المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مُحَاولةُ عَيْشٍ وبَارِقَةُ أمَل ...قصّة قصيرة



ربيع الأديب
2011-03-14, 02:53 AM
مُحَاولةُ عَيْشٍ وبَارِقَةُ أمَل ...قصّة قصيرة
بقلم / ربيع الأديب المغربي
كَانتِ السَّاعَةُ تُشِيرُ إِلَى السّادِسَةِ مَسَاءً عِنْدَمَا انْطَلَقَ زَيْدٌ مِنْ بَيْتِهِ إلَى مَكَانِ عَمَلِهِ لاَ يَلْوِي عَلَى شَيءٍ وعَرَقُهُ يَتَصَبّبُ بِغَزَارَةٍ جرَّاءَ عَرَبَتِهِ الّتي يَدْفَعُهَا بِبُطْئٍ وَالّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا الكُتُبَ والأسْفَارَ والعُطورَ والسّجاداتِ وغيرَ ذَلكَ منْ لَوازِم المُسْلمِ !! التِي هُو يُتَاجِرُ فِيها في أحد الشّوَارعِ الْعَامَّة من شَوارِعِ مَدِينَتِهِ مَدِينَةِ الْكَبَائِرِ ...انْطَلَقَ عَلَى كُرْهٍ منْهُ كَعَادَتِه لاَ لأنَّهُ يَكْرَهُ التِّجَارَةَ ولَكِنْ لأنَّ مَكَتَبَتَهُ الْمَنْزِليَةَ الّتِي يُنْفِقُ فِيهَا السّاعَاتِ الطِّوالَ بينَ القِراءَةِ والْبَحْثِ والكِتَابَةِ سَيَتْرُكُهَا لِمُدّةِ خَمْسِ سَاعَاتٍ كَامِلَةٍ !! ....
فَهُوَ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى الشَّارِعِ العَام المُخْتَلطِ بالغوغَاء والدَّهْمَاء والمتَبَرِّجات.. .يَقَعُ لَهُ إحباطٌ أيُّما إحْباطٍ لأنّهُ ترَكَ في بَيْتِه العُلَمَاءَ والأدَبَاءَ والشُّعَراءَ الذينَ كَانَوا يَمْلَؤُونَ جَوانِبَ بيْتِهِ منْ خِلاَلِ مُؤّلفاتهم وكُتُبِهِم وَدَوَاوِينِهم ..... لِيَجِدَ ((مِنْ أَجْلِ لُقْمَةِ الْعَيْشِ))الإِن ْسَانَ الْمُتَمَرِّدَ عَلَى رَبِّهِ الطَّاغِي فِي أرْضِهِ مُنْتَشِراً كَالْجَرَادِ فِي كُلِّ مَكَانِ ...
المُهمّ اسْتَقَرَّ كَباقِي الأيّام في مَكانٍ مَعْرُوفٍ لَدَيْهِ ..وَبَدَأَ في ترْتِيبِ كُتُبِه على العَرَبةِ وتنظيمِها عَلَى شَكْلٍ يُغرِي الْقُرّاءَ ، وَعَرْضِ الْعَنَاوين الشّهِيرَةِ قَصْدَ بيْعِ أَكْثَر عَدَدٍ مِنَها ..لأنّهُ هوَ فِي حَاجَةٍ إِلَى الْمَالِ هَذِهِ الأَيَّام لأنّها آخرُ الشّهرِ ويَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يدْفَعَ ثَمنَ الكُوخِ الّذي هوَ سَاكِنُهُ وكذَلِكَ دفعُ ثَمنِ الإضاءة والماءِ وغير ذَلِك من لَوازم الحيَاة أَو الْمَوْتِ !! ....انتَهَى منْ تَرْتِيبِ شُؤُونِهِ وَانطَرحَ عَلَى كُرْسيٍّهِ بَعْدَمَا تَنَفَّسَ الصُّعَداءَ ، وَأخَذَ كِتاباً كانَ مَعَهُ فِي مِحْفَظَتِهِ الْيَدَويةِ ...وَفِي ظَنِّي أنَّ هَذَا الْكِتابَ لِطَهَ حُسَين فقَدْ كَانَ صَاحِبُنَا كَلِفاً بِأُسْلُوبِهِ مُعْجَباً بِسَلاَسَةِ لُغَتِهِ وَغَيْرَ عَابِئٍ بِزَنْدَقَتِهِ وَتَبَجُّحِهِ وَكُفْرِهِ لأَنَّهُ مَا فَكَّرَ قطُّ أنْ يَتَلَقَّى عَنْهُ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ أَوْ دُرُوسَ الأَخْلاَقِ .... وغَالباً ما كانَ يأخذُ معهُ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْكُتبِ لأنّها لا تَحتَاجُ في الْغَالِبِ إلى تَرْكِيزٍ... معَ العِلمِ أنهُ ينبَغِي لَهُ أنْ يَجْمَعَ بيْنَ القِراءةِ وَمُرَاقبةِ السِّلْعَة الْمعْروضةِ على العَرَبَة ..عَلّقَ عَيْنَيْهِ في كِتَابِه غَيْرُ عَابِئٍ بمَنْ يَمُرُّ أمَامَهُ منَ الْمُتَبَرِّجَا تِ السَّافِرات ..ولِمَ يَلْتَفِتُ إليْهم وهو فِي وادٍ وهم فِي وادٍ آخَرَ !!؟؟ ...
جَلَسَ عَى كُرْسِيِّهِ ما شَاءَ اللهُ لهُ أنْ يَجْلِسَ لَمْ يُسَاوِمْهُ فِي كُتِبِهِ أَحَدٌ مِنَ السَّابِلَةِ .. وَيُوجَدُ أَمَامَهُ مَطْعَمٌ للأكلاتِ الْخَفِيفَةِ مُكْتَظٌّ بِالنَّاسِ الّذِينَ يَأْكُلونَ بِطَرِيقَةٍ وَكَأنَّهُم الْحَيَواناتِ الْمُفْتَرِسَةُ ...واسْتَبَدَّ الْقَلَقُ بِهِ وَحَطَّ عَلَى قَلْبِهِ هَمٌّ ثَقِيلٌ ...مَاذَا يَفْعَلُ والأَفْواهُ الْجَائِعَةُ الصّغِيرَةُ لاَ تَعْرِفُ الصَّبْرَ ..وَجَيْبُهُ لَيْسَ فِيهِ دِرْهَمٌ واحِدٌ ...!!!
وَلَمَّا آذنَتِ الشَّمْسُ بِالْمَغِيبِ بَدَأَ صَاحِبُنَا يَتَأهَّبُ للْذَهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ لِصَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ يَتَحَسَّرُ عَلَى أُنَاسٍ لاَ هَمَّ لَهُمْ إلاَّ أَنْ يَأكُلُوا مَرِيئاً وَيَشْرَبُوا هَنِيئاً ..ولاَ يُبَالُونَ بِكُتُبِ العِلْمِ الْمَنْشُورَةِ أمَامَهُم ...فَجْأَةً أَيْقَظَهُ مِنْ تَحَسُّرِهِ وتَفْكِيرِه الذي كانَ غَارِقاً فيهِ صَوتُ رَجُلٍ ذي لِحيَةٍ مُهْمَلَةٍ وَقَمِيصٍ قَصِيرٍ وقَلَنْسُوةٍ صَغِيرَةٍ جِدّاً تُشْبِهُ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ شَاشِيَةَ الْيَهُودِ وَتَتَدَلَّى مِنْ عُنُقِهِ سُبْحَةٌ طَوِيلَةٌ .. قَالَ لَهُ بِنَبْرَةِ واثِقٍ منْ نَفْسِهِ : هلْ يُوجَدُ عِنْدَكَ كَتَابُ دَلاَئِلِ الْخَيْرَاتِ ، فَأجَابَهُ صَاحِبُنا بِقَوْلِهِ لاَ يُوجَدُ يَاسيِّدِي ..فقالَ : وكتابُ الرّحمة فِي الطبِّ وَالحِكمةِ . فَأجَابَهُ بِالنّفْي كَذَلِكَ ..فقَالَ وكِتَابُ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ للْقَرْضَاوِي ، فأجَابَهُ بِالنّفي كذَلكَ ..فَخَرَجَ الرّجُلُ عَنْ طَوْرِهِ وصَاحَ فِي وجْهِ صَاحِبِنَا ألاَ يُوجَدُ عِنْدَكَ شَيْءٌ ..؟ فأجَابَهُ صَاحِبُنا : يُوجَدُ عِنْدِي الْكَثِيرُ كما تَرى مِنْ كُتُبِ أهْلِ السّنّةِ والجَمَاعَة ...أمّا هَذِهِ الْكُتُب ُالّتِي ذَكَرْتَ فَلاَ يَجُوزُ لِي بيْعُهَا لأنّنِي طَالَعْتُها فَوَجَدْتُ أنَّ أصْحَابَهَا ضُلاّلٌ مُبْتَدِعُونَ ....فَغَضِبَ الرَّجُلُ غَضَباً جُنُونياً فأرغَدَ وَأَزْبَدَ ..وبَعْدَ هُنَيْهَةٍ سُمِعَ الأّذَانُ في سَمَاءِ الْمَدينَةِ بِصوْتٍ مُرْتَفِعٍ ..مِمَّا دَفَعَ صَاحِبَناَ إلَى التَّخَلُّصِ من هَذَا الرّجُلِ وتَرَكَهُ فِي مَكَانِهِ كَما يَتْرُكُ السِّكِيرُ قَرُورَةَ خَمْرٍ فَارِغَةٍ ... وَانْطَلَقَ إلَى بَيْتِ رَبِّهِ الْكَريمِ كأنَّهُ السّهْمُ ..وَهُوَ يُرَدِّدُ : اللهُمّ اجعَل فِي قَلْبِي نُوراً ، وفِي لِسَانِي نُوراً ، واجْعَلْ فِي سَمْعِي نوراً ، واجْعَلْ فِي بَصَرِي نُوراً ، ومنْ فَوْقِي نُوراً ، ومنْ تَحْتِي نُوراً ، وعَنْ يَمِينِي نُوراً ، وعَنْ شِمَالِي نُوراً ، ومنْ أَمَامِي نُوراً ......
وَمَضَى لَيلُ الْمَدِينَةِ الرّهِيبُ ...وَصَاحِبُنا يَسْتَعِدُّ للْرُجُوعِ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَما بَاعَ أشْيَاء يَسيرَةً منْ سِلْعَتِهِ الّتِي قَدْ لاَ تَسُدُّ حَاجِيَاته الضّرُوريةِ ...ولَكنْ هُنَاكَ بَارِقَةُ أَمَلٍ تَعْرِضُ لَهُ فِي الأفُقِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَنْتَابُهُ شُعُورٌ بالْفَرَحِ كُلّمَا تَذَكَّرَ أنّهُ سَيَعُودُ لِيُجَالسَ العُلَمَاءَ والأدَبَاءَ والشّعَرَاءَ الْقَابِعِينَ في بيْتِهِ مِنْ خلاَلِ كُتُبِهِم وَأسْفَارِهِم ....

وَكَتَبَ ربيع الأديب في آخر أسبُوع من شَهرِ شعبَان 1431 هـ

أمة الوهاب شميسة
2011-03-18, 12:37 AM
جزاك الله خيرا أخي ربيع الأدب ، قصة متميزة ، مع صاحبنا الذي يجالس العلماء والفقهاء والأدباء ... فعلا ، كل واحد له عالمه الخاص الذي يعيش بداخله ، فإن خرج إلى الواقع صدم ، لو لا بارقة الأمل !!!

ربيع الأديب
2011-03-18, 12:44 AM
جزاك الله خيرا أخي ربيع الأدب ، قصة متميزة ، مع صاحبنا الذي يجالس العلماء والفقهاء والأدباء ... فعلا ، كل واحد له عالمه الخاص الذي يعيش بداخله ، فإن خرج إلى الواقع صدم ، لو لا بارقة الأمل !!!
بارك الله فيك أختَنا الفاضِلَةَ وجزاك الله خيرا

أبو مصعب الملالي
2011-04-06, 03:13 AM
جزاك الله خيرا على هذه القصّة الواقعية الرائعة

ابو عبد الاله المسعودي
2011-04-08, 02:00 AM
لَوْ خَرَجَ صَاحِبُكَ الْكُتُبِيُّ الْعَطاَّرُ-كَانَ اللهُ لَهُ- إِلَى عَمَلِهِ عَلَى السّادِسَةِ صَبَاحاً..
كُنْتُ أُأَمِّلُ لَهُ أَنْ يَمْلَأَ جُيُوبَهُ بِمَا يَسُدُّ الأفْوَاهَ الصَّغِيرَةَ الجَائِعَةَ الّتِي تَرَكَهَا فِي الْبَيْتِ فاغرةً، لا تَعْرِفُ الْصَّبَرَ..


أَماَّ أَنْ يَقْبَعَ في مَكْتَبَتِهِ الْعَامِرَةِ ، يَقْرَأُ وَيَكْتْبُ وَيَبْحَثُ..كأنّ َهُ جَاحِظُ زَمَانِهِ
حَتّى إِذَا آذَنَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ؛ خَرَجَ مُهَرْوِلاً يَجُرُّ عَرَبَتَهُ لِيَسْتَرْزِقَ.. زَعَمَ !!
وَقَلْبُهُ مُعَلّقٌ بِمَا تَرَكَهُ مَفْتُوحاً مِنْ كُتُبٍ عَلىَ طَاوِلَةِ مَكْتَبِهِ ..قَدْ شَغَفَتْهُ حُبّاً ..
فَهُوَ لَا يَمِلْكُ نَفْسَهُ عَلَى فِرَاقِهَا :
تَشُوقُهُ وَهُوَ يَرَاهَا مَرْفُوفَةً أَمَامَهُ..مُزَي َّنَةً فِي أَحْلَى الْقُشَبِ
وَيَشْتَاقُ إِلَيْهَا وَهُوَ يَرَاهَا بِقَلْبِهِ بَعِيداً عَنْهَا فِي الشََوَارِعِ الْمُزْدَحِمَةِ بِالْمُتَبَرِّج َاتِ الْفَاتِنَاتِ..
يَعُدُّ السَّاعَاتَ، وَالدَّقَائِقَ لِيَعُودَ مِنْ جَدِيدٍ إِلَيْهَا.. وَيُسَرِّحَ نَاظِرَهُ فِي مَحَاسِنِهَا ، وَتَجُسَّ أَنَامِلُهُ طُرُوسَهَا


= فَلْيُجِبْ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ إِذَا حَمْلَقُواْ فِي وَجْهِهِ مُتَعَجِّبِينَ.. بَعْدَ أَنْ رَأَوا يَدَيْهِ فَارِغَتَيْنِ:


"كُلُوا كُتُبِي كَأَنّّكُمْ أّرَضَة"
:)

ربيع الأديب
2011-04-08, 02:12 AM
لَوْ خَرَجَ صَاحِبُكَ الْكُتُبِيُّ الْعَطاَّرُ-كَانَ اللهُ لَهُ- إِلَى عَمَلِهِ عَلَى السّادِسَةِ صَبَاحاً..
كُنْتُ أُأَمِّلُ لَهُ أَنْ يَمْلَأَ جُيُوبَهُ بِمَا يَسُدُّ الأفْوَاهَ الصَّغِيرَةَ الجَائِعَةَ الّتِي تَرَكَهَا فِي الْبَيْتِ فاغرةً، لا تَعْرِفُ الْصَّبَرَ..


أَماَّ أَنْ يَقْبَعَ في مَكْتَبَتِهِ الْعَامِرَةِ ، يَقْرَأُ وَيَكْتْبُ وَيَبْحَثُ..كأنَ ّهُ جَاحِظُ زَمَانِهِ
حَتّى إِذَا آذَنَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ؛ خَرَجَ مُهَرْوِلاً يَجُرُّ عَرَبَتَهُ لِيَسْتَرْزِقَ.. زَعَمَ !!
وَقَلْبُهُ مُعَلّقٌ بِمَا تَرَكَهُ مَفْتُوحاً مِنْ كُتُبٍ عَلىَ طَاوِلَةِ مَكْتَبِهِ ..قَدْ شَغَفَتْهُ حُبّاً ..
فَهُوَ لَا يَمِلْكُ نَفْسَهُ عَلَى فِرَاقِهَا :
تَشُوقُهُ وَهُوَ يَرَاهَا مَرْفُوفَةً أَمَامَهُ..مُزَي َّنَةً فِي أَحْلَى الْقُشَبِ
وَيَشْتَاقُ إِلَيْهَا وَهُوَ يَرَاهَا بِقَلْبِهِ بَعِيداً عَنْهَا فِي الشََوَارِعِ الْمُزْدَحِمَةِ بِالْمُتَبَرِّج َاتِ الْفَاتِنَاتِ..
يَعُدُّ السَّاعَاتَ، وَالدَّقَائِقَ لِيَعُودَ مِنْ جَدِيدٍ إِلَيْهَا.. وَيُسَرِّحَ نَاظِرَهُ فِي مَحَاسِنِهَا ، وَتَجُسَّ أَنَامِلُهُ طُرُوسَهَا


= فَلْيُجِبْ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ إِذَا حَمْلَقُواْ فِي وَجْهِهِ مُتَعَجِّبِينَ.. بَعْدَ أَنْ رَأَوا يَدَيْهِ فَارِغَتَيْنِ:


"كُلُوا كُتُبِي كَأَنّّكُمْ أّرَضَة"
:)
جزاك الله خيرا على الإضافة ، ولعلّه من الخير أن أذكرَ هذِه القصّةَ هُنا :
حكى الخطيب التَّبريزي اللّغوي :
أنَّ أبا الحسن الفالي الأديبَ كانت له نُسخَة ٌ من كتاب الجمهرةِ لابنِ دُريدٍ ، وكانت في غاية الجودةِ ، فدعَتْهُ الحاجةُ ذاتَ يَوْمٍ لبيْعِها فكتبَ أبياتا في آخرها يُعبِّر عن مُعانته في بيْعِ أعزِّ ما لديه وهو الْكِتَابُ ...
فعَرَضَهَا للبيع فاشتراها منه ابنُ القاسم بستين دينارا ، ثم قام يتصفَّحُها فوجدَ فيها هذِه الأبيات بخطِّ بائِعِهاَ ...يقول فيها :
أنِسْتُ بها عِشْرينَ حوْلاً وبِعْتُها لقدْ طال وجْدي بعدها وحنيني
وما كان ظنِّي أنَّني سأبِيــعُها ولوْ خلَّدْتني في السُّجون ديُوني
ولكنْ لضَعْفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ صغارٍ عليهم تَستهلُّ شُجونـي
فقُلتُ ولم أملك سوَابِقَ عَبْرَتي مقالةَ مكويِّ الفؤادِ حــزينِ
وقد تُخْرِجُ الحاجاتُ يَا أُمَّ مالك كرائِمَ من ربٍّ بهنَّ ضـــنينِ
فقرأها ابنُ القاسم وفاضت عيناه وذهب وأرجَعَ النُّسْخةَ له وترك له الدنانير .
رحمهما الله رحمة واسعة .

ابو عبد الاله المسعودي
2011-04-08, 02:38 AM
...فَجْأَةً أَيْقَظَهُ مِنْ تَحَسُّرِهِ وتَفْكِيرِه الذي كانَ غَارِقاً فيهِ صَوتُ رَجُلٍ ذي لِحيَةٍ مُهْمَلَةٍ وَقَمِيصٍ قَصِيرٍ وقَلَنْسُوةٍ صَغِيرَةٍ جِدّاً تُشْبِهُ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ شَاشِيَةَ الْيَهُودِ وَتَتَدَلَّى مِنْ عُنُقِهِ سُبْحَةٌ طَوِيلَةٌ .. قَالَ لَهُ بِنَبْرَةِ واثِقٍ منْ نَفْسِهِ : هلْ يُوجَدُ عِنْدَكَ كَتَابُ دَلاَئِلِ الْخَيْرَاتِ ، فَأجَابَهُ صَاحِبُنا بِقَوْلِهِ لاَ يُوجَدُ يَاسيِّدِي ..فقالَ : وكتابُ الرّحمة فِي الطبِّ وَالحِكمةِ . فَأجَابَهُ بِالنّفْي كَذَلِكَ ..فقَالَ وكِتَابُ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ للْقَرْضَاوِي ، فأجَابَهُ بِالنّفي كذَلكَ ..فَخَرَجَ الرّجُلُ عَنْ طَوْرِهِ وصَاحَ فِي وجْهِ صَاحِبِنَا ألاَ يُوجَدُ عِنْدَكَ شَيْءٌ ..؟ فأجَابَهُ صَاحِبُنا : يُوجَدُ عِنْدِي الْكَثِيرُ كما تَرى مِنْ كُتُبِ أهْلِ السّنّةِ والجَمَاعَة ...أمّا هَذِهِ الْكُتُب ُالّتِي ذَكَرْتَ فَلاَ يَجُوزُ لِي بيْعُهَا لأنّنِي طَالَعْتُها فَوَجَدْتُ أنَّ أصْحَابَهَا ضُلاّلٌ مُبْتَدِعُونَ ....
في العادة :
أن الصوفية و المجذوبين والطرقيين والمشعوذين ..
محبي "دلائل الخيرات" و "الرحمة في الطب والحكمة" لاحاجة لهم في "الحلال والحرام"؟!!
بعبارة أخرى:
أرى أن حشرَ كتابِ القرضاوي -على ما فيه-
في زمرة كتاب الجزولي وكتاب الصُّبنْري.. فيه ما فيه

ابو عبد الاله المسعودي
2011-04-08, 03:11 AM
وَمَضَى لَيلُ الْمَدِينَةِ الرّهِيبُ ...وَصَاحِبُنا يَسْتَعِدُّ للْرُجُوعِ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَما بَاعَ أشْيَاء يَسيرَةً منْ سِلْعَتِهِ الّتِي قَدْ لاَ تَسُدُّ حَاجِيَاته الضّرُوريةِ ...ولَكنْ هُنَاكَ بَارِقَةُ أَمَلٍ تَعْرِضُ لَهُ فِي الأفُقِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَنْتَابُهُ شُعُورٌ بالْفَرَحِ كُلّمَا تَذَكَّرَ أنّهُ سَيَعُودُ لِيُجَالسَ العُلَمَاءَ والأدَبَاءَ والشّعَرَاءَ الْقَابِعِينَ في بيْتِهِ مِنْ خلاَلِ كُتُبِهِم وَأسْفَارِهِم ....

لا أسمّي مُجالسةَ صاحبِك الكُتبيّ المسكينِ الذي لم يبعْ إلا ً"أشْيَاء يَسيرَةً منْ سِلْعَتِهِ الّتِي قَدْ لاَ تَسُدُّ حَاجِيَاته الضّرُوريةِ".. "العُلَمَاءَ والأدَبَاءَ والشّعَرَاءَ الْقَابِعِينَ في بيْتِهِ مِنْ خلاَلِ كُتُبِهِم وَأسْفَارِهِم ...."
= بارقةَ أملٍ ؟!!
أيُّ أملٍ سيبرقُ لهُ هؤلاءِ القابعون في بطونِ تلك الأسفار ..!!
نعمْ.. تغمرُهُ في اللّيل نوبةُ فرحٍ بلقائهم ومجالستهم
ويطربُ غايةً بمحادثتهم ومفاكهتهم ..
(فلا يعدلُ لقاءٌ لقاءَ الأحبّة)
لكنه فرحٌ سرعان ما يتبخر.. وينقلبُ حزنا مريرا
عندما يسمعُ أنينَ عياله المتضورين من الجوع ..!!
فيثوبُ المسكينُ إلى رشده.. وينسلخُ من خياله ويتحقق من واقعه ..
ليندب حالَه، ويبكي على نفسه، ويندم على ما فرط في يومه..

ولا أسمّي خروجَه على السادسة مساءً للاسترزاق ..!!
(وقد عرّضنا بصنيعه ذاك في ردنا الأول)..
= محاولةَ عَيْشٍ.
:):)

ابو عبد الاله المسعودي
2011-04-08, 03:22 AM
أخي الكريم ربيع الأدب:
أشكركَ على قصتك القصيرة هاته التي دبجها يراعك
وأسألُ الله أن يوفقك أكثر في كتابة مثل هذا الفن الأدبي.
وما علّقتُه تحتها من تعليقات لا تنقص من قيمتها ولا تبخس حقها
إنما هي نظرات شخصية عنّت لي من الاستمتاع بقرائتها فأحببت أن أكاتبك بها
تقديرا لمجهودك وتعبيرا عن احتفائي بما تكتبْ.

ربيع الأديب
2011-04-08, 03:30 AM
جزاك الله خيرا أخي الكريم ... تشرّفتُ بتعليقاتك ..وأعجبتني هذه الكلمات :
أيُّ أملٍ سيبرقُ لهُ هؤلاءِ القابعون في بطونِ تلك الأسفار ..!!
نعمْ.. تغمرُهُ في اللّيل نوبةُ فرحٍ بلقائهم ومجالستهم
ويطربُ غايةً بمحادثتهم ومفاكهتهم ..
(فلا يعدلُ لقاءٌ لقاءَ الأحبّة)
لكنه فرحٌ سرعان ما يتبخر.. وينقلبُ حزنا مريرا
عندما يسمعُ أنينَ عياله المتضورين من الجوع ..!!
فيثوبَ المسكينُ إلى رشده.. وينسلخَ من خياله ويتحقق من واقعه ..
ليندب حالَه، ويبكي على نفسه، ويندم على يومه..

تسنيم أم يوسف
2011-04-09, 11:17 AM
سلام عليكم
أشكركم أخي الفاضل على هذه القصة المعبرة
غير أني أؤيد الأخ أبو عبد الإله المسعودي في تعليقاته
خصوصا عبارة
كلوا كتبي كأنكم أرضة

أي نعم.. ورب الكعبة
إذ كيف يصدر تصرف كهذا من راع ذي عيال ومسؤول عن أهل بيته وولده

والناظر في سير سلفنا الصالح لا يكاد يمر على سيرة أحدهم إلا وجد فيها أنه من أصحاب الحرف والتجارة
وقد نظر أحدهم إلى ماله الوفير ثم قال لولده
أرأيت هذه؟
لولاها لتمندل بنا هؤلاء

ربيع الأديب
2011-04-14, 02:08 AM
جزاكِ اللهُ خَيرا

عودة الفرسان
2011-04-15, 03:19 PM
(ي)علّل النفس بالآمال (ي)رقبها................ ..ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ

ابو عبد الاله المسعودي
2011-04-24, 02:08 AM
لكنه فرحٌ سرعان ما يتبخر.. وينقلبُ حزنا مريرا
عندما يسمعُ أنينَ عياله المتضورين من الجوع ..!!
فيثوبُ المسكينُ إلى رشده.. وينسلخُ من خياله ويتحقق من واقعه ..



لكنه فرحٌ سرعان ما يتبخر.. وينقلبُ حزنا مريرا
عندما يسمعُ أنينَ عياله المتضورين من الجوع ..!!
فيثوبَ المسكينُ إلى رشده.. وينسلخَ من خياله ويتحقق من واقعه ..

حياك الله يا أديب:
استوقفتي احمرارُك ..فقلتُ متنحياً :
"الفاء هنا للاستئناف وليست سببية" :)

ربيع الأديب
2011-04-24, 02:16 AM
حياك الله يا أديب:
استوقفتي احمرارُك ..فقلتُ متنحياً :
"الفاء هنا للاستئناف وليست سببية" :)
لله درّك ما ألْطَفَك !!!:)