المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمــة النعمان بن مقرن رضي الله عنه



أبو عبد الله بن الاسلام
2010-12-18, 10:42 AM
ترجمــة النعمان بن مقرن



رضي الله عنه



السلام عليكم،
قبل الشروع في سيرة هذا الصحابي الجليل أحببت أن أرفق صورتان كنموذج للقلاع التي كان يحاصرها المسلمون في بلاد فارس فهي خير شاهد على قوة إيمان الصحابة الذين دكوا الحصون على أصحابها بقليل عدد و عتاد و لكنها التقوى كما قال الله فففإن ينصركم الله فلا غالب لكمقققالايه 160 سورة ال عمران

نـسـبـــه

يكنى أبا عمرو وقيل‏:‏ يكنى أبا حكيم

وينسبونه النعمان بن مقرن بنعائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن حبيشة بن كعب بن عبد بن ثور بن هدمة بن لاطم بنعثمان وهو مزينة بن عمرو بن أد بن طابخة المزني كان صاحب لواء مزينة يوم الفتح‏. ثم سكن البصرة وتحول عنها إلى الكوفة‏.‏(1)‏

وللنعمان إخوة [هم] سويد أبو عدي وسنان ممن شهد الخندق ومعقل والد عبد الله المحدث وعقيل ابو حكيم وعبد الرحمن. (2)


إسـلامـــه

قال مصعب‏:‏ هاجر النعمان بن مقرن ومعه سبعة إخوة له أخبرناه سعيدبن نصر. (1)

وروي عن النعمان بن مقرن أنه قال‏:‏ قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة من مزينة‏.‏(1)

تقواه و إتباعه هدي النبي صلى الله عليه و سلم
النعمان بن مقرن أنه قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس صححه الترمذي. (2)

علمـــــه

قال أبو عمر‏:‏ روى عن النعمان بن مقرن من الصحابة معقل بن يساروطائفة من التابعين. (1)
يروي عنه ولده معاوية ومسلم بن هيصم وجماعة. (2)


فـضـــائلــــه

ورد على عمر اجتماع أهل أصبهان وهمذان والري وأذربيجان ونهاوند فأقلقه ذلك وشاور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال له علي بن أبي طالب‏:‏ ابعث إلى أهل الكوفة فيسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم علىذراريهم وابعث إلى أهل البصرة‏.‏قال‏: فمن استعمل عليهم أشر علي فقال‏:‏ أنت أفضلنا رأياً وأعلمنا فقال‏:‏ لأستعملن عليهم رجلاً يكون لها فخرج إلى المسجد فوجد النعمان بن مقرن يصلي فيه فسرحه وأمره وكتب إلى أهل الكوفة بذلك‏.‏(1)


قال‏:‏ عبد الله بن مسعود‏:‏ إن للإيمان بيوتاً وللنفاق بيوتاً وإن بيت بني مقرن من بيوت الايمان‏.‏(1)


وروي عن مجاهد قال البكاؤون بنو مقرن سبعة. (2)

في وقعة القادسية يروي ابن كثير:
وكان سعد قد بعث طائفة من أصحابه إلى كسرى يدعونه إلى الله قبل الوقعة،فاستأذنو ا على كسرى فأذن لهم، وخرج أهل البلد ينظرون إلى أشكالهم وأرديتهمعلى عواتقهم وسياطهم بأيديهم، والنعال في أرجلهم، وخيولهم الضعيفة، وخبطهاالأرض بأرجلها، وجعلوا يتعجبون منها غاية العجب، كيف مثل هؤلاء يقهرون جيوشهم مع كثرة عَدَدِها وعُدَدِها‏.‏
ولمااستأذنوا على الملك يزدجرد أذن لهم، وأجلسهم بين يديه، وكان متكبراً قليل الأدب، ثم جعل يسألهم عن ملابسهم هذه ما اسمها‏؟‏ عن الأردية، والنعال،والسياط ثم كلما قالوا شيئاً من ذلك تفاءل، فرد الله فأله على رأسه‏.‏
ثم قال لهم‏:‏ ما الذي أقدمكم هذه البلاد‏؟‏ أظننتم أنا لما تشاغلنا بأنفسنا اجترأتم علينا‏؟‏
فقالله النعمان بن مقرن‏:‏ إن الله رحمنا، فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخيرويأمرنا به، ويعرفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة‏.‏فلمي ع إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين‏:‏ فرقة تقاربه، وفرقة تباعده، ولايدخل معه في دينه إلا الخواص، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم أمر أني نهد إلى من خالفه من العرب، ويبدأ بهم ففعل، فدخلوا معه جميعاً علىوجهين‏:‏ مكروه عليه فاغتبط، وطائع إياه فازداد‏.‏فعرفن جميعاً فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق‏.‏وأمرن أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، فنحن ندعوكم إلى ديننا، وهو دين الإسلام، حسن الحسن وقبح القبيح كله‏.‏فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء، فإن أبيتم فالمناجزة‏.‏ وإنأجبتم إلى ديننا، خلفنا فيكم كتاب الله، وأقمنكم عليه على أن تحكموابأحكامه ونرجع عنكم، وشأنكم وبلادكم، وإن أتيتمونا بالجزية قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم‏.‏(3)

جهـــــاده

أول مشاهده الاحزاب وشهد بيعة الرضوان ونزل الكوفة ولي كسكر لعمر ثم صرفه وبعثه على المسلمين يوم وقعة نهاوند فكان يومئذ أول شهيد. (2)

وكان إليه لواء مزينة يوم الفتح. (2)


فتــح تستـــر

قال ابن جرير‏:‏ كان ذلك في هذه السنة في رواية سيف بن عمر التميمي‏.‏

وكان سبب ذلك‏:‏ أن يزدجرد كان يحرض أهل فارس في كل وقت، ويؤنبهم بملك العرب بلادهم وقصدهم إياهم في حصونهم، فكتب إلى أهل الأهواز وأهل فارس، فتحركواوتعاهدوا وتعاقدوا على حرب المسلمين، وأن يقصدوا البصرة‏.‏

وبلغ الخبر إلى عمر، فكتب إلى سعد - وهو بالكوفة -‏:‏ أن ابعث جيشاً كثيفاً إلى الأهواز مع النعمان بن مقرن وعجل وليكونوا بإزاء الهرمزان، وسمى رجالاً من الشجعان الأعيان الأمراء يكونون في هذا الجيش، منهم

‏:‏ جرير بن عبد الله البجلي، وجرير بن عبد الله الحِمْيَري، والنعمان بن مقرن، وسويد بن مقرن، وعبد الله بن ذي السهمين‏.‏

وكتب عمر إلى أبي موسى وهو بالبصرة‏:‏ أن ابعث إلى الأهواز جنداً كثيفاً، وأمرعليهم سهيل بن عدي، وليكن معه البراء بن مالك، وعاصم بن عمرو، ومجزأة بنثور، وكعب بن ثور، وعرفجة بن هرثمة، وحذيفة بن محصن، وعبد الرحمن بن سهل،والحصين بن معبد‏.‏

وليكن على أهل الكوفة، وأهل البصرة جميعاً أبو سبرة بن أبي رهم، وعلى كل من أتاه من المدد‏.‏

قالوا‏:‏فسار النعمان بن مقرن بجيش الكوفة، فسبق البصريين فانتهى إلى رامهرمز،وبها الهرمزان، فخرج إليه الهرمزان في جنده ونقض العهد بينه وبين المسلمين،فبادره طمعاً أن يقتطعه قبل مجيء أصحابه من أهل البصرة رجاء أن ينصر أهل فارس‏.‏

فالتقى معه النعمان بن مقرن بأربل فاقتتلا قتالاً شديداً، فهزم الهرمزان وفر إلى تستر، وترك رامهرمز فتسلمها النعمان عنوةً وأخذ ما فيها من الحواصل،والذخائ ر، والسلاح، والعدد‏.‏(3)


وقعــة نهـاونــد
وهي وقعة عظيمة جداً لها شأن رفيع، ونبأ عجيب، وكان المسلمون يسمونها فتح الفتوح‏.‏
والمقصود‏:‏ أن أهل فارس اجتمعوا من كل فج عميق بأرض نهاوند‏.‏
حتى اجتمع منهم مائة ألف وخمسون ألف مقاتل، وعليهم الفيرزان، ويقال‏:‏ بندار، ويقال‏:‏ ذو الحاجب‏.‏
وتذامروافيما بينهم، وقالوا‏:‏ إن محمداً الذي جاء العرب لم يتعرض لبلادنا، ولا أبو بكر الذي قام بعده تعرض لنا في دار ملكنا، وإن عمر بن الخطاب هذا لماطال ملكه انتهك حرمتنا وأخذ بلادنا، ولم يكفه ذلك حتى أغزانا في عقر دارنا،وأخذ بيت المملكة، وليس بمنته حتى يخرجكم من بلادكم‏.‏
فتعاهدوا وتعاقدوا على أن يقصدوا البصرة والكوفة ثم يشغلوا عمر عن بلاده، وتواثقوا من أنفسهم وكتبوا بذلك عليهم كتاباً‏.‏
فلماكتب سعد بذلك إلى عمر - وكان قد عزل سعداً في غضون ذلك - شافه سعد عمر بما تمالؤا عليه وتصدوا إليه، وأنه قد اجتمع منهم مائة وخمسون ألفاً‏.‏
وجاء كتاب عبد الله بن عبد الله بن عتبان من الكوفة إلى عمر مع قريب بن ظفرالعبدي‏:‏ بأنهم قد اجتمعوا وهم منحرفون متذامرون على الإسلام وأهله، وأنالمصلحة يا أمير المؤمنين أن نقصدهم فنعالجهم عما هموا به وعزموا عليه منالمسير إلى بلادنا‏.‏
فقال عمر لحامل الكتاب‏:‏ ما اسمك‏؟‏
قال‏:‏ قريب‏.‏
قال‏:‏ ابن من‏؟‏
قال‏:‏ ابن ظفر‏.‏
فتفاءلعمر بذلك، وقال‏:‏ ظفر قريب، ثم أمر فنودي للصلاة جامعة، فاجتمع الناس،وكان أول من دخل المسجد لذلك سعد بن أبي وقاص فتفاءل عمر أيضاً بسعد، فصعدعمر المنبر حتى اجتمع الناس فقال‏:‏ إن هذا يوم له ما بعده من الأيام، ألاوإني قد هممت بأمر فاسمعوا وأجيبوا وأوجزوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبريحكم، إني قد رأيت أن أسير بمن قبلي حتى أنزل منزلاً وسطاً بين هذين المصرين فاستنفر الناس، ثم أكون لهم ردءاً، حتى يفتح الله عليهم‏.‏
فقام عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي،فتكلم كل منهم بانفراده، فأحسن وأجاد، واتفق رأيهم‏:‏ على أن لا يسير من المدينة، ولكن يبعث البعوث ويحصرهم برأيه ودعائه‏.‏
وكان من كلام علي رضي الله عنه أن قال‏:‏ يا أمير المؤمنين، إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، هو دينه الذي أظهر، وجنده الذي أعزه وأمده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعود من الله، والله منجز وعده،وناصر جنده، ومكانك منهم يا أمير المؤمنين مكان النظام من الخرز يجمعه ويمسكه، فإذا انحل تفرق ما فيه وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً‏.‏
والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً، فهم كثير عزيز بالإسلام، فأقم مكانك واكتب إلى أهل الكوفة، فهم أعلام العرب ورؤساؤهم، فليذهب منهم الثلثان ويقيم الثلث،واكتب إلى أهل البصرة يمدونهم أيضاً‏.‏ - وكان عثمان قد أشار في كلامه أن يمدهم في جيوش من أهل اليمن والشام‏.‏ ووافق عمر على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة - فرد علي على عثمان في موافقته على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة كما تقدم‏.‏
ورد رأي عثمان فيم أشار به من استمداد أهل الشام خوفاً على بلادهم إذا قل جيوشها من الروم‏.‏
ومن أهل اليمن خوفاً على بلادهم من الحبشة‏.‏
فأعجب عمر قول علي وسرَّ به - وكان عمر إذا استشار أحداً لا يبرم أمراً حتى يشاور العباس - فلما أعجبه كلام الصحابة في هذا المقام عرضه على العباس،فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، خفض عليك، فإنما اجتمع هؤلاء الفرس لنقمة تنزل عليهم‏.‏
ثم قال عمر‏:‏ أشيروا علي بمن أوليه أمر الحرب وليكن عراقياً‏.‏
فقالوا‏:‏ أنت أبصر بجندك يا أمير المؤمنين‏.‏
فقال‏:‏ ما والله لأولين رجلاً يكون أول الأسنة إذا لقيها غداً‏.‏
قالوا‏:‏ من يا أمير المؤمنين‏؟‏
قال‏:‏ النعمان بن مقرن‏.‏
فقالوا‏:‏هو لها - وكان النعمان قد كتب إلى عمر وهو على كسكر وسأله أن يعزله عنهاويوليه قتال أهل نهاوند - فلهذا أجابه إلى ذلك وعينه له‏.‏
ثمكتب عمر إلى حذيفة‏:‏ أن يسير من الكوفة بجنود منها، وكتب إلى أبي موسى‏:‏أن يسير بجنود البصرة، وكتب إلى النعمان - وكان بالبصرة - أن يسير بمن هناك من الجنود إلى نهاوند، وإذا اجتمع الناس فكل أمير على جيشه، والأميرعلى الناس كلهم النعمان بن مقرن‏.‏
فإذاقتل فحذيفة بن اليمان، فإن قتل فجرير بن عبد الله، فإن قتل فقيس بن مكشوح،فإن قتل قيس، ففلان ثم فلان، حتى عد سبعة أحدهم المغيرة بن شعبة، وقيل‏:‏لم يسم فيهم‏.‏ والله أعلم‏.‏
وصورةالكتاب‏: ‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين، إلى النعمان بن مقرن، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أمابعد‏:‏ فإنه قد بلغني أن جموعاً من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لكم بمدينةنهاوند، فإذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبعون الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين، ولا توطئهم وعراً فتؤذيهم، ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم، ولاتدخلهم غيضةً، فإن رجلاً من المسلمين أحب إليَّ من مائة ألف دينار، والسلام عليك‏.‏فسرفي وجهك ذلك حتى تأتي ماه فإني قد كتبت إلى أهل الكوفة أن يوافوك بها،فإذا اجتمع إليك جنودك فسر إلى الفيرزان ومن جمع معه من الأعاجم من أهلفارس وغيرهم، واستنصروا وأكثروا من لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
وكتب عمر إلى نائب الكوفة - عبد الله بن عبد الله - أن يعين جيشاً، ويبعثهم إلى نهاوند، وليكن الأمير عليهم حذيفة بن اليمان، حتى ينتهي إلى النعمان بن مقرن، فإن قتل النعمان فحذيفة، فإن قتل فنعيم بن مقرن‏.‏
وولى السائب بن الأقرع قسم الغنائم‏.‏
فسارحذيفة في جيش كثيف نحو النعمان بن مقرن ليوافوه بماه، وسار مع حذيفة خلق كثير من أمراء العراق، وقد أرصد في كل كورة ما يكفيها من المقاتلة، وجعل الحرس في كل ناحية، واحتاطوا احتياطاً عظيماً، ثم انتهوا إلى النعمان بن مقرن حيث اتعدوا، فدفع حذيفة بن اليمان إلى النعمان كتاب عمر وفيه الأمر لهبما يعتمده في هذه الوقعة، فكل جيش المسلمين في ثلاثين ألفاً من المقاتلة فيما رواه سيف عن الشعبي، فمنهم‏:‏ من سادات الصحابة ورءوس العرب خلق كثيروجم غفير‏.‏
منهم‏:‏ عبد الله بن عمر أمير المؤمنين، وجرير بن عبد الله البجلي، وحذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وطليحة بن خويلدالأسدي، وقيس بن مكشوح المرادي‏.‏
فسار الناس نحو نهاوند وبعث النعمان بن مقرن الأمير بين يديه طليعة ثلاثة‏:‏
وهم‏:‏ طليحة، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وعمرو بن أبي سلمة‏.‏
ويقال له‏:‏ عمرو بني ثبى أيضاً، ليكشفوا له خبر القوم وما هم عليه‏.‏
فسارت الطليعة يوماً وليلة فرجع عمرو بن ثبى فقيل له‏:‏ ما رجعك‏؟‏
فقال‏:‏ كنت في أرض العجم، وقتلت أرض جاهلها، وقتل أرض عالمها‏.‏
ثم رجع بعده عمرو بن معدي كرب وقال‏:‏ لم نر أحداً وخفت أن يؤخذ علينا الطريق، ونفذ طليحة ولم يحفل برجوعهما فسار بعد ذلك نحواً من بضعة عشرفرسخاً حتى انتهى إلى نهاوند، ودخل في العجم وعلم من أخبارهم ما أحب، ثم رجع إلى النعمان فأخبره بذلك، وأنه ليس بينه وبين نهاوند شيء يكرهه‏.‏
فسارالنعمان على تعبئته، وعلى المقدمة نعيم بن مقرن، وعلى المجنبتين حذيفة و سويد بن مقرن، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو، وعلى الساقة مجاشع بن مسعود،حتى انتهوا إلى الفرس وعليهم الفيرزان، ومعه من الجيش كل من غاب عن القادسية في تلك الأيام المتقدمة، وهو في مائة وخمسين ألفاً، فلما تراءى الجمعان كبر النعمان وكبرالمسلمون ثلاث تكبيرات، فزلزلت الأعاجم ورعبوا منذلك رعباً شديداً‏.‏
ثم أمر النعمان بحط الأثقال وهو واقف، فحط الناس أثقالهم، وتركوا رحالهم، وضربوا خيامهم وقبابهم‏.‏
وضربت خيمة للنعمان عظيمة، وكان الذين ضربوا أربعة عشر من أشراف الجيش، وهم‏:‏حذيفة بن اليمان، وعتبة بن عمرو، والمغيرة بن شعبة، وبشير بن الخصاصية،وحنظلة الكاتب، وابن الهوبر، وربعي بن عامر، وعامر بن مطر، وجرير بن عبدالله الحميري، وجرير بن عبد الله البجلي، والأقرع بن عبد الله الحميري،والأشعث بن قيس الكندي، وسعيد بن قيس الهمداني، ووائل بن حجر، فلم ير بالعراق خيمة عظيمة أعظم من بناء هذا الخيمة‏.‏
وحين حطوا الأثقال، أمر النعمان بالقتال، وكان يوم الأربعاء، فاقتتلوا ذلك اليوم والذي بعده والحرب سجال، فلما كان يوم الجمعة انحجزوا في حصنهم،وحاصرهم المسلمون فأقاموا عليهم ما شاء الله، والأعاجم يخرجون إذا أرادواويرجعون إلى حصونهم إذا أرادوا‏.‏
وقدبعث أمير الفرس يطلب رجلاً من المسلمين ليكلمه، فذهب إليه المغيرة بن شعبة فذكر من عظم ما رأى عليه من لبسه ومجلسه، وفيما خاطبه به من الكلام في احتقار العرب واستهانته بهم، وأنهم كانوا أطول الناس جوعاً، وأقلهم داراًوقدراً‏.‏
وقال‏:‏ ما يمنع هؤلاء الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب إلا مجاً من جيفكم، فإن تذهبوا نخل عنكم، وإن تأبوا نزركم مصارعكم‏.‏
قال‏:‏فتشهدت، وحمدت الله وقلت‏:‏ لقد كنا أسوأ حالاً مما ذكرت، حتى بعث اللهرسوله فوعدنا النصر في الدنيا، والخير في الآخرة، وما زلنا نتعرف من ربنا النصر منذ بعث الله رسوله إلينا، وقد جئناكم في بلادكم وإنا لن نرجع إلى ذلك الشقاء أبداً حتى نغلبكم على بلادكم وما في أيديكم أونقتل بأرضكم‏.‏
فقال‏:‏ أما والله إن الأعور لقد صدقكم ما في نفسه‏.‏
فلما طال على المسلمين هذا الحال واستمر، جمع النعمان بن مقرن أهل الرأي من الجيش، وتشاوروا في ذلك وكيف يكون من أمرهم، حتى يتواجهوا هم والمشركون في صعيد واحد، فتكلم عمرو بن أبي سلمة أولاً - وهو أسن من كان هناك - فقال‏:‏إن بقاءهم على ما هم عليه أضر عليهم من الذي يطلبه منهم وأبقى على المسلمين‏.‏
فرد الجميع عليه وقالوا‏:‏ إنا لعلى يقين من إظهار ديننا، وإنجاز موعود الله لنا‏.‏
وتكلم عمرو بن معدي كرب، فقال‏:‏ ناهدهم وكاثرهم ولا تخفهم‏.‏
فردوا جميعاً عليه، وقالوا‏:‏ إنما تناطح بنا الجدران، والجدران أعوان لهم علينا‏.‏
وتكلم طليحة الأسدي، فقال‏:‏ إنهما لم يصيبا، وإني أرى أن تبعث سرية فتحدق بهم و يناوشوهم بالقتال ويحمشوهم، فإذا برزوا إليهم فليفروا إلينا هراباً فإذااستطردوا وراءهم وانتموا إلينا عزمنا أيضاً على الفرار كلنا، فإنهم حينئذ لا يشكون في الهزيمة فيخرجون من حصونهم عن بكرة أبيهم، فإذا تكامل خروجهم رجعنا إليهم فجالدناهم حتى يقضي الله بيننا‏.‏
فاستجاد الناس هذا الرأي، وأمر النعمان على المجردة القعقاع بن عمرو، وأمرهم أن يذهبوا إلى البلد فيحاصروهم وحدهم ويهربوا بين أيديهم إذا برزوا إليهم‏.‏
ففعل القعقاع ذلك، فلما برزوا من حصونهم نكص القعقاع بمن معه ثم نكص، ثم نكص،فاغتنمها الأعاجم ففعلوا ما ظن طليحة، وقالوا‏:‏ هي هي، فخرجوا بأجمعهم،ولم يبق بالبلد من المقاتلة إلا من يحفظ لهم الأبواب حتى انتهوا إلى الجيش،والنعمان بن مقرن على تعبئته، وذلك في صدر نهار جمعة، فعزم الناس على مصادمتهم فنهاهم النعمان وأمرهم أن لا يقاتلوا حتى تزول الشمس، وتهبالأرواح، وينزل النصر كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل‏.‏
وألح الناس على النعمان في الحملة فلم يفعل - وكان رجلاً ثابتاً - فلما حان الزوال صلى بالمسلمين، ثم ركب برذوناً له أحوى قريباً من الأرض، فجعل يقف على كل راية ويحثهم على الصبر ويأمرهم بالثبات، ويقدم إلى المسلمين أنه يكبر الأولى فيتأهب الناس للحملة، ويكبر الثانية فلا يبقى لأحد أهبة، ثم الثالثة ومعها الحملة الصادقة‏.‏
ثم رجع إلى موقفه‏.‏ وتعبئت الفرس تعبئة عظيمة واصطفوا صفوفاً هائلة فيعَدَدٍ وعُدَدٍ لم ير مثله، وقد تغلغل كثير منهم بعضهم في بعض وألقوا حسك الحديد وراء ظهورهم حتى لا يمكنهم الهرب ولا الفرار، ولا التحيز‏.‏
ثم إن النعمان بن مقرن رضي الله عنه كبر الأولى وهز الراية فتأهب الناس للحملة، ثم كبر الثانية وهز الراية فتأهبوا أيضاً، ثم كبر الثالثة وحمل وحمل الناس على المشركين،وجعلت راية النعمان تنقض على الفرس كانقضاض العقاب على الفريسة، حتى تصافحوا بالسيوف فاقتتلوا قتالاً لم يعهد مثله في موقف من المواقف المتقدمة، ولا سمع السامعون بوقعة مثلها، قتل من المشركين ما بين الزوال إلى الظلام من القتلى ما طبق وجه الأرض دماً، بحيث أن الدواب كانت تطبع فيه، حتى قيل‏:‏ أن الأمير النعمان بن مقرن زلق به حصانه في ذلك الدم فوقع وجاءه سهم في خاصرته فقتله، ولم يشعر به أحد سوى أخيه سويد،وقيل‏:‏ نعيم، وقيل‏:‏ غطاه بثوبه وأخفى موته ودفع الراية إلى حذيفة بن اليمان، فأقام حذيفة أخاه نعيماً مكانه، وأمر بكتم موته حتى ينفصل الحال لئلا ينهزم الناس‏.‏
فلماأظلم الليل انهزم المشركون مدبرين، وتبعهم المسلمون، وكان الكفار قد قرنوا منهم ثلاثين ألفاً بالسلاسل وحفروا حولهم خندقاً، فلما انهزموا وقعوا في الخندق، وفي تلك الأودية نحو مائة ألف وجعلوا يتساقطون في أودية بلادهم فهلك منهم بشر كثير نحو مائة ألف أو يزيدون، سوى من قتل في المعركة، ولم يفلت منهم إلا الشريد‏.‏
وكان الفيرزان أميرهم قد صرع في المعركة، فانفلت وانهزم واتبعه نعيم بن مقرن،وقدم القعقاع بين يديه وقصد الفيرزان همدان، فلحقه القعقاع وأدركه عند ثنية همدان، وقد أقبل منها بغال كثير، وحمر تحمل عسلاً فلم يستطع الفيرزان صعودها منهم، وذلك لحينه فترجل وتعلق في الجبل فاتبعه القعقاع حتى قتله‏.‏
وقال المسلمون يومئذ‏:‏ إن لله جنوداً من عسل، ثم غنموا ذلك العسل وما خالطه من الأحمال، وسميت تلك الثنية‏:‏ ثنية العسل‏.‏
ثم لحق القعقاع بقية المنهزمين منهم إلى همدان وحاصرها وحوى ما حولها، فنزل إليه صاحبها - وهو خسرشنوم - فصالحه عليها‏.‏
ثم رجع القعقاع إلى حذيفة ومن معه من المسلمين، وقد دخلوا بعد الوقعة نهاوند عنوة، وقد جمعوا الأسلاب والمغانم إلى صاحب الأقباض وهو‏:‏ السائب بن الأقرع‏.‏
ولما سمع أهل ماه بخبر أهل همدان بعثوا إلى حذيفة وأخذوا لهم منه الأمان‏.‏
وجاءرجل يقال له‏:‏ الهرند - وهو صاحب نارهم - فسأل من حذيفة الأمان ويدفع إليهم وديعة عنده لكسرى، ادخرها لنوائب الزمان، فأمنه حذيفة وجاء ذلك الرجل بسفطين مملوءتين جوهراً ثميناً لا يقوم، غير أن المسلمين لم يعبأوا به‏.‏
واتفق رأيهم على بعثه لعمر خاصة، وأرسلوه صحبة الأخماس السائب بن الأرقع، وأرسل قبله بالفتح مع طريف بن سهم، ثم قسم حذيفة بقية الغنيمة في الغانمين، ورضخ ونفل لذوي النجدات، وقسم لمن كان قد أرصد من الجيوش لحفظ ظهور المسلمين منورائهم، ومن كان رداءاً لهم، ومنسوباً إليهم‏.‏
وأما أمير المؤمنين فإنه كان يدعو الله ليلاً ونهاراً، لهم دعاء الحوامل المقربات، وابتهال ذوي الضرورات، وقد استبطأ الخبر عنهم فبينا رجل من المسلمين ظاهر المدينة إذا هو براكب فسأله‏:‏ من أين أقبل ‏؟‏‏.‏
فقال‏:‏ من نهاوند‏.‏
فقال‏:‏ ما فعل الناس ‏؟‏‏.‏
قال‏:‏ فتح الله عليهم وقتل الأمير، وغنم المسلمون غنيمةً عظيمةً أصاب الفارس ستة آلاف، والراجل ألفان‏.‏
ثم فاته وقدم ذلك الرجل المدينة فأخبره الناس وشاع الخبر حتى بلغ أمير المؤمنين، فطلبه فسأله عمن أخبره
فقال‏:‏ راكب‏.‏
فقال‏:‏ إنه لم يجئني، وإنما هو رجل من الجن بريدهم، واسمه‏:‏ عثيم‏.‏
ثم قدم طريف بالفتح بعد ذلك بأيام، وليس معه سوى الفتح، فسأله عمن قتل النعمان فلم يكن معه علم حتى قدم الذين معهم الأخماس فأخبروا بالأمر على جليته، فإذا ذلك الجني قد شهد الوقعة، ورجع سريعاً إلى قومه نذيراً‏.‏
ولما أخبر عمر بمقتل النعمان بكى، وسأل السائب عمن قتل من المسلمين، فقال‏:‏ فلان، وفلان، وفلان لأعيان الناس وأشرافهم‏.‏
ثمقال‏:‏ وآخرون من أفناد الناس ممن لا يعرفهم أمير المؤمنين، فجعل يبكي ويقول‏:‏ وما ضرهم أن لا يعرفهم أمير المؤمنين‏؟‏ لكن الله يعرفهم وقدأكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر‏.‏(3)

وفاتــــــه
عن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصفهان وفارس وأذربيجان فقال أصبهان الرأس وفارس وأذربيجان الجناحان فإذا قطعت جناحاً فاء الرأس وجناح وإن قطعت الرأس وقع الجناحان فقال عمر للنعمان بن مقرن إني مستعملك فقال: أما جابيا فلا وأما غازيا فنعم قال فإنك غاز فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة ليمدوه وفيهم حذيفة والزبير والمغيرة والاشعث وعمرو بن معدي كرب فذكر الحديث بطوله وهو في ( مستدرك الحاكم( وفيه فقال اللهم ارزق النعمان الشهادة بنصر المسلمين وافتح عليهم فأمنوا وهز لواءه ثلاثا ثم حمل فكان أول صريع رضي الله عنه ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء فانشق بطنه وفتح الله ثم أتيت النعمان وبه رمق فأتيته بماء فصببت على وجهه أغسل التراب فقال من ذا قلت معقل قال ما فعل الناس قلت فتح الله فقال: الحمد لله اكتبوا إلى عمر بذلك وفاضت نفسه رضي الله عنه. (2)

وكانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين وكان قتل النعمان بن مقرن يوم جمعة ولما جاء نعيه عمر بن الخطاب خرج فنعاه إلى الناس على المنبر ووضع يده على رأسه يبكي‏.‏(1)


طرف من أحاديث رواها النعمان
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر رجلا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا فقال اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولاتقتلوا وليدا وإذا أنت لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خلال أوخصال فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإنأجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دارالمهاجرين وأخبرهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين وإن أبوا فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام فسلهم إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم وإنحاصرت حصنا فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيك فلا تجعل لهم ذمة اللهولا ذمة نبيك ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفرواذمتكم وذمة آبائكم أهون عليكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإن حاصرت حصنا فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا قال علقمة فحدثت به مقاتل بن حيان فقال حدثني مسلم بن هيضم عن النعمان بن مقرن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك
الراوي: بريدة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2325
خلاصة حكم المحدث: صحيح

عن النعمان بن مقرن، قال : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فكان إذا لم يقاتل أول النهار ؛ انتظر حتى تزول الشمس ، وتهب الرياح ، وينزل النصر .
الراوي: النعمان بن مقرن المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 3856
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح

المراجع:
الاستيعاب في معرفة الأصحاب
سير أعلام النبلاء
البداية و النهاية
موقع الدرر السنية - موسوعة الأحاديث