صالح ابو عبدالله
2010-10-03, 05:15 PM
قال الشوكاني في البدر الطالع: ـــ على بن قاسم حنش ولد في شهر محرم سنة 1143 ثلاث وأربين ومائة والف ونشأ بوطنه ذيبين ثم ارتحل الى كوكبان وقرأ على علمائها ثم وصل الى صنعاء واخذ عن أهلها وتردد فى الديار اليمنية حتى عرف أكثرها أو كلها واختبر بأهلها خاصتهم وعامتهم وحج وعاد ووصل الى صنعاء فاتصل بالإمام المهدي العباس بن الحسين فقربه وأدناه وجالسه وشرع في ترشيحه للوزارة لما رأى من تأهله لذلك مع فصاحته ورجاحة عقله واختباره بالناس ومعرفته بطبقاتهم وحفظه لأخبارهم وامتناعه في جميع ذلك وحسن محاضرته وذلاقة لسانه وفرط ذكائه فحسده جماعة من الوزراء فأغروا به الإمام حتى أبعده عنه وحبس دهرا طويلا ثم أفرج عنه وسكن صنعاء وهو من نوادر الدهر في جميع أوصافه لا يخفى عليه من أحوال أبناء دهره خافية ولا يسمع متكلم يتكلم في علم أو أدب أو تاريخ من تقدم أو تأخر إلا ويجرى معه ويحكى مثل حكايته وله في العلم حظ وافر وفي الأدب سهم قامر وفيه كرم مفرط يجود بموجوده مع قلة ذات يده وقد يتصدق في بعض أوقاته بثيابه ولا يمسك شيئا وقد كان يصل إليه عند اتصاله بالإمام المهدي شيء واسع فينفقه ولا يدخر منه شيئا وهو من رجال الدهر قد حنكته التجارب وحلب الدهر أشطره ومارس مالم يمارسه غيره من محبوب ومكروه وصديق وعدو وشدة ورخاء وهو أسرع الناس جوابا في كل ما يرد عليه لا يعجم ولا يتلعثم ولا يعتريه خور وكثيرا ما يتفرس في الحوادث قبيل وقوعها فيتفق وقوعها في الغالب كما يحدس وله اتصال بأكابر الناس واصاغرهم قد استوت لديه طبقاتهم كما استوت لديه الشدة والرخاء والإقبال والإدبار والمحبوب والمكروه قد رأى نفسه أميرا كما رأها فقيرا ورأها تارة فى اليفاع وتارة فى أخفض البقاع وهو الآن في الحياة قد جاوز السبعين ولم يفتر نشاطه ولا خف ضبطه ولا تكدرت أخلاقه وبالجملة فهو قليل النظير في مجموعه ومن محاسن كلامه الذى سمعته منه الناس على طبقات ثلاث فالطبقة العالية العلماء الأكابر وهم يعرفون الحق والباطل وان اختلفوا لم ينشأ عن اختلافهم الفتن لعلمهم بما عند بعضهم بعضا والطبقة السافلة عامة على الفطرة لا ينفرون عن الحق وهم أتباع من يقتدون به إن كان محقا كانوا مثله وان كان مبطلا كانوا كذلك والطبقة المتوسطة هي منشأ الشر واصل الفتن الناشئة في الدين وهم الذين لم يمعنوا في العلم حتى يرتقوا إلى رتبة الطبقة الأولى ولا تركوه حتى يكونوا من أهل الطبقة السافلة فإنهم إذا رأوا أحدا من أهل الطبقة العليا يقول مالا يعرفونه مما يخالف عقائدهم التي أوقعهم فيها القصور فوقوا إليه سهام الترقيع ونسبوه إلى كل قول شنيع وغيروا فطر أهل الطبقة السفلى عن قبول الحق بتمويهات باطلة فعند ذلك تقوم الفتن الدينية على ساق هذا معنى كلامه الذي سمعناه منه وقد صدق فان من تأمل ذلك وجده كذلك ثم مات رحمه الله تعالى في شهر محرم سنة 1219 تسع عشرة ومائتين وألف وقد كان اشتغل بتاريخ دولة الإمام المهدي العباس بن المنصور فأملى حوادثها من حفظه بما يتعجب منه ثم شرع في تاريخ ولده مولانا إمام العصر حفظه الله فمات بعد الشروع في ذلك
البدر الطالع 1/451
البدر الطالع 1/451