المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأصيلات في البدعة من ردود أخيكم أبي القاسم



أبو القاسم
2010-05-21, 08:53 PM
السلام عليكم
هذه ردود أخيكم أبي القاسم على د. محمد أيمن في ملتقى المذاهب الفقهية وقد نقلت كلامه هنا للفائدة ( وقد استأذنت من الأخ أبي القاسم بوضع ردوده )
--------


بدعية المولد معلومة من جهة معرفة قوانين الشرع العريضة ولا يتطلب عادة في البدع أدلة تفصيلية
فحسب الشيء أن يكون محدثا وله تعلق بمعنى التعبد أو ذريعة إليه أو يكون خروجا عن النظام العام للشريعة ..حتى يكون بدعة..وأما لفتة الشيخ أبي أسامة فهي وجيهة وهو لم يقدمها كدليل على بطلان المولد النبوي ولكن أراد بيان أن الله احتفى بيوم بعثته لا بيوم مولده وهذا فيه إسقاط لـ"محوريّة" هذا اليوم عند الصوفية..ففيه معنى جليل لو تأملته لأنه مخالف لمنطق المحتفلين بالموالد عموماً
ومن شبهاتهم أن يقولوا :احتفل النبي بيوم مولده فصامه..ولما سئل عن سبب الصوم قال "يوم ولدت فيه" فيقال لهم الرد من وجوه منها:-
1- اتباعه يكون بصومه..فحسب, فلما لم يخص اليوم بمزيد مزية وعلمنا يقينا أن ذلك لم يكن ذهولاً منه صلى الله عليه وسلم لأن الداعي موفور أن يحث أمته على إحياء حبه ..لاسيما وهو يعلم أن أمته ستفترق وأن أناساً سيجفونه وآخرين سيطرونه..بما هو فوق بشريته ثم لم يكن من جراء الفتن التي عصفت بالأمة حافزا للصحابة أن يحيوا يوم مولده وقد علموا أن الناس بعدت عن الهدي..إلخ...لما كان ذلك كذلك ثبت فيه معنى البدعة لاعتبار تركه مع وجود الداعي لسنه.

2- أن يوم عاشوراء كان يصومه اليهود..إحياء ليوم نجاة موسى عليه السلام من فرعون..فصامه النبي شكراً لله..فشرع لنا صيامه..لكنه خالف اليهود وقال :لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر
ففيه 3 دلالات على الأقل:-
-أنه وافقهم على معنى الشكر لله فصامه وقال "نحن أولى بموسى منكم" دون معنى الاحتفال الذي كانوا عليه..
-أن أدعياء الاحتفال بالمولد حباً للنبي تخالف منهجهم هنا..فلم يحتفلوا بيوم عاشوراء كما عدوا صيام اليوم الموافق لمولده احتفالاً
-أنه جنح لمخالفة اليهود وصام يوما معه..ونحن نقول لأهل الموالد :حسبكم أن تعلموا أن أول من اخترعها هم العبيديون باتفاق المؤرخين..والذين ظاهرهم الرفض وباطنهم أمضّ.


* * *

إذا تقرر أن تخصيص هذا اليوم ببعض المعاني التي تشعر بكونه عيدا أو فيه معنى التعبد=بدعة
فلاشك أن تخصيصه بنذر يندرج فيما مضى بل هو أشد, لأن النذر نفسه عبادة محضة
بخلاف مطلق المباحات كالتوسعة على الأهل وغيره..وأي عبادة تجيء مطلقة من جهة الشرع ثم تقيد بوصف أو زمان أو نحوهما بما لم يرد به الشرع= يدخلها في معنى الابتداع
والله أعلم


* * *

حسنا عرف لنا البدعة يا فضيلة الدكتور..هذا أولا-
ثم اذكر لنا حكمك مثلا, فيمن يقول كلما عطس :الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هل ارتكب بهذا:
-حرام
-بدعة
-سنة
-مباح
-بدعة حسنة(!)؟
وبين لنا مشكورا حكمك في عيد الأم؟..وهل يتغير الحكم لو سميناه مثلا :مناسبة الأم

أما إناطة المسألة بأنه مختلف فيها فليس بدقيق , ومن قال إن مجرد وجود الخلاف يسوغ جميع لأقوال؟
ووجه كونه أشد أنها علقت نذر الطاعة ليوفق عيداً بدعياً وتحرت ذلك
فالتناقض في هذا أظهر من مجرد عمل البدعة وحدها


* * *

-أما من صلى صلاة الظهر خمساً عامدا عالما فليس عمله مجرد ابتداع , بل هو تشريع كفري من دون الله..فأظن المثال إذا كان من هذا الجنس فلن يبقى بدعة قط..ويقال لمثل الشاطبي :ضيعت وقتك بتوليف كتابك.
-وأما قولك إن من فعل ذلك فقد ارتكب مكروها أي بالمعنى الاصطلاحي, فأضع بين يدي الجواب حديثا هو باب في المسألة فقد أخرج الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه بسند جيد عن نافع عن ابن عمر أنه عطس رجل إلى جنبه فقال:الحمد لله والسلام على رسول الله! قال ابن عمر :وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, علمنا أن نقول الحمد لله..
ويلاحظ هنا من فقه ابن عمر :أنه لم يبادره بالإنكار أول شيء, بل بين له أنه يحمد الله ويسلم على الرسول أي يفعل ذلك في الجملة دون تقييدها في هذا الموضع, ذكر ذلك له كي لا يستهجن عليه ويقول كما نسمع من صوفية اليوم:أنتم تكرهون رسول الله..أتحرمون علينا أن نعظم رسول الله..أو أن نفعل كذا..إلخ
ثم إنه بين له مخالفة فعله للهدي النبوي وقال :وليس هكذا علمنا رسول الله, وهذا النوع من الإنكار لا يقال في المكروه لأن حده الاصطلاحي بالرسم :ما نهى الشارع عنه نهيا غير جازم..وهذه المسألة بخصوصها لم ينه عنها الشارع.
وحاصل ما في الأمر أن صاحب الشريعة سكت ,فأضاف هذا الرجل زيادة , فهي أليق شيء أن تلحق بباب "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فقوله "أمرنا" أي في الأمور التعبدية أو التي هي ذريعة إلى ذلك ..والبدع كما تعلم تنقسم إلى بدع أصلية وبدع إضافية..

-أما كلامكم في عيد الأم..فكذلك يقال في المولد لأنه وفد إلينا من الباطنيين..ونحن تبعناهم عليه
وقد توافر الداعي لأن يوصي النبي صلى الله عليه وسلم به وهو الحريص على أمته كما أوصانا مثلا بقرابته وكما أمر عمر رضي الله عنه أن يحبه أكثر من نفسه, وقد كان معروفا عند النبي أن أهل الكتاب يحتفلون بمواليد أنبيائهم..فلما ترك ذلك مع وجود داعيه الشرعي وهو حب الرسول, ثم مع هذا لم يفعله الصحابة كلهم ولم يفطن له أحد منهم مع كونهم أبر الأمة قلوبا وأرجحهم عقولا
لا هم ولا تابعوهم بإحسان..ولا تابعو تابعيهم..حتى اخترعه باتفاق المؤرخين العبيديون..الذين قال فيهم أبو حامد الغزالي ظاهر الرفض وباطنهم الكفر المحض..علمنا من ذلك أنه بدعة من جهة كونه خارجا عن نظام الشريعة وأن فيه معنى العيد..وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه "إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا"
ومما يدل على أن هذا يخالف مقصد الشارع أن العلماء اختلفوا في تحديد مولده صلى الله عليه وسلم فلم يظهره الرب الحكيم ولم يحفل بمولده في كتابه وإنما حفل برسالته..
والحاصل أننا نقول لمن يتهمنا بجفاء رسول الله أو الجلافة في العلاقة به! , أننا ندعو لذكره وسننه وأيامه والصلاة عليه والذب عنه كل يوم..
فأي الفريقين أحق بالهدى إن كنتم منصفين؟


* * *

وهنا جملة من الأمور بين يدي المناقشة.
1- من بديع كلام ابن تيمية الذي يحسن استحضاره في هذا المقام : (فإن هذا الباب كثر فيه اضطراب الناس في الأصول والفروع ، حيث يزعم كل فريق أن طريقه هو السنة ، وطريق مخالفه هو البدعة ، ثم إنه يحكم على مخالفه بحكم المبتدع ، فيقوم من ذلك من الشر مالا يحصيه إلا الله)
2- لا أفترض أن الدكتور محمد -سدده الله- يتعمد الخطأ أو الافتيات على الشرع, بل أحسن الظن فيه وأراه يقصد معنى نبيلاً وإن كان قصّر في وجهة نظري من جهة الاستقصاء العلمي في المسألة فإن عامة الوقوع في البدع من طلبة العلم وأهله إما بسبب التقصير في الاجتهاد وإما بسبب ما يعتري الإرادة من شوائب, قال تعالى "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون".وكان عتبي الوحيد أنه يدعو للمدارسة في الوقت الذي أسقط فيه من سيدارسه في طليعة رسالته..
3- ليس كلامي في المسألة مبنياً على التربية على ذلك كما أشار الشيخ أبو فراس من كوننا ربينا أو نشأنا على هذا, بل إن المدرسة الإسلامية التي كنت منتظماً في سلكها منذ نعومة أظفاري تقر مواسم الموالد النبوية كما أن المدرسة النظامية التي درست فيها كان من مناهجها الدراسية الموسيقى !..ويأتي الكلامُ لاحقاً بحول الله تعالى في تحرير القضية.


* * *

كنت طلبت من حضرة الدكتور أن يقدم لنا تعريفاً للبدعة عنده فترك الرد على طلبي مع أن التعريف لا يكفي في تنزيل الحكم على الواقعة بل لابد من فقه واستقراء وإن كان يقرب صورتها ,
فأشرع ببيان حد الابتداع مستلهماً ما ورد من قبل الشارع في الحديث المشهور الذي هو ثلث الإسلام عند الإمام أحمد وغيره أعني حديث عائشة رضي الله عنها المخرج في الصحيحين "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
فاشتمل هذه الكلمة الشريفة الجماعة على معالم البدعة..فهي إذن:
1- إحداث شيء أو اختراع طريقة بتعبير الشاطبي
2- وهذا الشيء المحدث, منضافٌ إلى الدين ففيه معنى التعبد فلا يرد ما يقوله العوام وبعض المتحذلقة من المنسوبين لطلب العلم :لم يكن هناك إنترنت في زمان رسول الله!
ولكن هنا قيد مهم :كون الشيء عادة لايعني أنه لا يمكن أن يلتحق بحكمه الابتداع مطلقاً فقد يتصل به معنى من معاني التعبد فلا يكون عادة محضة بل يكون فيه من مادة الابتداع بقدر هذا الاتصال, ويرد هنا إشكال عند بعض الناظرين فيقول :عملت موقع إنترنت لدعوة المسلمين فهذا إذن =عمل خيري + محدث
فيبني عليه عند من لم يحررالأمر أنه اجتمعت قربة أو عبادة مع شيء محدث, فلم أخرجتم هذا من مفهوم البدعة؟ فيه بحث يأتي إن شاء الله .
3- ثم هذا الشيء ليس مما جاء به الشرع لا من الكتاب ولا من السنة أي لا دليل يعضده
والآن: النقطة الأولى بين الجميع ولا إشكال فيه في الجملة..فبقي تحرير النقطة الثانية والثالثة..
أخيرا-لا مستمسك لأي صاحب بدعة بما ينقله عن بعض الأئمة في تقسيم البدع إلى مذمومة ومحودة..
ونحو ذلك, لأن هؤلاء وإن سموها محدثات او بدعا فإنما قصدوا شيئا هو سنة من قبيل "من سن في الإسلام سنة حسنة"
أو شيئا مباحا..ونحو ذلك..أما اسم البدعة فلم يرد في الشرع إلا ي مقام الذم وقد فهم ذلك الصحابة
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
إن الذوائب من فهرٍ وإخوتهم..قد بينوا سنة لله تتبعُ
يرضى بها كل من كانت سريرته..تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
سجية تلك غير محدثة..إن الخلائق فاعلم شرها البدعُ
فتأمل كيف قابل السنة بالبدعة
مما يدلك أن الأمر متقرر عندهم .
* * *
وكخاتمة لموضوع التقسيم ..أعني تقسيم البدع إلى حسنة وسيئة:
-تقدم أنه لا مخصص للعموم في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأن استقراء كلام الشارع والسلف يدل على ذلك
-ومما يشهد لذلك حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده مرفوعا "فإن لكل عابد شرة فإما إلى سنة وإما إلى بدعة"ورجال إسناده ثقات كلهم., فهنا قابل النبي صلى الله عليه وسلم بين البدعة والسنة كما ترى
-كما تقدم أن هذا المعنى مستقر في نفوس الصحابة ومثلت بأبيات من شعر حسان رضي الله عنه حيث قابل بين السنة والبدعة , وكلام ابن عمر, وفي الباب عن غيرهما من الصحابة
-أما كلمة عمر رضي الله عنه..فلا يصح أن ينسب إليه أنه قسم البدعة إلى حسنة ومذمومة..فإن كنت ولابد مقلدا إياه
فقلده بنحو المقام الذي قاله فيه, كأن يترك قوم سنة لمقتضى معين ثم يزول المقتضى أو يهجروها ,فإذا فعلوها,,ساغ لك أن تقلد عمر رضي الله عنه فتقول :نعمت البدعة!, لأن الألفاظ التي وردت مقيدة بسياق معين إذا عزلت عن سياقها اختل المعنى وانحرف عما هو خليق به
والأمر يحتمل مزيد بيان..ولكني أكتفي بما سبق..
لنقاش ما هو أهم وإنما تكلمت فيه لأن هذا الضرب من التقسيم ليس من قبيل :لا مشاحة في الاصطلاح
لكونه قد يتضمن معنى فاسداً ولأنه ذريعة للوقوع في البدع بدعوى أنها حسنة
والله الهادي إلى أقوم السبل


* * *

أسحب كلمة التخليط وأعتذر عنها..لأني ذكرت قول الله تعالى "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم" فألفيت نفسي خرجت عن مقتضى هذا التوجيه
وقلت لنفسي الضعيفة :فإذا كان هذا مع أهل الكتاب فكيف بالمسلمين؟..والن قاش العلمي مستمر بحول الله تعالى.


* * *

أتابع الحديث في تشخيص حقيقة البدعة بسبب أن الدكتور قد خلّط حقاً وجاء بكلام غريب لا يقوله أحد اللهم إلا أصحاب الطرق الصوفية..أما التحقيق العلمي فلا والله ليس كلامه منتسبا إليه..مع الاحترام لشخصه الكريم..
1- في صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال :كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلال فأذن وأقام ثم صلى ثم خطب فقال : يا أيها الناس اتقوا بكم الذي خلقكم من نفس واحدة "إلى آخر الآية ‘إن الله كان عليكم رقيبا والآية الأخرى التي في آخر الحشر يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد "تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة ..إلخ..وقد تعمدت سوق الحديث لأنه مفصح عن سبب الورود الدال على خطأ فهم الدكتور وفقه الله
وذلك من وجهين..
الوجه الأول-أن ما فعله الرجل عبارة عن صدقة..لا غير, فلما كان عمله سببا لأن يأتسي به الناس قال عليه الصلاة والسلام:من سن في الإسلام سنة حسنة..فالعمل إذن مشروع بلا خفاء
الوجه الثاني :أن النبي استعمل لفظ السنة وهي هنا بمعنى الطريقة المتبعة ولم يقل :من سن في الإسلام بدعة حسنة..فيعد هذا من غرائب الاستدلات عند الدعاة إلى البدع وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا

2- وكنت قد سألت الدكتور فيما لو قام شخص ينتسب للعلم وقال:لما كان الدخول للنت مظنة الوقوع في المنكرات..فيحبذ أن نجعل له صلاة مخصوصة قبل ولوجه ولتكن :ركعتي النت..لتحقيق المقصد النبيل من حماية الشباب من التلوث بشيء من الفساد الفاشي لأن مثل هذه الصلاة ستجعلهم على ذكر من مراقبة الله عز وجل..فسألته ما حكمه فيها؟
مع تعليل ذلك..

3- ومما يدل على أن الدكتور لم يضبط هذا الباب , إضافة إلى ما سبق ,حديث الثلاثة نفر,في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم :أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأنام وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني
وهنا فوائد :-
أ-الذي قال إنه سيصوم الدهر..لم يأت بشرعة جديدة أصالة..فالصوم نفسه مشروع, وغاية ما هنالك أنه من باب المبالغة في التقرب إلى الله وحبه والزهد في الدنيا وزخرفها ومتاعها,رأى أن صيامه جميع السنة يحقق له هذا المقصد الشريف..فتامل , وكذا من ألزم نفسه قيام الليل كله تعبداً وقصداً..يلحقه نفس الحكم
ب-والذي زهد في متعة النساء تعبداً, لم يفعل سوى أن ترك شيئا مشروعاً مباحاً, فلما دخل في فعله معنى التعبد كان مجرد الترك -لاحظ!- دالاً على معنى الابتداع
-فقال فيهم النبي كلمته المشهورة :فمن رغب عن سنتي فليس مني..
وحتى يأتي ردي القادم أدعو الدكتور للتأمل فيما سبق وعدم التسرع في الرد فإن الله يحمد لك العود للحق إذا عدت, فيرزقك بركة ذلك في الدنيا والاخرة..بخلاف مالو راعيت نظر الناس وخشيت أن يقال :لم يستطع الرد!..فإني موص نفسي وإياك بلحظ محط نظر الرب الجليل دون محط نظر الناس
وكل ما سبق عبارة تقريب بالأمثلة..تمهيدا للتحرير العلمي.
4- والحاصل أن دعوى كون الشيء عادة..كل أحد يستطيعها, بل حتى ما كان عليه المشركون من عبادة الأصنام هو من عاداتهم التي ورثوها عن الآباء فقال الله حاكيا عنهم"إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"
يتبع بحول الله تعالى


* * *

حديث عبدالله بن عمرو ليس هو الوحيد في الباب بالمناسبة وقد أشرت لهذا..حتى لو سلمنا برده
أما نسبة التقسيم لعمر رضي الله عنه فقد ذكرت لك نقلا عن الحافظ ابن رجب ,فلست أنا من يصر..هذا فهم العلماء وبنحوه قال الإمام الشاطبي..
وكذا الإمام الجهبذ ابن تيمية فقال هذه من باب البدعة اللغوية..وواضح أنها كذلك..وانا أضفت احتمالا آخر من باب الإثراء ,أن يكون من باب التنزل
فدعوى أنه يقسم البدع إلى حسنة وسيئة..لا تصح لأن فهم كلام هؤلاء الكبار مهم في سياقاته ,أما عزله عنها فيؤدي لسوء فهم
* * *
قد قلت سابقا إن عمر لم يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة, ونقلت كلام العلماء وكيف فهموا كلامه, وأمارة ذلك أن ما سماه بدعة هو في الواقع سنة مشروعة كان النبي صلى الله عليه وسلم أوقف صورة الاجتماع عليها احترازا من أن تفرض عليهم كما قال هو عليه الصلاة والسلام..ونذكر إن شاء الله ما يستفاد من هذا مما يخص بحثنا:
1- لما زال المانع المقتضي لإيقاف الاجتماع, كان من فقه عمر أن أحيى صورتها الأولى بالصلاة خلف إمام واحد, فعمر إذن سمى ما هو سنة شرعاً: بدعةً ,ومن هنا قال أهل العلم إن مراده البدعة اللغوية لأنها في المعنى اللغوي تحتمل هذا المعنى, بدليل أن العرب تقول :أبدعت الإبل ,,إذا أحدثت بروكاً من بعد طول سير ,وهذا السير كانت قبله جالسة أيضا, ولم تخلق سائرة من يومها الأول ,فكل ما أحدث باعتبار نسبي شمله اسم الابتداع لغة
وإنما يصح أن تنسب هذا لعمر إذا كان ما فعله بدعة شرعاً فاستحسنها عن رأي مع كونها منسوبة للدين أو التعبد, ولتقريب الصورة :هب أن أباً قال لبعض ولده من طلبة العلم :شراء الكتب ممنوعٌ لأني أخشى أن نفلس وبيتنا صغير لايسعها, فلما توفي الأب وتوسع الأولاد في البيت وصار عندهم فضل مال,اشترى أحد الأبناء الكتب ثم قال :نِعمَ الممنوع هذا..فهل يصح بالله عليك أن يستنبط أحد ويقول:إن أبانا الذي نص على المنع يقسم الممنوعات إلى حسنة وقبيحة؟ أم يقال :إن الاب كان يمنع من شرائها لقيام مقتضى معين فلما انتفى انتفى المنع؟..أترك الجواب لكل عاقل يفهم الكلام العربي
والحاصل أن هذه الأحدوثة العمرية هي من جنس المسائل التي ثبتت أصالة من جهة الشرع ولكن قام مقتضٍ لعدم العمل بها في زمن معين فحين يزول المقتضي يُرجع بها إلى أصلها ,
2- والنبي صلى الله عليه وسلم قال:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" ليقطع الطريق على من أساء فهم سننهم وحملَها على الابتداع في الدين وأن هذا الابتداع منه ماهو مشروع ومنه ما باطل بزعمهم, فيقال لهؤلاء :حتى لو سلمنا جدلا بأن عمر ابتدع هذه البدعة في الإسلام, فإنه لم يكن في سنته هذا عرياً عن الإقرار النبوي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين وهو ثانيهم, فلا يقاس عليه غيره
3- وهذا المقتضى الذي قام في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خشيته أن تفرض على الأمة كما في البخاري "ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها" فإذا كان الرسول خشي أن يفرض الله -تقدس اسمه- على الأمة شيئا مشروعاً في الأصل, وهو سبحانه وتعالى له الحُكم المطلق"ولايشرك في حكمه أحدا"لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه,أفلا يكون من باب أولى أن يخشى ورثة هذا النبي ائتساءً به أن ينُسب للدين ماليس منه بسبب كونه مفضياً إلى معنى الابتداع بوجه من الوجوه وإن لم يكن في نفسه بدعة من حيث الأصل, فيحكموا ببدعية الأمر إن كان ذريعة إلى البدعة؟فضلا عن أن يكون هو في نفسه بدعة,؟
4- بقي أن يقال إنه مما يستفاد من هذا الحديث إضافة لماسبق,أن العمل المشروع إذا احتف به ما قد يؤدي إلى يعتقد فيه الناس الاستحباب وهو مباح أو يعتقدوا الوجوب وهو سنة, أو يظنوه بصفة مخصوصة وقد ورد في الشرع مطلقا..إلى آخر ما يندرج تحت هذا المعنى فإنه يصير بذلك حاملا لمعنى الابتداع بقدر ما تكون فيه مادة هذا الظن وذلك كأن يلتزم شيخ قراءة سورة الإسراء في الفجر كل يوم إثنين مثلاً
وقس عليه..
يتبع بحول الله تعالى..
* * *
والآن محاولة للملمة ما سبق في إطار واحد, مع مزيد تفصيل
-تقدم أن البدعة لا يُتطلب في الأصل لتمييزها دليل خاص لأن حقيقتها استحداث شيء لم يكن من الدين , فيكفي في معرفتها تحقق الأمور الآتية:-
-إثبات أنها محدثة وليس عليها دليل من الشرع
-بيان أن الإحداث في أمر الدين
وبهذا لا يصح أن يقول امرؤ آتني دليلا من الكتاب أو السنة على أن هذا بدعة, لأن دليلها عدمي "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم ورضيت لكم الإسلام دينا" وذلك بمثابة ما لو نسب شخص لأحد الأئمة أنه يقول بقول وهو لم يقله,فلو كان كاذباً أو واهماً يكفي في الرد عليه جرد أقوال الإمام, فإذا خلت عما نسبه إليه عرفنا أنه نسبة القول إليه باطلة, ولا يلزم أن نرد عليه بنفي من الإمام صريح أومن أحد تلامذته لأن آحاد هذه المسائل الجزئية (والبدع المحدثة) لا حصر لها..فلا يتأتى شرعا ولا عقلا أن ياتي دليل مستقل على كل بدعة حادثة ،وإنما قلت (كاذبا أو واهما) لأنه لا يشترط في البدعة حتى توسم بذلك أن يكون مقصد صاحبها سيئا, ومن هنا يفهم كلام بعض السلف كسفيان الثوري وغيره من أن صاحب البدعة لا توبة له, أي لأنه –والله أعلم-يقصد الخير ويتقرب إلى الله ببدعته ,فإذا نهيته عن ذلك استعظمه ورماك بكل جريرة كما قال تعالى "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" فكما أن المرء يكون كافرا دون أن يقصد الكفر حيث لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله كما قال الإمام ابن تيمية وفي تأويل هذه الآية قال الإمام الطبري : (وهذا من أدَل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، )فكذلك المبتدع كثيرا ما يكون صاحب قصد حسن فلا يكون هذا القصد مسوغاً أن تسمى بدعته سنة أو أن يقبل عمله لتقصيره في جانب الاتباع أو جانب الفقه في المسائل والنظر فيها .
ومما يدل على عدم اشتراط سوء القصد أن النبي أطلق وقال "من أحدث" ولم يخص ذلك بنية سيئة ورواية "من عمل عملاً" أصرح في الدلالة على أن مجرد عمل البدعة ولو لم يكن العامل هو المحدث له أصالة فهو داخل في مفهوم الابتداع, ومن ذلك بدعة الخوارج فقد كانوا أهل عبادة وتبتل وصدق في الجملة ومع ذلك وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمروق من الدين
ثم اعلم أن البدعة إما أن تكون منقولة من الأمم الأخرى كأن يضيف المسلمون عيدا ثالثاً أو بدعة الكلام في صفات الله تعالى وإما أن تكون نشأت في الإسلام بسبب سوء الفهم عن الله وعدم جمع النصوص الواردة في الباب أو غيرذلك كبدعة الإرجاء مثلا
أما البدع التي تنشأ في الإسلام بسبب نسيان حظ من الوحي فينتظمها أن يقال فيها :عبادة الله أو التقرب إليه بما لم يشرع, سواء كان هذا المتقرب به :عادة أو حتى معصية
والأمارة هنا على الابتداع قصد التقرب إلى الله بهذه العادة, ومن تقرب إلى الله بالمعصية كالمعازف فقد جمع الضلالتين, واعتبر النوم مثلا كشيء من جملة العادات فلو حرم امرؤ على نفسه النوم تقربا لله بذلك كان مبتدعاً, فإن نام ليتقوى على طاعة الله بعد ثلث الليل الآخر ,لا يقال إن نومه تحول إلى عبادة..بل بقي كما هو عادة لكن يؤجر على نيته
أما البدع الملتصقة بالعبادات فمن جهة ما يلحق بأصل العبادة من قيود إضافيةكالهيئة أو العدد أو الزمان أو المكان, فهذه لا يشترط فيها قصد التقرب .
لأن العبادات توقيفية بالاتفاق فما زيد عليها من وصف مخصوص ونحوه كان عبادة زائدة تلحق العبادة الأصلية التي عرفناها من قبل الشرع , وذلك كأن يرد ذكر معين عند مناسبة معينة فيزيد الداعي من عنده كلمات يستحسنها على أصل الذكر , أو يحدث مع الذكر شيئا ما كرقص أو غيره فيشرك بعمله ما جاء عن النبي مع َما أتى عن غيره ,ولولا أن الله قضى أن تكون العبادات كذلك لوجدت الإسلام الآن مندرساً لم يبق منه إلا رسوم واعتبر بحال الرافضة إن شئت, ولهذا كان فهم فقيه الصحابة ابن مسعود دقيقاً حين تفطن لبدعة القوم في هيئة الذكر وقال كلمته المشهورة :وكم من مريد للخير لا يصيبه وتقدمت الإشارة للأثر الذي رواه الإمام الدارمي رحمه الله
أما البدع المنقولة من الأمم الأخرى فهي أظهر في كونها بدعة لتمحض الغرابة فيها عن الشريعة المحمدية,فكل ما خرج عن قوانين الإسلام ونظامه يعد بدعة إذا كان من خصائصهم أو شرائعهم دون قيد قصد التقرب فحسبه ابتداعاً أن يشاكلهم ،وقد أخرج الإمام أحمد بسند من طريق حسان بن عطية عن أبي منيب الجُرشي عن ابن عمر "..ومن تشبه بقوم فهو منهم"
وبكلمة أقول :كل ما أحدثه الناس مما يضاهي الشرع أو ينقل من الحضارات الأجنبية عن الإسلام أو يكون مفضيا للابتداع في المآل بأن يكون ذريعة إليه كأن يلتزم شيئا معينا قد يفهم على أنه من جملة المشروع وليس كذلك
ويدلك عليه فقه الإمام أحمد فقد سئل : هل تكره أن يجتمع القوم ، يدعون الله ويرفعون أيديهم ؟ قال : ( ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد ، إلا أن يكثروا )
وحين كنت أدرس في الخارج في جامعة مختلطة مع الأسف رأيت شخصا قبيل الامتحان يقرأ دعاء فاسترقت عيني خلسة مافي الورقة فوجدت أن أمه قد كتبت له دعاء ليقوله قبل الامتحان
والدعاء جمل مركبة من توليفها, الشاهد هنا أن هذا الشخص كان يعتقد فضيلة خاصة في هذا الدعاء لأجل التوفيق في الامتحان, ولكن أقول وإن كان مشروعاً في الجملة أن يتخير الإنسان أعجب الدعاء إليه ويدعو لنفسه بما شاء لكن لما دخل فيه شبهة اعتقاد فضيلة مخصوصة كان بدعة..
كان عرضاً يلملم أطراف الأمر وبقي بيان نتف من التفريق بين البدعة والعادة والمصلحة المرسلة ..ونحو ذلك..والنظر في بدعة المولد خاصة وفق ما سبق من تقرير
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
* * *
ملاحظة: لا أرى مناسبة المولد مما يصدق عليه أن الخلاف فيه معتبر،فلو كان كذلك لما أجهدت قلمي بكتابة ما سبق ... والله الموفق للحق
* * *
أما الاحتفال بيوم بعثته سنوياً فهو بدعة أقل شراً من الاحتفال بيوم مولده لأن شبهة صاحبها أقوى من جهة أن الله احتفى بهذه البعثة وجعلها مناطا للمنة على المسلمين الاقتداء يا أختي الدكتورة يكون يكون بصيام يوم الإثنين..من كل أسبوع, ولا علاقة للاحتفال السنوي بهذا, هكذا فهم الصحابة كلهم فلا نزايد عليهم في الحب أو الاتباع فلو أن شخصا زعم الائتساء بالنبي وصام -لاحظي صام-ما يوافق مولده سنوياً دون احتفال لكان بهذا مبتدعاً, فكيف والأمر ليس كذلك عند المحتفلين..إنما هم يحتفلون سنوياً بمولده والصيام من باب شكر الله على نجاة موسى وليس من باب إحياء ذكرى أو احتفال
والخلاصة :الصيام شيء والاحتفالات والأعياد ونحوها شيء آخر..بدليل أنه لايجوز الصيام في العيدين اتفاقاً ومما يدل على بطلان هذا القياس أيضا أن المحتفلين بالمولد أنفسهم لا يحتفلون بيوم عاشوراء
وإنما يصومونه فتخالف منهجهم..واضطرب تقعيدهم.


* * *

-التفريق بين الوسائل المشروعة والمصالح المرسلة وبين البدع المحدثة
يقع كثير من الناس في لبس حين تنكر عليه بدعة معينة فيسارع مثلا بالتمثيل ببعض الوسائل الدعوية
فيقول مثلا :هذه المؤسسة الخيرية أو موقع الانترنت الفلاني ..إلخ إنما وضعها أصحابها لنصرة الدين
والذب عنه ونشر التوحيد ,فهي إذن متعلقة بالدين ,ولم تكن على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعلى كلامكم تكون بدعة, هذا حاصل ما يقولونه ,على أن منهم من يقوله عن سوء فهم, والتباس حال
ومنهم من يقوله بما سوء قصد ليلبس على المؤمنين من العوام الذين لا يحسنون التصدي للرد عليهم---
أولا-الوسيلة المشروعة هي كاسمها يتوسل بها إلى غاية ما فلا تكون مقصودة في نفسها بحيث
لو وجدت وسيلة أخرى لتحقيق نفس الغاية لصير إليها إما لأجل توفير جهد أو زمن أو أي شيء
والمهم أن تكون غير مشتملة على محرم ,الشريط الإسلامي مثلا وسيلة دعوية, فلو أجرينا دراسة وتبين
لنا أن المطويات أجدى في بلوغ الرسالة وأبلغ في التأثير , لاستبدلنا بالأشرطة المطويات
وقد جاء الشرع دالا على أن الوسائل لم تحد بقيود سوى الأطر العامة من كونها مبنية على
الحكمة والموعظة الحسن وضوابط الأمر بالمعروف والنهي المنكر المبثوثة في مظانها
بخلاف البدعة فإن أصحابها لا يبغون عنها حولاً هي بذاتها وإذا تأملت في عيد المولد النبوي ألفيته من غير باب الوسائل بأمارة أن أهله يدعون للاحتفال اليومي بالنبي صلى الله عليه وسلم على مدار العام بإحياء سنته وسيرته وشمائله وهديه فلا يقنعهم هذا وتدل فعالهم أنه لو كانتثم ندوات كثيرة على مدار العام مخصصة عن سيدنا رسول الله,فإنهم لن ينفكوا عن الالتزام بتخصيص اليوم الموافق لولادته عليه الصلاة والسلام والاحتفال به فعلم بهذا أنهم وإن سموها وسيلة أو عادة أو غير ذلك إلا أن سلوكهم كاشف عن حقيقتها

ثانيا-ثم إن الوسيلة أو المصلحة المرسلة إنما لم تحدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لعدم وفرة الداعي إليها وانتفاء قيام المقتضي لسلوكها فلم يكن في زمانهم احتياج للمطابع مثلا لكونهم أهل الحفظ يستودعون ما يلقى إليهم فمقل ومستكثر ،ولهذا حين نشأت الحاجة لجمع المصحف في عهد عثمان رضي الله عنه ,جمعه في مصحف إمام وأجمع الصحابة كلهم عليه وهو من الإجماعات القطعية التي من يخالفها يكفر كأن يشكك في حرف واحد من القرآن الكريم كما تقعل الرافضة عليهم لعائن الله تترى..وأما البدعة فإنما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا عن افتقار زمانهم للداعي
وأنت ترى أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض لازم والداعي لأن يأتي النبي بالكمالات التي تحفظ هذه الفريضة وترسخها وتحفظها من أن يشوبها اختلال أو تقصير لا يقل عنه في أي عصر , قال النبي صلى الله عليه وسلم "لكل قوم عيد وهذا عيدنا" فبالنظر العقلي يكون من موجبات انمياز الأمة عن غيرها أن يخص نبيها الكريم بعيد يُحتفل فيه بمولده ومع هذا ينبغي أن يعلم أن الوسيلة نفسها قد يدل الدليل على كونها عبادة مقصودة من جهة الشارع ,كالوضوء مثلا يتوسل به لأداء صلاة صحيحة على طهارة وهو في نفسه عبادة مستقلة رتب الله عليها من الأجر ماهو معروف في مظانه, قال في الموافقات: (وأما الوسائل فأمر آخر ولكن إن فرضنا كون الوسيلة كالوصف للمقصود بكونه موضوعا لأجله فلا يمكن والحال هذه أن تبقى الوسيلة مع انتفاء المقصد إلا أن يدل دليل على الحكم ببقائها فتكون إذ ذاك مقصودة لنفسها وإن انجر مع ذلك أن تكون وسيلة إلى مقصود آخر فلا امتناع في هذا)
فتعلم من هذا أنه لو ألحق بالوسيلة ما يضاهي التعبد بحيث كان مقصودا لذاته دون لزوم كونه مجرد وسيلة للتوصل إلى غيره فإنها يلحقها من مادة الابتداع بقدر ذلك وإن ادعى أصحابها أنها عادة فالحقائق لا تقوم على الدعاوى.
ثالثا-وأما العادات فكما قال القرافي في الفروق ترجع لمصالح العباد ونحو ذلك كعادات القبائل غير المخالفة للشرع في أعراسهم وزياراتهم وما يقيم شؤون حياتهم وتعاملاتهم وطرائق تحاياهم وأعرافهم..إلخ كل ذلك من قبيل العادات والأصل فيه الإباحة مالم يخالف الشرع بدخن معصية أو شائبة بدعة بأن يدخلها معنى تعبدي , كأن يجتمع قوم على إقامة عيد جديد يحتفلون به فيكون خصيصة لا ينفكون عنها وبها يمتازون كعيد النوروز الفارسي الذي استحب السيستاني أن يحتفل به وعمل به من قلده من الشيعة, ولما كانت الأعياد من خصائص الملل فلايقال إن هذه عادة مباحة لأنها في الأصل ليست من قبيل العادات المتوراثة وإنما أقحمت بما لها من ارتباط ديني يعود على الشرع بالاستدراك وهذا جلي عند سماع حجج المحتفلين بالموالد فالعبادات ترجع مقاصدها في الدرجة الأولى لاعتبار حفظ الدين , ولعلك بتأمل يسير تدرك أن المولد من حيث هو موسم سنوي , ليس مصلحة مرسلة ولا وسيلة مشروعة ولا عادة موروثة من الأجداد , وما إخالك يبقى لديك أثارة من شك إذا علمت أن أول من أدخلها هم العبيديون الذي قال عنهم أبو حامد الغزالي :ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض والحاصل أنه اجتمع في المولد جميع خصائص البدعة
-فهو دخيل في أصله من أمم الكفر ,مقحم في الدين كعيد يعظمه كثير من الناس فوق العيدين
-وأصحابه يتقربون به إلى الله لحد يبلغ بهم الحط على من لا يشاركهم احتفالاتهم, ولو كان مجرد عادة لما كان لهذا الإنكار وجه
-ومن يقول بأننا نخصه بذكر سيرته فحسب والتنويه بخصائص النبي-صلى الله عليه وسلم- ومناقبه دون ما يفعله الغلاة من رقص وهبل ومعازف..إلخ, يقال لهم :مجرد التخصيص ذريعة للابتداع ,,وقد أحكم الشارع الحكيم سد هذا الباب فما كان ذريعة إليه أخذحكمه بدليل ما ذكرناه من فهم الصحابة وعموم السلف فكان أحدهم قد يقول القول المشروع في أصله فإذا لزمه في موضع معين أو قرنه بقول مشروع آخر ,أنكروا عليه إما لكونه ذريعة للبدعة وإما لأنهم لحظوا معنى البدعة فيه بقرينة أن ما جاء مقيدا من قبل الشرع لابد من التقيد به وما جاء مطلقا فهو مطلق ومخالفة ذلك عن قصد لا يخلو من استدراك على الشريعة ،ولهذا تقدم قول الإمام أحمد حين سئل وقال ما مفاده أن الشيء إذا التزم بما يوهم أنه سنة دخله معنى الابتداع فلهذا
وأنا أضيف سؤالاً للمحتفلين بالمولد,ماذا لو قام الشيعة اليوم بعمل عيد جديد للاحتفال بالبعثة النبوية
فهل نقول عادة ونتبعهم أيضا؟ وما الفرق إذا كان الجواب :لا

ثم أقول :إن المولد النبوي بدعة حتى وفق الأصول الأشعرية
تدبر إن شئت كلام الإمام الشاطبي : (إن عامة المبتدعة قائلة بالتحسين والتقبيح فهو عمدتهم الأولى وقاعدتهم التي يبنون عليها الشرع..إلخ)
ولهذا لا تعجب إذا علمت أن الشاطبي وهو أشعري كان منسجما مع عقيدته حين جعل المولد النبوي بدعة..
يتبع بحول الله تعالى


* * *
رابط النقاش في ملتقى المذاهب الفقهية
http://www.mmf-4.com/vb/t513.html#post28631

أبو القاسم
2010-05-22, 08:42 PM
الأخوة الكرام بارك الله فيكم أنا لست أبا القاسم
أنا فقط نقلت لكم هذا الموضوع للفائدة بعد أن استأذنت منه بنقل ردوده ومواضيعه
في مواقع وملتقيات أخرى .

أسـامة
2010-05-26, 12:33 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قرأت منذ فترة ردوده في أكثر من موضوع حول النقطة نفسها ومسائل قريبة منها، وفيها تأصيل قوي.
فجزاكم الله خيرًا على هذا الجمع الموفق والخلاصة الطيبة.
ونسأل الله أن يعجل بشفاء أبي القاسم وأن يرجع بمعاوله على بنيان الشبهات فيهدها هدًا بإذن الله.
نفع الله بكم، وأجزل لكم المثوبة.

ربوع الإسـلام
2010-05-28, 05:13 AM
شفاه الله تعالى ، وأعظم له الأجر ، وأحسن إليه ، وزاده علمًا وفقهًا ..