أم محمد الظن
2011-04-27, 12:27 AM
الدرس الأول
من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، rاللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وبعد...
فهذه أمسية طيبة مباركة، وهذه وجوه نيرة نرى فيها التقوى والإيمان، وصدق طُلبة العلم، أدعو الله تعالى أن ينفعني وإياكم بالعلم، وأن يجنبنا وإياكم الفتن والزلل، وبعد..
سيرة النبي r هي الإيمان العملي لواقع الوحي.
فالسيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام ، بحث لم يأخذ حقه بعد حقيقة من الدرس والتأمل، كثير من أهل الإسلام يقرءون ، وقليل منهم من يتأمل ما يقرأ، فإن سيرة النبيr هي الإيمان العملي لواقع ألوحين ينهي الترجمة الحقيقية لعلوم الإسلام وجهاده ، فمن أراد أن يتربى تربية أصولية على أصولها فليرجع إلى سيرة النبيr.
والناس غالبا فهموها على أنها مادة تدرس هكذا على الحواشي، وإن طالت بي وبك حياة ستعلم أنها الأصل وأنها الواجب وأنها الحق، وأن درسا واحدا لا يكفي بل دروس ؛ لأن الذين درسوا التاريخ ما درسوه إلا كالذين أخرجوا أكفان الموتى من القبور، دراسة قديمة على سطور باهتة ، مليئة بالزيف والضلال والتزييف والمهاترات.
وأنت لأول مرة تسمع هذا ، ومع صبر الأيام، ومع صبر طُلبة العلم، ستتذوق هذه الحلاوة إن شاء الله تعالى ، وتعلم لماذا لم يُكتب التاريخ الإسلامي بعد؟
وحتى تعلم أن الذين كتبوه، كتبوه فقط بنصوص جامدة، بمعزل عن الواقع، عرضوها أحيانا للصحة والتضعيف، وأغلب الأحيان كتبوها خلطا بين الزيف والضلال والصحة والضعف.
وتاريخ المسلمين يختلف تماما عن أي تاريخ، فإنه حياتهم، ستلتقي مع نفسك لأول مرة في حياتك، ستشمخ بأنفك، وتزهو بإسلامك وعروبتك، وتحتقر أي جنس آخر، مع هذه الدروس.
إنك غائب حي، تاهت منك نفسك في دواليب الحياة وسراديبها، وأنا وأنت سنحاول أن نجمع هذه الأنفس ثانية على مكارم العرب، وعلى أصول العرب، وأنفة ونبالة وشرف العرب.
من هم العرب؟
أخير الخلق، اصطفاهم الله تعالى على العالمين، ولذلك نبه الحبيب r وقال لي ولك: « إن لم تقوموا بهذا الدين معشر العرب، فلن يقوم به أحدا غيركم ».
ولذلك قوى الإسلام بقوة العرب، وضعف بضعفهم.
فما تراه اليوم في واقع أليم هو بسبب ضعف العرب، فإن العجم مهما كانوا قوة ، ومهما صنعوا خلافة، لن يقوموا بهذا الدين كما تقوم به العرب؛ لأنك لا تدري أي حلم كان عند العرب؛ لأنك لا تدري أي بذل وأي كرم وأي فداء عند العرب؛ وأنك لا تدري أي شجاعة وأي بطولة عند العرب، فالعربي إذا ناداه النداء، لا يبالي بحياة أو موت، والعربي إذا جاءه الضيف لا يبالي ما يملك أو لا يملك، جنس لم يعرفه العالم بعد، جربه العالم مرة واحدة ، في خلافة دولة الإسلام حكمه بالعدل والقسطاس المستقيم، علمه الأدب والنبالة والشهامة والكرامة والمروءة، مرة واحدة حكم العرب بدينهم حكموا العالم، ما اشتكى منهم أحد، احترموا الأقليات وحموها وعرفوا لها قدرها ، مع انضباط النص الذين وقعوه كعقد ذمة، ما استطاعوا أن يخالفوه لهيبة العرب ورجولة العرب، وإنسانية العرب.
أين هم العرب الآن؟
هذا ما سنبحث عنه معا، أما تاريخ الزيف، الذي درسته في المدارس والجامعات، وأنبه وركز وانتبه معي هو فقط تاريخ الملوك والرؤساء والحكام.
ليس تاريخ الشعوب، وليس تاريخ واقع حركة الشعوب الحضارية ، أبدا، وأنت ستعجب مع دراسة علم الحديث الشريف، وأنت ترى واقعة رواها راوي ذكر باسمه، بكامل اسمه، وذكر فيها ترجمته، اقرأ علم التراجم، كما جاء عند الذهبي وغيره وابن عساكر، وكذلك صاحب تهذيب الكمال، ترى ترجمة لأقل رجل، درجته، أهميته، قيمته، عبادته،ولكن في تاريخ الزيوف لا تجد للأفراد شيء، حكام فحكام.
من التاريخ الزائف.
الثورة العرابية، الثورة الأيوبية، الثورة كذا وكذا.. ، أعمال فلان، أعمال علان، لا ترى أبدا تاريخا لمواطن على الإطلاق، وهم الذين صنعوا التاريخ، وهم الذين بهم الأحداث، وصنعوها ، وهم الذين بنوا الحضارة، ولكن للأسف ، أخذنا مأخذ الفراعنة بذكر آلهة الأوليمبي كما حدث في روما وأثينا واسبرطة القديمتين، لا نذكر إلا الآلهة من الناس، وهذا هو التاريخ الزائف الذي تقرؤونه ليل نهار.
ستجد في سيرة ابن هشام شعرا لسين من الناس، نكرة من الناس، تجد موقفا لمواطن عادي، ليس له إلا هذا الموقف؛ ولكن دونوه وحفظوه، إنه التاريخ الإنساني الذي حفظ لكل صاحب حق حقه، أما تاريخ الملوك، والزيوف لا ترى فيه إلا أبطال من شمع، فإذا جاءها الوقود أخذ هذا الشمع ينجاب وينزاح حتى يتلاشى ولا تجد شيئا،هذه هي قضية الزعامات الزائفة والتاريخ الزائف.
اصطفاء اللهU للعرب.
ولذلك اختار الله تعالى العرب، وهذا الذي قاله نبيكr « إن الله خلق الخلق، فجعلهم فرقتين، فاختار العرب على غيرهم ». اصطفى العرب على الخلق، واصطفى منهم أفضل نبيr ، واصطفى من العرب قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى النبي r من بني هاشم.
إذن هي مسألة اصطفاء، إن الله تعالى اختار العرب، هو الذي اختارهم، أنزل كتابه وأفضل كتبه تعالى سبحانه بلسانهم، اختار أرضهم مدار للأحداث والتاريخ، بل وعليها تقوم القيامة، وعليها المحشر وأرض المحشر ، وزكاها بكعبته الشريفة، وبأقصاها الأسير ، وبمدينة الحبيب r.
مصر ليست فرعونية.
وبسيناء المقدسة، وبمصر المحروسة أرض الأنبياء، كل هذا التاريخ ضاع منك، الذين يقولون إن مصر دولة فرعونية، هؤلاء المجانين، ما درسوا شيئا، هل تركوا الأمر لأصحابه، حتى يخبروهم ما هي مصر؟ كم من الأنبياء دخل مصر، كم من الأنبياء عاش في مصر، وقاد الدولة وصنع منها سلة غلال العالم، أطعم الدنيا كلها يوسف بن يعقوب عليه السلام.
إن التاريخ الحقيقي لم تقرأه بعد، ولابد من استقراء السطور، حتى نستخرج منها الحقائق.
كل ذلك لكي ننشئ الأمة الوسط، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ [البقرة: 143] .
شهداء، والشاهد هو الحاكم والعادل، والأمة الوسط ليست ذيلا في الأمم، ليست تابعة، لا تأخذ أفكارها وسياساتها من غيرها، أمة حاكمة، شاهدة، هي الحاكمة، قائدة، لا تأخذ قيادها من أحد، ولا تسلم قيادها إلا لله تعالى.
أمة النبيr الوسط في كل شيء.
هذه هي الأمة الوسط، اختارها وسطا في المكان، ووسطا في الأفكار، ووسطا في العقلية، ووسطا في المشاعر، ووسط في التكوين الجسمي المعروف.
وأنت تعجب وأنت تقرأ هذه الآية، جعلها وسط في الأرض، أنظر إلى شبه جزيرة العرب، وكيف مهد الله تعالى لهذا الدين، وانتبه جدا كيف مهد الله تعالى لهذا الدين؟ إنه مهد له منذ آدم، مهد لمحمد من عند آدم، مهد لجزيرة العرب في العالم كله، والذي يقرأ التاريخ القديم أن أول بقعة خرجت من الماء هي مكة، حرسها الله تعالى، مكة المحروسة، كما قال تعالى:
- ﴿ وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ﴾ [الانشقاق: 3] ، أي من تحت البيت.
- ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات: 30] ، أي من تحت البيت.
كان التكوين والبداية هو بيت الله الحرام، إنه الرابية التي خرجت من الزبد الماء، يوم أن كان العالم كله ماء، وكان عرشه على الماء سبحانه، خرج هذا الزبد ، فأول رغوة زبد خرجت في الأرض ، هي مكة المكرمة، وهي وسط العالم، وهي قلب الدنيا بأسرها، حولها تدور الأحداث، وعليها تدور رحى السيطرة والحرب والزمان.
هذا هو التاريخ، ليس بعد أرض العرب تاريخ، ولا يوجد في غير أرض العرب تاريخ.
إنه تاريخ حضارة الإنسان، وإنسانية الإنسان، إنه تاريخ الحضارة الإنسانية، اختار الله تعالى هذا الموقع واصطفاه على كل الأرض، بدأ به، كانت البداية جزيرة العرب، حماها وأحاطها بالبحار الحاكمة.
لم حماها بالبحار الحاكمة؟
حتى إذا جاء الإسلام حماه من الحكومات والإمبراطوريات القوية، عائق مائي كبير جدا، مانع طبيعي ، محضا طبيعي، وأنت تنظر إليه ، تقول: سبحان الذي براه، وضع بإحكام وإتقان، شبه جزيرة، وترك الجزء الأعلى منفتحا ، لم؟ حتى يصل الخير منها إلى غيرها، إنه الجزء الذي ستنطلق منه الحضارة الإنسانية يمنة ويسرة تغذي العالمين.
لم جعل أرض مكة صحراوات؟
فحماها الله بهذا المانع المائي العجيب، ثم إن الله تعالى جعل أرضها صحراوات، قفار وصحاري وجبال، ليس فيها شيء، حتى لا تكون مطمعا للدول الحاكمة التي حولها، يزهدون فيها، ليس فيها ماء، ليس فيها زرع، ليس فيها شيء.
أنظر لما ظهر البترول وتفجر في أرض العرب، ماذا حدث؟ صارت مطمعا لكل طامع.
حماها الله تعالى في أول عهدها من أي شيء، من أي معللات حضارية، يطمع فيها الطامع، جعلها هكذا، ولذلك أخبر النبيr وصححه شيخنا الألباني رحمه الله في الصحيحة : «لَا تَقُوم السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأنْهَارًا».
كانت هكذا في أول أمرها، ثم جاءها القحل، جاءها التصحر، صارت صحراء، لا زرع فيها ولا ماء، حتى تحتفظ بنفسها كالمادة الخام، ما السبب الذي جعلها الله كذلك؟ حتى لا يطمع فيها طامع، فكان في حواشيها دولتي الفرس والروم ودولتي الفرس والروم، معلوم أفكار فارس، أفكار ماني وزراديشت ، وغيره من فلاسفة الفرس ، وهرطقاتهم ، فلو كانت أرضا لها خصوبة وفيها فائدة ، لدخلوا إليها واستعمروها وغبروا أفكار أهلها ، بفلسفاتهم وهرطقاتهم.
كذلك الدولة المقابلة القوية هي دولة الروم، بفلسفاتها الشهيرة، الفلسفة الرواقية، وفلسفة أفلاطون وأرسطو، وكذلك بطولات هانيبال قرطاجي، واسبرطة وآثينا، دول حاكمة قديمة مليئة بالأفكار والنظريات، لو عدت هذه الأفكار والنظريات على أرض العرب، لأفسدت عقولهم وغبرتهم طبيعتهم، فاحتفظ الله بهم كالمادة الخام، حتى إذا جاء الإسلام قاموا به ونهضوا به، كما سمعت ، وكما ستسمع إن شاء الله تعالى .
إذن كل هذا الدور الذي سمعته، والذي ستسمعه بعد ذلك، تمهيد لهذه الأرض، إن الله تعالى جهز هذا المسرح تجهيزا عجيبا، تمهيدا لرسالة نبيهr أنظر لأرض لا زرع فيها ولا ماء، وكيف غرس فيها فسيلا من فسائل النبوة ، مع إسماعيل عليه السلام ، ومن أين جاء إسماعيل؟ المصري الذي حُمل من مصر حملا، أمه هاجر المصرية، وكما ستعلم أن أصولك أصولا شريفة، وأن أصول يهود ، أو قرود يهود بالتعبير الصحيح، أصول الإيمائي والغواني والمفسدين، ستعتز بشرفك وستعتز بدينك ، وستعتز بأصولك، قديما كانوا يقولون للسادات وغيره في كامب ديفيد: أنتم أبناء الجارية، ونحن أبناء السيدة، قلت له في أيامها، وكنا طلاب في الجامعة، خسئت أيها الجاهل إنك مزيف تاريخ، ولو عشنا لك لصححنا لك ما علمت أنت وكذبت على جهلاء العرب.
إن العرب أبناء الملوك ، سليلي الملوك.
هاجر ابنة ملك عين شمس الشهيرة ، لما أسرت في إحدى المعارك، وأسرها ملك الشمال ، وأهداها لإبراهيم عليه السلام، فأنجب منها إسماعيل، أنتم أبناء الملوك، أما سارة فلم تنجب أحدا، أنجبت إسحاق ، وإبراهيم عليه السلام ، رد الجميل لسارة لما أهدته هاجر، وكانت عندها أمة تركية ، معروفة اسمها "قاطوراء" ، فأهدتها إلى إسحاق ، فأهدى إبراهيم هذه الأمة "قاطوراء" والقصة معروفة في كتاب الله تعالى، لما هجم اللصوص على لوط ، لما خرج من أور ، وهجم عليهم إبراهيم وطردهم إلى بلاد الأتراك، ورجع بهذه الجارية، فرد الجميل فأهداها إلى إسحاق، فأنجب منها هؤلاء القرود، أبناء الإماء الجرذان.
سر التحالف التركي الإسرائيلي اليهودي الآن.
عرفنا أصلهم ، نعرفه جيدا، ولكن أنى لأمثال هؤلاء من عالم مثقف يرد القضية جدعة إلى أصحابها، كيف ينعتونك بأنك ابن الجارية، وهو ابن السيدة، هو ابن قانطوراء مشهور جدا، قضية مشهورة يعرفها اليهود، أنهم أبناء الأمة ، أبناء العبيد، وهذا سر التحالف التركي الإسرائيلي اليهودي الآن.
جنس واحد أبناء ، وكل هذا ، وكل هذه الدروس ستفكك لك أسرار السياسية العالمية، والتحالفات التي أنت تراها ولا تدري من أين جاءت، ولم جاءت، ولم هذه التحالفات؟
وهذا الكلام درسته في أماكن كثيرة، واستفاد منه الساسة استفادة كبيرة جدا، لأنهم من أين يعلمون ذلك، إنهم يأخذون بعموميات الكلام، ولكن لما يذهبوا لأهل التخصص يعرفون حقائق هؤلاء الجرذان.
وأسباب الأحلاف التركية والأحلاف الإيرانية الشيعية، بين إسرائيل وبين تركيا وبين إيران؛ لأن الإيرانيين من بني إسحاق، واليهود من بني إسحاق، وهذه أسرار السياسة العالمية، والتحالف العجيب.
أنت تقرأ تاريخا عجيبا، ليس له وقائع بعيدا تمام البعد عن فقه الواقع، لذلك أنت تتعجب، لا تدري تعيش حياة في غاية الحيرة، تتحير من وقائع أنت لا تدري أصولها ولا تدري من أين جاءت، ولا أسس هذه الجذور.
أنا أعطيك اليوم عمومات وعموميات، ولكن سيأتيك التفصيل بعد حين، بدراسة علمية موثقة تمام التوثيق حتى تعلم من أنت؟ وابن من أنت؟ يا ابن الملوك.
لقد ضلت عنك نفسك ، تاهت منك في الدروب، ستلقاها لا محالة ، وتشمخ بأنفك وتعرف من أنت، لتمسك بيدك معول التاريخ الإنساني مرة ثانية، لتقود الحضارة الإنسانية بالعدل والقسطاط المستقيم ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143] .
أي عدول بين الناس، في غاية العدل بين الناس، ﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ ، إنها الأمة الوسط، وسط في المكان، وسط في الحلم والمشاعر.
العربي ليس شريرا بطبعه.
معلوم عند العرب أنك لا تكاد تجد في العرب شريرا واحدا بطبعه، وهذا معروف عند علماء النفس، لا تكاد عربي شرير ، أي في الأصل شرير ، طبعه الشر، هذا نادر لدرجة، لا تجد عربي فيه صفات الوحش، هذا لا تجده أبدا، والعرب دائما وسط في مشاعره، بين الغضب والسرور، لوسطية المكان ووسطية الجو والطقس الذي يحياه.كذلك العربي وسط في الجسم والهيئة.
الأوروبي شرير بطبعة.
أنظر إلى الأوروبي مثلا طويل القامة جدا، حاد المزاج لدرجة، عنيف، الغالب في طباعهم الشر، لو تمكن إنسان منهم بغير ضابط ولا قانون، دمر العالم، هتلر نموذج، موسليني نموذج، تشرشل نموذج، كارل ماركت نموذج ، أنلجت نموذج، تروديسكي نموذج، ايسمرك نموذج، الذي وحد ألمانيا، نابليون بونابارت نموذج، النماذج فيهم شريرة بطبعها ، وهذا لشذوذ في التكوين والخلقة والتركيب الإنساني، هذا معروف.
أما العربي وسط ، وسط في قامته، وسط في تقعير وسطه، رأسه في غاية الوسطية، ليس بالرأس المنبعج المفلطح كجنوب شرق آسيا، وليس بالرأس المستطيل كشمال أوروبا، ولا بالطويل الفارع ، ولا بالقصير المخل كاليابانيين والمراي وأندونسيا، وسط .
وسط في الخلق ، لو وقت بالخلق طابورا، وجئت بالعربي تجده وسطا في الخلقة، لا هو بالطويل البائن ، ولا هو بالقصير القزم، كما هو معلوم.
وسط في كل شيء، حتى في طباعه ، في مشاعره، أيضًا في ذكائه ، وسط ، خلقه الله كذلك، فإن الله تعالى بشر سارة بغلام عليم، وبشر هاجر بغلام حليم ، فأنت وسط في ذكائك، وسط في عقلك، وسطية في كل شيء، أين هي الوسطية أيها الناس؟ أين كل هذا العلم؟ أين هذا الزخم الهائل من تراث المسلمين، لم ضيعناه؟ لم أدرنا ظهورنا لنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فصرنا بغير ماهية، بغير شخصية، ما هي ماهية المسلم؟ ما هي حدود إنسانيته؟ ما هي شخصيته؟
إذن أيها الوسط أيها العدل، أيها الحاكم، هل الشاهد على الأمم يكون إمعة، إن ما يصلح عند شذاذ الآفاق من أفكار ونظريات، لا يصلح عند العدول بطبيعة الحال.
إن رأس العادل في حاجة إلى علم عادل ، قرآن وسنة ، أما رأس الشاة في حاجة إلى نظريات ، إما شيوعية أو رأس مالية، أو سيوقراطية، نظرات إنسانية اخترعها البشر، شذوذ في التفكير، رعونة في التصرفات، لا تجدها أبدا في العرب.
العرب كرم في الطباع، سخاء نفس، ونبالة طبع، .
لا تجدها في غير العرب، صفة وصفهم الله تعالى بهم ، ادخر هذه المكارم حتى يحصل على نتائجها محمدr ، لما دعاهم لمكارم الأخلاق، استجابوا، لأنهم يعرفونها في طباعهم، يعرفونها في حياتهم، كان العربي لا يملك إلا ناقة واحدة، وهي السبب الوحيد لصلته بالحياة ، يستعذب عليها الماء ، ويتصل بها بالعالم الخارجي، فيجيئه الضيف ، فينحرها له. تأخذه هِزة الكرم فينحرها له، انظر وتعجب لطباع العرب، لا تجد ذلك في غير هذا الجنس، الذي كرمه الله تعالى، ونسج منه هذا النسيج.
أنتم ملوك العالم، وهذا الذي قاله النعمان بن المنذر يوما، لما ذهب في حفل من حفلات فارس ، ومعلوم أنه كان عميلا من عملاء دولة الفرس، والتاريخ القديم والحديث متوازيان تمام التوازي، قضية تاريخية محكومة قديما، - التي تحمي فارس، يصد هجمات القبائل الرحل، وهجمات الشرسين من قبائل العرب كظفار وطي وغيرها، كالدرع بالنسبة إلى فارس يحميها، أيضًا كالدول الحامية لأمريكا وإسرائيل الآن كالدرع تصد الهجمات، تحتفظ بهذا الجسم كالشرنقة ، تحتفظ بها كالثمرة في غلافها، حتى لا يصل إليها شيء.
تاريخ قديم، مدروس والعرب يمضون عليه بفوات عجيب، لا يغيرون، ولكن فرق بين القديم والحديث: النخوة والمروءة والرجولة.
جاء وفد الهند وتكلم، فقال كسرى : صدقت، يتكلم عن الهند وحلومها وعلومها، وفلسفتها وغيرها، وآلهتها، فصدقه.
وجاء ملك الصين، يتكلم، فصدقه، وجاء رجل الرومان فتكلم، فصدقه.
ثم قام النعمان بن المنذر فتكلم، قال ما تقول يا نعمان؟
قال كِسري:ألا تنتظر لأتكلم أولا، يقول له ما تقول العرب أخس الناس، وفي غاية النذالة عملاء لكل من يدفع، يعيشون على فتات الأمم، لا حاكم لهم ولا ضابط، ليس فيهم سيد مطاع، ولا قائد ينصاعون له يحبونهم منهم، وهذا كان واقعا،الرجل بدأ هجومه قبل أن يتكلم النعمان بن المنذر .
قال النعمان: أيها الملك الجليل، أربأ بك عن الزور ، وأن تكون مزورا - سبحان الله تعترض- قال فإنك لا تدري من العرب، إن العرب لأنفتها وشموخها لا تجعل منها ملكا تطيعه ، فإنهم جميعا ملوك، لا يحبون أن يتملك عليهم أحد يترأس عليهم، يأمر وينهى ، فهم جميعا ملوك.
وهذه حقيقة قاتلة، من الذي واجه النبي في مكة ؟ سادتها ، من الرأس فيهم؟ لا أحد، كلهم رءوس، كلهم ملوك، لا يطيقون أن يكون فيهم ملك، لا ينصاعون لأحد إطلاقا، وهذه طبيعة العرب، لا ينقادون لأي أحد، طبيعة في غاية الأنفة والكبرياء، أصولهم كذلك.
قال النعمان: أيها الملك إن العرب غير الأمم الأخرى، إن الأمم الأخرى من العبيد، والعبد إذا سمع السيد أطاع وأجاب، أما العرب جميعا ملوك، لا يملكون أحدا عليهم، كيف يملكون وهم جميعا ملوك،رد شافي كافي على مثل هذا الوغد.
قال كسرى : وإذا طعموا طعموا لحوم الإبل وهو غث وخسيس.
قال النعمان : أرد.
قال كسرى ، نعم.
قال النعمان : سبحان الله ، إن الإبل تتميز بالصبر، وتتميز بالحلم، وتتميز بقوة التحمل ، والعرب دائما يعرفون أن المطعوم يعود بطعومه على الطاعم، فهم يطعمونها ليعود عليها بالصبر والقوة والحلم والتحمل، ولا تجد ذلك في غير العرب.
أنظر لملك عميل من ملوك العرب، كيف يذب عن عروبته، وعن نبالة قومه، وعن شرفهم.
السبب في تسمية العرب بهذا الاسم.
ثم قال أيها الملك: لن تجد أحد في العالم يستطيع أن يعرب عما يجيش في صدره، من العرب، ولذلك سماهم الله تعالى عربا، لأنه يعرب بلسانه عما يجيش في صدره.
يستطيع أن يعبر بدقة عن مشاعره، لذلك انتشر في العرب الشعر والقوافي والنثر وكلام الأدب العربي الشهير المعروف جدا، لا تجد في أي أمة من الأمم في مثل هذا المستوى السامق من الأدب والمشاعر الوجدانية في آداب العرب، وبطبيعتي أخاطبك بهذا المعنى ، فليس هناك أدب على الإطلاق أسمى وأرفع من أدب العرب بطبيعة الحال، هذا مع المقارنة والفارقة جدا بين الأدبين.
لأن العربي يستطيع أن يعبر ويجيش بما في صدره بكلمات بسيطة جدا تعبر عما يدور حوله، أما الآخر يتكلم عدة سطور، حتى يعطي معنى يريد أن يصل إليه.
هذه هي وسطية الأمة.
كان التمهيد بتفكيك العرب، كحبات الرمال، .
لما جاء الإسلام ، ما وجد دولة في العرب فتية قوية، سلطة منظمة قوية تصده وتحاربه، فمهد الله تعالى هذا التفكيك العجيب جعلهم شعوبا وقبائل متفرقة لدرجة ليس فيهم سلطة قوية حاكمة، ولا جيشا منظما، ولا شرطة منظمة، ولا غير ذلك، ولذلك لما نأتي إلى بطن مكة، ونبدأ في غرس فتيل الإسلام فيها، ستعلم أن الذي واجه الإسلام فيها هم أفراد وليست حكومات، ليست قوى منظمة، ولا حكومة منظمة، وهذا من نعمة الله تعالى لهذا الدين في بداية أمره ، إنما واجه أفراد، حتى أنه ما واجه قبيلة بكاملها أبدا إلا في ميادين القتال ، بعد الهجرة وبعد فرض الجهاد، وهذا من التمهيد العجيب لهذا الدين والتمكين له، حتى يبنى ويقوى تحت الرمال ، ويجذَِر جذوره وعروقه، حتى إذا خرج ظاهرا يكون له أوراق وفروع وقوة تستعصي على الاستئصال كما هو معلوم.
ولذلك من الصعب جدا، أن تكون خلافة مع حكومات منظمة، وتنظيمات قوية، وأسلحة قوية وتنظيمات، فرق جدا بين العهدين،.
ولذلك الله تعالى يمهد للخلافة القادمة الأخيرة أيضًا بتفكك العرب وتشرذم العرب، وسيطرة يهود، حتى يفككوا ويبعثروا هذا، حتى إذا قام القائم بأمر الله تعالى لن يجد حكومة ولن يجد قوات منظمة تعاكسه أو تحاربه أو تقف ضده، بل هو الذي سيجمع شمل العرب مرة ثانية، في عقد منتظم كما جمعها النبي rويقاتل بها أوروبا ، ويفتح الدنيا ليحكم هذا الدين مرة ثانية كما قرر الله تعالى وقدر في آية متحدية ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33] .آية مكية نزلت في بطن مكة، تتحدى الدنيا كلها، تحد واضح سامق، والتحدي هو أبلغ ما في ظواهر القرآن المكي.
لغة التحدي في القرآن المكي، ستراها عند تنزيله في مكة.
وأنت تعجب ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ أي أنه ظاهر لا محالة، ولكن عندما يأتي الإمام ، مع هذا التمهيد الواضح لهذا التفكك العجيب.
ما هي مهمة الأمة الوسط؟.
﴿ لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143] ، أي أن تحكموا الدنيا بأسرها ، أي أنتم حكام العالم، بماذا تحكمون؟ بكتاب الله تعالى.
والأمة الوسط، مهمتها العبادة، أن تعبد الله تعالى وحده، ما بعثت إلا لهذه المهمة، ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، اسمع كلام جميل، كلام عجيب ، يتحدى والله ، يستخرج لآلئ العنصر الإنساني من طبائع العرب، يستخرج هذه اللآلئ ويشير عليها ويشير إليها، ويدل عليها، ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ﴾.
ومعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أي أنكم أمة حاكمة، الذي يأمر في موضع الأمر، الحاكم، شهداء حكام، طبيعتكم مهمتكم أمة حاكمة، كذلك وضعها الله تعالى لتحكم البشر، لتحكم الدنيا.﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ والأمر بالمعروف والنهي المنكر هو كنه العبادة التي أوجدنا الله تعالى من أجلها.
دور الأمة في الحياة.
أخرجنا الله تعالى خير الناس للناس، نأتي بهم في الحديد حتى ندخلهم في دين الله تعالى، لو نست الأمة هذه المهمة التي أوكلها الله بها، والتي أوجدها الله تعالى من أجلها، هل تجد لها دورا آخر؟ليس للأمة دور إلا العبادة، ليس لهذه الأمة أي دور في الحياة إلا أن تعبد الناس لله تعالى.
كما قال ربعي بن عامر : من الذي جاء بكم يا جلف الصحراء ، أنظر لهذا الوغد المتكبر ، قال: لقد ابتعثنا الله تعالى لنخرج من شاء - أنظر للفقه والتوحيد ، لم يقل لنخرج ، تسمع إخوانك الذي يعالجون الجن يقول : أنا أخرجت اليوم جن، أنت الذي أخرجت، انتبه كيف تخدش وتخدش وتشرخ توحيدك، من أنت ؟ من أنت لتخرج؟- أي من شاء الله تعالى من عبادة الله لعبادة رب العباد.
هذه هي المهمة ، ليس لنا دور آخر ، ولذلك لو أراد الله تعالى أن يخرج هذه الأمة أمة صناعية كان في العالم صناعة وصُنَّاع لم ينقص العالم هذه الحرفة، إن الله تعالى لما استخرج أمة استخرجها بشيء لم يكن موجود في العالم، ما استخرجها لتكون فضلة من فضلات الأمم ، أي تأتي بأشياء كانت في الأمم القديمة، لا ، بل استخرجها لشيء لم يكن في الأمم أصلا ، لم يبعثها أمة صناعية، ولذلك اختارها في مكان غير ذي زرع عند بيته المحرم، فالأمم الصناعية قريبة من أسواق العالم، وهذا معنى الصناعة، قريب من المواد الخام، قريب من الأيدي العاملة، والعرب لا أيدي عاملة، ولا مواد خام، ولا قرب أسواق، إذن هذا ليس موقع إخراج أمة صناعية، إذن ليس هو الهدف.
من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، rاللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وبعد...
فهذه أمسية طيبة مباركة، وهذه وجوه نيرة نرى فيها التقوى والإيمان، وصدق طُلبة العلم، أدعو الله تعالى أن ينفعني وإياكم بالعلم، وأن يجنبنا وإياكم الفتن والزلل، وبعد..
سيرة النبي r هي الإيمان العملي لواقع الوحي.
فالسيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام ، بحث لم يأخذ حقه بعد حقيقة من الدرس والتأمل، كثير من أهل الإسلام يقرءون ، وقليل منهم من يتأمل ما يقرأ، فإن سيرة النبيr هي الإيمان العملي لواقع ألوحين ينهي الترجمة الحقيقية لعلوم الإسلام وجهاده ، فمن أراد أن يتربى تربية أصولية على أصولها فليرجع إلى سيرة النبيr.
والناس غالبا فهموها على أنها مادة تدرس هكذا على الحواشي، وإن طالت بي وبك حياة ستعلم أنها الأصل وأنها الواجب وأنها الحق، وأن درسا واحدا لا يكفي بل دروس ؛ لأن الذين درسوا التاريخ ما درسوه إلا كالذين أخرجوا أكفان الموتى من القبور، دراسة قديمة على سطور باهتة ، مليئة بالزيف والضلال والتزييف والمهاترات.
وأنت لأول مرة تسمع هذا ، ومع صبر الأيام، ومع صبر طُلبة العلم، ستتذوق هذه الحلاوة إن شاء الله تعالى ، وتعلم لماذا لم يُكتب التاريخ الإسلامي بعد؟
وحتى تعلم أن الذين كتبوه، كتبوه فقط بنصوص جامدة، بمعزل عن الواقع، عرضوها أحيانا للصحة والتضعيف، وأغلب الأحيان كتبوها خلطا بين الزيف والضلال والصحة والضعف.
وتاريخ المسلمين يختلف تماما عن أي تاريخ، فإنه حياتهم، ستلتقي مع نفسك لأول مرة في حياتك، ستشمخ بأنفك، وتزهو بإسلامك وعروبتك، وتحتقر أي جنس آخر، مع هذه الدروس.
إنك غائب حي، تاهت منك نفسك في دواليب الحياة وسراديبها، وأنا وأنت سنحاول أن نجمع هذه الأنفس ثانية على مكارم العرب، وعلى أصول العرب، وأنفة ونبالة وشرف العرب.
من هم العرب؟
أخير الخلق، اصطفاهم الله تعالى على العالمين، ولذلك نبه الحبيب r وقال لي ولك: « إن لم تقوموا بهذا الدين معشر العرب، فلن يقوم به أحدا غيركم ».
ولذلك قوى الإسلام بقوة العرب، وضعف بضعفهم.
فما تراه اليوم في واقع أليم هو بسبب ضعف العرب، فإن العجم مهما كانوا قوة ، ومهما صنعوا خلافة، لن يقوموا بهذا الدين كما تقوم به العرب؛ لأنك لا تدري أي حلم كان عند العرب؛ لأنك لا تدري أي بذل وأي كرم وأي فداء عند العرب؛ وأنك لا تدري أي شجاعة وأي بطولة عند العرب، فالعربي إذا ناداه النداء، لا يبالي بحياة أو موت، والعربي إذا جاءه الضيف لا يبالي ما يملك أو لا يملك، جنس لم يعرفه العالم بعد، جربه العالم مرة واحدة ، في خلافة دولة الإسلام حكمه بالعدل والقسطاس المستقيم، علمه الأدب والنبالة والشهامة والكرامة والمروءة، مرة واحدة حكم العرب بدينهم حكموا العالم، ما اشتكى منهم أحد، احترموا الأقليات وحموها وعرفوا لها قدرها ، مع انضباط النص الذين وقعوه كعقد ذمة، ما استطاعوا أن يخالفوه لهيبة العرب ورجولة العرب، وإنسانية العرب.
أين هم العرب الآن؟
هذا ما سنبحث عنه معا، أما تاريخ الزيف، الذي درسته في المدارس والجامعات، وأنبه وركز وانتبه معي هو فقط تاريخ الملوك والرؤساء والحكام.
ليس تاريخ الشعوب، وليس تاريخ واقع حركة الشعوب الحضارية ، أبدا، وأنت ستعجب مع دراسة علم الحديث الشريف، وأنت ترى واقعة رواها راوي ذكر باسمه، بكامل اسمه، وذكر فيها ترجمته، اقرأ علم التراجم، كما جاء عند الذهبي وغيره وابن عساكر، وكذلك صاحب تهذيب الكمال، ترى ترجمة لأقل رجل، درجته، أهميته، قيمته، عبادته،ولكن في تاريخ الزيوف لا تجد للأفراد شيء، حكام فحكام.
من التاريخ الزائف.
الثورة العرابية، الثورة الأيوبية، الثورة كذا وكذا.. ، أعمال فلان، أعمال علان، لا ترى أبدا تاريخا لمواطن على الإطلاق، وهم الذين صنعوا التاريخ، وهم الذين بهم الأحداث، وصنعوها ، وهم الذين بنوا الحضارة، ولكن للأسف ، أخذنا مأخذ الفراعنة بذكر آلهة الأوليمبي كما حدث في روما وأثينا واسبرطة القديمتين، لا نذكر إلا الآلهة من الناس، وهذا هو التاريخ الزائف الذي تقرؤونه ليل نهار.
ستجد في سيرة ابن هشام شعرا لسين من الناس، نكرة من الناس، تجد موقفا لمواطن عادي، ليس له إلا هذا الموقف؛ ولكن دونوه وحفظوه، إنه التاريخ الإنساني الذي حفظ لكل صاحب حق حقه، أما تاريخ الملوك، والزيوف لا ترى فيه إلا أبطال من شمع، فإذا جاءها الوقود أخذ هذا الشمع ينجاب وينزاح حتى يتلاشى ولا تجد شيئا،هذه هي قضية الزعامات الزائفة والتاريخ الزائف.
اصطفاء اللهU للعرب.
ولذلك اختار الله تعالى العرب، وهذا الذي قاله نبيكr « إن الله خلق الخلق، فجعلهم فرقتين، فاختار العرب على غيرهم ». اصطفى العرب على الخلق، واصطفى منهم أفضل نبيr ، واصطفى من العرب قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى النبي r من بني هاشم.
إذن هي مسألة اصطفاء، إن الله تعالى اختار العرب، هو الذي اختارهم، أنزل كتابه وأفضل كتبه تعالى سبحانه بلسانهم، اختار أرضهم مدار للأحداث والتاريخ، بل وعليها تقوم القيامة، وعليها المحشر وأرض المحشر ، وزكاها بكعبته الشريفة، وبأقصاها الأسير ، وبمدينة الحبيب r.
مصر ليست فرعونية.
وبسيناء المقدسة، وبمصر المحروسة أرض الأنبياء، كل هذا التاريخ ضاع منك، الذين يقولون إن مصر دولة فرعونية، هؤلاء المجانين، ما درسوا شيئا، هل تركوا الأمر لأصحابه، حتى يخبروهم ما هي مصر؟ كم من الأنبياء دخل مصر، كم من الأنبياء عاش في مصر، وقاد الدولة وصنع منها سلة غلال العالم، أطعم الدنيا كلها يوسف بن يعقوب عليه السلام.
إن التاريخ الحقيقي لم تقرأه بعد، ولابد من استقراء السطور، حتى نستخرج منها الحقائق.
كل ذلك لكي ننشئ الأمة الوسط، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ [البقرة: 143] .
شهداء، والشاهد هو الحاكم والعادل، والأمة الوسط ليست ذيلا في الأمم، ليست تابعة، لا تأخذ أفكارها وسياساتها من غيرها، أمة حاكمة، شاهدة، هي الحاكمة، قائدة، لا تأخذ قيادها من أحد، ولا تسلم قيادها إلا لله تعالى.
أمة النبيr الوسط في كل شيء.
هذه هي الأمة الوسط، اختارها وسطا في المكان، ووسطا في الأفكار، ووسطا في العقلية، ووسطا في المشاعر، ووسط في التكوين الجسمي المعروف.
وأنت تعجب وأنت تقرأ هذه الآية، جعلها وسط في الأرض، أنظر إلى شبه جزيرة العرب، وكيف مهد الله تعالى لهذا الدين، وانتبه جدا كيف مهد الله تعالى لهذا الدين؟ إنه مهد له منذ آدم، مهد لمحمد من عند آدم، مهد لجزيرة العرب في العالم كله، والذي يقرأ التاريخ القديم أن أول بقعة خرجت من الماء هي مكة، حرسها الله تعالى، مكة المحروسة، كما قال تعالى:
- ﴿ وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ﴾ [الانشقاق: 3] ، أي من تحت البيت.
- ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات: 30] ، أي من تحت البيت.
كان التكوين والبداية هو بيت الله الحرام، إنه الرابية التي خرجت من الزبد الماء، يوم أن كان العالم كله ماء، وكان عرشه على الماء سبحانه، خرج هذا الزبد ، فأول رغوة زبد خرجت في الأرض ، هي مكة المكرمة، وهي وسط العالم، وهي قلب الدنيا بأسرها، حولها تدور الأحداث، وعليها تدور رحى السيطرة والحرب والزمان.
هذا هو التاريخ، ليس بعد أرض العرب تاريخ، ولا يوجد في غير أرض العرب تاريخ.
إنه تاريخ حضارة الإنسان، وإنسانية الإنسان، إنه تاريخ الحضارة الإنسانية، اختار الله تعالى هذا الموقع واصطفاه على كل الأرض، بدأ به، كانت البداية جزيرة العرب، حماها وأحاطها بالبحار الحاكمة.
لم حماها بالبحار الحاكمة؟
حتى إذا جاء الإسلام حماه من الحكومات والإمبراطوريات القوية، عائق مائي كبير جدا، مانع طبيعي ، محضا طبيعي، وأنت تنظر إليه ، تقول: سبحان الذي براه، وضع بإحكام وإتقان، شبه جزيرة، وترك الجزء الأعلى منفتحا ، لم؟ حتى يصل الخير منها إلى غيرها، إنه الجزء الذي ستنطلق منه الحضارة الإنسانية يمنة ويسرة تغذي العالمين.
لم جعل أرض مكة صحراوات؟
فحماها الله بهذا المانع المائي العجيب، ثم إن الله تعالى جعل أرضها صحراوات، قفار وصحاري وجبال، ليس فيها شيء، حتى لا تكون مطمعا للدول الحاكمة التي حولها، يزهدون فيها، ليس فيها ماء، ليس فيها زرع، ليس فيها شيء.
أنظر لما ظهر البترول وتفجر في أرض العرب، ماذا حدث؟ صارت مطمعا لكل طامع.
حماها الله تعالى في أول عهدها من أي شيء، من أي معللات حضارية، يطمع فيها الطامع، جعلها هكذا، ولذلك أخبر النبيr وصححه شيخنا الألباني رحمه الله في الصحيحة : «لَا تَقُوم السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأنْهَارًا».
كانت هكذا في أول أمرها، ثم جاءها القحل، جاءها التصحر، صارت صحراء، لا زرع فيها ولا ماء، حتى تحتفظ بنفسها كالمادة الخام، ما السبب الذي جعلها الله كذلك؟ حتى لا يطمع فيها طامع، فكان في حواشيها دولتي الفرس والروم ودولتي الفرس والروم، معلوم أفكار فارس، أفكار ماني وزراديشت ، وغيره من فلاسفة الفرس ، وهرطقاتهم ، فلو كانت أرضا لها خصوبة وفيها فائدة ، لدخلوا إليها واستعمروها وغبروا أفكار أهلها ، بفلسفاتهم وهرطقاتهم.
كذلك الدولة المقابلة القوية هي دولة الروم، بفلسفاتها الشهيرة، الفلسفة الرواقية، وفلسفة أفلاطون وأرسطو، وكذلك بطولات هانيبال قرطاجي، واسبرطة وآثينا، دول حاكمة قديمة مليئة بالأفكار والنظريات، لو عدت هذه الأفكار والنظريات على أرض العرب، لأفسدت عقولهم وغبرتهم طبيعتهم، فاحتفظ الله بهم كالمادة الخام، حتى إذا جاء الإسلام قاموا به ونهضوا به، كما سمعت ، وكما ستسمع إن شاء الله تعالى .
إذن كل هذا الدور الذي سمعته، والذي ستسمعه بعد ذلك، تمهيد لهذه الأرض، إن الله تعالى جهز هذا المسرح تجهيزا عجيبا، تمهيدا لرسالة نبيهr أنظر لأرض لا زرع فيها ولا ماء، وكيف غرس فيها فسيلا من فسائل النبوة ، مع إسماعيل عليه السلام ، ومن أين جاء إسماعيل؟ المصري الذي حُمل من مصر حملا، أمه هاجر المصرية، وكما ستعلم أن أصولك أصولا شريفة، وأن أصول يهود ، أو قرود يهود بالتعبير الصحيح، أصول الإيمائي والغواني والمفسدين، ستعتز بشرفك وستعتز بدينك ، وستعتز بأصولك، قديما كانوا يقولون للسادات وغيره في كامب ديفيد: أنتم أبناء الجارية، ونحن أبناء السيدة، قلت له في أيامها، وكنا طلاب في الجامعة، خسئت أيها الجاهل إنك مزيف تاريخ، ولو عشنا لك لصححنا لك ما علمت أنت وكذبت على جهلاء العرب.
إن العرب أبناء الملوك ، سليلي الملوك.
هاجر ابنة ملك عين شمس الشهيرة ، لما أسرت في إحدى المعارك، وأسرها ملك الشمال ، وأهداها لإبراهيم عليه السلام، فأنجب منها إسماعيل، أنتم أبناء الملوك، أما سارة فلم تنجب أحدا، أنجبت إسحاق ، وإبراهيم عليه السلام ، رد الجميل لسارة لما أهدته هاجر، وكانت عندها أمة تركية ، معروفة اسمها "قاطوراء" ، فأهدتها إلى إسحاق ، فأهدى إبراهيم هذه الأمة "قاطوراء" والقصة معروفة في كتاب الله تعالى، لما هجم اللصوص على لوط ، لما خرج من أور ، وهجم عليهم إبراهيم وطردهم إلى بلاد الأتراك، ورجع بهذه الجارية، فرد الجميل فأهداها إلى إسحاق، فأنجب منها هؤلاء القرود، أبناء الإماء الجرذان.
سر التحالف التركي الإسرائيلي اليهودي الآن.
عرفنا أصلهم ، نعرفه جيدا، ولكن أنى لأمثال هؤلاء من عالم مثقف يرد القضية جدعة إلى أصحابها، كيف ينعتونك بأنك ابن الجارية، وهو ابن السيدة، هو ابن قانطوراء مشهور جدا، قضية مشهورة يعرفها اليهود، أنهم أبناء الأمة ، أبناء العبيد، وهذا سر التحالف التركي الإسرائيلي اليهودي الآن.
جنس واحد أبناء ، وكل هذا ، وكل هذه الدروس ستفكك لك أسرار السياسية العالمية، والتحالفات التي أنت تراها ولا تدري من أين جاءت، ولم جاءت، ولم هذه التحالفات؟
وهذا الكلام درسته في أماكن كثيرة، واستفاد منه الساسة استفادة كبيرة جدا، لأنهم من أين يعلمون ذلك، إنهم يأخذون بعموميات الكلام، ولكن لما يذهبوا لأهل التخصص يعرفون حقائق هؤلاء الجرذان.
وأسباب الأحلاف التركية والأحلاف الإيرانية الشيعية، بين إسرائيل وبين تركيا وبين إيران؛ لأن الإيرانيين من بني إسحاق، واليهود من بني إسحاق، وهذه أسرار السياسة العالمية، والتحالف العجيب.
أنت تقرأ تاريخا عجيبا، ليس له وقائع بعيدا تمام البعد عن فقه الواقع، لذلك أنت تتعجب، لا تدري تعيش حياة في غاية الحيرة، تتحير من وقائع أنت لا تدري أصولها ولا تدري من أين جاءت، ولا أسس هذه الجذور.
أنا أعطيك اليوم عمومات وعموميات، ولكن سيأتيك التفصيل بعد حين، بدراسة علمية موثقة تمام التوثيق حتى تعلم من أنت؟ وابن من أنت؟ يا ابن الملوك.
لقد ضلت عنك نفسك ، تاهت منك في الدروب، ستلقاها لا محالة ، وتشمخ بأنفك وتعرف من أنت، لتمسك بيدك معول التاريخ الإنساني مرة ثانية، لتقود الحضارة الإنسانية بالعدل والقسطاط المستقيم ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143] .
أي عدول بين الناس، في غاية العدل بين الناس، ﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ ، إنها الأمة الوسط، وسط في المكان، وسط في الحلم والمشاعر.
العربي ليس شريرا بطبعه.
معلوم عند العرب أنك لا تكاد تجد في العرب شريرا واحدا بطبعه، وهذا معروف عند علماء النفس، لا تكاد عربي شرير ، أي في الأصل شرير ، طبعه الشر، هذا نادر لدرجة، لا تجد عربي فيه صفات الوحش، هذا لا تجده أبدا، والعرب دائما وسط في مشاعره، بين الغضب والسرور، لوسطية المكان ووسطية الجو والطقس الذي يحياه.كذلك العربي وسط في الجسم والهيئة.
الأوروبي شرير بطبعة.
أنظر إلى الأوروبي مثلا طويل القامة جدا، حاد المزاج لدرجة، عنيف، الغالب في طباعهم الشر، لو تمكن إنسان منهم بغير ضابط ولا قانون، دمر العالم، هتلر نموذج، موسليني نموذج، تشرشل نموذج، كارل ماركت نموذج ، أنلجت نموذج، تروديسكي نموذج، ايسمرك نموذج، الذي وحد ألمانيا، نابليون بونابارت نموذج، النماذج فيهم شريرة بطبعها ، وهذا لشذوذ في التكوين والخلقة والتركيب الإنساني، هذا معروف.
أما العربي وسط ، وسط في قامته، وسط في تقعير وسطه، رأسه في غاية الوسطية، ليس بالرأس المنبعج المفلطح كجنوب شرق آسيا، وليس بالرأس المستطيل كشمال أوروبا، ولا بالطويل الفارع ، ولا بالقصير المخل كاليابانيين والمراي وأندونسيا، وسط .
وسط في الخلق ، لو وقت بالخلق طابورا، وجئت بالعربي تجده وسطا في الخلقة، لا هو بالطويل البائن ، ولا هو بالقصير القزم، كما هو معلوم.
وسط في كل شيء، حتى في طباعه ، في مشاعره، أيضًا في ذكائه ، وسط ، خلقه الله كذلك، فإن الله تعالى بشر سارة بغلام عليم، وبشر هاجر بغلام حليم ، فأنت وسط في ذكائك، وسط في عقلك، وسطية في كل شيء، أين هي الوسطية أيها الناس؟ أين كل هذا العلم؟ أين هذا الزخم الهائل من تراث المسلمين، لم ضيعناه؟ لم أدرنا ظهورنا لنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فصرنا بغير ماهية، بغير شخصية، ما هي ماهية المسلم؟ ما هي حدود إنسانيته؟ ما هي شخصيته؟
إذن أيها الوسط أيها العدل، أيها الحاكم، هل الشاهد على الأمم يكون إمعة، إن ما يصلح عند شذاذ الآفاق من أفكار ونظريات، لا يصلح عند العدول بطبيعة الحال.
إن رأس العادل في حاجة إلى علم عادل ، قرآن وسنة ، أما رأس الشاة في حاجة إلى نظريات ، إما شيوعية أو رأس مالية، أو سيوقراطية، نظرات إنسانية اخترعها البشر، شذوذ في التفكير، رعونة في التصرفات، لا تجدها أبدا في العرب.
العرب كرم في الطباع، سخاء نفس، ونبالة طبع، .
لا تجدها في غير العرب، صفة وصفهم الله تعالى بهم ، ادخر هذه المكارم حتى يحصل على نتائجها محمدr ، لما دعاهم لمكارم الأخلاق، استجابوا، لأنهم يعرفونها في طباعهم، يعرفونها في حياتهم، كان العربي لا يملك إلا ناقة واحدة، وهي السبب الوحيد لصلته بالحياة ، يستعذب عليها الماء ، ويتصل بها بالعالم الخارجي، فيجيئه الضيف ، فينحرها له. تأخذه هِزة الكرم فينحرها له، انظر وتعجب لطباع العرب، لا تجد ذلك في غير هذا الجنس، الذي كرمه الله تعالى، ونسج منه هذا النسيج.
أنتم ملوك العالم، وهذا الذي قاله النعمان بن المنذر يوما، لما ذهب في حفل من حفلات فارس ، ومعلوم أنه كان عميلا من عملاء دولة الفرس، والتاريخ القديم والحديث متوازيان تمام التوازي، قضية تاريخية محكومة قديما، - التي تحمي فارس، يصد هجمات القبائل الرحل، وهجمات الشرسين من قبائل العرب كظفار وطي وغيرها، كالدرع بالنسبة إلى فارس يحميها، أيضًا كالدول الحامية لأمريكا وإسرائيل الآن كالدرع تصد الهجمات، تحتفظ بهذا الجسم كالشرنقة ، تحتفظ بها كالثمرة في غلافها، حتى لا يصل إليها شيء.
تاريخ قديم، مدروس والعرب يمضون عليه بفوات عجيب، لا يغيرون، ولكن فرق بين القديم والحديث: النخوة والمروءة والرجولة.
جاء وفد الهند وتكلم، فقال كسرى : صدقت، يتكلم عن الهند وحلومها وعلومها، وفلسفتها وغيرها، وآلهتها، فصدقه.
وجاء ملك الصين، يتكلم، فصدقه، وجاء رجل الرومان فتكلم، فصدقه.
ثم قام النعمان بن المنذر فتكلم، قال ما تقول يا نعمان؟
قال كِسري:ألا تنتظر لأتكلم أولا، يقول له ما تقول العرب أخس الناس، وفي غاية النذالة عملاء لكل من يدفع، يعيشون على فتات الأمم، لا حاكم لهم ولا ضابط، ليس فيهم سيد مطاع، ولا قائد ينصاعون له يحبونهم منهم، وهذا كان واقعا،الرجل بدأ هجومه قبل أن يتكلم النعمان بن المنذر .
قال النعمان: أيها الملك الجليل، أربأ بك عن الزور ، وأن تكون مزورا - سبحان الله تعترض- قال فإنك لا تدري من العرب، إن العرب لأنفتها وشموخها لا تجعل منها ملكا تطيعه ، فإنهم جميعا ملوك، لا يحبون أن يتملك عليهم أحد يترأس عليهم، يأمر وينهى ، فهم جميعا ملوك.
وهذه حقيقة قاتلة، من الذي واجه النبي في مكة ؟ سادتها ، من الرأس فيهم؟ لا أحد، كلهم رءوس، كلهم ملوك، لا يطيقون أن يكون فيهم ملك، لا ينصاعون لأحد إطلاقا، وهذه طبيعة العرب، لا ينقادون لأي أحد، طبيعة في غاية الأنفة والكبرياء، أصولهم كذلك.
قال النعمان: أيها الملك إن العرب غير الأمم الأخرى، إن الأمم الأخرى من العبيد، والعبد إذا سمع السيد أطاع وأجاب، أما العرب جميعا ملوك، لا يملكون أحدا عليهم، كيف يملكون وهم جميعا ملوك،رد شافي كافي على مثل هذا الوغد.
قال كسرى : وإذا طعموا طعموا لحوم الإبل وهو غث وخسيس.
قال النعمان : أرد.
قال كسرى ، نعم.
قال النعمان : سبحان الله ، إن الإبل تتميز بالصبر، وتتميز بالحلم، وتتميز بقوة التحمل ، والعرب دائما يعرفون أن المطعوم يعود بطعومه على الطاعم، فهم يطعمونها ليعود عليها بالصبر والقوة والحلم والتحمل، ولا تجد ذلك في غير العرب.
أنظر لملك عميل من ملوك العرب، كيف يذب عن عروبته، وعن نبالة قومه، وعن شرفهم.
السبب في تسمية العرب بهذا الاسم.
ثم قال أيها الملك: لن تجد أحد في العالم يستطيع أن يعرب عما يجيش في صدره، من العرب، ولذلك سماهم الله تعالى عربا، لأنه يعرب بلسانه عما يجيش في صدره.
يستطيع أن يعبر بدقة عن مشاعره، لذلك انتشر في العرب الشعر والقوافي والنثر وكلام الأدب العربي الشهير المعروف جدا، لا تجد في أي أمة من الأمم في مثل هذا المستوى السامق من الأدب والمشاعر الوجدانية في آداب العرب، وبطبيعتي أخاطبك بهذا المعنى ، فليس هناك أدب على الإطلاق أسمى وأرفع من أدب العرب بطبيعة الحال، هذا مع المقارنة والفارقة جدا بين الأدبين.
لأن العربي يستطيع أن يعبر ويجيش بما في صدره بكلمات بسيطة جدا تعبر عما يدور حوله، أما الآخر يتكلم عدة سطور، حتى يعطي معنى يريد أن يصل إليه.
هذه هي وسطية الأمة.
كان التمهيد بتفكيك العرب، كحبات الرمال، .
لما جاء الإسلام ، ما وجد دولة في العرب فتية قوية، سلطة منظمة قوية تصده وتحاربه، فمهد الله تعالى هذا التفكيك العجيب جعلهم شعوبا وقبائل متفرقة لدرجة ليس فيهم سلطة قوية حاكمة، ولا جيشا منظما، ولا شرطة منظمة، ولا غير ذلك، ولذلك لما نأتي إلى بطن مكة، ونبدأ في غرس فتيل الإسلام فيها، ستعلم أن الذي واجه الإسلام فيها هم أفراد وليست حكومات، ليست قوى منظمة، ولا حكومة منظمة، وهذا من نعمة الله تعالى لهذا الدين في بداية أمره ، إنما واجه أفراد، حتى أنه ما واجه قبيلة بكاملها أبدا إلا في ميادين القتال ، بعد الهجرة وبعد فرض الجهاد، وهذا من التمهيد العجيب لهذا الدين والتمكين له، حتى يبنى ويقوى تحت الرمال ، ويجذَِر جذوره وعروقه، حتى إذا خرج ظاهرا يكون له أوراق وفروع وقوة تستعصي على الاستئصال كما هو معلوم.
ولذلك من الصعب جدا، أن تكون خلافة مع حكومات منظمة، وتنظيمات قوية، وأسلحة قوية وتنظيمات، فرق جدا بين العهدين،.
ولذلك الله تعالى يمهد للخلافة القادمة الأخيرة أيضًا بتفكك العرب وتشرذم العرب، وسيطرة يهود، حتى يفككوا ويبعثروا هذا، حتى إذا قام القائم بأمر الله تعالى لن يجد حكومة ولن يجد قوات منظمة تعاكسه أو تحاربه أو تقف ضده، بل هو الذي سيجمع شمل العرب مرة ثانية، في عقد منتظم كما جمعها النبي rويقاتل بها أوروبا ، ويفتح الدنيا ليحكم هذا الدين مرة ثانية كما قرر الله تعالى وقدر في آية متحدية ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33] .آية مكية نزلت في بطن مكة، تتحدى الدنيا كلها، تحد واضح سامق، والتحدي هو أبلغ ما في ظواهر القرآن المكي.
لغة التحدي في القرآن المكي، ستراها عند تنزيله في مكة.
وأنت تعجب ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ أي أنه ظاهر لا محالة، ولكن عندما يأتي الإمام ، مع هذا التمهيد الواضح لهذا التفكك العجيب.
ما هي مهمة الأمة الوسط؟.
﴿ لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143] ، أي أن تحكموا الدنيا بأسرها ، أي أنتم حكام العالم، بماذا تحكمون؟ بكتاب الله تعالى.
والأمة الوسط، مهمتها العبادة، أن تعبد الله تعالى وحده، ما بعثت إلا لهذه المهمة، ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، اسمع كلام جميل، كلام عجيب ، يتحدى والله ، يستخرج لآلئ العنصر الإنساني من طبائع العرب، يستخرج هذه اللآلئ ويشير عليها ويشير إليها، ويدل عليها، ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ﴾.
ومعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أي أنكم أمة حاكمة، الذي يأمر في موضع الأمر، الحاكم، شهداء حكام، طبيعتكم مهمتكم أمة حاكمة، كذلك وضعها الله تعالى لتحكم البشر، لتحكم الدنيا.﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ والأمر بالمعروف والنهي المنكر هو كنه العبادة التي أوجدنا الله تعالى من أجلها.
دور الأمة في الحياة.
أخرجنا الله تعالى خير الناس للناس، نأتي بهم في الحديد حتى ندخلهم في دين الله تعالى، لو نست الأمة هذه المهمة التي أوكلها الله بها، والتي أوجدها الله تعالى من أجلها، هل تجد لها دورا آخر؟ليس للأمة دور إلا العبادة، ليس لهذه الأمة أي دور في الحياة إلا أن تعبد الناس لله تعالى.
كما قال ربعي بن عامر : من الذي جاء بكم يا جلف الصحراء ، أنظر لهذا الوغد المتكبر ، قال: لقد ابتعثنا الله تعالى لنخرج من شاء - أنظر للفقه والتوحيد ، لم يقل لنخرج ، تسمع إخوانك الذي يعالجون الجن يقول : أنا أخرجت اليوم جن، أنت الذي أخرجت، انتبه كيف تخدش وتخدش وتشرخ توحيدك، من أنت ؟ من أنت لتخرج؟- أي من شاء الله تعالى من عبادة الله لعبادة رب العباد.
هذه هي المهمة ، ليس لنا دور آخر ، ولذلك لو أراد الله تعالى أن يخرج هذه الأمة أمة صناعية كان في العالم صناعة وصُنَّاع لم ينقص العالم هذه الحرفة، إن الله تعالى لما استخرج أمة استخرجها بشيء لم يكن موجود في العالم، ما استخرجها لتكون فضلة من فضلات الأمم ، أي تأتي بأشياء كانت في الأمم القديمة، لا ، بل استخرجها لشيء لم يكن في الأمم أصلا ، لم يبعثها أمة صناعية، ولذلك اختارها في مكان غير ذي زرع عند بيته المحرم، فالأمم الصناعية قريبة من أسواق العالم، وهذا معنى الصناعة، قريب من المواد الخام، قريب من الأيدي العاملة، والعرب لا أيدي عاملة، ولا مواد خام، ولا قرب أسواق، إذن هذا ليس موقع إخراج أمة صناعية، إذن ليس هو الهدف.