مشاهدة النسخة كاملة : تأملات قرآنية.....متجدد بإذن الله
أبو سفيان الأثرى
2010-10-12, 02:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
هذا الموضوع دعوة لتدبر القرآن، واستخراج المعانى التى قد تخفى عن البعض، وأرجو من الأخوة إثراء الموضوع بتأملاتهم لكتاب الله جلَّ وعلا، أو بنقل من كلام أهل العلم، ليعم النفع؛ والله ولى التوفيق.
ونبدأ بعون الله بتأملات فى سورة الفاتحة:
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
تضمنت ثلاث الآيات ثلاث مسائل:
الآيةالأولى: فيها المحبة؛لأن الله منعم، والمنعم يحب على قدر إنعامه ; والمحبة تنقسم إلى أربعة أنواع:
المحبة الأولى: محبة شركية، وهي محبة الذين قال الله فيهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُمِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}إلى قوله{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}.
المحبةالثانية:ح الباطل وأهله، وبغض الحق وأهله ; وهذه صفة المنافقين.
والمحبة الثالثة: طبيعية، وهي محبةالمال والولد، فإذا لم تشغل عن طاعة الله، ولم تعن على محارم الله، فهي مباحة.
والمحبة الرابعة: حب أهل التوحيد، وبغض أهل الشرك، وهي أوثق عرى الإيمان، وأعظم مايعبد بها الإنسان ربه.
الآية الثانية: فيها الرجاء
والآية الثالثة:فيها الخوف.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي: أعبدك يا رب بما مضى بهذه الثلاث، بمحبتك ورجائك وخوفك; هذه الثلاث أركان العبادة، وصرفها لغير الله شرك.
وفيها من الفوائد: الرد على ثلاث الطوائف التي كل طائفة تعلق بواحدة منها، كمن عبد الله بالمحبة وحدها، وكذلك من عبد الله بالرجاء وحده كالمرجئة، وكذلك من عبد الله بالخوف وحده كالخوارج.
وأما {إِيَّاكَ نَعْبُدُوَإِيَّ اكَ نَسْتَعِينُ} ففيها توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فيها توحيد الألوهية، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيها توحيد الربوبية.
وأما الآيتان الأخيرتان،ففيها من الفوائد: ذكر أحوال الناس،قسمهم الله ثلاثة أصناف: منعم عليه، ومغضوب عليه، وضال.
فالمغضوب عليهم أهل علم ليس معه عمل.
والضالين: أهل عبادة ليس معها علم، وإن كان سبب النّزول في اليهود والنصارى، فهي لكل من اتصف بذلك.
والنوع الثالث: من اتصف بالعلم والعمل، وهم المنعم عليهم.
وفيها من الفوائد: التبرؤ من الحول والقوة، لأنه منعم عليك ; وكذلك فيها: معرفة الله على التمام، ونفي النقائص عنه تبارك وتعالى، وفيها: معرفة الإنسان نفسه، ومعرفة ربه، فإنه إذا كان رب فلا بد من مربوب، وإذا كان هنا عبد فلا بد من معبود، وإذا كان هنا هاد فلا بد من مهدي; وإذا كان هنا مُنعَم عليه فلا بد من مُنعِم، وإذا كان هنا مغضوب عليه فلا بد من غاضب; وإذاكان هنا ضال فلا بد من مضل ; فهذه السورة تضمنت الألوهية، والربوبية، ونفي النقائص عن الله، وتضمنت معرفة العبادة وأركانها، والله أعلم.
(الدرر السنية 13/73 بتصرف)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال ، وتضمنتها أكمل تضمن فاشتملت على التعريف بالمعبود - تبارك وتعالى - بثلاثة أسماء مرجع الأسماءالحسنى والصفات العليا إليها، ومدارها عليها وهي : الله ، والرب ، والرحمن وبُنيت السورة على الإلهيه، والربوبية،والرح مة فـ {إياك نعبد} مبني علىالإلهية، و{إياك نستعين} على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة.
والحمد يتضمن الأمور الثلاثة: فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته .
واشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة التي اتفقت عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وهي :
1-التوحيد العلمي: سمي بذلك لتعلقه بالأخبار والمعرفة ويسمى أيضاً بـ (توحيد الأسماء والصفات).
2- التوحيد القصدي الإرادي: سُمي بذلك لتعلقه بالقصد والإرادة، وهذا الثاني نوعان : توحيد في الربوبية، وتوحيد في الإلهية .
فأما التوحيدالعلمي(ت حيد الأسماء والصفات): فمداره على إثبات صفات الكمال، وعلى نفي التشبيه، والمثال، والتنزيه عن العيوب والنقائص وقد دل على هذا شيئان :
أ-مجمل، ب-مفصل.
أ- أما المجمل فإثبات الحمد لله سبحانه .
ب- وأما المفصل فذكر صفة الإلهيه، والربوبية، والرحمة، والملك،وعلى هذه الأربعة مدار الأسماء والصفات .
فأما تضمن الحمد لذلك: فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه، والخضوع له .
ولهذا كان الحمد كله لله، حمداً لايحصيه سواه لكمال صفاته وكثرتها، لأجل هذا لا يحصي أحد من خلقه ثناءً عليه لما له من صفات الكمال ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه .
كما قال صلى الله عليه وسلم "لا أحصي ثناءً عليك" فهذه دلالة على توحيد الأسماء والصفات .
وأما دلالة الأسماء الأربعةعليها (أي على الأسماء والصفات)وهي:الله ، والرب، والرحمن، والملك، فمبني على أصلين :
الأصل الأول : أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله، فهي أسماء وهي أوصاف وبذلك كانت حسنى إذ لو كانت ألفاظاً لا معاني فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال .
الأصل الثاني: الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة، فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم، فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على صفة أخرى باللزوم، فإن اسم(السميع) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم (الحي) وصفة الحياة بالالتزام .
وكذلك سائر أسمائه وصفاته .. ولكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه .
إذا تقرر هذان الأصلان فاسم (الله) دال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث(المطابقة والتضمن،واللزو )ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم كقوله تعالى : {ولله الأسماء الحسنى} ويقال: الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز ونحو ذلك .
فَعُلِم أن اسمه (الله) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، واسم (الله) دال على كونه مألوهاً معبوداً، تألهه الخلائق محبة، وتعظيماً وخضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب ،وذلك مستلزم لكمال ربوبيته، ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد .
وإلهيته، وربوبيته، ورحمانيته، وملكه،مستلزم لجميع صفات كماله .
إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ولاسميع ، ولا بصير ولا قادر ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال: أخص باسم (الله).
وصفات الفعل ، والقدرة والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم (الرب).
وصفات الإحسان والجود والبر والمنة والرأفة واللطف ،أخص باسم(الرحمن).
وصفات العدل، والقبض والبسط، والخفض والرفع ، والعطاء والمنع ، والإعزاز، والإذلال، والقهر، والحكم، ونحوها أخص باسم (الملك).
وفي ذكر هذه الأسماءبعد الحمدفي قوله تعالى : {الحمد لله رب العالمين (2) الرحمن الرحيم (3) مالك يوم الدين} وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها مايدل على أنهمحمود فيإلهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، وملك محمود.
فله بذلك جميع أقسام الكمال.
(مدارج السالكين 1/24-37بتصرف)
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
أمّ البراء
2010-10-12, 11:31 PM
بارك الله فيك ..
وبانتظار المزيد ..
أبو سفيان الأثرى
2010-10-14, 02:12 PM
وفيك بارك؛
الله المستعان.
أبو سفيان الأثرى
2010-10-14, 02:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
وجدت أهم أسباب الإنتكاس فى هذه الأيات:
قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208) فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)} [البقرة: 209:208]
{ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} فأول أسباب الإنتكاس التفريط فى بعض شرائع الإسلام، فالإسلام واجبات ومندوبات( فرائض وسنن ) فمن أتى بالفرائض وقصر فى السنن فإنه لم يدخل فى السلم كافة، فيكون هذا أول أسباب الإنتكاس ويكون سريعا.
أما إذا تمسك بشعائر الإسلام كافة من فرائض وسنن، تكون المرحلة الثانية وهى:
{وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} وخطوات الشيطان فى هذه المرحلة تكون بمحاولة التثبيط عن السنن والتقليل من أهميتها، ليسهل عليه بعد ذلك التثبيط عن الفرائض، فالشيطان لن يأتى لمن يقيم الليل ويقل له اترك صلاة الفجر.
وأيضا من خطواته الأز على التوسع فى المباحات، فتكون الخطوة الثانية الوقوع فى المكروهات، والخطوة الثالثة ارتكاب المحرمات.
لذلك قال تعالى {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} ولم يقل ولا تتبعوا الشيطان، لأن هذا قد يخفى عن البعض، نسأل الله السلامة.
إذاً السبب الثانى من أسباب الإنتكاس: التوسع فى المباحات وفعل المكروهات .
فإذا تمسك الإنسان بشرائع الإسلام ولم يتوسع فى المباحات ولم يرتكب المكروهات وكان ذو علم وعبادة ولكنه زل وانتكس!!!!!!!
لا يوجد سبب ظاهر للإنتكاس، فيبين الله لنا السبب فى قوله تعالى {فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)}
فهذا الذى زل شهد الله له بالعلم {مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ} وكان متمسك بشرائع الإسلام صوام قوام طالب علم مجتهد، ولكنه زل وانتكس والسبب بينه الله فى تذيل الأية {فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فهذا الذى زل لم يعلم أن الله عزيز، لم يعلم العلم المقتضى للعمل، أى لم يعمل بمقتضى الإسم، لم يذل لله عز وجل، إنما رأى عمله فتكبر وأصابه العجب والغرور، فكان مقتضى اسم الله الحكيم أن ينتكس، ليعلم أن توفيقه من الله جل وعلا فيتضرع لله ويذل نفسه له سبحانه وتعالى، فيكون بهذا تعبد باسم العزيز،فالله جل وعلا أزله بمقتضى "الحكيم" ليتعبد بمقتضى "العزيز" لذلك ذيل الله الأية بهذين الإسمين {فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
فأسباب الإنتكاس من هذه الآيات:
1- التفريط فى بعض شرائع الإسلام.
2- التوسع فى المباحات وارتكاب المكروهات.
3- العجب والغرور ورؤية النفس.
4- عدم فقه التعبد بأسماء الله وصفاته.
والله أعلم.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
القارئ المليجي
2010-10-16, 10:37 AM
واصل، بارك الله فيك، وجزاك خير الجزاء.
أبو سفيان الأثرى
2010-10-17, 12:56 AM
وفيك بارك، وجزاك بالمثل؛
أبو سفيان الأثرى
2010-10-18, 06:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى :{ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }
كلنا نعلم أن أية الكرسى هى أعظم أية فى القرآن بنص كلام النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك كونها تضمنت أكثر من اثنين وعشرين (اسم، ووصف، وفعل) لله جل وعلا، فأحاول الوقوف عليهم وفهم معانيهم بايجاز، والله المستعان.
1- اللَّهُ: الاسم العلم على ذات الله جل وعلا، وهو متضمن معانى التوحيد الثلاثة، كما أنه مرجع جميع الأسماء الحسنى.
لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ: كلمة التوحيد، وهى نفى الألوهية عن الجميع، واثباتها لله وحده لا شريك له، وهى تضمنت صفتين لله تعالى:
2- أحدهما: الألوهية .
3- الثانية: الوحدانية، فالله جل وعلا انفرد بالوحدانية، وتفرد بالكمال المطلق فى كل شئ سبحانه وتعالى.
4- الْحَيُّ: اسم من أسماء الله الحسنى، فهو سبحانه حى لا يموت، وجميع الأسماء تدل على اسم الله الحى باللزوم.
5- الْحَيُّ: منه صفة الحياة، وحياة الله جل وعلا أولية بلا ابتداء، آخرية بلا انتهاء، لا يعتريها نقص ولا مرض، وهى من الصفات الذاتية اللازمة التى لا تتعدى لمفعول.
6- الْقَيُّومُ: القائم بنفسه سبحانه، قيم السموات والأرض، القائم على جميع أحوال الخلائق.
7- الْقَيُّومُ: ومنه صفة القيومية، وهى صفى ذاتية متضمنة لجميع صفات الأفعال.
8- الْحَيُّ الْقَيُّومُ: قيل أنه اسم الله الأعظم، لأنه بالاقتران أصبح متضمن جميع الصفات الذاتية وجميع الصفات الفعلية لله جل فى علاه.
9- لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ: هذا من النفى المتضمن كمال الضد، فبعد أن ذكر الله جل وعلا أنه الحى القيوم، أكد كمال الحياة وكمال القيومية، بأنه سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم.
10- لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ: دلالة على اسم الله الغَنى سبحانه وتعالى، وصفة الغِنى.
11- لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ: مقتضيات اسم الملك والمليك ، وصفة الملك .
12- مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ: لكمال ملكه سبحانه وتعالى.
13- مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ: دلالة على صفة القهر، واسم الله القاهر والقهار، فكل الخلائق مربوبة مقهورة لله جل وعلا.
14- مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ: لكمال عزته سبحانه وتعالى، فبها دلالة على صفة العزة واسم الله العزيز.
15- مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ: من أثار القدرة، واسم الله القادر، والقدير، والمقتدر.
16- بِإِذْنِهِ: الإذن من أفعال الله جل وعلا، وهو إذن كونى كما فى هذه الأية وأيضا فى قوله تعالى { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [النبأ: 38] ، وإذن شرعى كقوله تعالى { قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } [يونس: 59]
17- يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ: لكمال علمه سبحانه تعالى، فهى دالة على صفة العلم، واسم الله العليم.
18- وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ: دلالة على صفة العظمة، واسم الله العظيم، فالله جل وعلا عظيم فى ذاته، عظيم فى صفاته، فلعظم صفاته سبحانه لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته.
19- إِلاَّ بِمَا شاء: إثبات المشيئة لله جل وعلا، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وإثبات القدرة بدلالة اللزوم.
20- وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ: قيل أنه موضع القدم، وأى ما كان فهذه دلالة على عظم الله جل وعلا، وإحاطته بخلقه، وأيضا دلالة على اسم الله العظيم، والكبير، والمحيط، والواسع، سبحانه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) } ، وصح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " يا أبا ذر ما السموات عند الكرسي إلا كحلقة ملقة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " (قال الألبانى رحمه الله: لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث وأنه أعظم المخلوقات بعد العرش وأنه جرم قائم بنفسه وليس شيئا معنويا) (انظر مختصر العلو 36/102).
21- وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا: أى لا يعجزه سبحانه وتعالى حفظ السموات والأرض، وهذا أيضا من النفى المتضمن كمال الضد، فالله جل وعلا لا يعجزه شئ لكمال عظمته، وكمال قوته، وكمال قدرته،وكمال قهره، وكمال غلبته {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} ، وهذا من أثار اسم الله العظيم، القادر، المقتدر، القدير، القوى، القاهر، القهار.
22- الْعَلِيُّ: من أسماء الله الحسنى، ويتضمن اسمه العلي صفة ا العلو بجميع معانيها :
علو الذات: وهو فوقيته تعالى على عرشه فهو سبحانه عال على جميع خلقه بائن منهم، وعلو القهر: فلا مغالب له ولا منازع له بل كل شيء خاضع لعظمته ، ذليل لعزته، وعلو القدر: هو التعظيم الذي يكون في قلوب المؤمنين، وهو علو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق، وجميع هذه المعاني للعلو متلازمة لا ينفك معنى منها عن الآخر.
23- الْعَظِيمُ: الله جل وعلا عظيم فى ذاته، عظيم فى أسمائه، عظيم فى صفاته وأفعاله، له العظمة المطلقة التى لا تحد، والعظمة صفة ذاتية لا تنفك عن ذات الله جل فى علاه، وهى تدل على كثير من الصفات دلالة لزوم مثل، الجلال، القدرة، الغنى، الملك، القهر، وغيرها.
24- الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ: زيل الله جل وعلا هذه الأية بهذين الاسمين لكون الأية تبين معانى العظمة والعلو فى كل معانيها.
قال الشيخ السعدى رحمه الله بعد تفسيره لهذه الأية:
فآية احتوت على هذه المعاني التي هي أجل المعاني، يحق أن تكون أعظم آيات القرآن، ويحق لمن قرأها، متدبرا متفهما، أن يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان والإيمان، وأن يكون محفوظا بذلك من شرور الشيطان.
هذا ما ظهر لى من معانى هذه الأية العظيمة بفضل ومنًة من الله الكريم المنان، وما خفى على أكثر.
والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
ما شاء الله .. موضوعكم أيّها المبارك في الصميم.
زدنا زادكم الله من فضله.
فنحن متابعون.
أبو سفيان الأثرى
2010-10-18, 11:56 PM
آمين؛
جزاك الله خير
أبو سفيان الأثرى
2010-10-20, 08:18 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّي نَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} يبين الله جل وعلا أنه لا أحد أظلم وأقبح كذبا ممن يفترى الكذب على الله.
{وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ} وقرأ ابن مسعود { يَدَّعِي إِلَى الإِسْلامِ } أي وهو ينتسب إلى الإسلام مدعياً أنه مسلم وليس بذاك، فيكذب على الله باسم الدين.
{وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الذين لا يزالون على ظلمهم مستقيمين، لا تردهم عنه موعظة، ولا يزجرهم بيان ولا برهان، الذين ظَلموا ثم ظلموا وواصلوا الظلم وداموا قائمين على ظلمهم ولم يسلكوا سبل الهداية فأصبح الظلم طبعاً لهم، فلا يرشدهُم الله جل وعلا إلى ما فيهِ فلاحُهم لعدمِ توجههم إليهِ ولإعراضهم عنه {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} خصوصا هؤلاء الظلمة القائمين بمقابلة الحق ليردوه، ولينصروا الباطل،ولهذا قال الله عنهم:
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ } أي يريدون بكذبهم على الله، وبما يصدر منهم من المقالات الفاسدة، تشويه الدعوة الإِسلامية النابعة من القرآن والسنة، ومحاربة أهلها، بزعم أن هذه الدعوة دعوة للإرهاب، ودعوة إلى التخلف والرجعية، وسبب لإثارة الفتنة الطائفية، وأن هذا ليس من الإسلام فى شئ....إلى غير ذلك من الدعاوى الكاذبة التى يخفون ورائها، الزندقة وحقدهم على الإسلام وأهله القائمين به الداعين إليه، وكل هذه المقالات التي يريدون رد الحق بها لا حقيقة لها، بل تزيد البصير معرفة بما هم عليه من الباطل والضلال المبين، فهؤلاء الظالمون الأفاكون يريدون أن يبطلوا الحق الذي بُعِثَ به محمد صلى الله عليه وسلم بأقوالهم الكاذبة، فصاروا بمنزلة من ينفخ فى الشمس بفيه ليطفئها {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }، وكما أن هذا مستحيل كذلك ذاك مستحيل.
لذلك قال جل فى علاه {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} فقد تكفل الله بنصر دينه، ونشرِه في الآفاقِ وإعلائه، وإتمام الحق الذي أرسل به رسله، ولو كره الكافرون، وبذلوا بسبب كراهتهم كل سبب يتوصلون به إلى إطفاء نور الله فإنهم مغلوبون، قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَه َا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق، فسيفعلون ذلك، ثم تذهب أموالهم، { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } أي: ندامة؛ حيث لم تُجْدِ شيئًا؛ لأنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق، والله متم نوره ولو كره الكافرون، وناصر دينه، ومُعْلِن كلمته، ومظهر دينه على كل دين. فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار.
فالدعوة لن تتوقف لأن الله سبحانه {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} فالدين الحق هو ما جاءنا عن النبى صلى الله عليه وسلم القائم على العلم النافع والعمل الصالح، وليس القائم على أهواء الرجال الخادم لمصالحهم، فديننا ودعوتنا قائمة إلى أن تقوم الساعة على شرار الخلق، فلن يغالبها مغالب، أو يخاصمها مخاصم، إلا قسمه الله، فالله ناصر دينه لا محالة {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} فهذا الوصف ملازم لدعوة الحق في كل وقت، أما المنتسبون إلي هذه الدعوة، فإنهم إذا قاموا بها، واستناروا بنورها، واهتدوا بهديها، الذى هو الكتاب والسنة، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، ولا بد أن يظهروا على أهل الأرض جميعاً {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} و {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} ، أما إذا ضيعوها، ولم يعملوا بها، واكتفوا منها بمجرد الانتساب إليها، لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم ل بها لعمل سبب تسليط الأعداء عليهم {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
فدين الله غالب لا محالة {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} فالله مظهر الحق بإتمام دينه، بنا أو بغيرنا، فعلينا أن نصلح من أنفسنا، لنكون أهلاً لتبليغ دين الله، فهذ الشرف لا يناله إلا من هو أهل له {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}. فإن أردنا أن نكون أحق بها وأهلها، قال تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} فالإيمان بالله ورسوله أولاً، فلا نقدم شئ على أمر الله ورسوله، ثم جهاد الهوى وسائرَ العلائق بالأموال والأنفس ثانياً، فالأموال تنفق فى سبيل الدعوة، والأنفس تنفق فى سبيل تعلم العلم وتعليمه للناس، وألا نخشى فى الله أحد {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} إن فعلتم -أيها المؤمنون- ما أمركم الله به يستر عليكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، ومساكن طاهرة زكية في جنات إقامة دائمة لا تنقطع، ذلك هو الفوز الذي لا فوز بعده.
ونعمة أخرى لكم- أيها المؤمنون- تحبونها هي نصر من الله يأتيكم، وفتح عاجل يتم على أيديكم {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
فإن بذلنا أنفسنا وأموالنا لله، كان النصر والفتح في الدنيا، والجنة في الآخرة.
فـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ} بالأقوال والأفعال، والقيام بدين الله، والحرص على إقامته على الغير، وجهاد من عانده ونابذه، بالأبدان والأموال، وبتعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحث على ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرد على الباطل وأهله، وبيان ضلالهم للناس، والتحذير منهم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ} انصروا دين الله، انصروا كتاب ربكم وسنة نبيكم، وملة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
عن تميم الداري، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليبلغن هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله هذا الدين، بعِزِّ عزيز، أو بِذُلِّ ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر" [رواه أحمد ( 4 / 203 ) والحاكم ( 4 / 430431 ) وقال : " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وإنما هو على شرط مسلم فقط] (انظر: تحذير الساجد 1/112) .
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا
اللهم لا تعاملنا بما نحن أهله فنهلك ونكن من الخاسرين
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
أبو سفيان الأثرى
2010-10-24, 05:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى: { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الذاريات:50-51].
الفرار: الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السعداء وفرار الأشقياء .
ففرار السعداء: الفرار إلى الله عز وجل. ،
أما فرار الأشقياء: الفرار منه لا إليه.
قال ابن عباس في قوله تعالى { ففروا إلى الله }: " فروا منه إليه واعملوا بطاعته "
وقال سهل بن عبدالله " فروا مما سوى الله إلى الله "
وقال آخرون " اهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطاعة "
فهو فرار من الله إلى الله سبحانه وتعالى
فإن الفرار اليه سبحانه يتضمن افراده بالطلب والعبودية ولوازمها فهو متضمن لتوحيد الإلهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، فهو فرار بالقلب من محبة غير الله الى محبته، من عبودية غيره الى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه الى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له الى دعائه وسؤاله والخضوع له والذل له والاستكانة له جل وعلا، وهذا بعينه معنى قوله تعال { ففروا إلى الله } وفي هذا الأمر سر عظيم من اسرار التوحيد.
فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله الى الله
والفرار منه اليه متضمن لتوحيد الربوبية واثبات القدر وأن كل ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفر منه العبد فإنما أوجبته مشيئة الله وحده فإنه ما شاء كان بمشيئته وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده لعدم مشيئته، فإذا فر العبد الى الله فإنما يفر من شئ وجد بمشيئة الله الى شئ وجد بمشيئة الله، فهو في الحقيقة فار من الله إليه.
ومن تصور هذا حق تصوره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم " وأعوذ بك منك " وقوله " لاملجأ ولا منجى منك إلا اليك " فانه ليس في الوجود شئ يُفر منه ويُستعاذ منه ويُلتجأ منه الا هو من الله خلقا وتقديرا.
فالفار والمستعيذ: فار مما اوجده قدر الله ومشيئته وخلقه الى ما تقتضيه رحمته وبره ولطفه واحسانه ففي الحقيقة هو هارب من الله إليه ومستعيذ بالله منه.
وتصور هذين الامرين يوجب للعبد انقطاع تعلق قلبه عن غيره بالكلية خوفا ورجاء ومحبة، فانه إذا علم ان الذي يفر منه ويستعيذ منه انما هو بمشيئة الله وقدرته وخلقه؛ لم يبق في قلبه خوف من غير خالقه وموجده فتضمن ذلك افراد الله وحده بالخوف والحب والرجاء، فلا يبقى في القلب التفات الى غيره سبحانه.
ومن تأمل فى قول الملك جل وعلا { فَفِرُّواْ } علم أنه لا مجال للإبطاء في الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فيفزع إلى الله سريعاً ويفر مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا، يفر من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله فمن استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب، وحصل له، نهاية المراد والمطلوب.
وسمى الله الرجوع إليه فرارَا، لأن في الرجوع لغيره، أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه، أنواع المحاب والأمن، والسرور والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضاء الله وقدره، إلى قضاء الله وقدره، فكل من خفت منه فررت منه إلا الله سبحانه وتعالى فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه. فجمعت لفظة ففروا بين التحذير والاستدعاء.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر، فزع إلى الصلاة، وهذا فرار إلى الله.
وقوله جل وعلا { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } تعليل للأمر بالفرار، أى : أسرعوا إلى طاعة الله تعالى إنى لكم من عقابه المعد لمن يصر على معصيته نذير بَيّن الإنذار .
ثم أكد سبحانه هذا الإنذار، ونهى عن التباطؤ فقال:{ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها آخَرَ } هذا من الفرار إلى الله، بل هذا أصل الفرار إليه أن يفر العبد من اتخاذ آلهة غير الله، من الأوثان، والأنداد والقبور، وغيرها، مما عبد من دون الله، ويخلص العبد لربه العبادة والخوف، والرجاء والدعاء، والإنابة.
{ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بين النذارة.
وكرر جل وعلا { إني لكم منه نذير مبين } عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ، ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان، وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما.
فالآية الأولى كان التعليل فيها للأمر بالفرار إلى الله تعالى ، والثانية كان التعليل فيها للنهى عن الإشراك به سبحانه .
فمن رزقه الله فهماً وبصيرة؛ فر من نفسه إلى ربه واعتصم به.
فمن صح فراره إلى الله صح قراره مع الله
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
رضا الحملاوي
2010-10-24, 06:19 PM
بوركت ... جزاك الله خيرا ونفع بك
أبو سفيان الأثرى
2010-10-28, 10:36 PM
وجزاك أخى الكريم
أبو سفيان الأثرى
2010-10-28, 10:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24)} [الأنعام:22-24]
هذه الأيات نزلت فى كفار قريش لكن بها معانى عظيمة نريد أن نسقطها على واقعنا، وكأن الله جل وعلا يتكلم عن مشركى زماننا فى هذه الأيات.
قال تعالى: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }
هذا هو الخطر العظيم أن يكون بداخل الواحد منا شرك خفى وهو لا يدرى، فالله جل وعلا يقول {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} فشهد جل وعلا أنهم مشركين، وهم يقولون {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين} فهم يقسمون بالله أنهم ما كانوا مشركين، فقد يكون بداخل أحدنا شرك وهو لا يدرى، كحب أى أحد مثل حب الله، أو تعلق القلب بالأسباب، أو خشية أى مخلوق كخشية الله؛ فأى منا إلا من رحم الله حين يوجه إيه هذا الكلام، يقول أنا؟!! لا لا أنا بحب ربنا أكثر من أى حاجة، أنا أخشى الله وأتوكل عليه، وقد يكون فيه كل هذا وهو لا يدرى، ويشهد لهذا قول النبى صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضى الله عنهما " الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا " (صححه الألبانى، صحيح الجامع 3730) فالنبى صلى الله عليه وسلم بَين أن الشرك فى هذه الأمة أخفى من أن يُرى أو يحس به، ومن أخطر أنواع هذا الشرك الخفى الرياء، لأنه مدخل الشيطان على العلماء وطلبة العلم خاصة، وهو أخفى من غيره، فالواحد منا قد يطلب العلم ويجتهد فى تحصيله طلبا للشهرة والرئاسة، أو ليقصده الناس ويستفتونه،ويقال عليه عالم وفقيه إلى آخره، والأخطر أن لا نشعر ولا ندرى ونظن أننا نخلص لله جل وعلا ونقول {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، ومثله حديث أول ثلاثة يسعر بهم النار، فأولهم العالم الذى علم ليقال عالم، فهو كان يظن أنه مخلص، لذلك حين عرفه الله نعمه عليه وسأله ماذا عملت، قال علَّمت فيك العلم يا رب، نسأل الله السلامة.
ثم قال تعالى {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} هذا فى الدنيا، أى انظر نظر تعجب ممن يزكى نفسه ويقول أنا أعلم من نفسى الإخلاص، أنا عملى خالص لله، ولا أحب غيره، ولا أخشى سواه، أنا لا أريد بعملى إلا الله، أنا أبعد الناس عن الشرك فيقول الله جل وعلا {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} فهو يكذب على نفسه وهو لا يدرى، فإذا كان نبى الله إبراهيم عليه السلام وهو شيخ الموحدين وإليه تنسب ملة الإسلام وخليل الرحمن يقول {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } فهو يخشى على نفسه من الشرك الظاهر، فكيف بى وبك ألا نخشى على أنفسنا من الشرك الخفى الذى أخفى من دبيب النمل.
فعلينا أن نتفقد قلوبنا هل بها تعلق بغير الله، حب لغير الله إلى غير ذلك، وأعمالنا هل هى خالصة لله أم نريد بها ثمنا قليلا، فعلينا أن نتهم أنفسنا، وأن نتحرى الإخلاص فى القول والعمل، والله الموفق.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
أبو سفيان الأثرى
2010-11-03, 07:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُو اْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ}سبحان الملك....!!!
كأن هذه الأيات نزلت لنا فى زمنًا هذا، تسلية لأهل الحق وإعلاما لهم أن ما من نبى إلا وكان له أعداء، وبعد موت النبى صلى الله عليه وسلم أصبحت العداوة لدعوته ولأهل الحق العاملين بها والداعين إليها، يقول تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ } فهذه سنة الله الكونية أن يكون للحق أعداء {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} فهذه هى وظيفتهم زخرفة الباطل وتزينه ليظهر فى صورة الحق، كما فعل ابليس مع آدم عيه السلام قال تعالى: { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } فهو زين لهم الضلال فى أحسن الصور، بل وأقسم أنه ناصح لهم، فكانت النتيجة {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} ولا يزال أتباع إبليس اللعين ينهجون نهجه، فهذا يطعن فى النقاب، ويزين باطله أنه كبت لحرية المرآة وصورة من صور التخلف والرجعية...إلى آخره، وأخر يطعن فى السنة بحجة أنها غير محفوظة وأن بها أحاديث موضوعة وعلينا أن نكتفى بالقرآن... وغيرهم يحارب الدعوة ويقول هذه دعوة للإرهاب والرجعية ويجب علين أن نساير التقدم، وهكذا يعرضون باطلهم فى صورة مزينة ومزخرفة، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} فكل ما يحدث الأن من الحرب على السنة وإثارة الشبهات الواهية، بتقدير الله جل وعلا ولابد من حدوثها لأنها من سنن الله فى كونه، لذلك قال تعالى* {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} لأن هذا كله لحكمة ومن فضل الله جل وعلا علينا أنه بينها لنا فقال: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُو اْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} أى أن الله قدر هذا ليميز الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب، فبين جل وعلا أن من ضعيف الإيمان هو الذى يستمع ويصغى إلى هذا الباطل المزخرف، فيؤدى به الإستماع إلى ميل القلب لهذا الباطل، لذلك قال جل وعلا {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} وذلك كله لضعف إيمانه، ثم بعد أن يميل إليه بقلبه يرتضيه ويعجب به فيرى الباطل فى صورة الحق فتكون النتيجة { وَلِيَقْتَرِفُو اْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } فيعمل بهذا الباطل الذى مال إليه ثم ارتضاه.
فتكون أسباب النجاة من هذه الشبهات والباطل المزخرف، من مفهوم المخالفة لهذه الأية:
إذا كان ضعيف الإيمان يصغى إلى هذا الباطل: فعلينا أن لا نستمع إليه بداية.فإذا سمعناه لا نرتضيه، فإذا التبس علينا الحق الباطل، ولم نستطع التفريق ؟!!بين الله لنا الحل فى الأية التى تليها فقال سبحانه: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} فهذه إشارة للرجوع إلى القرآن فيما التبس علينا،
وذلك لأنه تعالى قال: {وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} فمن نعم الله علينا أن فصل لنا القرآن فالحرام بين والحلال بين، وما أُجمل فى القرآن فصلته سنة النبى صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } وهذه عامة فى كل أهل الأهواء والضلال، يعلمون أن هذه الدعوة هى دعوة الحق، ولكن تأبى نفوسهم المريضة إلا معاداتها اتباعا لشهواتهم، نسأل الله السلامة.*
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} فما وعد الله به أهل الحق من النصر والتمكين قادم لا محالة لذلك قال سبحانه: {لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} فلا تبديل لكلمات الله الكونية، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ثم ذيل جل وعلا الأية {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} لأن من عمل بمقتضى هذين الإسمين، لن يتكلم إلا بالحق لأن الله يسمعه، وأيضا لن يبطن خلاف ما يظهر، لأن الله جل فى علاه يعلم السر وأخفى، فكثير من الضلالات والبدع تزين وتعرض باسم الدين فمن وحد الله فى اسمه العليم وعلم أنه سبحانه يعلم ما بداخله لن يتجرأ على فعل ذلك.
ثم قال تعالى {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} فهذه هى علامة الضالين المضلين يتبعون الظن، لا تجد أحد من أهل البدع والأهواء يتكلم بدليل من كتاب أو سنة، إنما هى أرآء وأهواء وتحكيم للعقل، وهم أكثر أهل الأرض فعلينا ألا نغتر بكثرتهم كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله " اتبع طريق الهدى ولا يهمك قلة السالكين، ولا تتبع طريق الضلال ويغرك كثرة الهالكين "*
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ } فإن كان الله جل وعلا يعلم أنك من المهتدين، فهل يضرك أن يقول من فى الأرض جميعا أنك من الضالين؟!!!!
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
أبو سفيان الأثرى
2010-11-15, 12:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال جل فى علاه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَالْعَزِيز ُ الْغَفُورُ } [الملك:2]
وجدت فى تزيل هذه الآية باسمى العزيز الغفور معنى جميل قال تعالى{لِيَبْلُو كُمْ أَيُّكُمْأَحْسَ نُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ} فالله جل وعلا أتى باسم العزيز بعد أحسن عملا إشارة أن أحسن الأعمال هى التى تقترن بالذل، فأحسن الأعمال هى الخالصة لله تعالى وعلى طريقة النبى صلى الله عليه وسلم المقترنة بالذل التام لأنه سبحانه عزيز، فكأن الله أراد أن يبين لنا أن أحسن الأعمال هى المصاحبة للذل{أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ} فمن عمل بمقتضى هذا الاسم وذل للعزيز، نال حظه من الاسم الذى يليه{ الْغَفُورُ }فينال العبد المغفرة بذله لله تعالى، لذلك زيل جل وعلا الأية {وَهُوَالْعَزِي ُ الْغَفُورُ } فمن تعبد بالإسم الأول نال حظه من الثانى، والله أعلم.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
فتاة التوحيد والعقيده
2010-11-15, 03:25 AM
جزيتـم خيرا
أبو سفيان الأثرى
2010-11-15, 09:43 PM
وجزاكم بالمثل، بوركتم.
أبو سفيان الأثرى
2010-11-15, 09:44 PM
كل عام وأنتم فى أحسن حال؛
تقبل منا ومنكم؛
عيد مبارك عليكم يا أهل الألوكة.
البراك
2010-11-20, 06:08 PM
جزاك الله خيرا
أبو سفيان الأثرى
2010-11-21, 01:01 AM
وجزاك أخى الحبيب.
أبو سفيان الأثرى
2010-11-22, 05:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ....} [آل عمران: 2-4]
جاء فى خاطرى فى صلاة الصبح والإمام يقرأ هذه الأية لطيفة فى ذكر اسمى الْحَي الْقَيُّوم قبل ذكر انزال الكتب السماوية، وهى:
لما كانت حياة الناس لا تستقيم ولا تصلح إلا بانزال الكتب والشرائع السماوية لتكون منهج للحياة ذكر الله جل وعلا اسمه تعالى الْحَي، وذكر جل فى علاه اسمه سبحانه الْقَيُّوم قبل انزال الكتب لأن ذلك من مقتضيات هذا الاسم العظيم، فالْقَيُّومُ سبحانه وتعالى هو القائم على كل نفس بما يصلحها، فكان مقتدى ذلك الاسم العظيم أن {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ} فلا تصلح أحوال العباد إلا بم شرعه رب العباد لذلك قال سبحانه {هُدًى لِّلنَّاسِ}.
وأيضا من أسرار ذكر اسمى الْحَي الْقَيُّوم قبل {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ}أن من عمل بمقتضى اسم الْقَيُّوم وقام بما أنزل الله له على الوجه المأمور به، أحيا الله له قلبه فيكون نال حظه من اسم الْحَي.
والله أعلم بالصواب، وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
أبوعبدالعزيزالتميمي
2010-11-22, 10:33 PM
فإذا تمسك الإنسان بشرائع الإسلام ولم يتوسع فى المباحات ولم يرتكب المكروهات وكان ذو علم وعبادة ولكنه زل وانتكس!!!!!!!
لا يوجد سبب ظاهر للإنتكاس، فيبين الله لنا السبب فى قوله تعالى {فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)}
فهذا الذى زل شهد الله له بالعلم {مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ} وكان متمسك بشرائع الإسلام صوام قوام طالب علم مجتهد، ولكنه زل وانتكس والسبب بينه الله فى تذيل الأية {فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فهذا الذى زل لم يعلم أن الله عزيز، لم يعلم العلم المقتضى للعمل، أى لم يعمل بمقتضى الإسم، لم يذل لله عز وجل، إنما رأى عمله فتكبر وأصابه العجب والغرور، فكان مقتضى اسم الله الحكيم أن ينتكس، ليعلم أن توفيقه من الله جل وعلا فيتضرع لله ويذل نفسه له سبحانه وتعالى، فيكون بهذا تعبد باسم العزيز،فالله جل وعلا أزله بمقتضى "الحكيم" ليتعبد بمقتضى "العزيز" لذلك ذيل الله الأية بهذين الإسمين {فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك أخي أبوسفيان الأثري, لقد وصفت هذا الأنسان بأنه متمسك بالشرائع مبتعدا عن فضول المباحات تاركا للمكروهات صواما قواما طالب علم مجتهد ثم رجعت وقلت عنه لم يعلم العلم المقتضي للعمل انما رأى عمله فأصابه الكبر ألا ترى أخي أن هناك تناقض في هذا الكلام ووقوع الأنسان بالمعصية لايلزم منه أن يكون بما وصفت بل هذه فطرة الأنسان كما بين النبي (ص) (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) ثم ان الله سبحانه وتعالى يوقع العبد بحكمته بالزلل لأرادة انكساره أكثر وان كان غير متكبر بل الله يحب بذنب العبد أن يرفعه أكثر في مقام العبودية بعد توبته ورجوعه الى الله ثم ياأخي مافسرت به الآية من قال بمثله من أهل التفسير فقد ذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره على سبيل المثال:
وقوله: { فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ } أي: عدلتم عن الحق بعد ما قامت عليكم الحُجَجُ، فاعلموا أن الله عزيز [أي] (4) في انتقامه، لا يفوته هارب، ولا يَغلبه غالب. حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه؛ ولهذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس: عزيز في نقمته، حكيم في أمره. وقال محمد بن إسحاق: العزيز في نصره ممن كفر به إذا شاء، الحكيم في عذره وحجته إلى عباده.أه سؤالي أخي الكريم هل ترجع الى كلام المفسرين قبل أن تكتب لأن هذا الأمر مهم حتى نبني كلامنا على أساس صحيح وبارك الله فيك.
أبو سفيان الأثرى
2010-11-24, 05:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك أخي أبوسفيان الأثري, لقد وصفت هذا الأنسان بأنه متمسك بالشرائع مبتعدا عن فضول المباحات تاركا للمكروهات صواما قواما طالب علم مجتهد ثم رجعت وقلت عنه لم يعلم العلم المقتضي للعمل انما رأى عمله فأصابه الكبر ألا ترى أخي أن هناك تناقض في هذا الكلام.
هذا نقل مبتور!
فإذا تمسك الإنسان بشرائع الإسلام ولم يتوسع فى المباحات ولم يرتكب المكروهات وكان ذو علم وعبادة ولكنه زل وانتكس!!!!!!!
لا يوجد سبب ظاهر للإنتكاس، فيبين الله لنا السبب فى قوله تعالى {فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)}
فهذا الذى زل شهد الله له بالعلم {مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ} وكان متمسك بشرائع الإسلام صوام قوام طالب علم مجتهد، ولكنه زل وانتكس والسبب بينه الله فى تذيل الأية {فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فهذا الذى زل لم يعلم أن الله عزيز، لم يعلم العلم المقتضى للعمل، أى لم يعمل بمقتضى الإسم، لم يذل لله عز وجل، إنما رأى عمله فتكبر وأصابه العجب والغرور
هذا ما قلت فأين التناقض إذن، فكم من طالب للعلم بهذه الموصفات، ولم ينفعه ما يطلب، ولم يزدد بعبادته إلا بعداً، وذلك لأنه رآى عمله فتكبر وأصابه العجب والغرور وحب الظهور والشهرة...إلخ، وهذا مشاهد وبكثرة، نسأل الله السلامة.
ووقوع الأنسان بالمعصية لايلزم منه أن يكون بما وصفت بل هذه فطرة الأنسان كما بين النبي (ص) (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) ثم ان الله سبحانه وتعالى يوقع العبد بحكمته بالزلل لأرادة انكساره أكثر وان كان غير متكبر بل الله يحب بذنب العبد أن يرفعه أكثر في مقام العبودية بعد توبته ورجوعه الى الله
أنا لم أقصر الآية على ما قلت فقط، لم أقل أن المراد من الآية قولى ولا يصح غيره.
ثم ياأخي مافسرت به الآية من قال بمثله من أهل التفسير
أنا لا أفسر فلست أهلاً لذلك، ولو تأملت عنوان الموضوع لعلمت المراد، بارك الله فيك.
ثم أن أكثر مشاركتى فى هذا الموضوع لم يقل بها أحد من أهل التفسير على ما أعلم.
إذ فرق كبير بين التدبر والتفسير!!
فتأمل عفا الله عنك.
سؤالي أخي الكريم هل ترجع الى كلام المفسرين قبل أن تكتب لأن هذا الأمر مهم حتى نبني كلامنا على أساس صحيح وبارك الله فيك.
وفيك بارك.
أبوعبدالعزيزالتميمي
2010-11-25, 09:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي أبوسفيان الأثري بارك الله أرجو أن يفهم كلامي أنه ليس للنقد بل هو للمناصحة والمحاورة فأخوة الأيمان توجب علي أن أقف معك حيث أشكل على بارك الله فيك ولكي يكمل بعضنا بعضا كما قال النبي (ص) (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه) فأرجو منك أخي الحبيب أن يتسع لي صدرك وأنا أعجبت بكلامك عن آية الكرسي خصوصا وباقي الآيات فالكلام ماشاء الله طيب أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك,ذكرت أخي الحبيب بالنسبة الى الكرسي الحديث المرفوع وقد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله للفائدة أن كون الكرسي موضع القدمين قد صح موقوفا على ابن عباس ررر, أمر آخر أخي الحبيب ان معرفة معاني الآيات كما يقولون التي خلف السطور أمر عظيم بل هو أعظم من بيان معاني الكلام الظاهر وكما لايخفى عليك كيف أن أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب ررر كان يدني ابن عباس ررر من مجلسه لما رأى منه فهم لكتاب الله واستنباط معانيه, لذا أنا أحببت لك استطلاع كلام أهل التفسير لكي يكون كلامك أكثر عمقا ودقة وأنت كذلك بارك الله فيك, أسأل الله لي ولك والأخوة أن يجعلنا من أهل القرآن وخاصته وأن يجعلنا من الذين يتدبرون كلامه على الوجه الذي يرضيه عنا ومعذرة على الأطالة وجزاك الله خيرا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أبو سفيان الأثرى
2010-11-25, 10:43 PM
أسف إن كنت فهمت الكلام على غير قصدك، فقد يكون سوء فهم منى - وهذا الظاهر - أو سوء عرض للنصح منك.
وأنا لا أكتب هذا إلا طلبا للنصح والتوجيه، والتصويب إن أخطأت، إذ ليس المجال للتقرير، والله المستعان.
أبو سفيان الأثرى
2010-12-01, 04:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}
فى هذه الأية ثلاثة أدلة على التوقف فى أسماء الله جل وعلا:
1- الجار والمجرور أفاد الحصر، ويخرج حصر العدد لقول النبى صلى الله عليه وسلم " أواستأثرت به فى علم الغيب عندك" ، فيكون الحصر فى اللفظ، فأسماء الله جل وعلا هى ما وردت لفظا فى نص.
2- أن أسماء الله جل وعلا كلها حسنى، وحسنى مؤنث أحسن، فالإسم الحسن ليس بإسم، لكن يدخل فى باب الإخبار.
قال تعالى { ولله الأسماء الحسنى } فالحسنى مؤنث أحسن،
قال بن منظور:
"وتأنيث الأحسن، الحسنى، كالكبرى والصُّغرى، تأنيث الأكبر والأصغر"(1)
وقال القرطبي:
"الحسنى: فعلى، مؤنث الأحسن، كالكبرى تأنيث الأكبر، والجمع الكُبَر والحُسن"(2)
وقال ابن الوزير:
" واعلم أن الحسنى في اللغة هو جمع الأحسن لا جمع الحسن، فإن جمعه حسان وحسنة، فأسماء الله التي لا تحصى كلها حسنى، أي أحسن الأسماء، وهو مثل قوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي الكمال الأعظم في ذاته وأسمائه ونعوته، فلذلك وجب أن تكون أسماؤه أحسن الأسماء، لا أن تكون. حسنة وحسانا لا سوى؛ وكم بين الحسن والأحسن من التفاوت العظيم عقلا وشرعا ولغة وعرفا"(3)
فالحسنى: أي البالغة في الحسن غايته، فحسنى على وزن (فُعلى) تأنيث (أفعل) لتفضيل.
قال ابن القيم رحمه الله:
" فأسماء الله هي أحسن الأسماء وأكملها فليس في الأسماء أحسن منها، ولا يقوم غيرها مقامها، ولا يؤدي معناها، فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى، وأبعده، وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص.
فله من صفة الإدراكات: العليم الخبير دون العاقل الفقيه.
والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر.
ومن صفات الإحسان: البر الرحيم الودود دون الشَّفوق، وكذلك العلي العظيم دون الرَّفيع الشريف.
وكذلك الكريم دون السَّخي.
وكذلك الخالق البارىء المصور دون الفاعل الصانع المشكل.
وكذلك سائر أسمائه تعالى يجري على نفسه منها أكملها وأحسنها وما لا يقوم غيره مقامه، فتأمل ذلك، فأسماؤه أحسن الأسماء كما أن صفاته أكمل الصفات، فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره "(4)
وهذا من أسباب التوقف فى أسماء الله جل وعلا، فالأحسن هو ما سمى الله به نفسه فى كتابه، أو أخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم، أما من يحكم عقله فى هذا ويقول نحن نشتق لله أسماء حسنة، مثلاً من يقول الستار اسم حسن فهو من الأسماء الحسنى، نقول الله جل وعلا سمى نفسه بأحسن الأسماء وأكملها فورد أن من أسماء الله جل وعلا "الستير" لأنه أحسن، أما الستار اسم حسن فلا يدخل فى أسماء الله الحسنى، لكن يدخل فى باب الإخبار وهذا باب واسع.
3- قال تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وقال صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير رضى الله عنهما " الدعاء هو العبادة " (صحيح،صحيح الجامع 3407) والعبادة توقيفية، فتكون أسماء الله جل وعلا توقيفية تبعا، فلا ندعوا الله إلا بما سمى به نفسه جل وعلا فى كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن الدعاء عبادة والعبادة توقيفية.
هذا إجمالا، والله تعالى أعلى وأعلم.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
ـــــــــــــــ ـ
(1) انظر: لسان العرب مادة "حسن" (13/ 115، 116).
(2) الجامع لأحكام القرآن (7/327).
(3) العواصم من القواصم (7/ 228).
(4) بدائع الفوائد (1/168).
أبوعبدالعزيزالتميمي
2010-12-05, 04:05 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الحبيب (أبوسفيان الأثري) أحببت أن أضيف اضافة وهي أن أهل العلم قالوا أن الجار والمجرور يفيد الحصر والاستحقاق لأن الله هو المستحق لكل كمال سواء في أسماءه أو صفاته أو أفعاله جل جلاله وتقدست أسماءه, كذلك أخي الكريم ذكروا أن اثبات الاسم لله يكون بشروط ثلاثة هي:
1: أن يرد به نص من كتاب الله أوسنة نبيه (ص) .
2: أن يتضمن الاسم كمالا لله سبحانه وبحمده.
3: أن يكون مما يدعى به .
ودليل ذلك ماتفضلت به جزاك الله خيرا في قوله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها), والله أعلم وجزاك الله خير الجزاء.
أبو سفيان الأثرى
2010-12-05, 05:03 PM
جزاك الله خير، ونفع بك.
أبو سفيان الأثرى
2010-12-09, 05:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
[البقرة: 157]
يوضح هذه الآية قوله تعالى:
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]
بالجمع بين الآيتين يتبين:
أن رحمة الله جل وعلا بالمؤمنين {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}اقتضت أن يصلى عليهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
فعطف الرحمة على الصلوات فى آية البقرة من باب عطف العام على الخاص، لأن صلاة الرب على العبد هداية للعبد كما بينت آية الأحزاب، وهذه الهداية التى هى إخراج من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات المعاصى إلى نور الطاعة.....، من مقتضيات وآثار رحمة الرحيم الغفار، وهذه الرحمة الخاصة قيدها بالمؤمنين الصابرين، فذيل جل وعلا آية الأحزاب بقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا}، وبين صفات هؤلاء المؤمنين فى آية البقرة بقوله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
والله أعلم بالصواب.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
أبوعبدالعزيزالتميمي
2010-12-11, 05:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
[البقرة: 157]
يوضح هذه الآية قوله تعالى:
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]
بالجمع بين الآيتين يتبين:
أن رحمة الله جل وعلا بالمؤمنين {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}اقتضت أن يصلى عليهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
فعطف الرحمة على الصلوات فى آية البقرة من باب عطف العام على الخاص، لأن صلاة الرب على العبد هداية للعبد كما بينت آية الأحزاب، وهذه الهداية التى هى إخراج من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات المعاصى إلى نور الطاعة.....، من مقتضيات وآثار رحمة الرحيم الغفار، وهذه الرحمة الخاصة قيدها بالمؤمنين الصابرين، فذيل جل وعلا آية الأحزاب بقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا}، وبين صفات هؤلاء المؤمنين فى آية البقرة بقوله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
والله أعلم بالصواب.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك ورحمة الله وبركاته, أخي الكريم جزاك الله خيرا على ماتكتب وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك, لي استفسار بارك الله فيك ذكرت أن الآية في سورة الأحزاب وضحت أو لنقل فسرت الآية في سورة البقرة وأن الصلاة بمعنى الهداية, حسنا لو وضعنا يهدي مكان يصلي في الآية لنرى كيف يكون الأمر ( هو الذي يهدي عليكم ليخرجكم ),كيف ترى أخي الكريم أرجو منك البيان وبارك الله فيك وأحسن الله اليك والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أبو سفيان الأثرى
2010-12-16, 03:25 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، فإذا عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة» (رواه الترمذى وغيره)
وصلاة الملائكة على الإنسان لا تخرج بين الدعاء والإستغفار، فإذا وضعنا "دعا" مكان "صلى" لكان جزاء هذا العائد للمريض أن "دعا عليه سبعون ألف ملك" !!!، وإن وضعنا "استغفر" فيكون "استغفر عليه سبعون ألف ملك" فلا يستقيم المعنى.
فتأمل!
أبوعبدالعزيزالتميمي
2010-12-17, 08:23 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، فإذا عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة» (رواه الترمذى وغيره)
وصلاة الملائكة على الإنسان لا تخرج بين الدعاء والإستغفار، فإذا وضعنا "دعا" مكان "صلى" لكان جزاء هذا العائد للمريض أن "دعا عليه سبعون ألف ملك" !!!، وإن وضعنا "استغفر" فيكون "استغفر عليه سبعون ألف ملك" فلا يستقيم المعنى.
فتأمل!
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم أبوسفيان الأثري حياك الله وبارك الله فيك, لو قلنا أن معنى الصلاة كما بينها أبوالعالية في صحيح البخاري تعليقا (الصلاة من الله ثناؤه عليه والصلاة من الملائكة الدعاء)اه, أي "دعاء الملائكة " أي طلب الثناء عليه من الله" , فانه سيستقيم لنا الكلام في الآيات التي ذكرتها, والثناء اذا حصل من الله على عبده حصل به كل ما ذكرت من الهداية والرحمة, ذكر الشيخ العثيمين رحمه الله:
صلاة الله تعالى على رسوله وصلاة الملائكة على رسوله تعني الثناء عليه قال أبو العالية رحمه الله صلاة الله على رسوله ثناءه عليه في الملأ الأعلى فهذا معنى قوله إن الله وملائكته يصلون على النبي أي يثنون عليه في الملأ الأعلى وأما صلاتنا نحن عليه إذا قلنا اللهم صل على محمد فهو سؤالنا الله عز وجل أن يثني عليه في الملأ الأعلى.اه فتاوى نور على الدرب
أسأل الله أن ينفعنا بما قلنا وجزاك الله خيرا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أبو سفيان الأثرى
2010-12-18, 12:28 AM
جزاك الله خير ونفع بك.
أبو سفيان الأثرى
2011-01-16, 12:59 PM
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ} [التوبة: 20].
قال الرازى: " إن من كان موصوفا بهذه الصفات الأربعة كان أعظم درجة عند الله ممن اتصف بالسقاية والعمارة. وتلك الصفات الأربعة هي هذه: فأولها: الإيمان، وثانيها: الهجرة، وثالثها: الجهاد في سبيل الله بالمال، ورابعها: الجهاد بالنفس.
وإنما قلنا إن الموصوفين بهذه الصفات الأربعة في غاية الجلالة والرفعة؛ لأن الإنسان ليس له إلا مجموع أمور ثلاثة: الروح، والبدن، والمال. أما الروح: فلما زال عنه الكفر وحصل فيه الإيمان، فقد وصل إلى مراتب السعادات اللائقة بها. وأما البدن والمال: فبسبب الهجرة وقعا في النقصان، وبسبب الاشتغال بالجهاد صارا معرضين للهلاك والبطلان. ولا شك أن النفس والمال محبوب الإنسان، والإنسان لا يعرض عن محبوبه إلا للفوز بمحبوب أكمل من الأول، فلولا أن طلب الرضوان أتم عندهم من النفس والمال، وإلا لما رجحوا جانب الآخرة على جانب النفس والمال، ولما رضوا بإهدار النفس والمال لطلب مرضاة الله تعالى.
فثبت أن عند حصول الصفات الأربعة صار الإنسان واصلا إلى آخر درجات البشرية، وأول مراتب درجات الملائكة، وأي مناسبة بين هذه الدرجة وبين الإقدام على السقاية والعمارة لمجرد الاقتداء بالآباء والأسلاف ولطلب الرياسة والسمعة؟
واعلم أنه تعالى لم يقل أعظم درجة من المشتغلين بالسقاية والعمارة؛ لأنه لو عين ذكرهم لأوهم أن فضيلتهم إنما حصلت بالنسبة إليهم، ولمَّا ترك ذكر المرجوح، دل ذلك على أنهم أفضل من كل من سواهم على الإطلاق، لأنه لا يعقل حصول سعادة وفضيلة للإنسان أعلى وأكمل من هذا الصفات "(1).
" فإن قال قائل: كيف يستقيم قوله: {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ}وليس للمشركين درجة أصلا؟ الجواب من وجهين:
أحدهما: أعظم درجة من درجتهم على تقديرهم في أنفسهم؛ وهذا مثل قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان: 24] ومعناه: على تقديرهم في أنفسهم.
والثاني: أن هؤلاء الصنف من المؤمنين أعظم درجة عند الله من غيرهم "(2).
ـــــــــــــ
(1) انظر: التفسير الكبير، للرازى (6/12).
(2) تفسير السمعانى (2/296).
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.