عبد الوهاب آل غظيف
2010-06-20, 09:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
في الديمقراطية ، وطريقة اختيار الحاكم ، ومراقبته ..(*)
عبد الوهاب آل غظيف - الرياض
يحسب بعض الإخوة أن النقطة الجوهرية المكدرة للنظام الديمقراطي عند أهل السنة : اختيار العامة بدلاً عن اختيار أهل الحل والعقد للحاكم ، وهذه نقطة يخالطها تسطيح ، فإن الاعتراض لا يتوجه على العدول من المسلمين حينما يختارون حاكماً مسلماً ، بل الاعتراض متوجه لمفهوم علماني ، حاصله إعطاء حق التصويت في النظام السياسي في البلد المسلم لمن يحوز صفة ( المواطنة ) لا من يحوز صفة ( الإسلام ) !
وليس الاعتراض متوجهاً على ( عامةٍ ) يختارون فحسب ، بل من مشايخنا مَن لا يرى في اختيار العامة لواليهم السياسي بأساً إذا كانوا عدولا، وحتى من لا يحبذه فإنه لا يرقى به ليكون نقطة جوهرية تصيره من مسائل العقيدة أو الأصول التي يبدع فيها المخالف !
إنما المحذور الأكبر في الديمقراطية أنها لا تحد الاختيار الذي تقتضيه في السلطات الثلاثة بميزان الشرع ، فالاختيار فيها غير مأطور بالإسلام من حيث :
1) دائرة الأفراد الذين لهم حق الاختيار ، فهم في النظام الديمقراطي من يتصفون بالمواطنة ، وليس ثمة تفريق بين مسلمين ولا غيرهم ، لأن النظام السياسي هنا بلا هوية !
2) دائرة المسائل المطروحة للاختيار ، فإن الديمقراطية لا تذر شيئاً من مسائل النظام السياسي بجوانبه ( بما فيها التشريعات ) إلا وتجعلها عرضة للخيار ، وهذا – مرة أخرى – عائد لفقدان هذا النظام لهويته الدينية ، بخلاف النظام الإسلامي الذي تكون أحكامه في جانب السياسة – كسائر الأحكام في سائر الجوانب – لا تقبل الخيرة ، بل وصف الإسلام يقتضي الاستسلام لسائر النظم والتشريعات الإسلامية ، وأخذها بقوة ، والالتزام بها ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) .
ومن تأمل هذه الآية : وجد الإيمان معلقا على وقوع التحكيم ، ثم الرضى التام بحيث لا يبقى ثمة حرج من هذا الحكم ، ثم التسليم التام ، وليس لوقوع التحكيم مع عدم التسليم التام صورة أظهر منها حينما تكون تحكيماً للشرع بموازة إتاحته لأصوات المحتكمين متى شاؤوا ( صوتوا ) على حكم غيره .
نقطة أخرى :
تتعلق باختيار الحاكم ، حيث يتسائل البعض عن الطريقة المثلى ، هل هي العهد أم التصويت ؟ أم التغلب ؟
والشرع ليس فيه نص قاطع في هذه المسألة ، وبعض قاصري العقول من الملاحدة ظنها مثلبة للدين الإسلامي الذي بين آداب قضاء الحاجة ، ولم ينص على طريقة اختيار الوالي السياسي ، ولو نظروا لجانب المصلحة المتعلقة بتشريع اختيار الحاكم : لوجدوا أن الطريقة المناسبة ليست واحدة بعينها ، بل تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمحكومين من حيث عرفهم و وعيهم ، وصعوبتهم من لينهم ، ونحو ذلك ، فمن الشعوب من لو لم يهيئ الله لهم ثائراً يتغلب عليهم بسلاحه لما توحدوا تحت حكم واحد ، ومن الشعوب من بلغ بهم الوعي درجة تمنعهم من التفرق والاختلاف على حكامهم ، فكان سكوت الشرع عن طريقة اختيار الحاكم رحمة بالناس ، و رفعاً للكلفة والمشقة عنهم ، و المقصود الأعظم من الولاية : أن تتحقق الوحدة ويتحقق الحكم بالعدل ، وهذا ما أكد عليه الإسلام ، وما سوى ذلك من كون الوالي منتخبا أو معهودا إليه أو متغلباً فهذه مسألة تحكمها ظروف البيئة المجتمعية .
وقد رأينا في بعض شعوب الأفارقة من صار النظام الديمقراطي كارثة عليهم ، ولا شيء أرعى لمصلحتهم – مع همجيتهم – غير حاكم متغلب يأطرهم على الحق أطرا ، ويمنعهم من الاقتتال ، بل لو فرضنا أنه ظالم فظلمه بعد تغلبه أهون من بقائهم في التناحر والاقتتال ، وهذا ما عبر عنه بعض السلف بقوله : ( ستون سنة من حاكم جائر ، خير من ليلة بلا حاكم ) أو نحوه .
نقطة أخيرة :
إذا لم تكن المثالية متجلية بأقوى صورة عند أولئك الذين يعيشون في مجتمع لم يحقق القدر الأمثل من مفاهيم الأمانة والمسؤولية والعمل الصالح والنهضة ، ثم هم يبحثون عن طريقة يقفزون بها ليدّعموا هذه المفاهيم في السلطة السياسية ، دون أن يهتموا بحالها في قاعدة السلطة .. ، فلا أعرف للمثالية شكلاً !
ومثلما تكونوا يول عليكم ، وما الحجاج إلا خطيئة من خطاياكم كما يقول الحسن البصري لأهل العراق ، ولو فرضنا مجتمعا متشبعاً بمفاهيم العدل والأمانة والمسؤولية ودقائقها فإن سلطته الفاسدة لا تتجانس معه ، وسرعان ما تتبدل إلى سلطة تتواكب ومفاهيم العامة الأغلب من الناس ، ولو فرضنا مجتمعاً ديمقراطياً فاسداً فلن يعدوا نظامه السياسي إلا أن يكون خشبة مسرح لاستقالات أبطال الفساد والفضيحة كل آن !
والله أعلم .
ــــ
(*) تعقيبا على بعض الكتابات المتصلة بالموضوع في مجموعة د . عبد العزيز قاسم البريدية .
في الديمقراطية ، وطريقة اختيار الحاكم ، ومراقبته ..(*)
عبد الوهاب آل غظيف - الرياض
يحسب بعض الإخوة أن النقطة الجوهرية المكدرة للنظام الديمقراطي عند أهل السنة : اختيار العامة بدلاً عن اختيار أهل الحل والعقد للحاكم ، وهذه نقطة يخالطها تسطيح ، فإن الاعتراض لا يتوجه على العدول من المسلمين حينما يختارون حاكماً مسلماً ، بل الاعتراض متوجه لمفهوم علماني ، حاصله إعطاء حق التصويت في النظام السياسي في البلد المسلم لمن يحوز صفة ( المواطنة ) لا من يحوز صفة ( الإسلام ) !
وليس الاعتراض متوجهاً على ( عامةٍ ) يختارون فحسب ، بل من مشايخنا مَن لا يرى في اختيار العامة لواليهم السياسي بأساً إذا كانوا عدولا، وحتى من لا يحبذه فإنه لا يرقى به ليكون نقطة جوهرية تصيره من مسائل العقيدة أو الأصول التي يبدع فيها المخالف !
إنما المحذور الأكبر في الديمقراطية أنها لا تحد الاختيار الذي تقتضيه في السلطات الثلاثة بميزان الشرع ، فالاختيار فيها غير مأطور بالإسلام من حيث :
1) دائرة الأفراد الذين لهم حق الاختيار ، فهم في النظام الديمقراطي من يتصفون بالمواطنة ، وليس ثمة تفريق بين مسلمين ولا غيرهم ، لأن النظام السياسي هنا بلا هوية !
2) دائرة المسائل المطروحة للاختيار ، فإن الديمقراطية لا تذر شيئاً من مسائل النظام السياسي بجوانبه ( بما فيها التشريعات ) إلا وتجعلها عرضة للخيار ، وهذا – مرة أخرى – عائد لفقدان هذا النظام لهويته الدينية ، بخلاف النظام الإسلامي الذي تكون أحكامه في جانب السياسة – كسائر الأحكام في سائر الجوانب – لا تقبل الخيرة ، بل وصف الإسلام يقتضي الاستسلام لسائر النظم والتشريعات الإسلامية ، وأخذها بقوة ، والالتزام بها ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) .
ومن تأمل هذه الآية : وجد الإيمان معلقا على وقوع التحكيم ، ثم الرضى التام بحيث لا يبقى ثمة حرج من هذا الحكم ، ثم التسليم التام ، وليس لوقوع التحكيم مع عدم التسليم التام صورة أظهر منها حينما تكون تحكيماً للشرع بموازة إتاحته لأصوات المحتكمين متى شاؤوا ( صوتوا ) على حكم غيره .
نقطة أخرى :
تتعلق باختيار الحاكم ، حيث يتسائل البعض عن الطريقة المثلى ، هل هي العهد أم التصويت ؟ أم التغلب ؟
والشرع ليس فيه نص قاطع في هذه المسألة ، وبعض قاصري العقول من الملاحدة ظنها مثلبة للدين الإسلامي الذي بين آداب قضاء الحاجة ، ولم ينص على طريقة اختيار الوالي السياسي ، ولو نظروا لجانب المصلحة المتعلقة بتشريع اختيار الحاكم : لوجدوا أن الطريقة المناسبة ليست واحدة بعينها ، بل تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمحكومين من حيث عرفهم و وعيهم ، وصعوبتهم من لينهم ، ونحو ذلك ، فمن الشعوب من لو لم يهيئ الله لهم ثائراً يتغلب عليهم بسلاحه لما توحدوا تحت حكم واحد ، ومن الشعوب من بلغ بهم الوعي درجة تمنعهم من التفرق والاختلاف على حكامهم ، فكان سكوت الشرع عن طريقة اختيار الحاكم رحمة بالناس ، و رفعاً للكلفة والمشقة عنهم ، و المقصود الأعظم من الولاية : أن تتحقق الوحدة ويتحقق الحكم بالعدل ، وهذا ما أكد عليه الإسلام ، وما سوى ذلك من كون الوالي منتخبا أو معهودا إليه أو متغلباً فهذه مسألة تحكمها ظروف البيئة المجتمعية .
وقد رأينا في بعض شعوب الأفارقة من صار النظام الديمقراطي كارثة عليهم ، ولا شيء أرعى لمصلحتهم – مع همجيتهم – غير حاكم متغلب يأطرهم على الحق أطرا ، ويمنعهم من الاقتتال ، بل لو فرضنا أنه ظالم فظلمه بعد تغلبه أهون من بقائهم في التناحر والاقتتال ، وهذا ما عبر عنه بعض السلف بقوله : ( ستون سنة من حاكم جائر ، خير من ليلة بلا حاكم ) أو نحوه .
نقطة أخيرة :
إذا لم تكن المثالية متجلية بأقوى صورة عند أولئك الذين يعيشون في مجتمع لم يحقق القدر الأمثل من مفاهيم الأمانة والمسؤولية والعمل الصالح والنهضة ، ثم هم يبحثون عن طريقة يقفزون بها ليدّعموا هذه المفاهيم في السلطة السياسية ، دون أن يهتموا بحالها في قاعدة السلطة .. ، فلا أعرف للمثالية شكلاً !
ومثلما تكونوا يول عليكم ، وما الحجاج إلا خطيئة من خطاياكم كما يقول الحسن البصري لأهل العراق ، ولو فرضنا مجتمعا متشبعاً بمفاهيم العدل والأمانة والمسؤولية ودقائقها فإن سلطته الفاسدة لا تتجانس معه ، وسرعان ما تتبدل إلى سلطة تتواكب ومفاهيم العامة الأغلب من الناس ، ولو فرضنا مجتمعاً ديمقراطياً فاسداً فلن يعدوا نظامه السياسي إلا أن يكون خشبة مسرح لاستقالات أبطال الفساد والفضيحة كل آن !
والله أعلم .
ــــ
(*) تعقيبا على بعض الكتابات المتصلة بالموضوع في مجموعة د . عبد العزيز قاسم البريدية .