المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بِنْتُ الشّاطِئِ ...قصّةٌ قصيرة



ربيع الأديب
2011-01-15, 04:38 PM
بِنْتُ الشّاطِئِ ...قصّةٌ قصيرة
بقلم / ربيع الأديب المغربي
جَاءَتْ تَمْشِي سَافِرةً مُتَبَرِّجَةً إلَى أَبِيهَا الّذِي يَجْلِسُ فِي زَاويَةٍ من زَوَايَا الْبيتِ يُدَخِّنُ سِجَارَتَهُ بِشَرَاهَةٍ ، ويُشَاهِدُ ما شَاءَ وشَاءَ لَهُ الْهَوَى قَنَواتٍ خَلِيعاتٍ وإذَاعاتٍ قَبِيحاتٍ ... هَذا الّذِي نَيَّفَ عَلَى السِّتينَ منْ عُمُرهِ ...ألقَتْ عليهِ تَحِيَةً أعْجَمِيةً قَدْ تَرَكَهَا الإسْتِعْمَارُ الفَرَنْسِي الغَاشِم لهَذِهِ البلادِ الْمُسْلِمَةِ – أقصِدُ المَغْرِبَ – ...ثُمَّ قَالَتْ بِنَبْرَةٍ تَدُلُّ عَلى ثِقَةٍ سَاذِجةٍ فِي نَفْسٍ تَقْطُرُ ضَياَعاً وتَشَرُّداً وخُواءً : يَا أَبَتِ أُرِيدُ الذَّهَابَ معَ صَديقَاتٍ لِي إلَى الشّاطِئِ شَاطِئِ البَحْرِ للإسْتِجْمامِ والإسْتِحْمَامِ والتبرّدِ ، وأنتَ خبِيرٌ أنَّ حَرَارَةَ الشَّمْسِ مُفْرِطَةٌ هَذِهِ الأيَام ..فَقَالَ بَعْدَما أطالَ النَّظَرَ فِي جَسَدِهاَ الذِي يَكَادُ أنْ يَخْرُجَ منْ وَراءِ الْمَلاَبِسِ الضّيقةِ الشّفَّافةِ : أَنتِ يَا ابنتِي تَذْهَبينَ كُلَّ يَومٍ تَقْريباً إلَى الشّاطِئِ وَبِدُونِ استِئْذَانٍ مِنِّي لِأنّكِ تَعْلَمِينَ عِلْمَ يَقِينٍ أنّهُ لاَ مُشْكِلَةَ لَديَ فِي ذَلِكَ !! فَمَا مَعْنا هذا الإذنُ يَا عَزِيزَتِي !!؟ فقَالت بِخُبْثٍ : أنَا أعْلَمُ ذَلِكَ وأعلمُ أيْضاً أنّكَ رجُلٌ منَ المُتَفَتِّحينَ الْمُتَحَضِّرين َ ..ولَكنْ أقْصِدُ أنَّ الّذَّهَابَ إلى هناكَ يَحْتَاجُ إلى بَعْضِ الْمصَاريفِ ..وطَأطَأتْ رأسَهَا حَياءً الْحَيَاءَ الْمَذْمُومَ ...فَقالَ بعدما تَبَسَّم ابتِسَامةً تدلُّ على أنَّ الرجُلَ قدْ رَضِيَ على ابنَتِه كُلَّ الرِّضَا : لاَ عَليْكِ يَا ابنَتِي إذْهَبِي وَخُذِي منَ مِحْفَظَتِي مَا يَكْفِيكِي وصَواحبكِ بالْمَعْرُوفِ !!
ثمَّ قَبّلَتْهُ قُبلَةً عَلَى خَدِّه قَدْ سُمِعَ رَنِينُهَا إلَى المَطْبَخِ الذِي تُوجَدُ فيهِ الأمُّ التي قالت باسْتِهْزَاءٍ : إِيَّاكِ أنْ تُفَوِّتِ عليكِ صَلاةَ الْعَصْرِ كما فَعَلْتِ فِي المَرّةِ الْفَائِتةِ ..فأجَابَتْها بِسُخْريةٍ مُتَنَاهيةٍ " إنَّ اللهَ غَفورٌ رحيمٌ " " ربنا ربُّ قُلُوبٍ " وَخَرَجْتْ تَجْرِي فَرحاً وطرباً بَعْدَماَ تَرَكَتْ جِلْبَابَ الْحَياءِ فِي زَاويَةٍ من زوايا الْبيتِ كمَا تَرَكَتْ أبَاهَا مُنْطَرحاً هُناكَ كمَا يَتْرُكُ السِّكِيرُ قَرُورَةَ خَمرٍ فَارِغَةٍ .......
وَبَعدُ :
أخِي الْقَارِئُ مَا أنتَ بالْحَالِمِ وَلاَ النّائِم وقدْ آنَ لَكَ أنْ تُصَدِّقَ عَيْنَيكَ فَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لاَ خَيَالٌ ..فِهي صورةٌ مُصَغّرةٌ لمُجْتَمَعٍ قَدْ ألِفَ نَاسُهُ الرّذيلةَ .... مُجْتَمَعٍ يَزْعُمُ أهْلُهُ أنّ إيمانَهم كإيمان جِبريل أو كإيمان العشرة المبشّرينَ بالجَنّة ...

صالح العوكلي
2011-01-15, 08:16 PM
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه
اشكر لك هذا الطرح المعبر
مودتي الخالصة

فواز أبوخالد
2011-01-16, 01:16 AM
أستاذ ربيع الأدب
قصة معبرة بأسلوب أدبي رااائع

تحيااااتي وتقديري لك .


.......

ربيع الأديب
2011-01-16, 07:29 PM
جزاكما الله خيرا وشكرا لكما

حذيفة بن فاروق
2011-01-25, 03:47 AM
بارك الله فيك وفي قلمك...
لكن لو غيرتَ العنوان!
ف"بنت الشاطئ" صار عَلَمًا على سَيِّدَةِ الأدباء وزينةِ البُلَغاء... رحمها الله رحمةً واسعة!

ربيع الأديب
2011-01-29, 12:59 AM
جزاك الله خيرا وبارك فيك

الطيب صياد
2011-03-26, 05:43 PM
قصة هادفة، بأسلوب عجيب
وفقك الله أيها الربيع المغربي - دمتَ ربيعًا على مغربنا بأنحائِــــهِ -

ربيع الأديب
2011-03-26, 07:39 PM
شكراً أخي الطّيب وبارك الله فيك
يُسعدني أن أجد إخواني المغاربة هنا ، دُمتَ موفّقاً

الطيب صياد
2011-03-26, 10:01 PM
شكراً أخي الطّيب وبارك الله فيك
يُسعدني أن أجد إخواني المغاربة هنا ، دُمتَ موفّقاً

أسعد الله أيامك - في الدنيا و الأخرى -
لكن أين كان هذا الخير؟
بل، أين كنتُ أنا؟!!

عودة الفرسان
2011-04-14, 03:05 AM
نصّ فخم باذخ

مناسب لهذا الفصل من السنة.. حيث تنسلخ الحيّات من جلد الشتاء .. ومثيلاتها من الأوادم عن لباس الحياء

ربيع الأديب
2011-04-14, 03:08 AM
نعم أخي الحبيب / وموازين حيثُ يُعصى الله على الأبواب / حسبنا الله ونعم الوكيل ...

تسنيم أم يوسف
2011-04-15, 11:56 AM
كلما نظرت إلى إحداهن
سقط لحم وجهي خجلا

اللهم اهدهن سواء السبيل
وثبتنا على الستر والعفاف
آمين

أحسن الله إليك يا ربيع الأدب

ربيع الأديب
2011-04-16, 01:05 PM
بارك الله فيكِ أختي تسنيم جزاك الله خيرا