سلمان أبو زيد
2007-02-12, 10:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
« من أعلام المجددين : الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب »
لصـاحب الفضيلة شيخنا العلامـة صـالح بن فوزان الفوزان
- حفظه الله ورعاه -
[ فهرس الموضوعات ]
- التعريف بشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
- رحـلاتـه
- حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمـد بـن عبد الوهاب
- عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
- بدء دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله
- أصول دعوة الشيخ رحمه الله
- المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد
- المراجع التي يعتمد عليها الشيخ رحمه الله وعلماء الدعوة من بعده
- ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الـوهاب -رحمه الله- وآثارها
- الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ والرد عليهـا
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
« التعريف بشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- » :
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف النجـدي التميمـي ، ولـد سـنة 1115 هـ ، ونشأ في بيت علم . فوالده من علماء البلاد وتولى القضاء في عدة جهات ، وجده الشيخ سليمان كان عالما جليلا وإماما في الفقه وهو المفتي في البلاد في وقته ، وقد تخرج على يديه عدد كثير من العلماء وطلبة العلم . وعمه الشيخ إبراهيم بن سليمان كان من أجلة العلمـاء فنشـأ الشيخ محمد في هذا الجو العلمي وكان حاد الذهن متوقد الذكاء سريع الحفظ ، حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة ، ودرس على والده كتب الفقه الحنبلي . وكان كثير المطالعة والقراءة للكتب إلى جـانب قراءته على والده ، فقرأ في كتب التفسير والحديث والأصول ، وعني عناية خاصة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب العلامة ابن القيـم ، وكان لكتب هذين الإمامين أكبر الأثر في تكوين شخصيته العلمية المتميزة والأخذ بيده إلى مصادر العلم الصحيحة ، فتكون لديه الاتجـاه السليم منـذ صـغره وتركزت في قلبه العقيدة الصحيحة وتخرج على كتب هـذين الإمـامين المحققين .
« رحـلاتـه » :
ولما استوعب ما يدرس في بلدته من علوم الفقـه والعربية والحديث والتفسير تطلع إلى الزيادة وعزم على الرحلة إلى علماء البـلاد المجـاورة للاستفادة من علومهم فرحل إلى البصرة وإلى الأحساء وإلى مكة والمدينة والتقى بعلماء تلك البلدان وأخذ عنهم واستحصل على الكتب والمراجـع ، ولنترك المجال لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ليحدثنا عـن تلك الرحلات المباركة .
قال: إنه نشأ في طلب العلم وتخرج على أهله في سن الصبا . ثـم رحل لطلب العلم إلى البصرة مرارا وللأحساء ثـم إلى المدينة ثـم قال في تفصيل ذلك:
فظهر شيخنا بين أبيه وعمه . فحفظ القرآن وهو صغير وقرأ في فنون العلم وصار له فهم قوي وهمة عالية في طلب العلم . فصار يناظر أباه وعمه في بعض المسائل بالدليل على بعض الروايات عن الإمام أحمـد والوجوه عن الأصحاب . فتخرج عليهما في الفقه وناظرهما في مسـائل قرأها في الشرح الكبير والمغني والإنصاف لما فيها من مخـالفة ما في متن المنتهى ، والإقناع - وعلت همته إلى طلب التفسير والحديث . فسافر إلى البصرة غير مرة كل مرة يقيم بين من كان بها من العلماء فأظهر الله لـه من أصول الدين ما خفي على غيره . وكذلك ما كان عليه أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات والإيمان - إلى أن قال: فصـنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه القريب والبعيد ، أخـذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث - إلى أن قـال: ثـم إن شيخنا -رحمه الله تعالى- بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد رحل إلى الأحساء وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف ، ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيـم ما سر به ، وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد ، وحضر مشائخ الأحساء ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي فطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري ويبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدر به البخاري كتابه من الأحاديث والآثار ، وبحث معهم في مسائل وناظر ، وهذا أمر مشهور يعرفه أهل الأحساء وغيرهم من أهل نجد - إلى أن قال: ثم إن شيخنا -رحمه الله تعالى- ، وقد تبين له بما فتح الله تعالى عليه ضلال من ضل باتخاذ الأنداد وعبادتها من دون الله في كل قطر وقرية إلا من شاء الله ، فلما قضى الحج وقف في الملتزم وسأل الله تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته وأن يرزقه القبول من الناس ، فخرج قاصدا المدينة مع الحاج يريد الشام فعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه وسلبوه وأخذوا ما معه وشجوا رأسه وعاقه ذلك عن سيره مع الحجاج فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها فأقام بها وحضر عند العلماء إذ ذاك منهم / الشيخ محمد حياة السندي وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها وقـراءة لبعضها ووجـد فيهـا بعض الحنابلة منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف وابنه. فكتب كتاب الهدي لابن القيم بيده وكتب متن البخاري وحضر في النحو وحفظ ألفية ابن مالك .
حدثني بذلك حماد بن حمد عنه -رحمهما الله- ، ثـم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله - انتهى المقصود ((الدرر السنية )) (9 \ 215 - 216.) .
فأنت ترى أيها القارئ من هذا السياق قوة الأسباب التي بذلها الشيخ لتحصيل العلم: ، كثرة الحفظ وكثرة القراءة والاطلاع وكثرة الرحلات في طلب العلم للتلقي عن العلماء مع شدة الذكاء والنية الصالحة - إن هذه الأسباب مع توفيق الله تعالى كفيلة بتوفر التحصيل وهذا ما حصل .
= = = = = = = = = =
« حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمـد بـن عبد الوهاب » :
لقد ذكر المؤرخون كابن غنام وابن بشر ، وغيرهما عن حالة أهل نجـد خصوصا - والعالم الإسلامي عموما - الشيء الكثير من ظهور البـدع والخرافات والشركيات والجهل بحقيقة الدين الصحيح . ففي نجد كانت القبور والأشجار والأحجار والمغارات تعبـد مـن دون الله بـأنواع مـن القربات ، وفي الحجاز واليمن وغيرها من البلاد من ذلك الشيء الكثير ، يقول العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في قصيدة له يصف المظاهر الشركية في البلاد الإسلامية وهو معاصر للشيخ محمد وقد وصف ما يفعل ويمارس حول القبور من الشرك الأكبر ويثني على دعوة الشيخ:
وقد جاءت الأخبـار عنـه بـأنه * * * يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل * * * ومبتدع منـه فـوافق مـا عنـدي
ويعمـر أركان الشريعـة هـادما * * * مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنـى سـواع ومثلـه * * * يغـوث وود بئس ذلك مـن ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها * * * كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة * * * أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبـور مقبـل * * * ومستلـم الأركان منهـن بـاليد
ويقول الإمام الشوكاني وهو من المعاصرين لدعوة الشيخ أيضا- يقول في وصف ما يفعل عند القبور من الشرك: وكم قد سرى عند تشييد أبنيـة القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام . منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام ، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفـع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضـاء الحـوائج وملجـأ لنجـاح المطالب ، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشـدوا إليهـا الـرحال وتمسحوا بها واستغاثوا ، وبالجملة إنهم لم يـدعوا شـيئا ممـا كانـت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ومع المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا ، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا - فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق ، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة ، فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر ، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله ، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ، وأي منـكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا:
لقد أسمعت لو نـاديت حيـا * * * ولـكن لا حيـاة لمن تنـادي
ولو نارا نفخت بها أضـاءت * * * ولـكن أنـت تنفـخ في رمـاد
انتهى (( نيل الأوطار )) (4 \ 90) .
وقد ألف كل من هذين الإمامين رسالة في التحذير من هذا الشرك الذي فشا في البلدان في عصرهما فألف الصنعاني رسالة اسمها تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد ، وألف الشوكاني رسالة اسمها شفاء الصدور بتحريم البناء على القبور . وكلتا الرسالتين مطبوع ومتداول . وفي هذا الجو المظلم ظهر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بالعقيدة السليمة والدعوة المستقيمة- ونسوق الآن عقيدته التي كتبها لمن سأله عنها:
« عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- » :
قال -رحمه الله- جوابا لمن سأله عن عقيدته[ انظر (( الدر السنية )) (1 \ 28 -30 ) ] :
بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسـله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره ، ومن الإيمان بالله الإيمـان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مـن غيـر تحـريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعـالى ليس كمثلـه شيء وهـو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيف ولا أمثل صفاته تعـالى بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له ولا كفو له ولا ند له ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا . فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال: (( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) [ سورة الصافات 180-182]والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية .
وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية ، وهـم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة ، وبين المرجئة والجهمية ، وهم وسط في باب أصحاب رسـول الله صلى الله عليه وسلم بين الـرافضة والخـوارج ، وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود ، وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -، وأؤمن بأن الله فعال لما يريد . ولا يكون في ملكه شيء إلا بإرادته ولا يخرج شيء عن مشيئته ، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور ، وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يكون بعد الموت . فأؤمن بفتنة القبر ونعيمه وبإعادة الأرواح إلى الأجساد ، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا . تدنو منهم الشمس وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد (( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ )) [سورة المؤمنون: 102- 103 ]
وتنشر الدواوين . فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله ، فأؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة ماؤه أشد بياضا مـن اللبـن وأحلى مـن العسل ، آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لـم يظمأ بعـدها أبدا . وأؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم . وأؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ، ولكنها لا تكون إلا بعد الإذن والرضى ، كما قال تعالى : (( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى )) [ سورة الأنبياء : 28 ] وقال تعالى : (( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ )) [سورة البقرة : 255]وقال تعالى : (( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ))[سورة النجم : 26] وهو لا يرضى إلا التوحيد ، ولا يأذن إلا لأهله ، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى : (( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )) [سورة المدثر: 48 ].
وأؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان ، وأنهما اليوم موجودتان ، وأنهما لا يفنيان ، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته ، وأؤمن بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ، وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى ، ثم بقية العشرة ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ، ثم سائر الصحابة -رضي الله عنهم- ، وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكف عن مساويهم ، وأسكت عما شجر بينهم وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى : (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) [سورة الحشر : 10 ].
وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء ، وأقـر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات . إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا ، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله . ولا أشهد لأحـد مـن المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد لـه رسـول الله صلى الله عليه وسلم ولـكني أرجـو للمحسن وأخاف على المسيء ، ولا أكفر أحـدا مـن المسـلمين بـذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام ، وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا ، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة . والجهاد ماض منذ بعـث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الـدجال لا يبطله جـور جـائر ولا عدل عادل ، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسـلمين بـرهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبـت طاعته وحرم الخروج عليه ، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا ، وأحـكم عليهـم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله ، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة . وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان ، يـزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، .
وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي- والله على ما نقول وكيل . . . . انتهى .
وبهذا يعلم أن عقيدته -رحمه الله- هي عقيدة السلف الصالح ، وأنه بريء مما نسبه إليه أعداء الدين في أنه على مذهب الخوارج .
= = = = = = = = = =
« بدء دعوة الشيخ محمد -رحمه الله - » :
في وسط هذا الجو المظلم الذي سبق وصفه سطعت دعوة الشـيخ محمد بن عبد الوهاب ، ورفع صوته منكرا هذا الشرك داعيا الناس إلى التوحيد الذي بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فلقي من الناس ما يلقاه أمثاله من الدعاة إلى الله من الأذى ، وأطاعه من وفقه الله لقبول الحق . يقول حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله-: ( ثـم رجـع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله ولا يرضاها من الشرك بعبـادة الأموات والأشجار والأحجار والجن . فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد وأن يخلصوا العبادة بجميع أنواعها لله ، وأن يتركوا ما كانوا يعبدونه من قبر أو طاغوت أو شجر أو حجر والناس يتبعه الواحد منهـم والاثنان فصاح به الأكثرون وحذروا منه الملوك وأغروهم بعداوته ).انتهى (( الدرر السنية )) (9 \ 216).
وهذا لا يعني أنه لا يوجد في هذا العصر علماء بل يوجد منهم الكثير ولكن هم ما بين مستحسن لهذا الوضع السيئ أو غير مستحسن له ، لكنه لا يملك الشجاعة لمقاومته .
« من أعلام المجددين : الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب »
لصـاحب الفضيلة شيخنا العلامـة صـالح بن فوزان الفوزان
- حفظه الله ورعاه -
[ فهرس الموضوعات ]
- التعريف بشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
- رحـلاتـه
- حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمـد بـن عبد الوهاب
- عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
- بدء دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله
- أصول دعوة الشيخ رحمه الله
- المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد
- المراجع التي يعتمد عليها الشيخ رحمه الله وعلماء الدعوة من بعده
- ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الـوهاب -رحمه الله- وآثارها
- الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ والرد عليهـا
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
« التعريف بشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- » :
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف النجـدي التميمـي ، ولـد سـنة 1115 هـ ، ونشأ في بيت علم . فوالده من علماء البلاد وتولى القضاء في عدة جهات ، وجده الشيخ سليمان كان عالما جليلا وإماما في الفقه وهو المفتي في البلاد في وقته ، وقد تخرج على يديه عدد كثير من العلماء وطلبة العلم . وعمه الشيخ إبراهيم بن سليمان كان من أجلة العلمـاء فنشـأ الشيخ محمد في هذا الجو العلمي وكان حاد الذهن متوقد الذكاء سريع الحفظ ، حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة ، ودرس على والده كتب الفقه الحنبلي . وكان كثير المطالعة والقراءة للكتب إلى جـانب قراءته على والده ، فقرأ في كتب التفسير والحديث والأصول ، وعني عناية خاصة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب العلامة ابن القيـم ، وكان لكتب هذين الإمامين أكبر الأثر في تكوين شخصيته العلمية المتميزة والأخذ بيده إلى مصادر العلم الصحيحة ، فتكون لديه الاتجـاه السليم منـذ صـغره وتركزت في قلبه العقيدة الصحيحة وتخرج على كتب هـذين الإمـامين المحققين .
« رحـلاتـه » :
ولما استوعب ما يدرس في بلدته من علوم الفقـه والعربية والحديث والتفسير تطلع إلى الزيادة وعزم على الرحلة إلى علماء البـلاد المجـاورة للاستفادة من علومهم فرحل إلى البصرة وإلى الأحساء وإلى مكة والمدينة والتقى بعلماء تلك البلدان وأخذ عنهم واستحصل على الكتب والمراجـع ، ولنترك المجال لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ليحدثنا عـن تلك الرحلات المباركة .
قال: إنه نشأ في طلب العلم وتخرج على أهله في سن الصبا . ثـم رحل لطلب العلم إلى البصرة مرارا وللأحساء ثـم إلى المدينة ثـم قال في تفصيل ذلك:
فظهر شيخنا بين أبيه وعمه . فحفظ القرآن وهو صغير وقرأ في فنون العلم وصار له فهم قوي وهمة عالية في طلب العلم . فصار يناظر أباه وعمه في بعض المسائل بالدليل على بعض الروايات عن الإمام أحمـد والوجوه عن الأصحاب . فتخرج عليهما في الفقه وناظرهما في مسـائل قرأها في الشرح الكبير والمغني والإنصاف لما فيها من مخـالفة ما في متن المنتهى ، والإقناع - وعلت همته إلى طلب التفسير والحديث . فسافر إلى البصرة غير مرة كل مرة يقيم بين من كان بها من العلماء فأظهر الله لـه من أصول الدين ما خفي على غيره . وكذلك ما كان عليه أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات والإيمان - إلى أن قال: فصـنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه القريب والبعيد ، أخـذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث - إلى أن قـال: ثـم إن شيخنا -رحمه الله تعالى- بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد رحل إلى الأحساء وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف ، ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيـم ما سر به ، وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد ، وحضر مشائخ الأحساء ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي فطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري ويبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدر به البخاري كتابه من الأحاديث والآثار ، وبحث معهم في مسائل وناظر ، وهذا أمر مشهور يعرفه أهل الأحساء وغيرهم من أهل نجد - إلى أن قال: ثم إن شيخنا -رحمه الله تعالى- ، وقد تبين له بما فتح الله تعالى عليه ضلال من ضل باتخاذ الأنداد وعبادتها من دون الله في كل قطر وقرية إلا من شاء الله ، فلما قضى الحج وقف في الملتزم وسأل الله تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته وأن يرزقه القبول من الناس ، فخرج قاصدا المدينة مع الحاج يريد الشام فعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه وسلبوه وأخذوا ما معه وشجوا رأسه وعاقه ذلك عن سيره مع الحجاج فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها فأقام بها وحضر عند العلماء إذ ذاك منهم / الشيخ محمد حياة السندي وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها وقـراءة لبعضها ووجـد فيهـا بعض الحنابلة منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف وابنه. فكتب كتاب الهدي لابن القيم بيده وكتب متن البخاري وحضر في النحو وحفظ ألفية ابن مالك .
حدثني بذلك حماد بن حمد عنه -رحمهما الله- ، ثـم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله - انتهى المقصود ((الدرر السنية )) (9 \ 215 - 216.) .
فأنت ترى أيها القارئ من هذا السياق قوة الأسباب التي بذلها الشيخ لتحصيل العلم: ، كثرة الحفظ وكثرة القراءة والاطلاع وكثرة الرحلات في طلب العلم للتلقي عن العلماء مع شدة الذكاء والنية الصالحة - إن هذه الأسباب مع توفيق الله تعالى كفيلة بتوفر التحصيل وهذا ما حصل .
= = = = = = = = = =
« حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمـد بـن عبد الوهاب » :
لقد ذكر المؤرخون كابن غنام وابن بشر ، وغيرهما عن حالة أهل نجـد خصوصا - والعالم الإسلامي عموما - الشيء الكثير من ظهور البـدع والخرافات والشركيات والجهل بحقيقة الدين الصحيح . ففي نجد كانت القبور والأشجار والأحجار والمغارات تعبـد مـن دون الله بـأنواع مـن القربات ، وفي الحجاز واليمن وغيرها من البلاد من ذلك الشيء الكثير ، يقول العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في قصيدة له يصف المظاهر الشركية في البلاد الإسلامية وهو معاصر للشيخ محمد وقد وصف ما يفعل ويمارس حول القبور من الشرك الأكبر ويثني على دعوة الشيخ:
وقد جاءت الأخبـار عنـه بـأنه * * * يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل * * * ومبتدع منـه فـوافق مـا عنـدي
ويعمـر أركان الشريعـة هـادما * * * مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنـى سـواع ومثلـه * * * يغـوث وود بئس ذلك مـن ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها * * * كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة * * * أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبـور مقبـل * * * ومستلـم الأركان منهـن بـاليد
ويقول الإمام الشوكاني وهو من المعاصرين لدعوة الشيخ أيضا- يقول في وصف ما يفعل عند القبور من الشرك: وكم قد سرى عند تشييد أبنيـة القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام . منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام ، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفـع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضـاء الحـوائج وملجـأ لنجـاح المطالب ، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشـدوا إليهـا الـرحال وتمسحوا بها واستغاثوا ، وبالجملة إنهم لم يـدعوا شـيئا ممـا كانـت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ومع المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا ، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا - فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق ، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة ، فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر ، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله ، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ، وأي منـكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا:
لقد أسمعت لو نـاديت حيـا * * * ولـكن لا حيـاة لمن تنـادي
ولو نارا نفخت بها أضـاءت * * * ولـكن أنـت تنفـخ في رمـاد
انتهى (( نيل الأوطار )) (4 \ 90) .
وقد ألف كل من هذين الإمامين رسالة في التحذير من هذا الشرك الذي فشا في البلدان في عصرهما فألف الصنعاني رسالة اسمها تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد ، وألف الشوكاني رسالة اسمها شفاء الصدور بتحريم البناء على القبور . وكلتا الرسالتين مطبوع ومتداول . وفي هذا الجو المظلم ظهر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بالعقيدة السليمة والدعوة المستقيمة- ونسوق الآن عقيدته التي كتبها لمن سأله عنها:
« عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- » :
قال -رحمه الله- جوابا لمن سأله عن عقيدته[ انظر (( الدر السنية )) (1 \ 28 -30 ) ] :
بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسـله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره ، ومن الإيمان بالله الإيمـان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مـن غيـر تحـريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعـالى ليس كمثلـه شيء وهـو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيف ولا أمثل صفاته تعـالى بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له ولا كفو له ولا ند له ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا . فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال: (( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) [ سورة الصافات 180-182]والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية .
وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية ، وهـم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة ، وبين المرجئة والجهمية ، وهم وسط في باب أصحاب رسـول الله صلى الله عليه وسلم بين الـرافضة والخـوارج ، وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود ، وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -، وأؤمن بأن الله فعال لما يريد . ولا يكون في ملكه شيء إلا بإرادته ولا يخرج شيء عن مشيئته ، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور ، وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يكون بعد الموت . فأؤمن بفتنة القبر ونعيمه وبإعادة الأرواح إلى الأجساد ، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا . تدنو منهم الشمس وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد (( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ )) [سورة المؤمنون: 102- 103 ]
وتنشر الدواوين . فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله ، فأؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة ماؤه أشد بياضا مـن اللبـن وأحلى مـن العسل ، آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لـم يظمأ بعـدها أبدا . وأؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم . وأؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ، ولكنها لا تكون إلا بعد الإذن والرضى ، كما قال تعالى : (( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى )) [ سورة الأنبياء : 28 ] وقال تعالى : (( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ )) [سورة البقرة : 255]وقال تعالى : (( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ))[سورة النجم : 26] وهو لا يرضى إلا التوحيد ، ولا يأذن إلا لأهله ، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى : (( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )) [سورة المدثر: 48 ].
وأؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان ، وأنهما اليوم موجودتان ، وأنهما لا يفنيان ، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته ، وأؤمن بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ، وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى ، ثم بقية العشرة ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ، ثم سائر الصحابة -رضي الله عنهم- ، وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكف عن مساويهم ، وأسكت عما شجر بينهم وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى : (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) [سورة الحشر : 10 ].
وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء ، وأقـر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات . إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا ، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله . ولا أشهد لأحـد مـن المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد لـه رسـول الله صلى الله عليه وسلم ولـكني أرجـو للمحسن وأخاف على المسيء ، ولا أكفر أحـدا مـن المسـلمين بـذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام ، وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا ، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة . والجهاد ماض منذ بعـث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الـدجال لا يبطله جـور جـائر ولا عدل عادل ، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسـلمين بـرهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبـت طاعته وحرم الخروج عليه ، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا ، وأحـكم عليهـم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله ، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة . وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان ، يـزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، .
وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي- والله على ما نقول وكيل . . . . انتهى .
وبهذا يعلم أن عقيدته -رحمه الله- هي عقيدة السلف الصالح ، وأنه بريء مما نسبه إليه أعداء الدين في أنه على مذهب الخوارج .
= = = = = = = = = =
« بدء دعوة الشيخ محمد -رحمه الله - » :
في وسط هذا الجو المظلم الذي سبق وصفه سطعت دعوة الشـيخ محمد بن عبد الوهاب ، ورفع صوته منكرا هذا الشرك داعيا الناس إلى التوحيد الذي بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فلقي من الناس ما يلقاه أمثاله من الدعاة إلى الله من الأذى ، وأطاعه من وفقه الله لقبول الحق . يقول حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله-: ( ثـم رجـع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله ولا يرضاها من الشرك بعبـادة الأموات والأشجار والأحجار والجن . فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد وأن يخلصوا العبادة بجميع أنواعها لله ، وأن يتركوا ما كانوا يعبدونه من قبر أو طاغوت أو شجر أو حجر والناس يتبعه الواحد منهـم والاثنان فصاح به الأكثرون وحذروا منه الملوك وأغروهم بعداوته ).انتهى (( الدرر السنية )) (9 \ 216).
وهذا لا يعني أنه لا يوجد في هذا العصر علماء بل يوجد منهم الكثير ولكن هم ما بين مستحسن لهذا الوضع السيئ أو غير مستحسن له ، لكنه لا يملك الشجاعة لمقاومته .