المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ** كلام الإمام ابن قيم الجوزية في (رواية أبي الزبير عن جابر) **



أبو بكر المكي
2010-08-02, 11:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


/// أثناء قراءتي لكتاب (رفع اليدين في الصلاة) وقفت على هذه الفائدة :

/// قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أبي بكر - الشهير بابن قيم الجوزية (ت:751) - رحمه الله :

/// { فصلٌ :
وأما ردّكم لحديث جابر بأنه من رواية أبي الزبير ؛ فردٌّ مردود وعُذْر غير مقبول ، فإن أبا الزبير من الحفاظ الثقات ، ولم يزل الأئمة يحتجون بحديثه ، وحديثه هذا على شرط مسلم ، فإنه يخرِّج أحاديثه عن جابر في " صحيحه " ويحتجّ بها ، ولم يلتفت إلى قول من يعللها .
وأبو الزبير غير مدفوع عن الحفظ والصدق .
/// قال سفيان بن عيينة عن أبي الزبير : " كان عطاء يقدمني إلى جابر أحفظ لهم الحديث " . فهذا ثناء شيخه عليه .
/// وقال الإمام أحمد : " قد احتمله الناس ، وهو أحب إليَّ من أبي سفيان " .
/// وقال يحيى بن معين : " ثقة " . وقالَ مرّةً : " صالح " . وقال مرّةً : " هو أحب إليَّ من أبي سفيان ".
/// وقال النسائي : " ثقة " .
/// وقال يعقوب بن شيبة : " ثقة صدوق ، وإلى الضعف ما هو " .
/// وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال : " لم ينصف من قدح فيه ؛ لأن من استرجح في الوزن لنفسه لم يستحق الترك لأجله " .
/// قلت : يريد ما ذكره محمد بن جعفر المدائني ، عن ورقاء قال : " قلتُ لشُعبة : مالك تركتَ حديث أبي الزبير ؟ قال : رأيتُه يَزِنُ ويسترجِحُ في الميزان " . ومعلوم أن حديث الرجل لا يُرد بمثل هذا (*).
/// وقال أبو أحمد بن عدي : " كفى بأبي الزبير صدقًا أن مالكًا روى عنه ، ولا أعلم أن أحدًا من الثقات تخلّف عن أبي الزبير إلا وقد كتب عنه ، وهو في نفسه ثقة ، إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء ، فيكون ذلك من جهة الضعيف " .
/// وفي الاحتجاج بأبي الزبير طريقة ثالثة ، وهي طريقة جماعة من حفّاظ المغرب : أن حديثه حجة إذا صرّح بالسماع ، أو كان من رواية الليث عنه خاصّة ، وهي طريقة أبي محمد بن حزم ، وأبي الحسن بن القطان ، ومن وافقهما ، قالا : لأنه معروف بالتدليس ، والمدلّس إنما يحتج من روايته بما صرح فيه بالسماع ، وإنما قبلنا رواية الليث عنه ؛ لأنه قال : " قَدِمْت مكة فدفع إليَّ أبو الزبير كتابين ، فسألته : هل سمع هذا من جابر ؟ فقال : منه ما سمعت منه ، ومنه حُدّثت عنه ، فقلتُ : أعْلِم لي على ما سمعتَ ، فأعلَمَ لي على هذا الذي عندي " . ذكره سعيد بن أبي مريم ، عن الليث .
/// والصواب : الاحتجاجُ به مطلقًا كما فعل مسلمٌ وغيره ؛ لأنه حافظ ثقة ، والتدليس لا يُردّ به حديث الحفّاظ الأثبات ، وقد احتج الناس بالأعمش ، وسفيان بن عيينة ، وقتادة ، وسفيان الثوري ، والحَكَم ، وعمرو بن مرّة ، وحُصين ، والشعبي ، وأبي إسحاق ، وخلائق من الثقات المدلّسين الذين يحتج بحديثهم أهلُ العلم . بل أكثر أهل الكوفة يدلّسون ، ولم يسلم منهم من التدليس إلا نفرٌ يسير ، فلو أسقطنا حديث المدلس لذَهَب حديثُ هؤلاء وأضعافهم .
ثم كيف يليق بكم الطعن في حديث المدلس وأنتم تقبلون المرسل ؟! فكيف يجتمع رد حديث المدلس وقبول المرسل ؟! وهل هذا إلا تناقض ظاهر !
/// والصواب عندنا في حديث المدلسين والحديث المرسل : أن المدلس إن كان عنده التدليس عن المتهمين والكذابين والمجروحين والضعفاء لم يُقبل تدليسه ولا إرساله ، وإن كان لا يدلس إلا عن ثقة لم يضر تدليسه ، مثل : سفيان بن عيينة وأضرابه ، فإنه يدلس عن مثله وعمن هو ثقة صدوق ، فإنه يدلس عن مثل مَعْمر ، ومِسْعر ، ومالك بن مِغول ، وزائدة .
ومثل إبراهيم ، فإنه إذا دلس لم يدلس إلا عن ثقة .
وأما قتادة فقد أكثر عن أنس ، وسعيد بن المسيب ، وقد سئل شعبة عن تدليس قتادة فقال : " قد وقفته على ذلك ، فقال : ما سمعته من أنس فقد سمعته ، وما لم أسمعه منه فقد حدثني به النضر عن أنس ، وموسى بن أنس ، وغيرهما من ولد أنس " .
وأما إكثاره عن سعيد بن المسيب ، فإنه لزمه مدة فقال له : " ارحل عني يا أعمى فقد نَزَحتني أو أَنْزَفْتني " .
/// والمقصود أن من عرف بالتدليس عن غير الثقات وعن المجهولين ، فإنه يتوقف فيما لم يصرح فيه بالسماع ، ومن لم يُعرف بالتدليس عن الضعفاء والمجروحين لم يتوقّف في حديثه .
/// وتدليس المتقدمين كأبي الزبير ، وإبراهيم وطبقتهما ، خير من تدليس المتأخرين بطبقات فلا يُسوّى بين التدليسَيْن ، والله أعلم } اﻫ .
/// من كتابه : (رفع اليدين في الصلاة ، ص 225-228) .
تحقيق : الشيخ علي بن محمد العمران ، ط. دار عالم الفوائد ، 1431ﻫ
----------------------
(*) علق على هذا الشيخ علي العمران قائلًا : { قال الشيخ المعلمي في " عمارة القبور ص84 - بتحقيقي " تعليقًا على هذا الجرح : " وغاية هذا المنافاةُ لكمال المروءة ، وليس ذلك بجرح " } اﻫ .

الحُميدي
2010-08-02, 01:35 PM
شكر الله لك أخي الفاضل هذه الفائدة..، و قد نقل الإمام ابن القيم كلام الإمام ابن القطان في رواية أبي الزبير عن جابر ضمن كتابه "زاد المعاد" ، و قد وقفت على نقل نفيس عن الإمام يحيى بن معين في وصم أبي الزبير بالتدليس ، و هو نقل ضعيف كما سأبينه في مقالة مفردة إن شاء الله ..،

أبو المظَفَّر السِّنَّاري
2010-08-02, 01:47 PM
و قد وقفت على نقل نفيس عن الإمام يحيى بن معين في وصم أبي الزبير بالتدليس ، و هو نقل ضعيف كما سأبينه في مقالة مفردة إن شاء الله ..،
تقصد: ما نقله عنه أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي ذلك المتَكَذِّب على ثقات النقاد ما يهوي به في دركات الخَسار؟!

الحُميدي
2010-08-02, 10:11 PM
تقصد: ما نقله عنه أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي ذلك المتَكَذِّب على ثقات النقاد ما يهوي به في دركات الخَسار؟!

هو قصدي ..، و ما دعاني للتهمم بكتْب تلك المقالة: كلام له حظ من النفاسة للإمام ابن المواق المراكشي في ذاك "المتكذب على ثقات النقاد" ، يؤكد ما وصمته به ، كما يدل على أن الإمام ابن المواق لم يقف على كلام من تقدمه فيه، و للأسف فمرويات ذاك الرجل لم تلق رواجا في موطنه ، و نفقت في بلاد المغرب.

سليمان بن عبد الله
2010-08-04, 10:04 PM
أحسنت ..
فائدة قيمة شجعتني على قراءة الكتاب .