المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرائط بلوغ الرسوخ في العلم والإمامة في الدين



أبو القاسم
2010-09-28, 03:01 AM
من أشهر رحلة علمية ..وهي رحلة موسى عليهالسلام لطلب علم العبد الخضر عليه السلام والصحيح أنه نبي..وفيها جماع ما تفرق في الآيات من شروط وأسباب لطلب العلم والترقي فيه..


- أول شيء- الإخلاص..
وذِكره علىالتحقيق..يقود إلى ما سواه..وهو شرط في كل عمل..وشطر لقبوله عند الله سبحانهوتعالى ويظهر إخلاص موسى عليه السلام منذ مطلع القصة حيث قال"لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين "
فهذا الإصرار بهذا النفي المقيد بانتهاء غايته..وهي لقاء الخضر عليهالسلام..ليتع لم منه..
والحق أن كل آيات القصة تنضح ببيان إخلاص موسى عليهالسلام



ثانيا-العزلة..في طلب العلم..

..فكل من ألف خلطة الناس..وأكثر من تندره مع الخلان والأصحاب والأهل..لايمكن أن يصبح عالما
لابد إذن أن تصبح معتزليا!
ولهذا سافر موسى عليه السلاممع فتاه لطلب العلم وقال"أو أمضي حقبا"..أي مهما سرت من أحقاب الزمان فلن أبرح حتىبلوغ غايتي وهي الخضر..ليعلمني..و لهذا لاتجد في سيرة العلماء ..من لم يرتحل أوينعزل في طلبه ..كل بحسبه..وليس معنى هذا الانقطاع الكلي عن الأبوينوالزوج..و نحوهم..ولكن أدنى الكمال في ذلك..أن يقتطع الإنسان من وقته جزءامعلوما
في بيته يداوم عليه..يكون فيه منكبا على العلم والنهم به..ولايزاحمه فيوقته هذا أحد..وقد سئل مالك عن رجل محكوم بالقتل..ماذا يفعل إلى حينقتله..قال:يتع م علما!
وترك الشافعي قيام الليل ليلة مبيته عند أحمد حتىاستعظمته فاطمة بنته على سبيل الإنكار..فلما سأل الإمام أحمد في صبيحة اليوم عللذلك بأنه كان يتفكر في قضية فقهية فرع عليها نحو سبعين مسألة وهو مضطج!



ثالثا-الكفاف .. بما يقيمالصلب..

واستمع إلى موسى عليه السلام وهو يقول"آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرناهذا نصبا"فجاع في سبيل العلم..وعند هذا الموطن خاصة أي لما بلغ به النصب في طلببغيته العلمية حد الجوع..اهتدى إلى الأمارة التي أوصلته للخضر..فتأمل!..وك ا عندمسلم عن يحيى بن أبي كثير مقطوعا:لا يستطاع العلم براحة الجسم
وليس معنى هذا أنيحرم الإنسان نفسه الطعام"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات منالرزق"..ولكن يتقلل من المتاع..ولا يملأ بطنه..ولايسد شهوته بكل ما اشتهى..بل يعيشكفافا ما أمكن..
ولما رأى الإمام الشافعي..الإمام محمد بن الحسن الشيباني(أحدكبا تلامذة أبي حنيفة )..قال له:ما رأيت سمينا عقل قط غيرك..وصدق من قال:البطنةتذهب الفطنة



رابعا-التواضع..وهو من أعظم الشروط وأبرز معالم طالب العلمالحقيقي الذي طلب العلم ابتغاء مرضاة الله..ونفع الأمة,,وإعزازها..

فتأمل كيفقال موسى عليه السلام وهو كليم الله تعالى وذو المقام الرفيع ومن أولي العزم"هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا"؟



1- فأتاه بصيغة السؤال..لا بصيغة الجزم..وفيهذا من التواضع والأدب ما لايخفى..فلم يقل له:أريد أن تعلمني..ولكن تلطف تواضعافقال:هل..و لاقة الأدب بالتواضع.. من علاقة الصفة بلازمها..وهي كعلاقة الرجولةبالشجاعة ..أو الشهامة بالكرم

2- ثم قال "أتبعك"..فهو تابع..ومن يأنف اتباع أهلالعلم الراسخين ..فاته المقصود..حتى لو كانوا أصغر منه سنا ..وقديما قالالسلف:اثنان لا يتعلمان المستحي والمتكبر(مجاهد بن جبر)
3- وأيضا قوله"تعلمن"..ولم يقلتذاكرني..أو تدارسني..أو تبادلني النقاش العلمي...كأنه ند له وصاحب..(مع كونه أفضلمنه قطعا!)..ولكن نسب العلم إليه
4- ثم قال"من ما علمت رشدا"..أي أريدبعض ما عندك فحسب..لا كل ما لديك من علم
ولاشك أن من تكبر من العلماء ففيه شبهمن إبليس ..الذي غره علمه..فاستحق اللعنة
وفيه شبه باليهود..الذين استحقوا غضبالله ولعنته
فتدبر كيف اختزلت جملته القصيرة..كل إشارات التواضع لله والذلة علىأخيه..كما قال تعالى في صفة الأبدال"أذلة على المؤمنين "..فما ظنك بطلبة العلممنهم..كيف ينبغي أن يكون؟



خامسا- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..وهي من زكاة العلمالواجبة

والنصاب فيها مبلغ كل واحد من العلم..فيما يعرف وينكر..بشرط إعمالالحكمة
وقد اشتملت القصة على إنكار موسى على الخضر في ثلاثة مواقف..
فكان أولما أنكر عليه"أخرقتها لتغرق أهلها"؟
ولم يحتمل أن يرى ما يظنه منكرا دون السكوتعليه..حتى مع من له فضل عليهوفي هذا أدب الشفافية والصدق والعدل..وعدم التعصبللمشايخ..ب نفي أي خطأ عنهم..وإنزالهم منزلة المعصومين بلسان الحال
بل نصحهموتبيين خطئهم بأدب الإسلام..
والعالم الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عنالمنكر..عالم سوء..بحسب انتفاء ذلك عنه
وقد وصف الله خسة كثير من علماء بنيإسرائيل واستحقاقهم اللعنة على لسان داود وعيسى بن مريم أنهم "كانوا لا يتناهون عنمنكر فعلوه"



سادسا-التضحية ..

وذلك جلي في فعل موسى حيث ركب السفينة وهي مخروقة..وخاطربحي اته..وأرخصها في سبيل العلم الشرعي المفضي إلى مرضاة الله عز وجل
وقد ارتحلجابر
بن عبد الله رضي الله عنه من البصرة للمدينة..في طلب حديث واحد!
وعبدالله بن أنيس..رضي الله عنه كذلك
من المدينة إلى الشام..في طلب حديثواحد
ويدل عليه أيضا مجاهدة موسى في الوصول للخضر وفرحه بظهور الآية فقال "ذلكما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا"..وقطعه المفاوز الطوال دونما يأس



سابعا-مجاهدة الشيطان

فإن تسلطه على المرءسبب للنسيان وانعدام البركة في العلم
ولذك عزا فتى موسى النسيان إليه..فقال"وماأنسانيه إلا الشيطان أن أذكره"
ومن أعظم ما يعين على طرده وكبح وساوسه ذكر اللهتعالى
ففي مسند أحمد بسند صحيح"أنا مع عبدي ما تحركت بي شفتاه"
ومن أشهر ماقيل في ذلك..قول الإمام الشافعي:-


شكوت إلى وكيع سوء حفظي..فأرشدني إلى تركالمعاصي
وأخبرني بأن العلم نور..ونور الله لا يؤتى لعاص


ووكيع بنالجراح..من أكابر أهل العلم..وفي طبقة شيوخ الشافعي



ثامنا- الرحمة.. واقترانها بالعلم..سبب للبركة فيه ووضع القبولفي الأرض

فإن طالب العلم إذا كان قاسيا زهد في علمه الكثير..وكما قال تعالى فيأعلم الخلق صلى الله عليه وسلم "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا
من حولك".. وانتزاع الرحمة منه آفة تورث العجب بنفسه وغمط الناس حقهم..وجحد ما عند الآخرين منصواب
يدل عليه من قصة موسى "فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناهمن لدنّا علما"
وهذه الرحمة في الأصل خاصة بما سوى الكافرين..من مؤمنين..وتشملالم خلوقات من دواب ونحوها
أما الأعداء..فكما قال تعالى في صفة الصحابة"أشداء علىالكفار رحماء بينهم" وأما الكفار المسالمون فرحمتنا لهم رجاء الهداية لهم ودعوتهم
وقد كان أبو بكر أعلم الصحابة..وكان مع ذلك أرحمهم..كماتدل سيرته ومناقبه
أما حديث الأوسمة..وفيه "أرحم أمتي بأمتي"..فمعلول ,والله أعلم



تاسعا-الصبر..حتى كان أول ما سجله الله تعالى على لسان الخضر أنقال لموسى"إنك لن تستطيع معي صبرا"..

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم اللهموسى لو كان صبر لقصّ الله علينا من أمرهمافدل أن الصبر والمصابرة=التيه الصبر على الصبر..سبب للعلم الكثير..كما أن نقصه سبب للحرمان
ثم إن الإحاطةبالعلم..و التوسع فيه..سبب رئيس للصبر..كما أن الصبر شرط للتعلم
يدل عليه قولالخضر"وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا"
واختتمت القصة بقول الخضر"ذلك تأويل مالمتسطع عليه صبرا"..
فمعرفة مآلات الأمور وتفسيرها واستنباط الأحكام واستكناهالدلائل ..كل ذلك وثيق الصلة بصبر العالم والمتعلم..والمبت دي والمنتهي..إذا جاز أننقول "منته"



:عاشرا-الأدب-يبدو جليا في جواب موسى عليه السلام"ستجدني إن شاءالله صابرا ولا أعصي لك أمرا"

وههنا أدب مع الله..بقوله"إن شاء الله"..وأدب معشيخه..بوعده بالصبر..وعدم عصيان أي أمر..
لأن النكرة جاءت في سياق النفي فيقوله"ولا أعصي لك أمرا"..وذلك يعمّ
والعجيب أن موسى عليه الصلاة والسلام..معاستثن ائه بقوله " إن شاء الله".. لم يصبر
فالله تعالى لم يشأ لحكمةبالغة..
وقد منع موسى من ذلك غضبُه وحدته مع كونها في ذات الله فتأمل!
ولو صبر وتحلّم..لتعلم وتعلمناكثيرا..





الحادي عشر-الحفظ....وعدم الركون إلى المخزون في المكتبة


فماالعلم إلا ما حواه الصدر

يقول الإمام الشافعي
علمي معي حيثما يممتيتبعني..قلبي وعاء له لا جوف صندوق ِ
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي..أو كنتفي السوق كان العلم في السوق ِوقال الإمام ابن حزم بعد تعرضه لفتنة حرقكتبه
فإن يحرقوا القرطاس لا يحرقوا الذي
تضمنه القرطاس بل هو فيصدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي
ويمكث إن أمكث ويدفن في قبري..
وقد أجادابن حزم فيما يبدو لي فوق إجادة الشافعي في وصف ذات الأمر..
وعدا جماعة منالشطار على قافلة كان فيهم أبو حامد الغزّالي فترجّاهم وقال..:خذوا كل شيء ودعوا ليكتبي..فنظر إليه الله اللص شزرا..وقال ما معناه:بئس طالب العلم أنت!
لو كنتَعالما لحفظتها..فتأثر الغزالي من يومها وعزم أن يحفظ ما يتعلمه
وهذا الشرط يهملهكثير من طلبة العلم بحجة أن الفهم يكفي وهو باطل..فعود نفسك أن تحفظ كلما وقعت عينكعلى فائدة..بحسب تيسير الله لك..بدءا بالكتاب ثم السنة..وغير ذلك
ويشير إلى هذابالتلميح قول الله تعالى"نسيا حوتهما"..وقول يوشع بن نون"وما أنسانيه إلا الشيطانأن أذكره"
فلما نسيا..استدركا وعادا أدراجهما..وهكذا النسيان يعالج بالعود علىبدء مع كل محفوظ..لترسيخه في الذهن



الثاني عشر-العدل..من القيم العزيزة ..التي تلبس طالب العلم تاجالقبول

وتزين علمه بالصدق والاعتبار والبركة..
وقد برز عدل موسى عليه السلامجليا..فحين أنكر على الخضر في الحادثتين الأوليين كان شديدا لأن ظاهر الأمر الفسادالبالغ..فش دد عليه في النكير..بخلاف الحادثة الثالثة..فتلطف في الإنكار..لأن ظاهرعمله الإحسان فقال"لو شئت لاتخذت عليه أجرا"..بصيغة "لو"..الدالة على التحبيذ
ثم الحادثة الأولى..عبر عن المنكر بقوله"لقد جئت شيئا إمرا"..في خرقالسفينة..
وفي الثانية اختلف توصيفه فقال "لقد جئت شيئا نكرا".على خلاف بينالعلماء..أيهم ا أشد وأبلغ النكر أم الإمر؟
قيل الإمر لأن حاصل خرق السفينة.. إغراق جماعة كثيرة..
وقيل بل النّكر.. لأنه ذكره عقيب سفك دم ظاهر العمد في حقغلام
وليس المقام مقام ترجيح..ولكن عدل موسى ظاهر حتى حين أخطأ التقدير وظن أنما قام به الخضر من المنكرات
بخلاف بعض المنتسبين لطلب العلم..فتجدهم إذا ناظرواصوفيا أو رافضيا..لم تشعر من كلامهم سوى أنهما على نفس الدرجة من الضلال..مع أنالفرق بينهما كبير (مع اعتبار درجة التصوف)
وكذلك يخلط الكثير بين المبتدع القحالمصر على بدعته الداعية إليها..وبين المجتهد الذي يُعذر..أو حتى المبتدع الذييحتفظ ببدعته دون دعوة غيره إليها..والبون بينهما كبير شرعا وعقلا
وقس على ذلكعامة الأحكام.. يصدرها بعض طلبة العلم الذين لم يتخذوا منهج العدلضابطا..
فيسقطون بالكلية..من يخطيء في مسألة هنا أو هناك..أو يجردون أقلامهمكأشد السيوف الصوارم..في مقارعة من يخطّيء عالما يتعصبون له ويحبونه..
وذلك آفةالحيدة عن العدل..فهو بين إفراط وتفريط .



وصل اللهم على سيدنا محمد وآله

أبو حفص الشافعي
2010-09-28, 04:27 AM
بارك (http://majles.alukah.net/showthread.php?t=14496) الله فيكم

حسن المفضلي
2010-09-28, 09:24 PM
بارك الله فيك أخي أبا القاسم
وصدق القائل:
له تغرّبْ وتواضعْ واتَّـرِعْ ........ وجُعْ وغُنْ واعصِ هواك واتَّبِع

ابوعمرالسناني الجهني
2010-09-29, 01:26 AM
نسال الله للجميع العلم النافع والعمل الخالص

صلاح الكلدي
2011-11-13, 07:42 PM
إخواني الأفاضل في هذا المجلس العلمي المبارك ، عندي رسالة دكتوراة بعنوان (( مفاهيم عقدية صححها القرآن الكريم )) فأرجو من كان عنده رسالة تتكلم في المفاهيم وتصحيحها أو طرق التصحيح أو عنده استطاعة أن يفيدني في ذلك أرجو أن يساعدني في ذلك وسأكون له ممنوناً .

أبو سعد المراكشي
2011-11-13, 08:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نصائح نافعة وغالية
شكرا لك ، بارك الله فيك أخي وجزاك الله خيرا