سالم السمعاني
2010-03-08, 04:58 PM
محاور الغزو الثقافي للغة العربية في مصر
1 / 5
الشيخ: سليمان بن عبدالله النتيفي
تمهيد:
الاستشراق هو نتاج فكري للحروب الصليبية، ويُعرَّف بأنَّه دراسةُ العلوم الشرقية لأهداف تنصيرية.
وعند التتبع لتاريخ الاستشراق نجده تاريخاً عريقاً في الشر، وليس وليدَ هذه الساعة.
ففي القرن السابع الهجري اشتدت حملات النصارى على المسلمين في الأندلس، فدعا ملكُ قشتالة أحدَ رجالِه، وطلب منه أن يتولى دراسةَ العلوم الإسلامية، وترجمةَ مايقدر على ترجمته إلى لغة الإفرنج، فأسند الرجل بدوره هذه المهمة الكبرى إلى بعض الرهبان الذين بذلوا ما استطاعوا من جهد، وقام ملك طليطلة بدور مماثل.
وقد ظهرت مؤخراً وثيقة تدل على تحوُّل الصليبيين عن الغزو العسكري إلى الغزو الثقافي بوصية من القديس (لويس) قائدِ الحملة الصليبية الثامنة ، وهي وصية خطيرة .
وفي مطلع القرن الثالث عشر الهجري ( أواخر القرن الثامن الميلادي ) عمد المستشرقون إلى تغيير أساليبهم في الاستشراق وذلك بتوجيه الاستشراق وجهةَ البحث العلمي البحت زاعمين بذلك أنهم حرَّروا الاستشراق من الأغراض التبشيرية ، وهيهات، وبهذا التوجه استطاع المستشرقون أن يتسلَّلوا في وضح النهار إلى الدوائر العلمية والجامعات في الدول الإسلامية، بل دخلوا إلى المجامع العلمية في القاهرة ودمشق وبغداد.
وقد مهّد المستشرقون لهذا الغزو الثقافي وخصوصاً ما يتعلق بجانب اللغة العربية فأعدوا له العدة، وخططوا له فلم يكن عملهم ارتجالياً، وقد اهتموا بدراسة اللهجات العربية منذ القرن التاسع عشر الميلادي ومن مظاهر هذا الاهتمام مايلي:
1- إدخالهم تدريس اللهجات العامية العربية في مدارسهم وجامعاتهم مستعينين في ذلك بالشرقيين والمستشرقين، ومن تلك الأمثلة:
أ - في إيطاليا دُرِّست العاميةُ العربية في مدرسة نابولي للدروس الشرقية التي أُنشئت سنة 1727م .
ب - في النمسا أُنشئت مدرسةٌ في فينّا سنة 1754م تسمى مدرسة القناصل، تعلمهم لغات الشرق ومنها العربية مهتمة بلهجاتها.
ج - وفي فرنسا دُرست اللهجاتُ العامية العربية في مدرسة باريس للغات الشرقية الحيّة التي أنشئت سنة 1759م .
د - وفي ألمانيا أنشئ مكتب في برلين لتدريس اللغات الشرقية ومنها العربية ولهجاتها المحلية .
هـ - وفي إنجلترا أَنشأت جامعةُ لندن فرعاً فيها لتدريس العربية الفصحى والعامية .
2 - اهتمامهم بالتأليف في اللهجات العامية العربية ، وهي قسمان :
أ - منها ما ألفه أبناء العربية بإيعاز منهم ، ومن تلك المؤلفات :
- أحسن النخب في معرفة لسان العرب / لمحمد عياد الطنطاوي .
- الرسالة التامة في كلام العامة والمناهج في أحوال الكلام الدارج / لميخائيل الصباغ .
ب - ومنها ما قام المستشرقون أنفسهم بتأليفه ، ومن أمثلة ذلك :
- قواعد العربية العامية في مصر / للدكتور ولهلم سبيتا .
- اللهجة العربية الحديثة في مصر / للدكتور كارل فولرس .
- العربية المحكية في مصر / لسلدن ولمور .
وليس هدفهم من دراسة اللهجات العربية المحلية هو البحث العلمي كما زعموا، ولا من أجل حاجتهم إلى معرفة لهجات البلاد العربية التي تقتضي مصالحهم أن يعيشوا فيها ويتعاملوا مع أهلها، وإنما من أجل القضاء على العربية وإحلال العامية محلها، فهم ليسوا أهلاً لأن يُحسنَ الإنسانُ فيهم الظن، فكم لسعوا وكم لدغوا، ولا يُلدغ المؤمنُ من جحر مرتين .
وللاستشراق آثار عامة في البلاد العربية والإسلامية، وفي مختلف العلوم الإسلامية، ومن هذه الآثار ما يلي:
1 - كان الاستشراق وراء كل شبهة أو دعوة خطيرة أَحدثت تحولاً في المجتمع الإسلامي في العصر الحديث، فقد كانوا يُلقون الشبهة ثم يَتْبعهم الكتاب والمفكرون جاهلين أو متجاهلين أو مغرضين وهذا يذكر بقول المتنبي :
أنام ملءَ جفوني عن شواردِها ويسهرُ الخلقُ جرَّاها ويختصمُ
ومن أوضح ما يمثل هذه المسألة قضية الدعوة إلى العامية، والدعوة إلى القوميات والإقليميات الضيقة كالفينيقية والفرعونية .
2 - العمل على إخضاع النصوص للفكرة التي يفرضونها ، فالنتيجة عندهم هي المقدمة على الأدلة وهذا خطأ في المنهج العلمي للبحث، فعلى القارئ لكتب هؤلاء أن يتنبه لهذه القضية ولا يغتر بالأدلة التي يسوقونها فهم يلوون أعناق النصوص لتساير مرادهم ولا يخضعون للنصوص في حكمهم .
3 - نجد المستشرقين يتحكمون في المصادر التي يختارونها فهم ينقلون من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث النبوي، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه، ويصححون ما ينقله الدميري في كتاب الحيوان ويكذبون ما يرويه مالك في الموطأ، ولقد جرى بعض المسلمين على مسلكهم فوجدنا من يخرج الحديث من كتاب العمدة لابن رشيق.
4 - الحرص على التشويه، والخلط، والتدليس مثال ذلك ما قام به المستشرق الألماني (ولهلم هور نباخ) فقد جمع قطعاً ونُتَفَاً من كتاب ( الإصابة ) لابن حجر ثم نشرها على أنها كتاب (الردة) لابن حجر الذي ألَّفه أبو زيد بن الفرات المتوفى عام 237ه- وهو فارسي الأصل وقد ضاع هذا الكتاب فأشار إليه ابن حجر في بعض المواضع، فجمع هذه القطع التي تضم أسماء الصحابة على أنها تراجم لأشخاص ارتدوا عن الإسلام.
وشبيه بهذا ما أورده أحدُ المستشرقين من الزعم بأن العرب كانوا قبل البعثة النبوية على حضارة ونهضة، وأن دورَ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يزد على أنه نهض بهم فنهضوا .
5 - حرص المستشرقون على التنويه ببعض الفرق الضالة المفسدة في تاريخ الإسلام كالقرامطة، فهم يحاولون إظهارهم بمظهر طلاب العدل والإصلاح.
6 - عملَ المستشرقون على إحياء التراث الباطني المجوسي بهدف تحطيم أصالة الفكر الإسلامي، وذلك كإحيائهم للمخطوطات التي تحمل سموم الإلحاد والإباحية، أمثال شعر بشار بن برد، وأبي نواس، وكتب الحلاج، وابن عربي، وابن سبعين، وكتب غلاة الرافضة والإسماعيلية والفاطميين.
7 - ولا ريب أنَّ أخطرَ آثارِ الاستشراق هو اعتبارُ كتبِ المستشرقين وبحوثهم مراجعَ أساسيةً في التاريخ، والسيرة، والفقه، والعقائد، وغير ذلك، فقد عملوا على نشر الموسوعات ودوائر المعارف لتكون مراجع سهلة للباحثين وملؤوها بالسموم والشبهات مثل:
- دائرة المعارف الإسلامية .
- المنجد في العلوم واللغة والآداب .
http://www.m-muslim.com/vb/showthread.php?t=613
1 / 5
الشيخ: سليمان بن عبدالله النتيفي
تمهيد:
الاستشراق هو نتاج فكري للحروب الصليبية، ويُعرَّف بأنَّه دراسةُ العلوم الشرقية لأهداف تنصيرية.
وعند التتبع لتاريخ الاستشراق نجده تاريخاً عريقاً في الشر، وليس وليدَ هذه الساعة.
ففي القرن السابع الهجري اشتدت حملات النصارى على المسلمين في الأندلس، فدعا ملكُ قشتالة أحدَ رجالِه، وطلب منه أن يتولى دراسةَ العلوم الإسلامية، وترجمةَ مايقدر على ترجمته إلى لغة الإفرنج، فأسند الرجل بدوره هذه المهمة الكبرى إلى بعض الرهبان الذين بذلوا ما استطاعوا من جهد، وقام ملك طليطلة بدور مماثل.
وقد ظهرت مؤخراً وثيقة تدل على تحوُّل الصليبيين عن الغزو العسكري إلى الغزو الثقافي بوصية من القديس (لويس) قائدِ الحملة الصليبية الثامنة ، وهي وصية خطيرة .
وفي مطلع القرن الثالث عشر الهجري ( أواخر القرن الثامن الميلادي ) عمد المستشرقون إلى تغيير أساليبهم في الاستشراق وذلك بتوجيه الاستشراق وجهةَ البحث العلمي البحت زاعمين بذلك أنهم حرَّروا الاستشراق من الأغراض التبشيرية ، وهيهات، وبهذا التوجه استطاع المستشرقون أن يتسلَّلوا في وضح النهار إلى الدوائر العلمية والجامعات في الدول الإسلامية، بل دخلوا إلى المجامع العلمية في القاهرة ودمشق وبغداد.
وقد مهّد المستشرقون لهذا الغزو الثقافي وخصوصاً ما يتعلق بجانب اللغة العربية فأعدوا له العدة، وخططوا له فلم يكن عملهم ارتجالياً، وقد اهتموا بدراسة اللهجات العربية منذ القرن التاسع عشر الميلادي ومن مظاهر هذا الاهتمام مايلي:
1- إدخالهم تدريس اللهجات العامية العربية في مدارسهم وجامعاتهم مستعينين في ذلك بالشرقيين والمستشرقين، ومن تلك الأمثلة:
أ - في إيطاليا دُرِّست العاميةُ العربية في مدرسة نابولي للدروس الشرقية التي أُنشئت سنة 1727م .
ب - في النمسا أُنشئت مدرسةٌ في فينّا سنة 1754م تسمى مدرسة القناصل، تعلمهم لغات الشرق ومنها العربية مهتمة بلهجاتها.
ج - وفي فرنسا دُرست اللهجاتُ العامية العربية في مدرسة باريس للغات الشرقية الحيّة التي أنشئت سنة 1759م .
د - وفي ألمانيا أنشئ مكتب في برلين لتدريس اللغات الشرقية ومنها العربية ولهجاتها المحلية .
هـ - وفي إنجلترا أَنشأت جامعةُ لندن فرعاً فيها لتدريس العربية الفصحى والعامية .
2 - اهتمامهم بالتأليف في اللهجات العامية العربية ، وهي قسمان :
أ - منها ما ألفه أبناء العربية بإيعاز منهم ، ومن تلك المؤلفات :
- أحسن النخب في معرفة لسان العرب / لمحمد عياد الطنطاوي .
- الرسالة التامة في كلام العامة والمناهج في أحوال الكلام الدارج / لميخائيل الصباغ .
ب - ومنها ما قام المستشرقون أنفسهم بتأليفه ، ومن أمثلة ذلك :
- قواعد العربية العامية في مصر / للدكتور ولهلم سبيتا .
- اللهجة العربية الحديثة في مصر / للدكتور كارل فولرس .
- العربية المحكية في مصر / لسلدن ولمور .
وليس هدفهم من دراسة اللهجات العربية المحلية هو البحث العلمي كما زعموا، ولا من أجل حاجتهم إلى معرفة لهجات البلاد العربية التي تقتضي مصالحهم أن يعيشوا فيها ويتعاملوا مع أهلها، وإنما من أجل القضاء على العربية وإحلال العامية محلها، فهم ليسوا أهلاً لأن يُحسنَ الإنسانُ فيهم الظن، فكم لسعوا وكم لدغوا، ولا يُلدغ المؤمنُ من جحر مرتين .
وللاستشراق آثار عامة في البلاد العربية والإسلامية، وفي مختلف العلوم الإسلامية، ومن هذه الآثار ما يلي:
1 - كان الاستشراق وراء كل شبهة أو دعوة خطيرة أَحدثت تحولاً في المجتمع الإسلامي في العصر الحديث، فقد كانوا يُلقون الشبهة ثم يَتْبعهم الكتاب والمفكرون جاهلين أو متجاهلين أو مغرضين وهذا يذكر بقول المتنبي :
أنام ملءَ جفوني عن شواردِها ويسهرُ الخلقُ جرَّاها ويختصمُ
ومن أوضح ما يمثل هذه المسألة قضية الدعوة إلى العامية، والدعوة إلى القوميات والإقليميات الضيقة كالفينيقية والفرعونية .
2 - العمل على إخضاع النصوص للفكرة التي يفرضونها ، فالنتيجة عندهم هي المقدمة على الأدلة وهذا خطأ في المنهج العلمي للبحث، فعلى القارئ لكتب هؤلاء أن يتنبه لهذه القضية ولا يغتر بالأدلة التي يسوقونها فهم يلوون أعناق النصوص لتساير مرادهم ولا يخضعون للنصوص في حكمهم .
3 - نجد المستشرقين يتحكمون في المصادر التي يختارونها فهم ينقلون من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث النبوي، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه، ويصححون ما ينقله الدميري في كتاب الحيوان ويكذبون ما يرويه مالك في الموطأ، ولقد جرى بعض المسلمين على مسلكهم فوجدنا من يخرج الحديث من كتاب العمدة لابن رشيق.
4 - الحرص على التشويه، والخلط، والتدليس مثال ذلك ما قام به المستشرق الألماني (ولهلم هور نباخ) فقد جمع قطعاً ونُتَفَاً من كتاب ( الإصابة ) لابن حجر ثم نشرها على أنها كتاب (الردة) لابن حجر الذي ألَّفه أبو زيد بن الفرات المتوفى عام 237ه- وهو فارسي الأصل وقد ضاع هذا الكتاب فأشار إليه ابن حجر في بعض المواضع، فجمع هذه القطع التي تضم أسماء الصحابة على أنها تراجم لأشخاص ارتدوا عن الإسلام.
وشبيه بهذا ما أورده أحدُ المستشرقين من الزعم بأن العرب كانوا قبل البعثة النبوية على حضارة ونهضة، وأن دورَ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يزد على أنه نهض بهم فنهضوا .
5 - حرص المستشرقون على التنويه ببعض الفرق الضالة المفسدة في تاريخ الإسلام كالقرامطة، فهم يحاولون إظهارهم بمظهر طلاب العدل والإصلاح.
6 - عملَ المستشرقون على إحياء التراث الباطني المجوسي بهدف تحطيم أصالة الفكر الإسلامي، وذلك كإحيائهم للمخطوطات التي تحمل سموم الإلحاد والإباحية، أمثال شعر بشار بن برد، وأبي نواس، وكتب الحلاج، وابن عربي، وابن سبعين، وكتب غلاة الرافضة والإسماعيلية والفاطميين.
7 - ولا ريب أنَّ أخطرَ آثارِ الاستشراق هو اعتبارُ كتبِ المستشرقين وبحوثهم مراجعَ أساسيةً في التاريخ، والسيرة، والفقه، والعقائد، وغير ذلك، فقد عملوا على نشر الموسوعات ودوائر المعارف لتكون مراجع سهلة للباحثين وملؤوها بالسموم والشبهات مثل:
- دائرة المعارف الإسلامية .
- المنجد في العلوم واللغة والآداب .
http://www.m-muslim.com/vb/showthread.php?t=613