احمد زكريا عبداللطيف
2010-10-21, 12:40 AM
الشيخ محمد رفعت.. نجم في سماء القرآن
http://majles.alukah.net/imgcache/2010/10/108.jpgبقلم/ أحمد زكريا
إذا كان القرآن نزل بمكة والمدينة فإن الذين حملوا القرآن وقاموا بأمانته وحفظه هم قراء مصر وعلماؤها في المقام الأول.. فلا حرمك الله يا مصر من أهل القرآن.. ووفق الله ولاة أمرك للحكم بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم).
ونحن مع نجم من نجوم مصر الحقيقيين لا المزيفين.. بل هو من نجوم القرآن وأعظم بها من نجومية.. بل هو نجمهم الكبير.. ودرة العقد - رحمه الله - إنه النجم العلم الشيخ محمد رفعت.. فلنحاول أن نكشف عن شيء يسيرا من حياته العطرة، ونحن في شهر القرآن.
المولد والنشأة:-
ولد الشيخ محمد رفعت في القاهرة سنة 1882م.. وعندما بلغ السنتين من العمر فَقَدَ بصره.. ولمَّا آنس منه والده توجُّهًا لكتاب الله.. دفع به إلى أحد الكُتَّاب ليعلمه تجويد القرآن.. وفرغه لذلك.. فأفلح الطفل.. وحفظ كتاب الله ولمَّا يبلغ العاشرة من عمره.
عند تلك المرحلة أدركت والده الوفاة.. فوقعت مسؤولية الأسرة على عاتقه.. ومع ذلك لم ينقطع عما وهب نفسه له.. بل استمر فيما بدأ به.. حتى عُيِّن في سن الخامسة عشرة قارئًا في أحد مساجد القاهرة.. وفتح الله عليه ما فتح.. فذاع صيته وانتشر .
ثم إن الشيخ - رحمه الله - لم يكتف بما وهبه الله من صوت شجيٍّ.. بل وجَّه اهتمامه لدراسة علم القراءات القرآنية.. وقراءة أمهات كتب التفسير.. ليكون ذلك عونًا له على قراءة كتاب الله وتجويده.
امتاز الشيخ - علاوة على ما كان عليه من عذوبة صوت - بأنه كان صاحب مبدأ سامٍ وخلق رفيع.. فكان عفيف النفس.. زاهدًا بما في أيدي الناس.. فكان يأبى أن يأخذ أجرًا على قراءة القرآن.. وكان شعاره في ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الشعراء:109)
ومن أقواله المشهورة: " إن قارئ القرآن لا يمكن أبداً أن يهان أو يدان " وكان هذا القول شعاره في الحياة على مر الأيام.. لذلك رفض العديد من العروض التي وُجِّهت إليه للقراءة في العديد من الإذاعات.. وكان يقول: " إن وقار القرآن لا يتماشى مع الأغاني الخليعة التي تذيعها الإذاعة".
على أن الشيخ - رحمه الله - لم يقبل أن يقرأ في الإذاعة المصرية إلا بعد أن استفتى لجنة الإفتاء في الأزهر الشريف.. فأفتوه بمشروعية ذلك.. فقرأ ما يسر الله له أن يقرأ.. ومنها ذاعت شهرته في الآفاق.. وفتح الله بصوته قلوبًا قد طال عليها الأمد.
السمات الشخصية للشيخ:-
أما عن شخصيته.. فقد كان الشيخ رفعت - رحمه الله - بكَّاء بطبعه.. وعُرِف عنه العطف والرحمة بالآخرين.. فكان يجالس الفقراء والمحتاجين.. ويرعى الصغير.. ويعطف على الكبير.. وهناك العديد من القصص التي رويت عنه في هذا المجال، تدلِّل على هذا الجانب في شخصيته الإنسانية.
وقد شاء الله سبحانه أن يصاب الشيخ محمد رفعت ببعض الأمراض التي ألزمته الفراش.. وحالت بينه وبين تلاوة القرآن.. وبقي ملازمًا لفراشه حتى وافته المنية سنة 1950م.. بعد أن أمضى جُلَّ حياته قارئًا لكتاب ربه.. وحاملاً لراية قرآنه.. متأسيًا بقوله (صلى الله عليه وسلم): "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخاري.
براعة الشيخ في الوقف والابتداء:
ذكر أن الشيخ محمد رفعت رحمه الله كان ممن يقال فيه: إنه من أعلم القراء بمواضع الوقف والابتداء.. واقترحَ اقتراحاً جميلاً وهو أن تكون الأشرطة الصوتية للشيخ محمد رفعت ميداناً للتطبيق والتدريب للطلاب على مواضع الوقف والابتداء.. ومن روائع وقوفه:"فجاءته إحداهما تمشي على استحياء .. على استحياء قالت" .
صوت من الجنة:
ذكر الشيخ الجليل محمد عبد الخالق عضيمة رحمه الله رحمة واسعة أن ضابطاً كندياً من جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تأثر بقراءة الشيخ محمد رفعت رحمه الله.. وكان قد سمعها في الإذاعة.
فسأل عن هذا الشيخ القارئ.. فدل عليه.. فحضر إلى مجلسه.. واستمع لقراءته.. ثم أعلن إسلامه ! وهو لم يفهم من القراءة شيئاً.. وإنما دفعه ابتداء جرس التلاوة لكلام الله .
أليس هذا سراً بديعاً ؟ !
كان القارئ المشهور الشيخ محمد رفعت يشد الناس جميعا إلى قراءته المغنه.
تقول إحدى المجلات في عهده (مجلة كل شي والدنيا عدد 554 في 27 من ربيع الأول 255 هـ ):
" لا تكاد تقرب الساعة التاسعة من مساء يومي الجمعة والثلاثاء من كل أسبوع.. حتى تغص المقارئ بروادها.. ويجتمع الناس حول جهاز الراديو في البيت والشارع.. والكل مرهف أذنيه في خشوع.. لسماع تلاوة القران الكريم من المقرئ النابغة محمد رفعت"
ذكر الشيخ عبد العزيز القارئ.. في كتابه سنن القراء ومناهج المجودين:
" ومن أحسن من سمعته يتقن نغمة التحزين من قراء الإذاعات المنشاوي- رحمه الله.
وممن يتقن القراءة بالألحان مع المحافظة على الشروط المذكورة الشيخ محمد رفعت - رحمه الله.. ولصوته وقراءته تأثير عجيب على النفس ولعل سر ذلك في إتقانه.. وفي صدقه وخشوعه.. فهو يقرأ من قلبه.. لا من حنجرته كما هو شأن أكثر قراء الإذاعات.. لا يجاوز القران حناجرهم.
ثناء الشيخ الشعراوي على الشيخ:
ونختم هذه النبذة التعريفية بالشيخ محمد رفعت.. بما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - عندما سئل يومًا عن رأيه في كل من الشيوخ: محمود خليل الحصري.. وعبد الباسط عبد الصمد.. ومصطفى إسماعيل.. ومحمد رفعت.. فأجاب بقوله: إذا أردنا أحكام التلاوة فهو الحصري.. وإن أردنا حلاوة الصوت فهو عبد الباسط عبد الصمد.. وإذا أردنا النَّفَس الطويل مع العذوبة فهو مصطفى إسماعيل.. وإذا أردنا هؤلاء جميعًا فهو الشيخ محمد رفعت.. رحم الله الجميع
وقد سئل بعض الكُتاب عن سر تفرد الشيخ رفعت بين قرَّاء زمانه.. فأجاب:
" كان ممتلئًا تصديقاً وإيماناً بما يقرأ".
هذا...وقد نعتْه معظم الإذاعات يوم وفاته.. وجاء في نعي الإذاعة المصرية يوم وفاته: " أيها المسلمون.. فقدنا اليوم عَلَمًا من أعلام الإسلام "
رحم الله الشيخ رحمة واسعة، والذي أصبح علامة بارزة من علامات رمضان.. فتجيش العواطف كلما سمعنا صوته في مغرب رمضان.
ونسأل الله أن يجزيه عن كتابه خير الجزاء
http://majles.alukah.net/imgcache/2010/10/108.jpgبقلم/ أحمد زكريا
إذا كان القرآن نزل بمكة والمدينة فإن الذين حملوا القرآن وقاموا بأمانته وحفظه هم قراء مصر وعلماؤها في المقام الأول.. فلا حرمك الله يا مصر من أهل القرآن.. ووفق الله ولاة أمرك للحكم بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم).
ونحن مع نجم من نجوم مصر الحقيقيين لا المزيفين.. بل هو من نجوم القرآن وأعظم بها من نجومية.. بل هو نجمهم الكبير.. ودرة العقد - رحمه الله - إنه النجم العلم الشيخ محمد رفعت.. فلنحاول أن نكشف عن شيء يسيرا من حياته العطرة، ونحن في شهر القرآن.
المولد والنشأة:-
ولد الشيخ محمد رفعت في القاهرة سنة 1882م.. وعندما بلغ السنتين من العمر فَقَدَ بصره.. ولمَّا آنس منه والده توجُّهًا لكتاب الله.. دفع به إلى أحد الكُتَّاب ليعلمه تجويد القرآن.. وفرغه لذلك.. فأفلح الطفل.. وحفظ كتاب الله ولمَّا يبلغ العاشرة من عمره.
عند تلك المرحلة أدركت والده الوفاة.. فوقعت مسؤولية الأسرة على عاتقه.. ومع ذلك لم ينقطع عما وهب نفسه له.. بل استمر فيما بدأ به.. حتى عُيِّن في سن الخامسة عشرة قارئًا في أحد مساجد القاهرة.. وفتح الله عليه ما فتح.. فذاع صيته وانتشر .
ثم إن الشيخ - رحمه الله - لم يكتف بما وهبه الله من صوت شجيٍّ.. بل وجَّه اهتمامه لدراسة علم القراءات القرآنية.. وقراءة أمهات كتب التفسير.. ليكون ذلك عونًا له على قراءة كتاب الله وتجويده.
امتاز الشيخ - علاوة على ما كان عليه من عذوبة صوت - بأنه كان صاحب مبدأ سامٍ وخلق رفيع.. فكان عفيف النفس.. زاهدًا بما في أيدي الناس.. فكان يأبى أن يأخذ أجرًا على قراءة القرآن.. وكان شعاره في ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الشعراء:109)
ومن أقواله المشهورة: " إن قارئ القرآن لا يمكن أبداً أن يهان أو يدان " وكان هذا القول شعاره في الحياة على مر الأيام.. لذلك رفض العديد من العروض التي وُجِّهت إليه للقراءة في العديد من الإذاعات.. وكان يقول: " إن وقار القرآن لا يتماشى مع الأغاني الخليعة التي تذيعها الإذاعة".
على أن الشيخ - رحمه الله - لم يقبل أن يقرأ في الإذاعة المصرية إلا بعد أن استفتى لجنة الإفتاء في الأزهر الشريف.. فأفتوه بمشروعية ذلك.. فقرأ ما يسر الله له أن يقرأ.. ومنها ذاعت شهرته في الآفاق.. وفتح الله بصوته قلوبًا قد طال عليها الأمد.
السمات الشخصية للشيخ:-
أما عن شخصيته.. فقد كان الشيخ رفعت - رحمه الله - بكَّاء بطبعه.. وعُرِف عنه العطف والرحمة بالآخرين.. فكان يجالس الفقراء والمحتاجين.. ويرعى الصغير.. ويعطف على الكبير.. وهناك العديد من القصص التي رويت عنه في هذا المجال، تدلِّل على هذا الجانب في شخصيته الإنسانية.
وقد شاء الله سبحانه أن يصاب الشيخ محمد رفعت ببعض الأمراض التي ألزمته الفراش.. وحالت بينه وبين تلاوة القرآن.. وبقي ملازمًا لفراشه حتى وافته المنية سنة 1950م.. بعد أن أمضى جُلَّ حياته قارئًا لكتاب ربه.. وحاملاً لراية قرآنه.. متأسيًا بقوله (صلى الله عليه وسلم): "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخاري.
براعة الشيخ في الوقف والابتداء:
ذكر أن الشيخ محمد رفعت رحمه الله كان ممن يقال فيه: إنه من أعلم القراء بمواضع الوقف والابتداء.. واقترحَ اقتراحاً جميلاً وهو أن تكون الأشرطة الصوتية للشيخ محمد رفعت ميداناً للتطبيق والتدريب للطلاب على مواضع الوقف والابتداء.. ومن روائع وقوفه:"فجاءته إحداهما تمشي على استحياء .. على استحياء قالت" .
صوت من الجنة:
ذكر الشيخ الجليل محمد عبد الخالق عضيمة رحمه الله رحمة واسعة أن ضابطاً كندياً من جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تأثر بقراءة الشيخ محمد رفعت رحمه الله.. وكان قد سمعها في الإذاعة.
فسأل عن هذا الشيخ القارئ.. فدل عليه.. فحضر إلى مجلسه.. واستمع لقراءته.. ثم أعلن إسلامه ! وهو لم يفهم من القراءة شيئاً.. وإنما دفعه ابتداء جرس التلاوة لكلام الله .
أليس هذا سراً بديعاً ؟ !
كان القارئ المشهور الشيخ محمد رفعت يشد الناس جميعا إلى قراءته المغنه.
تقول إحدى المجلات في عهده (مجلة كل شي والدنيا عدد 554 في 27 من ربيع الأول 255 هـ ):
" لا تكاد تقرب الساعة التاسعة من مساء يومي الجمعة والثلاثاء من كل أسبوع.. حتى تغص المقارئ بروادها.. ويجتمع الناس حول جهاز الراديو في البيت والشارع.. والكل مرهف أذنيه في خشوع.. لسماع تلاوة القران الكريم من المقرئ النابغة محمد رفعت"
ذكر الشيخ عبد العزيز القارئ.. في كتابه سنن القراء ومناهج المجودين:
" ومن أحسن من سمعته يتقن نغمة التحزين من قراء الإذاعات المنشاوي- رحمه الله.
وممن يتقن القراءة بالألحان مع المحافظة على الشروط المذكورة الشيخ محمد رفعت - رحمه الله.. ولصوته وقراءته تأثير عجيب على النفس ولعل سر ذلك في إتقانه.. وفي صدقه وخشوعه.. فهو يقرأ من قلبه.. لا من حنجرته كما هو شأن أكثر قراء الإذاعات.. لا يجاوز القران حناجرهم.
ثناء الشيخ الشعراوي على الشيخ:
ونختم هذه النبذة التعريفية بالشيخ محمد رفعت.. بما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - عندما سئل يومًا عن رأيه في كل من الشيوخ: محمود خليل الحصري.. وعبد الباسط عبد الصمد.. ومصطفى إسماعيل.. ومحمد رفعت.. فأجاب بقوله: إذا أردنا أحكام التلاوة فهو الحصري.. وإن أردنا حلاوة الصوت فهو عبد الباسط عبد الصمد.. وإذا أردنا النَّفَس الطويل مع العذوبة فهو مصطفى إسماعيل.. وإذا أردنا هؤلاء جميعًا فهو الشيخ محمد رفعت.. رحم الله الجميع
وقد سئل بعض الكُتاب عن سر تفرد الشيخ رفعت بين قرَّاء زمانه.. فأجاب:
" كان ممتلئًا تصديقاً وإيماناً بما يقرأ".
هذا...وقد نعتْه معظم الإذاعات يوم وفاته.. وجاء في نعي الإذاعة المصرية يوم وفاته: " أيها المسلمون.. فقدنا اليوم عَلَمًا من أعلام الإسلام "
رحم الله الشيخ رحمة واسعة، والذي أصبح علامة بارزة من علامات رمضان.. فتجيش العواطف كلما سمعنا صوته في مغرب رمضان.
ونسأل الله أن يجزيه عن كتابه خير الجزاء