أبو العباس السالمي الأثري
2007-08-16, 06:01 PM
الدرر المرجانية
في
نفي وفاة الصحابي الجليل عبيد الله بن جحش رضي الله عنه على النصرانية
تأليف
أبي العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد:
فهذا بحث حديثي درست فيه الأسانيد التي ورد فيها ذكر وفاة الصحابي الجليل عبيد الله بن جحش رضي الله عنه، بحثتها وفق مناهج وقواعد المحدثين، رضي الله عنهم، وكان الباعث على ذلك عدة أمور:
الأمر الأول: ما حدثني به بعض إخواني بأن أحد الباحثين بحث المسألة وذهب إلى نفي وفاة هذا الصحابي الجليل على النصرانية، فاستغربت جداً لشهرة عكسه؛ وطلبت منه أن يوقفني على هذا البحث فندَّ عن ذهنه أين وقف عليه، فاستعنت بالله وبحثته.
الأمر الثاني: هو حبي للصحابة رضي الله عنهم جميعاً، وحبهم دين؛ وهو عنوان كل سني سلفي.
الأمر الثالث: هو الدفاع عن صحابي ثبتت له الهجرة إلى الحبشة، ثم رمي بالردة، وقالوا: إنه تنصر بعد هجرته إلى الحبشة، ومات على ذلك.
الأمر الرابع: هو لفت نظر علمائنا وطلاب العلم إلى أن كثيراً من المسائل في ديننا تحتاج إلى تحرير علمي رصين – وخاصة من الناحية الحديثية - لأن علم الحديث هو الميزان لضبط كثير من المسائل إذ لم يكن كلها، وهذا البحث أكبر دليل.
الأمر الخامس: وهو الانتصار لهذا الدين العظيم، أنه لا يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، إذا وقر الإيمان وخالطت بشاشته القلوب.
كل هذه الأمور وغيرها حدا بي إلى بحثي هذا فما كان فيه من توفيق وسداد فمن الله وحده، لا شريك له، فله الحمد، وله الشكر، وما كان فيه من زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله العظيم منه.
والخطأ والنسيان صفتان ملازمتان لبني آدم؛ وأبى الله العصمة إلا لكتابه.
والله أسألُ أن يلبسني وهذا العمل وسائر أعمالي حلل القبول، وأن يجعله في موازين حسناتي؛ إنه بكل جميلٍ كفيل وهو حسبي ونعم الوكيل.
وصلِّ اللهم على نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب:أبو العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري
25/2/1428هـ
أولاً:الروايات الصحيحة:
1- عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضْيَ الله عَنْهَا (( أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الحَبَشَةَ فَزَوْجَهَا النَّجَاشِي النَّبِيَّ e وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آَلافٍ وَبَعَثَ بِهَا إِلى رَسُولِ اللهِ e مَعَ شَرْحَبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ ))ــــــــــــــ ـــــــــــــ
(( حديث صحيح ))
أخرجه أبو داود في (السنن) [2/2107] ومن طريقه ابن حزم في (المحلى) [8/244] والنسائي في (المجتبى) [6/3350] و في (الكبير) [3/5512] وأخرجه أحمد في (المسند) [6/427] وابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) [5/3067]وابن الجارود في (المنتقى) [1/713، 714] والحاكم في (المستدرك) [2/2741] ومن طريقه البيهقي في (الكبير) [7/139،232] وأخرجه الطبراني في (الكبير) [23/402] والدارقطني في (السنن) [3/246] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [3/207،69/139] جميعاً من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة رضي الله عنها به.
وعند أحمد وابن أبي عاصم وابن عساكر وغيرهم زيادة وهي: (( وجهازها كله من عند النجاشي ولم يرسل إليها رسول الله e بشيء وكان مهر أزواج النبي e أربع مائة درهم))
قلت: أخرجه عن ابن المبارك جماعة منهم:
1- معلى بن منصور. 2- نعيم بن حماد.
3- عبد الله بن عثمان. 4- علي بن إسحاق.
5- إبراهيم بن إسحاق. 6- علي بن الحسن بن شقيق. 7- يعمر بن بشير. 8- عبد الله بن سنان.
قلت: والأخير وقع له عند ابن عساكر في موضعين؛ ففي [69/139] وافق الجماعة، وفي [3/207] قال في حديثه: (وكانت تحت عبد الله بن جحش) والظاهر أنه خطأ مطبعي.
قلت: ورواه علي بن الحسن بن شقيق - على وجه آخر - عن ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، أن النجاشي زَوَّجَ أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول اللّه r على صداق أربعة آلاف درهم . . . فذكره بنحوه مرسلاً.
أخرجه أبو داود في (السنن) [2/2108]، فتترجح رواية الجماعة عن ابن المبارك، ولا شك.
قلت: وخالف عبد الله بن عثمان كل أصحاب ابن المبارك؛ فرواه عن عبد الله بن المبارك أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري مرسلاً قال: (( تزوج رسول الله e خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة، وكانت قبله تحت عتيق بن عابد المخزومي، ثم تزوج بمكة عائشة بنت أبي بكر، ثم تزوج بالمدينة حفصة بنت عمر، وكانت قبله تحت أبي سلمة خنيس بن حذافة السهمي، ثم تزوج سودة بنت زمعة، وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي بني عامر بن لؤي، ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي أسد خزيمة ثم تزوج.....))
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [3/174، 175] قال أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد الماهاني أنبأنا شجاع بن علي بن شجاع المصقلي أنبأنا أبو عبد الله بن مندة أنبأنا الحسن بن محمد بن حليم المروزي أنبأنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه المقرئ الفزاري عنه به
قلت: فيه الحسن بن محمد بن حليم المروزي لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، قال القيسراني في (المؤتلف والمختلف): شيخ لأبي عبد الله بن مندة، وقال أبو الحسن الجزري في (اللباب في تهذيب الأنساب): روى عنه الحاكم، ولم يذكرا جرحاً ولا تعديلاً، فتقدم رواية الجماعة عن عبد الله بن المبارك، ولاشك.
وقد توبع عبد الله بن المبارك تابعه عبد الرزاق واختلف عنه:
فرواة سلمة بن شبيب وأبو مسعود الرازي عنه عن معمر به
أخرجه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) [5/3068] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/140]
ورواه محمد بن يحيى بن فارس عنه عن معمر به إلا أنه قال: (( وكانت تحت ابن جحش ))
أخرجه أبو داود في (السنن) [3/2086]
وخالفهم أحمد بن منصور الرمادي؛ فرواه عنه عن معمر به، ولكن قال في المتن: (( وكانت تحت عبد الله بن جحش ))
أخرجه الدارقطني في (السنن) [ 3/246] ثم قال: ( قال الرمادي كذا قال عبد الرزاق وإنما هو عبيد الله بن جحش الذي مات على النصرانية )
قلت: سلمة بن شبيب (ثقة). وأبو مسعود الرازي هو: أحمد بن الفرات (ثقة حافظ).
ومحمد بن يحيى بن فارس (ثقة حافظ جليل). وأحمد بن منصور الرمادي (ثقة حافظ)؛ فالرواة عن عبد الرزاق كلهم ثقات حفاظ، فالوهم كما قال الرمادي من عبد الرزاق، فإنه رحمه الله لما كبر عمي فتغير، ولعل الرمادي سمعه منه بعدما تغير؛ وتحمل رواية ابن فارس على رواية ابن شبيب وأبي مسعود؛ وتترجح روايتهم عنه عن معمر، الموافقة لرواية ابن المبارك عن معمر أي بإثبات (عبيد الله بن جحش) والله أعلم.
وعلى ذلك؛ فقد توبع عبد الله بن المبارك تابعه عبد الرزاق فروياه عن معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة رضي الله عنها به.
قلت: معمر بن راشد (ثقة ثبت فاضل) ومن أثبت الناس في الزهري؛ وبقية رجاله أئمة، فالحديث صحيح.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال ابن حزم: هذا خبر منقول نقل الكافة.
قلت: وقد خولف عبد الله بن المبارك خالفه عبد الرحمن بن خالد بن مسافر:
فرواه محمد بن يحيى الذهلي عن سعيد بن كثير بن عفير عن الليث عنه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبى سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة فلما قدم أرض الحبشة مرض فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله e فتزوج رسول الله e أم حبيبة وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة ))
أخرجه ابن حبان في (صحيحه) [13/6027].
وخولف محمد بن يحيى الذهلي خالفه عبيد الله بن عبد الواحد، فرواه عن محمد بن يحيى الذهلي عن سعيد بن كثير بن عفير عن الليث عنه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (( هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبي سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة فلما قدم أرض الحبشة تنصر، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله e فتزوج رسول الله e أم حبيبة بنت أبي سفيان فبعث وفي حديث يوسف وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة فأهداها إلى رسول الله e))
قلت: وخولف سعيد بن كثير بن عفير خالفه أبو صالح كاتب الليث؛ فرواه عن الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري عن عروة مرسلاً بهذه القصة ولم يذكر عائشة رضي الله عنها.
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/141].
قلت: كل هذه الخلافات مدارها يرجع إلى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر وهو (صدوق)، فشذ وسلك طريق الجادة، (الزهري عن عروة عن عائشة)، فتترجح غير الجادة وهي رواية معمر بن راشد السالفة (الزهري عن عروة عن أم حبيبة).
وثَمَّ خلاف آخر عن الزهري:
أخرجه الحاكم في (المستدرك) [4/6768، 6804] ومن طريقه البيهقي في (الكبير) [7/71] ومن طريق البيهقي أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [3/181] عن أبي العباس محمد بن يعقوب ثنا عبد الله بن أسامة الحلبي ثنا حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري مرسلاً قال: (( فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي - أسد خزيمة - فمات عنها بأرض الحبشة وكان خرج بها من مكة مهاجراً ثم افتتن وتنصر فمات وهو نصراني وأثبت الله الإسلام لأم حبيبة والهجرة ثم تنصر زوجها ومات وهو نصراني وأبت أم حبيبة بنت أبي سفيان أن تتنصر، وأتم الله تعالى لها الإسلام والهجرة، حتى قدمت المدينة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه عثمان بن عفان قال الزهري: (( وقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي فزوجها إياه وساق عنه أربعين أوقية )).
قلت: وهذا الزعم هو الصحيح، كما تقدم في رواية معمر عن الزهري الصحيحة، أما مخالفة أبي منيع وهو عبيد الله بن أبي زياد الرصافي لمعمر بن راشد في الزهري فهي مخالفة شاذة على أقل أحوالها إذ لم تكن منكرة، لأن عبيد الله هذا مختلف فيه: قال الذهبي في الميزان: (مجهول مقارب الحديث)؛ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب (( قال بن سعد: كان أخا امرأة هشام بن عبد الملك وكان الزهري لما قدم على هشام بالرصافة لزمه عبيد الله بن أبي زياد فسمع علمه وكتبه فسمعها منه ابنه يوسف وابن ابنه الحجاج بن يوسف أبي منيع قال الحجاج: ومات عبيد الله سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة وهو ابن نيف وثمانين سنة، وقال الذهلي في عدل حديث الزهري بعد أن ذكر إسحاق الكلبي وعبيد الله بن أبي زياد من أهل الرصافة: لم أعلم له راوياً غير ابن ابنه أخرج إلي جزءاً من أحاديث الزهري فنظرت فيها فوجدتها صحاحاً فلم أكتب منها إلا يسيراً: قال الذهبي: فهذان رجلان مجهولان من أصحاب الزهري مقاربا الحديث، وعدَّه الدارقطني من ثقات أصحاب الزهري، وذكره ابن حبان في الثقات)).
قلت: فلو ترجحت جهالته وهو المختار عندي، فمخالفته هذه منكرة – كما هو معلوم - ، ومن يعتبر توثيق الدارقطني فلا يقوى مثل هذا على مخالفة معمر بن راشد بحال، وهو من أثبت الناس في الزهري كما سلف، فالراجح عن الزهري رواية معمر بن راشد، والحمد لله لم يرد فيها أن عبيد الله بن جحش تنصر وأنه مات عليها، عياذاً بالله.
وثَمَّ خلاف آخر عن الزهري:
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/145] من طريق الأحوص بن المفضل نا أبي نا أحمد بن حنبل نا حجاج نا ليث حدثني عقيل عن الزهري مرسلاً قال (( خرج رسول الله e مهاجرا من مكة إلى المدينة فتزوج بالمدينة أم حبيبة بنت أبي سفيان من بني أمية، وكانت قبل رسول الله e عند عبيد الله بن جحش أخي بني أسد فمات عنها وهي بأرض الحبشة خرج بها من مكة مهاجراً في المهاجرين فافتتن وتنصر فمات نصرانياً، وثبت الله لأم حبيبة الإسلام والهجرة ))
قلت: الأحوص بن المفضل قال الدارقطني: لا باس به، ووثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وضعفه الأزدي، وذكر له الذهبي في الميزان غرائب.
قلت: فمثله (حيث تفرد بهذه الرواية) لا يقوى بحال لمخالفة رواية معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة به، فروايته شاذة على أقل أحوالها.
وثّمَّ خلاف عن عروة بن الزبير:
أخرجه الطبراني في (الكبير) [23/401] حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ثنا أبي ثنا بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير: (( في تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب من بني أسد بن خزيمة عبيد الله بن جحش بن رئاب مات بأرض الحبشة نصرانياً، ومعه أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة فخلف عليها رسول الله e أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة وأم حبيبة أمها صفية بنت أبي العاص أخت عفان بن أبي العاص عمة عثمان بن عفان ))
قلت: فيه ابن لهيعة وهو - عندي – ضعيف سيء الحفظ واختلط بآخره، إلا في رواية العبادلة عنه؛ فصدوق وهذه ليست منها، وبمخالفته للرواية الثابتة عن الزهري السالفة الذكر؛ فروايته هذه منكرة.
ثانياً: الروايات الضعيفة والباطلة والموضوعة
(1) عن إسماعيل بن عمرو بن سعد بن العاص قال: (( قالت أم حبيبة رأيت في المنام كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهه ففزعت، فقلت: تغيرت والله حاله فإذا هو يقول حين أصبح يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دنت بها ثم دخلت في دين محمد ثم رجعت إلى النصرانية، فقلت: والله ما خير لك، وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له؛ فلم يحفل بها، وأكب على الخمر حتى مات، فأرى في النوم كأن آتيا يقول لي: يا أم المؤمنين، ففزعت!! وأولتها أن رسول الله e يتزوجني قالت: فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت إن الملك يقول لك إن رسول الله e كتب إلي أن أزوجك فقلت بشرك الله بخير .......)) الخ القصة بطولها
ـــــــــــــــ ـــــــــــ
(( حديث منكر ))
أخرجه ابن سعد في (الطبقات) [ 8/98] والحاكم في (المستدرك) [4/6670] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/143]
من طريق الواقدي عن عبد الله بن عمرو بن زهير عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص به.
قلت: الواقدي متروك ، وقد توبع تابعه محمد بن الحسن، ولكنها متابعة لا يفرح بها.
أخرجها الزبير بن بكار الزبيري في (المنتخب من كتاب أزواج النبي r ) [ص50].
قلت: محمد بن الحسن هو بن زبالة، متروك متهم، واستنكر بعضهم على ابن بكار الرواية عنه، قال أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء له كان منكر الحديث – أي الزبير بن بكار – قال الحافظ: وهذا جرح مردود ولعله استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمد بن حسن بن زبالة وعمرو بن أبي بكر المؤملي وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة )) انتهى من التهذيب في ترجمة الزبير بن بكار.
قلت: هذه القصة باطلة ومنكرة، قال الذهبي في (السير) [2/221] بعد أن ذكر القصة: (وهي منكرة).
(2) عن عائشة أنها قالت: (( هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبي سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة فلما قدم أرض الحبشة تنصر فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله e فتزوج رسول الله e أم حبيبة بنت أبي سفيان فبعث وفي حديث يوسف وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة فأهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
(( حديث شاذ ))
أخرجه ابن حبان في (صحيحه) [13/6027] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/141].
قلت:
سبق الكلام على هذه الرواية في الحديث الأول في ذكر الخلاف على الزهري وتبين أنها شاذة.
(3) عن عروة بن الزبير: (( في تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب من بني أسد بن خزيمة عبيد الله بن جحش بن رئاب مات بأرض الحبشة نصرانياً، ومعه أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة فخلف عليها رسول الله e أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة وأم حبيبة أمها صفية بنت أبي العاص أخت عفان بن أبي العاص عمة عثمان بن عفان ))ــــــــــــــ ــــــ
(( حديث منكر ))
أخرجه الطبراني في (الكبير) [23/401] حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ثنا أبي ثنا بن لهيعة عن أبي الأسود عنه به.
قلت: سبق في الحديث الأول ( معمر عن الزهري ) ذكر الخلاف على عروة؛ وتبين هناك أن هذه الرواية منكرة.
(4) (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وكتب إليهم كتبا فقيل يا رسول الله إن الملوك لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ رسول الله r يومئذ خاتماً من فضة فصه منه نقشه ثلاثة أسطر محمد رسول الله وختم به الكتب فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم فكان أول رسول بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه ونزل من سريره فجلس على الأرض تواضعا ثم أسلم وشهد شهادة الحق وقال لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته وكتب إلى رسول الله r بإجابته وتصديقه وإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب، لله رب العالمين، وفي الكتاب الآخر يأمره أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وكانت قد هاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي فتنصر هناك ومات، وأمره رسول الله r في الكتاب أن يبعث إليه بمن قبله من أصحابه ويحملهم، ففعل؛ فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأصدق عنه أربعمائة دينار، وأمر بجهاز المسلمين وما يصلحهم، وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري....))
ـــــــــــــــ ـــــــــ
(( حديث باطل ))
أخرجه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) [1/259] قال أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال حدثني معمر بن راشد ومحمد بن عبد الله عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال وحدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة قال وحدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال وحدثنا عمر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن جدته الشفاء قال وحدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد عن العلاء بن الحضرمي قال وحدثنا معاذ بن محمد الأنصاري عن جعفر بن عمرو بن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أهله عن عمرو بن أمية الضمري دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية....فذكره .
قلت: محمد بن عمر الأسلمي هو الواقدي؛ متروك، والخبر بهذا السياق باطل.
(5) (( كانت أول امرأة تزوجها رسول الله r قبل النبوة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وكانت...........ثم تزوج أم حبيبة ابنة أبي سفيان بن حرب في الهدنة وهي بأرض الحبشة بعث إلى النجاشي يزوجه فزوجها إياه وولي يومئذ تزويجها خالد بن سعيد بن العاص وكانت قبل رسول الله r عند عبيد الله بن جحش وكان قد أسلم وهاجر إلى أرض الحبشة مع من هاجر من المسلمين ثم ارتد وتنصر فمات هناك على النصرانية ثم...)) ـــــــــــــــ ـــــ
(( حديث باطل ))
أخرجه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) [8/216 ،218]قال: أخبرنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن عبد الله عن الزهري قال وحدثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قالا (( كانت أول امرأة تزوجها رسول الله r قبل النبوة ......فذكره)).
قلت: محمد بن عمر هو الواقدي؛ متروك، والخبر بهذا اللفظ باطل.
(6) عن يحيى بن عروة عن أبيه أن نفراً من قريش منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ويزيد بن عمرو بن نفيل، وعبيد الله بن جحش بن رئاب، وعثمان بن الحويرث كانوا عند صنم لهم يجتمعون إليه قد اتخذوا ذلك اليوم من كل سنة عيداً، وكانوا يعظمونه وينحرون له الجزر ثم يأكلون ويشربون ويعكفون عليه، فدخلوا عليه في الليل فرأوه مكبوباً على وجهه فأنكروا ذلك ...........وفيه: (( وأما عبيد الله بن جحش فأقام بمكة حتى بعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم خرج مع من خرج إلى أرض الحبشة فلما صار بها تنصر وفارق الإسلام فكان بها حتى هلك هنالك نصرانياً ))ــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
(( حديث موضوع ))
أخرجه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق) [38/337]قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه وأبو الفرج غيث بن علي الخطيب وأبو محمد عبد الكريم بن حمزة قالوا أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد أنا جدي أبو بكر أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل السامري نا عبد الله بن محمد البلوي بمصر نا عمارة بن زيد حدثني عبيد الله بن العلاء حدثني يحيى بن عروة عن أبيه أن نفراً من قريش.......فذكره))
قلت:
عبد الله بن محمد البلوي (وضَّاع)، قال الذهبي في الميزان [4/184]: (( قال الدارقطني: يضع الحديث، قلت: روى عنه أبو عوانة في صحيحة في الاستسقاء خبراً موضوعاً )) اهـ
(7) عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه قال: (( بعث رسول الله e عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يخطب عليه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت تحت عبيد الله بن جحش فزوجها إياه وأصدقها النجاشي من عنده عن رسول الله e أربعمائة دينار )) ـــــــــــــــ ـــــ
(( حديث باطل ))
أخرجه ابن سعد في (الطبقات) [8/98] والحاكم في (المستدرك) [4/6771] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) ب69/138]
من طريق محمد بن عمر عن إسحاق بن محمد عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه به
قلت:
محمد بن عمر هو الواقدي؛ متروك وكذبه بعضهم.
(8) عن ابن إسحاق قال: (( وكانت أم حبيبة خرجت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فمات بها، وقد كان دخل في النصرانية وترك الإسلام فمات بها مشركاً ))
ـــــــــــــــ ــــــــــ
(( حديث ضعيف جداً ))
أخرجه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق) [69/141] قال: أخبرنا أبو القاسم أيضا أنا ابن النقور أنا المخلص أنا رضوان بن أحمد نا أحمد نا يونس عن ابن إسحاق قال: (( وكانت أم حبيبة خرجت.........فذكره )).
قلت: ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب المغازي قال الحافظ: صدوق يدلس؛ ولكن انتقد عليه بعض أهل العلم عدة أمور، (( قال أيوب بن إسحاق بن سامري سألت أحمد: فقلت له يا أبا عبد الله إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله؟ قال: لا والله إني رايته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا، وقال أبو داود وسمعت أحمد ذكر محمد بن إسحاق فقال: كان رجلاً يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه؛ وقال المروذي: قال أحمد بن حنبل: كان ابن إسحاق يدلس إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماع قال: حدثني، وإذا لم يكن قال: قال: قال:، وقال أبو عبد الله: قدم ابن إسحاق بغداد فكان لا يبالي عمن يحكي عن الكبي وغيره )) اهـ من التهذيب؛
قلت: ولا يخفى ما في حديثنا من الانقطاع والإرسال.
ثالثاً:الخاتمة
إن المتأمل في الدراسة السابقة يظهر له عدة أمور منها:
1- أن الصحيح الثابت من الأحاديث السابقة ليس فيه أن عبيد الله بن جحش رضي الله عنه مات على النصرانية؛- عياذاً بالله –.
2- وأن كل حديث ورد فيه ذكر وفاة عبيد الله بن جحش رضي الله عنه وأنه مات على النصرانية - عياذاً بالله – ما بين موضوع وباطل ومنكر وضعيف جداً.
3- وأن الذي أخرج الحديث الثابت الصحيح - الذي ليس فيه أن عبيد الله بن جحش رضي الله عنه مات على النصرانية، عياذاً بالله، بل فيه أنه مات في أرض الحبشة مهاجراً -، هم من أصحاب الأمهات الستّ، كأبي داود والنسائي؛ في حين الأحاديث الأخرى عكس ذلك، وإن كانت العبرة في الصحة بأمور أخرى، ولكنها تعدُّ قرينة في موضع الخلاف، وإن قال قائل: قد قال أبو داود عقب إخراجه الحديث: (( عبيد الله بن جحش تنصر ومات نصرانياً وأوصى إلى النبي r بعد ما مات نصرانياً )) فأقول: هذا من قوله رحمه الله، ولكن أين الدليل على ذلك بالسند المتصل الصحيح؟ وقد مرَّ بك كل الروايات وأوقفتك على حالها.
وأضيف أموراً أخرى:
1- أن الفاصل في مثل هذه الأمور هو علم الحديث حيث يبحث في الأسانيد التي اختصت الأمة بها عن سائر الأمم، وقد سلف دراسة تلك الأسانيد، وتبين عدم ثبوت أي طريق يفيد بموت عبيد الله بن جحش رضي الله عنه على النصرانية.
2- أن كل من قال: إن عبيد الله بن جحش تنصر ومات نصرانياً أحد رجلين:
أ- اعتمد على هذه الروايات الباطلة، وأصحابها لم يشترطوا الصحة.
ب- أو اعتمد على شهرة هذا الخبر، وتناقله وتداوله أئمة أعلام، وكما هو معروف في علم المصطلح، أن الشهرة لا تعني الصحة، وبحثنا هذا أكبر مثال على ذلك.
3- أن المتأمل في حديث أُمِّ حَبِيبَةَ رَضْيَ الله عَنْهَا الصحيح وهو (( أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الحَبَشَةَ فَزَوْجَهَا النَّجَاشِي النَّبِيَّ e وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آَلافٍ وَبَعَثَ بِهَا إِلى رَسُولِ اللهِ e مَعَ شَرْحَبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ )) وكل الروايات الأخرى الساقطة، لم يجد أي ذكر للأشياء المترتبة على ردَّة عبيد الله بن جحش، من أمر النبي r لأم حبيبة بمفارقة، أوأن أم حبيبة فارقته.
4- وأن بعض العلماء يشك في صحة موت عبيد الله بن جحش على النصرانية، كالحافظ ابن حجر حيث قال: (( وهاجرت أم حبيبة وهي بنت أبي سفيان في الهجرة الثانية مع زوجها عبيد الله بن جحش فمات هناك، ويقال: إنه قد تنصر وتزوجها النبي r بعده )) اهـ [الفتح:78190]
فإن قال قائل: إنه جزم بعد ذلك بأنه مات على النصرانية حيث قال في [الفتح 8/217] تحت حديث هرقل: (( قوله (قال: هل يرتد الخ) إنما لمستغن هرقل بقوله: (بل يزيدون) عن هذا السؤال لأنه لا ملازمة بين الارتداد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلاً، قوله: (سخطة له) يريد أن من دخل في الشيء على بصيرة يبعد رجوعه عنه بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فأنه يتزلزل بسرعة وعلى هذا يحمل حال من ارتد من قريش ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم، وفيهم صهره زوج ابنته أم حبيبة وهو عبيد الله بن جحش، فأنه كان أسلم وهاجر إلى الحبشة بزوجته ثم تنصر بالحبشة ومات على نصرانيته، وتزوج النبي r أم حبيبة بعده وكأنه ممن لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة، وكان أبو سفيان وغيره من قريش يعرفون ذلك منه، ولذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه، ويحتمل أن يكونوا عرفوه بما وقع له من التنصر وفيه بعد )).
فأقول:
قول الحافظ رحمه الله: (وكأنه ممن لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة) محمول على ما لو صحت ردَّة ونصرانية عبيد الله، وإلا فلا يجوز الحكم على القلوب والنوايا.!!
وقول الحافظ رحمه الله: (ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم………….) فأقول: بل لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم، لا للاحتمالات التي ذكرها الحافظ رحمه الله، ولكن لم يكن ارتدَّ أحد آنذاك، بل المعروف من حال أبي سفيان قبل الإسلام ومن حال أي كافر تربصه وافترائه لتوهين موقف الإسلام ولو على حساب نفسه، فضلاً من أن يكتم أبو سفيان ردّة عبيد الله، وهو يتمنى أن يكذب على النبي r وأصحابه ؛ لولا الحياء كما قال هو عن نفسه في حديث هرقل: (( فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه )).
هذا....
والمتأمل بدقة وعمق قد يصل إلى أمور أخرى يرد بها هذا الافتراء على هذا الصحابي الجليل، رضي الله عنه وأرضاه.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب:
أبو العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري
غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين
آمين، آمين، آمين
آمين، آمين
آمين
في
نفي وفاة الصحابي الجليل عبيد الله بن جحش رضي الله عنه على النصرانية
تأليف
أبي العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد:
فهذا بحث حديثي درست فيه الأسانيد التي ورد فيها ذكر وفاة الصحابي الجليل عبيد الله بن جحش رضي الله عنه، بحثتها وفق مناهج وقواعد المحدثين، رضي الله عنهم، وكان الباعث على ذلك عدة أمور:
الأمر الأول: ما حدثني به بعض إخواني بأن أحد الباحثين بحث المسألة وذهب إلى نفي وفاة هذا الصحابي الجليل على النصرانية، فاستغربت جداً لشهرة عكسه؛ وطلبت منه أن يوقفني على هذا البحث فندَّ عن ذهنه أين وقف عليه، فاستعنت بالله وبحثته.
الأمر الثاني: هو حبي للصحابة رضي الله عنهم جميعاً، وحبهم دين؛ وهو عنوان كل سني سلفي.
الأمر الثالث: هو الدفاع عن صحابي ثبتت له الهجرة إلى الحبشة، ثم رمي بالردة، وقالوا: إنه تنصر بعد هجرته إلى الحبشة، ومات على ذلك.
الأمر الرابع: هو لفت نظر علمائنا وطلاب العلم إلى أن كثيراً من المسائل في ديننا تحتاج إلى تحرير علمي رصين – وخاصة من الناحية الحديثية - لأن علم الحديث هو الميزان لضبط كثير من المسائل إذ لم يكن كلها، وهذا البحث أكبر دليل.
الأمر الخامس: وهو الانتصار لهذا الدين العظيم، أنه لا يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، إذا وقر الإيمان وخالطت بشاشته القلوب.
كل هذه الأمور وغيرها حدا بي إلى بحثي هذا فما كان فيه من توفيق وسداد فمن الله وحده، لا شريك له، فله الحمد، وله الشكر، وما كان فيه من زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله العظيم منه.
والخطأ والنسيان صفتان ملازمتان لبني آدم؛ وأبى الله العصمة إلا لكتابه.
والله أسألُ أن يلبسني وهذا العمل وسائر أعمالي حلل القبول، وأن يجعله في موازين حسناتي؛ إنه بكل جميلٍ كفيل وهو حسبي ونعم الوكيل.
وصلِّ اللهم على نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب:أبو العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري
25/2/1428هـ
أولاً:الروايات الصحيحة:
1- عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضْيَ الله عَنْهَا (( أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الحَبَشَةَ فَزَوْجَهَا النَّجَاشِي النَّبِيَّ e وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آَلافٍ وَبَعَثَ بِهَا إِلى رَسُولِ اللهِ e مَعَ شَرْحَبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ ))ــــــــــــــ ـــــــــــــ
(( حديث صحيح ))
أخرجه أبو داود في (السنن) [2/2107] ومن طريقه ابن حزم في (المحلى) [8/244] والنسائي في (المجتبى) [6/3350] و في (الكبير) [3/5512] وأخرجه أحمد في (المسند) [6/427] وابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) [5/3067]وابن الجارود في (المنتقى) [1/713، 714] والحاكم في (المستدرك) [2/2741] ومن طريقه البيهقي في (الكبير) [7/139،232] وأخرجه الطبراني في (الكبير) [23/402] والدارقطني في (السنن) [3/246] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [3/207،69/139] جميعاً من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة رضي الله عنها به.
وعند أحمد وابن أبي عاصم وابن عساكر وغيرهم زيادة وهي: (( وجهازها كله من عند النجاشي ولم يرسل إليها رسول الله e بشيء وكان مهر أزواج النبي e أربع مائة درهم))
قلت: أخرجه عن ابن المبارك جماعة منهم:
1- معلى بن منصور. 2- نعيم بن حماد.
3- عبد الله بن عثمان. 4- علي بن إسحاق.
5- إبراهيم بن إسحاق. 6- علي بن الحسن بن شقيق. 7- يعمر بن بشير. 8- عبد الله بن سنان.
قلت: والأخير وقع له عند ابن عساكر في موضعين؛ ففي [69/139] وافق الجماعة، وفي [3/207] قال في حديثه: (وكانت تحت عبد الله بن جحش) والظاهر أنه خطأ مطبعي.
قلت: ورواه علي بن الحسن بن شقيق - على وجه آخر - عن ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، أن النجاشي زَوَّجَ أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول اللّه r على صداق أربعة آلاف درهم . . . فذكره بنحوه مرسلاً.
أخرجه أبو داود في (السنن) [2/2108]، فتترجح رواية الجماعة عن ابن المبارك، ولا شك.
قلت: وخالف عبد الله بن عثمان كل أصحاب ابن المبارك؛ فرواه عن عبد الله بن المبارك أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري مرسلاً قال: (( تزوج رسول الله e خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة، وكانت قبله تحت عتيق بن عابد المخزومي، ثم تزوج بمكة عائشة بنت أبي بكر، ثم تزوج بالمدينة حفصة بنت عمر، وكانت قبله تحت أبي سلمة خنيس بن حذافة السهمي، ثم تزوج سودة بنت زمعة، وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي بني عامر بن لؤي، ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي أسد خزيمة ثم تزوج.....))
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [3/174، 175] قال أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد الماهاني أنبأنا شجاع بن علي بن شجاع المصقلي أنبأنا أبو عبد الله بن مندة أنبأنا الحسن بن محمد بن حليم المروزي أنبأنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه المقرئ الفزاري عنه به
قلت: فيه الحسن بن محمد بن حليم المروزي لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، قال القيسراني في (المؤتلف والمختلف): شيخ لأبي عبد الله بن مندة، وقال أبو الحسن الجزري في (اللباب في تهذيب الأنساب): روى عنه الحاكم، ولم يذكرا جرحاً ولا تعديلاً، فتقدم رواية الجماعة عن عبد الله بن المبارك، ولاشك.
وقد توبع عبد الله بن المبارك تابعه عبد الرزاق واختلف عنه:
فرواة سلمة بن شبيب وأبو مسعود الرازي عنه عن معمر به
أخرجه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) [5/3068] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/140]
ورواه محمد بن يحيى بن فارس عنه عن معمر به إلا أنه قال: (( وكانت تحت ابن جحش ))
أخرجه أبو داود في (السنن) [3/2086]
وخالفهم أحمد بن منصور الرمادي؛ فرواه عنه عن معمر به، ولكن قال في المتن: (( وكانت تحت عبد الله بن جحش ))
أخرجه الدارقطني في (السنن) [ 3/246] ثم قال: ( قال الرمادي كذا قال عبد الرزاق وإنما هو عبيد الله بن جحش الذي مات على النصرانية )
قلت: سلمة بن شبيب (ثقة). وأبو مسعود الرازي هو: أحمد بن الفرات (ثقة حافظ).
ومحمد بن يحيى بن فارس (ثقة حافظ جليل). وأحمد بن منصور الرمادي (ثقة حافظ)؛ فالرواة عن عبد الرزاق كلهم ثقات حفاظ، فالوهم كما قال الرمادي من عبد الرزاق، فإنه رحمه الله لما كبر عمي فتغير، ولعل الرمادي سمعه منه بعدما تغير؛ وتحمل رواية ابن فارس على رواية ابن شبيب وأبي مسعود؛ وتترجح روايتهم عنه عن معمر، الموافقة لرواية ابن المبارك عن معمر أي بإثبات (عبيد الله بن جحش) والله أعلم.
وعلى ذلك؛ فقد توبع عبد الله بن المبارك تابعه عبد الرزاق فروياه عن معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة رضي الله عنها به.
قلت: معمر بن راشد (ثقة ثبت فاضل) ومن أثبت الناس في الزهري؛ وبقية رجاله أئمة، فالحديث صحيح.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال ابن حزم: هذا خبر منقول نقل الكافة.
قلت: وقد خولف عبد الله بن المبارك خالفه عبد الرحمن بن خالد بن مسافر:
فرواه محمد بن يحيى الذهلي عن سعيد بن كثير بن عفير عن الليث عنه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبى سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة فلما قدم أرض الحبشة مرض فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله e فتزوج رسول الله e أم حبيبة وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة ))
أخرجه ابن حبان في (صحيحه) [13/6027].
وخولف محمد بن يحيى الذهلي خالفه عبيد الله بن عبد الواحد، فرواه عن محمد بن يحيى الذهلي عن سعيد بن كثير بن عفير عن الليث عنه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (( هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبي سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة فلما قدم أرض الحبشة تنصر، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله e فتزوج رسول الله e أم حبيبة بنت أبي سفيان فبعث وفي حديث يوسف وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة فأهداها إلى رسول الله e))
قلت: وخولف سعيد بن كثير بن عفير خالفه أبو صالح كاتب الليث؛ فرواه عن الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري عن عروة مرسلاً بهذه القصة ولم يذكر عائشة رضي الله عنها.
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/141].
قلت: كل هذه الخلافات مدارها يرجع إلى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر وهو (صدوق)، فشذ وسلك طريق الجادة، (الزهري عن عروة عن عائشة)، فتترجح غير الجادة وهي رواية معمر بن راشد السالفة (الزهري عن عروة عن أم حبيبة).
وثَمَّ خلاف آخر عن الزهري:
أخرجه الحاكم في (المستدرك) [4/6768، 6804] ومن طريقه البيهقي في (الكبير) [7/71] ومن طريق البيهقي أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [3/181] عن أبي العباس محمد بن يعقوب ثنا عبد الله بن أسامة الحلبي ثنا حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري مرسلاً قال: (( فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي - أسد خزيمة - فمات عنها بأرض الحبشة وكان خرج بها من مكة مهاجراً ثم افتتن وتنصر فمات وهو نصراني وأثبت الله الإسلام لأم حبيبة والهجرة ثم تنصر زوجها ومات وهو نصراني وأبت أم حبيبة بنت أبي سفيان أن تتنصر، وأتم الله تعالى لها الإسلام والهجرة، حتى قدمت المدينة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه عثمان بن عفان قال الزهري: (( وقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي فزوجها إياه وساق عنه أربعين أوقية )).
قلت: وهذا الزعم هو الصحيح، كما تقدم في رواية معمر عن الزهري الصحيحة، أما مخالفة أبي منيع وهو عبيد الله بن أبي زياد الرصافي لمعمر بن راشد في الزهري فهي مخالفة شاذة على أقل أحوالها إذ لم تكن منكرة، لأن عبيد الله هذا مختلف فيه: قال الذهبي في الميزان: (مجهول مقارب الحديث)؛ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب (( قال بن سعد: كان أخا امرأة هشام بن عبد الملك وكان الزهري لما قدم على هشام بالرصافة لزمه عبيد الله بن أبي زياد فسمع علمه وكتبه فسمعها منه ابنه يوسف وابن ابنه الحجاج بن يوسف أبي منيع قال الحجاج: ومات عبيد الله سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة وهو ابن نيف وثمانين سنة، وقال الذهلي في عدل حديث الزهري بعد أن ذكر إسحاق الكلبي وعبيد الله بن أبي زياد من أهل الرصافة: لم أعلم له راوياً غير ابن ابنه أخرج إلي جزءاً من أحاديث الزهري فنظرت فيها فوجدتها صحاحاً فلم أكتب منها إلا يسيراً: قال الذهبي: فهذان رجلان مجهولان من أصحاب الزهري مقاربا الحديث، وعدَّه الدارقطني من ثقات أصحاب الزهري، وذكره ابن حبان في الثقات)).
قلت: فلو ترجحت جهالته وهو المختار عندي، فمخالفته هذه منكرة – كما هو معلوم - ، ومن يعتبر توثيق الدارقطني فلا يقوى مثل هذا على مخالفة معمر بن راشد بحال، وهو من أثبت الناس في الزهري كما سلف، فالراجح عن الزهري رواية معمر بن راشد، والحمد لله لم يرد فيها أن عبيد الله بن جحش تنصر وأنه مات عليها، عياذاً بالله.
وثَمَّ خلاف آخر عن الزهري:
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/145] من طريق الأحوص بن المفضل نا أبي نا أحمد بن حنبل نا حجاج نا ليث حدثني عقيل عن الزهري مرسلاً قال (( خرج رسول الله e مهاجرا من مكة إلى المدينة فتزوج بالمدينة أم حبيبة بنت أبي سفيان من بني أمية، وكانت قبل رسول الله e عند عبيد الله بن جحش أخي بني أسد فمات عنها وهي بأرض الحبشة خرج بها من مكة مهاجراً في المهاجرين فافتتن وتنصر فمات نصرانياً، وثبت الله لأم حبيبة الإسلام والهجرة ))
قلت: الأحوص بن المفضل قال الدارقطني: لا باس به، ووثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وضعفه الأزدي، وذكر له الذهبي في الميزان غرائب.
قلت: فمثله (حيث تفرد بهذه الرواية) لا يقوى بحال لمخالفة رواية معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة به، فروايته شاذة على أقل أحوالها.
وثّمَّ خلاف عن عروة بن الزبير:
أخرجه الطبراني في (الكبير) [23/401] حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ثنا أبي ثنا بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير: (( في تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب من بني أسد بن خزيمة عبيد الله بن جحش بن رئاب مات بأرض الحبشة نصرانياً، ومعه أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة فخلف عليها رسول الله e أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة وأم حبيبة أمها صفية بنت أبي العاص أخت عفان بن أبي العاص عمة عثمان بن عفان ))
قلت: فيه ابن لهيعة وهو - عندي – ضعيف سيء الحفظ واختلط بآخره، إلا في رواية العبادلة عنه؛ فصدوق وهذه ليست منها، وبمخالفته للرواية الثابتة عن الزهري السالفة الذكر؛ فروايته هذه منكرة.
ثانياً: الروايات الضعيفة والباطلة والموضوعة
(1) عن إسماعيل بن عمرو بن سعد بن العاص قال: (( قالت أم حبيبة رأيت في المنام كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهه ففزعت، فقلت: تغيرت والله حاله فإذا هو يقول حين أصبح يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دنت بها ثم دخلت في دين محمد ثم رجعت إلى النصرانية، فقلت: والله ما خير لك، وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له؛ فلم يحفل بها، وأكب على الخمر حتى مات، فأرى في النوم كأن آتيا يقول لي: يا أم المؤمنين، ففزعت!! وأولتها أن رسول الله e يتزوجني قالت: فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت إن الملك يقول لك إن رسول الله e كتب إلي أن أزوجك فقلت بشرك الله بخير .......)) الخ القصة بطولها
ـــــــــــــــ ـــــــــــ
(( حديث منكر ))
أخرجه ابن سعد في (الطبقات) [ 8/98] والحاكم في (المستدرك) [4/6670] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/143]
من طريق الواقدي عن عبد الله بن عمرو بن زهير عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص به.
قلت: الواقدي متروك ، وقد توبع تابعه محمد بن الحسن، ولكنها متابعة لا يفرح بها.
أخرجها الزبير بن بكار الزبيري في (المنتخب من كتاب أزواج النبي r ) [ص50].
قلت: محمد بن الحسن هو بن زبالة، متروك متهم، واستنكر بعضهم على ابن بكار الرواية عنه، قال أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء له كان منكر الحديث – أي الزبير بن بكار – قال الحافظ: وهذا جرح مردود ولعله استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمد بن حسن بن زبالة وعمرو بن أبي بكر المؤملي وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة )) انتهى من التهذيب في ترجمة الزبير بن بكار.
قلت: هذه القصة باطلة ومنكرة، قال الذهبي في (السير) [2/221] بعد أن ذكر القصة: (وهي منكرة).
(2) عن عائشة أنها قالت: (( هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبي سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة فلما قدم أرض الحبشة تنصر فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله e فتزوج رسول الله e أم حبيبة بنت أبي سفيان فبعث وفي حديث يوسف وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة فأهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
(( حديث شاذ ))
أخرجه ابن حبان في (صحيحه) [13/6027] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/141].
قلت:
سبق الكلام على هذه الرواية في الحديث الأول في ذكر الخلاف على الزهري وتبين أنها شاذة.
(3) عن عروة بن الزبير: (( في تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب من بني أسد بن خزيمة عبيد الله بن جحش بن رئاب مات بأرض الحبشة نصرانياً، ومعه أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة فخلف عليها رسول الله e أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة وأم حبيبة أمها صفية بنت أبي العاص أخت عفان بن أبي العاص عمة عثمان بن عفان ))ــــــــــــــ ــــــ
(( حديث منكر ))
أخرجه الطبراني في (الكبير) [23/401] حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ثنا أبي ثنا بن لهيعة عن أبي الأسود عنه به.
قلت: سبق في الحديث الأول ( معمر عن الزهري ) ذكر الخلاف على عروة؛ وتبين هناك أن هذه الرواية منكرة.
(4) (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وكتب إليهم كتبا فقيل يا رسول الله إن الملوك لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ رسول الله r يومئذ خاتماً من فضة فصه منه نقشه ثلاثة أسطر محمد رسول الله وختم به الكتب فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم فكان أول رسول بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه ونزل من سريره فجلس على الأرض تواضعا ثم أسلم وشهد شهادة الحق وقال لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته وكتب إلى رسول الله r بإجابته وتصديقه وإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب، لله رب العالمين، وفي الكتاب الآخر يأمره أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وكانت قد هاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي فتنصر هناك ومات، وأمره رسول الله r في الكتاب أن يبعث إليه بمن قبله من أصحابه ويحملهم، ففعل؛ فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأصدق عنه أربعمائة دينار، وأمر بجهاز المسلمين وما يصلحهم، وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري....))
ـــــــــــــــ ـــــــــ
(( حديث باطل ))
أخرجه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) [1/259] قال أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال حدثني معمر بن راشد ومحمد بن عبد الله عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال وحدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة قال وحدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال وحدثنا عمر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن جدته الشفاء قال وحدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد عن العلاء بن الحضرمي قال وحدثنا معاذ بن محمد الأنصاري عن جعفر بن عمرو بن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أهله عن عمرو بن أمية الضمري دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية....فذكره .
قلت: محمد بن عمر الأسلمي هو الواقدي؛ متروك، والخبر بهذا السياق باطل.
(5) (( كانت أول امرأة تزوجها رسول الله r قبل النبوة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وكانت...........ثم تزوج أم حبيبة ابنة أبي سفيان بن حرب في الهدنة وهي بأرض الحبشة بعث إلى النجاشي يزوجه فزوجها إياه وولي يومئذ تزويجها خالد بن سعيد بن العاص وكانت قبل رسول الله r عند عبيد الله بن جحش وكان قد أسلم وهاجر إلى أرض الحبشة مع من هاجر من المسلمين ثم ارتد وتنصر فمات هناك على النصرانية ثم...)) ـــــــــــــــ ـــــ
(( حديث باطل ))
أخرجه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) [8/216 ،218]قال: أخبرنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن عبد الله عن الزهري قال وحدثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قالا (( كانت أول امرأة تزوجها رسول الله r قبل النبوة ......فذكره)).
قلت: محمد بن عمر هو الواقدي؛ متروك، والخبر بهذا اللفظ باطل.
(6) عن يحيى بن عروة عن أبيه أن نفراً من قريش منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ويزيد بن عمرو بن نفيل، وعبيد الله بن جحش بن رئاب، وعثمان بن الحويرث كانوا عند صنم لهم يجتمعون إليه قد اتخذوا ذلك اليوم من كل سنة عيداً، وكانوا يعظمونه وينحرون له الجزر ثم يأكلون ويشربون ويعكفون عليه، فدخلوا عليه في الليل فرأوه مكبوباً على وجهه فأنكروا ذلك ...........وفيه: (( وأما عبيد الله بن جحش فأقام بمكة حتى بعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم خرج مع من خرج إلى أرض الحبشة فلما صار بها تنصر وفارق الإسلام فكان بها حتى هلك هنالك نصرانياً ))ــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
(( حديث موضوع ))
أخرجه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق) [38/337]قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه وأبو الفرج غيث بن علي الخطيب وأبو محمد عبد الكريم بن حمزة قالوا أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد أنا جدي أبو بكر أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل السامري نا عبد الله بن محمد البلوي بمصر نا عمارة بن زيد حدثني عبيد الله بن العلاء حدثني يحيى بن عروة عن أبيه أن نفراً من قريش.......فذكره))
قلت:
عبد الله بن محمد البلوي (وضَّاع)، قال الذهبي في الميزان [4/184]: (( قال الدارقطني: يضع الحديث، قلت: روى عنه أبو عوانة في صحيحة في الاستسقاء خبراً موضوعاً )) اهـ
(7) عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه قال: (( بعث رسول الله e عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يخطب عليه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت تحت عبيد الله بن جحش فزوجها إياه وأصدقها النجاشي من عنده عن رسول الله e أربعمائة دينار )) ـــــــــــــــ ـــــ
(( حديث باطل ))
أخرجه ابن سعد في (الطبقات) [8/98] والحاكم في (المستدرك) [4/6771] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) ب69/138]
من طريق محمد بن عمر عن إسحاق بن محمد عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه به
قلت:
محمد بن عمر هو الواقدي؛ متروك وكذبه بعضهم.
(8) عن ابن إسحاق قال: (( وكانت أم حبيبة خرجت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فمات بها، وقد كان دخل في النصرانية وترك الإسلام فمات بها مشركاً ))
ـــــــــــــــ ــــــــــ
(( حديث ضعيف جداً ))
أخرجه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق) [69/141] قال: أخبرنا أبو القاسم أيضا أنا ابن النقور أنا المخلص أنا رضوان بن أحمد نا أحمد نا يونس عن ابن إسحاق قال: (( وكانت أم حبيبة خرجت.........فذكره )).
قلت: ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب المغازي قال الحافظ: صدوق يدلس؛ ولكن انتقد عليه بعض أهل العلم عدة أمور، (( قال أيوب بن إسحاق بن سامري سألت أحمد: فقلت له يا أبا عبد الله إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله؟ قال: لا والله إني رايته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا، وقال أبو داود وسمعت أحمد ذكر محمد بن إسحاق فقال: كان رجلاً يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه؛ وقال المروذي: قال أحمد بن حنبل: كان ابن إسحاق يدلس إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماع قال: حدثني، وإذا لم يكن قال: قال: قال:، وقال أبو عبد الله: قدم ابن إسحاق بغداد فكان لا يبالي عمن يحكي عن الكبي وغيره )) اهـ من التهذيب؛
قلت: ولا يخفى ما في حديثنا من الانقطاع والإرسال.
ثالثاً:الخاتمة
إن المتأمل في الدراسة السابقة يظهر له عدة أمور منها:
1- أن الصحيح الثابت من الأحاديث السابقة ليس فيه أن عبيد الله بن جحش رضي الله عنه مات على النصرانية؛- عياذاً بالله –.
2- وأن كل حديث ورد فيه ذكر وفاة عبيد الله بن جحش رضي الله عنه وأنه مات على النصرانية - عياذاً بالله – ما بين موضوع وباطل ومنكر وضعيف جداً.
3- وأن الذي أخرج الحديث الثابت الصحيح - الذي ليس فيه أن عبيد الله بن جحش رضي الله عنه مات على النصرانية، عياذاً بالله، بل فيه أنه مات في أرض الحبشة مهاجراً -، هم من أصحاب الأمهات الستّ، كأبي داود والنسائي؛ في حين الأحاديث الأخرى عكس ذلك، وإن كانت العبرة في الصحة بأمور أخرى، ولكنها تعدُّ قرينة في موضع الخلاف، وإن قال قائل: قد قال أبو داود عقب إخراجه الحديث: (( عبيد الله بن جحش تنصر ومات نصرانياً وأوصى إلى النبي r بعد ما مات نصرانياً )) فأقول: هذا من قوله رحمه الله، ولكن أين الدليل على ذلك بالسند المتصل الصحيح؟ وقد مرَّ بك كل الروايات وأوقفتك على حالها.
وأضيف أموراً أخرى:
1- أن الفاصل في مثل هذه الأمور هو علم الحديث حيث يبحث في الأسانيد التي اختصت الأمة بها عن سائر الأمم، وقد سلف دراسة تلك الأسانيد، وتبين عدم ثبوت أي طريق يفيد بموت عبيد الله بن جحش رضي الله عنه على النصرانية.
2- أن كل من قال: إن عبيد الله بن جحش تنصر ومات نصرانياً أحد رجلين:
أ- اعتمد على هذه الروايات الباطلة، وأصحابها لم يشترطوا الصحة.
ب- أو اعتمد على شهرة هذا الخبر، وتناقله وتداوله أئمة أعلام، وكما هو معروف في علم المصطلح، أن الشهرة لا تعني الصحة، وبحثنا هذا أكبر مثال على ذلك.
3- أن المتأمل في حديث أُمِّ حَبِيبَةَ رَضْيَ الله عَنْهَا الصحيح وهو (( أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الحَبَشَةَ فَزَوْجَهَا النَّجَاشِي النَّبِيَّ e وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آَلافٍ وَبَعَثَ بِهَا إِلى رَسُولِ اللهِ e مَعَ شَرْحَبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ )) وكل الروايات الأخرى الساقطة، لم يجد أي ذكر للأشياء المترتبة على ردَّة عبيد الله بن جحش، من أمر النبي r لأم حبيبة بمفارقة، أوأن أم حبيبة فارقته.
4- وأن بعض العلماء يشك في صحة موت عبيد الله بن جحش على النصرانية، كالحافظ ابن حجر حيث قال: (( وهاجرت أم حبيبة وهي بنت أبي سفيان في الهجرة الثانية مع زوجها عبيد الله بن جحش فمات هناك، ويقال: إنه قد تنصر وتزوجها النبي r بعده )) اهـ [الفتح:78190]
فإن قال قائل: إنه جزم بعد ذلك بأنه مات على النصرانية حيث قال في [الفتح 8/217] تحت حديث هرقل: (( قوله (قال: هل يرتد الخ) إنما لمستغن هرقل بقوله: (بل يزيدون) عن هذا السؤال لأنه لا ملازمة بين الارتداد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلاً، قوله: (سخطة له) يريد أن من دخل في الشيء على بصيرة يبعد رجوعه عنه بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فأنه يتزلزل بسرعة وعلى هذا يحمل حال من ارتد من قريش ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم، وفيهم صهره زوج ابنته أم حبيبة وهو عبيد الله بن جحش، فأنه كان أسلم وهاجر إلى الحبشة بزوجته ثم تنصر بالحبشة ومات على نصرانيته، وتزوج النبي r أم حبيبة بعده وكأنه ممن لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة، وكان أبو سفيان وغيره من قريش يعرفون ذلك منه، ولذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه، ويحتمل أن يكونوا عرفوه بما وقع له من التنصر وفيه بعد )).
فأقول:
قول الحافظ رحمه الله: (وكأنه ممن لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة) محمول على ما لو صحت ردَّة ونصرانية عبيد الله، وإلا فلا يجوز الحكم على القلوب والنوايا.!!
وقول الحافظ رحمه الله: (ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم………….) فأقول: بل لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم، لا للاحتمالات التي ذكرها الحافظ رحمه الله، ولكن لم يكن ارتدَّ أحد آنذاك، بل المعروف من حال أبي سفيان قبل الإسلام ومن حال أي كافر تربصه وافترائه لتوهين موقف الإسلام ولو على حساب نفسه، فضلاً من أن يكتم أبو سفيان ردّة عبيد الله، وهو يتمنى أن يكذب على النبي r وأصحابه ؛ لولا الحياء كما قال هو عن نفسه في حديث هرقل: (( فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه )).
هذا....
والمتأمل بدقة وعمق قد يصل إلى أمور أخرى يرد بها هذا الافتراء على هذا الصحابي الجليل، رضي الله عنه وأرضاه.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب:
أبو العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري
غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين
آمين، آمين، آمين
آمين، آمين
آمين