مشاهدة النسخة كاملة : من نكت المحققين
الواحدي
2010-10-20, 09:46 AM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
يكثر الحديث عن هفوات أفذاذ المحقّقين، وتندر الإشادة بمناقبهم ولطائف إشاراتهم. وهذا المسلك لَصِيقٌ بطبائع النفوس؛ ترى عثرات الجواد، فتظلّ تذكرها تعجُّبًا، وتنسى محاسنه، فتدفنها تنكُّبًا. ولعلّ في شيوع ذلك تسلية للعاجزين بثلب خصال المقتدرين.
والهفوة إذا ندرت، كالخال؛ مِن شأنها أن تزيد الوجه جمالا وفتنة. بيد أنّ بعض العيون تضيق، فلا ترى إلّا الخال في المحيّا الحسَن، ثم لا تتسع إلا لتوسيع دائرة ذلك الخال وتسويد الوجه كلّه!
و"ليس من العدل أن تؤخّر المحقّقَ الفذَّ الهفوةُ المنفردة، ولا تقدّمه الفضائل المجتمعة؛ وأن تحطّه الزّلّةُ العابرة، ولا تنفعه المناقب الباهرة".
وكان من آفات المشتغلين بالعلم أن انتقلت إليهم آفات العوامّ المسكونين بمنهج "التصنيف" و"الإقصاء"، و"الجرح والتجريح"، وما اكتنف هذا النهج من مجازفة ومباينة للعدل؛ فنبتت "حروريّة النقد" بين ظهرانينا، وصارت تُجاهِر بتكفير مرتكب الصغيرة، وتؤكّد خلوده في منفى المصابين بالجذام الفكري.
وهذه الآفة رديفة "التّعالُـم". إذ يَظنّ المقبِلُ على العلم بِنِيّةٍ محجوبةٍ بأغباشِ حظوظِ النّفس أنّ الكشف عن عثرات العلماء وتضخيم أثرها سيختصر له الطريق ويوصله إلى المجد في أقصر وقت. والتعالُم آفة نفسيّة، أجنبيّة عن العلم الخالص وأهله المخلصين؛ لكنه قد يخدع بعض الطلبة والمبتدئين، بل قد ينخدع له بعض "الطيّبين" مِن الواصلين.
ولو اشتغل العاقل بمثل هذه الآفات، وظلّ يرصدها وينبّه إليها، لخرج من حضن العلم إلى بيداء المهاترة، ولحقّق للمتعالِمين مبتغاهم. ومبتغاهم أن يقال: "قالوا"، و"أجابوا"، و"رَدُّوا"، و"عقَّبوا"؛ لأنّ ذلك هو مبلغهم من العلم والمجد على السواء: أن يُذكَروا ولو بالسوء...
والنهج القاصد في هذا الباب هو الاحتفاء بالجيّد الأصيل، وإدانة الرّديء الدّخيل. ثم استخراج لطائف التحقيقات ودقائقها، وإبرازها لتكون مثالًا يُحتذى؛ وفاءًا لأهل الفضل، وتحفيزًا على اقتفاء أثرهم.
لذا رأيت من المفيد جمع نُكَت كبار المحقّقين ولطائف استنباطاتهم وترجيحاتهم، لعلّ ذلك يُسهِم في قَدرهم حَقّ قَدْرهم، ويبيّن معالـمَ نهجٍ مِن شأن اقتفائه بلوغ المزيد من العناية والدقّة في نشر تراثنا وفَهْمِه.
ولست أزعم أنني كفيلٌ منفردًا بهذا الجهد؛ بل ما اقترحتُه في مجلسنا هذا إلا ليقيني أنّه لن يتصف بالشمول والتنوّع والفائدة دون مساهمة جميع الأفاضل من المشتغلين بشتّى الفنون، المطّلعين على مختلف المصادر.
ومن مقتضيات الأمانة العلميّة أن أشير إلى أنّ هذه الفكرة راودتني منذ فترة بعيدة، لكنّ مشاركةً للأخ الفاضل "خزانة الأدب"، في موضوع أُقفِل، ذكَر فيها نكتةً لطيفة تتعلّق بتحقيق الشيخ محمود شاكر لأسرار البلاغة، أحيَت الخواطر وجدّدت العزم.
ورجائي أن يتفضّل بنقلها إلى هذا الموضوع، وأن يتفضّل أيضًا بإضافة ما فتح الله عليه به من نظائرها.
ورجائي أيضًا أن يساهم كل الإخوة في مجلسنا، كلٌّ في فنّه وبما اهتدى إليه في هذا الباب. ولْيُثْنِ كُلُّ لبيبٍ بالذي عَلِمَا.
والله ولِيُّ التوفيق.
الواحدي
2010-10-20, 09:49 AM
مطيّة غريزيّة؟
جاء في الطبعة اليمنية لمعجم "شمس العلوم" لنشوان الحميري:
"فكتابي هذا يَحْرُسُ النّقْطَ والحركاتِ جميعًا، ويُدْرِك الطالبُ فيه مُلْتَمَسَه سريعًا، بِلا كَدِّ مَطِيَّةٍ غَرِيزِيَّةٍ، ولا إتعابِ خاطرٍ ولا رَوِيَّةٍ، ولا طَلَبِ شيخٍ يَقرأ عليه، ولا مُفِيدٍ يَفتقِر في ذلك إليه." (انظر أيضًا ص 35 من الجزء الأوّل، طبعة دار الفكر المعاصر)
قال الأستاذ أحمد عبد الغفور عطّار في مقدّمة تحقيقه لصحاح الجوهري، تعقيبًا على لفظ "غريزية":
"جاء في طبعة زترستين وطبعة اليمن: " غريزية" وهو خطأ، صوابه: " غُرَيْرِيَّة " نسبة إلى الغُرَيْرِ: فَحْلٍ مِن فُحول العرب. وعندما كتب العلَّامةُ الشيخُ عبدُ القادر المغربيُّ كلمةً عن "شمس العلوم" بمجلّة المجمع العلميّ بدمشق، كنتُ في زيارةِ المجمع، وكانت بيده تجربةُ مقالِه، وأطلعني عليها. ولم يفطن إلى خطأ "غريزية"، فذكرتُ له الصوابَ؛ فَسُرَّ - رحمه الله - وذكر ما رأيته من الصواب، ودفَعَتْه أمانتُه إلى نسبة ذلك إليّ، وعدل مقاله."
وهذه نكتة لطيفة، تنمّ عن علم العطاّر وأمانة المغربي، رحمهما الله تعالى.
ولولا أنّ الصحافة اختلست الأستاذ "أحمد عبد الغفور عطّار" من مجرّة التحقيق إلى فضاء الصحافة، لكان له في دنيا المحقّقين شأن آخر. وإنّ له لشأنًا...
رحمه الله!
ولا يفوتني في هذا المقام الاعتذارُ إلى كلّ محبّي العلاّمة حمد الجاسر، رحمه الله؛ وإنّني لمنهم.
الباحث النحوي
2010-10-20, 12:39 PM
جزاك الله خيرا، وأرجو ألا يَتقيَّد المتفاعلون في هذا الموضوع بالمثال الذي ذكرتَه وهو مثال جزئي على فائدته الكبيرة، لكن أيضا من الحسن ذكر الفرائد الكلية، ومن ذلك مثلا: ما صنعه الشيخ أحمد شاكر في كتابه الرسالة من محاولة لتخريج كل ما وجده في مخطوطة الربيع بن سليمان مما ظاهره مخالفة قواعد العربية، وما لم يجد له مساغا ذكره كذلك وتوقف عن الحكم فيه؛ انظر إليه وهو يقول عن قول الشافعي في المسألة (762): «وَبِهَذِهِ الأَحَادِيثِ نَأْخُذُ، وقالَ بِمِثْلِ معناها الأكابِرُ مِن أصحابِ رسولِ الله، وأكثَرُ المُفْتِيِّينَ بالبُلْدَانِ»، قال الشيخُ أحمد شاكر: «هكذا في الأَصْل؛ بإثباتِ الياءَيْنِ واضحتَيْنِ، وعلى الأُولَى منهُما شَدَّةٌ، وقد جَهِدتُّ أن أَجِدَ له وجهًا مِنَ العربِيَّةِ فلَمْ أَجِد، فأَثْبَتُّ ما فيه، وهو عِنْدِي حُجَّةٌ، لعلَّ غيري يَعْلَمُ مِنْ تأويلِهِ ما لم أَعْلَم»!
ومما يستحسن ذكره لحسنه: ما قِيمَ به في كتاب العلل بتحقيق فريق من الباحثين بإشراف الدكتور سعد الحميد حفظه الله من إنماء لفكرة الشيخ شاكر في الرسالة وإحياء لها، فقاموا كذلك باحترام النص والمخطوط وعبروا في الهامش بما شاءوا اتفقنا معهم أو اختلفنا!
الواحدي
2010-10-20, 12:50 PM
جوزيت خيرًا، أخي الباحث النحوي.
والذي أومأتَ إليه له تعلّقٌ بمناهج التحقيق.
أمّا الذي نودّ إثراءه وجمع نظائره، فهو دقائق التحقيق ولطائفه.
أردت التنبيه إلى هذه المسألة، حتى لا ينحرف الموضوع عن مساره...
وأكرّر لك الشكر على الالتفات إلى الموضوع وإثرائه. وننتظر منك المزيد.
بارك الله في جهودك.
خزانة الأدب
2010-10-20, 03:08 PM
ورجائي أن يتفضّل بنقلها إلى هذا الموضوع، وأن يتفضّل أيضًا بإضافة ما فتح الله عليه به من نظائرها.
أبشر!
(1)
ما أعجب المصادفات!
بعيداً عن الجدل، ولكن في صميم الموضوع!
كنتُ أحضرتُ طبعات الأسرار إلى غرفة الجلوس لأجل هذا الموضوع، فلما نظرت في ص 391 من طبعة الشيخ لأجل كلمة (يهرف)، وجدتُ أنني استدركت بقلمي شيئاً على الشيخ في الصفحة التي بعدها 392 !
فلننظر ما هو!
استشهد عبدالقاهر بقول الشاعر:
أتيناهمُ من أيمن الشقّ عندهم *** ويأتي الشقيَّ الحَيْنُ من حيث لا يدري
فكتب الشيخ في الحاشية: غاب عني موضعه وقائله.
وكتبتُ أنا في أيمن الصفحة: شتيم بن خويلد الحيوان 5/516
والشيخ يخرِّج الأشعار أحياناً بمثل هذه العبارة، فيقول: أذكر البيت ولا أعرف مكانه.
فبدا لي، والحاسوب أمامي، أن أمتحن علم الشيخ وتحقيقه وتخريجه وذاكرته!
كما امتحنوا حفظ البخاري!
فلعل الشيخ توهَّم أن البيت نادر وهو مشهور سائر!
أو غاب الموضع عنه وهو يوجد في عشرات المواضع!
وليس لهذا الامتحان موضع أحسن من هذا المقام!
فلم أجد في (موسوعة الشعر العربي)، وفيها أمهات كتب التراث، مورداً لهذا البيت إلا كتاب الحيوان!
فرحم الله أبا فهر، وبرَّد مضجعه، وأسبغ عليه شآبيب الرحمة والرضوان!
كأنما زُويت له كتب التراث، أو جُمعت له في ذاكرته، فعلم أن البيت إنما يوجد في موضع واحد، ولم يذكر ما هو!
وهذا ما تيسر من الإضافات
(2)
قال الشيخ شاكر في حاشية الأسرار 206، معرِّفاً بشاعر:
... هو أبو الحسن العلوي الحماني ...
فانظر كيف اختصر كلاماً طويلاً في كلمتين!
وقارن صنيعه بمن يكتب الحاشية الواحدة في عدة صفحات،
والغالب أن تكون من فضول الكلام الذي لا يحتاج إليه المتن!
بنو حمِّان بطن من بني تميم، نُسب إليهم هذا الشاعر العلوي لنزوله فيهم، واشتهر ذلك حتى صار يعرف بالحماني كأنه تميمي!
فجمع الشيخ له النسبتين، كأنه يكتب بالشفرة!
(3)
قال عبدالقاهر (ص 382): كقول أبي دلامة يصف بغلته:
أرى الشهباء تعجن إذ غدونا *** برجليها وتخبز باليمينِ
فكتب الشيخ:
لم أقف عليه في شعر أبي دلامة في بغلته، وهي التي سماها بالشهباء. والذي في المخطوطة والمطبوعتين "باليمين"، وكلام الشيخ [عبدالقاهر] يدل على أنه "باليدَيْنِ"
/// قول الشيخ "لم أقف عليه": اتضح من الحاسوب أن البيت لا يوجد إلا في الأسرار (وهو في إيضاح القزويني نقلاً عن الأسرار بالتأكيد)
/// منهج أكثر المحققين هو تصحيح الشعر بناء على ما يفهم من شرح المصنف، ولا سيما مع تثنية الرجلين. وهو أيضًا منهج الأستاذ شاكر في كثير من تحقيقاته. فلو فعل لكان معذوراً ما دام أن الشعر لم يرد في كتاب آخر. ولكنه أدرك بذوقه المرهف أن ورود القوافي بلفظ المثنى قليل في الشعر، وأن "اليمين" - على ما فيها - أسلس لفظاً، فتركها كما في الأصل!
/// لم يفطن جامع شعر أبي دلامة إلى الاحتمال الذي أشار إليه شاكر، مع أنه منصرف إلى ضبط شعره القليل! وفطن إليه شاكر على كِبَر كتاب الأسرار واختصار التعليق إلى الحدّ الأدنى!
(4)
من مطربات التحقيق ما رواه الدكتور محمود الطناحي رحمه الله، في كتاب (مدخل إلى تاريخ نشر التراث 315 ):
وقفا [المحققان: أحمد أمين وأحمد الزين] في قول أبي حيان [الإمتاع والمؤانسة 1/35] في وصف مسكويه : " فقير بين أغنياء ، وغبي بين أنبياء ". وواضح أن هذه الجملة الثانية غير مستقيمة، فما هي الصلة بين الغباوة والنبوة؟! وانقضى المجلس دون أن يصلا في العبارة إلى حل.
فلما كان الغد أقبل الشيخ الزين متهللاً فرحًا قائلا : وجدتها ! لا بد أن يكون : عَيِيٌ بين أَبْيناء!
وإن تعجب فعجبٌ أن الشيخ أحمد الزين هذا كان كفيف البصر ، وصدق أحكم الحاكمين : ( فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) " .
بارك الله فيك، وشكر لك طرح هذا الموضوع!
فطالما قرأنا عن إساءات المحققين دون إحسانهم!
وإن جاز لي أن أقترح، فليكن العنوان:
من إحسان المحققينّ
القارئ المليجي
2010-10-20, 04:29 PM
(4)
من مطربات التحقيق ما رواه الدكتور محمود الطناحي رحمه الله، في كتاب (مدخل إلى تاريخ نشر التراث 315 ):
وقفا [المحققان: أحمد أمين وأحمد الزين] في قول أبي حيان [الإمتاع والمؤانسة 1/35] في وصف مسكويه : " فقير بين أغنياء ، وغبي بين أنبياء ". وواضح أن هذه الجملة الثانية غير مستقيمة، فما هي الصلة بين الغباوة والنبوة؟! وانقضى المجلس دون أن يصلا في العبارة إلى حل.
فلما كان الغد أقبل الشيخ الزين متهللاً فرحًا قائلا : وجدتها ! لا بد أن يكون : عَيِيٌ بين أَبْيناء!
وإن تعجب فعجبٌ أن الشيخ أحمد الزين هذا كان كفيف البصر ، وصدق أحكم الحاكمين : ( فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) " .
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة العظيمة التي ذكَّرتنا بها.
وقد أخبرنا الدكتور أحمد درويش بهذه الفائدة منبِّهًا على أن المخطوط كان خاليا من النقط - لم يكن معجما - ، وقام الدكتور درويش بكتابة الكلمات على السبورة بدون إعجام ليختبرنا قبل ذكر الفائدة ...
رحم الله تلك الأيام.
محمد جبر
2010-10-20, 09:15 PM
هل لي أن أقترح إعادة النظر في أشياء وردت في نشرات كتب تراثية تبعث على تقليب وجوه القراءة للوصول إلى ما يمكن أن يصوِّب فهم ما رمى إليه المؤلفون ؟
هذا مثال حِرْتُ في توجيه قراءة كلمة وردت فيه فجعلت الجملة مرتبكة من حيث الصياغة النحوية والمعنى العام في سياق القضية .
في خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي في نشراته جميعها : الطبعة البولاقية ونشرة هارون القديمة ونشرة محيي الدين ثم نشرة هارون المعاصرة أورد المؤلف آراء المؤيدين والمعارضين ومن توسطوا بين الوجهتين في قضية الاستشهاد بالحديث النبوي في النحو وكانت العبارة الغامضة من وجهة نظري ولستُ أدري أهي من كلامه أم من نقله :
" والصواب جواز الاحتجاج بالحديث للنحوى في ضبط ألفاظه "
فكلمة للنحوى هاهنا غير ذات فائدة تضاف إلى السياق ؛ فالكلام عن أهل النحو لا غيرهم ، وهي قلقة في تركيب الجملة وخصوصا مع ما بعده من حرف الجر في إذ لا تعلُّق له يُدرَك بشيء سابق في العبارة .
هذه العبارة في طبعة بولاق في ج 1 ص 5 في السطرين 5 ، 6
وهي في طبعة عيسى البابي الحلبي التي أشرف عليها ووضع فهارسها محمد محيي الدين عبد الحميد في ج 1 ص 6 في السطر 7
وهي في نشرة هارون الأخيرة في ج 1 ص 9 في السطر 15
فهل لنا أن نصنع كصنيع الشيخ الزين رحمه الله ونجد وجها من وجوه القراءة المحتملة يليق بالمعنى والنركيب !
تحياتي إلى أهل التدقيق الكرام .
الواحدي
2010-10-20, 09:22 PM
(3)
قال عبدالقاهر (ص 382): كقول أبي دلامة يصف بغلته:
أرى الشهباء تعجن إذ غدونا *** برجليها وتخبز باليمينِ
فكتب الشيخ:
لم أقف عليه في شعر أبي دلامة في بغلته، وهي التي سماها بالشهباء. والذي في المخطوطة والمطبوعتين "باليمين"، وكلام الشيخ [عبدالقاهر] يدل على أنه "باليدَيْنِ"
/// قول الشيخ "لم أقف عليه": اتضح من الحاسوب أن البيت لا يوجد إلا في الأسرار (وهو في إيضاح القزويني نقلاً عن الأسرار بالتأكيد)
/// منهج أكثر المحققين هو تصحيح الشعر بناء على ما يفهم من شرح المصنف، ولا سيما مع تثنية الرجلين. وهو أيضًا منهج الأستاذ شاكر في كثير من تحقيقاته. فلو فعل لكان معذوراً ما دام أن الشعر لم يرد في كتاب آخر. ولكنه أدرك بذوقه المرهف أن ورود القوافي بلفظ المثنى قليل في الشعر، وأن "اليمين" - على ما فيها - أسلس لفظاً، فتركها كما في الأصل!
/// لم يفطن جامع شعر أبي دلامة إلى الاحتمال الذي أشار إليه شاكر، مع أنه منصرف إلى ضبط شعره القليل! وفطن إليه شاكر على كِبَر كتاب الأسرار واختصار التعليق إلى الحدّ الأدنى!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
لك جزيل الشكر على التكرّم بالاستجابة، وجوزيت خيرًا عن سيل الفوائد التي غمرتنا بها.
ويقيني أنّ "الخزانة" تضمّ فوائد أخرى، سنراها لاحقًا، بإذن الله.
وتتميمًا للفائدة:
غالِب نُقول صاحب "الإيضاح" عن "أسرار البلاغة" دقيقة، لا يكاد يندّ حرفٌ منها عن الأصل.
ويغلب على الظنّ، إضافةً إلى القرينة التي ذكر الشيخ محمود شاكر، أنّ أحد نسّاخ "الأسرار" أغرى منقارَ الدّال بالانخفاض قليلا، فانغلق الحرفُ وشابَه الميم.
قرينةُ ذلك ما جاء في "ربيع الأبرار" للزمخشري (ج5، ص 357-358)، ونصُّه:
"تَسايَرَ مروانُ بنُ أبي حفصة وعبّادُ بنُ شبل الصنعاني على بغلتيهما، وكانت بينهما صداقة، فقال ابن شبل في بغلة مروان:
أرى الشهباء تخبز إذْ غدَوْنا --- بِرِجْلَيْها وتعجن باليدَيْنِ
فقال مروان:
أرى خَلْقَ القَطاةِ فأزدَرِيها--- ويَملأ منظرُ الشّهباءِ عَيْنِي
وقال أيضًا:
لَعَمْرُ أبِيك لو غَيْرُ ابنِ شبْلٍ --- هجا الشَّهباءَ قَطَّعَه الهجاءُ
ولكنْ عِرْضُه عندي وعِرْضِي --- إذا ميّلْت بَيْنهما سَواءُ"
فغالِب الظّنّ أنّ يدَي القزويني أرجح من يمين ناسخ "الأسرار".
والله أعلم.
محمد جبر
2010-10-20, 09:39 PM
الاستعانة بالكمبيوتر في البحث عن أمور كهذين البيتين مما يسهّل مهمة الباحث حقا ، وإذا كانت الموسوعة لم تسعف فإن موقع الوراق أسعف بذكر القصة التي أوردها الأخ الفاضل الواحدي ، لكن توثيق الواحدي أدق ببيان الجزء والموضع . هكذا يكون التحقيق مع التدقيق فلا نفع لتحقيق بغير تدقيق !
الواحدي
2010-10-21, 12:09 PM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
جاء في مقال العلّامة عبد العزيز الميمني "كتب أعجبتني" (وهو مقال مترجم عن الأردية، نُشِر في "بحوث وتحقيقات"، (ج1، ص 21-25):
"والأسف أنه كانت المفارقة بيني وبينه (الشيخ نذير أحمدي) بسبب بيتٍ مِن أبيات "سقط الزّند". توجد في "سقط الزّند" ثلاثة أبيات:
وعلى الدَّهر مِن دماء الشَّهيدَيْــ ---ــن عليٍّ ونَجْلِه شاهدانِ
فَهُما في أواخر اللّيل فَجْرا --- نِ وفي أُولَيَاتِه شَفَقَانِ
ثبتا في قميصه لِيَجِيءَ الــ --- ـحَشْرُ مُسْتَعْدِيًا إلى الرّحمنِ
قرأ الشيخُ نذير أحمد "ثبتا" على أنّه مصدر، بدلًا مِن "ثَبَتَا" (فعل ماضٍ، صيغة مثنّى المذكَّر الغائب)، فقلت له: إذن يصير هذا البيت نثرًا! ثم بيَّنتُ مرادي، بتقطيع الشعر حسب قواعد العروض. فقال الشيخ (ذكر الميمنيُّ البيتَ بالأردية):
"أنا أقول الشعر أحسنَ من ماء الحياة، ولا أعرف فاعلاتن فاعلات."
فقلتُ: "ولكنّي أعرف "فاعلاتن فاعلات" هذه، فماذا أفعل؟"
حدثت هذه الواقعة قبل عام1907م، ولمّا يبلغ العلّامة الميمنيُّ العشرين من العمر. وهذا من بوادر اهتمامه بتمحيص الأقوال وتحقيقها.
وقد لا يكون لها تعلُّقٌ وثيقٌ بشرط الباب، لكنّها مثال لتحرير الرواية. وذكرتُها لأنه راقني منها حسن تخلُّص الشيخ نذير أحمد، وإدلال العلّامة الميمنيّ بصنعته.
والعبرة أنّه لو أُسلِم ضبطُ النصوص وفهمُها إلى جهلة النُّسَّاخ أو سيِّئي الحفظ، لما كان لعلوم الآلة وضوابطها معنى، ولاندثرت صنعة التحقيق...
** تذييل:
* قوله: "ثبتا" على أنه مصدر." لعلّه في الأصل الأردي: "ثباتًا" أو "ثبوتًا". أمّا "ثَبْت" فصفة. والله أعلم.
* أبيات المعرِّي من قصيدته التي مطلعها:
عَلِّلاني فإنَّ بِيضَ الأَمانِي --- فَنِيَتْ والزَّمانُ لَيس بِفانِ
ومِن أجمل ما فيها قولُه:
نَحْنُ غَرْقَى فكَيْفَ يُنقِذُنا نَجْــ --- ــمَانِ فِي حَوْمَةِ الدُّجَى غَرِقَانِ؟!
عبد الله الحمراني
2010-10-21, 12:48 PM
إن لاكتشاف التصحيف أو التحريف ووقعه على نفس المحقق وفرحه بها لذة خاصة ، سيما إذا كان وجه الكلمة غامضًا ، يبدد المحقق بهذه اللذة عناء البحث والتدقيق وإن كلَّفه ذلك إنفاق الأيام والليالي في سبيل حماية التراث والذود عن حياضه ...
ومن نكت ذلك ما ذكره الدكتور رمضان عبد التواب رحمه الله في كتابه " مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين " ( ص : 136-137):
" ومن التحريفات الطريفة : ما وقع في مخطوطات كتاب " الاقتضاب في شرح أدب الكتاب " للبطليوسي ، من العبارة التالية :
" وقد اضطربت آراء الكتاب والنحويين في الهجاء ، ولم يلتزموا فيه القياس ، فزادوا في موضع حروفا خشية اللبس ؛ نحو : واو عمرو ، وياء أوحى وألف مائة ".
وقد سألني الصديق الكريم الدكتور حامد عبد المجيد محقق الكتاب ، عن الياء الزائدة - زعموا - في : " أوحى "، وتجارب الطبع لهذا الكتاب ماثلة بين يديه ! وعندما تأملتُ النص ، عرفت أنني أمام تحريفة شنيعة ، لم أهتد بسرعة آنذاك إلى كشف النقاب عما وراءها!
وعندما ذهبت إلى بيتي ، لم أنم ليلتها إلا بعد أن قلبت جملة من المصادر ، بحثا عن صحة هذه العبارة المحرفة ، ووجدت بغيتي أخيرا في كتاب " أدب الكتاب " للصولي ، والعبارة فيه: "وزيدت الواو في يا أُوخَيَّ ؛ لتفصل بين التصغير والاسم على جهته ".
نحن إذن أمام كلمة أخ مصغّر مضافة إلى ياء المتكلم ، يزيدون فيها في الخط واوا عند النداء ، فتصير " يا أوخي " ليفرقوا بينها وبين كلمة " يا أَخي " المكبرة المضافة إلى ياء المتكلم كذلك . ولا أساس للقول بزيادة مزعوة في " أوحى " !
واتصلت بالصديق الكريم في الصباح الباكر ، أزف إليه البشرى وأوضح له جلية الأمر ، وشكرني ، ولكنني فوجئت بالكتاب يصدر بعد ذلك ، وفيه آثار التحريف ما تزال باقية ! فقد جعل النص " وياءِ أُوَخَيَّ " بدلا من " ويا أُوخَيَّ " ثم علق في الهامش بقوله : " زيدت الواو لتميز وتفصل بين كلمة أُوخي المصغرة ، وكلمة أخي المكبرة . وفي الخطيات : وياء أوحى بالحاء وهو تحريف . وانظر : مواضع زيادة الواو في أدب الكتاب للصولي 251 ".
انتهى النقل ..
وفي حوالي الصفحات المنقول عنها نماذج أخرى من تلك النكت .
الواحدي
2010-10-21, 01:38 PM
جوزيت خيرًا عن هذه الفائدة النفيسة؛ وسنظل نردِّد: هل من مزيد؟
وعبارة الصوليّ في الموضع الذي أشار إليه الدكتور رمضان عبد التواب:
"الواو تزاد في ثلاثة مواضع:
فمن ذلك الواو في "عمرو". زيدت ليفصل بينها وبين "عمر". فإذا كتبتَ "عَمْرًا" بالنَّصْب وجئت بالألف، لم تحتجْ إلى الواو؛ لأنّ "عُمَر" لا ينصرف ولا تدخله الألف.
وزيدت في "أُولئك"، لتفصل بينها وبين "اليك".
وزيدت في "يا أُوخَيّ"، لتفصل بين التصغير وبين الاسم على جهته."
وما كان للمحقّق أن يغيّر عبارة "وياء أوخيّ"، إذ الظاهر أنّ الوهم من البطليوسي، لا من الناسخ. وكان عليه الإشارة إلى هذا الوهم في الهامش. فلا لوم عليه في شطرٍ ممّا ما فعل.
والله أعلم.
أبو مالك العوضي
2010-10-21, 03:24 PM
وما كان للمحقّق أن يغيّر عبارة "وياء أوخيّ"، إذ الظاهر أنّ الوهم من البطليوسي، لا من الناسخ. وكان عليه الإشارة إلى هذا الوهم في الهامش. فلا لوم عليه في شطرٍ ممّا ما فعل.
والله أعلم.
لم يظهر لي ما تفضلت به يا شيخنا الفاضل، فلعلك تبين كيف رأيته ظاهرا، فالظاهر لي خلافه.
ثم إن مثل البطليوسي لا يقع في مثل هذا الوهم.
الواحدي
2010-10-21, 03:37 PM
جزاك الله خيرًا عن المتابعة والتعقيب، شيخنا الفاضل.
وظني أنّ في "كيس الفوائد" ما لن تضنّ علينا به في هذا الباب.
وكنت كتبتُ تعليقا آخر قبل أن أقرأ مشاركتك التي تفضّلتَ وشرّفتَنا بها. وهذا نصّه:
وكنت عجبت لرجوع الدكتور رمضان عبد التوّاب إلى الصوليّ بدل ابن قتيبة. ثم رجعت إلى كتاب ابن قتيبة، فوجدت (ص 246، تح. الدالي):
"وتُكتَب: "يَأُوخَيَّ" (كذا، والصواب: "يَا أُوخَيَّ"، كما تشهد له بعض المصادر) مصغَّرًا بواو مزيدة، ليفرّق بينها وبين "يا أَخِي" غيرَ مصغَّر".
فتبيّن أنّ التصحيف أصاب الخاء، وأنّ ظاهر العبارة وقوع الوهم من البطليوسي؛ لأنه مثَّل لزيادة الواو، ثم الياء، ثم الألف. والله أعلم.ويحتمَل أن يكون الناسخ ظنّ ذلك تمثيلا، فأضاف الهمزة إلى "يا". وهذا وارد أيضًا. فإذا ثبت، ارتفع ظنُّ الوهم بالبطليوسي. لكن ظاهركلام المحقّقين أنّ نُسخ الكتاب مجمعة على إضافة الهمزة إلى "يا".
ولعلّ انزعاج الدكتور رمضان من تحقيق "الاقتضاب" للصولي لم يكن مصدره هذا الموضع فحسب، بل مواضع أخرى تتبيّن لكلّ من قابلها بأصلها في كتاب ابن قتيبة.
والتعليل الذي ظهر لي مميّز باللون الأحمر.
بارك الله فيك.
عبد الله الحمراني
2010-10-21, 03:39 PM
ولكنني فوجئت بالكتاب يصدر بعد ذلك ، وفيه آثار التحريف ما تزال باقية ! فقد جعل النص " وياءِ أُوَخَيَّ " بدلا من " ويا أُوخَيَّ " ثم علق في الهامش بقوله : " زيدت الواو لتميز وتفصل بين كلمة أُوخي المصغرة ، وكلمة أخي المكبرة . وفي الخطيات : وياء أوحى بالحاء وهو تحريف .
.....
وياءِ أُوَخَيَّ
راجعتُ التحقيق المذكور (2/ 125) فلم أجد الفتحة التي فوق الواو في مطبوع كتاب الدكتور رمضان. لذا لزم التنبيه.
وفي الخطيات: ياء أوحى بالحاء وهو تحريف
ألا يمكن أن يكون منشأ تصحيف (أوخي) من نقطة الخاء! وعدم تفرقة المحقق بينها وبين الحاء بما يميز إهمالها وإعجامها فجمع الخطيات على ذلك؟
الواحدي
2010-10-21, 05:42 PM
لم يظهر لي ما تفضلت به فلعلك تبين كيف رأيته ظاهرا، فالظاهر لي خلافه.
ثم إن مثل البطليوسي لا يقع في مثل هذا الوهم.
نعم، صدقت! إنّ مثل البطليوسي لا يقع في مثل هذا الوهم.
وبمزيدِ تأمُّلٍ، يظهر أنّ "الظاهر" غير ظاهر تمامًا، كما توهّمتُ، وأنّ توجيه الوهم إلى النُّسّاخ أوْلى من إلحاقه بالشارح، استصحابًا لمقامه؛ وذلك من ثلاثة أوجه:
* الأوّل: أنّه لو كان قوله: "فزادوا في مواضع حروفًا خشيةَ اللّبْس، نحو واو عمرو، ويا(ء) أوخي، وألف مائة" للتمثيل، لما كان بهذا الترتيب، أي: تقديم الواو على الياء ثم إلحاق الألف بالياء.
* الثاني: أنّ القول بزيادة الياء في كتابة "أُوخَيَّ" لا وجه له، إذ لا ياء زائدة فيها؛ بينما زيادة الواو فيها ظاهرة.
* الثالث: أنّ البطليوسي شارح كتاب ابن قتيبة، وعبارة ابن قتيبة ظاهرة صريحة في إفادتها زيادة الواو في هذا الموضع، لا الياء. واحتمال عدم اطّلاع البطليوسي عليها مستبعَد.
فهل وفّينا الاعتذار للبطليوسي يا شيخنا؟ أم للمسألة وجه آخر خفيّ؟
ننتظر جوابك.
وننتظرك فوائدك في هذا الباب، إذا كان في وقتك سعة.
بارك الله فيك.
محمد جبر
2010-10-22, 03:55 PM
هل لي أن أقترح إعادة النظر في أشياء وردت في نشرات كتب تراثية تبعث على تقليب وجوه القراءة للوصول إلى ما يمكن أن يصوِّب فهم ما رمى إليه المؤلفون ؟
هذا مثال حِرْتُ في توجيه قراءة كلمة وردت فيه فجعلت الجملة مرتبكة من حيث الصياغة النحوية والمعنى العام في سياق القضية .
في خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي في نشراته جميعها : الطبعة البولاقية ونشرة هارون القديمة ونشرة محيي الدين ثم نشرة هارون المعاصرة أورد المؤلف آراء المؤيدين والمعارضين ومن توسطوا بين الوجهتين في قضية الاستشهاد بالحديث النبوي في النحو وكانت العبارة الغامضة من وجهة نظري ولستُ أدري أهي من كلامه أم من نقله :
" والصواب جواز الاحتجاج بالحديث للنحوى في ضبط ألفاظه "
فكلمة للنحوى هاهنا غير ذات فائدة تضاف إلى السياق ؛ فالكلام عن أهل النحو لا غيرهم ، وهي قلقة في تركيب الجملة وخصوصا مع ما بعده من حرف الجر في إذ لا تعلُّق له يُدرَك بشيء سابق في العبارة .
هذه العبارة في طبعة بولاق في ج 1 ص 5 في السطرين 5 ، 6
وهي في طبعة عيسى البابي الحلبي التي أشرف عليها ووضع فهارسها محمد محيي الدين عبد الحميد في ج 1 ص 6 في السطر 7
وهي في نشرة هارون الأخيرة في ج 1 ص 9 في السطر 15
فهل لنا أن نصنع كصنيع الشيخ الزين رحمه الله ونجد وجها من وجوه القراءة المحتملة يليق بالمعنى والنركيب !
تحياتي إلى أهل التدقيق الكرام .
حتى لا يغيب الموضوع عن أنظار محبي التحقيق ونكت المحققين .
هلا تكرمتم ببذل بعض وقتكم فأجَلْتم الفكر في المسألة !
الواحدي
2010-10-22, 04:32 PM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أخي محمد جبر
ليس في العبارة المذكورة ما يثير الريبة أو يغري بالتصويب.
وأفضل من يمكنه إثراء هذه المسألة هو الأخ الأستاذ أبو حاتم بن عاشور.
حاول الاتصال به على "الخاص"، واستفسره؛ وستجد عنده ضالّتك بإذن الله.
وهو عاتب عليّ... وأمنيتي أن تكون رسالتك مناسبةً لرفع العتب بإذن الله!
الواحدي
2010-10-22, 11:29 PM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
قال علّامة التحقيق عبد السلام هارون، رحمه الله: "
"ولستُ أنسى تجربتي في تحقيق كلمةٍ ورَدَتْ محرَّفةً في جميع مخطوطات كتاب "الحيوان"، وهي كلمة "كنعان" التي وردت في الجزء السادس في ص 452، ضمن خبر ساقَه الجاحظ، ونَصُّه:
"وخَلا معاويةُ بِجاريةٍ له خُراسانيّةٍ، فَلَمّا هَمَّ بها، نَظَر إلى وَصِيفةٍ في الدّار؛ فتَرَك الخراسانيّةَ وخلا بالوصيفةِ. ثمَّ خرج، فقال للخراسانيّة : "ما اسمُ الأسدِ بالفارسيّة؟" قالت : "كنعان". فخرج وهو يقول : "ما الكنعان؟" فقيل له : "الكنعانُ الضّبعُ". فقال : "ما لها قاتَلَها اللّه! أدركَتْ بِثأرها! "
وقد عقَّب الجاحظ على ذلك بقوله: "والفُرْسُ إذا استَقبحَتْ وجْهَ الإنسان قالت : "رُويِ كنعان".
فلجأتُ حينئذ إلى المعجم الفارسي الإنجليزي لإستيجناس في باب الكاف جميعه، أنظر اللفظَ الفارسي المقارِب لكنعان، والذي يؤدي في الوقت نفسه معنى الضبع. وبَعد لأْيٍ شديد، وتقليب كثير، وترقُّب طويل لكلمة الضبع الإنجليزية، وهي: Hyena، وجدتُ أنّ اللّفظ الفارسيّ الذي ينطبق عليه تفسير الضبع ويقارب "كنعان" هو لفظ "كفتار"."
وفي "الحيوان" (ج6، ص452) نقرأ في الهامش:
"كَفْتار، بفتح الكاف، بَعدَها فاء ساكنةٌ فتاءٌ. وفسّرَها استيجناس في ص 1037 بقوله: "A hyena" ، أي: الضّبع. وكذا وردَتْ في كتاب "السامي في الأسامي" للميداني، المتوفى سنة 518، وهو معجم عربي فارسي، منه ثلاث نُسَخ بالتّيموريّة. (...) وفي الأصل: "كنعان" في المواضع الأربعة من هذا النص، تحريف. وأمّا الأسد، فهو بالفارسيّة "شير"."
والخبر جاء في "ربيع الأبرار" للزمخشري بلفظ "كفتار"، مطابقًا لما اهتدى إليه عبد السلام هارون!
القارئ المليجي
2010-10-23, 11:33 AM
فهل وفّينا الاعتذار للبطليوسي يا شيخنا؟ أم للمسألة وجه آخر خفيّ؟
ليس بعدُ.
وإنما يكون ذلك بعد تصويب هذا الموضع:
ولعلّ انزعاج الدكتور رمضان من تحقيق "الاقتضاب" للصولي لم يكن مصدره هذا الموضع فحسب، بل مواضع أخرى تتبيّن لكلّ من قابلها بأصلها في كتاب ابن قتيبة.
:) :)
القارئ المليجي
2010-10-23, 12:02 PM
ومن المواضع التي أزعجت الدكتور رمضان عبد التواب - أو غيره - في تحقيق الاقتضاب ... الجزء الثاني .. ص 43 .. مسألة وقال في هذا الباب: الأخطل من الخطل ...
ساق البطليوسي قصة تسمية الأخطل، وفيها:
وكان الأخطل يومئذ يفرذم ، والفرذمة أن يقول الرجل الشعر في أول أمره قبل أن يستحكم طبعه وتقوى قريحته.
قد نبَّه الدكتور رمضان - أو غيره - أنَّ صوابها: يقرزم [بالقاف].
والله أعلم.
أبو الوليد التويجري
2010-10-23, 02:18 PM
بارك الله فيكم أجمعين .
متابع ومستمع، وقد كان ذلك كله بصمت، فأبيت إلا البوح بذلك .
ويا ليت محققي اليوم يأخذون هذا المنهج العالي في إثبات النصوص، والعناء في تصويبها، وأنى ذلك إلا من رحم ربي .
الواحدي
2010-10-23, 02:22 PM
ليس بعدُ.
وإنما يكون ذلك بعد تصويب هذا الموضع:
ولعلّ انزعاج الدكتور رمضان من تحقيق "الاقتضاب" للصولي لم يكن مصدره هذا الموضع فحسب، بل مواضع أخرى تتبيّن لكلّ من قابلها بأصلها في كتاب ابن قتيبة.
:) :)
جوزيتَ خيرًا عن التنبيه، أيّها المفضال.
وقد قرأتُ ما تفضّلتَ بنقله عدّة مرّات، ولم أنتبه إلى الذي أردتَ، رغم بروزه باللون الأحمر! وقلتُ لعلّ الشيخ يومئ إلى ذكر المواضع المشار إليها، وهذا مخالف لشرط الموضوع.
وكنت سأكتب تعقيبًا في هذا المعنى، ثم اهتديت إلى المقصود...
ذلك أنّ الكاتب غالبًا ما يقرأ كلامَه من ذاكرته. وقد ظللتُ أقرأ تلك العبارة: "الاقتضاب للبطليوسي"، وهي بين عينَيّ: "الاقتضاب للصولي"! وهذا يقع كثيرًا...
ولهذا لا يُسنَد التصحيح للمؤلّف أو المحقّق، بل إلى غيره. ولا يعاد إليه للمراجعة الأخيرة إلا بعد مدّة تسمح له بقراءته اعتمادًا على العين، لا الذّاكرة.
بارك الله فيك!
وأملنا أن تتكرّم بإثراء الموضوع بما عوّدتَنا من فوائد ولطائف.
الواحدي
2010-10-23, 02:26 PM
بارك الله فيكم أجمعين .
متابع ومستمع، وقد كان ذلك كله بصمت، فأبيت إلا البوح بذلك .
ويا ليت محققي اليوم يأخذون هذا المنهج العالي في إثبات النصوص، والعناء في تصويبها، وأنى ذلك إلا من رحم ربي .
أحسن الله إليك، وحفظ سمعك وبصرك!
متابعة أمثالك من الأفاضل ممّا يحرَص عليه رجاء الفائدة.
القارئ المليجي
2010-10-23, 03:25 PM
أخي الواحدي .. رعاك الله وحفظك.
بل أنا أتعلم منكم - والله - كثيرًا.
بالنسبة لدعائك الذي تُكرره: (جوزيتَ خيرًا) ... أود السؤال:
لماذا تفضل العدول من الثلاثي إلى الرباعي في هذا الفعل؟
ونظرة واحدة في استعمال هذا الفعل في الذكر الحكيم نجد الفعل الثلاثي يرد كثيرًا في الخير، ويرد أيضًا في الشر:
= وسيجزي الله الشاكرين
= وسنجزي الشاكرين
= وكذلك نجزي المحسنين
= ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون
= ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط
= إن الله يجزي المتصدقين
= كذلك يجزي الله المتقين
= ولنجزين الذين صبروا أجرهم
= ليجزيهم الله أحسن ما عملوا
= يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا
= ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله
= ليجزي الله الصادقين بصدقهم
= ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة
= إنا كذلك نجزي المحسنين
= ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى
= كذلك نجزي من شكر
[انتهت ... بدأتُ بالشاكرين وختمتُ بمن شكر]
. . .
ووردت في الشر:
= سيجزيهم بما كانوا يفترون
= سيجزيهم وصفهم
= سنجزي الذين يصدفون
= وكذلك نجزي المجرمين
= وكذلك نجزي الظالمين
= وكذلك نجزي المفترين
= كذلك نجزي القوم المجرمين
= وكذلك نجزي من أسرف
= كذلك نجزي كل كفور
إلى آخر الآيات الكريمات.
- -
أما يُجازي، فالآية التي تلمع في ذاكرتي عند رؤيتها: وهل نُجازي إلا الكفور.
- -
فأرجو من أخي الواحدي أن يبين لي، فغالب الظن أن له في اختياره حكمة؛ لكثرة استعماله لهذه الكلمة، والله أعلم.
مع اعتذاري عن الخروج عن سياق الموضوع.
الواحدي
2010-10-23, 04:16 PM
أما يُجازي، فالآية التي تلمع في ذاكرتي عند رؤيتها: وهل نُجازي إلا الكفور.
- -
فأرجو من أخي الواحدي أن يبين لي، فغالب الظن أن له في اختياره حكمة؛ لكثرة استعماله لهذه الكلمة، والله أعلم.
مع اعتذاري عن الخروج عن سياق الموضوع.
بل استعمالي لها لم يسبقه إعمال فكر أو تدقيق نظر. ولعلّ سبب ذلك إدمان قراءة الشعر. والذي أعرفه أنّ "جزى" و"جازى" بمعنى. بيد أنّ في الذي أشرتَ إليه لطيفة لا تتأتّى إلا لمن وقف وقته على الذكر الحكيم. وفحواه أنّ "جازى" لا تكون إلا في الشر، أمّا "جزى" فتكون في الخير والشرّ.
لكن تأمّل قوله تعالى: "وَهَلْ نُجَازِي إلاّ الكَفُور"، إذ تمام الآية: "ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا، وَهَلْ نُجَازِي إلاّ الكَفُور".
فما رأيك؟
ولعلّني اخترت "جوزيت"، لا من هذا الباب، بل من باب زيادة "الواو" لتفادي اللبس، على منوال "يا أُوخَيّ". فهي تُكتَب "جُوزِيتَ"، وتُقرأ "جُزِيتَ"، لتمييزها عن "جَزيت". (ابتسامة)
جُزِيت خيرًا! (ابتسامة)
الواحدي
2010-10-23, 04:40 PM
ومن المواضع التي أزعجت الدكتور رمضان عبد التواب - أو غيره - في تحقيق الاقتضاب ... الجزء الثاني .. ص 43 .. مسألة وقال في هذا الباب: الأخطل من الخطل ...
ساق البطليوسي قصة تسمية الأخطل، وفيها:
وكان الأخطل يومئذ يفرذم ، والفرذمة أن يقول الرجل الشعر في أول أمره قبل أن يستحكم طبعه وتقوى قريحته.
قد نبَّه الدكتور رمضان - أو غيره - أنَّ صوابها: يقرزم [بالقاف].
والله أعلم.
وفي الصفحة التي أشرتَ إليها، نقرأ في الهامش:
"في الأصل: (يفرزم). ولم نجد الفرزمة (بفاء ثم راء) في المعاجم الكبيرة، كاللسان والتاج. والذي في اللسان ونقله التاج: (الغذرمة) و(الغذمرة) ومشتقاتها. يقال: غذرم الشيء وغذمره، إذا باعه جزافا. والغذرمة: اختلاط الكلام. وعن أبي زيد: نبت مغذرم، أي: مخلط، ليس بجيد، يباع. وهذه المعاني مناسبة لفذرمة الشعر، وهي نظم الشاعر له قبل أن يستحكم طبعه، فيكون كالشيء الذي جزافا، أو كالنبت المخلوط جيّده برديئه."
وفي هذا الكلام "غذرمة" كثيرة، والخوض فيها قد يخرجنا عن شرط الباب...
وإنّما سقتُه للتذكير بأهمية تخريج النصوص وتوثيقها في التحقيق؛ لأنّ الخبر مذكور في "الأغاني" وغيره من المصادر، وكان من شأن الرجوع إليها أن يزيل الإشكال الذي واجهه المحقّق.
الواحدي
2010-10-23, 05:04 PM
وممّا أذكره في هذا الباب أن في بعض لهجات المغرب العربي عبارة "تفرذم" أو تفرضم"، ومعناها: تكلَّمَ في الشيء لا يحسنه، أو تكلّم قبل أن يؤذن له. وهذا اللفظ لا نجده في المعاجم. ولستُ أدري إن كان له استعمال في اللهجات العربية الأخرى. فهل له صلة بالمسألة؟ الله أعلم.
كنتُ أدرجتُ هذا الكلام في المشاركة السابقة، ثم ساورني الشك، فحذفتُه. واتصلتُ بأخ جزائري، فأكّد لي صحّة ذلك، وأضاف أنّه من منطوق أهالي بعض المناطق في الجنوب.
القارئ المليجي
2010-10-23, 05:17 PM
في تحقيق شرح ابن عقيل على الألفية لـ طه محمد الزيني الجزء الأول ص 136 وما بعدها، ورد هذا البيت:
إلى ملكٍ ما أمُّه من مُحاربٍ * * * أبوه ولا كانتْ كُليب تُصاهرُه
المحقق خرَّج البيت أنه للفرزدق، وأعربه، ثم قال:
ورواية ديوان الفرزدق للشطر الثاني: أبوها ولا كانت كليب تصاهره
ثم قال:
وقد نشرتُ في مجلة الأزهر سنة 1953 بحثًا عن هذا الشاهد، بينت فيه الرواية الصحيحة ورددتُ على بعض الشراح من أساتذتنا.
ثم أورد البحث الذي كان قام به.
ثم قال:
والغريب أن جميع شراح الشواهد كالعيني والجرجاوي والشيخ قطة العدوي وغيرهم رووا هذا الشاهد على الرواية الأولى، وشرحوه على المعنى الأول .....، ........ ، وهذا مخالف للواقع ولما قاله الشاعر وأراده، حتى المحدثون الذين شرحوا شواهد ابن عقيل وغيره نهجوا نهج القدامى.
يُراجَع كلامه في الموضع المشار إليه، فالظاهر صوابه.
ثم قال:
"وأعجب من ذلك أن شارحًا حديثًا [في الهامش أنه: الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد] روى هذا البيت:
رأوْني فنادَوني أسوقُ مطيَّتي * * * بأصواتِ هُلاكٍ سغاب حرائرُه
رواه هكذا:
رأوْني فنادَوني أسوق مطيَّتي * * * بأصوات هلال صعاب جرائره
ولم يشرحه مع أنه يشرح كل بيت يأتي به تبعا لأحد أبيات الشواهد" . انتهى النقل.
عبد الله الحمراني
2010-10-23, 05:27 PM
رحم الله أبا فهر!
/// حكى لي أكثر من شخص ممن اشتغل في تحقيق تفسير الطبري طبعة هجر أنهم وقفوا على نسخة مخطوطة مغاربية متقنة لم يقف عليها الشيخ ..
وقصة ذلك مما نحن بصدده أن الشيخ كلما مر على اضطراب فيما بين يديه من نسخ رجح ما ترجح لديه ، على عادته في ذلك ، فكانوا يقفون على ترجيحاته ويقابلونها بالنسخة المغربية التي لم يطلع عليها الشيخ ..
وهنا يكون العجب!
أن ما يرجِّحه الشيخ هو بعينه ما في النسخة المغربية !
فسبحان من أعطاه علم ذاك ووهبه!
وهذه نقطة تحضرني من نكته:
جاء في طبعة الشيخ لتفسير الطبري (1/ 192) : " فإذا ثبت خطأ أن لا تكون (لا) بمعنى الإلغاء مبتدأ .
كتب الشيخ في الحاشية :
[ في المخطوطة : " فإذا ببب حط أن لا يكون بمعنى الإلغاء " غير منقوطة ، ولم يحسن طابعو المطبوعة قراءتها فجعلوها : فإذا بطل حظ لا أن تكون بمعنى الإلغاء . وقد صححنا ما في المخطوطة من تقديم ( لا ) على ( يكون )] .
وجاء في الطبعة الهجَرية (1/ 193 ): [ في م : " بطل حظ لا أن يكون " وفي ت1 ، ت2 ، ت3 : " بطل حظ لا أن تكون " والمثبت من ص . وفيها أيضا حظ وينظر تعليق الشيخ شاكر. ]
محمد جبر
2010-10-23, 07:31 PM
وممّا أذكره في هذا الباب أن في بعض لهجات المغرب العربي عبارة "تفرذم" أو تفرضم"، ومعناها: تكلَّمَ في الشيء لا يحسنه، أو تكلّم قبل أن يؤذن له. وهذا اللفظ لا نجده في المعاجم. ولستُ أدري إن كان له استعمال في اللهجات العربية الأخرى. فهل له صلة بالمسألة؟ الله أعلم.
كنتُ أدرجتُ هذا الكلام في المشاركة السابقة، ثم ساورني الشك، فحذفتُه. واتصلتُ بأخ جزائري، فأكّد لي صحّة ذلك، وأضاف أنّه من منطوق أهالي بعض المناطق في الجنوب.
في العامية المصرية : بَرْطَم يبَرْطَم بمعنى : نطق بكلام غامض غير مفهوم وبطريقة فيها شيء من الغضب ، والصورة قريبة من فرضم المذكورة هنا .
أبو الوليد التويجري
2010-10-26, 09:56 PM
يُرفع.
محمد جبر
2010-10-28, 04:02 PM
هل لي أن أقترح إعادة النظر في أشياء وردت في نشرات كتب تراثية تبعث على تقليب وجوه القراءة للوصول إلى ما يمكن أن يصوِّب فهم ما رمى إليه المؤلفون ؟
هذا مثال حِرْتُ في توجيه قراءة كلمة وردت فيه فجعلت الجملة مرتبكة من حيث الصياغة النحوية والمعنى العام في سياق القضية .
في خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي في نشراته جميعها : الطبعة البولاقية ونشرة هارون القديمة ونشرة محيي الدين ثم نشرة هارون المعاصرة أورد المؤلف آراء المؤيدين والمعارضين ومن توسطوا بين الوجهتين في قضية الاستشهاد بالحديث النبوي في النحو وكانت العبارة الغامضة من وجهة نظري ولستُ أدري أهي من كلامه أم من نقله :
" والصواب جواز الاحتجاج بالحديث للنحوى في ضبط ألفاظه "
فكلمة للنحوى هاهنا غير ذات فائدة تضاف إلى السياق ؛ فالكلام عن أهل النحو لا غيرهم ، وهي قلقة في تركيب الجملة وخصوصا مع ما بعده من حرف الجر في إذ لا تعلُّق له يُدرَك بشيء سابق في العبارة .
هذه العبارة في طبعة بولاق في ج 1 ص 5 في السطرين 5 ، 6
وهي في طبعة عيسى البابي الحلبي التي أشرف عليها ووضع فهارسها محمد محيي الدين عبد الحميد في ج 1 ص 6 في السطر 7
وهي في نشرة هارون الأخيرة في ج 1 ص 9 في السطر 15
فهل لنا أن نصنع كصنيع الشيخ الزين رحمه الله ونجد وجها من وجوه القراءة المحتملة يليق بالمعنى والنركيب !
تحياتي إلى أهل التدقيق الكرام .
انقضى زمان أحسبه كافيا لترقّب أن يُدليَ أصحاب المعرفة بآرائهم ولم أجد مَن يرى رأيه في المسألة ؛ لذلك أتقدّم باقتراح قراءة تقوم على تقليب صور الأحرف مكتوبة بشيء من العجلة حتى اشتبهت في عين من نظر في الطبعة الأميرية وتبعه مَن جاء بعده !
كلمة : للنحوي لا أراها مناسبة للسياق ولا تتلاءم مع تركيب العبارة من حيث النحو ، وحرف الجر : في لا مساغ له من حيث التعلق ، فأنا أقترح منذ خمس وعشرين سنة أن تكون القراءة :
" والصواب جواز الاحتجاج بالحديث المتحرَّى في ضبط ألفاظه "
لمست الميم طرف الألف الأسفل فبدا كأن لامين اتصلا ، وكبر حجم بداية الراء فأشبه رأس الواو وصحفت التاء إلى نون ، وخدعت العبارة القارئ الأول بسبب جري الكلام في النحو بصورة عامة .
وهذا يشبه ما فسّر به الأخ الواحدي حالة من التصحيف فقال في مشاركة 12 من ذي القعدة الحالي :
أحد نسّاخ "الأسرار" أغرى منقارَ الدّال بالانخفاض قليلا، فانغلق الحرفُ وشابَه الميم .
عرضتُ هذا الاقتراح على الدكتور الطناحي رحمه الله وقت عمله في مكة وطلبت أن يعرضه على الشيخ محمود شاكر رحمه الله في فترة عطلة نصف العام الدراسي ولما عاد نقل إليّ أن الشيخ قال إن هذا الاقتراح ممكن قبوله . وأحسب أن الشيخ فضّل إعادة النظر في المخطوط ، وقد سعيتُ لدى مركز تحقيق المخطوطات من أجل ذلك فلم أتمكن .
هلا تكرَّم أهل الخبرة ومن يستطيعون النظر في المخطوط بتقديم القول الذي يطمئن بال الباحث عن الصواب !
محمد جبر
2010-11-07, 06:58 PM
انقضت عشرة أيام وما وجدتُ جوابا لسؤالي ، هلا نظرتم في الموضوع !
خزانة الأدب
2010-11-07, 07:46 PM
انقضت عشرة أيام وما وجدتُ جوابا لسؤالي ، هلا نظرتم في الموضوع !
الأخ الفاضل
سؤالك وجيه
ولكن أعتقد أن الموضوع معقود لغير هذا!
محمد جبر
2010-11-07, 09:54 PM
الأخ الفاضل
سؤالك وجيه
ولكن أعتقد أن الموضوع معقود لغير هذا!
مع تقديري لوجهة نظرك وهي بلا ريب معقولة أظن أن العنوان : من نكت المحققين لا يقتصر على البحث عما فاتَهم أو وقعوا فيه من الاجتهاد الخاطئ ، ولنجعل من نكت المحققين ما يُتوقع أنه فاتَهم أو قصر عن التنبه إليه اجتهادهم ، ولا ننتظر إعلان نكتة اكتشفها مجتهدون آخرون ، فنكتشف هنا نكتة فاتت المحققين ومن لم يفتشوا في أعمالِهم .
شكرا ولك تحياتي .
الشويحي
2010-11-10, 10:40 PM
حققت موضعا فى لسان العرب لم يقف عليه أحد قبلي ، والغلط في نشرات الكتاب كافة لم يصحح حتى الآن . وتعميما للفائدة وجدت الفرصة سانحة الآن لأعرضه عليكم فتصححوه فى نسخكم من اللسان إذا رأيتم ذلك :
لسان العرب : ( جعل )
« ورأَيت حاشية بخط بعض الفضلاء قال : ذكر أَبو القاسم على بن حمزة البصرى فى التنبيهات على المبرد فى كتابه الكامل : وجمع جَعْل على أَجْعال وهو رَوْث الفيل قال جرير:
قَبَحَ الإِلهُ بَنى خَضَافِ ونِسْوَةً ... بات الخَزيرُ لَهُنَّ كالأَجْعال »
وما فى التنبيهات على الكامل بتحقيق العلامة الميمنى : 99 جفل على أجفال ( بالفاء ) لا بالعين لروث الفيل ، وبيت جرير فى نقائض جرير والفرزدق تحـ / بيفان ط ليدن : 1/ 321 بإحدى روايتين : « كالأحقال » أو « كالأجفال » والأحقال داء يأخذ فى البطن فيسترخى ، يعيرها بذلك ، ويروى كالأجفال وهو سلحان الفيلة ؛ لأن الفيل يسلح شيئا عظيما . اهـ
فالحاشية التى نقلها ابن منظور فى ( جعل ) غير صحيحة ولا موضع لها فى ( جعل ) والصواب حذفها ، لأنه ذكر روث الفيل فتلزمه رواية الأجفال . على أنه قد نقل الصواب فى ( جفل ) عن ابن الأعرابي . وأنشد ابن برى بيت جرير أيضا بالفاء مع أن بينهما ورقات . انظر ط بولاق : 13/ 119 ، 122 .
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.