علي بن فايز الشهري
2011-03-04, 01:31 AM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فضل لا إله إلا الله وشروطها وأثر العمل بها
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، ولا خالق غيره، ولا رب سواء المستحق لجميع أنواع العبادة.
ولذا قضى أن لا نعبد إلا إياه، ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وأن الله هو العلي الكبير.
أحمده تعالى على جزيل إنعامه وإفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، المرسل إلى الناس كافة بالملة الحنفية والهدى المنير، بعثه الله عز جل رحمة للعالمين والشرك مضطرمة ناره، طائر شراره مرتفع غباره لا مغير له ولا نكير.
فقام بتبليغ الرسالة حق القيام، وجاهد في الله حق جهاده؛ إعلاء لكلمة الله الملك العلام، حتى جاء الحق وزهق الباطل، وأدبر ليل الكفر والضلال، وانفجر فجر الإيمان والإسلام، ونشرت أعلام التوحيد، وعلا بنيانه وأشرقت أنواره، ونكست راية الشرك وانكسرت شوكته، وخمدت ناره ورمي بناؤه بالدمدمة والتكسير والتدمير، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه؛ أوعية العلم وأنصار الدين القيم، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: إن أول شيء بدأت به الرسل قومهم في الدعوة إلى الله هو التوحيد كما قال الله عز وجل عن نوح هو وصالح ولوط وشعيب وغيرهم، إن أول شيء بدأوا به قومهم ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ فهذه دعوة الرسل.
لذا فإن الواجب على المسلم أن يهتم بمعرفة التوحيد ومعرفة ما يضاده، فإنه يجب عليه معرفة أصل الدين إجمالا قبل الواجب من الفروع؛ لأنه لا تصح الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا الصدقة قبل الأصل، فلا بد من معرفة أصل الدين إجمالا، ثم معرفة فروعه تفصيلاً، كما في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة» الحديث.
وهذا يفيد أنهم إذا لم يعلموا التوحيد ولم يعملوا به فلا يدعهم للصلاة، فإن الصلاة لا تنفع ولا غيرها بدون التوحيد، فإنه لا يستقيم بناء على غير أساس، ولا فرع على غير أصل، والأصل والأساس هو التوحيد، إن شهادة أن لا إله إلا الله هي الكلمة التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه، ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار، وفي شأنها تكون الشقاوة والسعادة وبها تؤخذ الكتب باليمين أو الشمال، وبها يثقل الميزان أو يخف، بها النجاة من النار بعد الورود، وبها أخذ الله الميثاق، وعليها الجزاء والمحاسبة، وعنها السؤال يوم التلاق.
فهذه الكلمة هي أعظم نعمة أنعم الله عز وجل بها على عباده أن هداهم إليها، ولهذا ذكرها في سورة النحل التي هي سورة النعم، فقدمها أولاً قبل كل نعمة فقال تعالى: ﴿ يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة، وهي أصل الدين وأساسه، ورأس أمره وساق شجرته وعمود فسطاطه، وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة عنها متشعبة منها مكملات لها.
وهذه الكلمة مقيدة بالتزام معناها والعمل بمقتضاها، فهي العروة الوثقى التي قال الله عز وجل:﴿ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ ﴾ قاله سعيد بن جبير والضحاك، وهي العهد الذي ذكر الله عز وجل إذ يقول: ﴿ لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً ﴾ قال ذلك عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: هو شهادة أن لا إله إلا الله، والبراءة من الحول والقوة إلا بالله، وأن لا يرجو إلا الله عز وجل، وهي الحسنى التي قال الله عز وجل: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ وهي كلمة الحق التي ذكر الله عز وجل إذ يقول تعالى: ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ قال ذلك البغوي، وهي كلمة التقوى التي ذكر الله عز وجل إذ يقول: ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ وهي القول الثابت الذي ذكره الله عز وجل إذ يقول تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ هي الكلمة الطيبة المضروبة مثلاً قبل ذلك إذ يقول تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ أصلها ثابت في قلب المؤمن، وفرعها العمل الصالح في السماء صاعدا إلى الله عز وجل، وهي الحسنة التي ذكر الله عز وجل إذ يقول: ﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ وقال تعالى: ﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾.
فحقيق بمن عرف فضل (لا إله إلا الله) أن يحرص على تعلم معناها والعمل به، وأن يهتم بذلك غاية الاهتمام ويعتني به غاية الاعتناء، وإنه لميسر على من يسره الله عليه موجود في كتب العلماء المحققين؛ كالإمام المجدد لمعالم الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- وذلك في كتابه: «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» و«والأصول الثلاثة» و«وكشف الشبهات» جزاه الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وكذلك «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» للشيخ العلامة المحقق عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله تعالى أجمعين-، وكذلك «معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول» للشيخ حافظ بن أحمد حكمي رحمه الله.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً متقبلاً، ورزقا طيباً إنه سميع الدعاء.
ثم اعلم أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله لها شروط سبعة، يجب أن يعمل بها المسلم في الباطن والظاهر، حتى يكون مؤمناً حقاً مستقيماً، وهذه الشروط هي:
الأول: العلم بمعناها نفياً وإثباتا لقوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ ولقوله: ﴿ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ ﴾ أي: بلا إله إلا الله ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.
الثاني: اليقين وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا، أي لم يشكوا، فأما المرتاب فهو من المنافقين.
الثالث: الإخلاص المنافي للشرك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾.
الرابع: الصدق المنافي للكذب، المانع من النفاق؛ لقوله تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ ﴾.
الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾.
السادس: الانقياد بحقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصا لله وطلبا لمرضاته؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾.
السابع: القبول المنافي للرد لقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴾.
إذا أردت أيها المسلم أن تأتي بلا إله إلا الله على أكمل الوجوه ينبغي لك أن تلاحظ فيها اثني عشر أمراً.
الأول: لفظها. الثاني: معناها. الثالث: حقها.
الرابع: حقيقتها. الخامس: حكمها. السادس: لازمها.
السابع: مقتضاها. الثامن: نواقضها. التاسع: متمماتها.
العاشر: فائدتها وثمرتها. الحادي عشر: فضلها. الثاني عشر: إعرابها.
وينبغي للذاكر بها في لفظها أن لا يمد ألف «لا» جداً، وأن يقطع الهمزة من «إله» ؛ إذ كثيراً ما يلحن القائل فيرددها «يا» كذلك يفصح الهمزة من «إلا» ويحفف لام «لا إله» لكسر ما قبلها، وأما لفظة الجلالة «الله» فلا يزيد فيها على مقدار المد الطبيعي، إذ كثير من المؤذنين يفرطون في مد لفظ الجلالة، ويزيدون في المد وهذا خطأ، ولا ينبغي أن يفعل هذا من يرجو ثواب ذلك من ربه تبارك وتعالى .
فضل لا إله إلا الله وشروطها وأثر العمل بها
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، ولا خالق غيره، ولا رب سواء المستحق لجميع أنواع العبادة.
ولذا قضى أن لا نعبد إلا إياه، ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وأن الله هو العلي الكبير.
أحمده تعالى على جزيل إنعامه وإفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، المرسل إلى الناس كافة بالملة الحنفية والهدى المنير، بعثه الله عز جل رحمة للعالمين والشرك مضطرمة ناره، طائر شراره مرتفع غباره لا مغير له ولا نكير.
فقام بتبليغ الرسالة حق القيام، وجاهد في الله حق جهاده؛ إعلاء لكلمة الله الملك العلام، حتى جاء الحق وزهق الباطل، وأدبر ليل الكفر والضلال، وانفجر فجر الإيمان والإسلام، ونشرت أعلام التوحيد، وعلا بنيانه وأشرقت أنواره، ونكست راية الشرك وانكسرت شوكته، وخمدت ناره ورمي بناؤه بالدمدمة والتكسير والتدمير، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه؛ أوعية العلم وأنصار الدين القيم، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: إن أول شيء بدأت به الرسل قومهم في الدعوة إلى الله هو التوحيد كما قال الله عز وجل عن نوح هو وصالح ولوط وشعيب وغيرهم، إن أول شيء بدأوا به قومهم ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ فهذه دعوة الرسل.
لذا فإن الواجب على المسلم أن يهتم بمعرفة التوحيد ومعرفة ما يضاده، فإنه يجب عليه معرفة أصل الدين إجمالا قبل الواجب من الفروع؛ لأنه لا تصح الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا الصدقة قبل الأصل، فلا بد من معرفة أصل الدين إجمالا، ثم معرفة فروعه تفصيلاً، كما في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة» الحديث.
وهذا يفيد أنهم إذا لم يعلموا التوحيد ولم يعملوا به فلا يدعهم للصلاة، فإن الصلاة لا تنفع ولا غيرها بدون التوحيد، فإنه لا يستقيم بناء على غير أساس، ولا فرع على غير أصل، والأصل والأساس هو التوحيد، إن شهادة أن لا إله إلا الله هي الكلمة التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه، ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار، وفي شأنها تكون الشقاوة والسعادة وبها تؤخذ الكتب باليمين أو الشمال، وبها يثقل الميزان أو يخف، بها النجاة من النار بعد الورود، وبها أخذ الله الميثاق، وعليها الجزاء والمحاسبة، وعنها السؤال يوم التلاق.
فهذه الكلمة هي أعظم نعمة أنعم الله عز وجل بها على عباده أن هداهم إليها، ولهذا ذكرها في سورة النحل التي هي سورة النعم، فقدمها أولاً قبل كل نعمة فقال تعالى: ﴿ يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة، وهي أصل الدين وأساسه، ورأس أمره وساق شجرته وعمود فسطاطه، وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة عنها متشعبة منها مكملات لها.
وهذه الكلمة مقيدة بالتزام معناها والعمل بمقتضاها، فهي العروة الوثقى التي قال الله عز وجل:﴿ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ ﴾ قاله سعيد بن جبير والضحاك، وهي العهد الذي ذكر الله عز وجل إذ يقول: ﴿ لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً ﴾ قال ذلك عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: هو شهادة أن لا إله إلا الله، والبراءة من الحول والقوة إلا بالله، وأن لا يرجو إلا الله عز وجل، وهي الحسنى التي قال الله عز وجل: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ وهي كلمة الحق التي ذكر الله عز وجل إذ يقول تعالى: ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ قال ذلك البغوي، وهي كلمة التقوى التي ذكر الله عز وجل إذ يقول: ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ وهي القول الثابت الذي ذكره الله عز وجل إذ يقول تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ هي الكلمة الطيبة المضروبة مثلاً قبل ذلك إذ يقول تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ أصلها ثابت في قلب المؤمن، وفرعها العمل الصالح في السماء صاعدا إلى الله عز وجل، وهي الحسنة التي ذكر الله عز وجل إذ يقول: ﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ وقال تعالى: ﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾.
فحقيق بمن عرف فضل (لا إله إلا الله) أن يحرص على تعلم معناها والعمل به، وأن يهتم بذلك غاية الاهتمام ويعتني به غاية الاعتناء، وإنه لميسر على من يسره الله عليه موجود في كتب العلماء المحققين؛ كالإمام المجدد لمعالم الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- وذلك في كتابه: «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» و«والأصول الثلاثة» و«وكشف الشبهات» جزاه الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وكذلك «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» للشيخ العلامة المحقق عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله تعالى أجمعين-، وكذلك «معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول» للشيخ حافظ بن أحمد حكمي رحمه الله.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً متقبلاً، ورزقا طيباً إنه سميع الدعاء.
ثم اعلم أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله لها شروط سبعة، يجب أن يعمل بها المسلم في الباطن والظاهر، حتى يكون مؤمناً حقاً مستقيماً، وهذه الشروط هي:
الأول: العلم بمعناها نفياً وإثباتا لقوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ ولقوله: ﴿ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ ﴾ أي: بلا إله إلا الله ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.
الثاني: اليقين وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا، أي لم يشكوا، فأما المرتاب فهو من المنافقين.
الثالث: الإخلاص المنافي للشرك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾.
الرابع: الصدق المنافي للكذب، المانع من النفاق؛ لقوله تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ ﴾.
الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾.
السادس: الانقياد بحقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصا لله وطلبا لمرضاته؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾.
السابع: القبول المنافي للرد لقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴾.
إذا أردت أيها المسلم أن تأتي بلا إله إلا الله على أكمل الوجوه ينبغي لك أن تلاحظ فيها اثني عشر أمراً.
الأول: لفظها. الثاني: معناها. الثالث: حقها.
الرابع: حقيقتها. الخامس: حكمها. السادس: لازمها.
السابع: مقتضاها. الثامن: نواقضها. التاسع: متمماتها.
العاشر: فائدتها وثمرتها. الحادي عشر: فضلها. الثاني عشر: إعرابها.
وينبغي للذاكر بها في لفظها أن لا يمد ألف «لا» جداً، وأن يقطع الهمزة من «إله» ؛ إذ كثيراً ما يلحن القائل فيرددها «يا» كذلك يفصح الهمزة من «إلا» ويحفف لام «لا إله» لكسر ما قبلها، وأما لفظة الجلالة «الله» فلا يزيد فيها على مقدار المد الطبيعي، إذ كثير من المؤذنين يفرطون في مد لفظ الجلالة، ويزيدون في المد وهذا خطأ، ولا ينبغي أن يفعل هذا من يرجو ثواب ذلك من ربه تبارك وتعالى .