المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مجالس المتنبي (1)



ابن رجب
2007-08-27, 05:42 PM
مجالس المتنبي (1)




مجالس المتنبي
المجلس الأول
14/8/1428هـ


قال أبو الطيب المتنبي :

أفاضلُ الناسِ أغراضٌ لِذا الزَّمَنِ يَخلوا من الهَّمَّ أخلاهم من الفِطَن



وَحْيُ البيت :
الأزمان ظروفٌ للناس تحتويهم ، كما تحويهم الآماكن ، و تختلفُ الأزمان باختلافِ المُشتمل عليه ، إذْ " كلُّ إناءٍ بما فيه يَنْضَح " ، فهي الأزمانُ تَعكسُ أحوال الناسِ ، و تعكسُ أفعالَهم ، فما في الزمانِ عيبٌ إنما هو في أهله ، إذ ليس الزمانُ إلا بما فيه ، و لا ينشرُ إلا ما فيه يُنْثَر .
ففي الزمان أفاضلٌ تسعى بهم فضائلُهم نحو الكمالِ المرموق ، و ترتقي بهم هممُهم إلى السماءِ فتحومُ حولَ عرْشِ التمامِ .
و الفضائلُ التي يكون المرءُ مُتحلَّياً بها تختلفُ باختلافِ الأزمنة ، فلكلِّ زمنٍ ما يُميِّزُه من الفضائل ، كما أن لكلِّ زمنٍ أهلُه و ناسُه ، كما أن العلومَ و المعارف لها أزمنةٌ .
و لا يستقيمُ لأهلِ الفضلِ حالٌ تقَرُّ بها عينٌ ، و لا تدومُ لهم أنوارُ الراحةِ و السرور ، فلا بُد للشمسِ من كاسفٍ ، و لا بُد للقمرِ من أُفولٍ ، و يحجبُ صفاءَ السماءِ كدرُ الغَبَرَة .
و غُبارُ أهل الفضلِ ، و كاسفةُ شموسهم ، مَن كان ضِدَّهم في الفعلِ ، و مَنأى عنهم في الوصفِ ، كلُّ ذي نقيصةٍ و ضِعةٍ ، فيستهدِف أهل الفضلِ بالمسبةِ و النقيصة ، و التعييرِ و التغبيرِ ، فيجعلهم محلاً لسوءِ لفظه ، و غرَضاً لِعَوَرِ لَحْظِه ، فيكيلُ المسابَّ و المذامَّ ، و يُرسِل قبيح الكلام ، زعماً منه أنه يُسقِط العاليَ ، و يُطيح بالسامي ، و ما أليَقَه بقولِ الأول :



كناطحٍِ صخرةًٍ يوماً لِيُوهنَها فما وهاها و أوهى قرْنَه الوَعِلُ



و تسلُّطُ السافلِ على العالي ، و الوضيعِ على الرفيعِ ، لخلوِّهِ من وصف الكمال ، و نعتِ الرجال ، الذين بهم تشرُفُ الأزمنة ، و تفخَرُ الأمكنة ، فلفراغِ البالِ من همٍّ سامٍ ، و همةٍ عاليةٍ ، و انعدام العقلِ من فطنةٍ و ذكاءٍ ، كان القدح في الكمالِ سبيلاً لإرضاءِ الذات ، فلا يُدركُ لنفسِه أثراً إلا في التسلُّقِ على أكتافِ الكبار ، و الاستعلاءِ على هامات الرجال .
فلا يخلو زمانٌ من أولئك ، و لا يكادُ يسلمُ من أذاهم أحد ، لأنهم ضِدٌّ ، و لا يُعرَفُ الشئُ إلا بِضدِّه ، كما قال أبو الطيبِ :



وَ نَذِيْمُهم و بِهم عرفنا فَضْلَهُ وَ بِضِدِّها تتميَّزُ الأشياء



فوجودهم خيرٌ ، و بقاؤهم فضلٌ ، و فَقْدُهم حسرةٌ ، ، و لهم منافعُ كثيرةٌ ، و فوائدُ كبيرة ، منها : كشفُ العيبِ فيُصَحِّحُ الفاضلُ ، و منها المنافسَةُ فيُسابِقُ الفاضلُ ، و فيهم قال القديم :



عِداتي لهم فضلٌ عليَّ و مِنَّةٌ فلا أبعدَ الرحمنُ مني الأعاديا
هُم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها و هم نافسوني فاكتسَبْت المعاليا



فأدرِك المرمى المُخْفَى .

و أهلُ الفضلِ يُدركون أسراراً في أزمانهم ، فلفضلهم و كمالهم يعرفون أنه لا عيبَ في الزمنِ ، و إنما العيبُ في أهلِه ، و أهلُه هم : الأفاضلُ ، و الأراذلُ .
فيحفَظُ الفاضلُ شرفَ الزمنِ ، فيُعملُ فيهِ أثرَ الإعمارِ و البناءِ ، و يُبصرُ الناسَ بعينِ الإكمال و الإتمامِ ، فلا يرتضي بالسموِّ دون الصعود بالناسِ ، علَتْ همتُه فعلى بها فأعلى بها غيرَه معه .

و الآخرُ المقابلُ ، رذيلٌ في همته ، ضعيفٌ في عزيمته ، يتتبعُ السَّقَطَ من المتاعِ ليأخذَه ، و يُبصِرُ بعينٍ عوراء أو عمشاءٍ ، فلا يُمتِّع ناظرَه إلا بما يسوؤه ، فهذا له البقاءُ في الركود ، و الراكدُ لا يُطهِّرُ نفسَه و لا يُطهِّرُ غيرَه .
فالأفضلُ من الناسِ إذا أدرَك هذا الشئَ ، و عَلِمَهُ ، و فاقَهَ نفسَه بحقيقته ، و تلبَّسَ بِهِ في واقعه ، أخذَ في المسيرِ نحو المراد ، فلا يُوْقِفُ الإعمارَ و البناءَ غَبَرَةُ ريحٍ ، و لا خَشخَشَةُ ما يُؤْبَه بِهِ ، لأنَّ الهمَّ أكبَر ، و الهمةَ أعلى ، و العلمَ أوسَع ، و العقلَ لا يقفُ ، و الزمان يسيرُ .
فوصفُ الجمال ، و نعتُ الكمالِ حينَ يكون السَّهم مُصَوَّباً نحو الأفاضلِ أن يكون في طرفٍ لا ينأون عنه ، و في دربٍ لا يحيدون عنه ، يدفعهم القدحُ نحوَ المزيد ، كما يَزيدُ القدحُ النارَ إحراقاً لصهرَ حديدَ الوَهَنِ فيظهرَ حديد البصرِ ، و حتى يُصاغَ الذهبِ بصهرِه .
و أما إذا كان الأفضلُ في حالِ الرَّمي مُستسلِماً ، واهِنَ القُوى ، ضعيف البُنْيَةِ ، مهزوماً ، فلا لفضلِهِ فضلٌ ، فيصير خزياً على الفضيلةِ ، و عاراً على الكمالِ .
فللهِ هم أهلُ الفضلِ يزيدهم الإحراقُ طيباً ، و يزيدهم الإبعادُ قُرباً ، و يُعلِيهم السفالُ ، و يرْفَعهم الوَضْعُ ، و الخفضُ يجرُّ لكسرِ النقيصة السيئة ، و الرفعُ يَضُمُّ الكمالَ إلى مثيلِه ، و الفتْحُ يستحلبُ المنْحَ ، و السكون تعقبُه عاصفة الانطلاقة ، هذا شعارُ أهل الفضلِ في كلِّ حينٍ و زمان .
و حيثُ لكلِّ زمانٍ أهلُه ، و لكلِّ حينٍ ناسُه ، و القُدواتُ إنما تكون بالصفاتِ ، و الذواتُ للفناءِ ، و الصفاتُ للبقاءِ ، وقدواتُ الأفاضلِ ذاتُ صفاتٍ حَوَتْ نَعْتَ الفضيلة ، فلا تعلَّقَ ،لديهم بذواتٍ يأتي عليها قانونُ العدَمِ و نِظامُ الفناء ، فيصنَعُ الأفاضلُ من أنفسهم صفاتٍ تسيرُ على الأرضِ في أعطافِ ذاتٍ استحقَّتْ كمالَهم و فضلَهم ، فيكونون رُسُلاً لمن بعدهم ، فلكلٍّ من أهل الفضلِ في كلِّ زمنٍ شبيهُهُ في الأزمنة السالفة ، فلكلِّ خلفٍ سلفُ خيرٍ .
و لأهل الفضلِ نعتُ كمالٍ آخر ، و وصفُ تمامٍ ظاهرٍ ، يُوْحِيْهِ أبو الطيِّبِ في مجلسٍ تالٍ ، دمتم في مقامٍ عالٍ .



( تنبيهٌ : حاولتُ إرفاقَ الملف ، فلم أستطع ، و لا أعلم مصدر العلة ، فعذراً )
__________________

*
*
*



غائصٌ في بحرٍ عميقٍ .. أُدرِكُ .. و لا أُفْهَم







""

منقول .
http://muntada.islamtoday.net/showthread.php?t=28619

أمل*
2007-08-27, 11:23 PM
كلام جميل ،جزاكم الله خيرا ، أستئذنكم في ذكر اسم كاتب الموضوع السابق : عبدالله بن سليمان العتيق

ابن رجب
2007-08-28, 11:06 AM
كلام جميل ،جزاكم الله خيرا ، أستئذنكم في ذكر اسم كاتب الموضوع السابق : عبدالله بن سليمان العتيق


وأياكم ,, أنما أنا ناقل ,