المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأسْبابُ الفاسدةُ والدواعي الواهِيةُ للبدءِ بكبارِ العلمِ قبلَ صِغارِه !



مهند المعتبي
2007-08-02, 08:26 AM
هذه الأسباب ـ أيها الأحبة ـ من كلام أبي الحسن الماوردي في ( أدب الدنيا والدين ) أفردته هنا ؛ لأهميته ، وحتى لا يطول الانتقاء في الموضوع الذي كتبته ( المنتقى من أدب الدنيا والدين ) في هذا المجلس .

[ الأسباب الفاسدة والدواعي الواهية للبدء بكبار العلم قبل صغاره ]

1 ـ أَنْ يَكُونَ فِي النَّفْسِ أَغْرَاضٌ تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ فَيَدْعُو الْغَرَضُ إلَى قَصْدِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَيَعْدِلُ عَنْ مُقَدِّمَاتِهِ ، كَرَجُلٍ يُؤْثِرُ الْقَضَاءَ وَيَتَصَدَّى لِلْحُكْمِ فَيَقْصِدُ مِنْ عِلْمِ الْفِقْهِ أَدَبَ الْقَاضِي وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ ، أَوْ يُحِبُّ الِاتِّسَامَ بِالشَّهَادَةِ فَيَتَعَلَّمُ كِتَابَ الشَّهَادَاتِ فَيَصِيرُ مَوْسُومًا بِجَهْلِ مَا يُعَانِي .
فَإِذَا أَدْرَكَ ذَلِكَ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ حَازَ مِنْ الْعِلْمِ جُمْهُورَهُ ، وَأَدْرَكَ مِنْهُ مَشْهُورَهُ ، وَلَمْ يَرَ مَا بَقِيَ مِنْهُ إلَّا غَامِضًا طَلَبُهُ عَنَاءٌ ، وَغَوِيصًا اسْتِخْرَاجُهُ فَنَاءٌ ؛ لِقُصُورِ هِمَّتِهِ عَلَى مَا أَدْرَكَ ، وَانْصِرَافِهَا عَمَّا تَرَكَ .

2 ـ أَنْ يُحِبَّ الِاشْتِهَارَ بِالْعِلْمِ إمَّا لِتَكَسُّبٍ أَوْ لِتَجَمُّلٍ فَيَقْصِدُ مِنْ الْعِلْمِ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَدَلِ وَطَرِيقِ النَّظَرِ ، وَيَتَعَاطَى عِلْمَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ دُونَ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ ؛ لِيُنَاظِرَ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْوِفَاقَ ، وَيُجَادِلَ الْخُصُومَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَذْهَبًا مَخْصُوصًا .
وَلَقَدْ رَأَيْت مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ عَدَدًا قَدْ تَحَقَّقُوا بِالْعِلْمِ تَحَقُّقَ الْمُتَكَلِّفِي نَ ، وَاشْتُهِرُوا بِهِ اشْتِهَارَ الْمُتَبَحِّرِي نَ ، إذَا أَخَذُوا فِي مُنَاظَرَةِ الْخُصُومِ ظَهَرَ كَلَامُهُمْ ، وَإِذَا سُئِلُوا عَنْ وَاضِحِ مَذْهَبِهِمْ ضَلَّتْ أَفْهَامُهُمْ ، حَتَّى إنَّهُمْ لَيَخْبِطُونَ فِي الْجَوَابِ خَبْطَ عَشْوَاءِ فَلَا يَظْهَرُ لَهُمْ صَوَابٌ ، وَلَا يَتَقَرَّرُ لَهُمْ جَوَابٌ .
وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ نَقْصًا إذَا نَمَّقُوا فِي الْمَجَالِسِ كَلَامًا مَوْصُوفًا ، وَلَفَّقُوا عَلَى الْمُخَالِفِ حِجَابًا مَأْلُوفًا .
وَقَدْ جَهِلُوا مِنْ الْمَذَاهِبِ مَا يَعْلَمُ الْمُبْتَدِئُ وَيَتَدَاوَلُهُ النَّاشِئُ .
فَهُمْ دَائِمًا فِي لَغَطٍ مُضِلٍّ ، أَوْ غَلَطٍ مُذِلٍّ وَرَأَيْت قَوْمًا مِنْهُمْ يَرَوْنَ الِاشْتِغَالَ بِالْمَذَاهِبِ تَكَلُّفًا ، وَالِاسْتِكْثَا رَ مِنْهُ تَخَلُّفًا .
وَحَاجَّنِي بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ : لِأَنَّ عِلْمَ حَافِظِ الْمَذَاهِبِ مَسْتُورٌ ، وَعِلْمُ الْمَنَاظِرِ عَلَيْهِ مَشْهُورٌ .
فَقُلْت : فَكَيْفَ يَكُونُ عِلْمُ حَافِظِ الْمَذْهَبِ مَسْتُورًا وَهُوَ سَرِيعٌ عَلَيْهِ الْجَوَابُ ، كَثِيرُ الصَّوَابِ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسْأَلْ سَكَتَ فَلَمْ يُعْرَفْ ، وَالْمَنَاظِرُ إنْ لَمْ يَسْأَلْ سَائِلٌ يُعْرَفُ .
فَقُلْت : أَلَيْسَ إذَا سُئِلَ الْحَافِظُ فَأَصَابَ بَانَ فَضْلُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قُلْت : أَفَلَيْسَ إذَا سُئِلَ الْمَنَاظِرُ فَأَخْطَأَ بَانَ نَقْصُهُ ، وَقَدْ قِيلَ : عِنْدَ الِامْتِحَانِ يُكْرَمُ الْمَرْءُ أَوْ يُهَانُ ؟ فَأَمْسَكَ عَنْ جَوَابِي ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ كَابَرَ الْمَعْقُولَ ، وَلَوْ اعْتَرَفَ لَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ .
وَالْإِمْسَاكُ إذْعَانٌ وَالسُّكُوتُ رِضًى ، وَأَنْ يَنْقَادَ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ أَنْ
يَسْتَفِزَّهُ الْبَاطِلُ .
وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ يَقُولُ اعْرَفُونِي وَهُوَ غَيْرُ عَرُوفٍ وَلَا مَعْرُوفٍ وَبَعِيدٌ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْعِلْمَ أَنْ يَعْرِفَهُ .
3 ـ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ التَّعَلُّمِ فِي الصِّغَرِ ، ثُمَّ يَشْتَغِلَ بِهِ فِي الْكِبَرِ فَيَسْتَحِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِمَا يَبْتَدِئُ الصَّغِيرُ ، وَيَسْتَنْكِفُ أَنْ يُسَاوِيَهُ الْحَدَثُ الْغَرِيرُ ، فَيَبْدَأُ بِأَوَاخِرِ الْعُلُومِ ، وَأَطْرَافِهَا ، وَيَهْتَمُّ بِحَوَاشِيهَا ، وَأَكْنَافِهَا ؛ لِيَتَقَدَّمَ عَلَى الصَّغِيرِ الْمُبْتَدِي ، وَيُسَاوِيَ الْكَبِيرَ الْمُنْتَهِي .
وَهَذَا مِمَّنْ رَضِيَ بِخِدَاعِ نَفْسِهِ ، وَقَنَعَ بِمُدَاهَنَةِ حِسِّهِ ؛ لِأَنَّ مَعْقُولَهُ إنْ أَحَسَّ وَمَعْقُولَ كُلِّ ذِي حِسٍّ يَشْهَدُ بِفَسَادِ هَذَا التَّصَوُّرِ ، وَيَنْطِقُ بِاخْتِلَالِ هَذَا التَّخَيُّلِ ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَقُومُ فِي وَهْمٍ .
وَجَهْلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ الْمُتَعَلِّمُ أَقْبَحُ مِنْ جَهْلِ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْعَالِمُ .

محبكم : أبو ريان .

المسيطير
2007-08-03, 01:57 AM
الأخ الحبيب / أباريان

بارك الله فيك .....

وأسأل الله أن يهدي قلوبنا ، ويصلح نياتنا ، ويغفر زللنا وتقصيرنا .

ابن رجب
2007-08-03, 02:19 AM
شكرا لك ... بارك الله فيك ...

مهند المعتبي
2007-08-04, 07:12 AM
شيخنا الحبيب / أبا محمد سامي ...
وفيك بارك الله ...
أخي الفاضل ابن رجب ،،
جزاك الله خيراً ،، وختم لك شهر ( رجب ) على خير ، وجعل آخر ساعات الشهر فائدة جليلة من الحافظ ابن رجب تفتح لك آفاقاً في العلم والعمل ! (ابتسامة) ..

على فكرة : لم أفهم قولك : ( الكاتب ليس ابن رجب ) ..
هل تقصد أن التوقيع ليس لابن رجب ؟!

إمام الأندلس
2008-01-03, 04:04 PM
بارك الله فيك ..

ابن رجب
2008-01-03, 04:31 PM
شيخنا الحبيب / أبا محمد سامي ...
وفيك بارك الله ...
أخي الفاضل ابن رجب ،،
جزاك الله خيراً ،، وختم لك شهر ( رجب ) على خير ، وجعل آخر ساعات الشهر فائدة جليلة من الحافظ ابن رجب تفتح لك آفاقاً في العلم والعمل ! (ابتسامة) ..
على فكرة : لم أفهم قولك : ( الكاتب ليس ابن رجب ) ..
هل تقصد أن التوقيع ليس لابن رجب ؟!

واياكم ابا ريــــــــــان مع أنك مفقود إبتسامة ,,
بالنسبة للسؤال عن التوقيع فقد سالني الكثير الجواب ..................,,

أشرف بن محمد
2008-01-03, 04:46 PM
ايه الماودري وما أدراك ما الماوردي .. تحية إجلال وتقدير لهذا العالِم الجليل .. ونسأل الله تعالى أن يتجاوز عنَّا وعنه، وأن يغفر لنا وله .. قلمٌ سيَّال .. عقليَّةٌ بلغت من التنظيم والترتيب والدقَّة والإبداع الغاية .. إنْ استطعت أنْ تَجمع جميع الدراسات التي تناولت هذا العَلَم من أوجهٍ شتَّى، فلا تنسى إخوانك من نُسخةٍ مصوَّرة تقرّ أعينهم بها.
والسلام.

أبو شيماء الطالب
2008-01-03, 10:09 PM
واياكم ابا ريــــــــــان مع أنك مفقود إبتسامة ,,

بارك الله فيك أخي ابن رجب .
والأخ : مهند المعتبي قد انقطع تقريبا عن المشاركة ، لكنه رد أمس على التهاني هنا وفي ملتقى أهل الحديث .

أشرف بن محمد
2008-01-04, 12:54 AM
[تنبيه]
مشاركتي برقم (7) ليست موجَّهة إلى الأخ العزيز مهند المعتبي، بل هي لكل قارىء بعامَّة، وإن شاء الله تعالى نُفرِد "الماوردي" بموضوع مستقل.

محمد طه شعبان
2013-07-26, 07:10 PM
جزاكم الله خيرًا