تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تـأثُّـرُ التِّـلميذ بشيخه ! ( موازنةٌ خلُقُـيَّة ) !



أبو الهمام البرقاوي
2011-03-09, 02:37 PM
( تأثرُ التلميذ بشيخه ) .

الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ، تبصرةً لأولي الألباب ، مودعا بالعلوم والحِكَم العجب العجاب .
وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله من أشرف الشعاب ، بعث لخير أمة بأفضلِ كتاب ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأنجاب ، صلاة وسلاما دائميْن إلى يوم المآب !
وبعد :
فالعلمُ أنصعُ المراتب ، وأرفعُ المناقب ، وألذُّ المشارب ، وأسهلُ المآرب ، خضْ في أزهاره ، واشرب من ينابيعهْ ، شرابا لا تظمأ بعده أبدا ، فتزال نهما عطِشا للنيلِ منه مدَدا .
- لا أجملَ من أنْ تعملَ بعلمك ، وتنتفع بعملك ، حتى تذادَ عن أولِ من تسعَّرُ بهم النار ، ويلتحق بهم الخزي والعار ، وحتى يكون حجة لك ، لا عليك .

- تخلَّقْ بمن بُعثَ بمكارم الأخلاق ، وفضُل على غيرِه وفاق ، ومنْ كان خلقُه القرآن ، فكانتْ أفعاله أهدى من أقواله ، وأعمالُه أبلغَ من رسالاتِه .

هذا القرآن أمَامك فيه النصائح ، وفيه المفاضح ، فاخترْ أيَّهما شئت / طريقَ العفو والعرف والإعراض عن الجاهلين ، أو طريقَ من عاهدتُم من المشركين .

وهذه السنة أمامَك فيها الصفات الحميدة ، والرذائل المميتة ، فاختر أيًّا شئت / طريقَ حياء العذراء في خدرها ، أو طريق الفاجر اللئيم في مُهجتِها .

وثُلَّـةٌ من السلف ، وقِلَّـةٌ من الخلف ، قد خاضوا البلاد ، وعاثوا في التلاد ، هذه أخلاقهم منثورة ، وسيئاتهم مبتورة ، غاصتْ في لجِّ حسناتهم ، وبارت في أجِّ صفحاتهم .


( موازنة )
وهذا شيخُك الأريب ، الفطنِ اللبيب // ذو الخلُقِ الحسن ،-أو- شِرَّةِ اللسن ، ذو المناقب الرفيعة ، -أو- المثالب الدنيئة، ذو خِصالٍ وضيعة ، -أو- خصائلَ مقيتة .
ليت شعري !!، من على سيره أنتهج ، ومن على ممشاه أبتهج ، -أو- بطريقه أطِّعج ، وعلى منوَاله أنعرج!.!.!

كنتُ في جِنازة ممن نحسبهم على خير ، وقد عُفوا من الفجور والمَيْر ، فبصُرتُ أحد الشيوخ ، مَنْ على أخلاقهم أنوخ ! إشارتُه حكمٌ ، وطاعتُه غنمٌ ، عفيفُ اللسان ، عن الحدَّة والطغيان ، فقلَّما سلم مكثار ، من دحرجةٍ أو عثار ، إلا ثرثارًا في طيبِ الكلام ، ومشنِّفا لآذان الأنام .

فأقبلتُ عليه ، وكلِّي إليه ، ورفعت رجلاي مقبلًا رأسه ، فأبى واستنكر ، وغضب وزمجر .
ثم ذهب إلى أحد شيوخه مسلِّما ، مستبشرا فرحا مستسلما ، فرفع رجلاه مقبلًا رأسه ، فرضي وأذعنْ ، وقبل واستكنْ ، ذاكَ أنه مطبوعٌ على المنفعه ، ومِطواعٌ في الضيق والسَّعة ! السخيُّ بموجوده ، السميُّ عند جوده !



( هنا توقف القلم ، فاللهم أعوذ بك من التكلف )

وأقبل على شيخ شيخي أحدُ شيوخه ، مفشي الإحسان ، ومنشئ الاستحستان ! ويكأني أنظر إليه جالسا جلسة التلميذ ، والطالب للعلم الذليل ، فكبُر أمرُه ، وعظُم خطبه .
وإذا بهذا العلم العالم الكبير يتحدَّثُ عن معلمه وناصحه ، ورفيق دربه وأمره ! بكلماتٍ راقيةٍ واقيةٍ باقيةٍ !



فدلفتُ لهذا الخطب الجلل ، لأقتبس من فوائده ، وألتقط بعض فرائده ، فلم أرَ موقفًا نُسج على مِنواله ، ولا سمحتْ قريحةٌ بمثاله !!



فخلُصت إلى مقال أسميتُه ( تأثر التلميذ بشيخه !! ) .



ابذلِ الوصال -أيها الشيخُ - لمن صال ! لا تظلِم - أيها العالِمُ - حينَ تُظلم !
دارِ من جهلَ مقدراك ، وصافِ ممن يأبى إنصافك ، وأغمرْه جميلا ، وإن لم يكن خليلا !
الصدقُ نباهة ، والكذبُ عاهة ، الجوعُ شعارُ الأنبياء ، وحِلية للأولياء .
أنتم أولوا الألبابِ ، والفضلِ اللباب ، لا يجرمنكم شنآن قوم أن تحاسدوا وتباغضوا وتدابروا !
السهر في الخرافات ، من أعظم الآفات ، آآهٍ كم فيه من افتآت ، وبُعْدٍ عن القربات ، وتنفيسٍ للكربات .



سوءُ الطمع ، يبايِنُ الورع - - تطلُّبُ المثالبِ ، شرُّ المعايب !
تحاشي الرِّيَب ، تُرفع به الرٌّتب - تعدِّي الأدب ، يُحبط القُرب !

عند الأوجال ، يتفاضل الرجال !




ختامًا أقول :


هذه موازنة بين الشيخ الدمث الخلوق ، والشيخ الخلِق المتخلِّق .
فمن أيِّ الصنفين أنت ؟ ومن أي الطريقين كنت ؟

اتقِ اللهَ في تلاميذك ، وربِّهم تربية حسناء ، بعيدة عن التربية الحمقاء الخرقاء .

اللهم اغفر لكاتبِ هذه المقالة ، ولمن قرأها ، واتعظ بها ، وغفر لوالديه ، ولجميع المسلمين .

بقلم :
أبو الهُمام البرقاوي
في جُهمة ليلة الأربعاء
الموافق / 9 - 3 - 2011 م

ـــــــــــ



ملاحظتان :
(1) الحمدلة والصلاة على رسول الله http://majles.alukah.net/imgcache/2014/08/148.jpg من كتاب ( الإتقان في علوم القرآن ) وبعد توقف القلم ، استعنتُ بالله ثم بـ ( مقامات الحريري ) .
(2) لم يسبقْ لي أن أكتب مقالةً بهذه الطريقة ، فلا يلومنَّني أحدُ الأدباء ، خصوصًا الغرباء ، فما أنا منكم إلا ( كثَـغْبةٍ في دأْماء ، وتُربةٍ في بهْماء )

أبو الهمام البرقاوي
2011-03-11, 03:50 PM
(2) تأثر التلميذ بشـيخه !
بسم اللهِ الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد بن عبد الله الهادي الأمين ، بعث للناسِ كافّةً ، وأرسِل رحمةً للعالمين .

وبعد: إنْ رجعتَ لتراجمَ السلفِ الصالح، من محدثين ، وفقهاء ، وغيرهم ؛ فإنك تجد سيرةً مبهِجا ، ومريحا ، ومفرحا في ، ومعاملاتهم ، وتدريسهم ، وتعليمهم للناس .

فلانٌ أمضى حياته متنقلا بين البلاد ؛ ليدوِّن حديث المصطفى http://majles.alukah.net/imgcache/2014/08/148.jpg.

وآخر أمضاها مجاهدا مدفاعا بالسيف والسنان عن هذا الدين العظيم .
وآخر أمضى حياته معلِّما مربّيًا ، مخرجا للناس من الظلمات إلى النور .
وآخر عرف بالسمتِ والأدب والتواضع .
وآخر عُرف بالحِلم والرجوع للحق .
وآخر عُرف بحرقته في قمعِ أهلِ البدع وردعهم ، وآخر وآخر !!

أريد منك يا - أخي الحبيب - أن تنـظر لسيرة شيخ كلِّ من ذكر ، إنْ لم تر فيها بمثلِ ما حدثتُك به عن تلميذه ، فارددْ بمقالي عرضَ الحائط .

فالشيخ المجاهد المعلم ، يخلِّف التلميذ المناكف المربِّي .
الشيخ العالم الصابر ، ينبتُ وردةً وسوسنا مثله ، بل أحسن منه .


رسالتي هذه لكلِّ من له تلميذ يدرس عليه ، ولو لم يكنْ عنده من العلمِ ما يصلح أن نطلقَ عليه بالعالم ، أو الشيخ .
لكن ما دمت رضيتَ بتلميذ لك ، فاعلم أنه محاذٍ لك في أفعالك ، ومقارب لك في مشيك ، وتعليمك ، وتواضعك ، وأدبك ، وحلمك بالناس ، ودعوتك .

الإمام المجاهدُ العلامة / شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - سُجن ، وعُذب ، واتهم بالاتهامات الكاذبة ، والادعاءات الزائفة ، مع هذا كلِّه ربَّى رجالا مجاهدين أعلام في الفقه كابنِ مفلح ، وفي الحديث كابن عبدِ الهادي ، وفي التفسير كابن كثير ، وفي علاج القلوب كابن القيم !


كم قرأنا وسمعنا بـ - حلية طالب العلم - وفيه حُلى الشيخِ والتلميذ ، ولكن لا نرى تطبيقًا لذلك ، فتراه شيخًا معروفا بالسِّباب ، والطعنِ في الأنساب ، والاتهام لزمْرِ الأسبابِ .

شيخًا مشهورًا بحظوظ النفس ، وحبِّ المال ، وحبِّ الشهرة ، وشهوة الردِّ على الملإ ، حتى يُبرز لطلبته أني شيخ -مشْ قليلْ -!
ولا يعلم - هداهُ الله - أن الأمر رادٌّ لمن رضي بصحبتِه ، وخُلته!
ولا يعلم أنه سيأتي يومٌ ، تطوى صفحاتُه ، ويبدأ التاريخ بذكر صفحات التلميذ!
فإذا به رجلٌ لا يمتُ لأهلِ العلم بهمز الوصل ، بل رجلٌ فارغٌ من النصح والنصيحة بهمز القطع .
فتُذكر ترجمةٌ له ، وإذا من شيوخه ( فلان بن فلان ) الحاد اللسان!


عندما ترى شيخَك عاريًا عن تهذيب نفسه بقيام الليل ، وصيام النوافل ، وصلة الأرحام ، وعفوه عند المقدرة ، ونصحه للعامة ، وللخاصة ، فهل تطوقُ لنفسك أن تصلي ، وتصوم ، وتصل رحمك ، وتعفو ، وتنصح ؟ - وهذا لمن قدوته شيخه فقط!-



إذا ذهبت مع شيخِك لزيارة قريبٍ له ، والمُزارُ رجلٌ مدخن ، فتخرجا من المجلس ، ولم تسمع هتافا منه نصيحة للمدخن ، فهل تقول ( سأكون أفضل من شخي وأنصحه ) ؟!

كلا ، ثم كلا ، ساء ما تتوهمون ، ثم كلا سوف تعلمون! ، بل ستقول : شيخي لم يفعله ، أأفعلُه أنا ؟!

قلت لشيخِك : هذا فلانٌ ردَّ عليك ، واتهمك بأنك ضعيفٌ في العلم .
فقال لك : كذبَ والله ، هذه كتُبُي ، وهذه دروسي ، قد ذاعت وشاعت بين النَّاس ، ألا يدل ذلك أني عالم ، وهو رجل ظانٌّ للسوء ؟!

مر ردَح من الزمان ، حتى أصبحتَ شيخا ، وجاءك تلميذٌ لك .
فقال لك : هذا فلان ، فعل بك وفعل ، وقال فيك ما قال !
فماذا يُتوقع ردُّه؟

سيردُّ بمثل ما ردَّ به قدوتُه وأسوتُه - سامحهُ الله -!
لا آتي بأمور وهمية ، وظنون كذبية ، بل والله هذا واقع كثيرٍ من طلبة العلم ، وأصبح أمرًا معلوما عندهم ن فلا تجد حِلما ، ولا رأفة ، ولا علما حقيقا ، ولا دعوة ، ولا جهادا للنفس ، ولا تزكية لها !
( قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها )


أخيرًا :

التلميذُ معذورٌ ، إذْ هذا ما تعلَّمه ، وهذا ما رآه من شيخه المكنَّى بـ ( سلفي ) ( الأثري ) إذْ أصبحت الألقاب هي أمارات الرجال!


ألقابُ مملكةٍ في غير موضعها - - كالهرِّ يحكي انتفاخًا صولةَ الأسد !

وليس معذورًا ، فإن القدوة الصالحة والصحيحة : هي السير على منهج السلف الصالح ، وأخذ العبر من موافقهم .
وأن تنصح شيخَك ، فالنصيحة لله ولكتابة ولرسوله ولأئمة المسليمن وعامتهم ، وإلا خذْ صفوه ، وارمِ بكدره .

هذا آخر ما سطَّره العبد الضعيف ، والحمد لله أن هذا الأمر - وإن كان معروفا - إلا أن الأغلبية في المشايخ التقدير والاحترام ، والعلم والدعوة والجهاد ، بعيدا عن ضياع الأوقات ، وهدرها وذهابها هباءً منثورا ، في الردود على شرذمة طلبة العلم ، أو على الأقران .
وصدق من قال ( علمٌ بلا أدبْ - كنارٍ بلا حطب ) .


أرجو أن يكون المضمون قد وصل للأفاضل ، وإن كانت الكتابة ضعيفة .


أخوكم ( أبو الهُمام البرقاوي ) .