مشاهدة النسخة كاملة : علم الغيب بين برهان الرحمن وإملاء الشيطان
العلمي أمل
2010-12-09, 01:13 PM
علم الغيب بين برهان الرحمن وإملاء الشيطان
إعداد الدكتور أمل العلمي
مدخل
أيها الإخوة الأفاضل جُمِعَ لي في هذا الموضوع الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تكشف لنا حقيقة الغيب وأن علمه عند الله... وبعد تجميع نصوص الآيات القرآنية على الخصوص، يبدو للمتفحص على كثرتها أنها تؤكد على تفرد الله سبحانه وتعالى بعلم الغيب بصفة عامة، فلا يعلم الغيب إلا الله، ثم يأتي مفهوم الغيب الذي أطلع عليه الخالق عز وجل من ارتضى من رسول، أو خص به سبحانه أحداً من أنبيائه عليهم السلام... وللسائل أن يتساءل "هل عند أحد آخر من المخاليق علم الغيب يستأثر به ويتبجح به ويوهم العوام، الهوام، ويمنيهم... فيصدقونه... ويهول على من أنكر عليهم ؟ ... ومسألة رابعة تفرض نفسها، وهي اعتقاد العوام في سلطة الجن... فهل للجن سلطة ويعلمون الغيب كذلك مثل إدعاء المتصوفة... وأخيراً أخص بالذكر المناكيد من المتصوفة التيجانيين الذين يفترون الكذب على خالقهم وعلى نبيهم وعلى شيخهم وهو براء مما ينسبوه إليه... ولا ألقي بهذا الكلام جُزافاً (ولهذا الأمر البالغ الأهمية مباحث أخرى إن شاء الله)... أقترح عليكم إذاً تلك المسائل الخمسة في خمس حلقات، تتناول تِباعاً كل منها ما يلي:
الحلقة الأولى: لا يعلم الغيب إلا الله
الحلقة الثانية: ولا يطلع عليه إلا من ارتضى من رسول
الحلقة الثالثة: أعند أحد آخر من المخاليق علم الغيب يتبجح به ؟
الحلقة الرابعة: هل يعلم الجن الغيب ؟
الحلقة الخامسة: وماذا عند المتصوفة التيجانيين ؟
ترقبوا على هذه الصفحة حلقات البرنامج... وبالله التوفيق...
العلمي أمل
2010-12-09, 04:03 PM
الحلقة الأولى
لا يعلم الغيب إلا الله:
قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ هود: ١٢٣
في تفسير ابن كثير: قوله تعالى: ﴿وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾. يخبر تعالى أنه عالم غيب السموات والأرض، وأنه إليه المرجع والمآب، وسيؤتي كل عامل عمله يوم الحساب، فله الخلق والأمر، فأمر تعالى بعبادته والتوكل عليه، فإنه كاف من توكل عليه، وأناب إليه، وقوله: { وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي: ليس يخفى عليه ما عليه مكذبوك يا محمد بل هو عليم بأحوالهم، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء في الدنيا والآخرة، وسينصرك وحزبك عليهم في الدارين،[1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)
قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ النحل: ٧٧
عند ابن كثير في التفسير[2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2): يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السموات والأرض، واختصاصه بعلم الغيب، فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء، وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع، وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، كما قال:﴿وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ﴾ ]القمر: 50[ أي: فيكون ما يريد كطرف العين، وهكذا قال ههنا: { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } كما قال:﴿مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَٰحِدَةٍ﴾
قال تعالى: ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ الأنعام: ٥٩
في تفسير ابن كثير: وقوله تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ ﴾ قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ "﴾]لقمان:34[ وفي حديث عمر: أن جبريل حين تبدى له في صورة أعرابي، فسأل عن الإيمان والإسلام والإحسان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فيما قاله له: " خمس لا يعلمهن إلا الله " ثم قرأ:﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ﴾]لقمان:34[الآية. وقوله: { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } أي: يحيط علمه الكريم بجميع الموجودات؛ بريها وبحريها، لا يخفى عليه من ذلك شيء، ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وما أحسن ما قال الصرصري:
فَلا يَخْفى عليه الذَّرُّ إِمَّا
تراءى لِلنَّواظِرِ أَوْ تَوارى
وقوله: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا﴾ أي: ويعلم الحركات حتى من الجمادات، فما ظنك بالحيوانات، ولا سيما المكلفون منهم؛ من جنهم وإنسهم؟ كما قال تعالى:﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ﴾ ]غافر:19[وقال ابن أبي حاتم، حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن سعيد ابن مسروق، حدثنا حسان النمري، عن ابن عباس، في قوله: ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ﴾ قال: ما من شجرة في بر ولا بحر، إلا وملك موكل بها، يكتب ما يسقط منها، رواه ابن أبي حاتم، وقوله: ﴿ وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ ﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله ابن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري، حدثنا مالك بن سعير، حدثنا الأعمش، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة، إلا وعليها ملك موكل، يأتي الله بعلمها، رطوبتها إذا رطبت، ويبوستها إذا يبست، وكذا رواه ابن جرير عن أبي الخطاب زياد ابن عبد الله الحساني، عن مالك بن سعير به. ثم قال ابن أبي حاتم: ذكر عن أبي حذيفة، حدثنا سفيان عن عمرو بن قيس، عن رجل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: خلق الله النون، وهي الدواة، وخلق الألواح، فكتب فيها أمر الدنيا حتى ينقضي ما كان من خلق مخلوق، أو رزق حلال أو حرام، أو عمل بر أو فجور، وقرأ هذه الآية: { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } إلى آخر الآية، قال محمد بن إسحاق: عن يحيى بن النضر، عن أبيه، سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: إن تحت الأرض الثالثة وفوق الرابعة من الجن، ما لو أنهم ظهروا، يعني: لكم، لم تروا معهم نوراً، على كل زاوية من زوايا الأرض خاتم من خواتيم الله عز وجل، على كل خاتم ملك من الملائكة، يبعث الله عز وجل إليه في كل يوم ملكاً من عنده أن: احتفظ بما عندك..[3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)
قال تعالى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾ الكهف: ٢٦
أخرج الحافظ ابن كثير في تفسيره: هذا خبر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، منذ أرقدهم، إلى أن بعثهم الله وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان، وأنه كان مقداره ثلاثمائة سنة تزيد تسع سنين بالهلالية، وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين، فلهذا قال بعد الثلاثمائة: { وازدادوا تسعاً }. وقوله: { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } أي: إذا سئلت عن لبثهم، وليس عندك علم في ذلك، وتوقيف من الله تعالى، فلا تتقدم فيه بشيء، بل قل في مثل هذا: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: لا يعلم ذلك إلا هو، ومن أطلعه عليه من خلقه، وهذا الذي قلناه عليه غير واحد من علماء التفسير؛ كمجاهد وغير واحد من السلف والخلف.
وقال قتادة في قوله: { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ } الآية، هذا قول أهل الكتاب، وقد ردّه الله تعالى بقوله: { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } قال: وفي قراءة عبد الله: وقالوا ولبثوا، يعني: أنه قاله الناس، وهكذا قال قتادة ومطرف ابن عبد الله، وفي هذا الذي زعمه قتادة نظر، فإن الذي بأيدي أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة، من غير تسع، يعنون بالشمسية، ولو كان الله قد حكى قولهم، لما قال: وازدادوا تسعاً، والظاهر من الآية إنما هو إخبار من الله، لا حكاية عنهم، وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله، ورواية قتادة قراءة ابن مسعود منقطعة، ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور، فلا يحتج بها، والله أعلم.
وقوله: { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } أي: إنه لبصير بهم، سميع لهم، قال ابن جرير: وذلك في معنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه، وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكل موجود وأسمعه لكل مسموع لا يخفى عليه من ذلك شيء. ثم روي عن قتادة في قوله: { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } فلا أحد أبصر من الله، ولا أسمع. وقال ابن زيد: { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعاً بصيراً. وقوله: { مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } أي إنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر، الذي لا معقب لحكمه، وليس له وزير ولا نصير، ولا شريك ولا مشير، تعالى وتقدس.[4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)
قال تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴾ يونس: ٢٠
في تفسير الآية عند ابن كثير: أي: يقول هؤلاء الكفرة المكذبون المعاندون: لولا أنزل على محمد آية من ربه، يعنون: كما أعطى الله ثمود الناقة، أو أن يحول لهم الصفا ذهباً، أو يزيح عنهم جبال مكة، ويجعل مكانها بساتين وأنهاراً، أو نحو ذلك مما الله عليه قادر، ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله؛ كما قال تعالى:﴿ تَبَارَكَ ٱلَّذِىۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً﴾ ]الفرقان:10-11[ وكقوله: { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلأَيَـٰتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } الآية، يقول تعالى: إِن سنتي في خلقي أني إِذا آتيتهم ما سألوا، فإن آمنوا وإِلا عاجلتهم بالعقوبة. ولهذا لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين إعطائهم ما سألوا فإن آمنوا وإِلا عذبوا، وبين إِنظارهم، اختار إِنظارهم، كما حلم عنهم غير مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى إِرشاداً لنبيه صلى الله عليه وسلم إِلى الجواب عما سألوا: { فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } أي: الأمر كله لله، وهو يعلم العواقب في الأمور. ﴿فَٱنتَظِرُوۤ ْ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِي نَ ﴾ أي: إِن كنتم لا تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم، فانتظروا حكم الله فيَّ وفيكم. هذا مع أنهم قد شاهدوا من آياته صلى الله عليه وسلم أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إِلى القمر ليلة إِبداره، فانشق اثنتين: فرقة من وراء الجبل، وفرقة من دونه. وهذا أعظم من سائر الآيات الأرضية مما سألوا وما لم يسألوا، ولو علم الله منهم أنهم سألوا ذلك استرشاداً وتثبيتاً، لأجابهم، ولكن علم أنهم إِنما يسألون عناداً وتعنتاً، فتركهم فيما رابهم، وعلم أنهم لا يؤمن منهم أحد؛ كقوله تعالى:﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ﴾ ]يونس:96-97] الآية. وقوله تعالى:﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَ َ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ﴾ ]الأنعام: 111] الآية، ولما فيهم من المكابرة؛ كقوله تعالى:﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ﴾ ]الحجر: 14] الآية، وقوله تعالى:﴿وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَـٰقِطاً يَقُولُواْ سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ﴾ ]الطور: 44] الآية، وقال تعالى:﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ ]الأنعام:7[ فمثل هؤلاء أقل من أن يجابوا إِلى ما سألوه؛ لأنه لا فائدة في جوابهم؛ لأنه دائر على تعنتهم وعنادهم لكثرة فجورهم وفسادهم، ولهذا قال: ﴿ فَٱنتَظِرُوۤاْ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ﴾ .
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ﴾ المائدة: ١١٦
في تفسير ابن كثير: وقوله: { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } أي: إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب، فإنه لا يخفى عليك شيء، فما قلته، ولا أردته في نفسي، ولا أضمرته، ولهذا قال: { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِى بِهِ } بإبلاغه { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ } أي: ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به، وأمرتني بإبلاغه { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ } أي: هذا هو الذي قلت لهم. وقوله: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } أي: كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم، { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ } قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة قال: انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان، فأملى على سفيان، وأنا معه، فلما قام، انتسخت من سفيان، فحدثنا قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بموعظة، فقال: " يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة، عراة، غرلاً { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " ورواه البخاري عند هذه الآية عن أبي الوليد، عن شعبة، وعن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، كلاهما عن المغيرة بن النعمان به. وقوله: ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل؛ فإنه الفعال لما يشاء، الذي لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وعلى رسوله، وجعلوا لله نداً وصاحبة وولداً، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وهذه الآية لها شأن عظيم، ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، حدثني فُلَيْت العامري، عن جَسْرَة العامرية، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها ويسجد بها: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } فلما أصبح، قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت، تركع بها، وتسجد بها؟ قال:" إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي، فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئاً " ﴿طريق أخرى وسياق آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا قدامة بن عبد الله، حدثتني جسرة بنت دجاجة: أنها انطلقت معتمرة، فانتهت إلى الربذة، فسمعت أبا ذر يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة من الليالي في صلاة العشاء، فصلى بالقوم، ثم تخلف أصحاب له يصلون، فلما رأى قيامهم وتخلفهم، انصرف إلى رحله، فلما رأى القوم قد أخلوا المكان، رجع إلى مكانه يصلي، فجئت، فقمت خلفه، فأومأ إليّ بيمينه، فقمت عن يمينه، ثم جاء ابن مسعود، فقام خلفي وخلفه، فأومأ إليه بشماله، فقام عن شماله، فقمنا ثلاثتنا، يصلي كل واحد منا بنفسه، ونتلو من القرآن ما شاء الله أن نتلو، وقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة، فلما أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود: أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة فقال ابن مسعود بيده: لا أسأله عن شيء حتى يحدث إليّ، فقلت: بأبي وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن، لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه، قال: " دعوت لأمتي " ، قلت: فماذا أجبت، أو: ماذا رد عليك؟ قال: " أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة " قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال: " بلى " فانطلقت معنقاً، قريباً من قذفة بحجر، فقال عمر: يا رسول الله، إنك إن تبعث إلى الناس بهذا، نكلوا عن العبادات، فناداه أن: " ارجع " فرجع، وتلك الآية: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث: أن بكر بن سوادة حدثه، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم، تلا قول عيسى: ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ﴾ فرفع يديه، فقال: " اللهم أمتي " وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم - فاسأله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوْءُك. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن قال: حدثنا ابن لهيعة، حدثنا ابن هبيرة: أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: حدثني سعيد بن المسيب، سمعت حذيفة بن اليمان يقول: غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً، فلم يخرج حتى ظننا أن لن يخرج، فلما خرج، سجد سجدة ظننا أن نفسه قد قبضت فيها، فلما رفع رأسه، قال:" إن ربي عز وجل استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم؟ فقلت: ما شئت أي رب هم خلقك وعبادك، فاستشارني الثانية، فقلت له كذلك، فقال لي: لا أخزيك في أمتك يا محمد، وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفاً، مع كل ألف سبعون ألفاً ليس عليهم حساب. ثم أرسل إليّ فقال: ادع تجب، وسل تعط، فقلت لرسوله: أَوَمعطيَّ ربي سؤلي؟ فقال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأنا أمشي حياً صحيحاً، وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب، وأعطاني الكوثر، وهو نهر في الجنة يسيل في حوضي، وأعطاني العز والنصر والرعب يسعى بين يدي أمتي شهراً، وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل الجنة، وطيب لي ولأمتي الغنيمة، وأحل لنا كثيراً مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج" .[5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)
قال تعالى: ﴿ قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ (66) ﴾ النمل: ٥٩ – ٦٦
في تفسير ابن كثير لهذه الآية: ﴿ قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ النمل: 65. يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلماً لجميع الخلق: أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله. وقوله تعالى: ﴿ إِلاَّ ٱللَّهَ﴾ استثناء منقطع أي: لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل؛ فإنه المنفرد بذلك وحده لا شريك له؛ كما قال تعالى:﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ﴾ ]الأنعام: 59] الآية، وقال تعالى:﴿بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ﴾ ]لقمان:34[إلى آخر السورة، والآيات في هذا كثيرة. وقوله تعالى: { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أي: وما يشعر الخلائق الساكنون في السموات والأرض بوقت الساعة؛ كما قال تعالى:﴿ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً﴾ ]الأعراف: 187] أي: ثقل علمها على أهل السموات والأرض. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو جعفر الرازي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: من زعم أنه يعلم ــــ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم - ما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية؛ لأن الله تعالى يقول: { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } وقال قتادة: إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوماً للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. وإن أناساً جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة، من أعرس بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا، ومن ولد بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا، ولعمري ما من نجم إلاَّ يولد به الأحمر والأسود، والقصير والطويل، والحسن والدميم، وما علم هذا النجم، وهذه الدابة، وهذا الطير، بشيء من الغيب، وقضى الله تعالى أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله، وما يشعرون أيان يبعثون. رواه ابن أبي حاتم بحروفه، وهو كلام جليل متين صحيح..[6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2) - ابن كثير - تفسير القرآن الكريم
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3) - ابن كثير - تفسير القرآن الكريم
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4) - ابن كثير - تفسير القرآن الكريم
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5) - ابن كثير - تفسير القرآن الكريم
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6) - ابن كثير - تفسير القرآن الكريم
العلمي أمل
2010-12-09, 08:18 PM
الحلقة الثانية
ولا يطلع على غيبه سبحانه وتعالى إلا من ارتضى من رسول
والله عز وجل أوحى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من أنباء الغيب
قال تعالى: ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ الأعراف: ١٨٨
في تفسير ابن كثير: أمره الله تعالى أن يفوض الأمور إليه، وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل، ولا إطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه، كما قال تعالى:﴿عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً﴾]الجن:26[الآية. وقوله: { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ } قال عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد: { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ } قال: لو كنت أعلم متى أموت؟ لعملت عملاً صالحاً، وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقال مثله ابن جريج، وفيه نظر؛ لأن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ديمة، وفي رواية: كان إذا عمل عملاً أثبته، فجميع عمله كان على منوال واحد؛ كأنه ينظر إلى الله عز وجل في جميع أحواله، اللهم إلا أن يكون المراد أن يرشد غيره إلى الاستعداد لذلك، والله أعلم. والأحسن في هذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس: { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ } أي: من المال. وفي رواية: لعلمت إذا اشتريت شيئاً ما أربح فيه، فلا أبيع شيئاً إلا ربحت فيه { وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوۤءُ } ولا يصيبني الفقر. وقال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك لو كنت أعلم الغيب، لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة، ولوقت الغلاء من الرخص، فاستعددت له من الرخص، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: { وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوۤءُ } قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون، واتقيته، ثم أخبر أنه إنما هو نذير وبشير، أي: نذير من العذاب، وبشير للمؤمنين بالجنات؛ كما قال تعالى:﴿فَإِنَّمَ ا يَسَّرْنَـٰهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً﴾ ]مريم: 97[. [1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)
قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28) ﴾ الجن: ٢٥ – ٢٨
في تفسير ابن كثير: يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري: أقريب وقتها أم بعيد؟ { قُلْ إِنْ أَدْرِىۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّىۤ أَمَداً } أي: مدة طويلة، وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه عليه الصلاة والسلام لا يؤلف تحت الأرض كذب لا أصل له، ولم نره في شيء من الكتب، وقد كان صلى الله عليه وسلم يُسأل عن وقت الساعة، فلا يجيب عنها، ولما تبدى له جبريل في صورة أعرابي، كان فيما سأله أن قال: يا محمد فأخبرني عن الساعة؟ قال:" ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " ولما ناداه ذلك الأعرابي بصوت جهوري فقال: يا محمد متى الساعة؟ قال: " ويحك إنها كائنة فما أعددت لها؟ " قال: أما إني لم أعد لها كثير صلاة ولا صيام، ولكني أحب الله ورسوله، قال: " فأنت مع من أحببت " قال أنس: فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن مصفّى، حدثنا محمد بن حمير، حدثني أبو بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا بني آدم إن كنتم تعقلون، فعدوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده إن ما توعدون لآت " وقد قال أبو داود في آخر كتاب الملاحم: حدثنا موسى بن سهل، حدثنا حجاج بن إبراهيم، حدثنا ابن وهب، حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن تعجز الله هذه الأمة من نصف يوم " انفرد به أبو داود، ثم قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبو المغيرة، حدثني صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: " إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم " قيل لسعد: وكم نصف يوم؟ قال: " خمسمائة عام ". انفرد به أبو داود. وقوله تعالى: { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } هذه كقوله تعالى:﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ﴾ ]البقرة: 255[ وهكذا قال ههنا: إنه يعلم الغيب والشهادة، وإنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا مما أطلعه تعالى عليه، ولهذا قال: { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } وهذا يعمّ الرسول الملكي والبشري.ثم قال تعالى: ﴿ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾ أي: يخصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله، ويساوقونه على ما معه من وحي الله، ولهذا قال: ﴿ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً﴾ وقد اختلف المفسرون في الضمير الذي في قوله: { لِّيَعْلَمَ } إلى من يعود؟ فقيل: إنه عائد على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله: { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل { لِّيَعْلَمَ } محمد صلى الله عليه وسلم { أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً }. ورواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به. وهكذا رواه الضحاك والسدي ويزيد بن أبي حبيب. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ } قال: ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلّغت عن الله، وأن الملائكة حفظتها ودفعت عنها، وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، واختاره ابن جرير، وقيل غير ذلك، كما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: ﴿إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾ قال: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان، حتى يتبين الذي أرسل به إليهم، وذلك حين يقول: ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: ﴿ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ ﴾ قال: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم، وفي هذا نظر. وقال البغوي: قرأ يعقوب: { لِيُعْلَمَ } بالضم، أي: ليعلم الناس أن الرسل قد بلغوا. ويحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الله عز وجل، وهو قول حكاه ابن الجوزي في زاد المسير، ويكون المعنى في ذلك: أنه يحفظ رسله بملائكته؛ ليتمكنوا من أداء رسالاته، ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي؛ ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم، ويكون ذلك كقوله تعالى:
﴿وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ﴾
]البقرة: 143] وكقوله تعالى:﴿وَلَيَعْل َمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ ﴾
]العنكبوت:11[إلى أمثال ذلك من العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعاً لا محالة، ولهذا قال بعد هذا: ﴿ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً﴾. [2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)
قال تعالى: ﴿ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ هود: ٣١
في تفسير ابن كثير: يخبرهم أنه رسول من الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له بإذن الله له في ذلك، ولا يسألهم على ذلك أجراً، بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع، فمن استجاب له فقد نجا، ويخبرهم أنه لا قدرة له على التصرف في خزائن الله، ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وليس هو بملك من الملائكة، بل هو بشر مرسل مؤيد بالمعجزات، ولا أقول عن هؤلاء الذين تحقرونهم وتزدرونهم: إنهم ليس لهم عند الله ثواب على أعمالهم، الله أعلم بما في أنفسهم، فإن كانوا مؤمنين باطناً كما هو الظاهر من حالهم، فلهم جزاء الحسنى، ولو قطع لهم أحد بشر بعد ما آمنوا، لكان ظالماً قائلاً ما لا علم له به. [3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)
قال تعالى: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ هود: ٤٩
في تفسير ابن كثير: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم هذه القصة وأشباهها { مِنْ أَنبَآءِ ٱلْغَيْبِ } يعني: من أخبار الغيوب السالفة، نوحيها إليك على وجهها، كأنك شاهدها، نوحيها إليك، أي: نعلمك بها وحياً منا إليك { مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا } أي: لم يكن عندك ولا عند أحد من قومك علم بها، حتى يقول من يكذبك؛ إنك تعلمتها منه، بل أخبرك الله بها مطابقة لما كان عليه الأمر الصحيح؛ كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك، فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك، وأذاهم لك، فإنا سننصرك ونحوطك بعنايتنا، ونجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة؛ كما فعلنا بالمرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ ]غافر: 51] الآية، وقال تعالى:﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِين َ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُون َ﴾ ]الصافات:171-172] الآية، وقال تعالى: ﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَـٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾.[4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)
قال تعالى: ﴿ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) ﴾ الأنعام: ٥٠ - ٥١
في تفسير ابن كثير: يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } أي: لست أملكها، ولا أتصرف فيها، ﴿ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ﴾ أي: ولا أقول لكم: إني أعلم الغيب، إنما ذاك من علم الله عز وجل، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه، { وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ } أي: ولا أدعي أني ملك، إنما أنا بشر من البشر، يوحى إليّ من الله عز وجل، شرفني بذلك، وأنعم عليّ به، ولهذا قال: { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } أي: لست أخرج عنه قيد شبر، ولا أدنى منه، { قُلْ هَلْ يَسْتَوىِ ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } أي: هل يستوي من اتبع الحق وهدي إليه، ومن ضل عنه فلم ينقد له { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } وهذه كقوله تعالى:﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ﴾ ]الرعد:19[وقوله: { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } أي: وأنذر بهذا القرآن يا محمد ﴿ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ﴾ ]المؤمنون:57[﴿وَيَخْشَوْن رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ﴾ ]الرعد: 21[﴿ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ ﴾ أي: يوم القيامة { لَيْسَ لَهُمْ } أي: يومئذ { مِّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } أي: لا قريب لهم، ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم، { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي: أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا الله عز وجل، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ فيعملون في هذه الدار عملاً ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه، ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه. [5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)
قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ آل عمران: ٤٤
في تفسير ابن كثير: ثم قال تعالى لرسوله بعد ما أطلعه على جلية الأمر: { ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ } أي: نقصه عليك { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَـٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أي: ما كنت عندهم يا محمد فتخبرهم عنهم معاينة عما جرى، بل أطلعك الله على ذلك كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها، وذلك لرغبتهم في الأجر. قال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثني حجاج عن ابن جريج، عن القاسم بن أبي بزة، أنه أخبره عن عكرمة، وأبي بكر عن عكرمة، قال: ثم خرجت بها، يعني: أم مريم بمريم تحملها في خرقها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى عليهما السلام، قال: وهم يومئذ يلون في بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة، فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة، فإني حررتها، وهي ابنتي، ولا تدخل الكنيسة حائض، وأنا لا أردها إلى بيتي، فقالوا: هذه ابنة إمامنا ـ وكان عمران يؤمهم في الصلاة ـ وصاحب قرباننا، فقال زكريا: ادفعوها لي؛ فإن خالتها تحتي، فقالوا: لا تطيب أنفسنا، هي ابنة إمامنا، فذلك حين اقترعوا عليها بأقلامهم التي يكتبون بها التوراة، فقرعهم زكريا فكفلها. وقد ذكر عكرمة أيضاً والسدي وقتادة والريبع بن أنس وغير واحد، دخل حديث بعضهم في بعض، أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن، واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم، فأيهم يثبت في جَرْيَة الماء، فهو كافلها، فألقوا أقلامهم، فاحتملها الماء، إلا قلم زكريا، فإنه ثبت، ويقال: إنه ذهب صُعُداً يشق جرية الماء، وكان مع ذلك كبيرهم وسيدهم وعالمهم وإمامهم ونبيهم، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين. [6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)
قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (104) ﴾ يوسف: ١٠٢
في تفسير ابن كثير: يقول تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم لما قص عليه نبأ إِخوة يوسف، وكيف رفعه الله عليهم، وجعل له العاقبة والنصر، والملك والحكم، مع ما أرادوا به من السوء والهلاك والإعدام: هذا وأمثاله يا محمد من أخبار الغيوب السابقة { نُوحِيهِ إِلَيْكَ } ونعلمك به يا محمد؛ لما فيه من العبرة لك، والاتعاظ لمن خالفك﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ ﴾ حاضراً عندهم، ولا مشاهداً لهم { إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } أي: على إِلقائه في الجب ﴿ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ به، ولكنا أعلمناك به وحياً إِليك، وإِنزالاً عليك؛ كقوله:﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَـٰمَهُمْ﴾ ]القصص: 46] الآية، وقال تعالى:﴿ وَمَا كُنتَ ِجَانِبِ ٱلْغَرْبِىِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ﴾ ]آل عمران: 44] الآية، إِلى قوله:﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ ]القصص: 46] الآية، وقال:﴿وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِىۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ ]القصص: 45] الآية، وقال:﴿مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَـَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِن يُوحَىٰ إِلَىَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ ]ص:69-70[ يقول تعالى: إِنه رسوله، وإِنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق؛ مما فيه عبرة للناس، ونجاة لهم في دينهم ودنياهم، ومع هذا ما آمن أكثر الناس، ولهذا قال: { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } وقال:﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ ]الأنعام: 116] كقوله:﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾
]الشعراء:8[ إلى غير ذلك من الآيات. وقوله: { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي: ما تسألهم يا محمد على هذا النصح والدعاء إِلى الخير والرشد من أجر، أي: من جُعالة ولا أجرة على ذلك، بل تفعله ابتغاء وجه الله، ونصحاً لخلقه، { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَـٰلَمِين } يتذكرون به، ويهتدون وينجون به في الدنيا والآخرة. [7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
العلمي أمل
2010-12-09, 09:30 PM
الحلقة الثالثة
أعند أحد آخر من المخاليق علم الغيب يتبجح به ؟
﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى (34) أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)﴾النجم: ٣٣ – ٣٥
في تفسير ابن كثير: يقول تعالى ذاماً لمن تولى عن طاعة الله:﴿فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ﴾ ]القيامة: 31 ــــ 32] { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } قال ابن عباس: أطاع قليلاً، ثم قطعه، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وغير واحد. قال عكرمة وسعيد: كمثل القوم إذا كانوا يحفرون بئراً، فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل، فيقولون: أكدينا، ويتركون العمل. وقوله تعالى: { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } أي: أعند هذا الذي قد أمسك يده خشية الإنفاق، وقطع معروفه، أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده، حتى قد أمسك عن معروفه، فهو يرى ذلك عياناً؟ أي: ليس الأمر كذلك، وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة بخلاً وشحاً وهلعاً، ولهذا جاء في الحديث: " أنفق بلالاً، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً " وقد قال الله تعالى:﴿وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ ﴾ ]سبأ: 39[. [1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)
قال تعالى: ﴿ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) ﴾ الطور: ٤١ - ٤٣
في تفسير ابن كثير: ﴿أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾ أي ليس الأمر كذلك؛ فإنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } يقول تعالى: أم يريد هؤلاء بقولهم هذا في الرسول وفي الدين غرور الناس، وكيد الرسول وأصحابه؟ فكيدهم إنما يرجع وباله على أنفسهم، فالذين كفروا هم المكيدون { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } وهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد مع الله، ثم نزه نفسه الكريمة عما يقولون ويفترون ويشركون فقال: ﴿ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. [2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)
قال تعالى: ﴿ فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُه ُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ (46) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) ﴾ القلم: ٤٤ - ٤٧
في تفسير ابن كثير: ثم قال تعالى: ﴿ فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ ﴾ يعني: القرآن، وهذا تهديد شديد، أي: دعني وإياه، أنا أعلم به منه؛ كيف أستدرجه، وأمده في غيّه، وأنظره، ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر، ولهذا قال تعالى: { سَنَسْتَدْرِجُه ُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة، وهو في نفس الأمر إهانة؛ كما قال تعالى:﴿أَيَحْسَب ُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ ]المؤمنون: 55 ــــ 56] وقال تعالى:﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ﴾ ]الأنعام:44[ ولهذا قال ههنا: { وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } أي: وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم، وذلك من كيدي ومكري بهم، ولهذا قال تعالى: { إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } أي: عظيم لمن خالف أمري، وكذب رسلي، واجترأ على معصيتي. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ:﴿وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ ]هود:102[ وقوله تعالى: { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } تقدم تفسيرهما في سورة الطور، والمعنى في ذلك أنك يا محمد تدعوهم إلى الله عز وجل بلا أجر تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند الله تعالى، وهم يكذبون بما جئتهم به بمجرد الجهل والكفر والعناد. [3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)
قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) ﴾ مريم: ٧٧ – ٨٧
في تفسير ابن كثير: وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلاً قيناً، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه منه، فقال: لا، والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا، والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت، جئتني ولي ثم مال وولد، فأعطيتك، فأنزل الله: { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـآيَـٰتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } - إلى قوله - ﴿وَيَأْتِينَ فَرْداً ﴾ أخرجه صاحبا الصحيح وغيرهما من غير وجه عن الأعمش به. وفي لفظ البخاري: كنت قيناً بمكة، فعملت للعاص بن وائل سيفاً، فجئت أتقاضاه، فذكر الحديث، وقال: ﴿ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً﴾ قال: موثقاً. وقال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال خباب بن الأرت: كنت قيناً بمكة، فكنت أعمل للعاص بن وائل، فاجتمعت لي عليه دراهم، فجئت لأتقاضاه، فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: فإذا بعثت، كان لي مال وولد، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـآيَـٰتِنَا } الآيات. وقال العوفي عن ابن عباس: إن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاص بن وائل السهمي بدين، فأتوه يتقاضونه، فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً ومن كل الثمرات؟ قالوا: بلى. قال: فإن موعدكم الآخرة، فو الله لأوتين مالاً وولداً، ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به، فضرب الله مثله في القرآن، فقال: ﴿أَفَرَأَيْت ٱلَّذِي كَفَرَ بِـآيَـٰتِنَا ﴾ - إلى قوله - ﴿ وَيَأْتِينَا فَرْداً ﴾ وهكذا قال مجاهد وقتادة وغيرهم: إنها نزلت في العاص بن وائل. وقوله: { لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } قرأ بعضهم بفتح الواو من ولدا، وقرأ آخرون بضمها، وهو بمعناه، قال رؤبة:
الحَمْدُ للّهِ العَزيزِ فَرْداً
لَمْ يَتَّخِذْ منْ وُلْدِ شيْءٍ وُلْداً
وقال الحارث بن حلزة:
ولَقَدْ رَأَيْتُ مَعاشِراً
قَدْ ثَمَّرُوا مالاً وَوُلْدا
وقال الشاعر:
فَلَيْتَ فُلاناً كانَ في بَطْنِ أُمِّهِ
ولَيْتَ فُلاناً كانَ وُلْدَ حِمارِ
وقيل: إن " الوُلْد " بالضم جمع، والولد بالفتح مفرد، وهي لغة قيس، والله أعلم. وقوله: { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ } إنكار على هذا القائل: { لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } يعني: يوم القيامة، أي: أعلم ماله في الآخرة حتى تألى وحلف على ذلك؟ { أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } أم له عند الله عهد سيؤتيه ذلك؟ وقد تقدم عند البخاري: أنه الموثق. وقال الضحاك عن ابن عباس: { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } قال: لا إله إلا الله، فيرجو بها. وقال محمد بن كعب القرظي:﴿إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً﴾ ]مريم:87] قال: شهادة أن لا إله إلا الله، ثم قرأ: ﴿ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً﴾ . وقوله: ﴿كَلاَّ ﴾ هي حرف ردع لما قبلها، وتأكيد لما بعدها { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } أي: من طلبه ذلك، وحكمه لنفسه بما يتمناه، وكفره بالله العظيم، ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً ﴾ أي: في الدار الآخرة على قوله ذلك، وكفره بالله في الدنيا، { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } أي: من مال وولد نسلبه منه، عكس ما قال: إنه يؤتى في الدار الآخرة مالاً وولداً زيادة على الذي له في الدنيا، بل في الآخرة يسلب مِنَ الذي كان له في الدنيا، ولهذا قال تعالى: { وَيَأْتِينَا فَرْداً } أي: من المال والولد. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } قال: نرثه. قال مجاهد: { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } ماله وولده. وذلك الذي قال العاص بن وائل. وقال عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة: { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } قال: ما عنده. وهو قوله: { لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً }. وفي حرف ابن مسعود:﴿ونرثه ما عنده). وقال قتادة: { وَيَأْتِينَا فَرْداً } لا مال له ولا ولد. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } قال: ما جمع من الدنيا، وما عمل فيها، قال: { وَيَأْتِينَا فَرْداً } قال: فرداً من ذلك، لا يتبعه قليل ولا كثير. [4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)
قال تعالى: ﴿ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ آل عمران: ١٧٩
في تفسير ابن كثير: قال تعالى: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِين َ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } أي: لا بد أن يعقد سبباً من المحنة، يظهر فيه وليه، ويفضح به عدوه، يعرف به المؤمن الصابر، والمنافق الفاجر، يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهتك به ستر المنافقين. فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد، وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِين َ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } قال مجاهد: ميز بينهم يوم أحد، وقال قتادة: ميز بينهم بالجهاد والهجرة، وقال السدي: قالوا: إِن كان محمد صادقاً فليخبرنا عمن يؤمن به منا ومن يكفر، فأنزل الله تعالى: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِين َ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } أي: حتى يخرج المؤمن من الكافر، روى ذلك كله ابن جرير. ثم قال تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } أي: أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك. ثم قال تعالى: { وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ } كقوله تعالى:﴿عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾ ]الجن: 26 ـ 27] ثم قال تعالى: { فَـآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } أي: أطيعوا الله ورسوله، واتبعوه فيما شرع لكم ﴿ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾. [5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
العلمي أمل
2010-12-09, 10:01 PM
الحلقة الرابعة
هل يعلم الجن الغيب ؟
قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ سبأ: ١٤
في تفسير ابن كثير (رحمه الله): يذكر تعالى كيفية موت سليمان عليه السلام، وكيف عمى الله موته على الجان المسخرين له في الأعمال الشاقة، فإنه مكث متوكئاً على عصاه، وهي منسأته، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد: مدة طويلة نحواً من سنة، فلما أكلتها دابة الأرض، وهي الأرضة، ضعفت وسقطت إلى الأرض، وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة. وتبينت الجن والإنس أيضاً أن الجن لا يعلمون الغيب كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس ذلك. وقد ورد في ذلك حديث مرفوع غريب، وفي صحته نظر. قال ابن جرير: حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا موسى بن مسعود، أبو حذيفة، حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عطاء عن السائب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان نبي الله سليمان عليه السلام إذا صلى، رأى شجرة نابتة بين يديه، فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول كذا، فيقول: لأي شيء أنت؟ فإن كانت تغرس غرست، وإن كانت لدواء كتبت، فبينما هو يصلي ذات يوم، إذ رأى شجرة بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخروب، قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان عليه السلام: اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنحتها عصاً، فتوكأ عليها حولاً ميتاً والجن تعمل، فأكلتها الأرضة، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولاً في العذاب المهين " قال: وكان ابن عباس يقرؤها كذلك، قال: فشكرت الجن للأرضة، فكانت تأتيها بالماء، وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث إبراهيم بن طهمان به. وفي رفعه غرابة ونكارة، والأقرب أن يكون موقوفاً، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني له غرابات، وفي بعض حديثه نكارة. وقال السدي في حديث ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود رضي الله عنه، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم. قال: كان سليمان عليه الصلاة والسلام يتحنث في بيت المقدس السنة والسنتين، والشهر والشهرين، وأقل من ذلك وأكثر، فيدخل فيه، ومعه طعامه وشرابه، فأدخله في المرة التي توفي فيها، فكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا ينبت الله في بيت المقدس شجرة، فيأتيها فيسألها: فيقول: ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا، فإن كانت لغرس، غرسها، وإن كانت تنبت دواء، قالت: نبت دواء كذا وكذا، فيجعلها كذلك، حتى نبتت شجرة يقال لها: الخروبة، فسألها: ما اسمك؟ قالت: أنا الخروبة، قال: ولأي شي، نبت؟ قالت: نبت لخراب هذا المسجد، قال سليمان عليه الصلاة والسلام: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائط له، ثم دخل المحراب، فقام يصلي متكئاً على عصاه، فمات ولم تعلم به الشياطين، وهم في ذلك يعملون له، يخافون أن يخرج عليهم فيعاقبهم، وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب، وكان المحراب له كوى بين يديه وخلفه، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول: ألست جلداً إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب، فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر، فدخل شيطان من أولئك، فمر ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان عليه السلام في المحراب إلا احترق، فمر ولم يسمع صوت سليمان، ثم رجع فلم يسمع، ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق، ونظر إلى سليمان عليه السلام قد سقط ميتاً، فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات، ففتحوا عليه فأخرجوه.
ووجدوا منسأته، وهي العصا بلسان الحبشة، قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرضة على العصا، فأكلت منها يوماً وليلة، ثم حسبوا على ذلك النحو، فوجدوه قد مات منذ سنة، وهي في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه، فمكثوا يدينون له من بعد موته حولاً كاملاً، فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم، ولو أنهم يطلعون على الغيب، لعلموا بموت سليمان، ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له، وذلك قول الله عز وجل: { مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } يقول: تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطعام، أتيناك بأطيب الطعام، ولو كنت تشربين الشراب، سقيناك أطيب الشراب، ولكنا سننقل إليك الماء والطين، قال: فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت، قال: ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب؟ فهو ما تأتيها به الشياطين شكراً لها، وهذا الأثر ــــ والله أعلم ــــ إنما هو مما تلقي من علماء أهل الكتاب، وهي وقف لا يصدق منه إلا ما وافق الحق، ولا يكذب منها إلا ما خالف الحق، والباقي لا يصدق ولا يكذب.
وقال ابن وهب وأصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تبارك وتعالى: { مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } قال: قال سليمان عليه السلام لملك الموت: إذا أمرت بي، فأعلمني، فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرت بك، قد بقيت لك سويعة، فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحاً من قوارير، وليس له باب، فقام يصلي، فاتكأ على عصاه، قال: فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متكئ على عصاه، ولم يصنع ذلك فراراً من ملك الموت، قال: والجن تعمل بين يديه، وينظرون إليه يحسبون أنه حي، قال: فبعث الله عز وجل دابة الأرض، قال: والدابة تأكل العيدان يقال لها القادح، فدخلت فيها، فأكلتها، حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل عليها فخر ميتاً، فلما رأت ذلك الجن، انفضوا وذهبوا، قال: فذلك قوله تعالى: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ﴾ قال أصبغ: بلغني عن غيره أنها قامت سنة تأكل منها قبل أن يخر، وذكر غير واحد من السلف نحواً من هذا، والله أعلم. [1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1) اهـ
* وفي مدرسة القرآن نجد ما يلي: ثم نمضي مع نصوص القصة القرآنية في المشهد الأخير منها. مشهد وفاة سليمان والجن ماضية تعمل بأمره فيما كلفها عمله؛ وهي لا تعلم نبأ موته، حتى يدلهم على ذلك أكل الأرضة لعصاه، التي كان مرتكزاً عليها، وسقوطه: ﴿فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين﴾... وقد روي أنه كان متكئاً على عصاه حين وافاه أجله؛ والجن تروح وتجيء مسخرة فيما كلفها إياه من عمل شاق شديد؛ فلم تدرك أنه مات، حتى جاءت دابة الأرض. قيل إنها الأرضة، التي تتغذى بالأخشاب، وهي تلتهم أسقف المنازل وأبوابها وقوائمها بشراهة فظيعة، في الأماكن التي تعيش فيها. وفي صعيد مصر قرى تقيم منازلها دون أن تضع فيها قطعة خشب واحدة خوفاً من هذه الحشرة التي لا تبقي على المادة الخشبية ولا تذر. فلما نخرت عصا سليمان لم تحمله فخرّ على الأرض. وحينئذ فقط علمت الجن موته. وعندئذ ﴿ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين﴾... فهؤلاء هم الجن الذين يعبدهم بعض الناس. هؤلاء هم سخرة لعبد من عباد الله. وهؤلاء هم محجوبون عن الغيب القريب؛ وبعض الناس يطلب عندهم أسرار الغيب البعيد! [2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1) - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم
العلمي أمل
2010-12-09, 10:15 PM
الحلقة الخامسة
وماذا عند المتصوفة ؟
لا يعلم الغيب إلا الله... وللمتصوفة رأي آخر
يخبرنا العلامة تقي الدين الهلالي: أن « كتب الطريقة (ويقصد التجانية) توصي المريد أن لا يشتغل بشيء مما يعرض له في سلوكه حتى يصل إلى الله، وتنكشف له الحجب فيشاهد العرش والفرش، ولا يبقى شيء من المغيبات خافيا عليه،...» (ص 10) [1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)
...« قال الله تعالى في سورة الأعراف آية 188 : { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) } فأنت ترى أن الله أمر نبيه أن يقول لجميع الناس أنه لا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولا ضرا، بل المالك لذلك هو الله وحده لا شريك الله وأمره أيضا أن يقول لهم أنه لا يعلم الغيب فكيف أن يخاف أحد العقاب من المخلوق نبيا كان أو غير نبي.». (ص 63)[2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)
وفي الحديث: (( ..عن أبي أمامة قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر نحو بقيع الغرقد ، قال : فكان الناس يمشون خلفه ، قال : فلما سمع صوت النعال وقر ذلك في نفسه ، فجلس حتى قدَّمهم أمامه لئلا يقع في نفسه من الكبر ؛ فلما مر ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دفنوا فيهما رجلين ؛ قال : فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من دفنتم هنا اليوم ؟ قالوا يا نبي الله فلان وفلان. قال: إنهما ليعذبان الآن ويفتنان في قبريهما. قالوا: يا رسول الله فيم ذاك ؟ قال: أما أحدهما فكان لا يتنزه من البول؛ وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة. وأخذ جريدة رطبة ؛ فشقها ؛ ثم جعلها على القبرين. قالوا: يا نبي الله؛ ولم فعلت ؟ قال ليخففن عنهما. قالوا يا نبي الله؛ وحتى متى يعذبهما الله ؟ قال: غيب لا يعلمه إلا الله؛ قال ولولا تمريغ قلوبكم أو تزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع )).[3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3) (هامش ص 74)
... « الأمر الخامس في الفضيلة الرابعة عشر؛ وهي زعمهم أن محب الشيخ لا يموت حتى يكون وليا تقدم أن الولي بالمعنى الذي يقصونه لا وجود له في دين الإسلام لأن المؤمنين كلهم أولياء الله؛ والكافرون كلهم أعداء الله؛ فقد أتعبوا أنفسهم في غير طائل؛ وبقية الكلام في الرابعة عشر تقدم إبطاله إلا قولهم إن آخذ الورد التجاني يحبه النبي صلى الله عليه وسلم محبة خاصة فيقال لهم كذبتم على النبي إذ ليس لكم دليل على هذا بإجماع المسلمين؛ ثم كيف يعرف النبي صلى الله عليه وسلم كل من أخذ الورد هل هو بكل شيء عليم ؟!! لا يعلم الغيب إلا الله فإن زعمتم أنه يعلم الغيب فقد كفرتم ورددتم القرآن والسنة الصحيحة.
أخرج البخاري في كتاب التفسير من صحيحه بسنده عن ابن عمر رضي الله عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم ما تفيض الأرحام إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم الساعة إلا الله ). وهذا الحديث يفسر قوله تعالى في سورة الأنعام : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ } وتقدم الاحتجاج على ذلك بقوله تعالى في سورة الأنعام : { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } ونصوص الكتاب والسنة في هذا المعنى كثيرة؛ وقال القسطلاني قال الزجاجي من زعم أن أحدا غير الله يعلم شيئا من هذه الخمسة فقد كفر بالقرآن العظيم؛ وأما الوِرد أيُّ وِرد كان فهو بدعة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) فأخذ الورد في النار لنص الحديث؛ فكيف يكون محررا من النار سبحانك هذا بهتان عظيم. وكل ما رتبوه على أخذ الورد من دخول آخذه الجنة بلا حساب ولا عقاب ودخول ذريته وأزواجه وغير ذلك ينطبق حديث كل بدعة ضلالة وبذلك ينهار بنيانهم؛ والحمد لله رب العالمين.».[4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4) (ص 93-94)
... « المسالة الحادية عشرة: ادعاؤهم أن غير الله تعالى من الأنبياء وغيرهم يعلم مفاتيح الغيب. قال (ص 170 ج 1)[5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5) يعني شيخه التجاني المراد بالعلم الذي نفاه الله عن ... «الخمسة وغيرها من المغيبات هو العلم المكتسب الذي يتوصل إليه الخلق بأحد أمور ثلاث - كذا - إما من أخبار سمعية، أو بأدلة فكرية، أو بمعاينة حسية، فهذه الطرق هي التي حجر الله عن صاحبها أن يعلم الغيب، وأما من وهبه الله العلم اللدني فإنه يعلم بعض الغيب كهذه المذكورات أو غيرها، كما في قصة الخَضر وموسى عليهما الصلاة والسلام.» اهـ .
يقول محمد تقي الدين الهلالي في نفس كتابه : « قال مؤلف هذا الكتاب هكذا قال التجانيون عن شيخهم والآن نسمع ما يقوله أهل الحق قال الحافظ ابن كثير، في تفسير هذه الآية : وقوله تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ } قال البخاري : ( حدثنا عبد العزيز بن بعبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم ابن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، أن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري بأي أرض تموت)، وفي القسطلاني على صحيح البخاري قال الزجاجي من زعم أن أحدا غير الله يعلم شيئا من هذه الخمس فقد كفر بالقرآن العظيم، وقال الله تعالى في سورة النمل : { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) } وأجمع علماء المسلمين على مضمون الآية والحديث، فويل لمن خرق إجماعهم، وأما احتجاجهم بقصة الخَضر فلا يجديهم نفعا، لأن الخَضر نبي أَوحى الله إليه بما ذُكِر في الكتاب العزيز وأُمِر بذلك لقوله : (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي )، ولِمَا جاء في الحديث الصحيح من قول الخضر: ( يا موسى إنك على علم علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم علمنيه الله لا تعلمه ) ولا نزاع في تعليم الله بعض عباده شيئا من الغيب.».[6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6) (ص137-138)
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1) - محمد تقي الدين الهلالي – الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية. الطبعة الثانية.
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2) - نفس المصدر السابق
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3) - الحديث في جـ / 5 صفحة 266 من مسند الإمام أحمد بن حنبل ، طبع المكتب الإسلامي.
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4) - محمد تقي الدين الهلالي – نفس المصدر
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5) - علي حرازم بن العربي براده المغربي الفاسي - كتاب جواهر المعاني ونهج الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني.
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6) - محمد تقي الدين الهلالي – الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية الطبعة الثانية
قال تعالى: ﴿ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)ققق
{ في ظلمات البر } أي بالنجوم والجبال والرياح ، وهي وإن كانت أضعفها فقد يضطر إليه حيث لا يبدو شيء من ذينك { والبحر } بالنجوم والرياح .
ولما كانت الرياح كما كانت من أدلة السير ، كان بعضها من أدلة المطر ، قال : { ومن يرسل الرياح } أي التي هي من دلائل السير
http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:WIWtKL97tlAJ:ww w.islamport.com/b/1/tfaseer/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7 %D8%B3%D9%8A%D8%B1/%D9%86%D8%B8%D9%85%2520%D8%A7% D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1%2520%D 9%84%D9%84%D8%A8%D9%82%D8%A7%D 8%B9%D9%8A/%D9%86%D8%B8%D9%85%2520%D8%A7% D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1%2520%D 9%84%D9%84%D8%A8%D9%82%D8%A7%D 8%B9%D9%8A%2520062.html+%D9%8A %D9%87%D8%AF%D9%8A%D9%83%D9%85 +%D9%81%D9%8A+%D8%B8%D9%84%D9% 85%D8%A7%D8%AA+%D8%A7%D9%84%D8 %A8%D8%B1+%D9%86%D8%B8%D9%85+% D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1&cd=2&hl=ar&ct=clnk&gl=sa&source=www.google.com.sa
العلمي أمل
2012-09-05, 10:15 PM
علم الغيب على ضوء الكتاب والسنة
يقول د. علي بن محمد آل دخيل الله[1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1) في ملخص كتابه القيم : التجانية دراسة لأهم عقائد التجانية على ضوء الكتاب والسنة : «إن ادعاء علم الغيب لأحد من البشر مردود بالكتاب والسنة، فقد ورد في الكتاب العزيز آيات صريحة في نفي علم الغيب عمن سوى الله، منها: قوله تعالى: ﴿ قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ (سورة النمل: الآية 65). وقوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴾ (سورة يونس: الآية 20). وقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ (سورة هود: الآية 123). وقوله تعالى: ﴿ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ (سورة آل عمران: الآية 179). فكل هذه الآيات تدل على اختصاص الله سبحانه وتعالى بعلم الغيب وحده دون من سواه، فلا يعلم الغيب ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فكيف بسواهما؟. كما وردت آيات أخرى تنفي عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم علم الغيب، وكذلك عن سائر الرسل، منها قوله تعالى لنبيه: ﴿ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ (سورة الأنعام: الآية 50). »
ويسترسل الكاتب بقوله: وقد ورد في السنة أحاديث كثيرة في هذا المعنى، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله.»[2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)
ومنها ما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: « من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، وهو يقول: ﴿لا تدركه الأبصار﴾. ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: ﴿لا يعلم الغيب إلا الله﴾.».[3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)
ويبين الكاتب مذهب أهل السنة والجماعة وحكم من ادعى شيئاً من علم الغيب: مذهب أهل السنة والجماعة أن الله وحده هو الذي يعلم الغيب دون سواه، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأنه يطلع من يرتضيه من رسله على بعض الغيب إذا شاء متى شاء، كما أوحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذا القرآن وكان غيباً في علم الله. ثم يقولون : إن الغيب ينقسم إلى قسمين:
الغيب المطلق: وهو ما يعلمه الله وحده دون من سواه، فالله كما استأثر بعلم بعض المغيبات، فإنه سبحانه وتعالى قد أحاط علماً بجميع المغيبات، كما قال تعالى: ﴿ قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ (سورة النمل: الآية 65)، وهو المقصود هنا، وهو المقصود عند الإطلاق.
الغيب المقيد: وهو ما غاب عن بعض المخلوقين دون بعض، كالذي يعلمه الملائكة عن أمر أعمالهم ولا يعلمه البشر، وكالذي يعلمه بعض البشر دون بعض، وذلك ما يتوصل إليه بمعرفة الأسباب الموصلة إليه، سواء كانت عقلية كالمسائل الرياضية، أو علمية كالمخترعات الحديثة كالهاتف والحاسب الآلي، وغيرها. وهذا لا يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب الله.[4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)
ومن ادعى معرفة شيء من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فقد كفر. ومن ذهب إلى كاهن أو عراف ممن يدعون علم الغيب، فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب. وأن ما أخذ على ذلك من مال فقد جمع العلماء على تحريمه، والله أعلم.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1) - وألف الكاتب مختصرا لكتابه السابق تحت عنوان: مختصر التجانية في 89 صفحة - دونك رابط تحميل الكتاب:
رابط التحميل : http://www.archive.org/download/abu_...r_tijaniya.pdf (http://www.archive.org/download/abu_yaala_muktasar_tijaniya/muktasar_tijaniya.pdf)
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2) - رواه البخاري "صحيح البخاري" المطبوع مع شرحه "فتح الباري" (13/361).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3) - نفس المصدر السابق (13/361)
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4) - "مجموع الفتاوى" (16/110). "تفسير المنار" (7/422).
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.