موسى الغنامي
2010-10-04, 10:30 PM
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه ,,,, أما بعد
" إن نظرية عدم التعدد وهي النظرية المأخوذة في المسيحية , ظاهرة تنطوي تحتها سيئات عديدة , ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء وهي :.
1- الدعارة , 2- العوانس من النساء , 3- الأبناء غير الشرعيين " .
توقيع
المفكر الفرنسي ( أتيين دينيه ) .
إن الله تبارك وتقدس لما خَلَقَ الخليقة , وأوجد البَرِيّة , جَبَلهم على أمور لا تنفك عنهم بحال , وركّب فيهم غرائز وميولات لا يستطيعون الإنبتات عنها , ولكنه سبحانه وتعالى جعل لهذه الأمور طُرق شرعية لتجريها في مجراها , وتوقعها في نصابها الصحيح الذي وُجدتْ له , وحذر وتوعّد من خالف أمره وأرتكب نهيه بأشد العقوبات وأقساها في الدنيا والآخرة .
" وإن مما يتفق عليه الناس أن رغبة الذكر للنكاح والوقاع أشد من رغبة الأنثى , وأن حاجته للوطء أكبر من حاجتها , وفي ذلك نص من المنقول حيث قال جل ذكره وتقدس أسمه : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ... " الآية , وأيضا جاء تشويق الرجال للجنة وحثهم على العمل لنيل رضى الله عز وجل أولا ثم دخولهم إياه لينالوا ما وعدوا فيها ومما وعدوا فيها تزويجهم بالحور العين مع زوجاتهم في الدنيا بل جاء الأثر كما في الصحيحين " أن لكل امرئ زوجتان من الحور العين " البخاري 3/1187 , ومسلم 4/2178 , بل جاء أعظم من ذلك في فضل الشهيد فإنه يزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين .
أخرجه أحمد 28/419 , والترمذي 4/187 ثم قال هذا حديث حسن صحيح غريب وسند الإمام أحمد صحيح .
هذه المقدمة جعلتها بين يدي موضوعي كالبنة التي يرتكز عليها .
وما أريدُ طرْقهُ مسلكٌ شائك , وطريق وعر , خصوصا أن نقول العلماء المتقدمين فيه عزيزة جدا , بل لا أبالغ إن قلتُ أنها أندر من الكبريت الأحمر !!!
فقد قلّبتُ أسفار الإسلام ودواوين السنة ( في مظانها طبعا ) , فلم أجد تصريحا فيما أريد بحثه , هذا حسب جهدي القليل ( ومن عَلِمَ حجةٌ على من لم يعلم ) , نعم تكلم بعض المعاصرين في هذه المسألة ولكن أعوزهم النقل عن أساطين أهل العلم من المتقدمين كما أعوزني ذلك , فَعَرَضْتُ القرآن كاملا عدة مرات وفي كل عرضة أجد قرينة وإشارة لما أردتُ بحثه !!!
فأستعنتُ بالله لأجمع شتات هذه المسألة الشرعية والتي لا يُتحاكم فيها إلا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم , خاصة وأن هذا الوقت وقتها , وقد خالطها شيء من اللبس , وتشبّث بها من يريد لمز الدين باسم المساواة أو الحقوق .
فأقول معتصما بالله متوكلا عليه , صائلا بقلمي بحول الله وقوته متبرأ من حولي وقوتي :
إن مما يقرره علماء الأصول أن الأحكام الشرعية تُأخذ من النصوص الثابتة وهي على نوعين :
*أحكام واضحة الدلالة .
*أحكام استنباطية الدلالة .
ومسألتنا ( هل الأصل في النكاح التعدد أو الإفراد ) من النوع الثاني , إذ لو كانت من النوع الأول , لقـُضي الأمر , وحَكَمَ الشرع , وحينئذٍ لا كلام لأحد معه .
وسأطرح ما أستدللتُ به من أن الأصل في النكاح التعدد إذ أن القائل بالإفراد لا دليل عنده على مذهبه سوى قوله تعالى : " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ... " الآية .
والعدل شرط من شروط التعدد وهو منتفي , لذا يقول بالإباحة لمحتاجها فقط !!!
وفي هذه المسألة عمومات من الكتاب والسنة لمن تأملها وصل إلى أن الأصل التعدد لا الإفراد , ولا بد أن تـُحمل ألفاظ الشرع على أن لها معان ٍ دقيقة ولم تأتي عبثا حاشا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وسياقاتها تبين هذه المعاني .
الأدلة من القرآن :
1- يقول الله تعالى : " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا "
وفي هذه الآية عدة قرائن على أن الأصل في النكاح التعدد :
• ففي الآية جاءت الصيغة في الخطاب بصيغة الأمر " فَانْكِحُوا " ومعلوم أن الأمر محمول على الوجوب فإن صرفه صارف أحاله للسُنّية وقليلا ما ينقله الصارف إلى الإباحة .
• وفيها قال الله تعالى " ما طاب لكم " ومعلومٌ قطعا أن أي رجلٍ في العالم يطيب له تعداد النساء إلا من في تركيبه نقص وهذا في حكم النادر( والنادر لا حكم له ) , وفي هذا يقول الله تبارك وتقدس : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ... " الآية .
• وكذلك ابتدأ الله عز وجل بعد الأمر بذكر المثنى ولم يبدأ بالواحدة وهذه قرينة على أن الأصل التعدد إذ لو كان الأصل الإفراد لبدأ بالواحدة ثم ذكر بقية المباح .
• اختص الحق جل جلاله من عموم الحكم من له حالة خاصة وهي الخوف من عدم العدل , فمن كان حاله كذلك فله أن يقتصر على الواحدة , ومعلوم أن من له حكم خاص أو خصيصة لا يكون حكمه كحكم العموم .
وما تقدم من أقوى القرائن على أن الأصل في النكاح التعدد .
2- ويقول الحق تبارك وتعالى : " وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ... " الآية .
في هذه الآية الكريمة جعل الله عز وجل صيغة الخِطَاب للرجال بالتبعيض " منكم " , وفي المقابل جعل صيغة الخطاب للنساء بالجمع " المحصنات المؤمنات " , وفي هذا دليل على أن الأصل في النكاح التعدد .
3- وقال سبحانه وتعالى : " وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ... " الآية .
فالآية هنا عامة لجميع الناس ومع ذلك سمّى الله تعالى الزوج هنا " بعل " ولم يسمه " زوج " , والبعل أعم من الزوج فقد لا يكون " زوجا " بالمعنى اللغوي ( أي اثنين ) , ويكون بعلا لها ولغيرها فالبعل يكون عاما لها ولغيرها لكن الزوج لا يكون إلا لها وحدها , وفي ذلك شواهد من القرآن , قالت امرأة إبراهيم عليه السلام ( سارّة ) حينما بُشّرت بالابن " ... يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ " , ومعلوم أنها في وقت البشارة كان إبراهيم عليه السلام متزوج من هاجر ومعه منها إسماعيل , فلم تقل " زوجي " , بخلاف حواء عليها السلام فإنها كانت زوجة آدم الوحيدة لذا قال جل جلاله : " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ... " الآية
وأيضا جاءت هذه الإشارة في أمر خولة بنت ثعلبة عندما ظاهرها زوجها أوس بن الصامت – رضي الله عنهما – ولم يكن متزوجا من غيرها فقال جل ذكره : " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا . . ." الآية .
لذا يُستنبط من الآية أن الأصل في النكاح التعدد إذ لو كان الأصل الإفراد لجاء الخطاب بصيغة الزوجية لا البعولة , لكن الخطاب أتى بصيغة البعولة ليثبت الأصل وهو التعدد في النكاح .
4- وقال تقدس وتعالى بعد أن ساق المحرمات من النساء في النكاح : " ... وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ .... " الآية .
وفي هذه الآية إشارة إلى أن التعدد هو الأصل في النكاح لأن ما وراء ما حرّمه ربنا تبارك وتعالى لا يكون مفردا بل لا يكون إلا جمعا .
5- وقال جل ذكره وتقدس أسمه : " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ... " الآية .
في الآية إشارة على أن الأصل في النكاح التعدد لجعله تعالى الأزواج وهو جمع في مقابل التبعيض " منكم " , ومعلوم أن لفظ الوفاة لا يكون عاما فالذي يُتوفى غالبا يكون واحدا , بخلاف القتل مثلا فهي غالبا لا تكون إلا في الحرب فيكون إنقضاء الأجل لمجموعة منهم , ومع ذلك قال الحق تبارك وتعالى " وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ " , مع أن الوفاة لواحد ( في الغالب ) جاء في المقابل الجمع ( أزواجا ) .
6- وقال سبحانه وتعالى " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة ِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا "
وهي الآية التي تمسلك بها القائل بأن الأصل الإفراد لا التعدد , وفي الآية دليل (عليه) بأن الأصل التعدد , فالعدل المطالب به في الآية هو العدل بين الضرات بإتفاق أهل العلم , والله تعالى يقول " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا " والخطاب هنا عام ولم يخصص به المعدد دون غيره , فلو كان الأصل الإفراد لأتى الخطاب لهم دون غيرهم إذ لا مجال لمخاطبة المُفرد بالعدل بين الزوجات وليس لديه إلا واحدة , ولكن الخطاب أتى بالعموم لأن الأصل في النكاح التعدد .
وأما القائل بأن الإفراد هو الأصل والأبرأ للذمة , لأن الله نفى الإستطاعة بالعدل بين النساء ولو حرص الإنسان على ذلك , فيُرد عليه بأنه نحى بعيدا بمعنى العدل فقد قال ترجمان القرآن وحبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنهما - : " ( أي لن تستطيعوا العدل ) في المحبة والشهوة والجماع " تفسير ابن كثير 2/430 , وهذا لا يستطيعه كل أحد مهما بذل وفعل .
قال ابن القيم – رحمه الله - : " لا تجب التسوية بين النساء في المحبة فإنها لا تمُلك , وكانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه ( صلى الله عليه وسلم ) , ومن هذا أنه لا تجب التسوية بينهن في الوطء لأنه موقوف على المحبة والميل وهي بيد مقلب القلوب " زاد المعاد 5/138 .
أما الأدلة من السنة فهي عموميات وقرائن تدل على الحكم .
1- فقد جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم , فلما أخبروا كأنهم تقالّوها , فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا , وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر , وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا , فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم , فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له , لكني أصوم وأفطر , وأصلي وأرقد , وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني "
البخاري 5/1949 , ومسلم 2/1020 .
فمن سنته صلى الله عليه وسلم أن يعدد الإنسان لأنه قال صلى الله عليه وسلم : " وأتزوج النساء " وهو بأبي وأمي واحد , ثم قال : " فمن رغب عن سنتي فليس مني " أي أن هذا من سنته صلى الله عليه وسلم , وهذا من التأسي به لعموم قوله تبارك وتعالى " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ... " الآية
ولا يُقال أن هذا من التأسي العام كالتأسي بإطالة الشعر أو الإدهان غبا وغيرها , بل يقال بالسُنّية على الإطلاق بشرط المقدرة لأن الأصل في المسألة موجود وهو الزواج لقوله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... " .
كما جاء في الصحيحين , البخاري 5/1950 , ومسلم 2/1018 . فما زاد عن الواحد فهو مسنون لما تقدم .
قال ابن قدامة – رحمه الله – في معرض كلامه عن النكاح : " والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك أصحابه ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى "
المغني 7/334 .
2- وقد جاء عند أبي داود 2/175 والنسائي 6/65 انه صلى الله عليه وسلم قال : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم "
وفي هذا الحديث مستلم بن سعيد الثقفي وهو صالح الحديث وبقية إسناده ثقات فالسند مقبول .
ومعلوم أن هذه الصفة ( الودود الولود ) ليست حكرا على نساء هذه الأمة أو بعض نسائها ففي الأمم الأخرى شيء كثير منها , فلو كان الأصل الإفراد لستوت الصفة عندنا وعند غيرنا من الأمم ولم يكن لهذه الأمة مزية في الكثرة , لكن يقال هنا أن الأصل في النكاح التعدد لأنه من ميزات هذه الأمة ولا أقول بأن غيرها يحرمه لكن هو في المسلمين أظهر من غيرهم .
ومما يؤيد هذا الإستنباط ما جاء في البخاري عن سعيد بن جبير – رحمه الله – قال : قال لي ابن عباس – رضي الله عنهما : " هل تزوجت ؟ قلت : لا , قال : فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء " البخاري 5/1951 .
قال ابن بطال – رحمه الله – في شرحه لهذا الأثر : " قال المهلب : لم يرد ابن عباس أنه من كثر نساؤه من المسلمين أنه خيرهم ، وإنما قاله على معنى الحض والندب إلى النكاح ، وترك الرهبانية في الإسلام ، وأن النبي ، عليه ( الصلاة و)السلام ، الذي يجب علينا الاقتداء به واتباع سنته كان أكثر أمته نساء " .
شرح البخاري 7/164 .
ومما تقدم نخلُص في هذه المسألة بأن الأصل في النكاح التعدد وأنه سنة ماضية إلى قيام الساعة , فعلها صلى الله عليه وسلم وفعلها غالب صحابته – رضي الله عنهم – وعامة علماء الإسلام – رحمهم الله تعالى – على ذلك , ومن تبعهم في ذلك فهو مأجور بإذن الله مثاب يوم الدين .
لفتة :
ذكر الله عز وجل بعد أحكام النكاح في سورة النساء من قوله تعالى : " وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا ..... " وبعدها قوله " وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ..... " وبعدها قوله " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ ..... " وبعدها قوله " وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ..... "
جاء مباشرة بعد هذه الآيات قوله تعالى ذكره وتقدس أسمه " وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا " !!!
فالله تبارك وتعالى خلق الرجل بتركيبته وغريزته قادر على تعدد الزوجات وهو من أصل خِلقَته , ولكن الذين يتبعون الشهوات لا يريدون له ذلك , وهم يعلمون أنه مجبول عليه , وإنما أرادوا له ذلك بالحرام , لذا تجد بعض هؤلاء عنده زوجة واحدة وعشر خليلات وهذا والله من الميل العظيم .
جنبنا الله وجميع المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن , وعصمنا مما يُغضبه ويُسخطه , وجعلنا ممن يلزم غرز نبيه صلى الله عليه وسلم .
أخوكم / موسى الغنامي
.
والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه ,,,, أما بعد
" إن نظرية عدم التعدد وهي النظرية المأخوذة في المسيحية , ظاهرة تنطوي تحتها سيئات عديدة , ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء وهي :.
1- الدعارة , 2- العوانس من النساء , 3- الأبناء غير الشرعيين " .
توقيع
المفكر الفرنسي ( أتيين دينيه ) .
إن الله تبارك وتقدس لما خَلَقَ الخليقة , وأوجد البَرِيّة , جَبَلهم على أمور لا تنفك عنهم بحال , وركّب فيهم غرائز وميولات لا يستطيعون الإنبتات عنها , ولكنه سبحانه وتعالى جعل لهذه الأمور طُرق شرعية لتجريها في مجراها , وتوقعها في نصابها الصحيح الذي وُجدتْ له , وحذر وتوعّد من خالف أمره وأرتكب نهيه بأشد العقوبات وأقساها في الدنيا والآخرة .
" وإن مما يتفق عليه الناس أن رغبة الذكر للنكاح والوقاع أشد من رغبة الأنثى , وأن حاجته للوطء أكبر من حاجتها , وفي ذلك نص من المنقول حيث قال جل ذكره وتقدس أسمه : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ... " الآية , وأيضا جاء تشويق الرجال للجنة وحثهم على العمل لنيل رضى الله عز وجل أولا ثم دخولهم إياه لينالوا ما وعدوا فيها ومما وعدوا فيها تزويجهم بالحور العين مع زوجاتهم في الدنيا بل جاء الأثر كما في الصحيحين " أن لكل امرئ زوجتان من الحور العين " البخاري 3/1187 , ومسلم 4/2178 , بل جاء أعظم من ذلك في فضل الشهيد فإنه يزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين .
أخرجه أحمد 28/419 , والترمذي 4/187 ثم قال هذا حديث حسن صحيح غريب وسند الإمام أحمد صحيح .
هذه المقدمة جعلتها بين يدي موضوعي كالبنة التي يرتكز عليها .
وما أريدُ طرْقهُ مسلكٌ شائك , وطريق وعر , خصوصا أن نقول العلماء المتقدمين فيه عزيزة جدا , بل لا أبالغ إن قلتُ أنها أندر من الكبريت الأحمر !!!
فقد قلّبتُ أسفار الإسلام ودواوين السنة ( في مظانها طبعا ) , فلم أجد تصريحا فيما أريد بحثه , هذا حسب جهدي القليل ( ومن عَلِمَ حجةٌ على من لم يعلم ) , نعم تكلم بعض المعاصرين في هذه المسألة ولكن أعوزهم النقل عن أساطين أهل العلم من المتقدمين كما أعوزني ذلك , فَعَرَضْتُ القرآن كاملا عدة مرات وفي كل عرضة أجد قرينة وإشارة لما أردتُ بحثه !!!
فأستعنتُ بالله لأجمع شتات هذه المسألة الشرعية والتي لا يُتحاكم فيها إلا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم , خاصة وأن هذا الوقت وقتها , وقد خالطها شيء من اللبس , وتشبّث بها من يريد لمز الدين باسم المساواة أو الحقوق .
فأقول معتصما بالله متوكلا عليه , صائلا بقلمي بحول الله وقوته متبرأ من حولي وقوتي :
إن مما يقرره علماء الأصول أن الأحكام الشرعية تُأخذ من النصوص الثابتة وهي على نوعين :
*أحكام واضحة الدلالة .
*أحكام استنباطية الدلالة .
ومسألتنا ( هل الأصل في النكاح التعدد أو الإفراد ) من النوع الثاني , إذ لو كانت من النوع الأول , لقـُضي الأمر , وحَكَمَ الشرع , وحينئذٍ لا كلام لأحد معه .
وسأطرح ما أستدللتُ به من أن الأصل في النكاح التعدد إذ أن القائل بالإفراد لا دليل عنده على مذهبه سوى قوله تعالى : " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ... " الآية .
والعدل شرط من شروط التعدد وهو منتفي , لذا يقول بالإباحة لمحتاجها فقط !!!
وفي هذه المسألة عمومات من الكتاب والسنة لمن تأملها وصل إلى أن الأصل التعدد لا الإفراد , ولا بد أن تـُحمل ألفاظ الشرع على أن لها معان ٍ دقيقة ولم تأتي عبثا حاشا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وسياقاتها تبين هذه المعاني .
الأدلة من القرآن :
1- يقول الله تعالى : " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا "
وفي هذه الآية عدة قرائن على أن الأصل في النكاح التعدد :
• ففي الآية جاءت الصيغة في الخطاب بصيغة الأمر " فَانْكِحُوا " ومعلوم أن الأمر محمول على الوجوب فإن صرفه صارف أحاله للسُنّية وقليلا ما ينقله الصارف إلى الإباحة .
• وفيها قال الله تعالى " ما طاب لكم " ومعلومٌ قطعا أن أي رجلٍ في العالم يطيب له تعداد النساء إلا من في تركيبه نقص وهذا في حكم النادر( والنادر لا حكم له ) , وفي هذا يقول الله تبارك وتقدس : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ... " الآية .
• وكذلك ابتدأ الله عز وجل بعد الأمر بذكر المثنى ولم يبدأ بالواحدة وهذه قرينة على أن الأصل التعدد إذ لو كان الأصل الإفراد لبدأ بالواحدة ثم ذكر بقية المباح .
• اختص الحق جل جلاله من عموم الحكم من له حالة خاصة وهي الخوف من عدم العدل , فمن كان حاله كذلك فله أن يقتصر على الواحدة , ومعلوم أن من له حكم خاص أو خصيصة لا يكون حكمه كحكم العموم .
وما تقدم من أقوى القرائن على أن الأصل في النكاح التعدد .
2- ويقول الحق تبارك وتعالى : " وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ... " الآية .
في هذه الآية الكريمة جعل الله عز وجل صيغة الخِطَاب للرجال بالتبعيض " منكم " , وفي المقابل جعل صيغة الخطاب للنساء بالجمع " المحصنات المؤمنات " , وفي هذا دليل على أن الأصل في النكاح التعدد .
3- وقال سبحانه وتعالى : " وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ... " الآية .
فالآية هنا عامة لجميع الناس ومع ذلك سمّى الله تعالى الزوج هنا " بعل " ولم يسمه " زوج " , والبعل أعم من الزوج فقد لا يكون " زوجا " بالمعنى اللغوي ( أي اثنين ) , ويكون بعلا لها ولغيرها فالبعل يكون عاما لها ولغيرها لكن الزوج لا يكون إلا لها وحدها , وفي ذلك شواهد من القرآن , قالت امرأة إبراهيم عليه السلام ( سارّة ) حينما بُشّرت بالابن " ... يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ " , ومعلوم أنها في وقت البشارة كان إبراهيم عليه السلام متزوج من هاجر ومعه منها إسماعيل , فلم تقل " زوجي " , بخلاف حواء عليها السلام فإنها كانت زوجة آدم الوحيدة لذا قال جل جلاله : " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ... " الآية
وأيضا جاءت هذه الإشارة في أمر خولة بنت ثعلبة عندما ظاهرها زوجها أوس بن الصامت – رضي الله عنهما – ولم يكن متزوجا من غيرها فقال جل ذكره : " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا . . ." الآية .
لذا يُستنبط من الآية أن الأصل في النكاح التعدد إذ لو كان الأصل الإفراد لجاء الخطاب بصيغة الزوجية لا البعولة , لكن الخطاب أتى بصيغة البعولة ليثبت الأصل وهو التعدد في النكاح .
4- وقال تقدس وتعالى بعد أن ساق المحرمات من النساء في النكاح : " ... وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ .... " الآية .
وفي هذه الآية إشارة إلى أن التعدد هو الأصل في النكاح لأن ما وراء ما حرّمه ربنا تبارك وتعالى لا يكون مفردا بل لا يكون إلا جمعا .
5- وقال جل ذكره وتقدس أسمه : " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ... " الآية .
في الآية إشارة على أن الأصل في النكاح التعدد لجعله تعالى الأزواج وهو جمع في مقابل التبعيض " منكم " , ومعلوم أن لفظ الوفاة لا يكون عاما فالذي يُتوفى غالبا يكون واحدا , بخلاف القتل مثلا فهي غالبا لا تكون إلا في الحرب فيكون إنقضاء الأجل لمجموعة منهم , ومع ذلك قال الحق تبارك وتعالى " وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ " , مع أن الوفاة لواحد ( في الغالب ) جاء في المقابل الجمع ( أزواجا ) .
6- وقال سبحانه وتعالى " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة ِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا "
وهي الآية التي تمسلك بها القائل بأن الأصل الإفراد لا التعدد , وفي الآية دليل (عليه) بأن الأصل التعدد , فالعدل المطالب به في الآية هو العدل بين الضرات بإتفاق أهل العلم , والله تعالى يقول " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا " والخطاب هنا عام ولم يخصص به المعدد دون غيره , فلو كان الأصل الإفراد لأتى الخطاب لهم دون غيرهم إذ لا مجال لمخاطبة المُفرد بالعدل بين الزوجات وليس لديه إلا واحدة , ولكن الخطاب أتى بالعموم لأن الأصل في النكاح التعدد .
وأما القائل بأن الإفراد هو الأصل والأبرأ للذمة , لأن الله نفى الإستطاعة بالعدل بين النساء ولو حرص الإنسان على ذلك , فيُرد عليه بأنه نحى بعيدا بمعنى العدل فقد قال ترجمان القرآن وحبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنهما - : " ( أي لن تستطيعوا العدل ) في المحبة والشهوة والجماع " تفسير ابن كثير 2/430 , وهذا لا يستطيعه كل أحد مهما بذل وفعل .
قال ابن القيم – رحمه الله - : " لا تجب التسوية بين النساء في المحبة فإنها لا تمُلك , وكانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه ( صلى الله عليه وسلم ) , ومن هذا أنه لا تجب التسوية بينهن في الوطء لأنه موقوف على المحبة والميل وهي بيد مقلب القلوب " زاد المعاد 5/138 .
أما الأدلة من السنة فهي عموميات وقرائن تدل على الحكم .
1- فقد جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم , فلما أخبروا كأنهم تقالّوها , فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا , وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر , وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا , فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم , فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له , لكني أصوم وأفطر , وأصلي وأرقد , وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني "
البخاري 5/1949 , ومسلم 2/1020 .
فمن سنته صلى الله عليه وسلم أن يعدد الإنسان لأنه قال صلى الله عليه وسلم : " وأتزوج النساء " وهو بأبي وأمي واحد , ثم قال : " فمن رغب عن سنتي فليس مني " أي أن هذا من سنته صلى الله عليه وسلم , وهذا من التأسي به لعموم قوله تبارك وتعالى " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ... " الآية
ولا يُقال أن هذا من التأسي العام كالتأسي بإطالة الشعر أو الإدهان غبا وغيرها , بل يقال بالسُنّية على الإطلاق بشرط المقدرة لأن الأصل في المسألة موجود وهو الزواج لقوله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... " .
كما جاء في الصحيحين , البخاري 5/1950 , ومسلم 2/1018 . فما زاد عن الواحد فهو مسنون لما تقدم .
قال ابن قدامة – رحمه الله – في معرض كلامه عن النكاح : " والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك أصحابه ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى "
المغني 7/334 .
2- وقد جاء عند أبي داود 2/175 والنسائي 6/65 انه صلى الله عليه وسلم قال : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم "
وفي هذا الحديث مستلم بن سعيد الثقفي وهو صالح الحديث وبقية إسناده ثقات فالسند مقبول .
ومعلوم أن هذه الصفة ( الودود الولود ) ليست حكرا على نساء هذه الأمة أو بعض نسائها ففي الأمم الأخرى شيء كثير منها , فلو كان الأصل الإفراد لستوت الصفة عندنا وعند غيرنا من الأمم ولم يكن لهذه الأمة مزية في الكثرة , لكن يقال هنا أن الأصل في النكاح التعدد لأنه من ميزات هذه الأمة ولا أقول بأن غيرها يحرمه لكن هو في المسلمين أظهر من غيرهم .
ومما يؤيد هذا الإستنباط ما جاء في البخاري عن سعيد بن جبير – رحمه الله – قال : قال لي ابن عباس – رضي الله عنهما : " هل تزوجت ؟ قلت : لا , قال : فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء " البخاري 5/1951 .
قال ابن بطال – رحمه الله – في شرحه لهذا الأثر : " قال المهلب : لم يرد ابن عباس أنه من كثر نساؤه من المسلمين أنه خيرهم ، وإنما قاله على معنى الحض والندب إلى النكاح ، وترك الرهبانية في الإسلام ، وأن النبي ، عليه ( الصلاة و)السلام ، الذي يجب علينا الاقتداء به واتباع سنته كان أكثر أمته نساء " .
شرح البخاري 7/164 .
ومما تقدم نخلُص في هذه المسألة بأن الأصل في النكاح التعدد وأنه سنة ماضية إلى قيام الساعة , فعلها صلى الله عليه وسلم وفعلها غالب صحابته – رضي الله عنهم – وعامة علماء الإسلام – رحمهم الله تعالى – على ذلك , ومن تبعهم في ذلك فهو مأجور بإذن الله مثاب يوم الدين .
لفتة :
ذكر الله عز وجل بعد أحكام النكاح في سورة النساء من قوله تعالى : " وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا ..... " وبعدها قوله " وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ..... " وبعدها قوله " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ ..... " وبعدها قوله " وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ..... "
جاء مباشرة بعد هذه الآيات قوله تعالى ذكره وتقدس أسمه " وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا " !!!
فالله تبارك وتعالى خلق الرجل بتركيبته وغريزته قادر على تعدد الزوجات وهو من أصل خِلقَته , ولكن الذين يتبعون الشهوات لا يريدون له ذلك , وهم يعلمون أنه مجبول عليه , وإنما أرادوا له ذلك بالحرام , لذا تجد بعض هؤلاء عنده زوجة واحدة وعشر خليلات وهذا والله من الميل العظيم .
جنبنا الله وجميع المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن , وعصمنا مما يُغضبه ويُسخطه , وجعلنا ممن يلزم غرز نبيه صلى الله عليه وسلم .
أخوكم / موسى الغنامي
.