار ، لم يجد حكومة قائمة ، أو طاغية كبير يسند إليه الأمر في صد هذا الدين ، شعوبية وجدها نوح ووجدها النبي r، ولذلك لما أذكر لك كم من الأنبياء واجه طغاة ، وكم من الأنبياء واجه شعوبية ، أي رفضا لهذا الدين بطريقة شعبية من الناس ، لم يكن هناك رجل بعينه أو طاغية بعينه تصدى لهذا الأمر ، وأطاعه قومه ، ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ﴾ [الزخرف: 54] ، كم من الأنبياء واجه هذه المحنة ، بدأ ت بإبراهيم u ، وطاغيته هو النمروذ بن كنعان هذا هو أول طاغية واجه دعوة الأنبياء .
من أوائل الطغاة الذين واجهوا دعوة الأنبياء، وانتبه جدا كيف تتعامل مع طاغية استخف قومه فأطاعوه، وكيف استطاع نبي أن ينجح وينجو بدعوته من وسط هذا الإحكام والتحكم الشديد جدا.
معلوم في قصة ميلاد إبراهيم كميلاد موسى، ولذلك وأنت تتأمل أحوال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، تجد هناك تشابه في مواقف كثير جدا، قد لا يتشابهون في بعض المواقف ولكن يتشابهون في بعضها الآخر..
فقصة ميلاد إبراهيم تتشابه مع قصة ميلاد موسى u .
لما أمر فرعون بقتل كل وليد ، وكذلك النمروذ لما قال له الكهنة سيولد في مملكتك ولد أو غلام سيقضي على أصنامك وسيقضي على دولتك، فأمر أيضًا بقتل كل وليد .
ولذلك وأنت دارس ، إن كان لك بالعلم حاجة ، وإن أردت أن يكون لك شأن في هذا المدمار، لابد أن تركز في عناصر التشابه في مواقف الأنبياء، كم من المواقف تتشابه ، سواء في المحن ، أو سواء في مواجهة الطغاة ، أو سواء في الميلاد ، أو عناصر التربية ، ركز جدا جدا ،رغم أن القرآن في قصة موسى مثلا ، جاء بلقطات كثيرة جدا ، ولكن لا تكاد لقطة واحدة متشابهة مع الأخرى ، أو تكرر حدثا حدث من ناحية أخرى ، وهو يعطيها من زاوية من الزوايا الهامة جدا ، لو تأملها الدعاة لاستفادوا منها جدا ، فالقرآن كله منهج حركة ، ولكن لمن يتأمل هذه الدعوة .
فالقضية هي كيف تسلك بدعوتك طريق الأنبياء الأوائل حتى تسلم كما سلموا وتنجح كما نجحوا ، وتنتصر كما انتصروا ، فلابد من البلاء ولابد من الابتلاء ولابد من المحن ، ولابد من التضييق، وقولة قلتها كثيرا في أكثر من مكان : (لا يمكن أبدا أن تصل إلى معبر الأمل حتى تعبر على جسر الألم )..
احفظ هذا الكلام ، من المستحيل ، بل من أمحل المحال ، أن تعبر إلى وادي الأمل الذي تأمله ، من غير أن تعبر من على جسر الألم، هذا من المحال ومستحيل ، لابد أن تقضي ضريبة الآلام والمحن والابتلاء أولا ، ثم بعد ذلك تمكن تمكينا بحسب ابتلائك وصبرك على هذا الابتلاء ..
كما قال الإمام الشافعي لما سئل: ( أيمكن الرجل قبل أن يبتلى ، قال : بل يبتلى ثم يمكن ،) ثم قال : ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾ [السجدة: 24] وكما قال تعالى : ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [وَالعصر: 3] ، لأن الحق لابد أن يعوثه صبر على الابتلاء ، وعلى التبليغ ، وعلى غير ذلك .
ولذلك أهل الدعوة ورجال الدعوة وطلاب الدعوة ، يتميزون عن غيرهم بالصبر الطويل ، والنفس الطويل ، والحلم الحليم ، والذكاء النافذ ، والبصيرة القوية الشافية المبصرة ، إن لم تتسلح بكل ذلك فاعلم أنك ستنكسر في بعض الطريق ، وإذا انكسرت قد لا تعود ، وقد لا تصلح بعد ذلك ، ولذلك انتبه حتى لا تكبو أبدا ، فإن الجواد الكابي بعد علاجه لا يصلح للقتال ، يستخدم في الركوب ، ويستخدم في شئون الحياة ، ولكنه لا يستخدم بعد ذلك في القتال لضعف سرعته وقلة صحته ،وإن استخدمناه في أي شأن آخر، ولكن لن يكون من السوابق، ولن يكون من المصلين
إنا إن نبتدر يوما لمكرمة *** تجد السوابق منا والمصلينا
أي الذين يتلونهم، فلابد أن تكون سابقا أو مصليا -أي تاليا - لأمثال ذلك.
إبراهيم u، ابن آزر ، الذي هو في التوراة تارح ، وللأسف تجد بعض المسلمين يقولون : أن أبي إبراهيم هو تارح وليس آزر ، رغم أن الله تعالى قال في كتابه : ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ ﴾ [الأنعام: 74] ، وجاء أيضًا في صحيح البخاري قال « إبراهيم لأبيه آزر » ونفس النص واضح جدا ، ومع ذلك تجد بعض المتوهكين أو المترددين الذين يكثرون من قراءة كتب أهل الكتاب ، ويتأثرون بها ، رغم أن الله تعالى أخبرنا أن ما في هذه الكتب السابقة مضمارين وبين ووضح في كتابه أن أهل الكتاب يحرفون الكلم مرة عن مواضعه ، أي يزيلونه تماما، أي يزيفون المعلومات زيفا كاملا ، يمحونها محوا تاما، ومرة يزيفونه يحرفونه عن بعض مواضعه ، إذن ستجد في الكتب القديمة ، إما كلام زائفا مطلقا ، وإما نصف ونصف ، كما قال الله تعالى ﴿ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ [النساء: 46] ، يعني يحرفونه تماما ، كما قالوا أن الذبيح هو إسحاق ، وليس إسماعيل ، فهذا تحريف عن مواضعه .
وفي بعض الأشياء عن بعض مواضعه ، كلام مثلا : لما جاءوا يحتكمون إلى النبي r في قضية الزنا ، وقالوا : إذا حكم فهو نبي نحتج به عند الله تعالى ، فأخذ عمر لأنه كان قارئ ، فوجدهم يضعون أيديهم على آية الرجم ، فقال عمر ارفع يدك فوجد آية الرجم ، إذن هو عندهم الزاني يعاقب ، ولكن حرفوه عن بعض مواضعه .
إذن في قراءتك في كتب أهل الكتاب ، فلتعلم أن لك فيهم مدارين ، وقد حددهما الله تعالى لك ، إما يحرفون الكلم كله ، وإما يحرفون بعضه ، وحتى لا تأخذك فيهم شفقة أو رحمة ، كبعض كبار علماء المسلمين المزعومون ، الذين يقولون أنه تارح وليس آزر، وهو آزر أو تارح ، ما هي قضيته ، ما هي قيمته ، رجل كافر ، لا قيمة له ، ولا قضية له ، هو هذا أو هذا ، ماذا سيحدث ، لو سمي بأي اسم ، وهذه قضية تدلك أن علماء المسلمين أو الذين اشتهروا بغير مسوغ للشهرة دائما يجذبون الجماهير لغير أرض العلم الصحيح ..
والعالم الحق الذي يحتكم في قضية فيها خلاف ، ويأتي بالفيصل بالمسائل أي يحيل المسائل إل محاكماتها العلمية ، إما بنسخ أحاديث ، أو بإطلاق مقيد ، أو بتقييد مطلق ، أو بتخصيص عام ، أو بتعميم خاص ، هنا العالم الحق الذي يفصل بين القضايا ، لكن تجر هذه الجماهير إلى خارج معركة العلم تماما إلى قضايا جانبية فدل على قشرية العلم وعدم عمق شديد في الأداء العلمي والأمانة العملية ، والواجب على أمثال هؤلاء أن يتركوا الساحة للذين أوكلهم الله تعالى لمثل هذه القضايا يضعون فيها سهامهم ويضعون فيها أقلامهم بحق من الله تعالى ، لأنهم ليسوا متخصصين أصلا ، وهم ليسوا من الذين أوكلوا بهذا العلم ، ولكنهم أخذوا المسألة على عاتقهم ، ؟؟؟ في الله تعالى لما وجدوا أن المتخصصين وأصحاب المسألة تركوها تماما لغيرهم ، فلابد من جند يقاتلون نيابة عن هؤلاء الذين تركوا الساحة تماما .
إبراهيمu ، اسمه أب رحيم ، ما هي الآية التي عبرت عن هذا الاسم ؟
قوله تعالى﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114] ، انتبه ، في عملنا مع السنة لا ندرس التاريخ من باب التاريخ ، بل أدخل للسيرة من باب السنة ، الحديث والآية ، ولابد أن تجد خاتَم الوحيين على المعلومة ، إن وجدت علما بغير الختم ، لا تأخذه لا قيمة له ، فهو رأي وتحكم بغير دليل ، لابد أن تضع خاتَم الوحيين على كل قول وتعلم كطالب علم هذه المسألة ، إياك أن تتكلم من بنيات أفكارك وأن تخترع ، فإن المخترعين مصيرهم إلى النار ، لأنهم ابتدعوا ما لم يسبقوا إليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذا معنى إبراهيم u .
مولده:ولدته أمه وهي كانت بكرا ، ولم يظهر عليها حمل ، بعد أن عُلم سيأتي ولد يحطم الأصنام ، ويعكر صفو أهل العراق على ما هم عليه من عقيدة أو من ديانة .
فدخلت مغارة من مغارات الجبل فولدته وسدتها عليه ، فكان في حياته يمص أصبعه ، فكأن الله تعالى فجر الأصبع له لبنا وعسلا .
هذه دلالة اشارية على شيء في حياة إبراهيم مستقبلية، ما هي ؟
أن إبراهيم لما بدأت حياته بهذه الكيفية ، دل على أنه ليس في حاجة إلى استرزاق من الناس ، ليس في حاجة إلى الاسترزاق من الناس ، وهي تربية على الخلة ، فإن الخُلة هي حب الحبيب بما يليق بحبه ، ولذلك اتخذه الله تعالى خليلا، والذي يتخذ خليلا لا يسترزق الناس، ولا يعتمد على شيء من دنيا الناس ، ولذلك بدأ حياته بهذه الكيفية ، وهو طفل رضيع يمص أصبعه .
ما هي الدلالة الإشارية في حياته المستقبلية ، أنه وبينه ليسوا في حاجة إلى استرزاق الناس ، أن الناس يأتيهم هكذا بغير تكلف ومن الله تعالى ، عندما تنفجر زمزم لإسماعيل u ، هناك تشابه ضخم جدا في هذه المسائل ، .
فكانت أمه تختلس وترضعه ولم يعلم النمروذ بذلك ، حتى كان يشب شبابا لم يشبه الغلمان ، كان اليوم بيومين ، والشهر بشهرين ، والسنة بسنتين ، حتى خرج وهو كبير عنده سنة ونصف في عمر الزمن ، وفي عمر الله تعالى الذي قواه كان كبيرا أضخما من سنة ونصف ، حتى قال لأمه أريد أن أبصر الضوء الحياة ، يعني أريد أن أنظر إلى العالم ، فنظر إلى البقر وإلى الحيوانات وإلى الخيل والبغال وإلى الناس وهي تمضي وهي تروح ، قال : سبحان الله ، لابد لهؤلاء الخلق من خالق .
هذا من أول ما خرج، ولذلك أنت تسمع المثل يقول: الكتكوت الفصيح في البيضة يصيح.
لابد يصيح في البيضة، ولذلك النجابة تبدأ على الفتى من الطفولة، لو وجدت ابنك يتعبك في الأسئلة، يقول لك: أين ربنا؟ أين الجنة ؟ أين النار ؟ ما زال صغيرا ويتعبك، انتبه هذه دلالة اشارية أن معك إنسان نجيب يحتاج إلى تربية .
يحتاج إلى أحد يتعهده ، إياك أن تقول الولد متسلط ومشاكس ، وصفته ونعته أنت لما تقرأ مناهج التربية وأساليب التربية ، هذا يدل على نمو العقل وطفرة طافحة من العقل الركيز ، فهو في حاجة إلى مرب جيد ، أي يعطيه العلم مناولة عن طريق المناولة أي سندا ومتنا صحيحا حتى لا يدخل في ذهنه خرافات وترهات .
لكن إذا كان متبلد ، يريد أن يملأ بطنه وينام فقط ، وأنت تحاول معه ، ولا فائدة ولا أي ايجابية فاغسل يديك ، أنظر له صنعة ، ولا تحاول أن تضغط عليه ، لأن الإمكانيات العقلية هبة من الله تعالى ، ولو حملته على شيء لا يستطيعه فأنت تقهره على غير الممكن، ولكن إن وجدت نجابة وأسئلة حادة في كل شأن من شئون العلم ، يقول : أين الله ؟ ويسألك أسئلة محرجة، أين الجنة ، أين النار؟ يسألك أسئلة غريبة ، تدل على التفكير الحاذق ، فهذا لابد من الاعتناء به تماما، ومعنى الاعتناء به أنك تجيب إجابة يستطيع أن يتوصل هو إليها عن طريق النصوص أو التفكير فيما بعد ، يعني لو فكر قليلا يجد نصا ، يجد إجابة ، لا تكون إجابة عشوائية ، لأنه لو اكتشف وفكر بعد ذلك أن الإجابة خاطئة ، فاعلم أنه سيحتقرك يوما،لأنه ينظر إلى أبيه على أنه هو العالم كله ، هو أعلم من في الأرض
وأفضل من في الأرض ، وأشجع من في الأرض. وهذا ما ابتلي به المسلمون في العصر الأخير ، بعد صلاة العشاء وتذهب للبيت ، تقول أغلق الباب حاسب الظلمة، إذا كان أبوه يخاف من الظلمات ، وبعد ذلك خوفه هو من الظلمات ، إذن كيف يجاهد هذا ، لما نقول له اركب كالفارس الزبير بن العوام أو كالمقداد بن الأسود أو كعروة بن الزبير ، واحرس لنا هذا الوادي وأنت وحدك ، يقول : لا ، أبي يقول لي حاسب الظلمة ، حاسب العفريت بالخارج سيأخذك ، وأمنا الغولة ، ولذلك نشأنا شعب جبان لأننا تربينا على هذا .
فتعيش طول عمرك تخاف، فتظل المخاوف تكبر في ذهنك، إلى أن يلبس شيئا بذلة صفرة وعليها أشياء صفرة، فتصل المخاوف تكبر، ولكن هذا لا يليق في تربية الرجال، أن يكونوا بهذه الكيفية.. لا تقول لولدك : حاسب الظلمة ، حاسب بكذا ، دائما تغذيه بالبطولة والرجولة ولا تعلمه شيء اسمه خوف إطلاقا ، هذا لا يعلمه إلا من باب الاحتراز عندما يكون مقاتلا ، لما يخرج إلى الميدان يقول له : ألبس خوذة والبس مغفر واستر نفسك ، لأننا نريدك لا تموت سدى ، ولكن اقتل لنا خمسين أو ستين ثم مت .. ﴿ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 65] ، إذا فعلتم هذه الحسبة نقول لك ما فيه مشاكل فرط ، لكن قبل ما تصل إلى هذه الحسبة ، يكون ممنوع التفريط .
إذن متى أعلمه الحذر ؟ في سن الكبر ، عندما أحافظ على رجالي وجنودي ، ولكن في الصغر ، لا تقول له هكذا ، فأنت لن تربيه أبدا، وكلما رأى البعبع ، وكل وقت البعبع يكبر ، وخياله يتسبع للبعبع ، إلى أن يصل إلى شيء لا يطيقه ، يقول لك : يا عم احلق لحيتك ، وامشي بجوار الحائط، وبعضهم يقول : امشي بداخل الحائط نفسه ، والبعض يقول أنا مالي و هذا الكلام ، والإسلام ربنا هو الذي ينصره ، يعني يريد ربنا ينزل من على عرشه هو الذي ينصر دينه .
وهذا الكلام قاله اليهود لموسى u ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24] ، اذهبوا وحاربوا ونحن جالسون ، وانظروا ماذا تفعلون .
وهذا لا يليق في مناهج التربية، ولذلك في هذه الدروس ستستفيد من كل مناحي الحياة، من كل عنصر من عناصر الحياة ستستفيد حتى تتسلح بالوعي الكامل، لتكون رجلا كاملا، تعيش في المجتمع كرجل كامل، متكامل النظرة، متكامل الواقعية في حياتك.
انظر إلى إبراهيم u ، أول ما خرج ، ما ينبغي لهؤلاء الخلق إلا أن يكون لهم إله وبدأ ينظر في الكون ، في الشمس والقمر والنجوم ، وبدأت حياته الدعوية في التأمل أولا ، والمقارنة .
وكان بكر أبيه، والبكر ذراع أبيه كما يقول الفراعنة ، إذا بكرت بولدت فهو ساعدك وهو يمينك ، يعنيك على بقية الأولاد ، ويربي معك الأولاد ، إذا كان في ورشة أو نجار أو ميكانيكي ، الولد الأول يأتي بالدخل ، تجد الرجل عنده أربعين سنة ، وقاعد يضع رجل على رجل ، وابنه شغال ، ابنه البكري شغال ، ومن هنا كان العرب يحبون دائما أن يبكروا بالأبناء ، ليكونوا سواعدهم ، ما كان المسلمون يحبون ذلك .
بدأ آزر يستخدم ابنه ، وكان نجارا ، وكان من دولاب الإدارة ، تسمعون بدولاب الإدارة ؟ كان من دولاب الإدارة في دولة النمروذ ، يعني من الجهاز الحاكم دولاب الإدارة ، طبعا نكني الإدارة كأنها دولاب مقفول لا نعلم ما بداخله يأكلوا في بعض بالداخل ، ولكننا نغلقه ، رجل يعمل في دولاب الإدارة ، تعبير سياسي قديم يستخدم في الذين يعملون في شئون الحكم ، فكان يصنع الأصنام ، وابنه الكبير يقول له بع هذه الأصنام.
تخيل إبراهيم u وهو شاب صغير يأخذ الأول الأصنام ، فيقول نجربهم ، لماذا يعبدون الناس هؤلاء ، فيأخذهم إلى الفرات وينزلهم في الماء ، ويلعب بهم ويسخر منهم ، وينادي بأعلى صوته : يا من يريد أن يشتري شيئا لا يضره ولا ينفعه يسمعه أبوه وهو يقول ذلك ، من الذي يشتري شيئا فيه ضرر وليس فيه نفع، أبوه يضربه ، ويقول له أنت خسرت تجارتنا، الكفر في هذه البلد رزق ، يعني الكفر رزق ، يعني كل واحد مليونير ولا مبسوط عايز له صنم مخصوص ، فهناك صنم عمومي مثل السينما شيء عام للشعب كله ، والجماعة المبسوطين يعملوا صنم مخصوص ، له وحده ، يعطره ويطيبه ،مثل صنم عمرو بن الجموح ، اللي معاذ بن جبل ومعاذ بن عفراء كانوا يأخذونه كل يوم يأخذونه ويضعونه في البئر العذرة ، عارفين هذا المثل .
عمرو بن الجموح قبل ما يسلم كان رجل مبسوط من الأنصار ، وله صنم مخصوص ، فكان عمه معاذ بن جبل ومعاذ بن العفراء بني عفراء ، فهم كانوا شباب عندهم حوالي عشرين أو ثلاثة وعشرين سنة ، وهذا الرجل قد كبر ، وكل حسن يعطره ، ويضع له كذا وكذا ، فأخذوا الصنم الخاص به ووضعوه في بئر مجاري ، فيبحث عنه ، ولا يجده إلا في بئر المجاري ، فيأخذه ويغسله ويطيبه ويضعه في مكانه، ثم يأتوا مرة أخرى يأخذوه ، لما تعبوا منه ، قالوا سنعمل فيه عمل فلن نجعله يأخذه مرة أخرى ، نضعه في بئر المجاري ، ولكن سنربط فيه كلب ميت، فقال سبحان الله أنت لا تستطيع أن تمنع نفسك ، وأنا آتي لأعبدك، والله خسئت لا أعبدك أبدا.
فهذا نظام الداعية الأريب ، الذي يظهر محاسن الإسلام ، أولا : يظهر معايب الجاهلية ، وسيأتيك هذا في خطاب جعفر بن أبي طالب مع النجاشي في الحبشة وطبعا الله أعلم العمر هيكفي للذي نقوله أم لا ؟ وطبعا نحن بهدوء، والمسألة طويلة ومسافات واسعة ، فعموما إن لم نكمل هنا ، فسنكمل في مجلسنا في المسجد الأقصى بإذن الله تعالى ، وهذا يكون قريب بإذن الله تعالى .
كيف تظهر معايب الجاهلية ، ثم تظهر محاسن الإسلام ؟
هذا هو أسلوب الدعاة والشباب ، الشباب لا يفتك ويكسر ويخبط ، لا ، هو لن يكسر الصنم ، سيقول أنا مليونير سأعمل مائة صنم ، إذا كسر واحد ، نعمل مائة لكنهم بينوا له أنه يوضع في المجاري ، ومع ذلك لا ينفع نفسه ولا يضر ، أسلوب في الدعوة جميل جدا ، وراقي جدا .
لما كنا في الثمانينيات في المعتقلات، بعض إخواننا يقول هذا مسجد فيه قبر، يذهب إلى القبر، ويأتي بصفيحة غاز ولتر بنزين، ويحرقوا القبر، ويقولون هذه أحسن وسيلة لكي نخلص المساجد في مصر من القبور.
طبعا الجماعة بدل ما هو معمول من الخشب ويحرق ، فيعملوه برونز أو فضة أو ذهب ويمتنوه، ويقولوا العالم دول كفرة ، الذين يحاربوا الأولياء كفار ، يحاربون أولياء الله ، ﴿ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62] ، هؤلاء الذين عليهم الخوف وهم الذين يحزنون ، لأنهم يحرقون أولياء الله ، طبعا عبئوا الشعب ضدك ، لما تأتي وتقول لهم : يا جماعة وحدوا الله توحيد ؟؟؟ ، يقولوا : آه أنتم من الجماعة دول ، الذين يحرقون المشايخ ، هو أنتم هؤلاء .
إذن طريق الدعوة نحن سنفرده معك خطوة خطوة ، وتعلم في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتعرف بماذا تأمر؟ وبماذا تنهي ؟، وهل هناك منكر لا يجب أن تقربه أصلا ،؟ نعم .
هناك منكر من المنكر لا يجوز أن تقربه أصلا ، اسمع إلى قوله r في صحيح البخاري : « يا عائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لهدمت البيت ، وجعلت على قواعد إبراهيم » ، إذن هذا منكر ، ولكن النبي r لم يغيره أبدا ، وسيأتيك في مكة عندما ندخلها إن شاء الله تعالى فاتحين ، وترى النبي r كيف كان يصلي والأصنام حوله ، وما كسر واحدا وما فعل أي شيء بأي واحد منهم ، حتى جاء فاتحا ، وأخذ يطعن برمحه في أعناقها وفي عيونها ويقول : ﴿ وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾ [الإسراء: 81] ، متى في الدعوة هذا بعد الفتح والتمكن وإقامة الدولة ، أصبحت أنت مؤثرا في أمرك وفي نهيك ، لا خوف عليك من الأمر والنهي ، ولكن في حالة الاستضعاف لابد لك أن تنتبه جدا ، هناك بعض المسائل لا يجوز لك أبدا أن تقربها ، لا يجوز مطلقا ، هناك بعض المنكر ، كبعض المتهوكة من الفرق الخارجية ، يقول لك : ما هوحكم الحاكم ؟ كافر أم مسلم ،؟ سبحان الله وما ينفعك في هذه المسألة ، أقول : تعلم من فقه مكة ألا تقرب مسائل معينة ، حتى تستطيع أن تمضي في مسائلك إلى مالا نهاية ، ولكن لو بدأت تصطدم بالأصنام إما تحطمها وإما تحطمك ، إن كان لك شوكه فحطمها ، وإن لم يكن لك شوكة ، فلا تحدث النكاية في نفسك وأنت مستضعف إذن هناك منكر من المنكر لا يجوز لك ولا يحل أن تقربه من الأصل حتى تستطيع أن تمضي في مسيرتك المسيرة السليمة الصحيحة ، وتكتسب جماهيرية وشعبية كما فعل النبيr
بدأ الناس يعلمون أن إبراهيم يكره هذه الأصنام، وبدأ صدامه مع الملك، مع النمروذ، رغم أن أباه كان من دولاب الإدارة ، لعله يكون شفيعا لابنه ، ولعلهم لا يمسون ولدا من رجالهم ، ومع ذلك انتبه جدا واحفظ أن.
الطواغيت والظلمة، في معرض الحفاظ على عروشهم، قد يقتلون أبناءهم.
فهو يضحي بأي شيء إلا العرش ، يضحي بأي شيء حتى بأقرب الناس إليه انتبه جدا جدا لهذه المسألة ، لا تقول هذا أبوه وزير ، أو أبوه كذا ، لا المسألة عندهم ليس عندهم ذلك ، إن خالف يقتل ، وقد عشنا في المعتقلات ورأينا أقرباء هؤلاء كانوا معنا في الزنازين ، بل من ألصق الناس به ، أقرب الناس إليه ، حقيقة لأن المسألة ليس فيها رحمة ، كما يقولون : المسألة إما أبيض أو أسود ، تقول هذا قريبي ، لا ليس فيها ذلك ، هذا إسلام ، وهذا جاهلية ، وهذا لو تمكن هذا من هذا يقتل هذا ، وهذا يقتل هذا ، إذن لابد من فصل القوات .
بعد أن استعلن إبراهيم بالتوحيد ، وهاجم أصنامهم ، فجمعوا له الحطب وقرروا قتله وحرقه على أعين الناس جميعا ، وقد مكن الله تعالى منهم ، لم يفر إبراهيم ولم يحفظ بعيدا عنهم ، ولكن تمكنوا من أن يمسكوه ووضعوه في النار ، وجلس في النار إبراهيم u ، وقد شبه الله ملك من الملائكة على شبه إبراهيم ، يجلس معه يسريه ويسليه في النار .
كانوا يتناقشان ويتكلمان وهما في النار ، وأخبروا النمروذ بذلك ، قال اصنعوا لي صرحا لعلي أطلع على إبراهيم وجليسه أنظر ماذا يقولون ، فصنع ونظر إلى إبراهيم ، فقال النمروذ : والله نعم الرب ربك يا إبراهيم ، سأعطيه فداءا ، وسأعطيه نحرا ، أو نقرا ، كم من الكباش وكم من الإبل وكم من كذا ، فقال له إبراهيم : إن الله لا يتقبل إلا من المتقين ، ولكن وحد الله تعالى ، حتى يقبل هذا النذر منك ، قال : إذن لا تساكنني في البلد ، اخرج منها ، لم نعرف أن نقتل ، إذن أنظر لك مكان تعيش فيه .
وجه الشبه بين خروج إبراهيم u وبين وخروج موسىu .
فخرج إبراهيم وهذا فيه تشابه بين خروجه وبين خروج موسى من مصر وهو خائفا يترقب ، فخرج إبراهيم بليل ، قامت الأكمنة على مفارز البلاد ،حتى يأتون بإبراهيم ، لأن سيخرج فسيفسد الدنيا ، هذا لا يخرج أصلا نحبسه حتى يموت على ما هو عليه دون أن يصل إلى شيء، و دون أن يوصل عقيدته إلى أي طرف آخر ،خرج مع ابن أخيه لوط، وهو الوحيد الذي آمن له، وخرج به ،كانت الأوامر في الأكمنة ، شاب عنده ستة عشر عامًا، سنة ،ويصارع ويناطح الكفر أي قوة ، وأي تمرس ، وأي عجب ، شاب صغير يتمرس في مصارعة الكفر ، خرج ولوط وأول كمين قابلهم ، كانت الأوامر العليا في الأكمنة ، شاب صغير السن يتكلم السريانية ، فعبر البحر ، ( الفرات) ، وفي المعبر الثاني بعد الفرات ، وجد الكمين ، فأخذ ينظرون في الملامح والصور والوصف هو هو ، ولكن نسأله (سين وجيم) لنري لهجته،فكلموه بالسريانية فما نطق أبدا ، وأنطق الله تعالى لسانه وأطلقه بالعبرانية ،قالوا إذن ليس هو ، هذا ما يعرف السريانية، وهذا الموقف نستفيد منه أن الله تعالى أطلق لسانه بالعربية فأول من تكلم بالعربية هو إسماعيل u فهو أبو العرب مطلقا ، إذن أخذ من أبيه إبراهيم هذا الإطلاق الأول وكان الإطلاق لإبراهيم من الكمين الأول أن الله تعالى حماه بحماية ربانية إذ أطلق لسانه باللغة العبرانية ، فخرج إلى أرض التيمن التي هي أرض فلسطين .
وانتبه جدا أن إبراهيم u عاش حياة من الشدة في الرزق والشدة في البلاء لدرجة ، حتى مكن الله له تمكينا ضخما جدا ، في نهاية عمره ، وسع الله تعالى له في الرزق ، حتى أن الضيف يأتيه فيذبح له عجلا حنيذا ،دخل إلى أرض التيمن وهي أرض فلسطين ، وتزوج بابنة عمه قبل أن يمضي سارة بنت هاران ، وسارة والاسم كما قال ابن القيم : تعالى في زاده : (لكل صاحب اسم من اسمه فتوحات )، وذلك لما تسمي سمي اسم فيه فأل حسن ، سعيد مثلا ، رباح ، مثلا من الأسماء التي فيها الفأل الحسن .
لذلك سارة،كانت سارة لزوجها فعلا ، وهذا الاسم من واقع حياتها ما كانت تبخل بالسرور على زوجها ، وكانت من أفضل نساء حواء مطلقا ، قيمة في تبعلها لزوجها ، قالوا في الكتب : (لم تعص له أمرا) ، إبراهيم عاش سنين طوال جدا ،و أنجب منها إسحاق بعد مائة وعشرون عاما ،هذا قبل إسحاق ، طبعا وهو قد أنجب إسماعيل على ثمانين عاما، ولذلك الفيصل بين إسحاق وإسماعيل قالوا عشرون سنة وقالوا أربع عشر سنة .
اشترطته سارة على إبراهيم u.
ولكنها قبل أن تتزوجه اشترطت ألا يتزوج غيرها ، طول حياتها ، وهو شرط جدير بأن يلاحظ ، وهو أيضًا في شرعنا لم يتغير ، للمرأة أن تشترط ، قبل أن يعقد عليها ، لها أن تشترط ألا يتزوج عليها ، إلا برضاها،أنت كشاب زكي ، تقول لك : لا تتزوج ،أقول أنا على شرطي ، لن أتزوج عليك، لكن سأضيف فقرة صغيرة جدا ، إلا برضاك ، وطبعا هذا الرضا سهل جدا وميسور ، وانتبه جدا إلى هذه المسائل ، لأن الرجل الذكي أو العبقري لا يعجز في أي شيء ، ممكن الناس تشترط عليه شروط ، يقول اشترطوا كما تريدون، أنا أوقع لكم وأنا مغمض العين، أنت تريد كذا وكذا ، سأغمض عيني وأمضي ، لكن عند تطبيق بنود المعاهدة ، أقول له : المعنى الأول يحتمل ، كذا وكذا وكذا ، يجعلك تحتار ، البند الثاني الثالث الرابع الخامس ،العاقل الذي هو واسع الاطلاع نافذ البصيرة لا يعجز أبدا لنص من النصوص .
في صلح الحديبية ، لما قال له اكتب يا علي ، « بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا من محمد رسول الله إلى من عاهد من المشركين » قال سهيل بن عمرو ، وزير الخارجية المكي ،ما نعرف الرحمن ، قل: باسمك الله ، ولو علمناك رسول الله والله ما قاتلناك ،لو صدقنا أنك رسول الله ما حاربناك ، قال : « امح يا علي » ماذا تريد أنت تكتب ، باسمك اللهم ، ما الفرق ، قال : « اكتب يا علي » ، وماذا أيضًا : من محمد بن عبد الله ، هذا الاسم سماه أبي ، أليست هذه الأسماء التي سماها آبائي ما المشكلة ، ما الذي خسرناه في الموضوع ، من محمد بن عبد الله إلى من عاهد من المشركين ، هي القضية ستقف عند كلمة رسول الله ، قال : « والله إني أعلم أني رسول الله ، والله يعلم أني رسوله ، ولو عاندتم ولو كذبتم » ، المسألة ليست برضاك ، لن آخذ منك اعتراف ، لأن اعترافك لا يساوي شيئا، اعتراف الكافر والمشرك لا يساوي شيئا ،فتزوج سارة ، وقالوا : ( أشبه امرأة بأمها حواء سارة بنت حوران )كانت من أجمل النساء ، وهي جدة يوسف بن يعقوب من أين ليوسف بن يعقوب هذا الجمال؟ ، هذه جدته ، الذي حاز شطر الحسن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم على الجميع السلام .
انظر إلى الجدة سارة أنجبت أجمل الناس ، يوسف بن يعقوب ، قمر الدنيا في زمانه وفرقدها ، u .
فعاش عمرا مديدا معها ، وهي عقيم لا تلد ، حتى وصلا إلى أرض فلسطين وهو فقير ، ووصل إلى هذه الأرض ، وهذه الأرض دائما مهد الصراعات ، وبوتقة الحروب والقتال ، فيها نزاعات ، وصل إلى بلد بعيدة اسمها( السبع) ، بلد قفر ليس فيها شيء ، اكتسب من بعض الهدايا غنيمات وبقرات ، فحفر بئرا ، فكانت بئر (سبع )، فعرفت لما سميت بئر سبع الموجودة في فلسطين بهذا الاسم ، لأنه البئر الذي حفره فيها إبراهيم ، لذلك هي بجوار الخليل ، المكان الذي عاش فيه ودفن فيه إبراهيم u .
فحفر البئر فامتلأ ماءا ، فكان يشرب هو وغنمه وإبله ، جماعة الفينيقيين أو الكنعانيين طغاة طول عمرهم ، ويكرهون النعمة ، فأجلوا إبراهيم عن سبع قالوا : المياه ملكنا ،إذن مصر هي معبر الأنبياء ، وملجأ الأمان للأنبياء ، وهي البلد التي تقف المواقف في وقت المحن تنقذ البشرية ، هذا هو دور مصر في التاريخ واستخدمها الأنبياء بهذه الكيفية ، ولذلك قضية مصر هي قضية حاكم ، وليس قضية شعب ، فإذا كان الحاكم كيوسف بن يعقوب ، أطعم الدنيا كلها بمال مصر وبزراعة مصر ، وبوفرة وجودة أرض مصر .
ولذلك يقولون دائما (تفسد السمكة من رأسها، فإذا بدأت الرأس تفسد، عفنت السمكة كلها من رأسها)، ولذلك قالوا في العربية: (من رأس العين يأتي الكدر.)
فهذه قضية مصر على مدى الأزمان ، حقيقة، ولذلك جربت مصر مرة نبي من الأنبياء ، وهو يوسف بن يعقوب عليهم السلام جميعا ، ولذلك كانت الوفود من جميع الدنيا تأتي إليهم ، وكانوا يعطيهم الميرة والطعام والرزق ، وحكم العالم حكما عادلا ، ووسع في السوية ، حتى جاء يعقوب وجاءت أمه وجاء الأسباط ، وسجدوا له جميعا ، بحسب الرؤيا التي جاءت في مطلع السورة ﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [يوسف: 4] .
فكان في مصر هذا الاحتفال الرهيب ، والاحترام الشديد ليوسف وللأسرة النبوية يعقوب وأبناؤه الاثنى عشر .
هذا هو دور مصر في التاريخ، وأثناء دخول إبراهيمu في أرض سيناء ، أبلغ عنه مخبر الملك كما في الحديث كما في الحديث "وبينما هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة ، دخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبّار من الجبابرة ، فقيل : دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء ، فأرسل إليه أن يا إبراهيم ، من هذه التي معك ؟ ، قال : أختي ، ثم رجع إليها فقال : لا تُكذّبي حديثي ؛ فإني أخبرتهم أنك أختي ، والله ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك ، فأرسل بها إليه ، فقام إليها ، فقامت توضّأ وتصلي فقالت : اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي ، فلا تُسلّط عليّ الكافر ، فغُطّ حتى ركض برجله ، فقالت : اللهم إن يمت يُقال هي قتلته ، فأُرسل ، ثم قام إليها فقامت توضأ تصلي وتقول : اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي ، فلا تُسلّط علي هذا الكافر ، فُغطّ حتى ركض برجله ، فقالت : اللهم إن يمت يقال هي قتلته ، فأُرسل في الثانية أو في الثالثة فقال : والله ما أرسلتم إلي إلا شيطاناً ، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر ، فرجعت إلى إبراهيم uفقالت : أشعرت أن الله كَبَتَ الكافر ، وأخدمَ وليدةً ؟ ) رواه البخاري) ، قال له : دخل رجل أرض مصر معه امرأة من أجمل النساء ، قال: علي بها .فجاءوا بها إليه، فوقف إبراهيم يصلي ويدعو الله تعالى، وذهبت سارة تبحث عمن يعجن لها، فالرجل الذي باع له، كان من رجال الأمن وهذا خطأ شنيع جدا، وهذا سنركز عليه في سرية الدعوة، ولما كانت الدعوة سرية في بداية أمرها ؟، وظلت ثلاث سنوات سرية ولا يعرف بها أحد ، وقالوا : هم في بيت عند الصفا ، لا يعرفون حتى البيت الذي يجلسون فيه ،لم يحصل ، وهذه متانة في الاصطفاء والاختيار ، لأن سرية الدعوة وتعلم الملتزم كيفية التكتم وعدم الكلام إلا بدقة وبحذر ، هذا هو النصر على العدو ، لا تكون كثير الكلام ، كل ما وقعت عيونك عليه تخبر به ، هذا لا يليق أبدا ، ولا يجوز ، ولا يصلح ، والنبي r ربى أصحابه في سرية الدعوة ، وهذا سنخص له جدا ، حتى يربى هذا التيار على ألا يكون مفتوحا لليهود وعملاء اليهود أن ينقلوا عنه كل شيء بسهولة وبيسر، فكن
ممن، يرى بعينه ويسمع بأذنه ولا يتكلم بلسانه، وهذه لفوائد في سرية الدعوة طبعا لا يوجد سرية في الدعوة، ولكن من باب التربية، هذه الدروس الهدف منها التربية أساس، كيف تتربى أن تكون رجلا مقابلا لعدوك؟ ،اليهودي ، إنسان قوي جدا ، اليهود لا يحتاجون جواسيس في مصر ، لأن كل الكلام مفتوح ،لابد أن تكون دقيقا لكي تدخل دار الأرقم ، حتى تستحق الدخول إلى دار الأرقم معنا إن شاء لله تعالى عندما يأتي أوانها ، إلا إذا كنت مؤهلا ، بالتفكير العلمي الصحيح والأسلوب القوي الفصيح ، حتى تصل لها .
فدخل فصلى إبراهيم u ، وجاءوا بها إلى فرعون مصر ، وقالت له : تأذن لي أن أتوضأ وأصلي ،.
هل كان الوضوء في الأمم قبلنا؟
بعض العلماء يقول : الوضوء مختص بهذه الأمة فقط ، ولكن هذا خطأ شديد الوضوء في الأمم السابقة ، من أول آدم إلى محمد r ، لأن الصلاة ما انقطعت على يد أي نبي ، فهي مقررة ، لأنها الإيمان العملي ، لما نصل إلى مكة والدعوة إن شاء الله ، تجد أن الإيمان لا إله إلا الله والصلاة ، كانوا يتخفون في الشعب ليصلوا إذن الصلاة كانت موجودة ، أي أن الإيمان من أول إيمان كان قولا وعملا ، من أول يوم ، قول وعمل ، ولذلك لا يقتصر الوضوء على أمتنا فقط ، بل كان في الأمم الأخرى ، وهذا ستراه كثيرا جدا في الوضوء والصلوات ، حتى تزداد بهذه المعلومة .
فتوضأت سارة وصلت وقالت وهي تدعو دعاء لله تعالى ، كانت تقول : : « اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي ، فلا تُسلّط علي هذا الكافر» فبعد أن صلت بدأ يقرب منها ، فشلت يده ، فقال لهذا المخبر : أتيت لي بشيطان وليس إنسان ،فقال أنت مباركة صالحة ، ادع الله تعالى لي أن يفك يدي ، وأنا لن أقربك ، فدعت الله تعالى ،فقالت : «فقالت : اللهم إن يمت يُقال هي قتلته ، فأُرسل« » ،اللهم إنك قتلته وأنا معه اتهموني، فأحس بالعافية فمد يده ثانية، فدعت عليه، فشلت، ثالثة فشلت، قال أنت مباركة، والله لا أعود، ادع الله لي ، فدعت .
فقال له المخبر : كانت تريد أن تعجن و لاتعرف، فكافأها مكافأة شديدة جدا بالإبل والجمال والغنم والبر - القمح - وهدايا جمة ولأنها امرأة لا تحسن أن تطبخ أو تخبز فأخدمها هاجر أمكم ، وهي ملكة مصر ، أو ابنة ملك مصر أسرت في معركة بين مصر العليا ومصر السفلى ، كان بين طيبة ومنف صراع دائم ، فأسرت هاجر ، يقول ابن القيم:( لكل صاحب اسم من اسمه فتوحات )، هاجر ، لم هذه التسمية ، لأنها ستنجب أكبر مهاجرين في الأرض ، ستهاجر من مصر إلى فلسطين ومن فلسطين إلى مكة ، وستنجب محمد r الذي هاجر وأتباعه الهجرتين ، فأنت أنت المهاجر ، ابن المهاجر ولذلك عليك بزاد المهاجر إلى ربه ، كما قال ابن القيم : تعالى ، انظر إلى التسمية ، من أين جاءت ، هاجر ، من الهجرة ، ولذلك جاءت الهجرة من بنيها ، فلما قالوا : أنها من مصر ، من قرية من قري الصعيد، و أخدمها سارة، قال أبو هريرة: "تلك أمكم يا بني ماء السماء"،أي يا من تعيشون على المطر.
مايستفاد من الحديث:
الفائدة الأولى: فيه إخوة الإسلام، لقول إبراهيم: لما دخل علي الملك قال من هذه منك ؟ قال:( أختي)، فهذا كذب أم صدق؟
هذا تعريض ، « إن لكم في المعاريض مندوحة عن الكذب » ، هو عرض ، فقال لها : ليس في الأرض مسلم إلا أنا وأنت ، لأنه لو قال لو قلت له أني زوجك لقتلني ، ولكن لو قلتي أني أخيك ، إذن من الممكن الأخ يزوج أخته ، ولا يصلح له مضرة ، إذن نتعلم كيفية المعاريض لوقت المحن حتى لا تجيب صراحة ، ولا تكذب ، ولا تصرح ، ولكن الإجابة تكون في المعاريض ، فإبراهيم u ، عرض.
الفائدة الثانية: أن المعاريض مندوحة عن الكذب ، وهي مباحة ، وفيها الرخصة في الانقياد للظالم ، في المسألة رخصة للانقياد للظالم ، لما قبضوا عليها انقادت وأخذوها له ، فإذا غلبت ستنقاد لأن المعارضة هنا فيها القتل ، فيها الانقياد للظالم .
الفائدة الثالثة:وفيها قبول صلة الملك الكافر، لما أهداه هدية، فقبلها إبراهيم u وقبلتها سارة .
الفائدة الرابعة:وفيه إجابة الدعاء مع إخلاص النية، لله تعالى، فأجابها الله تعالى.
الفائدة الخامسة:وفيه كفاية الرب لمن أخلص في الدعاء بعمله الصالح كقضية الثلاثة الذين انحطت عليهم الصخرة، ودعوا الله تعالى بعملهم الصالح فالإنسان يدعو وقت الحرج بالعمل الصالح فيكفيه الله تعالى.
الفائدة السادسة:وفي الحديث ابتلاء الصالح وإن كانوا أنبياء، والشدة عليهم.
الفائدة السابعة: أن من نابه أمر فيفزع إلى الصلاة، لقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾ [البقرة: 45]
الفائدة الثامنة: مشروعية الوضوء في الأمم الأخرى.
ونترك إبراهيم في مصر قليلا ، حتى تحدث فيها البركة للدرس القادم إن شاء الله تعالى .


انتهى الدرس الثاني نسألكم الدعاء ( أختكم أم محمد الظن)