تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : « اللَّـهُ غني عن عبادتنا ... فلماذا خلقنا ؟ »



سلمان أبو زيد
2007-08-02, 11:20 PM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، أسعد اللَّـه أوقاتكم بكل خير.

« اللَّـهُ غني عن عبادتنا .. فلماذا خلقنا ؟ ،
لصاحب الفضيلة العلاّمة عبد الرّحمن بن نَاصر البَرَّاك »

الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :

فقد بيّن سبحانه وتعالى حكمته من خَلقِ السماوات والأرض، وخلقِ ما على الأرض وخَلقِ الموتِ والحياة، وهي الابتلاء للجن والإنس، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [هود: 7]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [الكهف: 7]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2].

فعُلم من هذه الآياتِ أن الله خلق ما خلق لابتلاء العباد ليتبين من يكونُ منهم أحسنَ عملاً، ويظهرُ ذلك في الواقع حقيقة موجودة، بل بيّن سبحانه في كتابه أن ما يجري في الوجود من النعم والمصائب لنفس الحكمة وهي الابتلاء الذي يُذكر أحياناً بلفظ الفتنة، قال الله تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2].
فبهذا الابتلاءِ يتبينُ الصادقُ من الكاذبِ، والمؤمن من الكافر مما هو معلوم للرب قبل ظهوره في الواقع، وقد أخبر سبحانه وتعالى في موضع من القرآن أنه خلقَ الناسَ ليختلفوا ويكونُ منهم المؤمن والكافر، ويترتبُ على ذلك ما يترتبُ من ابتلاءِ الفريقين بعضهم ببعض، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 117، 118]، وقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53]. وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 4].

وبيّن سبحانه وتعالى أن من حكمته في القتال بين المؤمنين والكافرين ومداولة الأيامِ ما ذكره في قوله: ﴿ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140- 141].
وأما قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]
فقد قيل: إن المعنى لآمرهم وأنهاهم فيعبدوني، وأمره ونهيه سبحانه وتعالى هو ما بعث به رسله، وفي هذا ابتلاء للعباد يكشف به حقائقهم حتى يميز الله الخبيث من الطيب، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 4]، وقال تعالى: ﴿ مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 179].

وقد ذكر سبحانه أن من حكمته من خلق السماوات والأرض أن يعلم العباد كمال علمه وقدرته قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ [الطلاق: 12] ولم يكن خلقُ الله لآدم أو للجن والإنس لحاجةٍ به إليهم ولا لحاجةٍ إلى عبادتهم –كما توهم السائل- بل لا حاجةَ به إلى عبادة الملائكة ولا غيرهم؛ لأنه الغني بذاته عن كل ما سواه، لكنه تعالى يحب من عباده أن يعبدوه ويطيعوه، وعبادته هي محبته والذل لـه والافتقار إليه سبحانه، ونفع ذلك عائد إليهم.

كما جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخْيَط إذا أدخل البحر" رواه مسلم (2577).

وقول القائل : ( إذا كانت الملائكة قد عبدتِ -اللهَ عز وجل- قبل خلق البشر، فلماذا خُلق البشر؟ )

جوابه في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، فقوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ يتضمن أن لـه حكمة في خلق آدم واستخلافه في الأرض، وإن كان يحصل من بعض ذريته ما يحصل من الإفساد وسفك الدماء، قال تعالى: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ إلى قوله عن الملائكة: ﴿ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [ البقرة32].

فقد تبين مما تقدم أن قول القائل: "نحن المسلمين نعلم أن الإنسان خُلق لسبب واحد وهو عبادة الله وحده" ليس بصحيح؛ لأن الله بيّن أنه خلق الجن والإنس لعبادته، وليبتليهم بأنواع الابتلاء، وليعرفوه بأسمائه وصفاته كما تقدم ذكر ما يدل على ذلك كله، والله أعلم.

لم يكن خلقُ الله لآدم أو للجن والإنس لحاجةٍ به إليهم ولا لحاجةٍ إلى عبادتهم –كما توهم السائل- بل لا حاجةَ به إلى عبادة الملائكة ولا غيرهم..

سلمان أبو زيد
2007-08-02, 11:22 PM
المصدر : موقع العلاّمة عبد الرّحمن بن نَاصر البَرَّاك ـ سلَّمـه اللَّـهُ ـ .

عبدالملك السبيعي
2007-08-03, 01:25 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عندي بعض الأسئلة التي لا أعرف إجاباتها ، أو استشكل شيء من كلام الشيخ
فهل يُسمح لي بطرحها ؟

فريد المرادي
2007-10-29, 08:39 PM
جزى الله خيراً الشيخ العلامة عبد الرحمن البراك ، و نفع به و بالأخ الفاضل سلمان أبو زيد ...






« اللَّـهُ غني عن عبادتنا .. فلماذا خلقنا ؟ »
بيّن [ الله ] أنه خلق الجن والإنس لعبادته، وليبتليهم بأنواع الابتلاء، وليعرفوه بأسمائه وصفاته ... ، والله أعلم.

لم يكن خلقُ الله لآدم أو للجن والإنس لحاجةٍ به إليهم ولا لحاجةٍ إلى عبادتهم ... بل لا حاجةَ به إلى عبادة الملائكة ولا غيرهم..

مهند المعتبي
2007-10-30, 01:19 AM
جزاكم اللهُ خيراً أخانا الفاضلَ / سلمان أبو زيد

حارث الهمام
2007-10-30, 09:47 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي بعض الأسئلة التي لا أعرف إجاباتها ، أو استشكل شيء من كلام الشيخ
فهل يُسمح لي بطرحها ؟

لا أظن أن ثم مانع إن كان القصد الانتفاع بما عند الإخوان ومدارستهم.

وإن شئت سؤال الشيخ نفسه، فيمكنك طرح سؤالك عبر موقع البث الإسلامي والضغط على عنوان درسه بعد الفجر (الرياض) ومن ثم إرسال السؤال والشيخ يجيب على السؤال في نفس الدرس وهذا رابط درسه:

http://www.liveislam.net/

عبدالملك السبيعي
2007-10-31, 10:58 AM
جزاك الله خيرا أخي حارث
وقد وجدت ما أطلب
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=9905

ابن رجب
2007-10-31, 11:07 AM
جزاكم الله خيرا ياشيخ سليمان ,
واحسن الله اليكم ابا ادهم ,,

نضال مشهود
2007-10-31, 01:33 PM
للفائدة - بارك الله فيكم

قلب طيب
2009-09-27, 07:38 PM
جزاكم الله خيرا على هذا النقل القيم .

نضال مشهود
2009-09-28, 08:26 AM
فقد تبين مما تقدم أن قول القائل: "نحن المسلمون نعلم أن الإنسان خُلق لسبب واحد وهو عبادة الله وحده" ليس بصحيح؛ لأن الله بيّن أنه خلق الجن والإنس لعبادته، وليبتليهم بأنواع الابتلاء، وليعرفوه بأسمائه وصفاته كما تقدم ذكر ما يدل على ذلك كله، والله أعلم.

هذا الجزء من كلام الشيخ فيه نظر ،
فإنه لا منافاة بين الابتلاء والتعريف بالأسماء والصفات وبين (إرادة العبادة منهم) أو (الأمر بالعبادة) . . . إذ نفس الأمر بالعبادة هو الابتلاء ، ونفس التعرف على الأسماء والصفات هو لب العبادات . فكيف يقال إن هذا صحيح وذاك خطأ مع اتحاد المدلول أو كون أحدهما ضمن الآخر ولازمه ؟؟

قول القائل (إن الإنسان خُلق لسبب واحد وهو عبادة الله وحده) صحيح لا خلل فيه ، وهو مثل قول الله تعالى: فففوما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونققق . فهذه الآية إن أريد بها الأمر الشرعي الديني لا الكوني القدري ، فذاك القول أيضا أريد به ذلك ولا فرق . وإن أريد به غيره فالكلام فيه واحد . وما أجيب به هنا عما قد يستشكل في الآية ، فالجواب في ذاك القول أيضا كذلك .

والقول الجامع أن الله فعل الأفعال وخلق الأكوان لحكمة يحبها هو ومقاصد يرضاها ، فترجع جميع الغايات من خلق الكائنات إلى حبه تعالى لنفسه وذاته ، فهو الودود الحميد المجيد يثني على نفسه لا يحصي العباد ثناء عليه جل جلاله سبحانه .