احمد زكريا عبداللطيف
2010-10-14, 12:14 AM
أيها الدعاة ..احذروا تضخيم الذات
بقلم/ أحمد زكريا
من أعظم الآفات التي ابتليت بها الشعوب العربية، وبخاصة المنتمين إلى الحركة الإسلامية آفة تضخيم الذات، ويظن أحدنا بنفسه أن الكون متوقف عليه، وأنه الترس الأساسي الذي يحرك الكون من حوله.
يفعل ذلك الكثيرون منا مع أولادهم ومع من يعولون، ويصور لأحدنا خياله المريض أن هؤلاء من دونه لا يستطيعون الحياة.
بل يزداد الأمر سوءً عندما يلبس الفرد ثوبا ً هو أوسع منه حجما ً، ويعطي لنفسه حيثية هي ليست له، ولم يعطها له أحد.
يخطئ أحدنا عندما يبوأ نفسه مكانة بينه وبينها بعد المشرقين، فليس كل من أتيح له منبر، أو أوتي حظا من البلاغة والقبول يخيل إليه هواه أنه أصبح متحدثا رسميا باسم الإسلام.
وهذا خطأ فادح ساعد عليه كثرة المنابر الدعوية، من فضائيات وصحف ومواقع، فطاب الكثيرون من غير أوان - أو هكذا ظنوا -.. وأعطوا لأنفسهم مكانة ليست لهم، وفي هذا تضييع للأمانة، وافتئات على حقوق العلماء الربانيين والقادة النابهين.
وقد حذر الإسلام من ذلك أيما تحذير فقال سبحانه " لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [آل عمران : 188]
وفي الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به, ولكل مفتخر بما لم يعمل, ليُثنيَ عليه الناس ويحمدوه.
وقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من ذلك تحذيرا ً شديدا ً.. فقال فيما أخرجه أبو داود ( 4813 ) عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أعطي عطاء فوجد فليجز به و من لم يجد فليثن, فإن من أثنى فقد شكر و من كتم فقد كفر, ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور" وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 181".
رحم الله امرأ عرف قدر نفسه
فليلزم كل منا الأدب مع علمائنا وقادتنا، وليعرف كل منا حجمه بصدق ولا يتزيا بزي ليس له، فإن ذلك من أعظم الفساد، فإنه قد يوصل العبد إلى درجة بعيدة من إحسان الظن بنفسه، فإذا ما تحدثت معه في قضية، قال لك الأمر عندي هكذا.
ورحم الله القائل:
يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند
فليعرف كل منا قدره وليقف عند حدوده، ولا يحسن الظن بنفسه فوق العادة فتتضخم ذاته حتى تطغى عليه، وتنسيه أصل خلقته، فيعطي لنفسه شرفا لا يمتلك مقوماته، ويورثه ذلك صلفا وغرورا وتمحورا حول الذات.
حتى يظن أنه إذا تكلم لابد أن يسمع له، وإذا أفتى فلابد أن يتابع، وإذا تحرك حركة أو سكن سكنة فلابد أن يقتدي به، وتلك وربي قاصمة الظهر.
نسي الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيها وعربد
من لم ير إلا نفسه فهو على شفير الهلاك
ولنا في القرآن أمثلة فريدة عن أناس تضخمت ذواتهم، وهم في حقيقة الأمر أصفار لا يساوون شيئا، انظر إلى أحدهم كيف تحدث عنه القرآن: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [البقرة : 258].
لما نسي من أين أتى؟!! - أو تناسى – أوصله ذلك لادعاء ما لله وليس لأحد سواه، فكيف فعلت الذات بصاحبها؟!!.
وانظر إلى الشقي الآخر: "إنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ" [القصص : 76].
فالمؤمنون – كما يقول شيخنا الغزالي -: "لا يرون المال سبب استعلاء، ولا مصدر تطاول على الآخرين".
إنه اختبار من الله يؤدي حقه فيه.
لكن قارون رأى أنه كسب المال بعبقريته وحده، وأن من حقه أن يشمخ به ويترف فيه وينظر إلى غيره شزرا:" قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ "(78).
وأخيرا ً
فليزم كل واحد منا غرزه، ولينفق من كيسه هو، ولا يتطفل على كيس غيره، فكل ثوب أولى بصاحبه.
وما يحسن أن يقوله القائد لا يصح أن يقوله الجندي.
وما يصح أن يؤصله الشيخ فليس للتلميذ أن يتعدى أستاذه.
بقلم/ أحمد زكريا
من أعظم الآفات التي ابتليت بها الشعوب العربية، وبخاصة المنتمين إلى الحركة الإسلامية آفة تضخيم الذات، ويظن أحدنا بنفسه أن الكون متوقف عليه، وأنه الترس الأساسي الذي يحرك الكون من حوله.
يفعل ذلك الكثيرون منا مع أولادهم ومع من يعولون، ويصور لأحدنا خياله المريض أن هؤلاء من دونه لا يستطيعون الحياة.
بل يزداد الأمر سوءً عندما يلبس الفرد ثوبا ً هو أوسع منه حجما ً، ويعطي لنفسه حيثية هي ليست له، ولم يعطها له أحد.
يخطئ أحدنا عندما يبوأ نفسه مكانة بينه وبينها بعد المشرقين، فليس كل من أتيح له منبر، أو أوتي حظا من البلاغة والقبول يخيل إليه هواه أنه أصبح متحدثا رسميا باسم الإسلام.
وهذا خطأ فادح ساعد عليه كثرة المنابر الدعوية، من فضائيات وصحف ومواقع، فطاب الكثيرون من غير أوان - أو هكذا ظنوا -.. وأعطوا لأنفسهم مكانة ليست لهم، وفي هذا تضييع للأمانة، وافتئات على حقوق العلماء الربانيين والقادة النابهين.
وقد حذر الإسلام من ذلك أيما تحذير فقال سبحانه " لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [آل عمران : 188]
وفي الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به, ولكل مفتخر بما لم يعمل, ليُثنيَ عليه الناس ويحمدوه.
وقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من ذلك تحذيرا ً شديدا ً.. فقال فيما أخرجه أبو داود ( 4813 ) عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أعطي عطاء فوجد فليجز به و من لم يجد فليثن, فإن من أثنى فقد شكر و من كتم فقد كفر, ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور" وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 181".
رحم الله امرأ عرف قدر نفسه
فليلزم كل منا الأدب مع علمائنا وقادتنا، وليعرف كل منا حجمه بصدق ولا يتزيا بزي ليس له، فإن ذلك من أعظم الفساد، فإنه قد يوصل العبد إلى درجة بعيدة من إحسان الظن بنفسه، فإذا ما تحدثت معه في قضية، قال لك الأمر عندي هكذا.
ورحم الله القائل:
يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند
فليعرف كل منا قدره وليقف عند حدوده، ولا يحسن الظن بنفسه فوق العادة فتتضخم ذاته حتى تطغى عليه، وتنسيه أصل خلقته، فيعطي لنفسه شرفا لا يمتلك مقوماته، ويورثه ذلك صلفا وغرورا وتمحورا حول الذات.
حتى يظن أنه إذا تكلم لابد أن يسمع له، وإذا أفتى فلابد أن يتابع، وإذا تحرك حركة أو سكن سكنة فلابد أن يقتدي به، وتلك وربي قاصمة الظهر.
نسي الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيها وعربد
من لم ير إلا نفسه فهو على شفير الهلاك
ولنا في القرآن أمثلة فريدة عن أناس تضخمت ذواتهم، وهم في حقيقة الأمر أصفار لا يساوون شيئا، انظر إلى أحدهم كيف تحدث عنه القرآن: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [البقرة : 258].
لما نسي من أين أتى؟!! - أو تناسى – أوصله ذلك لادعاء ما لله وليس لأحد سواه، فكيف فعلت الذات بصاحبها؟!!.
وانظر إلى الشقي الآخر: "إنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ" [القصص : 76].
فالمؤمنون – كما يقول شيخنا الغزالي -: "لا يرون المال سبب استعلاء، ولا مصدر تطاول على الآخرين".
إنه اختبار من الله يؤدي حقه فيه.
لكن قارون رأى أنه كسب المال بعبقريته وحده، وأن من حقه أن يشمخ به ويترف فيه وينظر إلى غيره شزرا:" قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ "(78).
وأخيرا ً
فليزم كل واحد منا غرزه، ولينفق من كيسه هو، ولا يتطفل على كيس غيره، فكل ثوب أولى بصاحبه.
وما يحسن أن يقوله القائد لا يصح أن يقوله الجندي.
وما يصح أن يؤصله الشيخ فليس للتلميذ أن يتعدى أستاذه.