قادم من بعيد
2010-06-17, 11:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مناظرة بين السيف والقلم كتبها زين الدين عمر بن الوردي المتوفى سنة 749هـ
يقول في بدايتها
لمَّا كان السيفُ والقلمُ عُدَّتي العمل وَالقَوْل ، وَعُمْدتي الدُّوَل ، فإنْ عَدِمَتهما دولَةٌ فلا حَوْلَ ، وَرُكْني إسنادِ المُلْك الُمعربَيْنِ عن المخفوضِ والمرفوع ، وَمُقَدِّمَتَي نتيجة الجدلِ الصادر عنهما المحمولُ والموضوع فكَّرْتُ أيهما أعظمُ فخراً وأعلى قدراً فجلستُ لهما مجلسَ الحُكْمِ والفتوى ، ومثلتُهما في الفكرِ حَاضِرَيْنِ للدعوى ، وسوّيت بين الخصمينِ في الإكْرَامِ ، واستنطقتُ لسانَ حالِهمَا للكلام
فقال القلم :-
بسم الله مجريها ومُرْساها، والنهار إذا جَلاّها والليل إذا يغشاها ، أما بعد حمد الله
خالق القلم ، ومشرفة بالقسَم ، وجاعله أول ماخلق ، جَمّل الورق بغصنه كما جَمّل الغصن
الورق ، والصلاة على القائل : "جفت الأقلامُ" ، فإن للقلم قصَبُ السباق ، والكاتِبُ بسبعة أقلام من طبقات الكتاب فيالسبع الطباق ، جَرَى بالقضاء والقدر ، ونَابَ عن اللِّسان فيما نهى وأَمَرَ،وطالما أربى عَلَى البِيض والسُّمْر في ضرابها وطعانها ، وقاتل في البعد والصوارم في القُرْبِ ملء أجفانها ، وماذا يُشْبِهُ القلم في طاعة ناسه ؟ ومشيه لهم على أمِّر اسه ؟
قال السيف:-
بسم الله الخافض الرافع ، وأنزلْنَا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع ، أما بعد حمد الله الذي أنزل آية َالسيفِ فعظَّمَ بها حرمة الَجْرح وآمن خيفةَ الخيف ، والصلاة على الذي نفذَّ بالسيف سطور الطروس ، وخدمته الأقلام ماشية على الرءوس ، وعلى آله وصحبه الذين أُرْهِفَت ْسيوفهم ، وبُنِيَتْ بها على كسر الأعداء حروفهم ، فإن السيف عظيم الدولة شديدالصّولة ، محا أسطار البلاغة ، وأساغ ممنوع الإساغة ، من اعتمد على غيره في قهرالأعداء تعب ، وكيف لا وفي حَدِّه اَلْحدُّ بين الجدِّ واللِعبِ ؟! فإن كان القلم شاهداً ، فالسيف قاض ، وإن اقتربت مجادلته بأمر مستقبل قطعَهُ السيف بفعل ماض ، بهظهرَ الدينُ ، وهو العُدّة لقمع المعتدين ، حَمَلَتْهُ دون القلم يد نبيِّناَ ،فَشَرُف بذلك في الأمم شرفاً بيِّناً ، الجنة تحت ظِلاله ، ولا سيما حين يُسَلُّ فترى وَدْقَ الدم يخرج من خلاله ، زُينت بزينة الكواكب سماء غِمدة ، وصدَقَ من قال "السيف أصّدَقُ أنْباءٍ من ضده " لا يعبثُ به الحاملُ ، ولا يتناوله كالقلم بأطراف الأناَمل ، ما هو كالقلم المُشَبَّه بقوم عرُوُّا عن لبوسهم ، ثم نُكسوا كما قيل على رُءُوسهم ، فكأن السيف خُلِق من ماءٍ دافق ، أو كوكب راشق مقدراً في السّرْد ،فهو الجوهر الفَرْد ، لا يُشترى كالقلم بثمن بخس ، ولا يبلى كما يبلى القلم بسواد وطمس ، كم لقائمه المنتظر ، من أثرٍ في عينٍ أو عينٍ في أثر ، فهو في جراب القوم قَوامُ الحرب ، ولهذا جاء مطبوع الشكل داخل الضرب .
فقال القلم :-
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ في الحلية وهو في الخصام غيرُ مُبيِن ، يُفاخرُ وهو القائمُ عن الشِمال ، وأنا الجالس على اليمين؟!أنا المخصوصُ بالرأي وأنت المخصوص بالصَّدَى ، أنا آلة الحياة وأنت آلة الردى ، ما لِنْتُ إلا بعد دخول السعير ، وما حُدّدت إلا عن ذنبٍ كبير ، أنت تنفع في العمرساعة ، وأنا أُفني العُمْرَ في الطاعة ، أنت للرَّهَب ، وأنا للرَّغَب ، وإذا كانبَصَرُك حديداً فبصري ماءُ ذهب ، أين تقليدُكَ من اجتهادي ، وأين نجاسة دمك من تطهير مِدادي ؟
قال السيف:-
أمثلك يُعَيِّر ُمثلي بالدماء؟! فطالما أمرتُ بعض فراخي ـ وهي السكين ـ فأصبحت من النفاثات في العقديا مسكين ، فأخلَتْ من الحياة جُثمانك ، وشقّت أنفك وقطعت لسانك .
وباقي المناظرة مرفقة في الملف أما ختامها فهو:
قال الحَكمُ بين السيفِ والقلمِ :
فلما رأيتُ الحجَّتيْن ناهضتين ، والبيِّنتيْن بينتيْن مُتعارضتين ، وعلمتُ أنَّ لكلِّ واحدٍ منها نسبةً صحيحةً ، إلى هذا المقرَّ الكريم ، ورواية مُسْندة عن حديثه القديم ، لطَّفتُ الوسيلة ، ودققّتُ الحيلة حتى رددْتُ القلم إلى كنَّه , وأغمدتُ السَّيف فنام ملء جفنه ، وأخّرْتُ بينهما الترجيح وسكتُّ عمّا هو عندي الصّحيح ، إلى أن يحكم المقرُّ بينهما بعلمه ، ويسكِّن سورة غضبهما الوافر ولجاجهما المديد ببسط حلمه .
قال أبو جندل الأزدي:
بعد هذه المناظرة الرائعة المثيرة تأملت التاريخ الإسلامي فوجدتُ أن الذي يرفعُ القلمَ دونَ سيفٍ يذِلّ ، والذي يرفعُ السيفَ دونَ قلمٍ يضلّ ويزلّ ، ومن يرفعهما معاً فإلى مبتغاه يهتدي ويصل , ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ قال: (لا يقوم الدين إلا بكتابٍ يهدي وسيفٍ ينصر وكفى بربك هادياً ونصيراً ) .
هذه مناظرة بين السيف والقلم كتبها زين الدين عمر بن الوردي المتوفى سنة 749هـ
يقول في بدايتها
لمَّا كان السيفُ والقلمُ عُدَّتي العمل وَالقَوْل ، وَعُمْدتي الدُّوَل ، فإنْ عَدِمَتهما دولَةٌ فلا حَوْلَ ، وَرُكْني إسنادِ المُلْك الُمعربَيْنِ عن المخفوضِ والمرفوع ، وَمُقَدِّمَتَي نتيجة الجدلِ الصادر عنهما المحمولُ والموضوع فكَّرْتُ أيهما أعظمُ فخراً وأعلى قدراً فجلستُ لهما مجلسَ الحُكْمِ والفتوى ، ومثلتُهما في الفكرِ حَاضِرَيْنِ للدعوى ، وسوّيت بين الخصمينِ في الإكْرَامِ ، واستنطقتُ لسانَ حالِهمَا للكلام
فقال القلم :-
بسم الله مجريها ومُرْساها، والنهار إذا جَلاّها والليل إذا يغشاها ، أما بعد حمد الله
خالق القلم ، ومشرفة بالقسَم ، وجاعله أول ماخلق ، جَمّل الورق بغصنه كما جَمّل الغصن
الورق ، والصلاة على القائل : "جفت الأقلامُ" ، فإن للقلم قصَبُ السباق ، والكاتِبُ بسبعة أقلام من طبقات الكتاب فيالسبع الطباق ، جَرَى بالقضاء والقدر ، ونَابَ عن اللِّسان فيما نهى وأَمَرَ،وطالما أربى عَلَى البِيض والسُّمْر في ضرابها وطعانها ، وقاتل في البعد والصوارم في القُرْبِ ملء أجفانها ، وماذا يُشْبِهُ القلم في طاعة ناسه ؟ ومشيه لهم على أمِّر اسه ؟
قال السيف:-
بسم الله الخافض الرافع ، وأنزلْنَا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع ، أما بعد حمد الله الذي أنزل آية َالسيفِ فعظَّمَ بها حرمة الَجْرح وآمن خيفةَ الخيف ، والصلاة على الذي نفذَّ بالسيف سطور الطروس ، وخدمته الأقلام ماشية على الرءوس ، وعلى آله وصحبه الذين أُرْهِفَت ْسيوفهم ، وبُنِيَتْ بها على كسر الأعداء حروفهم ، فإن السيف عظيم الدولة شديدالصّولة ، محا أسطار البلاغة ، وأساغ ممنوع الإساغة ، من اعتمد على غيره في قهرالأعداء تعب ، وكيف لا وفي حَدِّه اَلْحدُّ بين الجدِّ واللِعبِ ؟! فإن كان القلم شاهداً ، فالسيف قاض ، وإن اقتربت مجادلته بأمر مستقبل قطعَهُ السيف بفعل ماض ، بهظهرَ الدينُ ، وهو العُدّة لقمع المعتدين ، حَمَلَتْهُ دون القلم يد نبيِّناَ ،فَشَرُف بذلك في الأمم شرفاً بيِّناً ، الجنة تحت ظِلاله ، ولا سيما حين يُسَلُّ فترى وَدْقَ الدم يخرج من خلاله ، زُينت بزينة الكواكب سماء غِمدة ، وصدَقَ من قال "السيف أصّدَقُ أنْباءٍ من ضده " لا يعبثُ به الحاملُ ، ولا يتناوله كالقلم بأطراف الأناَمل ، ما هو كالقلم المُشَبَّه بقوم عرُوُّا عن لبوسهم ، ثم نُكسوا كما قيل على رُءُوسهم ، فكأن السيف خُلِق من ماءٍ دافق ، أو كوكب راشق مقدراً في السّرْد ،فهو الجوهر الفَرْد ، لا يُشترى كالقلم بثمن بخس ، ولا يبلى كما يبلى القلم بسواد وطمس ، كم لقائمه المنتظر ، من أثرٍ في عينٍ أو عينٍ في أثر ، فهو في جراب القوم قَوامُ الحرب ، ولهذا جاء مطبوع الشكل داخل الضرب .
فقال القلم :-
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ في الحلية وهو في الخصام غيرُ مُبيِن ، يُفاخرُ وهو القائمُ عن الشِمال ، وأنا الجالس على اليمين؟!أنا المخصوصُ بالرأي وأنت المخصوص بالصَّدَى ، أنا آلة الحياة وأنت آلة الردى ، ما لِنْتُ إلا بعد دخول السعير ، وما حُدّدت إلا عن ذنبٍ كبير ، أنت تنفع في العمرساعة ، وأنا أُفني العُمْرَ في الطاعة ، أنت للرَّهَب ، وأنا للرَّغَب ، وإذا كانبَصَرُك حديداً فبصري ماءُ ذهب ، أين تقليدُكَ من اجتهادي ، وأين نجاسة دمك من تطهير مِدادي ؟
قال السيف:-
أمثلك يُعَيِّر ُمثلي بالدماء؟! فطالما أمرتُ بعض فراخي ـ وهي السكين ـ فأصبحت من النفاثات في العقديا مسكين ، فأخلَتْ من الحياة جُثمانك ، وشقّت أنفك وقطعت لسانك .
وباقي المناظرة مرفقة في الملف أما ختامها فهو:
قال الحَكمُ بين السيفِ والقلمِ :
فلما رأيتُ الحجَّتيْن ناهضتين ، والبيِّنتيْن بينتيْن مُتعارضتين ، وعلمتُ أنَّ لكلِّ واحدٍ منها نسبةً صحيحةً ، إلى هذا المقرَّ الكريم ، ورواية مُسْندة عن حديثه القديم ، لطَّفتُ الوسيلة ، ودققّتُ الحيلة حتى رددْتُ القلم إلى كنَّه , وأغمدتُ السَّيف فنام ملء جفنه ، وأخّرْتُ بينهما الترجيح وسكتُّ عمّا هو عندي الصّحيح ، إلى أن يحكم المقرُّ بينهما بعلمه ، ويسكِّن سورة غضبهما الوافر ولجاجهما المديد ببسط حلمه .
قال أبو جندل الأزدي:
بعد هذه المناظرة الرائعة المثيرة تأملت التاريخ الإسلامي فوجدتُ أن الذي يرفعُ القلمَ دونَ سيفٍ يذِلّ ، والذي يرفعُ السيفَ دونَ قلمٍ يضلّ ويزلّ ، ومن يرفعهما معاً فإلى مبتغاه يهتدي ويصل , ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ قال: (لا يقوم الدين إلا بكتابٍ يهدي وسيفٍ ينصر وكفى بربك هادياً ونصيراً ) .