المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملخص محاضرة (الفهم الجديد للنصوص)



أمجد الفلسطيني
2010-09-14, 11:16 PM
تلخيص: محمد عبدالله علي محمد
http://www.alukah.net/publications_competitions/0/10101/

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لقد أوْحى الله - تعالى - إلى نبيِّه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا العلمَ من الكتاب والسنة: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، وهذا الوحي يحمل الهدايةَ لِمَن آمن به واتبعه، وفي ذات الوقت يُضلُّ به كثيرًا من أهل الأهواء والتحريف.

وهذا الوحي أيضًا هو مصدرُ الأحكام، وأساس التشريع، والمؤمنون به لا يُفرِّقون بين كتاب الله - تعالى - وبيْن سُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحُجيَّة والعمل، فالقرآن كتاب الهداية والنور، والسُّنَّة تشرحه وتبيِّنه، والكلُّ من عند الله.

وعلى منهجية التسليم والتقديس، والتقديم للنصوص سارتِ القرون المفضَّلة، لا تعدل عنه ولا تُحرِّفه، وهذه المنهجية في التعامل مع نصوص الوحي كانتْ هي السببَ وراءَ ما وصل إليه المسلمون من عِزَّة ومَنَعة، الأمر الذي استوقف الأعداءَ الذين غلت بالحقد قلوبُهم، فأخذوا يَكيدون لهذا الدِّين بالعمل على إبعاد أبنائه عنه مِن خلال الطَّعْن في القرآن والسُّنَّة، ولكن جميع تلك المحاولات باءتْ بالفشل؛ لأنَّ تعظيم النصوص أمرٌ مغروس في النفوس، نشَأَ عليه الصغير، وهَرِم عليه الكبير، بل كانتْ تلك المحاولات في كثير من الأحيان سببًا في زيادة الإقبال على هذا الدِّين تَعلُّمًا وتعليمًا.

حينها زاد حِقدُ الأعداء، فأخذوا يفكِّرون في وسائل جديدة لصدِّ المسلمين، وإبعادهم عن دِينهم، فخرجوا بجملةٍ مِنَ الرُّؤى والأفكار، التي مِن شأنها أن تحقِّق ذلك الهدف، وكان من جملةِ ما خرجوا به ضلالةٌ جديدة، وفتنةٌ مُحْدَثة، تلك هي: "القراءة الجديدة للنص"، أو "إعادة فَهْم النص".

هذه الضلالة التي جاءَ بها القوم ليستْ وليدةَ هذا العصر، بل هي امتدادٌ لِمَا كان عليه أسلافهم من أهل الضلالات والبِدع من القرامطة وغيرهم، فحين رأى هؤلاء أنَّه ليس بإمكانهم تحريفُ ألفاظ الكتاب والسُّنة؛ لأنَّ الله قد تكفَّل بحفظهما، قالوا: إذًا لا بدَّ من طريق آخرَ نَعْبث فيه بالنصوص، فقادتْهم شياطينُهم إلى هذه البِدعة، التي نراها تطلُّ اليوم عبرَ وسائل الإعلام المختلفة، وهذه الفِتنة تختلف عن غيرها في أنَّ الذين تولَّوا كِبْرَها وحملوا رايتَها هم ممَّن ينتسبون إلى الدِّين، ويتسمَّوْن بأسماء المسلمين، وهم الذين حدَّثَنا عنهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((دُعاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها))، قال حذيفة: يا رسولَ الله، صِفْهم لنا، قال: ((هم مِن جِلْدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا))،فهم يستدلُّون بالنصوص نفسها، لكن وَفقَ فَهْم مختلف عن فَهْم سَلَف الأمة وعلمائها.

هذه الفِتنة بدأتْ تنمو وتَكبُر، وتجد مَن يتلقفها، ويروِّج لها عبرَ وسائل النشْر المختلفة، ووجدتْ لها أتباعًا في مختلف الأقطار، ممَّن قلَّ نصيبُهم من العلم الصحيح، والهُدى الواضح، فظهر في مصر: نصر حامد أبو زيد، وجمال البنا، وحسن حنفي، وفي السودان: حسن الترابي، ومحمود محمد طه، وفي تونس: عبدالمجيد الشرفي، وغيرهم كثيرٌ - لا كثَّرهم الله.

وقد اختار هؤلاء ومَن سلك مسلَكهم شعارًا خطيرًا لفِتنتهم هذه؛ بهدف التغرير بالمسلمين وخداعهم، ذلك الشِّعار هو: "إعادة فَهْم الإسلام من جديد"، و"التحديث للإسلام"، و"عَصْرَنة الإسلام".

والناظر في أطروحات القوم يرى عجبًا:
فهذا محمد جرميز يقول: إنَّ هناك أحاديثَ تمنع النِّساء من السفر أكثرَ من ثلاثة أيام بغير إذْن أزواجهنَّ، وهي أحاديثُ صحيحة، لكنَّها ليست منعًا دِينيًّا، بل جاءت لأنَّ السفر في زمن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أخطرَ مما هو اليوم، لكن الأمور تغيَّرت، والناس أبقوا على تعليمات لم يكن مقصودًا منها إلاَّ حماية النِّساء مؤقتًا!

ويقول آخر: الخنزير كان محرَّمًا؛ لأنه كان يتناول القاذورات، فلمَّا صاروا يُطعمونه في مزارع أوربا أطعمةً نظيفة، فهو حلال اليوم!!

ومَن تتبع مقالاتِهم وجَد أنَّهم يُعلنون الانقلاب على كلِّ الثوابت الواردة في النصوص، بحُجَّة إعادة فَهْم النصوص من جديد.

* أسباب نشوء هذه المنهجية المنحرفة:
1- مسايرةُ الواقع، والتأثُّر بضغوط الأعداء، حيث إنَّ كلَّ الذين يتبنَّون هذه المنهجية الخبيثة هم من أفراخ الغَرْب، الذين رضعوا منه، ويُريدون أن يُظهروا للناس أنَّ لديهم رؤية مختلفة للإسلام، وهم في حقيقة الأمر واقعون تحتَ تأثير الغَرْب، يُسيِّرهم كيفما شاء.

2- التأثُّر بالمدارس الغربية والدِّراسة في الغرب، يُضاف إلى ذلك الجَهْل بالشريعة، واتباع الهوى والتنازلات، كلُّ هذه العوامل أفرزتْ هذه المنهجية المنحرِفة، التي عمل أصحابها من خلالها على تحريف النصوص؛ اقتداءً بأسلافهم اليهود، الذين قال الله فيهم: {يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75].

وكذلك مَن جاء بعدَ اليهود مِن ضُلاَّل الطوائف والفِرق، من الخوارج والمعتزلة، والفِرق الباطنية، وبعض الصوفية ممَّن دخلوا من باب التأويل لهَدْم الإسلام، وحمَّلوا النصوصَ من المعاني ما لا تحتمل.

يقول بِشرٌ المَرِّيسيُّ: ليس شيء أنقض لقولنا من القرآن، فأقروا به في الظاهر، ثم اصْرفوه في الباطن.

فظهرت أقوالٌ لهؤلاء غاية في الغَرَابة والانحراف مِن ذلك:
• القرامطة الباطنية: فسَّروا الصيامَ بكَتْم الأسرار، والحجَّ بالسفر إلى شيخهم، والجَنَّةَ بالتمتُّع بالملذات في الدنيا، ونحوه.
• المعتزلة: قالوا في قوله – تعالى -: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]: كلَّمه؛ أي: جَرَحه بمخالب الحِكمة.
• الصوفية: سُئِل بعضهم عن الحُجَّة في الرقص، فقال: قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].
• الرافضة: قالوا في قوله – تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] قالوا: عائشة.
إلى آخر تلك المقالات.

* أُسس ومرتكزات هذه المنهجية المنحرِفة:
1- القول بالظنِّيَّة المطلقة لدلالة النصِّ الشرعي:
فلا قطعيَّ عندهم في النصوص مطلقًا، وإذا كانتْ دلالة النصوص غيرَ قطعية، فالفَهْم غير مُلزِم، وظاهر النصوص غير مُلزِم، يقول محمد أركون: القرآن نصٌّ مفتوح على جميع المعاني، ولا يمكن لأيِّ تفسير أو تأويل أن يُغلقَه، أو يستنفذه بشكل نهائي، بل ويدعو هذا الرجل إلى أنَّ مِن حقِّ كلِّ فرد أن يفهم القرآن، ويُفسِّره بحسب حاجاته وأحواله، فيقول: إنَّ القراءة التي أحلم بها هي قراءة حُرَّة إلى درجة التشرُّد والتسكُّع في كلِّ الاتجاهات، إنها قراءة ٌتجد فيها كلُّ ذات بشرية نفسها.

وهؤلاء القوم يرفعون شعار: "النص مقدَّس، والتأويل حرّ"، وحينئذٍ يسقط فَهْم السلف، وأقوال الصحابة؛ إذ لا حاجةَ لها أمام ما يُريده هؤلاء من فتْح الباب للخَوْض في النصوص ومدلولاتها لكلِّ أحد بحسب حاجاته وأحواله.

أحدُهم يُفسِّر قوله – تعالى -: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]، فيقول: النفْس الواحدة: البروتون، وزوجها: الإلكترون!! إلى غير ذلك من العَبَث بالنصوص، مما ينبني عليه فسادٌ لا نهايةَ له، بل وهَدْم لأركان الدِّين وأصوله، حيث يصبح من حقِّ كل أحد أن يُعيدَ تفسير العبادات - الصلاة والصيام والزكاة والحج - ونحو ذلك وَفقَ هواه.

2- هذه المنهجية مبنية على إهدار فَهْم العلماء للنصوص الشرعية:
فالقوم لا يُريدون علماء، ولا فَهْمَ عُلماء، ويقولون: الإسلام ليس حِكرًا على أحد، فأسقطوا العلماء، وفَهْمَ العلماء، الذي يتعارض مع أهوائهم ونزواتهم، يقول الترابي: كلُّ التراث الفكري الذي خَلَّفه السلف الصالح هو تراثٌ لا يُلتزم به، وإنَّما يُسْتأنس به.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى: "استجهال السابقين الأوَّلين واستبلاههم، واعتقاد أنَّهم كانوا قومًا أُميِّين لم يتبحَّروا في الحقائق مِن علم الله، ولم يتفطَّنوا لدقائق العِلم الإلهي، وأنَّ الخَلَف الفضلاء حازوا قَصَبَ السَّبْق في هذا كلِّه، هذا القول إذا تدبَّره الإنسان وجدَه في غاية الجَهَالة، بل في غاية الضلالة".

3- القول بتاريخية النصوص:
يَزعُم هؤلاء أنَّ النصوص الشرعية تختصُّ بأولئك الذين عاشوا زمنَ التنزيل، أمَا وقد تغيَّرتِ الأحوال اليوم، فلم تَعُدْ تلك النصوص موجَّهةً للناس اليوم، ولم يعودوا متعبَّدين بما ورد فيها، يقول محمد أحمد خلف الله: موقف القرآن الكريم من المرأة كان مَوْقفًا في عصْر مُعيَّن، ووضعتْ تلك القواعد لعصر معيَّن، ومِن الممكن جدًّا أنَّ مثل هذه الأشياء قد لا يَسمح العصر الذي نعيش فيه بتطبيقها، ويقول أركون: فيكون الشخص إذًا في حِلٍّ مِن الفروض التي فُرِضت سابقًا؛ لأجْل أوضاعه الجديدة.

3- إعادة قراءة وفَهْم النص، والقول بالحقيقة النسبية:
فليس هناك حقٌّ مطلَق عند هؤلاء القوم، كما يقول محمد أركون: إنَّ القول: أنَّ هناك حقيقةً إسلامية مثالية وجوهرية، مستمرَّة على مدار التاريخ وحتى اليوم، ليستْ إلا وهمًا أسطوريًّا، لا علاقة له بالحقيقة والواقع، فتعدُّد الحقائق يُعبَّر عنه بالفِكْر النسبي.

فالقوم إذًا - ومعهم الحداثيُّون - ينادون بهذا الأمر، ويقولون بالتعددية الفِكريَّة، وقَبول الآخر، وهم بهذا يَفْتحون البابَ للزنادقة، ولكلِّ صاحب ضلالة أو شذوذ فكري، يقول أحدهم: لن تكون متقدِّمًا أو صاحب أَمَل في التقدُّم إذا قَبِلتَ الرأي على أنَّه حقيقة.

يقول شيخ الإسلام في هذا المذهب: "أوَّله سفسطة، وآخِرُه زندقة".

* النتائج الخطيرة لهذه المنهجية المنحرفة:
1- نزْع الثِّقة في الدِّين، وخَلْخَلة القناعة بالنصوص الشرعية؛ إذ ليست حقًّا قطعيًّا - كما يدَّعي هؤلاء - كذلك فَهْم سلف الأمة وعلمائِها ليس مُلزِمًا أيضًا، بل لكلِّ أحد أن يفهم النصوص كما يشاء، وتُصبح النصوصُ على طريقة هؤلاء ألفاظًا مجرَّدةً، ليس لها معانٍ محدَّدة يرجع إليها، فأفْقَدوا النصوص بقولهم هذا صِفةَ المرجعيَّة، وصِفةَ القطعية.

وحينذاك يقرأ الناس النصوص، ولكنَّهم لا ينتفعون منها بشيء؛ كما جاء في الحديث عن زياد بن لبيد، قال: ذَكَر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا، فقال: ((وذلك عندَ أوان ذَهابِ العِلم))، قلت: يا رسولَ الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن، ونُقْرِئه أبناءَنا، ويُقرِئه أبناؤنا أبناءَهم إلى يوم القيامة؟! قال: ((ثَكِلَتْك أمُّك يا زياد، إن كنت لأراك مِن أفقه رجل بالمدينة، أو لَيس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراةَ والإنجيل لا ينتفعون ممَّا فيهما بشيء؟!)).

وقد أطلق هؤلاء الضُلاَّلُ على منهجيتهم هذه مصطلح "الرسالة الثانية للإسلام"، أو "الوجه الثاني لرسالة الإسلام"، بل عَنْوَن أحدُهم - محمود محمد طه - كتابه الذي ذكر فيه فَهْمه الجديد للدِّين بعنوان: "الرسالة الثانية في الإسلام"، والرسالة الأولى عندَهم هي ما كان عليه سَلَفُ الأمَّة ومَن تبعهم إلى زماننا هذا.

يقول نصر حامد أبو زيد: إنَّ الفَهْم الجديد للدِّين الذي تُنتجه هذه القراءةُ هو فَهْمٌ قد ينتهي من حيث المبدأ إلى مخالفة كلِّ ما هو سائدٌ للفهم، سواء تعلَّق الأمر بالمرتكزات العقائدية، أو بالشرائع، أو بالأخلاق.

الصلاةُ عند هؤلاء ليستْ واجبةً، بل هي مسألةٌ شخصية، وإنما كانت مؤقَّتة بظروف معيَّنة، فلمَّا زالتْ تلك الظروف زالتِ الحاجة لها، يقول عبدالهادي عبدالرحمن: وفُرِضت أصلاً - يعني: الصلاة - لتليين عَريكة العربي، وتعويده على الطَّاعة للقائد.... وهكذا القول عندَهم في سائر أرْكان الدِّين، وشرائعه وأحكامه.

ومن عجيب ما صدر عن هؤلاء:
• جمال البنا يقول بجواز التقبيل بين الجِنسَيْن؛ لأنَّه تدعو إليه الحاجة كنَوْع من التنفيس.
• ويقول أيضًا: ليس في القرآن والسُّنَّة أمْرٌ بالحجاب.
• ويقول: الاختلاط ضروريٌّ، ومِن الطبيعة والفِطرة؛ لأنَّ الفصل بين الجِنسَيْن عملية وحشية.
إلى غير ذلك من الانحرافات التي تُصادِم النصوص الشرعيَّة بدعْوى القراءة الجديدة للنص.

* منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع النصوص وطريقة فَهْمها:
يُمكن تلخيصُ طريقة أهل السُّنَّة والجماعة في التعامل مع النصوص في النقاط التالية:
• أهل السُّنَّة والجماعة يُعظِّمون النصوص الشرعية؛ لأنَّها كلام الله - تعالى - وكلام رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهي عندَهم مُقدَّسة، لا يَعْدِلون عنها قِيدَ أُنملة.

• أهل السُّنة والجماعة يَرْجِعون في فَهْم النصوص إلى اللُّغة العربية؛ لأنها لغةُ الوحي؛ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [يوسف: 2]، فمَن لم يكن على مستوى العَرَب في فَهْم اللغة، فلا يجوز له أن ينظرَ في النصوص الشرعيَّة، بل عليه أن يُقلِّد العلماء مِن أهل العربية - كما ذَكَر ذلك الشاطبيُّ في "الاعتصام".

وحينما تَكلَّم في النصوص الشرعية مَن لا عِلْم لهم بالعربية، حَصَل المحظور، فزلَّت الأقدام، وضَلَّت الأفهام، يقول الحسن عمَّن هذا حالهم: أهلكتْهم العُجمة، يتأوَّلونه على غيرِ تأويله.

ولذا؛ نرى بعضَهم يزعم أنَّ المحرَّم في الخنزير اللحمُ دون الشَّحْم؛ وذلك لقوله - تعالى -: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]، فلجَهْله باللُّغة ظنَّ تحريم اللحم فقط، وما أشبه ذلك.

• أهل السنة والجماعة يقولون بوجوب الرُّجوع إلى منهج السَّلَف في فَهْم النصوص الشرعية، وقد أمَرَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذلك، فقال: ((عليكم بسُنَّتي، وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجذ)).

قال ابن القيم - رحمه الله -: قَرَن رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُنَّة أصحابه بسُنَّته، وأمَرَ باتباعها، كما أَمَر باتباع سُنَّته، وبالَغ في الأمر بها، حتى أمر بأنْ يُعضَّ عليها بالنواجذ.

وخير الأمَّة هم الصحابة وتابعوهم من القرون الثلاثة المفضَّلة، وبناءً على تلك الخيرية فإنَّهم يُقدَّمون في الفَهْم والعلم، ولو لم يكونوا أهلاً لذلك لَمَا اختارهم الله لصُحْبة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم.

• أهل السنة والجماعة يرجعون للقواعد والأصول التي قرَّرها السلف في فَهْم النصوص: فقد وَضَع سَلَفُ الأمَّة الأخيار عددًا من القواعد والأصول، التي تنتظم أحكامَ الشريعة بصورة عامَّة، ويمكن إدراجُ تفصيلات الشريعة وجزئياتها تحتَ تلك القواعد العامَّة، والأصول الكلية.

من ذلك: ما سَطَّره الإمام الشافعي - رحمه الله - في كتاب "الرسالة"، وهو أوَّل مَن كَتَب في ذلك الباب، ولذلك نرى هؤلاء القوم يَشُنُّون هجومًا عنيفًا على الإمام الشافعيِّ؛ لأنَّه بيَّن القواعد التي يجب اتِّباعها في فَهْم النصوص الشرعيَّة، فكأنَّه بذلك سدَّ الباب أمام هؤلاء المنحرفين؛ لذلك نراهم يقولون: "ولذلك فمِن غير المقبول اليوم أن نتمسَّك بمنهج الشافعي الأصولي في فَهْم الكتاب والسُّنة؛ لأنَّه يؤدِّي بنا إلى مأزق"؛ يعنون بالمأزق أنَّهم لن يكونوا قادرين على وضْع قواعدهم الجديدة، التي تتناسَب مع تخبُّطِهم، وانحرافهم العظيم عن الفَهْم الصحيح للنصوص الشرعيَّة.

نسأل الله أن يَهديَنا إلى صراطه المستقيم، وأن يجنِّبنا طريقَ المغضوب عليهم والضالِّين، إنَّه على كلِّ شيء قدير، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمِّد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.