تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الهَوامِل الهَدْلقيّة ..



عبدالله الهدلق
2010-10-10, 08:26 AM
الهَوامِل الهَدْلقيّة ..



تولّاك الله - أبا حيّان - بلُطفٍ منه حيث كنت .. وأعاذك من فتنة الباطل , ونَصَر بك الحق , وجعل ماأنت فيه من رفعةٍ شاهداً لك على حضيض شانئك , وما أنت عليه من كريم الطبيعة ذابّاً عنك لؤم شاتمك , ودفع عنك بما تعلمتَه هذه الحزازات الحاكّة , وبما دريتَه هذه اللجاجات الصاكّة , نعم .. وألهمك مواقع رشدك في أمورك كلها , حتى تكون حالك مقرونةً بالأفضل من قولك , ومعقودةً بالأمثل من عملك , وبعد : فكتابي - أيدك الله - نصصتُه إليك أسألك فيه عما بليتُ به في أيامي الفارطة من هذه الأنفس الذّبابيّـة , لم كانت تقع على الشيء فتتركَ أذاها ؟ ماالحامل لها على الوقوع , والنازع بها إلى الأذى ؟
ولم كانت مع هذه النّحيزة البغيضة والعلّة الدَّوِيّة أضعف من أن تثبت , حتى إنها ربما هربت من شَبَه الظّلّ ؟ وما السّر في أن بعض من أكرمه الله من بني آدم يأبى هذه الكرامة فلا يزال في ثُغاءٍ ورُغاء , وهو يعلم أن ذلك إنما هو من حِلية ذوات الأربع من هذا الهَمَل ؟
وما السبب في أنك تجد الغَمَر من الصِّبْية أصرحَ عقلاً من بعض من شاب عُثنونه ؟ وما بال الرجل يُشامُّ أهلَ العلم ويشرَكهم فيه ماشاء له الله , ثم إنه إذا تحدّث بعدُ أو كتب كان هو والأكّار من نَبَط السّواد كفرسيْ رهان , أعني في الجهل والحمق لا في السَّبَق والمضمار ؟
ثم - أبا حيان - ماهذا الشرّ الثّاجُّ من ثعَب هذه الأنفس المريضة ؟ والقيحُ النّازُّ من ثبَج هذه الذوات الكريهة ؟
حتى لترى أحدهم يكدح ليله ويتعب نهاره ويبري حاله ؛ ثم لايجعل وَكْده إلا في حرب أهل الفضل , والشغبِ على أرباب المروءات , وهو لو صرف شيئاً مما هو فيه إلى أن يعمل كما يعملون إذن لأنجح كما أنجحوا .. ماشأنه - لحاه الله - تشتدّ قدماه فتمشي الفراسخ إذا كان حاسداً وَضِر النفس , ثم إنها ترتخي مفاصله وتتثنى أطرافه - عياذا ً- فلا يقوى على أن يطفر الخطوة والخطوتين إذا هو سلك سبيل الخير .. حدّثني ؛ من أين - حرسك الله - مدده القوّة في الأولى ؟ وكيف - حماك الله - خذلانُه في الثانية ؟
هذا ما أنهاه الخاطر - أبا حيان - في هذه النازلة , وأما سجال العلم كما علّمتنا فإنما يكون مع أهل العلم , وأما من يلحن لحنَ الصّبية في المكتب , ولا يعرف حاقّ الهمزة من موضعها ؛ ويورد البيت ذكره أهل العلم في كتبهم كحصى البطحاء ثم لايقيمه على وجهه ؛ فما أحراه بالزّجْر والتجاهل حتى لا يتقحّم فيما يؤذيه من كبار العلم وعُظْم مسائله , وهو - والله - لن يظفر منا بما يحلم به من هذا ولو صرخ إلى يوم يبعثون .. وإنما كنتُ - أبا حيان - حُدّثتُ أنك قد وافيتَ بغداد منصرفَك خائباً من بعض من كنتَ قصدتَه ؛ فأحببتُ أن أتحفك بهذه الطريفة وزندك وارٍ يقدح شرراً على أهل النقص , وخبيئتك تتلظى غضباً من حال الردى ؛ علّنا أن نظفر منك بنادرةٍ تخلّد بها صاحبنا كما كنت جعلت الوزيرين أُضحوكةً في فم الزمان .. وكتب : عبدالله الهدلق , من القرن الخامس عشر من الهجرة , والناس على ماعهدتَ منذ ألفٍ ونيّف , مازادهم أمد الأيام إلا سوءاً على سوء , والسلام ..

أبوبكر الذيب
2010-10-10, 08:48 AM
الله الله يا شيخ عبد الله ، ما هذه الألفاظٌ التي تأنق الخاطِرُ في تذهيبها، والمعاني التي عُني الطَّبْع بتهذيبها !!
قرأتُ لفظاً جَلياً، حوى مَعْنى خفياً سديداً، وكلاماً قريباً رمى غَرضاً بعيداً ، ألفاظُهُ أنوارٌ، ومعانيه ثمار، كلامٌ يُشبع الغَرثان، ويَروي الظمآن.
الله يحفظك لنا .

أبو فهر السلفي
2010-10-10, 08:53 AM
إيه يا أبا أحمد!!

لا أراك-أطال الله في السلامة بقاك- قد أتحفتَ أبا حيان بطرفة إلا بقدر ما عزيته عما لاقاه في دهره،ولا أظنه يقرأ رسالتك إلا وعينه تهمل بالدمع فرحاً أن أنجاه الله من هذا البلاء الذي وصفتَ،ولا أظن نفسه تبقى كئيبة كما هي عادته ؛فمن رأى بلوى غيره هانت عليه (بلوته)..
وبعض الخلق يهون عليه القِران لمكان لين جانب مثلك،ولكنه يجهل أن قِرن الحليم إذا غَلُظ أودى،ولربما طمع ابن اللبون في بيض الأنوق ،وهو بدر السماء لا يُنال، ولو ناله لم يستطع له صولة فهي هلكة نفسه..

وبعد..

فعد عن ذا يا أبا أحمد؛فتلك أيام لم يعد يحجز الأذى فيها عن أهل العلم غلاء ورق ولا فقدُ ناشر فكثر الغثاء وعم البلاء،وذو العقل يشقى..

ابراهيم بن محمد الحقيل
2010-10-10, 01:28 PM
زادك الله توفيقا وسداد وبصيرة يا أبا أحمد..
فلا أدري أأعجب من جدة الفكرة أم من جودة الأسلوب وحسن العرض أم من الرسالة التي تريد إيصالها بطريق غير مباشر..
ولو كان أبو حيان حياً وقرأها لتجشم عناء زيارته لك مع بعد المسافة بينك وبينه.. ولا وسيلة تحمله إلا جمل أو بغل.. وربما لم يجد إلا أقدامه تحمله إليك لفقره.. لكني أجزم أنه سيزورك لو قرأها وأجزم أنك ستدعوني لمجالسته..

محمد بن مسلمة
2010-10-10, 02:56 PM
لله درك يا أبا أحمد...

فأنت صاحب قلمٍ، إن شئتَ لان في يدك حتى ليخشن معه الحرير،وإن

شئت صلب حتى يلين إلى جنبه الحديد.

إن أردته هديّة نَبَتَ من شقّة الزهرُ وقَطَرَ منه العطرُ، وأن أردته رزيّة

حطّمتَ به الصخر وأحرقت الجمر؛قلم كان عذباً عند قوم وعذاباً لقوم آخرين.

نفعنا الله بقلمك ، وأسأله أن يديم عليك نعمه ويزيدك من فضله.

أبو القاسم
2010-10-10, 07:07 PM
يعلم الله ,لقد كدت أشفق على شانيء أبي حيان , من هماهم صواعقك المرسلة عليه
فرفقاً به أبا أحمد.. وإن كان نأنأ في الرأي وخلّط
والراحمون يرحمهم الرحمن! غير أني -والحق يقال- أراك قد بالغت في رحمته,
والرفق به ..حيث لثمت كلامك بوشاح التعمية إلا عن الأريب,ولا إخاله يفقه
كثيرا مما تقول ,فمثلك كمثل شاعر عمد إلى تأديب أحدهم فهجاه بقصيدة وألغز في معانيها
فلما نظر, واستغلق عليه فك ما فيها من معمّى ,جعل يصرخ من ألم الجهل من جراء سوطك اللاذع
فعساه أن يكون الدواء الناجع
ومن هنا كانت رحمة !



ماشأنه - لحاه الله - تشتدّ قدماه فتمشي الفراسخ إذا كان حاسداً وَضِر النفس , ثم إنها ترتخي مفاصله وتتثنى أطرافه - عياذا ً- فلا يقوى على أن يطفر الخطوة والخطوتين إذا هو سلك سبيل الخير

أحسن الله إليك يا شيخ عبدالله ,وبارك في قلمك مثيرا لنقع الجهالة, فإن صرير الأقلام في ميدان الذب عن الحق يشبه من وجه,صليل السيوف في ساح الوغى

الواحدي
2010-10-10, 09:38 PM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
بورك يراعُك، ودام إبداعُك.
وحفظك الله لمحبّيك ومبغضيك على السواء!
وبعد،
فقد أبرق إليّ أبو حيّان بـ "الشوامل"، وأذِن لي بنشرها ووَسْمِها بـ "الشوامل الواحديّة". وما إخاله أقْدم على ذلك إلّا للجذر الرابط بين "الواحدي" و"التوحيدي"...
وأرجو أن تزيّن عينيك بكحل الصبر، ريثما أتمكّن من فكّ شفرات لغة الخالدين، ليتسنّى لي نقل الرسالة بأمانة المترجم. والحقّ أنّه لا أمانة لمترجم...
بيد أنّني تمكّنتُ من قراءة جملة من رسالته، والترجمة الأمينة (!) لمعانيها ملخّصها أنّه أجابك للدفاع عن بَيدَرِك، خشية أن يحترق بيدره. وأشار إلى أنّ أصحابه في تلك الدار غير أصحابه في دار الفناء، إذ مِن خصالهم أنّهم يخالفون الفُرْسَ في كلّ شيء، حتّى في أمثالهم...
واعذرني إذا ما تأخّرت عن إنجاز الوعد، ففي الوقت مانعٌ من المفروض الموظّف، فضلاً عن غيره...
والله الموفّق لجميع الخيرات.

عبدالله الهدلق
2010-10-11, 04:16 PM
في مكتبتي نسخة من كتاب " العَرْف الطيّب في شرح ديوان أبي الطيّب " ؛ لا أبيعها بوزنها ذهباً بما هي حبيبةٌ إلى نفسي , ولما هي ذاهبةٌ فيه من النفاسة , فهي النشرة الأصلية لطبعة المطبعة الأدبية في بيروت سنة 1305 ..
يقول اليازجي فيها عند تفسيره بيت أبي الطيب :
وجاهلٍ مدّه في جهله ضَحِكي ** حتى أتته يدٌ فرّاسةٌ وفمُ
مدّه : أي أمهله وطوّل له , أي اغترّ بضَحِكي واستخفافي فاسترسل في جهله حتى بطشتُ به ..
بارك الله في الإخوة الكرام , وفي انتظار شوامل أخينا الواحدي ّ عسى ألا تــؤخرها الشواغل ..

محب الأدب
2010-10-14, 02:06 PM
واهٍ ، واهٍ يا أبا أحمد

أخي الهدلق ... وهب الله لك السلامة‏ ، ‏وأدام لك الكرامة ، ورزقك الاستقامة ، ورفع عنك الندامة‏ ... ‏فقد ألبسك الله رداء الفضل، وآتاك الحكمة، وأترع صدرك بالعلم، وخلط أخلاقك بالدماثة ...
فعلمك مقتبس، ومجلسك مغشي، ووجهك مبسوط ... والله يزيدك ويزيدنا بك، ولا يبتلينا بفقد ما ألفناه منك، بمنه وجوده.


ثم إننا قرأنا كتابك ..." فوجدناك شكوتَ الزمان ، ونقدت الأقران ، فإنك والله لم تشك إلا الداء القديم ، والمرض العقيم.
فانظر رحمك الله إلى كثرة الباكين حولك وتأس ، أو إلى الصابرين معك وتسل.
فلعمر أبيك إنما تشكو إلى شاك ،وتبكي إلى باك ، ففي كل حلق شجى ، وفي كل عين قذى.
ومن عرف طبع الزمان وأهله ،وشيمة الدهر وبنيه ، لم يطمع في المحال ، ولم يتعرض للممتنع ، ولم ينتظر الصفو من معدن الكدر ، ولم يطلب النعيم في دار المحنة."


"وللحسد ثورانٌ في نفوس الناس ،والبلية به مضاعفةٌ من جهة النظراء في الصناعة ، وهذا لأن الزمان قد استحال عن المعهود، وجفا عن القيام بوظائف الديانات ، وعادات أهل المروءات.
وقد كان الناس يتقلبون في بسيط الشمس - أعني الدين - فغربت عنهم، فعاشوا بنور القمر- أعني المروءة - فأفل دونهم، فبقوا في ظلمات البر والبحر - أعني الجهل وقلة الحياء -.
فلا جرم أعضل الداء، وأشكل الدواء، والله المستعان."

" والحسد - أبقاك الله - داء ينهك الجسد ، ويفسد الود ، علاجه عسر، وصاحبه ضجر‏.‏
وهو باب غامض وأمر متعذر ، وما ظهر منه فلا يداوى ، وما بطن منه فمداويه في عناء‏.‏
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ دب إليكم داء الأمم من قبلكم‏:‏ الحسد والبغضاء‏"‏‏.‏
والحسد عقيد الكفر وحليف الباطل وضد الحق وحرب البيان‏.‏
فقد ذم الله أهل الكتاب به فقال ‏:‏ ‏"‏ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراًحسداً من عند أنفسهم ‏"‏‏.‏
منه تتولد العداوة ، وهو سبب كل قطيعة ، ومنتج كل وحشة ، ومفرق كل جماعة.
وقاطع كل رحم بين الأقرباء ، ومحدث التفرق بين القرناء ، وملقح الشر بين الخلطاء ، يكمن في الصدر كمون النار في الحجر‏.‏
والحاسد مخذول وموزور ، والمحسود محبوب ومنصور‏.‏
والحاسد مغموم ومهجور ، والمحسود مغشي ومزور‏.‏
وكان عبد الله بن أُبَي - قبل نفاقه - نسيج وحده ، لجودة رأيه، وبعد همته، ونبل شيمته ، وانقياد العشيرة له بالسيادة ، وإذعانهم له بالرياسة‏.‏
وما استوجب ذلك إلا بعدما استجمع له لبُّه ، وتبين لهم عقله ،وافتقدوا منه جهله ، ورأوه لذلك أهلاً لما أطاق له حملاً‏.‏
فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة ورأى هو عز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شمخ بأنفه فهدم إسلامه لحسده وأظهر نفاقه‏.‏
وما صار منافقاً حتى كان حسوداً ولا صارحسوداً حتى صار حقوداً‏.‏
فحمق بعد اللب وجهل بعد العقل وتبوأ النار بعدالجنة‏... "

عبدالله الهدلق
2010-10-17, 01:30 PM
خَبـَرتُك - محبّ الأدب - حيّانيَّ الهوى , فلا عجب أن كان جوابك محكمَ الحكمة , قد تبطّن هذه المعاني العالية من تراث أبي حيان .. " على أنك لو علمتَ في أي وقت ارتفعت هذه الرسالة , وعلى أي حالٍ تمّت لتعجبت .. والله أستعين على كل ماهمّ النفس , ووزع الفكر , وأدنى من الوسواس , إنه نعم المعين , على أمر الدنيا والدين " لاعدمتك ..

أبو الأزهر السلفي
2010-10-19, 01:16 AM
جزاكم الله خيرًا على حسن الإبداع والإمتاع ..

خليلُ الفوائد
2010-10-20, 02:08 AM
الشَّيْخَ الأحمد أبا أحمد :
هل تُكْمَلُ (تجارِبُ الحياةِ) هنا ؟

عبدالله الهدلق
2010-10-23, 05:01 PM
ليس هنا أيها الخليل .. فالتجارب على ماهي عليه في صفحتها , وإنما فتحتُ هذا الموضوع للنظر في أمر من يشتم الناس تبرئةً للذمّة !