المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد على صاحب إطلالة على مصطلح حشوية



أبوقتادة وليد الأموي
2010-03-20, 10:30 PM
السَيْفُ المَصْقُول
في الرَّدِّ عَلَى الأَزْهَرِيِّ المَجْهُول
( رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ "" التُّحَفَةُ الأَزْهَرِيَّة ،إِطْلَالَةٌ عَلَى مُصْطَلَحِ حَشَوِيَّة "")
وَمَعَهُ
تَذْييلٌ بالرَّدِّ عَلَى السُّبْكِيِّ وَالكَوْثَرِيِّ في تَعَقْبِهُمَا للإمامِ ابنِ القَيِّمِ


كَتَبَهُ
وَلِيـدُ بنُ حُسْنِي بنِ بَدَوِي بنِ مُحَمَّدٍ الأُمَوِيُّ
عفا الله عنه


قَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيَّمِ - رَحِمَهُ اللهُ - في القصيدة النونية :
يا واردَ القلُّوطِ [ ] ويحك لو ترى ماذا على شفتيك والأسنانِ
يا واردَ القلُّوطِ طَهِّرْ فاك من خَبَثٍ به واغسله من أنتانِ
أو ما ترى آثارها في القلـ ـبِ والنَّياتِ والأعمالِ والأركانِ
لو طاب منك الوردُ طابت كلها أنى تطيبُ مواردُ الأنتانِ
يا شاتمَ الحشويَّ حشوَ الـ ـدينِ والقرآنِ والآثارِ والإيمانِ
أهلاً بهم حشوَ الهدى وسواهم حشوُ الضلالِ فما هما سيانِ
أهلاً بهم حشوَ اليقينِ وغيرهم حشوُ الشُّكُوكِ فما هما صنوانِ
أهلاً بهم حشوَ المساجدِ والسِّوى حشوُ الكنيفِ فما هما عدلانِ
أهلاً بهم حشوَ الجنانِ وغيرُهم حشوُ الجحيمِ أيستوي الحشوانِ
يا واردَ القلُّوط ويحك لو تـ ـرى الحشويَّ واردَ منهل الفرقانِ
وتراه من رأس الشريعة شاربا من كف من قد جاء بالفرقان
وتراه يسقي الناس فضلة كأسه وختامها مسك على ريحان
لعذرته أن بال في القلوط لم يشرب به مع جملة العميان
يا وارد القلوط لا تكسل فرأ س الماء فاقصده قريب دان
هو منهلٌ سهلٌ قريبٌ واسعٌ كافٍ إذا نزلت به الثقلانِ
واللهِ ليس بأصعبِ الوردين بل هو أسهلُ الوردين للظمآنِ


وقال :
ومن العجائب قولهم لمن اقتدى بالوحي من أثر ومن قرآن
حشوية يعنون حشواً في الوجو د وفضلة في أمة الإنسان
ويظن جاهلهم بأنهم حشوا رب العباد بداخل الأكوان
إذ قولهم فوق العباد وفي السما ءِ الرب ذو الملكوت والسلطان
ظن الحمير بأنه في الظرف والر حمن محوى بظرف مكان
والله لم يسمع نداً من فرقة قالته في زمن من الأزمان
لا تبهتوا أهل الحديث به فما ذا قولهم تباً لذي البهتان
بل قولهم أن السموات العلى في كف خالق هذه الأكوان
حقا كخردلة ترى في كف ممسكها تعالى الله ذو السطان
أترونه المحصور بعد أم السما يا قومنا ارتدعوا عن العداون
كم ذا مشبهة وكم حشوية فالبهت لا يخفى على الرحمن
يا قوم إن كان الكتاب وسنة الـ مختار حشواً فاشهدوا ببيان
أنا بحمد إلاهنا حشوية صرف بلا جحد ولا كتمان
تدرون من سمت شيوخكم بهذا الاسم في الماضي من الأزمان
سمى به ابن عبيد عبدالله ذا ك ابن الخليفة طارد الشيطان
فورثتم عمراً كما ورثوا لعبد الله أنى يستوي الإرثان
تدرون من أولى بهذا الاسم وهـ ـو مناسب أحواله بوزان
من قد حشا الأوراق والأذهان من بدع تخالف موجب القرآن
هذا هو الحشوي لأ أهل الحد يث أئمة الاسلام والايمان
وردوا عذاب مناهل السنن التي ليست زبالة هذه الأذهان
وردتم القلوط مجرى كل ذي الـ ـأوساخ والأقذار والأنتان
وكسلتم أن تصعدوا للورد من رأس الشريعة خيبة الكسلان


وقال :
سموهم حشوية ونوابتاً ومجسمين وعابدي أوثان
وكذاك أعداء الرسول وصحبه وهم الروافض أهبث الحيوان
نصبوا العداوة للصحابة ثم سموا بالنواصب شيعة الرحمن
وكذا المعطل شبه الرحمن بالـ معدوم فاجتمعت له الوصفان


مُقَدَّمَةٌ
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : فقد تناهت إلي مقالة موسومة بـ(التحفة الأزهرية إطلالة على مصطلح حشوية )[ ] لمؤلف مجهول العين والحال ! فألفيته كما قال ابن عبد الهادي في سلف ذلك المجهول[ ] : ((رأيت مؤلف هذا الكتاب المذكور رجلاً ممارياً معجباً برأيه متبعاً لهواه ذاهباً في كثير مما يعتقده إلى الأقوال الشاذة والآراء الساقطة ، صائراً في أشياء مما يعتمده إلى الشبه المخيلة والحجج الداحضة ، وربما خرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها ولم يوافقه أحد من الأئمة عليها . وهو من الجملة لون عجيب وبناء غريب تارة يسلك فيما ينصره ويقويه مسلك المجتهدين فيكون مخطئاً في ذلك الاجتهاد ومرة يزعم فيما يقول ويدعيه أنه من جملة المقلدين ،فيكون من قلده مخطئاً في ذلك الاعتقاد ، نسأل الله سبحانه أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا الهداية والسداد ))اهـ
ويعجبني في حكاية حالي قول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه : ((الإعراضُ عن القولِ المطرحِ أحري لإماتتِه وإخمالِ ذكرِ قائلِه وأجدُرُ ألَّا يكونَ ذلك تنبيهاً للجهال عليه غير أنَّا لمَّا تخوفنا من شرورِ العواقبِ واغترارِ الجهلةِ بمُحْدَثاتِ الأمورِ وإسراعِهم إلي اعتقادِ خطإِ المخطئين والأقوالِ الساقطةِ عند العلماءِ رأينا الكشفَ - عن فسادِ قولِه ورد مقالِته بقدرِ ما يليقُ بها من الردِ - أجدي علي الأنامِ وأحمدَ للعاقبةِ إن شاءَ اللهُ )) انتهي
وقد رأيت التذييل بالرد على ما افتراه السبكي في كتابه ( السيف الصقيل في الرد علي ابن زفيل ) حول ما يتعلق بموضوع المقالة وكذلك ما حَشَّى به الكوثري حواشيه مما يتعلق بذلك . رأيت ذلك التذييل مفيداً وكذلك الرد على فتوى السبكي لأن في الاكتفاء بالرد على ذلك المجهول تشهيراً به وإذاعة له وهو أدني من ذلك كما قال ابن القيم :
إنَّ الكلامَ مع الكبارِ وليسَ مَعْ تلك الأراذلِ سِفْلةِ الحيوانِ
أوساخِ هذا الخلقِ بل أنتانِه جيفِ الوجودِ وأخبثِ الإنسانِ
الطالبين دماءَ أهلِ العِلمِ بالـ كفرانِ والعُدوانِ والبُهتانِ
الشاتمي أهلِ الحديثِ عداوةً للسُّنةِ العليا مع القرآنِِ
جعلوا مسبتهَم طعامَ حُلُوقِهم فاللهُ يقطعُها من الأذقانِ


والله المستعان في الرد علي باطل ذلك المجهول لفظة لفظة لعل الله أن يهدي بذلك متطلباً لهداية أو راغباً في سلامة والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


الرَّدُّ عَلَى الإِطْلَالَةِ
قال المجهول : ((قال ابن تيمية كما في ( المنتقى من منهاج السنة ) ط 1418هـ أوقاف المملكة ص122 ( والكتاب والسنة ليس فيهما ، لفظة ( ناصبة ) ولا ( مشبهة ) ولا ( حشوية ) بل ولا فيهما لفظ ( رافضي ) فنحن إذا قلنا ( رافضة ) نذكره للتعريف ، لدخول أنواع مذمومة بالنص فيه ، فيبقى علما على هؤلاء الجهلة الذين عدموا الصدق والتوفيق )) اهـ . فإذا علمت هذا بان لك أن كل هذه الألفاظ ليست في الكتاب ولا السنة فكيف جاز إطلاقها ؟؟ نعم لا مشاحة في الاصطلاح وهذا ما عناه ابن تيمية .فإن قلت : ( الحشوية ) أطلقته المعتزلة أولاً .فالجواب من وجوه : أولاً : كلمة ( الرافضة ) أول من أطلقها الزيدية أيضاً وهم يرون الخروج أولاً، ثم هم على رأي واصل بن عطاء ثانياً ، فلو لم يجز إطلاق حشوية لأن أول من نطق بها المعتزلة وهم مبتدعة ، لما جاز إطلاق رافضة لأن أول من أطلقها الزيدية ، فالجواب على هذا هو جوابنا على ذاك ))اهـ
قلت : يتبع الكاتب سنة خبيثة من سنن سلفه متكلمة أهل الأهواء في تأليف أقيسة من منتاقضات ؛ فهو يضع ألفاظ ( الناصبة ، والمشبهة ، والرافضة ) - التي ارتضتها كافة الفرق الصفاتية المنسوبة إلي السنة في الجملة كالأشاعرة والكلابية لتعيب بها أهل الأهواء - كمقيس عليه ويجعل لفظة ( الحشوية ) - التي لم ترتضها فرقة صفاتية واحدة لا سالمية ولا كلابية ولا كرامية ولا أشعرية لتعيب بها أهل البدع - كمقيس ثم يحصل ناتجاً لمتناقضين ويحسب أنه يحسن صنعاً .
وحاله في ذلك القياس السفسطائي تذكرني بحال سلفه الكرابيسى لما ألف كتابه ( المدلسين ) وانتصر للحسن بن صالح علي شعبة وغيره من أئمة الحديث قائلاً[ ] : (( إن قلت إن الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج )) اهـ فيقيس الحسن بن صالح علي عبد الله بن الزبير ولما يدر بعد البون الشاسع بينهما رتبة وعلماً وفضلاً ...إلخ فلما بلغ ذلك أحمد بن حنبل قال : ((هذا قد جمع للمخالفين مالم يحسنوا أن يحتجوا به ، حذروا عن هذا )) ونهى عنه .
ومن جهل ذلك المفتون الجاهل بالمقالات والفرق أنه لم يدر أن المعتزلة إنما اخترعت لفظ ( الحشوية ) لتسم به ( الفرق الصفاتية ) كافة من سالمية وأهوازية وكلابية وأشعرية وأهل حديث فكل من أثبت الصفات عندهم فهو حشوي ولذا قال ابن النديم في الفهرست ( ص : 254 ) : (( الفن الثالث من المقالة الخامسة في أخبار العلماء وأسماء ما صنفوه من الكتب ويحتوي على أخبار متكلمي المجبرة وبابية الحشوية وأسماء كتبهم ..))اهـ
وقال في ترجمة ابن كلاب أستاذ الأشعري ( ص : 255 ) : (( ابن كلاب من بابية الحشوية وهو عبد الله بن محمد بن كلاب القطان ...))اهـ ثم ترجم لجماعة منهم الكرابيسي وأبو محمد قاضي السنة .
فجعل ابن النديم من الحشوية من كان كلابياً ؛ولذا قال الجاحظ في صدر كتابه ( خلق القرآن ) : " كتبت لك كتاباً، أجهدت فيه نفسي، وبلغت منه أقصى ما يمكن مثلي في الاحتجاج للقرآن، والرد على كل طعان. فلم أدع فيه مسألة لرافضي، ولا لحديثي، ولا لحشوي، ولا لكافر مباد، ولا لمنافق مقموع، ولا لأصحاب النظّام، ولمن نجم بعد النظّام، ممن يزعم أن القرآن خلق، وليس تأليفه بحجة، وأنه تنزيل وليس ببرهان ولا دلالة،فلما ظننت أني قد بلغت أقصى محبتك، وأتيت على معنى صفتك، أتاني كتابك تذكر أنك لم ترد الاحتجاج لنظم القرآن، وإنما أردت الاحتجاج لخلق القرآن. وكانت مسألتك مبهمة، ولم أك أن أحدث لك فيها تأليفاً، فكتبت لك أشق الكتابين وأثقلهما، وأغمضهما معنىً وأطولهما، ولولا ما اعتللت به من اعتراض الرافضة، واحتجاج القوم علينا بمذهب معمر، وأبي كلدة، وعبد الحميد، وثمامة، وكل من زعم أن أفعال الطبيعة مخلوقة على المجاز دون الحقيقة، وأن متكلمي الحشوية والنابتة قد صار لهم بمناظرة أصحابنا، وبقراءة كتبنا بعض الفطنة لما كتبت لك، رغبة بك عن أقدارهم، وضناً بالحكمة عن إعثارهم، وإنما يكتب على الخصوم والأكفاء، وللأولياء على الأعداء، ولمن يرى للنظر حقاً، وللعلم قدراً، وله في الإنصاف مذهب، وإلى المعرفة سبب " اهـ
فجعل مناظري أصحابه المعتزلة حشوية ومن أشد مناظري المعتزلة وقتئذ ابن كلاب وأتباعه ومنهم الأشعري وغيره .وما أكثر أن يقرن الجاحظ وأذياله بين المشبهة والحشوية والنابتة فيسم بذلك كل من أثبت الرؤية والكلام ونحوهما لله تعالى وذلك بين في كتابه في الرد علي المشبهة .
ولذا قال الحافظ في ( لسان الميزان 3 / 290) : " فنقل عن محمد بن إسحاق النديم في الفهرست فقال كان من بابية الحشوية وله مع عباد بن سليمان مناظرات وكان يقول أن كلام الله هو الله فكان عباد يقول أنه نصراني بهذا القول قال المصنف في تاريخه كان بعد الأربعين ومائتين قلت وقد ذكره العبادي في الفقهاء الشافعية مختصراً فقال عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان ونقل الحاكم في تاريخه عن ابن خزيمة أنه كان يعيب مذهب الكلابية ويذكر عن أحمد بن حنبل أنه كان أشد الناس على عبد الله بن سعيد وأصحابه ويقال أنه قيل له ابن كلاب لأنه كان يخطف الذي يناظره وهو بضم الكاف تشديد اللام وقول الضياء إنه كان أخا يحيى بن سعيد القطان غلط وإنما هو من توافق الاسمين والنسبة وقول ابن النديم إنه من الحشوية يريد من يكون على طريق السلف في ترك التأويل للآيات والأحاديث المتعلقة بالصفات ويقال لهم المفوضة وعلى طريقته مشى الأشعري في كتاب الإبانة " اهـ
وقال (لسان الميزان 5 / 72 ):" قد ذكر له الذهبي ترجمة في تاريخ الإسلام فيمن لم يعرف له وحده على رأس الأربع مائة فقال محمد بن إسحاق ابن النديم أبو الفرج الأخباري الأديب الشيعي المعتزلي ذكر أنه صنف الفهرست سنة سبع وسبعين وثلاث مائة قال ولا أعلم متى توفي قلت ورأيت في الفهرست موضعاً ذكر أنه كتب في سنة اثنتي عشرة وأربع مائة فهذا يدل على تأخيره إلى ذلك الزمان ولما طالعت كتابه ظهر لي أنه رافضي معتزلي فإنه يسمي أهل السنة الحشوية ويسمى الأشاعرة المجبرة ويسمي كل من لم يكن شيعياً عامياً " انتهى
فلينظر الكاتب المجهول كيف ساوى بين ما تعارف عليه المنتسبون للسنة في الجملة لنبز الفرق الضالة والأهواء المارقة وما اخترعته نفاة الصفات لنبز الصفاتية وأهل الأثر .
وأما قوله : ((فإن قلت : ( الحشوية ) أطلقته المعتزلة أولاً .فالجواب من وجوه : أولاً : كلمة ( الرافضة ) أول من أطلقها الزيدية أيضاً وهم يرون الخروج أولاً ، ثم هم على رأي واصل بن عطاء ثانياً ))اهـ فبائن تدليسه فإن الذي أطلق ذلك اللقب أعنى لقب الرافضة هو زيد بن الحسين في حق قوم رفضوا دين الله وسبوا الشيخين أبا بكر وعمر وهو في ذلك النبز مصيب، أيستوي هذا ونبز اخترعه ( عمرو بن عبيد ) في حق ( عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ) وهو في ذلك مخطئ ؟!
وأهل السنة وكتبة المقالات والآراء والأهواء والملل والنحل إذ يذكرون صنيع زيد في تسمية الرافضة بذلك يمدحونه ويعتبرون اصطلاحه بخلاف اصطلاح الحشوية الذي لم يمتدحه غير صنوفٍ من الناس سينجلي حالهم عن قريب هذا فضلاً عن أن تلك اللفظة غير محدودةٍ لا بشرعٍ ولا بعرفٍ ولا بلغةٍ ولا يشهد لها نصٌ صحيحٌ ولا عقلٌ صريحٌ ولا رأيٌ رجيحٌ كما سيأتي .
وشيخ الإسلام لم يرد ما فسره ذيالك المجهول ولا لاط قلبه علي شيء من تلك المعاني الفاسدة وسيأتي بيان ذلك عنه وإن يكن المجهول صادقاً فهو كما قال المتنبي :
وهبني قلت هذا الصبح ليلٌ أيعمى العالمون عن الضياء ؟!
ثم قال : ((ثانياً :القول بأن أول من أطلق حشوية هم المعتزلة ، مبناه على ما نقل من قول عمرو بن عبيد عن عبدالله بن عمر بأنه حشوي كما نقله ابن تيمية مقلداً لغيره وقد عبّر في منهاج السنة( 2/520 ) بلفظ : (( وقد قيل : إن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد ... )) و( قيل ) صيغة تمريض تفيد الضعف ، ولا يروى عن عمرو بن عبيد بإسناد صحيح !! ))انتهى
قلت : أما عن صيغة التمريض فغير مسلمة إلا لرجل قرأ نصاً وترك آخر عمداً أو جهلاً والأخير هو خبيئة طويتي ؛ فقد قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 3 / 186 و 12 / 176 ) : " وأول من تكلم بهذا عمرو بن عبيد وقال كان عبد الله بن عمر حشوياً فالمعتزلة سموا الجماعة حشواً كما تسميهم الرافضة الجمهور " اهـ
وهذه صيغة جزم لتقر عينك !
والذي يؤكد صحة إسنادها إليه التزام المعتزلة بها في نبز من وصف الله بصفة أو وحَّده بإثبات فعلٍ ومثل هذا يثبت بالاستفاضة لا بالأسانيد المخصوصة ثم أين الإسناد الصحيح على أن زيداً نبز الرافضة بما نبذهم ؟ هذا ثابت ولا يفتقر مثله إلى إسناد .ثم إنك قد أثبت نبز المعتزلة للأشاعرة بهذا اللقب ( الحشوية ) لما قلت : ((وقد تطلق بباطل كما يطلقها المعتزلة على جميع أهل السنة لا سيما الأشاعرة لفرط العداوة بينهم وبين المعتزلة ))اهـ فلم تعارض ثبوتَها عن مثل عمرو بن عبيد ؟! لم يضرك ثبوتُها في حق أهل ملتك من إطلاق المعتزلة وضرك كونها من عمرو بن عبيد !
ثم قال : (( ثالثاً:لا نسلم بأن عمرو بن عبيد أول من أطلقها لما نقل من إطلاق أهل السنة إياها في مجلس الحسن البصري ، ففي شرح المنهاج للإمام الإسنوي (1/309 ): فائدة : اختلف في الحشوية ، فقيل بإسكان الشين ، لأن منهم المجسمة ، والجسم محشو ، والمشهور أنه بفتحها ، نسبة إلى الحشا ، لأنهم كانوا يجلسون أمام الحسن البصري في حلقته فوجد كلامهم رديئاً فقال ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة ، أي جانبها ، والجانب يسمى حشا ومنه الأحشاء لجوانب البطن )) اهـ
قلت : الذين ذكر أن الحسن أوعز بفعل ذلك بهم على فرض صحة الحادثة من أصلها لم تثبت عنهم بدعة ولا حكيت لهم جريرة ولا حفظت فيهم مقالة وإنما ردهم إلى حشا المجلس سنة أهل العلم فيمن عرف عنه قلة الحظ من الفهم أو عدم نقاء القريحة فإنهم كانوا لا يصدِّرون روؤس المجالس إلا من اقتفى العلم والأثر ثلاثين سنة ؛ قال أبو عاصم النبيل :" سمعت سفيان الثوري وقد حضر مجلسه شاب من أهل العلم وهو يترأس ويتكلم ويتكبر بالعلم على من هو أكبر منه ، قال : فغضب سفيان وقال : لم يكن السلف هكذا ، كان أحدهم لا يدعي الإمامة ولا يجلس في الصدر حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة وأنت تتكبر على من هو أسن منك ، قم عني ولا أراك تدنو من مجلسي" اهـ من (المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي : ص 388 ) ولذا قال مالك في ( السير 8 / 108 ) : ((كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه )) اهـ وقال القعنبي( السير 10 / 259 ): ((اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة )) اهـ وكانوا رحمهم الله يقربون الأنجاب والأذكياء ويقصون السفل والمفرِّطين وعامة الناس ،ولذا قال في شرح الكوكب : ((وَسُمُّوا حَشْوِيَّةً ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي حَلْقَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَمَامَهُ.....إلخ ))اهـ الحاصل أن هذا المذهب هو المتعين في تخريج تلك الحكاية التي لا أجد للإسنوي وأمثاله عليها متابعاً .
وقد اختلف الناس في الحشوية أهي بفتح الشين أو بإسكانها فقال ابن الصلاح : إن الفتح غلط ولا يصح على ذلك تخريج حكاية الحسن لأنه قال بزعمهم ( ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة ) ونقل بعضهم ( حشي ) بدلاً من ( حشا ) وهو غير مشهور وضبطها بالوجهين الزركشي والبرماوي وغيرهما وعليه الإسنوي وقد ذكر التفصيل ....والله أعلم
ثم قال : ((فإن قلت : هذا نقل بلا سند ، قلنا : وذاك نقل بلا سند ، لكن هذا مشهور بصيغة الجزم ، وذاك غير مشهور بصيغة التمريض ، فأنت بين ثلاثة أمور ، إما الجمع بينهما ، أو الترجيح ، أو إسقاطهما والتوقف ))اهـ
قلت : هذا نقل بلا سند غير مستفيض ولا معروف لا في كتب المقالات ولا غيرها بل المحكي عنهم قوم لا جريرة مذكورة لهم وأما النقل عن عمرو بن عبيد فمستفيض ومحتمل وهو من هو رأساً للبدعة والضلالة . وأما عن صيغة التمريض فقد مر الجواب . وسبيل الرد في المسألة الأخيرة هو الترجيح .
ثم قال : ((أما الجمع فنقول عمرو بن عبيد كان أحد المعتزلين لحلقة الحسن البصري وأحد من لقبهم الناس من أهل السنة بالحشوية لرداءة كلامهم ))اهـ
قلت : وهذا تخرص بلا دليل ولا تعليل ولا قرينة صحيحة إنما هو محض التكهن الكاذب ( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) و ( ذلك مبلغهم من العلم ) .
ثم قال : (( فقال عمرو بن عبيد عن ابن عمر بأنه حشوي ، يقصد إن كان ما نقول في القدر ونحوه حشو فعبدالله بن عمر حشوي ، وهذا لسوء فهمه وضعف عقله ))اهـ
قلت : وهذا غلط فإن ابن عمر لا وجه لشبه كلامه بكلامهم في القدر البتة بل لما بلغته مقالتهم قال ليحيي بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن : (( إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنى برئ منهم وأنهم براء منى والذى يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر)) ثم ساق حديث جبريل الشهير . الحاصل أن هذا جمع لا يستقيم كما هو بين .
وقد ذكر العلامة عبد الرزاق عفيفي سبب ذلك النعت فقال في تعليقه على الإحكام للآمدي ( 1 / 229 ) : (( أول من استعمل لفظ الحشوية عمرو بن عبيد ؛ قال : كان عبد الله بن عمر حشوياً . يريد بالحشوية : الأميين !...)) اهـ
ثم قال المجهول : ((فيكون المعتزلة قابلوا بها أهل السنة بعد أن أطلقها عليهم أهل السنة ، كما فعل القدرية لما سماهم أهل السنة بذلك فقالوا لأهل السنة بل أنتم القدرية لأنكم تقولون بالقدر )) اهـ
قلت : وهذا إيغال في التخرص وتعمق في التكهن لا يستقيم مع اشتهار أن المعتزلة قد اخترعوا تلك اللفظة أولاً لا أهل السنة ولذا قال أبو حاتم : ((علامة الزنادقة تسميتهم لأهل الحديث حشوية )) اهـ
وقال الصابوني في اعتقاده ( بيان تلبيس الجهمية 1 / 106 تحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ): ((وعلامة أهل البدع شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه و سلم واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة )) اهـ
وقال في درء التعارض : ((ولكن هؤلاء الذين ابتدعوها يذمون من لم يسلكها من عوام المسلمين وعلمائهم ويسمونهم حشوية فإن لفظ الحشوية أول ما عرف الذم به من كلام المتعتزلة ونحوهم رووا عن عمرو بن عبيد أنه قال : كان عبد الله بن عمر حشوياً وهم يسمون العامة الحشو كما تسميهم الرافضة والفلاسفة الجمهور ويسمون مذهب الجماعة مذهب الحشو ))اهـ
وقال الإمام أبو إسماعيل الأصفهاني - رحمه الله - في كتابه " الحجة في بيان المحجة " ( 2 / 540 ) :
( . . وإذا رأيت الرجل يسمي أهل الحديث حشوية أو مشبهة أو ناصبة فاعلم أنه مبتدع ، وإذا رأيت الرجل ينفي صفات الله أو يشبهها بصفات المخلوقين فاعلم أنه ضال . قال علماء أهل السنة : ليس في الدنيا مبتدع إلا وقد نزع حلاوة الحديث من قلبه )اهـ
وقال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (1 / 424 - 425 ) : ((وأما طعن المتخصصين من أهل الرأي والمتكلمين ،فأنا أبين السبب فيه ليعرفه من لم يكن يدريه أما أهل الرأي فجل ما يحتجون به من الأخبار واهية الأصل ضعيفة عند العلماء بالنقل فإذا سُئلوا عنها بينوا حالها وأظهروا فسادها فشق عليهم إنكارهم إياهم وما قالوه في معناها وهم قد جعلوها عمدتهم واتخذوها عدتهم وكان فيها أكثر النصرة لمذاهبهم وأعظم العون على مقاصدهم ومآربهم فغير مستنكر طعنهم عليهم وإضافتهم أسباب النقص إليهم وترك قبول نصيحتهم في تعليلهم ورفض ما بينوه من جرحهم وتعديلهم لأنهم قد هدموا ما شيدوه وأبطلوا ما أمُّوه منه وقصدوه وعللوا ما ظنوا صحته واعتقدوه وأما المتكلمون : فهم معذورون فيما يظهرونه من الازدراء بهم والعيب لهم لما بينهم من التباين الباعث على البغضاء والتشاحن واعتقادهم في جل ما ينقلونه وعظم ما يروونه ويتداولونه إبطاله وإكفار الذين يصححونه وإعظامهم عليهم الفريَّة وتسميتهم لهم الحشويَّة , واعتقاد المحدثين في المتكلمين غير خاف على العلماء والمتعلمين )) انتهى
وفي " الغُنْيَة "للشيخ عبد القادر الجيلاني ( 1 / 85) أن الباطنية تسمي أهل الحديث " حشوية " لقولهم بالأخبار وتعلقهم بالآثار .
وهذه الكلمة مما نبذ بها الأشاعرةُ من بعدُ أهلَ السنة " كما صنع ابن الجويني إمام الحرمين في رده على كتاب (( الإبانة )) للحافظ أبي نصر السجزي ، و ذلك قبل أن يرجع ابن الجويني و يتمنى الموت على دين عجائز نيسابور ، و كما صنع ابن فورك في كتابه ( مشكل الحديث ) ، و إني و الله ما آسى على ابن فورك و إنما آسى على مسحوره البيهقي الذي امتلأ من تهويلات ابن فورك و غيره رعباً فاستسلم لهم و انقاد ورائهم "[ ] .
قلت : ومن ظرف أبي المعالي الجويني تلقيبه مخالفي قوله من النحاة بأنهم ( حشوية النحاة ) ! قال في البرهان ( 1 / 114 ) : (( وذهب بعض الحشوية من نحوية الكوفة إلى أن ( أو ) قد ترد بمعنى الواو العاطفة واستشهدوا بقوله سبحانه وتعالى وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ))اهـ وهذه قراءة حكاها الزمخشري وغيره ! قال في البحر : قرأ بذلك جعفر بن محمد ولم يستنكره أبو حيان .قلت : وإلى هذا ذهب الأخفش والجرمي وجمهور الكوفيين . الحاصل أنه رجل صاحب دعاوى ومغاليط كثير السهو والزلل وهو - أو أبوه - القائل : ((أَلَا تَرَى أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ( المولود سنة 164 هـ ) كَانَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ ( يعني بذلك الشافعي المولد سنة 150 هـ) ، وَكَانَ مُتَقَدِّمًا فِي الْعِلْمِ ، وَكَانَ يَأْخُذُ بِرِكَابِهِ فَيَتْبَعُهُ ، وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ ))اهـ
ثم قال المجهول : ((وأما الترجيح وهو بالقرائن أو بالشواهد ، فليس عندك ما يرجح قولك على قولنا ، فلا يكون قولك أولى من قولنا ، ونحن عندنا لأنا مثبتون لقولها من الأقدم وأنتم نافون ، والمثبت مقدم على النافي ، ولأن قولنا هو المشهور كما قال الإسنوي ، وقولكم غير مشهور ، ولأن أهل السنة أطلقوه على المبتدعة وهذا كله مرجح لقولنا دون قولكم ))اهـ
قلت : ليس لديك شاهد كما تقدم في إبطال تلك القعاقع والفراقع والدعاوي الفارغة وأما أن نكون نفاة لما لم يقع فذلك الأصل فمدار صدق حدوث الحادثة على النقل إذ الأصل عدم الحدوث ولذا فالنافي معه الأصل فقوله المقدم حتي يثبت خلافه وأما المثبت بلا دليل ولا قرينة فعلى قوله العفا وتربت يداه من الثرى . والإسنوى لم يحك قولك ثم قال إنه المشهور وإنما قال إن المشهور ( الحشوية ) بفتح الشين وهذا ليس موضع النزاع .وأما أن يكون أهل السنة أطلقوه على المبتدعة فأي أهل السنة أطلقه علي المبتدعة أيها المُعكِّس للحقائق؟ فاعرف السنة تعرف أهلها .
ثم قال : ((وأما التوقف في النقلين بإسقاطهما ، ثم النظر في غيرهما ، فقد وجدنا نحن من أطلقها من أهل السنة من أئمة أهل الحديث ، فقد روى الحاكم في ( علوم الحديث ) ص137 في باب ( معرفة مذاهب المحدثين ) وقد ذكر الجـهـمـيـة والقدرية والشيعة والإرجاء .. ثم قال : أخبرني أبو علي الحافظ قال أخبرني علي بن مسلم الإصبهاني قال حدثنا عقيل بن يحيى الإصبهاني قال سمعت أبا داود يقول : (( كان جرير بن حازم إذا قدم قال شعبة : قد جاءكم هذا الحشوي )) اهـ وهذا إسناد صحيح متصل ورجاله كلهم ثقات ، وقد روى هذا عبدالله بن أحمد في العلل والعقيلي في الضعفاء في ترجمة جرير ، وسنده كالشمس .فهذا شعبة إمام من أئمة أهل السنة أطلق هذا على جرير بن حازم )) انتهى
قلت :نعم ، هذا ثابت عن شعبة في حق جرير بن حازم ولكن ذلك من باب المشاكلة[ ] لا الجرح واللمز فكأن شعبة يقول : جاءكم مثبت الصفات لأن الجهمية يسمون مثبت صفات الله له بالحشوي والمشاكلة معروفة في كتاب الله قال الله تعالى ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) وفي الآثار ؛قال عمر في صلاة التراويح ( نعمت البدعة ) وروي عنه ( ما ابتدع المسلمون بدعة أفضل من صلاة الضحى ) ومثله عن ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة مع أنه القائل : (وقال ابن عمر – رضي الله عنهما – :" كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة !!" (6)، وفي شعر العرب ؛ قال عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ومن ذلك قول الشافعي ( رحمه الله ) :
إن كان رفضاً حب آل محمدٍ فليشهد الثقلان أني رافضي
ومنه قول الشاعر :
فإن كان ذنبي حبكم وولاءكم فإني مصرٌّ ما بقيت على الذنب
ومنه قول ابن تيمية :
إن كان نصباً ولاء الصحاب فإني كما زعموا ناصبي
وإن كان رفضاً ولا آله فلا برح الرفض من جانبي
وغير ذلك كثير .
ولا يروعك ذلك التخريج منا إذ علمت أن الحاكم قال في خطبة كتابه ( معرفة علوم الحديث ) : " سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول سمعت جعفر بن محمد بن سنان الواسطي يقول سمعت أحمد بن سنان القطان يقول : ليس في الدنيا متبدع إلا وهو يبغض أهل الحديث وإذا ابتدع الرجل نُزع حلاوة الحديث من قلبه
سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول سمعت أبا نصر أحمد بن سلام الفقيه يقول ليس شي أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد . قال أبو عبد الله : وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية " انتهى
إذا علمت هذا زدتك أن أهل العلم إنما أوردوا ذلك في حق جرير في سياق المدح لا الذم ولذا لما ترجم له الذهبي في (ميزان الاعتدال) قال : " أحد الأئمة الكبار الثقات، ولولا ذكر ابن عدى له لما أوردته" اهـ
ثم لم يذكر كونه حشوياً !
قال عبد الله بن أحمد : قال أبي : كان جرير بن حازم صاحب سنة.كما في ((العلل)) (1482).
وقال عبد الله : سألته (يعني أباه ) عن جرير بن حازم ، وأبي الأشهب أيهما أحب إليك ؟ قال : جرير زينته خصال ، كان صاحب سنة ، عند جرير من الحديث أمر عظيم. ((العلل)) (4394).
وقال ابن هانىء : قيل له (يعني لأبي عبد الله) : فجرير وأبو هلال ؟ فقال : جرير أحسن حديثًا ، وأحب إلي ، وأوسع في العلم ، وأقرب إلى السنة من أبي هلال. ((سؤالاته)) (2133).
وقال ابن هانىء : قال (يعني أبا عبد الله) : صاحب سنة ، وهو أحب إلي من همام ، وكان جرير يحفظ عن العلماء . ((سؤالاته)) (2250).
وقال الميموني عبد الملك بن عبد الحميد قال أبو عبد الله : جرير بن حازم ، روى عن الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود قال : المحرم ينكح والناس يرونه عن الأعمش عن إبراهيم موقوفًا . قال أبو عبد الله : ما أراه إلا من الشيخ . قلت : من جرير ؟ قال : نعم ، وذكر أبو عبد الله حديثه عن قتادة فقال : كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس يوقف أشياء , ويسند أشياء وسمعته في هذا المجلس يثني عليه ويترحم عليه ويقول : رجل صالح صاحب سنة وفضل وديانة . ((الضعفاء للعقيلي)) (243).
وقال العقيلي في الضعفاء ( 1 / 199 ) : ((كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس يوقف أشياء ويسند أشياء وسمعته في هذا المجلس يثنى عليه ويترحم عليه ويقول رجل صالح صاحب سنة وفضل وديانة حدثنا على بن محمد بن سلم قال حدثنا عقيل بن يحيى قال سمعت أبا داود قال كان جرير بن حازم إذا قدم قال شعبة قد جاءكم هذا الحشوي . حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا صالح قال حدثنا على قال سمعت عبد الرحمن يقول جرير بن حازم أوثق عندي من قرة بن خالد )) اهـ قلت : فهذا في أي سياق يا من يفهم ويعقل؟!
وقال عبد الله : حدثني أحمد بن إبراهيم قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت شعبة يقول:إذا قدم جرير بن حازم فوحشوا بي. ((العلل)) (5803).
و " وحشوا بي " أي ارموا بي والزموه ! وفي لسان العرب ( 6 / 368 ) : ((وَحَشَ بِثَوْبه وبسيفه وبرُمْحه خَفِيف رَمى عن ابن الأَعرابي قال والناسُ يقولون وَحَّشَ مُشَدَّداً وقال مرّة وحَشَ بثوبه وبدِرْعه ووَحَّش مخفف ومثقَّل خافَ أَن يُدْرَك فرَمى به ليُخَفِّفَ عن دابته قال الأَزهري [ صاحب تهذيب اللغة ] ورأَيت في كتابٍ أَن أَبا النجم وَحَّشَ بثيابه وارْتَدَّ يُنْشِد أَي رَمى بثيابه وفي الحديث كانَ بين الأَوْس والخَزْرج قِتال فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فلما رآهم نادى أَيُّها الناسُ اتَّقوا اللَّه حق تُقاتِه « الآيات » فوَحَّشُوا بأَسْلحتهم واعْتَنَق بعضُهم بعضاً أَي رَمَوْها قالت أُم عمرو بنت وَقْدانَ :
إِن أَنتُمُ لم تَطْلُبوا بأَخِيكُم فذَرُوا السِّلاحَ وَوَحِّشُوا بالأَبْرَقِ
وفي حديث عليّ رضي اللَّه عنه أَنه لَقي الخوارجَ فوَحَّشُوا برِماحِهم واستَلّوا السيوف ومنه الحديث كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتم من حديد ( قوله « من حديد » الذي في النهاية من ذهب ) فَوَحَّشَ به بين ظَهْرانَيْ أَصحابهِ فَوحّشَ الناسُ بخواتيمهم ، وفي الحديث أَتاه سائلٌ فأَعطاه تمرةً َوَحَّشَ بها ))انتهى
قلت : ولعل قوله ( فوحشوا بي ) تفسير لقوله ( جاءكم الحشوي ) قصد جاءكم الذي يتحاشاه غيره إذا حدث بالحديث فزل لسانه !
أما قوله (وقد روى هذا عبدالله بن أحمد في العلل والعقيلي في الضعفاء في ترجمة جرير ، وسنده كالشمس ....) اهـ
فقد مر من كتاب العقيلي ولم أجده في العلل لعبد الله بن أحمد وإنما فيها ما تقدم ورقمه (5803 ) .

أبوقتادة وليد الأموي
2010-03-20, 10:33 PM
ثم قال المجهول : ((ثانياً : إذا تقرر هذا فالنظر فيمن تطلق عليه هذه الكلمة ، فقد تطلق بحق كما يطلقها أهل السنة على بعض جهلة أهل الحديث ))اهـ
قلت : تطلق بحق على بعض جهلة الحديث مثل من ؟! أمثل جرير بن حازم الذي قال فيه أحمد : صاحب سنة ؟!
ثم قال : (( يقول ابن تيمية في المجموع 4/ 23 : (( فالذي يعيب بعض أهل الحديث وأهل الجماعة بحشو القول إنما يعيبهم بقلة المعرفة أو بقلة الفهم ، أما الأول فبأن يحتجوا بأحاديث ضعيفة أو موضوعة .. وأما الثاني فبأن لا يفهموا معنى الأحاديث الصحيحة ، بل قد يقولون القولين المتناقضين ... ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم ... ثم إنهم بهذا المنقول الضعيف والمعقول السخيف قد يكفرون ويضللون ويبدعون أقواماً من أعيان الأمة ويجهلونم ، ففي بعضهم من التفريط في الحق والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأً مغفوراً ، وقد يكون منكراً من القول وزوراً ، وقد يكون من البدع والضلالات التي توجب غليظ العقوبات ، فهذا لا ينكره إلا جاهل أو ظالم ، وقد رأيت من هذا العجائب ... )) اهـ كلام ابن تيمية )) انتهى
قلت : لم يقر شيخ الإسلام هذه الكلمة في حق جهلة أهل الحديث ! إنما أقر أن الجهل بمعرفة معاني الآثار أو رواية ما لا يصح منها موجود في أقوام ينتسبون للسنة ولكن هل هذا يسوغ أن يقال عنهم:إنهم حشوية؟ لا أجد في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا صريح العقل ما يسوغ مثل ذلك .
ثم اعلم أيها القارئ أنهم لمزوا أهل الحديث بأنهم حشوية ومجسمة ومشبهة وأنهم الجمهور والعوام والغثاء والغثر وحثالة الناس ورذالة القوم ومع ذلك قد سلم من ألسنتهم الجهمية والمتكلمون وأهل الرأي وأرباب الفلسفة وهم في ذلك كله كما قال أبو المظفر السمعاني ( الانتصار لأهل الحديث ص : 2 ، 3 ) : ((ما ثلموا إلا دينهم ولا سعوا إلا في هلاك أنفسهم وما للأساكفة وصوغ الحلي وصناعة البز وما للحدادين وتقليب العطر والنظر في الجواهر أما يكفيهم صدأ الحديد ونفخ في الكير وشواظ الذيل والوجه وغبرة في الحدقة وما لأهل الكلام ونقد حملة الأخبار وما أحسن قول من قال :
بلاءٌ ليس يشبهه بلاء عداوة غير ذي حسبٍ ودينِ
ينيلك منه عِرضاً لم يصنه ويرتعُ منك في عِرضٍ مصونِ
لكن الحق عزيز وكلٌّ مع عزته يدعيه، ودعواهم الحق تحجبهم عن مراجعة الحق ، نعم ، إن على الباطل ظلمة وإن على الحق نوراً ولا يبصر نور الحق إلا من حشي قلبُه بالنور ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، فالمتخبط في ظلمات الهوى والمتردي في مهاوي الهلكة والمتعسف في المقال لا يوفق للعود إلى الحق ولا يرشد إلى طريق الهدى ليظهر وعورة مسلكه وعز جانبه وتأبِّيـه إلا على أهله كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ))انتهى
ثم نقل المجهول نقلين أحدهما عن ابن قتيبة في ذم المجسمة لا يمت لكلامه بصلة ،ونقلاً لابن العربي لا وجه له وما هو بصدده ، ونقلاً عن ابن عساكر في ذم السالمية لا يتصرف من أمر حديثنا بمتصرف وإليكهم قال : ((قال ابن قتيبة في كتاب ( الاختلاف في اللفظ ) ط1/العلمية ص40 : (( ولمّا رأى قوم من الناس إفراط هؤلاء [ يعني الجهمية ] في النفي ، عارضوهم في التمثيل ، فقالوا بالتشبيه المحض ! ، والأقطار ! والحدود ! ، وحملوا الألفاظ الجائية في الحديث كما ظاهرها !! ، وقالوا بالكيفية فيها ، وحملوا من مستشنع الحديث : ( عَرَق الخيل ) ! ، و( حديث عرفات ) ! ، وأشباه هذا من الموضوع ..)) اهـ ، وانظر ( مع ابن قتيبة في العقيدة الإسلامية ) ط الشركة العالمية ص122 . وقد لقي الإمام القاضي أبو بكر بن العربي المالكي جماعة من الحشوية في رحلته فقال عنهم في ( العواصم من القواصم ) ص210 : (( وكان رأس هذه الطائفة بالشام أبو الفرج الحنبلي بدمشق ، وابن الرميلي المحدث ببيت المقدس ، والقطرواني بنواحي نابلس ، والفاخوري بديار مصر ، ولحقت منهم ببغداد أبا الحسين بن أبي يعلى الفراء ، وكل منهم ذو أتباع من العوام ، جمعاً غفيراً ، عصبة عصية عن الحق ، وعصبية على الخلق ، ولو كانت لهم أفهام ، ورزقوا معرفة بدين الإسلام ، لكان لهم من أنفسهم وازع ، لظهور التهافت على مقالاتهم ، وعموم البطلان لكلماتهم ، ولكن الفدامة استولت عليهم ، فليس لهم قلوب يعقلون بها ، ولا أعين يبصرون بها ، ولا آذان يسمعون بها ، أولئك كالأنعام بل هم أضل .. )) اهـ .
ويقول إمام أهل الحديث سيد الحفاظ الإمام الكبير أبو القاسم بن عساكر في ( تبيين كذب المفتري ) ص369 عن الأهوازي وكان من كبار أهل الحشو ما صورته : (( فأغص الله الأهوازي بريقه وفض فاه ، فإنه كان في اعتقاده سالمياً مشبهاً مجسماً حشوياً ، ومن وقف على كتابه الذي سماه كتاب ( البيان في شرح عقود أهل الإيمان ) الذي صنفه في أحاديث الصفات ، واطلع على ما فيه من الآفات ، ورأى ما فيه من الأحاديث الموضوعة ، والروايات المستنكرة المدفوعة ، والأخبار الواهية الضعيفة ، والمعاني المتنافية السخيفة ، كحديث ركوب الجمل !! وعرق الخيل !! قضى عليه في اعتقاده بالويل ، وبعض هذا الكتاب موجود بدمشق بخط يده ، فمن أراد الوقوف عليه فليقف ليتحقق سوء معتقده .. )) اهـ كلام الحافظ .
وفي تلك الأخبار يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 4 / 145 ) : ((وهذا يتناول كثيراً من غالية المثبتة الذين يروون أحاديث موضوعة في الصفات مثل حديث عرق الخيل ونزوله عشية عرفة على الجمل الأورق حتى يصافح المشاة ويعانق الركبان وتجليه لنبيه في الأرض أو رؤيته له على كرسي بين السماء والأرض أو رؤيته إياه في الطواف أو في بعض سكك المدينة إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة فقد رأيت من ذلك أموراً من أعظم المنكرات والكفران وأحضر لي غير واحد من الناس من الأجزاء والكتب ما فيه من ذلك ما هو من الافتراء على الله وعلى رسوله وقد وضع لتلك الأحاديث أسانيد حتى إن منهم من عمد إلى كتاب صنفه الشيخ أبو الفرج المقدسي فيما يمتحن به السنى من البدعى فجعل ذلك الكتاب مما أوحاه الله إلى نبيه ليلة المعراج وأمره أن يمتحن به الناس فمن أقر به فهو سني ومن لم يقربه فهو بدعى وزادوا فيه على الشيخ أبي الفرج أشياء لم يقلها هو ولا عاقل ))اهـ
فمال أهل السنة أتباع السلف وهذا ؟!أدريت أن المجهول يريد أن ينزل لمز سالفيه ( المعتزلة مخانيث الفلاسفة ) علي أتباع السلف من أهل السنة لمخالفتهم إياه في إثبات نصوص الوحيين في الصفات كالعلو والاستواء كما سيأتي فادره !
ثم إن ابن قتيبة هو القائل ( تاويل مختلف الحديث : 80 - 81 ) :"... وقد لقبوهم بالحشوية والنابتة والمجبرة وربما قالوا الجبرية وسموهم الغثاء والغثر وهذه كلها أنباز لم يأت بها خبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم...."انتهى
ثم قال المجهول : ((وهذا الإمام الهمام ابن الجوزي رحمه الله يرد عليهم ويرميهم بالتشبيه والتجسيم فيقول في كتابه ( دفع شُبَهِ التشبيه .. ) ط الكليات الأزهرية ص8 ردًّا على المشبهة ( وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات .. ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من سمات الحَدَث ، ولم يَقْنَعُوا بأن قالوا : ( صفة فعل ) حتى قالوا : ( صفة ذات ) ، ثم لما أثبتوا أنها صفات ، قالوا : ( لا نحملها على توجيه اللغة ، مثل ( يد ) على معنى نعمة وقدرة ، ولا ( مجيء وإتيان ) على معنى بِرٍّ ولطف ، ولا ( ساق ) على شدة ) ، بل قالوا : ( نحملها على ظواهرها المتعارفة ) !! ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين .. ثم يتحرجون من التشبيه ، ويَأْنَفُون من إضافته إليهم ، ويقولون : ( نحن أهل السنة ) !! ، وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلق من العوام ، وقد نصحت التابع والمتبوع ، فقلت لهم : يا أصحابنا ، أنتم أصحاب نقل واتباع ، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل رحمه الله يقول وهو تحت السياط : ( كيف أقول ما لم يُقَل ؟ ) ، فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ، ثم قلتم في الأحاديث : ( تُحْمَل على ظاهرها ) !! ، وظاهر القدم الجارحة ، فإنه لما قيل في عيسى عليه الصلاة والسلام : ( روح الله ) ، اعتقدت النصارى لعنهم الله تعالى أن لله سبحانه وتعالى صفةً هي روح وَلَجَت في مريم !! ، ومن قال : ( استوى بذاته المقدسة ) فقد أجراه سبحانه مجرى الحِسِّيَّات !! ، وينبغي أن لا يُهْمَل ما ثبت به الأصل ، وهو العقل ، فإنا به عرفنا الله تعالى ، وحكمنا له بالقِدَم، فلو أنكم قلتم : ( نقرأ الأحاديث ونسكت ) ، لما أنكر أحد عليكم ، وإنما حَمْلُكُم إياها على الظاهر قبيح )) اهـ كلام ابن الجوزي ، وكان سيفا مسلولا على أهل البدع رحمه الله تعالى ))اهـ
قلت : أما قوله (وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات .. ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من سمات الحَدَث ، ولم يَقْنَعُوا بأن قالوا : ( صفة فعل ) حتى قالوا : ( صفة ذات ) ، ثم لما أثبتوا أنها صفات )اهـ فالواجب الذي لا يرتاب فيه البصير أن الله خاطب خلقه بما يعرفون معناه لا ما يجهلونه ثم إنه أراد منهم أن يفهموا نصوصه علي ظاهرها فلا يحرفوا الكلم عن مواضعه ولا يبدلوا النص بعد ثبوته فمعني توحيدنا لله تعالى ان نثبت له ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وكذلك ننفي عنه ما نفاه عن نفسه وما نفاه عنه رسوله لأنه كما قال نعيم بن حماد شيخ البخاري : (من شبه الله بخلقه كفر و من جحد ما أثبته الله لنفسه كفر ) فيمرون النصوص كما جاءت علي ظاهر معناه مع اعتقاد ان الله ليس كمثله شيء ولا يشبه شيئاً من خلقه . وأما قوله ( ولم يقنعوا بأن قالوا ....إلخ ) فكما قال ابن القيم :
ما ذنبهم ونبيهم قد قال ما قالوا كذاك منزل الفرقان
ما الذنب الا النصوص لديكم إذ جسمت بل شبهت صنفان
ما ذنب من قد قال ما نطقت له من غير تحريف ولا عدوان
ما ذنب أهل السنة إذ قالوا إن لله صفات موافقين ما جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة أن أمير رجلاً بعث أميراً علي عهد رسول الله فكان يقرأن لهم فيختم بقل هو الله أحد فسألوه عنها فقال (لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهَا ) فأقره النبي وقال : (أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّهُ )؟!
وروي البيهقي في ( الأسماء والصفات 2 / 38 - 39) بسند حسن عن ابن عباس أَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ ، فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ ، وَلَمْ يُولَدْ ، فَيَخْرُجُ مِنْ شَيْءٍ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وَلا شَبَهٌ فَقَالَ : هَذِهِ صِفَةُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَتَقَدَّسَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حَدَّثَنَا أبو العباس هو الأصم ، حَدَّثَنَا محمد بن إسحاق ، حَدَّثَنَا الحسن بن موسى ، حَدَّثَنَا أبو هلال محمد بن سليم ، حَدَّثَنَا رجل ، أن ابن رواحة البصري ، سأل الحسن فقال : يا أبا سعيد هل تصف لنا ربك ؟ قال : نعم ، أصفه بغير مثال .
ولم ينكر لفظ الصفة فيما نعلم أحد من المنتسبين إلى السنة غير ما حكاه أبو محمد ابن حزم لما قال : ((وأما إطلاق لفظ الصفاة لله تعالى عز وجل فمحال لا يجوز لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظة الصفات ولا على لفظ الصفة ولا حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن لله تعالى صفة أو صفات نعم ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من خيار التابعين ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين ومن كان هكذا فلا يحل لأحد أن ينطق به ولو قلنا أن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده بل هي بدعة منكرة قال الله تعالى . إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن تتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى.
وإنما اخترع لفظ الصفات المعتزلة وهشام ونظراؤه من رؤساء الرافضة وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام سلكوا غير مسلك السلف الصالح ليس فيهم أسوة ولا قدوة وحسبنا الله ونعم الوكيل ))انتهى وهذا كلام ظاهرة سوأته وبائنة عورته ولا يحل اعتقاده لمخالفته النصوص الصحيحة المتقدمة والله أعلم .
وأما قوله (قالوا : ( لا نحملها على توجيه اللغة ، مثل ( يد ) على معنى نعمة وقدرة ، ولا ( مجيء وإتيان ) على معنى بِرٍّ ولطف ، ولا ( ساق ) على شدة ) ، بل قالوا : ( نحملها على ظواهرها المتعارفة )اهـ
وهذا كلام بين الخطأ فإن كانت يد بمعني ( نعمة وقدرة ) فما معني قوله تعالى (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) ؟! ألله نعمتان أو قدرتان ؟ كلا ، بل هي يد حقيقية لا تشابه أيدي المخلوقين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . قال أبو الحسن الأشعري في كتابه ( الإبانة عن أصول الديانة ) : " قد سئلنا أتقولون إن لله يدين ؟
قيل : نقول ذلك بلا كيف وقد دل عليه قوله تعالى : ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته ) فثبتت اليد بلا كيف وجاء في الخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه و سلم ( أن الله تعالى خلق آدم بيده وخلق جنة عدن بيده وكتب التوراة بيده وغرس شجرة طوبى بيده )... وقال تعالى : ( بل يداه مبسوطتان ) وجاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( كلتا يديه يمين ) وقال تعالى : ( لأخذنا منه باليمين ) وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل : عملت كذا بيدي ويعني به النعمة وإذا كان الله عز و جل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوماً في كلامها ومعقولاً في خطابها وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل : فعلت بيدي ويعني النعمة بطل أن يكون معنى قوله تعالى : ( بيدي ) النعمة وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل : لي عليه يدي بمعنى لي عليه نعمتي ومن دافعنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها وأن لا يثبت اليد نعمة من قبلها لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى : ( بيدي ) نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين وإن روجع إلى اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل : بيدي يعني نعمتي وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد له سبيلاً.. ويقال لأهل البدع : ولم زعمتم أن معنى قوله : ( بيدي ) نعمتي أزعمتم ذلك إجماعاً أو لغة ؟ فلا يجدون ذلك إجماعا ولا في اللغة . وإن قالوا : قلنا ذلك من القياس . قيل لهم : ومن أين وجدتم في القياس أن قوله تعالى : ( بيدي ) لا يكون معناه إلا نعمتي ؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل أن تفسير كذا وكذا مع أنا رأينا الله عز و جل قد قال في كتابه العزيز الناطق على لسان نبيه الصادق : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) وقال تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) وقال تعالى : ( إنا جعلناه قرآناً عربياً ) وقال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله ) ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل وليس في لسانهم ما ادعوه . وقد اعتل معتل بقول الله تعالى : ( والسماء بنيناها بأيد ) قالوا : الأيد القوة فوجب أن يكون معنى قوله تعالى : ( بيدي ) بقدرتي قيل لهم : هذا التأويل فاسد من وجوه :
أحدها : أن الأيد ليس جمع لليد لأن جمع يد أيدي وجمع اليد التي هي نعمة أيادي وإنما قال تعالى : ( لما خلقت بيدي ) فبطل بذلك أن يكون معنى قوله : ( بيدي ) معنى قوله : ( بنيناها بأيد ) . وأيضاً فلو كان أراد القوة لكان معنى ذلك بقدرتي وهذا ناقض لقول مخالفنا وكاسر لمذهبهم لأنهم لا يثبتون قدرة واحدة فكيف يثبتون قدرتين . وأيضاً فلو كان الله تعالى عنى بقوله : ( لما خلقت بيدي ) القدرة لم يكن لآدم صلى الله عليه و سلم على إبليس مزية في ذلك والله تعالى أراد أن يرى فضل آدم صلى الله عليه و سلم عليه إذ خلقه بيديه دونه ولو كان خالقا لإبليس بيده كما خلق آدم صلى الله عليه و سلم بيده لم يكن لتفضيله عليه بذلك وجه وكان إبليس يقول محتجا على ربه : فقد خلقتني بيديك كما خلقت آدم صلى الله عليه و سلم بهما فلما أراد الله تعالى تفضيله عليه بذلك وقال الله تعالى موبخا له على استكباره على آدم صلى الله عليه و سلم أن يسجد له : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ؟ ) دل على أنه ليس معنى الآية القدرة إذ كان الله تعالى خلق الأشياء جميعاً بقدرته وإنما أراد إثبات يدين ولم يشارك إبليس آدم صلى الله عليه و سلم في أن خلق بهما[ ] .وليس يخلو قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) أن يكون معنى ذلك إثبات يدين نعمتين أو يكون معنى ذلك إثبات يدين جارحتين [ أي كيدي المخلوقين ] . تعالى الله عن ذلك أو يكون معنى ذلك إثبات يدين قدرتين أو يكون معنى ذلك إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا قدرتين[ ] لا توصفان إلا كما وصف الله تعالى فلا يجوز أن يكون معنى ذلك نعمتين لأنه لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول القائل : عملت بيدي وهو نعمتي . ولا يجوز عندنا ولا عند خصومنا أن نعني جارحتين ولا يجوز عند خصومنا أن يعني قدرتين .
وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع وهو أن معنى قوله تعالى : ( بيدي ) إثبات يدين ليستا جارحتين ولا قدرتين ولا نعمتين لا يوصفان إلا بأن يقال : إنهما يدان ليستا كالأيدي خارجتان عن سائر الوجوه الثلاثة التي سلفت . وأيضاً فلو كان معنى قوله تعالى : ( بيدي ) نعمتي لكان لا فضيلة لآدم صلى الله عليه و سلم على إبليس في ذلك على مذاهب مخالفينا لأن الله تعالى قد ابتدأ إبليس على قولهم كما ابتدأ آدم صلى الله عليه و سلم وليس تخلو النعمتان أن يكونا هما بدن آدم صلى الله عليه و سلم أو يكونا عرضين خلقا في بدن آدم عليه الصلاة و السلام فلو كان عنى بدن آدم عليه السلام فلأبدان عند مخالفينا من المعتزلة جنس واحد وإذا كانت الأبدان عندهم جنسا واحدا فقد حصل في جسد إبليس على مذاهبهم من النعمة ما حصل في جسد آدم صلى الله عليه و سلم وكذلك إن عنى عرضين فليس من عرض فعله في بدن آدم صلى الله عليه و سلم من لون أو حياة أو قوة أو غير ذلك إلا وقد فعل من جنسه عندهم في بدن إبليس وهذا يوجب أنه لا فضيلة لآدم صلى الله عليه و سلم على إبليس في ذلك والله تعالى إنما احتج على إبليس بذلك ليريه أن لآدم صلى الله عليه و سلم في ذلك الفضيلة فدل ما قلناه على أن الله عز و جل لما قال : ( خلقت بيدي ) لم يعن نعمتي . ويقال لهم : لم أنكرتم أن يكون الله تعالى عنى بقوله : ( بيدي ) يدين ليستا نعمتين ؟
فإن قالوا : لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة . قيل لهم : ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة ؟ وإن رجعونا إلى شاهدنا أو إلى ما نجده فيما بيننا من الخلق فقالوا : اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة . قيل لهم : إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله تعالى فكذلك لم نجد حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما فاقضوا بذلك على الله - تعالى عن ذلك - وإلا كنتم لقولكم تاركين و لاعتلالكم ناقضين وإن أثبتم حياً لا كالأحياء منا فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا كالأيدي ؟
وكذلك يقال لهم : لم تجدوا مدبرا حكيما إلا إنسانا ثم أثبتم أن للدنيا مدبرا حكيما ليس كالإنسان وخالفتم الشاهد ونقضتم اعتلالكم فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من أجل أن ذلك خلاف الشاهد فإن قالوا إذا أثبتم لله عز و جل يدين لقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) فلم لا أثبتم له أيدي لقوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) ؟
قيل لهم : قد أجمعوا على بطلان قول من أثبت لله أيدي فلما أجمعوا على بطلان قول من قال ذلك وجب أن يكون الله تعالى ذكر أيدي ورجع إلى إثبات يدين لأن الدليل عنده دل على صحة الإجماع وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله أيدي إلى يدين لأن القرآن على ظاهره ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة فوجدنا حجة أزلنا بها ذكر الأيدي عن الظاهر إلى ظاهر آخر ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقته لا يزول عنها إلا بحجة . فإن قال قائل : إذا ذكر الله عز و جل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة ؟ قيل له : ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر .
فإن قال قائل : ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) وقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي على المجاز ؟ قيل له : حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة كذلك قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) على ظاهره أو حقيقته من إثبات اليدين ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة ولو جاز ذلك لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه أنه مجاز أن يكون مجازا بغير حجة بل واجب أن يكون قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) إثبات يدين لله تعالى في الحقيقة غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم : فعلت بيدي وهو يعني النعمتين" انتهى وليس وراء ذلك غاية .
وأما قوله : (( ولا مجئ وإتيان بمعني بر ولطف )) فلا شرع يعضده ولا لغة تنصره لا كما زعم فمن قال إن الإتيان والمجئ بمعني البر واللطف قال تعالى ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ) وقال ( أتي أمر الله فلا تستعجلوه ) وقال فرعون ( ءاتوني بكل ساحر ) بمعني ( لطف الله ببنيانهم ) و ( لطف امر الله وبر فلا تستعجلوه ) و ( بروني والطفوا بي بكل ساحر ) ! هذا مم تأباه العقول والفطر .
وأما قوله ( ساق بمعني شدة ) فغير مسلم هكذا صنع بلفظة ساق فما يصنع بلفظة ( رجل ) فإن النار تستزيد الله تعالى قال النبي : ((حتى يضع تبارك وتعالى فيها رجله فتقول قط قط )) رواه مسلم والبخاري بلفظ ( قدمه ) أيقال يضع فيها شدته كما قيل في الساق مع أن الأول غير مسلم لك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((....فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقاى من كان يسجد لله رياء )) هذا لفظ البخاري .
هل يقولون : بيننا وبينه آية ( الشدة ) فيكشف عن شدته ؟! هذا تحقيق ابن الجوزي وأمثاله في مسائل التوحيد !
ذلكم التحقيق الذي لم يرتضه أحد من أئمة ذلك الشأن ولذا نقم عليه غير واحد منهم ؛قال ابن رجب في (( ذيل طبقات الحنابلة 1 / 372 )) ناقلاً عن ابن النجار قال : "ومنها ( أي المآخذ عليه ) وهو الذي من أجله نقم جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم من المقادسة والعلثيين- من ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكرهم عليه في ذلك. ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف، وهو وإن كان مطلعًا على الأحاديث والآثار في هذا الباب، فلم يكن خبيرًا بحل شبهة المتكلمين، وبيان فِسادها. وكان معظمًا لأبي الوفاء بن عقيل يتابعه في أكثر ما يجد في كلامه وإن كان قد ورد عليه في بعض المسائل. وكان ابن عقيل بارعًا في الكلام، ولم يكن تام الخبرة بالحديث والآثار. فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلون فيه آراؤه. وأبو الفرج تابع له في هذا التلون .
قال الشيخ موفق الدين المقدسي: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة. وكان صاحب قبول. وكان يدرس الفقه ويصنف فيه. وكان حافظًا للحديث. وصنف فيه، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها" انتهى
وقال الذهبي ( السير 21 / 381 ) : وكتب إلي أبو بكر بن طرخان : أخبرنا الامام موفق الدين، قال: ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، كان يصنف في الفقه، ويدرس، وكان حافظا للحديث، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها، وكانت العامة يعظمونه، وكانت تنفلت منه في بعض الاوقات كلمات تنكر عليه في السنة، فيستفتي عليه فيها، ويضيق صدره من أجلها "اهـ
وقال السيف ( السير 21 / 383 ) : ما رأيت أحدا يعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله راضيا عنه "اهـ
وقال : وقال جدي : كان أبو المظفر ابن حمدي ينكر على أبي الفرج كثيرا كلمات يخالف فيها السنة.اهـ وجده هو الموفق ابن قدامة .
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام :" قلت : ومع تبحر ابن الجوزي في العلوم وكثر اطلاعه وسعة دائرته ولم يكن مبرزا في علم من العلوم وذلك شأن كل من فرق نفسه في بحور العلم . ومع أنه كان مبرزا في التفسير والوعظ والتاريخ ومتوسطا في المذهب متوسطا في الحديث له اطلاع تام على متونه . وأما الكلام على صحيحه وسقيمه فما له فيه ذوق المحدثين ولا نقد الحفاظ المبرزين . فإنه كثير الاحتجاج الأحاديث الضعيفة مع كونه كثير السياق لتلك الأحاديث في الموضوعات . والتحقيق أنه لا ينبغي الاحتجاج بها ولا ذكرها في الموضوعات وربما ذكر في الموضوعات أحاديث حسانا قوية "اهـ
قلت : وهو بالضعف في أمر المعتقد أولى .وقال أيضاً :" قلت : وكلامه في السنة مضطرب تراه في وقت سنياً وفي وقت متجهماً محرفاً للنصوص والله يرحمه يغفر له "اهـ
ثم إن ابن الجوزي هو القائل ( سير أعلام النبلاء 21 / 376 ):" أهل الكلام يقولون: ما في السماء رب، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم " اهـ وهذا كله إنما رمي به الأشاعرة !
ثم اعلم أن دندنة اولئك بحكاية أن السلف امروها كما جاءت مع اعتقادهم نفي الظاهر المتبادر فيه حق وباطل ؛ قال شيخ الإسلام [ الفتوى الحموية 159 – 160 ] : ((واعلم أن من المتأخرين من يقول مذهب السلف إقرارها على ما جاءت به مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد وهذا اللفظ مجمل فإن قوله ظاهرها غير مراد يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين مثل أن يراد بكون الله قبل وجه المصلى أنه مستقر فى الحائط الذى يصلى إليه وأن الله معنا ظاهره أنه الى جانبنا ونحو ذلك فلا شك أن هذا غير مراد .
ومن قال إن مذهب السلف أن هذا غير مراد فقد أصاب فى المعنى لكن أخطأ بإطلاق القول بأن هذا ظاهر الآيات والاحاديث فان هذا المحال ليس هو الظاهر على ما قد بيناه فى غير هذا الموضع اللهم الا أن يكون هذا المعنى الممتنع صار يظهر لبعض الناس فيكون القائل لذلك مصيباً بهذا الاعتبار معذوراً فى هذا الإطلاق فإن الظهور والبطون قد يختلف باختلاف أحوال الناس وهو من الأمور النسبية وكان أحسن من هذا أن يبين لمن اعتقد أن هذا هو الظاهر أن هذا ليس هو الظاهر حتى يكون قد أعطى كلام الله وكلام رسوله حقه لفظاً ومعنى وإن كان الناقل عن السلف أراد بقوله الظاهر غير مراد عندهم أن المعانى التى تظهر من هذه الآيات والأحاديث مما يليق بجلال الله وعظمته ولا يختص بصفة المخلوقين بل هى واجبة لله أو جائزة عليه جوازاً ذهنياً أو جوازاً خارجياً غير مراد فهذا قد أخطأ فيما نقله عن السلف أو تعمد الكذب فما يمكن أحد قط أن ينقل عن واحد من السلف ما يدل لا نصاً ولا ظاهراً أنهم كانوا يعتقدون أن الله ليس فوق العرش ولا أن الله ليس له سمع ولا بصر ولا يد حقيقة )) انتهى

أبوقتادة وليد الأموي
2010-03-20, 10:36 PM
ثم قال المجهول : ((ثم تصدى لهم الإمام سلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام فقال في ملحة الاعتقاد ( والحشويّة المشبهِة الذين يشبِّهون الله بخلقه ضربان أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو (ويَحسبَونَ أنَّهم على شيءٍ ألا إنهم همُ الكاذِبون) والآخَرُ يتستّر بمذهب السلف لسُحتٍ يأكله أو حطامٍ يأخذه: ( أظهروا للناسِ نُسكا &^& وعلى المنقوشِ دارُوا ) (يُريدونَ أنْ يأمَنوكُم ويَأمَنوا قَومَهُم) ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه .. )) اهـ من ملحة الاعتقاد ))اهـ
قلت : قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 4 / 144 ) : ((وأما قول من قال إن الحشوية على ضر بين أحدهما لا يتحاشى من الحشو والتشبيه والتجسيم والآخر تستر بمذهب السلف ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التشبيه والتجسيم وكذا جميع المبتدعة يزعمون هذا فيهم كما قال القائل ... وكل يدعى وصلا لليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا ... فهذا الكلام فيه حق وباطل . فمن الحق الذي فيه ذم من يمثل الله بمخلوقاته ويجعل صفاته من جنس صفاتهم وقد قال الله تعالى ليس كمثله شيء وقال تعالى ولم يكن له كفوا أحداً وقال هل تعلم له سمياً وقد بسطنا القول في ذلك وذكرنا الدلالات العقلية التي دل عليها كتاب الله في نفي ذلك وبينا منه ما لم يذكره النفاة الذين يتسمون بالتنزيه ولا يوجد في كتبهم ولا يسمع من أئمتهم بل عامة حججهم التي يذكرونها حجج ضعيفة لأنهم يقصدون إثبات حق وباطل فلا يقوم على ذلك حجة مطردة سليمة عن الفساد بخلاف من اقتصد في قوله وتحرى القول السديد فإن الله يصلح عمله كما قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )) [ الأحزاب : 70 – 71 ] وفيه من الحق الإشارة إلى الرد على من انتحل مذهب السلف مع الجهل بمقالهم أو المخالفة لهم بزيادة أو نقصان فتمثيل الله بخلقه والكذب على السلف من الأمور المنكرة سواء سمى ذلك حشواً أو لم يسم وهذا يتناول كثيراً من غالية المثبتة الذين يروون أحاديث موضوعة في الصفات مثل حديث عرق الخيل ونزوله عشية عرفة على الجمل الأورق حتى يصافح المشاة ويعانق الركبان وتجليه لنبيه في الأرض أو رؤيته له على كرسي بين السماء والأرض أو رؤيته إياه في الطواف أو في بعض سكك المدينة إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة .....والمقصود أن كلامه فيه حق وفيه من الباطل أمور أحدهما قوله لا يتحاشى من الحشو والتجسيم ذم للناس بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان والذي مدحه زين وذمه شين هو الله والأسماء التي يتعلق بها المدح والذم من الدين لا تكون إلا من الأسماء التي أنزل الله بها سلطانه ودل عليها الكتاب والسنة أو الإجماع كالمؤمن والكافر والعالم والجاهل والمقتصد والملحد . فأما هذه الألفاظ الثلاثة فليست في كتاب الله ولا في حديث عن رسول الله ولا نطق بها أحد من سلف الأمة وأئمتها لا نفياً ولا إثباتاً . وأول من ابتدع الذم بها المعتزلة الذين فارقوا جماعة المسلمين فاتباع سبيل المعتزلة دون سبيل سلف الأمة ترك للقول السديد الواجب في الدين واتباع لسبيل المبتدعة الضالين وليس فيها ما يوجد عن بعض السلف ذمه إلا لفظ التشبيه فلو اقتصر عليه لكان له قدوة من السلف الصالح ولو ذكر الأسماء التي نفاها الله في القرآن مثل لفظ الكفؤ والند والسمى وقال منهم من لا يتحاشى من التمثيل ونحوه لكان قد ذم بقول نفاه الله في كتابه ودل القرآن على ذم قائله ثم ينظر هل قائله موصوف بما وصفه به من الذم أم لا فأما الأسماء التي لم يدل الشرع على ذم أهلها ولا مدحهم فيحتاج فيها إلى مقامين أحدهما بيان المراد بها والثاني بيان أن أولئك مذمومون في الشريعة . والمعترض عليه له أن يمنع المقامين فيقول لا نسلم أن الذين عنيتهم داخلون في هذه الأسماء التي ذممتها ولم يقم دليل شرعي على ذمها وإن دخلوا فيها فلا نسلم أن كل من دخل في هذه الأسماء فهو مذموم في الشرع .
الوجه الثاني : أن هذا الضرب الذي قلت أنه لا يتحاشى من الحشو والتشبيه والتجسيم إما ان تدخل فيه مثبتة الصفات الخبرية التي دل عليها الكتاب والسنة أو لا تدخلهم فإن أدخلتهم كنت ذاماً لكل من أثبت الصفات الخبرية ومعلوم أن هذا مذهب عامة السلف ومذهب أئمة الدين . بل أئمة المتكلين يثبتون الصفات الخبرية في الجملة وإن كان لهم فيها طرق كأبي سعيد ابن كلاب وأبي الحسن الأشعري وأئمة أصحابه كأبي عبدالله ابن مجاهد وأبي الحسن الباهلي والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي إسحق الاسفرائيني وأبي بكر بن فورك وأبي محمد بن اللبان وأبي علي بن شاذان وأبي القاسم القشيري وأبي بكر البيهقي وغير هؤلاء فما من هؤلاء إلا من يثبت من الصفات الخبرية ما شاء الله تعالى وعماد المذهب عنهم إثبات كل صفة في القرآن وأما الصفات التي في الحديث فمنهم من يثبتها ومنهم من لا يثبتها فإذا كنت تذم جميع أهل الإثبات من سلفك وغيرهم لم يبق معك إلا الجهمية من المعتزلة ومن وافقهم على نفي الصفات الخبرية من متأخري الأشعرية ونحوهم ولم تذكر حجة تعتمد فأي ذم لقوم في أنهم لا يتحاشون مما عليه سلف الأمة وأئمتها وأئمة الذام لهم وإن لم تدخل في اسم الحشوية من يثبت الصفات الخبرية لم ينفعك هذا الكلام بل قد ذكرت أنت في غير هذا الموضع هذا القول وإذا كان الكلام لا يخرج به الإنسان عن أن يذم نفسه أو يذم سلفه الذين يقر هو بإمامتهم وأنهم أفضل ممن اتبعهم كان هو المذموم بهذا الذم على التقديرين وكان له نصيب من الخوارج الذين قال النبي لأولهم لقد خبت وخسرت إن لم أعدل يقول إذا كنت مقرا بأني رسول الله وأنت تزعم أني أظلم فأنت خائب خاسر وهكذامن ذم من يقر بأنهم خيار الأمة وأفضلها وأن طائفته إنما تلقت العلم والإيمان منهم هو خائب خاسر في هذا الذم وهذه حال الرافضة في ذم الصحابة .
الوجه الثالث : قوله والآخر يتستر بمذهب السلف إن أردت بالتستر الاستخفاء بمذهب السلف فيقال ليس مذهب السلف مما يتستر به إلا في بلاد أهل البدع مثل بلاد الرافضة والخوارج فإن المؤمن المستضعف هناك قد يكتم إيمانه واستنانه كما كتم مؤمن آل فرعون إيمانه وكما كان كثير من المؤمنين يكتم إيمانه حين كانوا في دار الحرب فإن كان هؤلاء في بلد أنت لك فيه سلطان وقد تستروا بمذهب السلف فقد ذممت نفسك حيث كنت من طائفة يستر مذهب السلف عندهم وإن كنت من المستضعفين المستترين بمذهب السلف فلا معنى لذم نفسك وإن لم تكن منهم ولا من الملأ فلا وجه لذم قوم بلفظ التستر وإن أردت بالتستر أنهم يجتنون به ويتقون به غيرهم ويتظاهرون به حتى إذا خوطب أحدهم قال : أنا على مذهب السلف وهذا الذي أراده والله أعلم فيقال له : (( لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً )) فإن كان موافقاً له باطناً وظاهراً فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطناً وظاهراً وإن كان موافقاً له في الظاهر فقط دون الباطن فهو بمنزلة المنافق فتقبل منه علانيته وتوكل سريرته إلى الله فإنا لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس ولا نشق بطونهم .
وأما قوله: " مذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه " .
فيقال له لفظ التوحيد والتنزيه والتشبيه والتجسيم ألفاظ قد دخلها الاشتراك بسبب اختلاف اصطلاحات المتكلمين وغيرهم وكل طائفة تعني بهذه الأسماء ما لا يعنيه غيرهم فالجهمية من المعتزلة وغيرهم يريدون بالتوحيد والتنزيه نفى جميع الصفات وبالتجسيم والتشبيه إثبات شيء منها حتى إن من قال إن الله يرى أو إن له علما فهو عندهم مشبه مجسم وكثير من المتكلمة الصفاتية يريدون بالتوحيد والتنزيه نفى الصفات الخبرية أو بعضها وبالتجسيم والتشبيه إثباتها أو بعضها والفلاسفة تعني بالتوحيد ما تعنيه المعتزلة وزيادة حتى يقولون ليس له إلا صفة سلبية أو إضافية أو مركبة منهما والإتحادية تعني بالتوحيد أنه هو الوجود المطلق ولغير هؤلاء فيه اصطلاحات أخرى . وأما التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب فليس هو متصمناً شيئاً من هذه الاصطلاحات بل أمر الله عباده أن يعبدوه وحده لا يشركوا به شيئاً فلا يكون لغيره نصيب فيما يختص به من العبادة وتوابعها هذا في العمل وفي القول هو الإيمان بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله فإن كنت تعني أن مذهب السلف هو التوحيد بالمعنى الذي جاء به الكتاب والسنة فهذا حق وأهل الصفات الخبرية لا يخالفون هذا وإن عنيت أن مذهب السلف هو التوحيد والتنزيه الذي يعنيه بعض الطوائف فهذا يعلم بطلانه كل من تأمل أقوال السلف الثابتة عنهم الموجودة في كتب آثارهم فليس في كلام أحد من السلف كلمة توافق ما تختص به هذه الطوائف ولا كلمة تنفي الصفات الخبرية ومن المعلوم أن مذهب السلف إن كان يعرف بالنقل عنهم فليرجع في ذلك إلى الآثار المنقولة عنهم وإن كان إنما يعرف بالاستدلال المحض بأن يكون كل من رأى قولا عنده هو الصواب قال هذا قول السلف لأن السلف لا يقولون إلا الصواب وهذا هو الصواب فهذا هو الذي يجرىء المبتدعة على أن يزعم كل منهم أنه على مذهب السلف فقائل هذا القول قد عاب نفسه بنفسه حيث انتحل مذهب السلف بلا نقل عنهم بل بدعواه أن قوله هو الحق وأما أهل الحديث فإنما يذكرون مذهب السلف بالنقول المتواترة يذكرون من نقل مذهبهم من علماء الإسلام وتارة يروون نفس قولهم في هذا الباب كما سلكناه في جواب الاستفتاء فإنا لما أردنا أن نبين مذهب السلف ذكرنا طريقين أحدهما أنا ذكرنا ما تيسر من ذكر ألفاظهم ومن روى ذلك من أهل العلم بالأسانيد المعتبرة والثاني أنا ذكرنا من نقل مذهب السلف من جميع طوائف المسلمين من طوائف الفقهاء الأربعة ومن أهل الحديث والتصوف وأهل الكلام كالأشعري وغيره فصار مذهب السلف منقولا بإجماع الطوائف وبالتواتر لم نثبته بمجرد دعوى الإصابة لنا والخطأ لمخالفنا كما يفعل أهل البدع ثم لفظ التجسيم لا يوجد في كلام أحد من السلف لا نفيا ولا إثباتا فكيف يحل أن يقال مذهب السلف نفي التجسيم أو إثباته بلا ذكر لذلك اللفظ ولا لمعناه عنهم وكذلك لفظ التوحيد بمعنى نفى شيء من الصفات لا يوجد في كلام أحد من السلف وكذلك لفظ التنزيه بمعنى نفي شيء من الصفات الخبرية لا يوجد في كلام أحد من السلف نعم لفظ التشبيه موجود في كلام بعضهم وتفسيره معه كما قد كتبناه عنهم وأنهم أرادوا بالتشبيه تمثيل الله بخلقه دون نفي الصفات التي في القرآن والحديث وأيضا فهذا الكلام لو كان حقا في نفسه لم يكن مذكورا بحجة تتبع وإنما هو مجرد دعوى على وجه الخصومة التي لا يعجز عنها من يستجيز ويستحسن أن يتكلم بلا علم ولا عدل ثم إنه يدل على قلة الخبرة بمقالات الناس من أهل السنة والبدعة فإنه قال وكذا جميع المبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف فليس الأمر كذلك بل الطوائف المشهورة بالبدعة كالخوارج والروافض لا يدعون أنهم على مذهب السلف بل هؤلاء يكفرون جمهور السلف فالرافضة تطعن في أبي بكر وعمر وعامة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وسائر أئمة الإسلام فكيف يزعمون أنهم على مذهب السلف ولكن ينتحلون مذهب أهل البيت كذبا وافتراء وكذلك الخوارج قد كفروا عثمان وعليا وجمهور المسلمين من الصحابة والتابعين فكيف يزعمون أنهم على مذهب السلف .
الوجه الرابع : أن هذا الاسم ليس له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة المسلمين ولا شيخ أو عالم مقبول عند عموم الأمة فإذا لم يكن ذلك لم يكن في الذم به ولا نص ولا إجماع ولا ما يصلح تقليده للعامة فإذا كان الذم بلا مستند للمجتهد ولا للمقلدين عموما كان في غاية الفساد والظلم إذ لو ذم به بعض من يصلح لبعض العامة تقليده لم يكن له أن يحتج به إذ المقلد الآخر لمن يصلح له تقليده لا يذم به ثم مثل أبي محمد وأمثاله لم يكن يستحل أن يتكلم في كثير من فروع الفقه بالتقليد فكيف يجوز له التكلم في أصول الدين بالتقليد والنكتة أن الذام به إما مجتهد وإما مقلد أما المجتهد فلا بد له من نص أو إجماع أو دليل يستنبط من ذلك فإن الذم والحمد من الأحكام الشرعية وقد قدمنا بيان ذلك وذكرنا أن الحمد والذم والحب والبغض والوعد والوعيد والموالاة والمعادات ونحو ذلك من أحكام الدين لا يصلح إلا بالأسماء التي أنزل الله بها سلطانه فأما تعليق ذلك بأسماء مبتدعة فلا يجوز بل ذلك من باب شرع دين لم يأذن به الله وأنه لا بد من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله والمعتزلة أيضا تفسق من الصحابة والتابعين طوائف وتطعن في كثير منهم وفيما رووه من الأحاديث التي تخالف آراءهم وأهواءهم بل تكفر أيضا من يخالف أصولهم التي انتحلوها من السلف والخلف فلهم من الطعن في علماء السلف وفي علمهم ما ليس لأهل السنة والجماعة وليس انتحال مذهب السلف من شعائرهم وإن كانوا يقررون خلافة الخلفاء الأربعة ويعظمون من أئمة الإسلام وجمهورهم ما لا يعظمه أولئك فلهم من القدح في كثير منهم ما ليس هذا موضعه وللنظام من القدح في الصحابة ما ليس هذا موضعه وإن كان من أسباب انتقاص هؤلاء المبتدعة للسلف ما حصل في المنتسبين إليهم من نوع تقصير وعدوان وما كان من بعضهم من أمور اجتهادية الصواب في خلافها فإن ما حصل من ذلك صار فتنة للمخالف لهم ضل به ضلالاً كبيراً فالمقصود هنا أن المشهورين من الطوائف بين أهل السنة والجماعة العامة بالبدعة ليسوا منتحلين للسلف بل أشهر الطوائف بالبدعة الرافضة حتى إن العامة لا تعرف من شعائر البدع إلا الرفض والسنى في اصطلاحهم من لا يكون رافضيا وذلك لأنهم أكثر مخالفة للأحاديث النبوية ولمعاني القرآن وأكثر قدحا في سلف الأمة وأئمتها وطعنا في جمهور الأمة من جميع الطوائف فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانوا أشهر بالبدعة فعلم أن شعار أهل البدع هو ترك انتحال اتباع السلف ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وأما متكلمة أهل الإثبات من الكلابية والكرامية والأشعرية مع الفقهاء والصوفية وأهل الحديث فهؤلاء في الجملة لا يطعنون في السلف بل قد يوافقونهم في أكثر جمل مقالاتهم لكن كل من كان بالحديث من هؤلاء أعلم كان بمذهب السلف أعلم وله أتبع وإنما يوجد تعظيم السلف عند كل طائفة بقدر استنانها وقلة ابتداعها أما أن يكون انتحال السلف من شعائر أهل البدع فهذا باطل قطعا فإن ذلك غير ممكن إلا حيث يكثر الجهل ويقل العلم يوضح ذلك أن كثيرا من أصحاب أبي محمد من أتباع أبي الحسن الأشعري يصرحون بمخالفة السلف في مثل مسألة الإيمان ومسألة تأويل الآيات والأحاديث يقولون مذهب السلف أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وأما المتكلمون من أصحابنا فمذهبهم كيت وكيت وكذلك يقولون مذهب السلف أن هذه الآيات والأحاديث الواردة في الصفات لا تتأول والمتكلمون يريدون تأويلها إما وجوباً وإما جوازاً ويذكرون الخلاف بين السلف وبين أصحابهم المتكلمين هذا منطوق ألسنتهم ومسطور كتبهم[ ] أفلا عاقل يعتبر ومغرور يزدجر أن السلف ثبت عنهم ذلك حتى بتصريح المخالف ثم يحدث مقالة تخرج عنهم أليس هذا صريحا أن السلف كانوا ضالين عن التوحيد والتنزيه وعلمه المتأخرون وهذا فاسد بضرورة العلم الصحيح والدين المتين . وأيضاً فقد ينصر المتكلمون أقوال السلف تارة وأقوال المتكلمين تارة كما يفعله غير واحد مثل أبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي والرازي وغيرهم ولازم المذهب الذي ينصرونه تارة أنه هو المعتمد فلا يثبتون على دين واحد وتغلب عليهم الشكوك وهذا عادة الله فيمن أعرض عن الكتاب والسنة وتارة يجعلون إخوانهم المتأخرين أحذق وأعلم من السلف ويقولون طريقة السلف أسلم وطريقة هؤلاء اعلم وأحكم فيصفون إخوانهم بالفضيلة في العلم والبيان والتحقيق والعرفان والسلف بالنقص في ذلك والتقصير فيه أو الخطأ والجهل وغايتهم عندهم أن يقيموا أعذارهم في التقصير والتفريط . ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض فإنه وإن لم يكن تكفيرا للسلف كما يقوله من يقوله من الرافضة والخوارج ولا تفسيقا لهم كما يقوله من يقوله من المعتزلة والزيدية وغيرهم كان تجهيلا لهم وتخطئة وتضليلا ونسبة لهم إلى الذنوب والمعاصي وإن لم يكن فسقا فزعما أن أهل القرون المفضولة في الشريعة أعلم وأفضل من أهل القرون الفاضلة ومن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال والأقوال والاعتقاد وغيرها من كل فضيلة أن خيرها القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم من غير وجه وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة من علم وعمل وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وأضله الله على علم كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم وقال غيره عليكم بآثار من سلف فإنهم جاءوا بما يكفي وما يشفي ولم يحدث بعدهم خير كامن لم يعلموه هذا وقد قال صلى الله عليه و سلم لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم فكيف يحدث لنا زمان في الخير في أعظم المعلومات وهو معرفة الله تعالى هذا لا يكون أبداً وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا وأيضا فيقال لهؤلاء الجهمية الكلابية كصاحب هذا الكلام أبي محمد وأمثاله كيف تدعون طريقة السلف وغاية ما عند السلف أن يكونوا موافقين لرسول الله فإن عامة ما عند السلف من العلم والإيمان هو ما استفادوه من نبيهم الذي أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد الذي قال الله فيه هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله وقال تعالى لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وقال تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وأبو محمد وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة الذين يقولون إن الرسول لم يبين الحق في باب التوحيد ولا بين للناس ما هو الأمر عليه في نفسه بل أظهر للناس خلاف الحق والحق إما كتمه وإما أنه كان غير عالم به فإن هؤلاء الملاحدة من المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من المخالفين لما جاء به الرسول في الأمور العلمية كالتوحيد والمعاد وغير ذلك يقولون إن الرسول أحكم الأمور العملية المتعلقة بالأخلاق والسياسة المنزلية والمدنية ...)اهـ
ثم قال المجهول : ((وتكلم عنهم الإمام المجتهد شيخ الإسلام بدر الدين بن جَمَاعة الكِناني الشافعي في كتابه ( إيضاح الدليل ) ط1/دار السلام ص93 فقال ( ومن انتحل قول السلف ، وقال بتشبيه ، أو تكييف ، أو حَمْلِ اللفظ على ظاهره مما يتعالى الله عنه من صفات المحدثين ، فهو كاذب في انتحاله ، بريء من قول السلف واعتداله .. )) اهـ ))انتهى
قلت : وهذا مما لا ينكره أحد من الفرق الصفاتية لا سنياً ولا أشعرياً ولا سالمياً ولا مفوضاً ولا متوقفاً ولا غيره . الحاصل أنه لا حاجة لنقله .
ثم قال : ((وقد تكلم عنهم الإمام تاج الدين السبكي مستعملاً لفظ المجسمة بكلام غاية في المتانة والدقة وكأنه يلاحظ حال الحشوية اليوم في طعنهم بأهل السنة فقال في طبقاته ما نصه (1/192 ): (( .. وفي المبتدعة لا سيما المجسمة زيادة لا توجد في غيرهم ، وهو أنهم يرون الكذب لنصرة مذهبهم ، والشهادة على من يخالفهم في العقيدة بما يسوءه في نفسه وماله بالكذب تأييداً لاعتقادهم ، ويزداد حنقهم وتقربهم إلى الله بالكذب عليه بمقدار زيادته في النيل منهم ، فهؤلاء لا يحل لمسلم أن يعتبر كلامهم ... وقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زماننا هذا ، فصاروا يرون الكذب على مخالفيهم في العقيدة لا سيما القائم عليهم ، بكل ما يسوءه في نفسه وماله . وبلغني أن كبيرهم استفتي في شافعي : أيشهد عليه بالكذب ؟؟ فقال : ألست تعتقد أن دمه حلال ؟؟ قال : نعم ، قال : فما دون ذلك دون دمه فاشهد وادفع فساده عن المسلمين !!! فهذه عقيدتهم ، ويرون أنهم المسلمون وأنهم أهل السنة ، ولو عُدوا عدداً لما بلغ علماؤهم ولا عالم فيهم على الحقيقة مبلغاً يعتبر ، ويكفرون غالب علماء الأمة ثم يعتزون إلى الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه !!! وهو منهم بريء ، ولكنه كما قال بعض العارفين ، ورأيته بخط تقي الدين بن الصلاح : إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما ، وهما بريئان منهم : أحمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة ، وجعفر الصادق ابتلي بالرافضة....وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى أن كتب ( شرح صحيح مسلم ) للشيخ محي الدين النووي ، وحذف من كلام النووي ما تكلم به على أحاديث الصفات ، فإن النووي أشعري العقيدة ، فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنفه ، وهذا عندي من كبائر الذنوب ، فإنه تحريف للشريعة ، وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس وما في أيديهم من المصنفات ، فقبح الله فاعله وأخزاه ، وقد كان في غنية عن كتابة هذا الشرح ، وكان الشرح في غنية عنه .. )) اهـ . كلام الإمام السبكي مختصراً )) انتهى
قلت : أما قوله ( ولقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زماننا هذا ) فهذا من أبطل الباطل لأنه يعني بالمجسمة مثبتي الصفات الفعلية من أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية في عصره من الحنابلة وغيرهم . والخطابية قوم من الرافضة يعتقدون إلهية الأئمة وإلهية أبي الخطاب الأسدي ويقولون : إن جعفر الصادق قد أودعهم جلداً فيه ما يحتجون إليه من علم الغيب ويسمونه ( الجفر ) وزعموا أنه لا يقرأ ما فيه إلا من كان منهم وستحلون الكذب علي مخالفيهم ولذا لم يجز الشافعي شهادتهم وأشار إلى ذلك في كتاب الشهادات من الأم .وأخبارهم مشهورة في كتب المقالات ككتاب ((الفَرق بين الفِرق )) للبغدادي وغيره من كتب المقالات .
ثم إن السبكي هذا قد خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فإنه لو قصد بالمجسمة الرافضة من الخطابية وغيرهم لصدق لأن الرافضة منهم هشام بن الحكم الرافضي أول من قال :إن الله جسم . ولكنه حمل مجسمة زمانه بزعمه الذين هم أهل السنة علي الحقيقة علي قوم من أكفر خلق الله وهم الخطابية .
وأما قوله (( إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما ، وهما بريئان منهم : أحمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة )) فهو كما قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 3 / 186 ) : " وقلت لهذا الشيخ من فى أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - حشوى بالمعنى الذى تريده الأثرم ؟ أبو داود ؟ المروذى ؟ الخلال ؟ أبو بكر عبدالعزيز ؟ أبو الحسن التميمى ؟ ابن حامد ؟ القاضى أبو يعلى ؟ أبو الخطاب ؟ ابن عقيل ؟ .....ورفعت صوتى وقلت سمهم قل لى منهم من هم ؟ أبكذب ابن الخطيب وإفترائه على الناس فى مذاهبهم تبطل الشريعة وتندرس معالم الدين كما نقل هو وغيره عنهم أنهم يقولون : إن القرآن القديم هو أصوات القارئين ومداد الكاتبين وأن الصوت والمداد قديم أزلى من قال هذا؟ وفى أى كتاب وجد هذا عنهم ؟ قل لى وكما نقل عنهم أن الله لا يرى فى الآخرة باللزوم الذى ادعاه والمقدمة التى نقلها عنهم "اهـ
قلت : آمن المجسمة الموفق ابن قدامة أم الشيخ أبو عمر المقدسي أم الشيخ عبد القادر أم المجد ابن تيمية أم شيخ الإسلام أم ابن مفلح أم ابن عبد الهادي أم ابن القيم أم المزي أم من ؟!
وأما قوله : ((وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى أن كتب ( شرح صحيح مسلم ) للشيخ محي الدين النووي ...إلخ ) فليقل من هو ذلك المجسم بزعمه الذي فعل ذلك ؟ فإن شيخ الإسلام وأتباعه معاصري ذيالك السبكي لا يعرف عنهم قدح في مثل الشيخ أبي زكريا النووي بل يذكرونه في مصنفاتهم ويعدونه من العلماء انظر مجموع الفتاوي ( 3 / 224 و 25 / 148 ) و شرح الأصفهانية ( 196 ) و إغاثة اللهفان ( 1 / 228 ) و جلاء الأفهام ( 463 و 466 و 467 و 473 ) وحاشية ابن ماجه ( 9 / 209 ) وزاد المعاد ( 1 / 370 و 376 و 2 /401 و 5 / 337 ) وغير ذلك .
ثم قال : ((فانظر كيف وصفهم قبل 700 سنة وكأنه يرى حال مجسمة اليوم رحمه الله تعالى ، وهكذا كلما ظهروا ونشروا التشبيه والتجسيم قام عليهم الأئمة والعلماء فأجحروهم وبينوا للناس أمرهم وكشفوا عن حقيقة عقائدهم وسمهوهم باسمهم الحقيقي وهو المجسمة والحشوية المشبهة ، هذا وكما رد عليهم الأئمة في سالف الزمان وفي كل آن كما قدمنا فكذلك سار العلماء القريبون من عصرنا وعلى رؤوسهم علماء الزهر الشريف ))انتهى
قلت : بل هذا من محض الزور والافتراء والتحطط علي أولياء الله بما ليس فيهم مما لا يطلقه غير أهل الأهواء والبدع قال الطحاوي :" وعلماء السَّلف من السَّابقين ومَن بعدهم من اللاَّحقين أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنَّظر، لا يُذكرون إلاَّ بالجميل، ومَن ذكرهم بسوءٍ فهو على غير السَّبيل " اهـ
وقال أبو حاتم :" علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر "اهـ وابن السبكي مع ذلك لديه من التزيد في الثناء علي أهل البدع من الملة الأشعرية ما لا يقال بعضه في أصحاب رسول الله والتابعين لهم بإحسان ومن ذلك ما قاله في والده تقي الدين السبكي علي بن عبد الكافي إذ قال ناقلاً: ((حجة المذاهب مفتي الفرق قدوة الحفاظ آخر المجتهدين قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن صاحب التصانيف التقي البر العلي القدر سمي علي ! كرم الله وجهه ! الذي هو باب العلم ! ))اهـ نقلاً عن ابن فضل العمري ساكتاً عليه !
وهذه عادة أهل البدع والأهواء التحطط واللمز لخصومهم مع التزيد في أقدار أنفسهم[ ] ومن أولئك الذين صاروا صاروا أعلاماً على تلك العادة إمام الجهمية محمد زاهد الكوثري الذي يطبع له كتاب ( تأنيب الخطيب ! ) وعلى طرته ((تأليف الإمام الفقيه المحدث ، والحجة الثقة المحقق العلامة الكبير.. )) في حين أنه يطعن في أحمد ومالك والشافعي ....!بل يطعن في (( المسند )) الذي هو أعظم داويين السنة قائلاً ( الإشفاق : ص 27 )( والمسند مع انفراد ابن المذهب ! والقطيعي بروايته لا يكون موضع تعويل في شيء ! ))اهـ وغير ذلك من سخافاته وهذيانه وهذا غير منكر مع تغير الأزمان وفي الله خلف والله المستعان .
ثم قال المجهول : ((وهذه إحدى فتاوى علماء الأزهر الشريف تفضح عقائد الحشوية المشبهة وتبين أساليبهم وادعائهم أنهم سلفية !! وهذه كانت دعواهم قديماً كما قال الإمام سلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام ، فإليكم هذه الفتيا :قال الإمام العلامة المحدث المجدد ! أبو محمد محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكي الأزهري مؤسس الجمعية الشرعية بمصر وصاحب ( المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود ) المتوفى سنة 1352هـ رحمه الله تعالى قال في كتابه [ إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات .. ] ص2 : الحمد لله رب العالمين ، المنـزه عن صفات المخلوقين ، كالجهة والجسمية والمكان والفوقية ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الذي جاء بمحو الشرك والإلحاد وأمرنا بتنزيه الله تعالى عن صفات العباد ، والمنـزل عليه ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ) وقوله : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين . ( أما بعد ) فيقول : محمود بن محمد بن أحمد خطاب السبكي : قد سألني بعض الراغـبـيـن في معرفة عقائد الدين ، والوقوف على مذهب السلف والخلف في المتشابه من الآيات والأحاديث بما نصه ))انتهى
قلت : لعل القارئ على ذكر من صدر كلام ذلك المجهول حول ( لفظة الحشوية ) فليعلم أنه أراد إثباتها ثم تنزيلها علي قوم مخصوين مشتشهداً في ذلك بنصوص شذر مذر لا زمام لها ولا خطام ولا رابط بينها ولا موصل ...ثم يتابع ذلك ناقلاً عن السبكي أحد جهمية العصر الذي ارتضي لنفسه لقي ( إمام أهل السنة والجماعة ! ) الذي يقول فيما سبق : ((الحمد لله رب العالمين ، المنـزه عن صفات المخلوقين ، كالجهة والجسمية والمكان والفوقية )) فيقال : أيها الغافل الأنوك هل ( الفوقية ) من صفات المخلوقين ؟! ثم إن المخلوقين منهم ما لا يتصف بالجسمية وهي المعاني المخلوقة والمدركات الذهنية . وقوله ( المنزه عن صفات المخلوقين ) إطلاق فيه تعد فإن من صفات المخلوقين الوجود والحياة ... ونحوها والله غير منزه عن ذلك فأولى أن يقول ( المنزهة صفاته عن مماثلة صفات المخلوقين ) .
ثم أورد السؤال فقال نص سؤال السائل ) : ما قول السادة العلماء حفظهم الله تعالى فيمن يعتقد أن الله عز وجل له جهة !! وأنه جالس على العرش في مكان مخصوص !! ويقول : ذلك هو عقيدة السلف !! ويحمل الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد ويقول لهم من لم يعتقد ذلك يكون كافراً !! مستدلاً بقوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) وقوله عز وجل : ( ءأمنتم من في السماء ) أهذا الاعتقاد صحيح أم باطل ؟؟؟ وعلى كونه باطلاً أيكفر ذلك القائل باعتقاده المذكور ويبطل كل عمله من صلاة وصيام وغير ذلك من الأعمال الدينية وتبين منه زوجه ؟؟؟ وإن مات على هذه الحال قبل أن يتوب لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ؟؟؟ وهل مَنْ صَدّقَه في ذلك الاعتقاد يكون كافراً مثله ؟؟ وما قولكم فيما يقوله بعض الناس من أن القول بنفي الجهات الست عن الله تعالى باطل لأنه يلزم عليه نفي وجود الله تعالى ؟؟؟ أفيدونا مأجورين مع بيان مذهب السلف والخلف في هاتين الآيتين ونحوهما من الآيات المتشابهات كـ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وأحاديث الصفات كحديث ( ينـزل ربنا إلى السماء الدنيا ) وحديث البجارية بيانا شافياً مع ذكر أقوال علماء التفسير والحديث والفقه والتوحيد مع الإيضاح الكامل لتنقطع ألسنة المجازفين الذين يشبهون الله تعالى بخلقه ويعتقدون أن ما ذهب إليه علماء الخلف من التأويل كفر زاعمين أنه مذهب الجـهـمـيـة الكفرة ، وأشاعوا ذلك بين العوام !! جزاكم الله تعالى عن الدين وأهله أحسن الجزاء ))اهـ

أبوقتادة وليد الأموي
2010-03-20, 10:37 PM
ثم أجاب فقال: ((فأجبت بعون الله تعالى فقلت : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الهادي إلى الصواب ، والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب ، وعلى آله وأصحابه الذين هداهم الله ورزقهم التوفيق والسداد ، أما بعد ، فالحكم أن هذا الاعتقاد باطل ومعتقده كافر بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين ، والدليل العقلي على ذلك : قدم الله تعالى ومخالفته للحوادث ، والنقلي قال تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فكل من اعتقد أنه تعالى حل في مكان أو اتصل به أو بشيء من الحوادث كالعرش أوالكرسي أو السماء أو الأرض أو غير ذلك فهو كافر قطعاً ))اهـ
قلت :هذا دأبهم في التلبيس والتدليس يطلقون أحكاماً علي الأمور التي لا خلاف فيها حتي يتوهم الجهلة والغفل أن تلك الأحكام تشتمل أهل السنة أتباع السلف وإلا فمن قال من أتباع السلف إن الله تعالى حل في مكان أو اتصل بشيء من الحوادث المخلوقة ؟ نبؤني بعلم إن كنتم صادقين قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 1 / 376 ) : ((وهو سبحانه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ليس فى مخلوقاته شىء من ذاته ولا فى ذاته شىء من مخلوقاته وهو سبحانه غنى عن العرش وعن سائر المخلوقات لا يفتقر الى شىء من مخلوقاته بل هو الحامل بقدرته العرش وحملة العرش )) اهـ وحكى على ذلك إجماع السلف ( 2 / 126 ) .ونقل عن الهروي قال :أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية حدثنا علي بن الحسن السلمي سمعت أبي يقول حبس هشام بن عبيد الله وهو الرازي صاحب محمد بن الحسن الشيباني رجلاً في التجهم فتاب فجئ به إلى هشام ليمتحنه فقال الحمد لله على التوبة أتشهد أن الله تعالى على عرشه بائن من خلقه فقال أشهد أن الله على عرشه ولا أدري ما بائن من خلقه فقال ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب "اهـ من بيان تلبيس الجهمية .
ثم قال : ((وأما حمله الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد المكفر وقوله لهم من لم يعتقد ذلك يكون كافراً !! فهو كفر وبهتان عظيم ، واستدلاله على زعمه الباطل بهاتين الآيتين ونحوهما أن الله عز وجل يحل في عرشه أو يجلس عليه أو يحل في سماء أو نحو ذلك مما تزعمه تلك الشرذمة ))انتهى
قلت : تقدم أن الله لا يحل في شيء من خلقه ولا يحل فيه شيء من خلقه وإنما له العلو المطلق علي جميع مخلوقاته وهو فوق العرش غنياً عن العرش وغيره وأما الجلوس على العرش فهو حرف لم يقله السلف ابتداء إنما قالوا في الاستواء أنه معلوم المعني كما قال مالك الإمام : (( الاستواء معلوم )) ومعناه عندهم على أربعة أوجه قال ابن القيم :
فلهم عبارات عليها أربع قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك ار تفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو أربع وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن
والأشعري يقول تفسير استوى بحقيقة استولى من البهتان
هو قول أهل الاعتزال وقول أتباع لجهم وهو ذو بطلان
وقالوا في قوله تعالى (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) إنه الله تعالى و( في السماء ) أي علي السماء كما قال فرعون ( لأصلبنكم في جذوع النخل )[ طه : 71 ] أي علي جذوع النخل وكما قال تعالى ( قل سيروا في الأرض ) أي عليها ولم يقل أحد من السلف عن الله في السماء أي تحتويه السماء أو داخل فيها بل هذا كفر بإجماعهم .
ثم قال : (( مع أن كلام الله غير مخلوق وهو من صفات الله تعالى القديمة الموجودة قبل وجود العرش والسماوات ، فالله تعالى موصوف بأنه استوى على العرش قبل وجود العرش ، وهل كان جالساً ـ على زعمهم ـ على العرش المعدوم قبل وجوده ؟؟!! ))اهـ
قلت :أما قوله ( بأن كلام الله غير مخلوق وهو من صفات الله القديمة ) قاصداً بذلك المعنى النفسي كما تزعم الأشاعرة فباطل كسائر كلامه فإنهم كما قال الموفق ابن قدامة لم يتنازعوا في الكلام النفسي ! في زمن المحنة ولا في غيرها بل لم يخطر ببالهم التنازع في صفة الله القائمة بذاته إنما تنازع الناس في القرآن الذي بين أيديهم المتلو على ألسنتهم المحفوظ في صدورهم ولم يقل واحد منهم إن صفة الله ( الكلام ) القائمة به مخلوقة .
وأما ادعاؤه أنهم يقولون إن الله جالس على العرش فيقال :هل قالوا أيها البقباق النفاج إنه تعالى جالس علي العرش قبل وجوده ؟! إنما قولهم ( إنه استوى علي العرش ) كما قال لا يتعدون النص ما ذنبهم إذ قالوا ما قال ربهم فالله أخبر أنه خلق السموات والأرض ثم استوى على العرش وهو من قبل ومن بعد فوق خلقه جميعاً العرش وغيره وأما قبل العرش فإنه فوق خلقه ولما خلق العرش كان فوق خلقه وفوق العرش الذي هو أعلى مملكته سبحانه وتعالى .ومن قال منهم إنه جالس على العرش قاله إمعاناً في مخالفة الجهمية نفاة الاستواء أو مؤولته .
ثم قال : ((وهل جل جلاله في السماء قبل خلق السماء ؟؟!! هذا مما لا يتوهمه عاقل ، وهل العقل يصدق بحلول القديم في شيء من الحوادث ؟؟!! ))اهـ
قلت :هذا عدو نفسه لم يجد له خصيماً فخاصم نفسه لم يقل أحد إنه داخل السماء ليقول هذا المماري المتعالي ذلك الكلام .
ثم قال : ((وعلى الجملة ! فهذا القائل المجازف وأمثاله قد ادعوا ما لا يقبل الثبوت لا عقلا ولا نقلا ، وقد كفروا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، والطامة الكبرى التي نـزلت بهؤلاء دعواهم أنهم ( سلفيون ) !!!!! ، وهم عن سبيل الحق زائغون ، وعلى خيار المسلمين يعيبون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وأما مذهب السلف والخلف بالنسبة للآيات والأحاديث المتشابهة فقد اتفق الكل على أن الله تعالى منـزه عن صفات الحوادث ، فليس له عز وجل مكان في العرش ولا في السماء ولا في غيرهما ، ولا يتصف بالحلول في شيء من الحوادث ، ولا بالاتصال بشيء منها ، ولا بالتحول والانتقال ونحوهما من صفات الحوادث ، بل هو سبحانه وتعالى على ما كان عليه قبل خلق العرش والكرسي والسماوات وغيرها من الحوادث ، ( قال الحافظ في الفتح ) : (( اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير )) اهـ .
وإنما اختلفوا في بيان المعنى المراد من هذه الآيات والأحاديث ، فالسلف رضي الله عنهم يؤمنون بها كما وردت معتقدين أنها مصروفة عن ظاهرها لقوله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ويفوضون علم المراد منها إلى الله تعالى لقوله :" وما يعلم تأويله إلا الله " ))اهـ
قلت : وهذا كذب على السلف وتجهيل لهم قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 13 / 294 - 299 ) :" وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك فى المتشابه الذى لا يعلم تأويله الا الله أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذى استأثر الله بعلم تأويله كما يقول كل واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم فإنهم وان أصابوا فى كثير مما يقولونه ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم فالكلام على هذا من وجهين :
الأول :من قال إن هذا من المتشابه وأنه لا يفهم معناه فنقول أما الدليل على بطلان ذلك فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل فى هذه الآية ونفى أن يعلم أحد معناه وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمى الذى لا يفهم ولا قالوا ان الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة قالوا فى أحاديث الصفات تمر كما جاءت ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التى مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة فى أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها ويفهمون منها بعض ما دلت عليه كما يفهمون ذلك فى سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل وغير ذلك وأحمد قد قال فغير أحاديث الصفات تمر كما جاءت وفى أحاديث الوعيد مثل قوله من غشنا فليس منا وأحاديث الفضائل ومقصوده بذلك أن الحديث لا يحرف كلمه عن مواضعه كما يفعله من يحرفه ويسمى تحريفه تأويلا بالعرف المتأخر فتأويل هؤلاء المتأخرين عند الأئمة تحريف باطل وكذلك نص أحمد فى كتاب الرد على الزنادقة والجهمية أنهم تمسكوا بمتشابه القرآن وتكلم أحمد على ذلك المتشابه وبين معناه وتفسيره بما يخالف تأويل الجهمية وجرى فى ذلك على سنن الأئمة قبله فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه وأنه لا يسكت عن بيانه وتفسيره بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه أو إلحاد فى أسماء الله وآياته ومما يوضح لك ما وقع هنا من الاضطراب أن أهل السنة متفقون على ابطال تأويلات الجهمية ونحوهم من المنحرفين الملحدين و التأويل المردود هو صرف الكلام عن ظاهره الى ما يخالف ظاهره فلو قيل ان هذا هو التأويل المذكور فى الاية وأنه لا يعلمه الا الله لكان فى هذا تسليم للجهمية أن للآية تأويلاً يخالف دلالتها لكن ذلك لا يعلمه إلا الله وليس هذا مذهب السلف والأئمة وإنما مذهبهم نفى هذه التأويلات وردها لا التوقف فيها وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها وتمر كما جاءت دالة على المعانى لا تحرف ولا يلحد فيها . والدليل على أن هذا ليس بمتشابه لا يعلم معناه أن نقول لا ريب أن الله سمى نفسه فى القرآن بأسماء مثل الرحمن والودود والعزيز والجبار والعليم والقدير والرءوف ونحو ذلك ووصف نفسه بصفات مثل سورة الاخلاص و آية الكرسى وأول الحديد وآخر الحشر وقوله ان الله بكل شىء عليم و على كل شىء قدير وأنه يحب المتقين و المقسطين و المحسنين وأنه يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلما آسفونا انتقمنا منهم ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط الله ولكن كره الله انبعاثهم الرحمن على العرش استوى ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم وهو الذى فى السماء اله وفى الأرض اله وهو الحكيم العليم اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه إننى معكما أسمع وأرى وهو الله فى السموات وفى الأرض ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام يريدون وجهه ولتصنع على عينى الى امثال ذلك فيقال لمن ادعى فى هذا أنه متشابه لا يعلم معناه أتقول هذا فى جميع ما سمى الله ووصف به نفسه أم فى البعض فان قلت هذا فى الجميع كان هذا عنادا ظاهرا وجحدا لما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام بل كفر صريح فانا نفهم من قوله إن الله بكل شىء عليم معنى ونفهم من قوله ان الله على كل شىء قدير معنى ليس هو الأول ونفهم من قوله ورحمتى وسعت كل شىء معنى ونفهم من قوله إن الله عزيز ذو انتقام معنى وصبيان المسلمين بل وكل عاقل يفهم هذا وقد رأيت بعض من ابتدع وجحد من أهل المغرب مع انتسابه الى الحديث لكن أثرت فيه الفلسفة الفاسدة من يقول إنا نسمى الله الرحمن العليم القدير علماً محضاً من غير أن نفهم منه معنى يدل على شىء قط وكذلك فى قوله ولا يحيطون بشىء من علمه يطلق هذا اللفظ من غير أن نقول له علم وهذا الغلو فى الظاهر من جنس غلو القرامطة فى الباطن لكن هذا أيبس وذاك أكفر ثم يقال لهذا المعاند فهل هذه الأسماء دالة على الإله المعبود وعل حق موجود أم لا فان قال لا كان معطلاً محضاً وما أعلم مسلماً يقول هذا وإن قال نعم قيل له فلم فهمت منها دلالتها على نفس الرب ولم تفهم دلالتها على ما فيها من المعانى من الرحمة والعلم وكلاهما فى الدلالة سواء فلابد أن يقول نعم لأن ثبوت الصفات محال فى العقل لأنه يلزم منه التركيب أو الحدوث بخلاف الذات فيخاطب حينئذ بما يخاطب به الفريق الثانى كما سنذكره وهو من أقر بفهم بعض معنى هذه الأسماء والصفات دون بعض فيقال له ما الفرق بين ما أثبته وبين ما نفيته أو سكت عن إثباته ونفيه فإن الفرق إما أن يكون من جهة السمع لأن أحد النصين دال دلالة قطعية أو ظاهرة بخلاف الآخر أو من جهة العقل بأن أحد المعنيين يجوز أو يجب اثباته دون الآخر وكلا الوجهين باطل فى أكثر المواضع أما الأول فدلالة القرآن على أنه رحمن رحيم ودود سميع بصير على عظيم كدلالته على أنه عليم قدير ليس بينهما فرق من جهة النص وكذلك ذكره لرحمته ومحبته وعلوه مثل ذكره لمشيئته وإرادته وأما الثانى فيقال لمن أثبت شيئا ونفى آخر لم نفيت مثلاً حقيقة رحمته ومحبته وأعدت ذلك الى إرادته فإن قال لأن المعنى المفهوم من الرحمة فى حقنا هى رقة تمتنع على الله قيل له والمعنى المفهوم من الإرادة فى حقنا هى ميل يمتنع على الله فإن قال إرادته ليست من جنس إرادة خلقه قيل له ورحمته ليست من جنس رحمة خلقه ...))اهـ
والعجب من هؤلاء يصفون أهل السنة بالحشوية ثم يقولون ومنهم الرازي في المحصول والجويني في البرهان ومن تبعهما يقولون إن الحشوية يقولون إن في القرآن حشواً لا معنى له وهذا لم يقله السلف ( من القائلين بذلك عبد الجبار والقاضي أبو الحسين البصري ) إنما قولوه للسلف ثم عابوه عليهم حتى إن السبكي قد استحيا من ذلك الخزي فقال وما أصفق وجهه! ( الإبهاج 1 / 361 ): ((وقيل المراد بالحشوية الطائفة الذين لا يرون البحث في آيات الصفات التي يتعدد إجراؤها على ظاهرها بل يؤمنون بما أراده الله مع جزمهم المعتقد بأن الظاهر غير مراد ولكنهم يفوضون التأويل إلى الله سبحانه وتعالى وعلى هذا فإطلاق الحشوية عليهم غير مستحسن لعدم مناسبته لمعتقدهم ولأن ذلك مذهب طوائف السلف من أهل السنة رضي الله عنهم ))انتهى
وأما قوله بنفي الانتقال والحركة على الله فهو من كلام المعتزلة مخانيث الفلاسفة حكاه عنهم الأشعري وغيره في المقالات مع العلم أن السلف لم يطلقوا على الله أنه يتحرك أو ينتقل وإنما قالوه مشاكلة للمعتزلة الذين نفوا ذلك تذرعاً لنفي نزوله سبحانه وتعالى فقابل السلف ذلك بنقضه ونفيه لان فيه تذرعاً إلى إبطال الصفات كالاستواء والنزول والمجئ بل والحياة قال الدارمي في نقضه على بشر المريسي ( نقض الدارمي 1 / 215 – 216 ) :" وأما دعواك أن تفسير القيوم الذي لا يزول من مكانه ولا يتحرك فلا يقبل منك هذا التفسير إلا بأثر صحيح مأثور عن رسول الله أو عن بعض أصحابه أو التابعين لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك كل حي متحرك لا محالة وكل ميت غير متحرك لا محالة . ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة إذا فسر نزوله مشروحا منصوصا ووقت لنزوله وقتاً مخصوصاً لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لبساً ولا عويصاً "اهـ
وذا قال الفضيل بن عياض ( خلق أفعال العباد للبخاري : ص 19 ) : إذا قال لك جهمي : أنا أكفر برب يزول عن مكانه ، فقل : أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء .
ثم قال ذلك السبكي : (( فيقولون في آية ( الرحمن على العرش استوى ) استوى استواء يليق به لا يعلمه إلا هو عز وجل ، وفي آية ( ءأمنتم من في السماء ) نؤمن بها على المعنى الذي أراده سبحانه وتعالى مع كمال التنـزيه عن صفات الحوادث والحلول ويقولون في آية ( يد الله فوق أيديهم ) له يد لا كأيدينا ولا يعلمها إلا هو تعالى ، وهكذا في سائر الآيات المتشابهة ، قال الإمام الجليل السلفي ابن كثير في الجزء الثالث من تفسيره صفحة 488 ما نصه : (( وأما قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ليس هذا موضع بسطها ، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله تعالى ، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال : من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى ونفى عن الله النقائص فقد سلك سبيل الهدى ))انتهى
قلت :وهذا ليس فيه أدنى حجة لكم . والسلف إذ تكلموا في الاستواء تكلموا بما تفهمه العامة وتعقله وعليه أنزل الله الكتاب لم ينزله طلاسم لا يدريها أحد كما يقول بعضهم ولا أنزله مباحث لا يخبرها غير فئة قليلة من الخاصة كما تقول الباطنية إنما أنزله بما يفهم ولذا قال ابن عيينة : تفسيره تلاوته . أي أنه غير مشكل ولا غائر المعنى لتتكلفوا تأويله ولذا جميع آيات الصفات لم يعدها المصنفون في الغريب من الغريب إنما هي من البين السهل القريب ولذا قال يزيد بن هارون ( خلق أفعال العباد :ص 19 ):" من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي "اهـ
فالرب رب واحد وكتابه حق وفهم الحق منه دانِ
ورسوله قد أوضح الحق المبين بغاية الايضاح والتبيانِ
ما ثم أوضح من عبارته فلا يحتاج سامعها إلى تبيانِ
ثم قال السبكي الجهمي الذي لا يدري من يعبد : ((ويقولون في حديث ( ينـزول ربنا إلى سماء الدنيا ) ينـزل نزولاً يليق به لا يعلمه إلا هو تعالى ، وأما حديث الجارية وهو ما أخرجه مسلم وأبو داود في باب نسخ الكلام في الصلاة من طريق معاوية بن الحكم ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية : ( أين الله ؟ ) قالت : ( في السماء ) قال : ( من أنا ؟ ) قالت : ( أنت رسول الله ) قال أعتقها فإنها مؤمنة ، فيقولون فيه ما قالوه في آية ( ءأمنتم من في السماء ) وهكذا سائر أحاديث الصفات المتشابهة ، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله ) قالوا الوقف هنا تام ، وأما الراسخون في العلم إلخ فكلام مستأنف لبيان أن أكابر ذوي العلم مصدقون بثبوت المتشابه في القرآن ))انتهى
قلت : تقدم الكلام عن كون آيات الصفات ليست من المتشابه الذي هو عند السبكي من الذي لا معني له وإنما أنزله الله لتتلوه الألسنة ولا تفهم منه شيئاً كالكلام الأعجمي .
ثم قال : ((وأما الخلف رحمهم الله تعالى فيقولون في هذه الآيات والأحاديث هي معروفة المعنى ، فمعنى ( الرحمن على العرش استوى ) استولى بالقهر والتصرف ، ومعنى ( ءأمنتم من في السماء ) من في السماء عذابه أو سلطانه ومصدر أمره ، أو هو كناية عن تعظيم الله تعالى بوصفه بالعلو والعظمة ، وتنـزيهه عن السفل والتحت لا أنه سبحانه وتعالى حال فيها !! لأن الحلول من صفات الأجسام وأمارات الحدوث والله منـزه عن ذلك ، ومعنى ( ينـزل ربنا إلى سماء الدنيا ) ينـزل رسوله أو رحمته ، وأما إقرار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجارية على إشارتها نحو السماء فاكتفاء منها بما يدل على عدم شركها لتعتق ، لأنه بإشارتها إلى السماء علم أنها ليست ممن يعبد الأصنام التي في الأرض ، وهكذا في سائر الآيات والأحاديث بناء منهم على كون الوقف في الآية الشريفة على قوله تعالى ( والراسخون في العلم ) مستدلين على ذلك بكون القرآن عربياً ، ولغة العرب ناطقة بتلك المعاني ، والفضل الزائد للسلف ))انتهى
قلت : قولهم استوى بمعني ( استولى ) مما لا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة ولا من لغة ولا عقل صحيح قال الإمام عبد العزيز الكناني وهو من قدماء أصحاب الشافعي الذي اتفقت جميع الطوائف علي تعظيمه : ((زعمت الجهمية في قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } [ طه : 5 ] إنما المعنى استولى كقول العرب : استوى فلان على مصر استوى فلان على الشام يريد استولى عليها ) قال : ( فيقال له : هل يكون خلق من خلق الله أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه فإذا قال : لا قيل له : فمن زعم ذلك ؟ فمن قوله : من زعم ذلك فهو كافر يقال له : يلزمك أن تقول : إن العرش قد أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه وذلك أن الله تبارك وتعالى أخبر أنه خلق العرش قبل خلق السماوات والأرض ثم استوى عليه بعد خلق السماوات والأرض .
قال الله عز وجل : { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء } [ هود : 7 ] فأخبر أن العرش كان على الماء قبل السماوات والأرض .
ثم قال : { خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا } [ الفرقان : 59 ] وقوله : { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم } [ غافر : 7 ] وقوله : { استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات } [ البقرة : 29 ] وقوله : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } [ فصلت : 11 ] فأخبر أنه استوى على العرش فيلزمك أن تقول : المدة التي كان على العرش فيها قبل خلق السماوات والأرض ليس الله بمستول عليه إذ كان استوى على العرش معناه عندك : استولى فإنما استولى بزعمك في ذلك الوقت لا قبله وقد روى عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا : قد بشرتنا فأعطنا قال : اقبلوا البشرى يا أهل اليمن قالوا : قد قبلنا فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان قال : كان الله قبل كل شيء وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح ذكر كل شيء ] وروي [ عن أبي رزين - وكان يجب النبي صلى الله عليه وسلم مسألته أنه قال : يا رسول الله كان ربنا قبل أن يخلق السماوات قال : ( فقال الجهمي : أخبرني كيف استوى على العرش ؟ أهو كما يقال : استوى فلان على السرير فيكون السرير قد حوى فلاناً وحده إذا كان عليه فيلزمك أن تقول : إن العرش قد حوى الله وحده إذا كان عليه لأنا لا نعقل الشيء على الشيء إلا هكذا قال : فيقال له : أما قولك : كيف استوى ؟ فإن الله لا يجري عليه : كيف وقد أخبرنا أنه استوى على العرش ولم يخبرنا كيف استوى فوجب على المؤمنين أن يصدقوا ربهم باستوائه على العرش وحرم عليهم أن يصفوا كيف استوى لأنهم لم يخبرهم كيف ذلك ولم تره العيون في الدنيا فتصفه بما رأت وحرم عليهم أن يقولوا عليه من حيث لا يعلمون فآمنوا بخبره عن الاستواء ثم ردوا علم كيف استوى إلى الله ولكن يلزمك أيها الجهمي أن تقول : إن الله محدود وقد حوته الأماكن إذ زعمت في دعواك أنه في الأماكن لأنه لا يعقل شيء في مكان إلا والمكان قد حواه كما تقول العرب : فلان في البيت والماء في الجب فالبيت قد حوى فلاناً والجب قد حوى الماء ويلزمك أشنع من ذلك لأنك قلت أفظع مما قالت به النصارى وذلك أنهم قالوا : إن الله عز وجل في عيسى وعيسى بدن إنسان واحد فكفروا بذلك وقيل لهم : ما أعظم الله إذ جعلتموه في بطن مريم ! وأنتم تقولون : إنه في كل مكان وفي بطون النساء كلهن وبدن عيسى وأبدان الناس كلهم ويلزمك أيضاً أن تقول : إنه في أجواف الكلاب والخنازير لأنها أماكن وعندك أن الله في كل مكان تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ! فلما شنعت مقالته قال : أقول : إن الله في كل مكان لا كالشيء في الشيء ولا كالشيء على الشيء ولا كالشيء خارجاً عن الشيء ولا مبايناً للشيء قال : فيقال له : أصل قولك : القياس والمعقول فقد دللت بالقياس والمعقول على أنك لا تعبد شيئاً لأنه لو كان شيئا داخلاً فمن القياس والمعقول أن يكون داخلاً في الشيء أو خارجاً منه فلما لم يكن في قولك شيئاً استحال أن يكون كالشيء في الشيء أو خارجاً من الشيء فوصفت لعمري ملتبساً لا وجود له وهو دينك وأصل مقالتك : التعطيل )]انتهى
وأما قوله في حديث الجارية فمن الهذيان وإن هذا يذكر بقول أبي حنيفة : إني لا أناظر الرجل حتى ينقطع إنما أناظره حتى يجن قالوا : كيف ذلك ؟ قال : يقول ما لم يقله أحد . ولعمر الله إن هذا مما لم يقله أحد بل ومن أبعد الأشياء عن الفطرة والمعقول فالرسول يقول ( أين الله ؟ ) والجارية تقول في السماء ولو كان كما يقول ذلك الأحمق لكان السؤال : من تعبدين ؟! كما هو بين .

أبوقتادة وليد الأموي
2010-03-20, 10:38 PM
ثم قال : ((وأما ما قيل من أنه يلزم من نفي الجهات الست عن الله نفي وجوده !! فهو قول باطل بالبداهة لما هو معلوم من أن الله عز وجل كان موجودا قبل وجود الجهات الست المذكورة ، وهي فوق وتحت وأمام وخلف ويمين وشمال ، بل كان موجودا قبل وجود العالم كله بإجماع السابقين واللاحقين ، فكيف يتوهم من عنده أدنى شائبة عقل أنه يلزم من نفي تلك الجهات عنه سبحانه وتعالى نفي وجوده جل وعلا ؟؟!! وكيف يتصور أن الله عز وجل القديم يتوقف وجوده على وجود بعض الحوادث أو كل الحوادث التي خلقها ؟؟!! ))انتهى
قلت : وهذا من أبطل الباطل ومن جنس كلام جهم فإنه قال : لا أقول الله شيء أو ليس بشيء . وقالت المعتزلة والأشاعرة : الله لا داخل العالم ولا خارجه وهذا باطل لأنه لا فرق إذن بينه وبين المعدوم لأن الله إما أن يكون داخل هذا العالم فيكون حالاً في خلقه أو بعضهم وهذا محال وإما أن يكون خارج العالم فوق خلقه أو تحتهم أو مجانباً لهم والآخران باطلان فتعين الأول وقد حكى الإجماع عليه غير واحد قال ابن القيم وقد عزى ذلك :
فالذات خصت بالسماء وإنما ال معلوم عم جميع ذي الأكوان
ذا ثابت عن مالك من رده فلسوف يلقى مالكاً بهوان
وكذاك قال الترمذي بجامع عن بعض أهل العلم والايمان
الله فوق العرش لكن علمه مع خلقه تفسير ذي ايمان
وكذاك أوزاعيهم أيضاً حكى عن سائر العلماء في البلدان
من قرنه والتابعين جميعهم متوافرين وهم أولو العرفان
إيمانهم بعلوه سبحانه فوق العباد وفوق ذي الأكوان
وكذاك قال الشافعي حكاه عنه البيهقي وشيخه الرباني
حقاً قضى الله الخلافة ربنا فوق السماء لأصدق العبدان
حب الرسول وقائم من بعده بالحق لا فشل ولا متوان
وكذلك النعمان قال وبعده يعقوب والألفاظ للنعمان
من لم يقر بعرشه سبحانه فوق السماء وفوق كل مكان
ويقر أن الله فوق العرش لا يخفى عليه هواجس الأذهان
فهو لا شك في تكفيره لله درك من إمام زمان
هذا الذي في الفقه الأكبر عندهم وله شروح عدة لبيان
وانظر مقالة أحمد ونصوصه في ذاك نلقاها بلا حسبان
فجميعها قد صرحت بعلوه وبالاستوا والفوق للرحمن
وله نصوص واردات لم تقع لسواه من فرسان هذا الشان
إذ كان ممتحناً بأعداء الـ حديث وشيعة التعطيل والكفران
واذا أردت نصوصه فانظر إلى ما قد حكي الخلال ذو الإتقان
وكذاك إسحاق الإمام فإنه قد قال ما فيه هدى الحيران
وابن المبارك قال قولاً شافيا إنكاره علم على البهتان
قالوا له ما ذاك نعرف ربنا حقاً به لنكون ذا إيمان
فأجاب نعرفه بوصف علوه فوق السماء مباين الأكوان
وبأنه سبحانه حقاً على الـ عرش الرفيع فجل ذو السلطان
وهو الذي قد شجع ابن خزيمةٍ إذ سل سيف الحق والعرفان
وقضي بقتل المنكرين علوه بعد استتابتهم من الكفران
وبأنهم يلقون بعد القتل فو ق مزابل الميتات والأنتان
فشفى الامام العالم الحبر الذي يدعي أمام أئمة الأزمان
وقد حكاه الحاكم العدل الرضى في كتبه عنه بلا نكران
وحكى ابن عبد البر في تمهيده وكتاب الاستذكار غير جبان
إجماع أهل العلم أن الله فو ق العرش بالإيضاح والبرهان
وأتى هناك بما شفى أهل الهدى لكنه مرض على الهميان
وكذا على الأشعري فإنه في كتبه قد جاء بالتبيان
من موجز وإبانة ومقالة ورسائل للثغر ذات بيان
وأتى بتقرير استواء الرب فو ق العرش بالايضاح والبرهان
وأتى بتقرير العلو بأحسن التقرير فانظر كتبه بعيان
والله ما قال المجسم مثل ما قد قاله ذا العالم الرباني
فأرموه ويحكم بما ترموا به هذا المجسم يا أولي العدوان
أو لا فقولوا أن ثم حزازة وتنفس الصعداء من حران
فسلوا الإله شفاء ذا الداء الـ عضال مجانب الإسلام والإيمان
وانظر إلى حرب وإجماع حكى لله درك من فتى كرماني
وانظر إلى قول ابن وهب أوحد الـ علماء مثل الشمس في الميزان
وأنظر إلى ما قال عبدالله في تلك الرسالة مفصحاً ببيان
من أنه سبحانه وبحمده بالذات فوق العرش والأكوان
وانظر الى ما قاله الكرخي في شرح لتصنيف امرء رباني
وانظر الى الأصل الذي هو شرحه فهما الهدى للمددٍ حيران
وانظر الى تفسير ذاك الفاضل الثبت الرضي المتطلع الرباني
ذاك الإمام ابن الامام وشيخه وأبوه سفيان فرازيانِ
وانظر إلى النسائي في تفسيره هو عندنا سفر جليل معان
واقرأ كتاب العرش للعبسي وهو محمد المولود من عثمان
واقرأ لمسند عمه ومصنف أتراهما نجمين بل شمسان
واقرأ كتاب الاستقامة للرضى ذاك ابن أصرم حافظ رباني
واقرأ كتاب الحافظ الثقة الرضى في السنة العليا فتى الشيباني
ذاك ابن أحمد أوحد الحفاظ قد شهدت له الحفاظ بالإتقان
واقرأ كتاب تأثرم العدل الرضى في السنة الأولى إمام زمان
وكذا الإمام ابن الامام المرتضى حقاً أبي داود ذي العرفان
تصنيفه نظما ونثرا واضح في السنة المثلى هما نجمان
واقرأ كتاب السنة الأولى التي* أبداه مضطلع من الإيمان
ذاك النبيل ابن النبيل وكتابه أيضاً نبيل واضح البرهان
وانظر إلى قول ابن أسباط الرضى وانظر إلى قول الرضى سفيان
وانظر إلى قول ابن زيد ذاك حماد وحماد الإمام الثاني
وانظر إلى ما قاله علم الهدى عثمان ذاك الدرامي الرباني
في نقضه والرد يا لهما كتا با سنة وهما لنا علمان
هدمت قواعد فرقة جهمية فخرت سقوفهم على الحيطان
وانظر الى ما في صحيح محمد ذاك البخاري العظيم الشان
من رده ما قاله الجهمي بالنقل الصحيح الواضح البرهان
وانظر إلى تلك التراجم ما الذي في ضمنها إن كنت ذا عرفان
وانظر الى ما قاله الطبري في الـ شرح الذي هو عندكم سفران
أعني الفقيه الشافعي اللالكا ئي المسدد ناصر الإيمان
وانظر إلى ما قاله علم الهدى التيمي في إيضاحه وبيان
ذاك الذي هو صاحب الترغيب والترهيب ممدوح بكل لسان
وانظر الى ما قاله في السنة الـ كبرى سليمان هو الطبراني
وانظر الى ما قاله شيخ الهدى يدعى بطلمنكيهم ذو شان
وانظر إلى قول الطحاوي الرضى وأجره من تحريف ذي بهتان
وكذلك القاضي أبو بكر هو ابن الباقلاني قائد الفرسان
قد قال في تمهيده ورسائل والشرح ما فيه جلي ببيان
في بعضها حقاً على العرش استوى لكنه استولى على الأكوان
وأتى بتقرير العلو وأبطل الـ لام التي زيدت على القرآن
من أوجه شتى وذا في كتبه باد لمن كانت له عينان
وانظر الى قول ابن كلاب وما يقضي به المعطل الرحمن
اخرج من النقل الصحيح وعقله من قال قول الزور والبهتان
أوليس الاله بداخل في خلقه أو خارج عن جملة الأكوان
وانظر الى ما قاله الطبري في التـ فسير والتهذيب قول معاني
وانظر الى ما قاله في سورة الـ أعراف مع طه ومع سبحان
وانظر الى ما قاله البغوي في تفسيره والشرح بالإحسان
في سورة الأعراف عند الاستوا فيها وفي الأولى من القرآن
وانظر الى ما قاله ذو سنة وقراءة ذاك الامام الداني
وكذاك سنة الأصبهاني أبي الـ شيخ الرضي المستل من حبان
وانظر الى ما قاله ابن سريج الـ بحر الخضم الشافعي الثاني
وانظر الى ما قاله علم الهدى أعني أبا الخير الرضي النعمان
وكتابه في الفقيه وهو بيانه يبدي مكانته من الإيمان
وانظر الى السنن التي قد صنف العلماء بالآثار والقرآن
زادت على المائتين منها مفردا أوفى من الخمسين في الحسبان
منها لأحمد عدة موجودة فينا رسائله الى الإخوان
واللاء في ضمن التصانيف التي شهراً ولم تحتج الى حسبان
فكثيرة جداً فمن يك راغبا فيها يجد فيها هدى الحيران
وهم النجوم لكل عبد سائر يبغى الإله وجنة الحيوان
أصحابها هم حافظوا الاسلام لا أصحاب جهم حافظو الكفران
وسواهم والله قطاع الطريـ ق أئمة تدعو الى النيران
ما في الذين حكيت عنهم آنفا من حنبلي واحد بضمان
بل كلهم والله شيعة أحمد فأصوله وأصولهم سيان
وبذاك في كتب لهم قد صرحوا وأخو العماية ما له عينان
أتظنهم لفظية جهلية مثل الحمير تقاد بالارسان
حاشاهم من ذاك بل والله هم أهل العقول وصحة الأذهان
قلت : أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع . وأولئك الذين قال البربهاري فيهم : ((واعلم أن أهل العلم لم يزالوا يردون قول الجهمية حتى كان في خلافة بني العباس تكلمت الرويبضة في أمر العامة وطعنوا على آثار رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخذوا بالقياس والرأي وكفروا من خالفهم فدخل في قولهم الجاهل والمغفل والذي لا علم له حتى كفروا من حيث لا يعلمون فهلكت الأمة من وجوه وكفرت من وجوه وتزندقت من وجوه وضلت من وجوه وابتدعت من وجوه إلا من ثبت على قول رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمره ونهيه وأصحابه ولم يتخطى أحداً منهم ولم يجاوز أمرهم ووسعه ما وسعهم ولم يرغب عن طريقتهم ومذهبهم وعلم أنهم كانوا على الإسلام الصحيح والإيمان الصحيح فقلدهم دينه واستراح . واعلم أن الدين إنما هو التقليد والتقليد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ))انتهى
أولئك هم " أمناءُ اللهِ من خليقتِه والواسطةُ بين النبيِّ - صلَّى اللهُ عليه و سلَّمَ - وأمتِه والمجتهدون في حفظِ ملتِه أنوارُهم زاهرةٌ وفضائلُهم سائرةٌ وآياتُهم باهرةٌ ومذاهبُهم ظاهرةٌ وحججُهم قاهرةٌ وكلُ فئةٍ تتحيزُ إلى هوى ترجعُ إليه أو تستحسنُ رأياً تعكفُ عليه سواهم فإنَّ الكتابَ عدتُهم والسنةَ حجتُهم والرسولُ فئتُهم وإليه نسبتُهم لا يعوجون على الأهواءِ ولا يلتفتون إلى الآراءِ يُقبلُ منهم ما رووا عن الرسولِ وهم المأمونون عليه والعدولُ حفظةُ الدينِ وخزنتُه وأوعيةُ العلمِ وحملتُه ومنهم كلُ عالمٍ فقيهٍ وإمامٍ رفيعٍ نبيهٍ وزاهدٍ في قبيلةٍ ومخصوصٍ بفضيلةٍ وقارئٍ متقنٍ وخطيبٍ محسنٍ وهم الجمهورُ العظيمُ وسبيلُهم السبيلُ المستقيمُ وكلُ مبتدعٍ باعتقادٍهم يتظاهرُ وعلى الإفصاحِ بغيرِ مذاهبِهم لا يتجاسر من كادهم قصمه اللهُ ومن عاندهم خذلَه اللهُ لا يضرهم من خذلهم ولا يفلحُ من اعتزلهم المحتاطُ لدينه إلى إرشادهم فقيرٌ وبَصَرُ الناظرِ بالسوء إليهم حسيرٌ وإنَّ اللهَ على نصرِهم لقديرٌ "[ ]
دريت من في عسكرنا أيها الجاهل المجهول الذين تزعم أنهم الحشوية الذين لا يعقلون ولا للنصوص يفهمون !
أنى يقاوم ذي العساكر طَمْطَمٌ[ ] أو تنكلوشا[ ] أو أخو اليونانِ
أعني أرسطو[ ] عابد الأوثان أو ذاك الكفور معلم الألحان[ ]
ذاك المعلم أولاً للحروف والثـ ـاني لصوت بئست العلمان
هذا أساس الفسق والحرف الذي وضعوا أساس الكفر والهذيان
أو ذلك المخدوع حامل راية الـ إلحاد ذاك خليفة الشيطان
أعني ابن سينا ذلك المحلول من أديان أهل الأرض ذا الكفران
وكذا نصير الشرك[ ] في أتباعه أعداء رسل الله والايمان
أو جعدُ أوجهمٌ وأتباعٌ له هم أمة التعطيل والبهتان
أو حفص[ ] أو بشرٌ أوالنَّظَّام[ ] ذا ـك مقدم الفساق والمجان
والجعفران[ ] كذاك شيطان ويد عى الطاق[ ] لا حييت من شيطان
وكذلك الشحام[ ] والعلاف[ ] والنـ جار أهل الجهل بالقرآن
والله ما في القوم شخص رافع بالوحي رأسا بل برأي فلان
وخيار عسكركم فذاك الأشعر ـي القرم ذاك مقدم الفرسان
لكنكم والله ما أنتم على إثباته والحق ذو برهان
هو قال أن الله فوق العرش واسـ ـتولى مقالة كل ذي بهتان
لكنكم أكفرتموه وقلتم من قال هذا فهو ذو كفران
فخيار عسكركم فأنتم منهم برآء إذ قربوا من الايمان
ثم قال الجهمي: ((وقد قال جمع من السلف والخلف إن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر كما صرح به العراقي ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو الحسن الأشعري والباقلاني ، ذكره العلامة ملا علي قاري في ( شرح المشكاة ) من الجزء الثاني صفحة 137 ))انتهى
قلت : وهذا كذب علي الشافعي ومالك ثم إن ( الجهة ) لفظ موهم لم تأت به النصوص فمن قال إن الله في جهة ( السفل ) فهو كافر ومن قال إن الله في العلو أو في السماء أو في الفوقية فقد نطق بما نطق بها الكتاب والسنة وعليه إجماع السلف فكيف يكفر ؟! قال ابن القيم :
من لي بشبه خوارج قد كفروا بالذنب تأويلاً بلا إحسانِ
ولهم نصوص قصروا في فهمها فأتوا من التقصير في العرفان
وخصومنا قد كفرونا بالذي هو غاية التوحيد والإيمان
الكفر حكم الله ثم رسوله بالشرع يثبت لا بقول فلان
من كان رب العالمين وعبده قد كفراه فذاك ذو الكفران
يا قوم أصل بلائكم أسماء لم ينزل بها الرحمن من سلطان
وهم في ذلك التكفير وهذا التضليل كما قال عنهم القرطبي ( تفسيره 6 / 386 ) عند أن ذكر الجوهر والعرض: (( .... وهذه الاصطلاحات وإن لم تكن موجودة في الصدر الأول فقد دل عليها معنى الكتاب والسنة فلا معنى لإنكارها.وقد استعملها العلماء واصطلحوا عليها وبنوا عليها كلامهم وقتلوا بها خصومهم ))انتهى
مع أنه قد قال من قبل ( 2 / 214 ): ((كان من درج من المسلمين من هذه الامة متمسكين بالكتاب والسنة، معرضين عن شبه الملحدين، لم ينظروا في الجوهر والعرض، على ذلك كان السلف ))اهـ
ثم إن هؤلاء سموا العرش حيزاً وقالوا منزه عن التحيز وسموا الصفات أعراضاً وقالوا منزه عن الأعراض وسموا العلو جهة وقالوا منزه عن الجهات وسموا حكمته غرضاً وقالوا منزه عن الأغراض وسموا أفعاله حوادث وقالوا منزه عن حلول الحوادث في ذاته وسموا يده ووجهه وقدمه جوارح وقالوا منزه عن الجوارح وكذلك سموها أعضاء وقالوا منزه عن التركيب ...وفي الجملة فقد سموا توحيده تجسمياً وقالوا منزه عن الجسمية !
ثم ذكر المجهول من صدق على ذلك الهذيان من جهلة جهمية الأزهر ثم انتهت رسالته الفاضحة له ولمن اعتد بها من الرذال الناضحة بما احتوته من التجهم والضلال وبه ينتهى الرد عليها وكشف أباطيلها والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

تذييل بالرد على السبكي والكوثري
قال على بن عبد الكافي السبكي الخزرجي ( 683 – 656 ) في كتابه (( السيف الصقيل بالرد علي ابن زفيل )) :" وليس على العقائد أضر من شيئين: علم الكلام والحكمة اليونانية، وهما في الحقيقة علم واحد، وهو العلم الإلهي، لكن اليونان طلبوه بمجرد عقولهم، والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل معاً. وافترقوا ثلاث فرق إحداها غلب عليها جانب العقل وهم المعتزلة والثانية غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية والثالثة ما غلب عليها أحدهما بل بقى الأمران مرعيين عندها على حد سواء وهم الأشعرية وجميع الفرق الثلاث في كلامها مخاطرة إما خطأ في بعضه وإما سقوط هيبة، والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون على الفطرة السليمة "اهـ
قلت : أما قوله ( والثانية غلب عليها النقل ) فهذا مما لا تعاب به الفرق فاتباع النقول وتحري اقتفاء الآثار أمر محمود باتفاق المسلمين ومن ذم فرقة بمثل ذلك فهو كافر بالله العظيم بإجماع أئمة المسلمين ولذا قال الإمام سفيان الثوري :" إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل "اهـ وكيف تعيبون علي الحشوية ! ذلك وهم إنما تبعوا الحشوي الأول ! ابن عمر ابن الخليفة الذي نبزتموه بذلك لتعظيمه للآثار وهو الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاح وقال فيه (( نعم الرجل عبد الله ) قال أبو جعفر الباقر :" كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لا يزيد ولا ينقص، ولم يكن أحد في ذلك مثله "اهـ
وقال خارجة بن مصعب[ ]: عن موسى بن عقبة، عن نافع، قال: لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقلت: هذا مجنون .
وقال نافع[ ]:ابن عمر كان يتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مكان صلى فيه، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة، فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس .
وقال زيد بن أسلم[ ]: أن ابن عمر كان يصفر حتى يملا ثيابه منها، فقيل له: تصبغ بالصفرة ؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها .
وقال ابن وهب[ ]: عن مالك، عمن حدثه، أن ابن عمر كان يتبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآثاره وحاله، ويهتم به، حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك.
فلينظر من بقي له ناظران في وجهه بعد عمي ناظري قلبه إلى ابن عمر واقتفائه الآثار وغلبة ذلك عليه وهو الحشوي الأول ! ثم لينظر إلى ورثة تركته من الحشوية ويري أخالفوه أم وافقوه !
ثم قال الكوثري في الحاشية : ((ومنهم أصناف المشبهة والمجسمة، وسبب تسميتهم حشوية أن طائفة منهم حضروا مجلس الحسن البصري بالبصرة وتكلموا بالسقط عنده فقال: ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة- أي جانبها- فتسامع الناس ذلك وسموهم الحشَوية -بفتح الشين، ويصح إسكانها- لقولهم بالتجسيم؛ لأن الجسم محشو، راجع شفاء الغليل للشهاب الخفاجي، وذيل لب اللباب في تحرير الأنساب للشيخ المحدث أبي العباس أحمد العجمي، ومقدمة ما كتبنا، على تبين كذب المفتري.
والحشوية هم الذين حادوا عن التنـزيه وتقولوا في الله بأفهامهم المعوجة وأوهامهم الممجوجة، وهم مهما تظاهروا باتباع السلف إنما يتابعون السلف الطالح دون السلف الصالح، ولا سبيل إلى استنكار ما كان عليه السلف الصالح من إجراء ما ورد في الكتاب والسنة المشهورة في صفات الله سبحانه على اللسان، مع القول بتنـزيه الله سبحانه تنـزيها عاما بموجب قوله تعالى: ليس كمثله شيء بدون خوض في المعنى ولا زيادة على الوارد ولا إبدال ما وَرَد بما لم يرد، وفي ذلك تأويل إجمالي بصرف الوارد في ذات الله سبحانه عن سمات الحدوث من غير تعيين المراد، وهم لم يخالفوا في أصل التنـزيه الخلفَ الذين يعينون معنى موافقاً للتنـزيه بما يرشدهم إليه استعمالات العرب وأدلة المقام وقرائن الحال، على أن الخلف يفوِّضون علم ما لم يظهر لهم وجهه كوضح الصبح إلى الله سبحانه.
فالخلاف بين الفريقين هيِّن يسير وكلاهما منـزه، وإنما السبيل على الذين يحملون تلك الألفاظ على المعاني المتعارفة بينهم عند إطلاقها على الخلق ويستبدلون بها ألفاظاً يظنونها مرادفة لها ويستدلون بالمفاريد والمناكير والشواذ والموضوعات من الروايات. ويزيدون في الكتاب والسنة أشياء من عند أنفسم ويجعلون الفعل الوارد صفة إلى نحو ذلك، فهؤلاء يلزمون مقتضى كلامهم وهم الحشوية.
فمن قال: إنه استقر بذاته على العرش وينـزل بذاته من العرش، ويُقعِد الرسول  على العرش معه في جنبه وإن كلامه القائم بذاته صوت وإن نـزوله بالحركة والنقلة وبالذات وإن له ثقلاً يثقل على حملة العرش، وأنه متمكن بالسماء أو العرش، وأن له جهة وحدَّاً وغاية ومكاناً، وأن الحوادث تقوم به وأنه يماس العرش أو أحداً من خلقه، ونحو ذلك من المخازي فلا نشك في زيغه وخروجه وبعده عما يجوز في الله سبحانه. وهذا مكشوف جداً فلا يمكن ستر مثل تلك المخازي بدعوة السلفية، والذين يدينون بها هم الذين نستنكر عقائدهم ونستسخف أحلامهم، ونذكرهم بأنهم نوابت حشوية )) انتهى
قلت : أما خبر الحسن البصري فقد رددنا عليه وعمدة الكوثري الجهمي في النقل ما جاء في (( شفاء العليل )) للخفاجي وهو متأخر ( ت : 1069 هـ ) له ترجمة في (( خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر )) أما (( شفاء الغليل ) فهو كتابه (( شفاء العليل فيما في لغة العرب من الدخيل )) ولم أقع عليه . وعزى إلى ذيل لب اللباب لأحمد العجمي وهو متأخر أيضاً ( ت : 1069 ) له ترجمة في خلاصة الأثر وفي الأعلام وغيرهما .
والذي في اللب نفسه لا حجة له فيه قال السيوطي وهو صاحب اللب : " الحَشْوية: طائفة يشبهون الله تعالى بخلقه ومن مذهبهم جواز وجود ما لا كمعنى له في الكتاب والسنة وهو الحشو فكأنها نسبة له ويقال أيضاً الحَشَوية "اهـ والذين يجوزون وجود ما لا معني له في كتاب الله هم الأشاعرة أنفسهم يقصدون بذلك آيات الصفات لأنه للأشعري فيها قولان قول بالتأويل وقول بالتفويض للمعني قال ناظمهم :
وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها
وتفويض المعني حقيقته أنه لا معني لتلك الآيات المشكلة التي تشبه كلام العجم التي استثناه أولئك الأكياس ! من كتابه الذي أمر الله بتدبره وزعموا أن السلف لم يدروا لها معني وأنهم ( وهم الخلف ! ) أولوا ظاهرها ثم قالوا : إن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم فحقيقة قولهم كما قال شيخ الإسلام : تزكية أصحابهم وذم السلف !!
ثم اعلم أن هذه النسبة لم يذكرها أحد من أئمة هذا الشأن من المؤلفين في الأنساب كالسمعاني والصحاري وغيرهما .
وأما قوله (إنه استقر بذاته على العرش ) فقد تقدم الكلام عنه وأنه من تفسير السلف وما حذا بالكوثري إلى التشنيع بهذا القول إلا جهله ببقية مقالهم فإنهم قالوا إنه استوى علي العرش بحد ولهم كتب ومقالات في إثبات الحد لله وهو ينافي أن يختلط بخلقه أو يختلط خلقه به فله العلو المطلق علي الخلق المنافي للخلطة والحلول لا كما زعم الكوثري أنهم يقولون: عرشه مكانه الذي استقر عليه يحفه ويختلط به كما هو حال المخلوقين .
وأما قوله ( يقعد نبيه معه ) فللعلماء فيه مسالك منهم من غالى في إثباته وقال : من لم يثبته فهو كافر كالقاضي أبي يعلى الحنبلي ومنهم من لم يثبته وغالى في النفي وحقيقة الاعتقاد التعليق على ثبوت النص فما ثبت به النص أثبتاه علي ما يليق بالله وما نفاه نفيناه وقد صح هذا القول عن مجاهد وغيره وحكاه ابن جرير ولم يختره في تفسير قوله تعالى ( عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ) ولكنه قال هنالك أيضاً ( 17 / 531 ) : " فإن ما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك. فأما من جهة النظر، فإن جميع من ينتحل الإسلام إنما اختلفوا في معنى ذلك على أوجه ثلاثة ....ثم حكاها ...وقال : وغير محال في قول منها ما قال مجاهد في ذلك."اهـ
وقال القرطبي الأشعري !( تفسيره 10 / 311 ): ((وروى عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال: يجلسه على العرش.وهذا تأويل غير مستحيل ))اهـ
ولأبي بكر المروذي مختصر كتاب (( الرد على من رد حديث مجاهد )) وهو لأبي الحسن التميمي وفي إبطال التأويلات لأبي يعلى كلام كثير في ذلك وآثار مستفيضة ونقولات وحجج عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن مسعود وغيرهم ( انظر ص 476 حتى ص 490 ) وفيه ان أحمد ابن حنبل نظر في كتاب الترمذي وقال : لم هذا عن مجاهد وحده هذا عن ابن عباس !
وقال ابن عمير :سمعت أحمد بن حنبل سئل عن حديث مجاهد يقعد محمداً علي العرش فقال : قد تلقته العلماء بالقبول ، نسلم الخبر كما جاء .
فإن قيل :كيف يقعده معه على عرشه ؟ قيل هذا لا مانع منه كما تقدم عن ابن جرير وغيره لأنه في الصحيح أن الله تعالى كتب في كتاب عنده فوق العرش أن رحمته غلبت غضبه فأخبر ان الكتاب معه على العرش وفي خبر ابن مسعود أن الله يقعده على الكرسي والكرسي غير العرش على الأظهر والحاصل أن هذا لا مانع منه وبه جاءت الأخبار وتلقته العلماء بالقبول وما علينا غير التسليم .
إذا علمت هذا زدتك أن مجاهداً المنسوب إليه ذلك القول معدود من أهل الرأي حتى لا يقول قائل : إنه حشوي لا يدري الرأي ولا القياس قال ابن قتيبة ( تأويل مختلف الحديث 57 ) :" كان أشد أهل العراق في الرأي والقياس الشعبي وأسهلهم فيه مجاهد حدثني أبو الخطاب قال حدثني مالك بن سعيد قال نا الأعمش عن مجاهد أنه قال أفضل العبادة الرأي الحسن "اهـ
وقوله ( وأن كلامه صوت ) فذلك من إخزاء الله له أن عارض النصوص بعقله الفارغ وفلسفته وتشكيكاته وكلامه :
يروك أنْ تَزِنِ الوَحْيَيْنِ مُجْتَرِئًا عَليهما بِعُقُولِ الْمُغْفلِ العَجَمِ
وأنْ تُحَكِّمَها فِي كُلِّ مُشْتَجَرٍ إذْ لَيْسَ فِي الوَحْيِ مِن حُكْمٍ لِمُحْتَكِمِ
أمّا الكِتابُ فحَرِّفْ عَنْ مَواضِعِهِ إذْ ليْسَ يُعْجِزُكَ التَّحْريفُ لِلْكَلِمِ
كذا الأحادِيثُ آحادٌ وليْس بِها بُرْهانُ حقٍّ ولا فصْلٌ لِمُخْتَصِمِ
وقَدْ أبَى اللهُ إلا نَصْرَ ما خَذَلُوا وكَسْرَ ما نَصَرُوا مِنْهُمْ عَلى رَغَمِ
ألا يستحيي أن ينكر الصوت في حق الله وفي الصحيح ( يحشر الله العباد فيناديهم بصوت ) ومثل ذلك مذكور في موضعه لا نطيل به الرد علي هذا المماري .
وأما قوله ( وأن الحوادث تقوم به ) فيقال له : إن أردت الحوادث التي هي الصفات الفعلية نحو المجئ والإتيان وغيرهما فهذا قولهم وإن أردت بالحوادث المخلوقات الحادثة فلم يقله أحد منهم .
وقوله ( أنه يمس العرش ) فمما لم يقله محققو السلف وحكاه ابن جرير قولاً في التفسير في الموضع الذي أشرنا إليه ولم ينكره !
وقال الكوثري أيضاً : ((والثانية : المجسمة وقد تسمى الحشوية والمشبهة على اختلاف بينهم فيما يختلقونه في الله من السخافات والحماقات، تعالى الله عما يصفون. وهم مشاركون لهؤلاء في القول بجسم قديم قدماً ذاتياً، إلا أنهم يؤلهونه ويتعبدونه بخلاف هؤلاء، سواء أطلقوا لفظ الجسم عليه أم لم يطلقوا بعد أن قالوا بمعنى الجسم الشاغل للفراغ، الذاهب في الجهات، حيث خاضوا في ذات الله سبحانه بعقولهم الضئيلة التي تعجز عن اكتناه ذوات المخلوقات؛ وإنما علمهم بالمخلوقات عبارة عما تخيلوه بشأنها من إحساسهم بأغراضها، فكيف يجترئون على تخيل الحوم حول حمى الخالق جل وعلا.
قال ابن تيمية في التأسيس في رد أساس التقديس المحفوظ في ظاهرية دمشق في ضمن المجلد رقم 25 من الكواكب الدراري- وهذا الكتاب مخبأة ووكر لكتبهم في التجسيم وقد بينت ذلك فيما علقته على المصعد الأحمد (ص31): ( فمن المعلوم أن الكتاب والسنة والإجماع لم ينطق بأن الأجسام كلها محدثة وأن الله ليس بجسم، ولا قال ذلك إمام من أئمة المسلمين، فليس في تركي لهذا القول خروج عن الفطرة ولا عن الشريعة) اهـ.
وقال في موضع آخر منه: ( قلتم ليس هو بجسم، ولا جوهر, ولا متحيز, ولا في جهة ولا يشار إليه بحس ولا يتميز منه شيء؛ وعبرتم عن ذلك بأنه تعالى ليس بمنقسم ولا مركب وأنه لا حد له ولا غاية، تريدون بذلك أنه يمتنع عليه أن يكون له حد وقدر أو يكون له قدر لا يتناهى.. فكيف ساغ لكم هذا النفي بلا كتاب ولا سنة) اهـ، وفي ذلك عِبَر للمعتبر، وهل يتصور لمارقٍ أن يكون أصرح من هذا بين قوم مسلمين ؟ ))انتهى
قلت : أما قول ابن تيمية الأول فصحيح قطعاً أين في كتابه الله أن الله ليس بجسم أو أنه جسم هذا مما لم ينطق به الكتاب بل قد أطلق بعض الجهمية قول إن الله ليس بجسم لنفي وجوده أصلاً كما حكاه عنهم ابن القيم وبعضهم أطلقه لنفي علوه وهم جميع الجهمية وبعضهم أطلقه لنفي الرؤية وهم المعتزلة والجهمية واطلقته الأشاعرة تبعاً لنفي الاستواء هذا من جهة من نفي أما من أثبت وهم المشبهة فقال : هو جسم لان له جوارح وأجزاء وأبعاضاً وله ما للإنسان المخلوق ما خلا الفرج واللحية إلى آخر سخفهم . وأهل السنة برآء من هؤلاء وهؤلاء عدل بين هؤلاء وهؤلاء لا يقول في الله ولا كتاب الله ولا رسول الله إلا بما قال الله أو رسوله .
وأما قوله الثاني فقد ألزمكم بالقول علي الله بلا دليل فالتزمتم القول ولم تبينوا الدليل فهذا حظه وذاك حظكم .
وقال السبكي : ((قال: (يا وارد القلوط) .فأتى ببضعة عشر بيتاً[ ] من هذا القبيل فهل سمع أحد بأن هذا كلام أهل العلم، وما دعاني إلى الوقوف على هذا الوسخ؟. ينبغي أن يأتي له (مجلى) مثله يتكلم معه زيبق المشاعلي, أو غرير المرقد, أو أهل جعفر, أو عماد فكيف بابن حجاج؟ ))انتهى
وقال الكوثري تعليقاً : (( لفظة عامية لا ينطق بها من العوام إلا من هو بالغ الوقاحة، فضلاً عن أهل العلم، فنأبى شرح هذه الكلمة القذرة المنتنة ))انتهى
قلت :هذا مما لا حجة لهم فيه أولاً لأن القلوط : هو كما لا يعلمون . وفي اللسان ( 7 / 79 ): ((وأَما ما ورد في حديث مكحول أَنه سئل عن القَلُوص أَيُتوضأُ منه ؟ فقال لم يتَغَير القَلوص نهر قَذِرٌ إِلا أَنه جار وأَهل دمشق يسمون النهر الذي تنصبّ إِليه الأَقذار والأَوساخ نهرَ قَلُوط بالطاء ))انتهى
وقال ابن عيسى في شرح النونية ( 2 / 86 ) : « القلوط - بفتح القاف وتشديد اللام وبالطاء المهملة - هو نهر بدمشق الشام يحمل أقذار البلد وأوساخه وأنتانه ، ويسمى في هذا الوقت : قليطا بالتصغير » .
فقصد ابن القيم : يا واردَ نهرِ القَذََرِ ، وهذا مما لا يشنع به عليه هكذا ! ولذا قال :
لعذرته أن بال في القلوط لم يشرب به مع جملة العميانِ
يا وارد القلوط لا تكسل فرأ س الماء فاقصده قريب دانِ
وقال :
وردوا عذاب مناهل السنن التي ليست زبالة هذه الأذهانِ
وردتم القلوط مجرى كل ذي الـ ـأوساخ والأقذار والأنتانِ
وإن كانت الأخري فله سلف في ذلك ؛ قال أبو بكر يوم الحديبة : ((عضضت ببظْر اللات، أنحنُ نخذُله؟! وقال حمزة : وأنت يا ابن مقطِّعة البُظور ممن يكثِّر علينا!وبلفظ :....تحاد الله ورسوله !كما في البخاري .ومثل هذا كثير لمن تتبعه وفي ذلك غنية والله المستعان .
(( تمت بحمد الله والصلاة والسلام على نبيه ))

أسـامة
2010-03-21, 09:07 AM
جزاك الله خيرًا ونفع بك.

جمال البليدي
2010-03-21, 01:00 PM
أحسنت بارك الله فيك أخي الكريم

أبوقتادة وليد الأموي
2010-03-21, 11:13 PM
وإياكما أخويَّ.